منهاج الصالحين

اشارة

سرشناسه : طباطبائي حكيم، محمد سعيد، 1935- م.

عنوان و نام پديدآور : منهاج الصالحين/ فتاوي محمدسعيد الطباطبايي الحكيم.

مشخصات نشر : مكتب آيه الله العظمي السيد الحكيم ، 14ق. = 19 - م. = 13 -

مشخصات ظاهري : ج.

وضعيت فهرست نويسي : كاربرگه كتاب فارسي

يادداشت : عربي

يادداشت : چاپ قبلي: مكتب آيه الله العظمي السيدالحكيم؛ موسسه المناره، 1416ق.

يادداشت : ج.1 (چاپ دوم: 1418ق. = 1977م. = 1376).

مندرجات : ج. 1. العبادات .--

موضوع : فقه جعفري -- رساله عمليه

موضوع : فتوا هاي شيعه -- قرن 14

رده بندي كنگره : BP183/9 /ط15م 8 1376

رده بندي ديويي : 297/3422

شماره كتابشناسي ملي : م 78-6270

الجزء الأول

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي سيدنا محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

و بعد. فيقول العبد الفقير إلي اللّه تعالي (محمد سعيد) عفي عنه، نجل سماحة حجة الإسلام و المسلمين آية اللّه (السيد محمد علي الطباطبائي الحكيم) دامت بركاته: هذه رسالة عملية تشتمل علي الأحكام الشرعية للمسائل الّتي تعمّ بها البلوي من أبواب العبادات و المعاملات و غيرها.

و قد سميتها (منهاج الصالحين) باسم رسالة سيدنا الأعظم مرجع الطائفة الأستاذ الجد (السيد محسن الطباطبائي الحكيم) أعلي اللّه مقامه لأني و إن خرجت عنها كثيرا في التعبير و التبويب و نظم المسائل، إلا أني قد جاريتها في منهجها، و سرت علي ضوئها، و استعنت بكثير من عباراتها. و قد حافظت علي هذا الاسم تيمنا به، و اعتزازا بصاحبه، و إبقاء لذكره، اعترافا بالفضل و أداء للحق.

و أسأله تعالي أن يعصمني من الزلل، في القول و العمل، و يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، و لا يحرمني أجره، و أن ينفع به إخواني المؤمنين و يوفقني لخدمتهم،

و يجعلني عند حسن ظنهم، و يرزقني مودتهم و دعاءهم.

و أسأله (جل شأنه) لي و لهم خير العاجلة و ثواب الآجلة إنه أرحم الراحمين و هو حسبنا و نعم الوكيل، نعم المولي و نعم النصير.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 5

بسم اللّه الرحمن الرحيم العمل بهذه الرسالة الشريفة مجز و مبرئ للذمة ان شاء الله تعالي محمد سعيد الطباطبائي الحكيم 20 شوال 1414 ه

مقدمة في بعض مسائل التقليد.

يبلغ الإنسان الذكر مرتبة التكليف بأحد أمور:

الأول: الإنبات، و هو ظهور الشعر الخشن في منطقة العانة و هي فوق الذكر و من جانبيه.

الثاني: خروج المني، سواء كان بالاحتلام أم بدونه و لو في حال اليقظة.

الثالث: إكمال خمس عشرة سنة قمرية. أما الأنثي فتبلغ مرتبة التكليف بإكمال تسع سنين قمرية.

مسألة (1): إذا بلغ الإنسان مرتبة التكليف و وجب عليه تطبيق أحكام الشريعة و تكاليفها علي أعماله أمكنه تطبيقها بأحد وجوه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 6

الأول: الاجتهاد، بأن ينظر في أدلة الأحكام الشرعية و يعرف بنفسه الحكم منها و يعمل عليه. و هو لا يتيسر إلا لقليل من الناس.

الثاني: الاحتياط، بأن يتحفظ علي التكليف في مورد احتماله، سواء قامت عليه حجة أم لم تقم.

فإن أفتي بعض المجتهدين بحرمة التدخين- مثلا- و أفتي بعضهم بحليته يلتزم بترك التدخين لاحتمال حرمته. و إن أفتي بعضهم بوجوب تسبيحة واحدة في الصلاة، و أفتي بعضهم بوجوب ثلاث تسبيحات يلتزم بالإتيان بثلاث تسبيحات لاحتمال وجوبها. و إن أفتي بعضهم بوجوب القصر و أفتي بعضهم بوجوب التمام يلتزم بالجمع بين القصر و التمام لاحتمال وجوب كل منهما.

و هكذا كلما احتمل وجود التكليف يحتاط بموافقته. و هذا الطريق يتعذر أو يعسر في حق أكثر الناس.

الثالث: التقليد، بأن

يرجع المكلف في ما لا يعرفه من الأحكام للمجتهد العالم بها الذي يأخذها من أدلتها الشرعية و العقلية المعتبرة، فيعمل بفتاواه فيها.

و هذا الطريق هو المتيسر لعامة الناس.

(مسألة 2): يعتبر في المجتهد الذي يصح تقليده أمور:

الأول و الثاني: الذكورة، و طهارة المولد علي الأحوط وجوبا.

الثالث: الإيمان، و هو الاعتقاد بإمامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت «صلوات اللّه عليهم».

الرابع: العدالة بمرتبة عالية، بأن يكون علي مرتبة من التقوي تمنعه عادة من مخالفة التكليف الشرعي و من الوقوع في المعصية و إن كانت صغيرة، بحيث لو غلبته دواعي الشيطان- نادرا- فوقع في المعصية لأسرع للتوبة و أناب للّه تعالي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 7

و أما العدالة المعتبرة في غير المقلّد كإمام الجماعة و الشاهد فيكفي فيها التقوي المانعة من ارتكاب المعصية الكبيرة، و لا يقدح فيها ارتكاب المعصية الصغيرة من دون إصرار و استهوان.

(مسألة 3): إذا قلد مجتهدا فمات وجب البقاء علي تقليده إلي أن يظهر من الأحياء من هو أعلم منه بفارق ظاهر و مرتبة معتدّ بها.

(مسألة 4): إذا اختلف المجتهدون في الفتوي فإن كان أحدهم متفوقا علي الآخرين بمرتبة معتدّ بها وجب اختياره، و مع عدمه فالأحوط وجوبا العمل بأحوط الأقوال و مع تعذر ذلك أو تعسره- كما هو الغالب- فاللازم اختيار الأعلم و لو بمرتبة ضعيفة، و مع التساوي بينهم يترجح الأورع، و مع عدمه يتخير بين المجتهدين، فيقلد أحدهم، و يعمل بفتاواه.

(مسألة 5): يثبت اجتهاد المجتهد و أعلميته و عدالته- بالنحو المتقدم- بالعلم الناشئ من المخالطة و الاختبار أو من الشياع أو غيرهما. و مع عدمه يكفي فيه شهادة الثقة من أهل الخبرة، إذا استندت إلي الاختبار و نحوه مما

يلحق بالحس، و لا يكفي استنادها للحدس و التخمين، و مع اختلاف أهل الخبرة تسقط شهادتهم.

(مسألة 6): إذا احتمل أعلمية بعض المجتهدين وجب الفحص عنه، فمع ثبوته بالعلم أو غيره مما تقدم في المسألة الخامسة يلزم اختياره، و مع عدم تيسر معرفته بالوجه المتقدم، فإن أمكن العمل بأحوط الأقوال تعيّن، و مع تعذّره أو تعسّره- كما هو الغالب- إن احتمل أعلمية شخص بعينه من دون أن يحتمل أعلمية غيره منه يتعين تقليده.

و إن كان احتمال الأعلمية لأكثر من شخص واحد تعين اختيار من يظن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 8

بأعلميته، و مع اختلاط الأمر و عدم تيسر الظن بأعلمية أحدهم يتعين اختيار الأورع، و مع عدمه يتخير بينهم كما سبق في صورة التساوي.

(مسألة 7): إذا قلد مجتهدا ثم ظهر له أن تقليده لم يكن علي الوجه الشرعي لزم العدول عنه و التقليد لغيره علي الوجه المطلوب شرعا.

(مسألة 8): إذا بقي علي تقليد الميت فاستجدت له بعض المسائل التي لا يستطيع معرفة فتوي الميت فيها وجب الرجوع فيها للحي، و مع اختلاف الأحياء يجري ما سبق من الترجيح و التخيير. و كذا لو كان مقلدا للحي و تعذر معرفة رأيه في بعض المسائل.

(مسألة 9): إذا قلد مجتهدا و عمل علي رأيه مدة ثم عدل المجتهد عن رأيه اجتزأ المقلد بعمله السابق و لم يجب عليه قضاؤه في العبادات و نحوها مما يمكن فيه التدارك و كذا لو عدل المقلد من مجتهد إلي آخر إذا كان تقليده الأول علي الوجه الشرعي، أو علي غير الوجه الشرعي غفلة من دون تقصير، و أما إذا ابتني علي التسامح و التقصير فهو كما لو عمل من غير تقليد و

سيأتي حكمه.

(مسألة 10): إذا عمل من غير تقليد مدة من الزمان فليس له الاجتزاء بعمله، بل لا بد من الرجوع للمجتهد الجامع للشرائط فعلا و عرض عمله السابق عليه، فإن أفتي له بصحته أو بعدم وجوب إعادته اجتزأ به، و إلا أعاد.

(مسألة 11): من لا يتيسر له الفحص عمن يجب تقليده و أخذ الحكم منه، لبعده عن مراكز الثقافة الدينية، أو لقلة إدراكه كبعض النساء و العوام إذا وثق ببعض المتدينين- من طلاب العلوم الدينية أو غيرهم- في اختيار من يقلده أو في تعيين حكمه الفعلي ليعمل عليه، فأرشده في أمره و عيّن له الحكم أو المجتهد الذي يقلده فعمل علي ذلك كان كمن عمل عن تقليد صحيح، و تحمّل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 9

الشخص الذي أرشده مسئولية عمله، فيجب عليه بذل الوسع و استكمال الفحص عن مقتضي الميزان الشرعي أداء للأمانة، و إلا كان خائنا مسئولا أمام اللّه تعالي.

(مسألة 12): الوكيل في العمل عن الغير يعمل علي طبق تقليد موكّله أو اجتهاده، إلا مع القرينة الخاصة علي ابتناء الوكالة علي خلاف ذلك، و كذا الحال في الوصي فإنه يعمل علي طبق اجتهاد الموصي أو تقليده، إلا مع القرينة علي خلاف ذلك. نعم مع الجهل بتقليد الموكّل و الموصي أو اجتهاده يجوز العمل علي طبق اجتهاد الوكيل أو الوصي أو تقليدهما.

و أما الولي- المكلف بالقضاء عن الميت- فيعمل علي طبق تقليده أو اجتهاده بنفسه و كذا المتبرع. و أما الأجير فلا بد من اتفاقه مع المستأجر علي كيفية العمل إلا مع الانصراف إلي وجه معيّن تبتني عليه الإجارة ضمنا.

(مسألة 13): الحاكم الشرعي هو المجتهد العادل فإنه هو المنصوب من قبل أئمة أهل البيت

عليهم السلام للحكم و القضاء. فيجب الترافع إليه عند النزاع و التخاصم، و ينفذ حكمه في فصل الخصومة، و لا يجوز ردّ حكمه، بل الراد عليه كالراد علي الأئمة عليهم السلام الذي هو كالراد علي اللّه تعالي و هو علي حدّ الشرك باللّه، كما في الحديث الشريف.

(مسألة 14): لا يجوز الترافع لغير الحاكم الشرعي، بل يحرم المال المأخوذ بحكم ذلك الشخص و إن كان الآخذ محقا. نعم إذا علم صاحب الحق بثبوت حقّه جاز له استنقاذه بالترافع لغير الحاكم الشرعي، بشرط تعذّر الترافع عند الحاكم الشرعي أما للعجز عن الوصول إليه أو الخوف من ذلك أو امتناع من عليه الحق من الترافع عنده.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 10

(مسألة 15): لا يجوز للمقلد التصدي للقضاء و فصل الخصومة حتي علي طبق فتوي مقلّده و لا يجوز الترافع له و التحاكم عنده، و لا ينفذ حكمه.

نعم يجوز له بيان حكم الواقعة علي طبق تقليد المتخاصمين، فمع وثوقهما بصدقه و معرفته يجب عليهما العمل بقوله.

(مسألة 16): إذا مات المجتهد انعزل وكيله في الأمور العامة التي يرجع إليه فيها كتولّي أموال القاصرين و الأوقاف التي لا ولي لها و غير ذلك، بل لا بد من تجديد وكالته من مجتهد عادل آخر.

(مسألة 17): الاحتياط في هذه الرسالة علي قسمين:

الأوّل: الاحتياط الوجوبي، و يتخير المكلف بين العمل به و الرجوع لمجتهد آخر، الأعلم فالأعلم مع الإمكان علي التفصيل المتقدم.

الثاني: الاحتياط الاستحبابي، و يحسن من المكلف العمل به و إن كان له تركه.

(مسألة 18): إن كثيرا من المستحبات المذكورة في هذه الرسالة يبتني استحبابها علي ذكر العلماء لها أو ورود بعض الأخبار بها و إن لم تكن معتبرة السند، فيحسن

الإتيان بها برجاء المطلوبية، و كذا الحال في المكروهات، فيحسن الترك لها برجاء الكراهة، و لا يجوز في المقامين الجزم بالاستحباب و الكراهة.

هذا، و قد ورد في الأخبار الكثيرة عن الأئمة عليهم السلام أن من بلغه ثواب علي عمل فعمله كان له أجر ذلك و إن لم يكن علي ما بلغه، و منه سبحانه نستمد التوفيق.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 11

كتاب الطّهارة

اشارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 13

كتاب الطهارة و فيه مقاصد.

المقصد الأول في الماء و أحكامه

اشارة

ينقسم الماء 7 لي قسمين:

الأوّل: الماء المطلق، و هو ما يصح إطلاق لفظ الماء عليه من دون إضافة كماء المطر و ماء البحر و ماء النهر و ماء الآبار و العيون و الماء المقطر.

الثاني: الماء المضاف، و هو ما لا يصح إطلاق لفظ الماء عليه إلا بالإضافة و التقييد، و منه الماء المعتصر من بعض الأجسام كماء الليمون و ماء الرمان و ماء العنب، و منه الماء الذي يخلط به جسم آخر بقدر معتدّ به بحيث لا يصح إطلاق لفظ الماء عليه إلا مقيّدا به و مضافا إليه، كماء السكر و ماء الملح. و محل الكلام هو الأول، و أما الثاني فلا يذكر إلا تبعا.

إذا عرفت هذا فيقع الكلام في ضمن فصول

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 14

الفصل الأول في طهارة الماء و نجاسته

الماء طاهر بالأصل، و هو بجميع أقسامه ينجس بملاقاة النجاسة إذا تغير لونه أو طعمه أو رائحته. و أما إذا لم يتغير بها فإنما ينجس بالملاقاة إذا كان قليلا دون الكرّ و لم يكن له مادة، أما إذا بلغ الكرّ أو كان له مادة فإنه لا ينجس بملاقاتها من دون تغير. و هو المسمي بالماء المعتصم.

(مسألة 1): إنما ينجس الماء القليل بملاقاة النجاسة مع استقراره، أما إذا كان متدافعا بحيث يصدق عليه الجريان عرفا باتجاه معيّن فلا ينجس منه إلا موضع الملاقاة، دون ما قبله. فإذا جري من الأعلي للأسفل، و لاقي الأسفل النجاسة لم ينجس الأعلي، و إذا اندفع من الأسفل للأعلي- كما في النافورات- و لاقي الأعلي النجاسة لم ينجس الأسفل، و كذا إذا جري من اليمين للشمال و لاقي جانب الشمال النجاسة لم ينجس من جانب اليمين و هكذا.

(مسألة 2): الماء القليل كما

ينفعل بملاقاة النجس ينفعل بملاقاة المتنجس بجميع أقسامه.

(مسألة 3): الكرّ بحسب الحجم سبعة و عشرون شبرا مكعبا. و الأحوط وجوبا القياس بالشبر المقارب لربع المتر. و أما الكرّ بحسب الوزن فهو أربعمائة و أربعة و ستون كيلو غرام و مائة غرام، و الأحوط استحبابا ما يزيد علي ذلك قليلا حتّي يبلغ أربعمائة و سبعين كيلو غراما.

(مسألة 4): المراد بالماء الذي له مادة هو المتصل بغيره بحيث إذا نقص

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 15

أمدّه، سواء جري عليه، كالماء الذي تجري عليه الحنفية التي تأخذ من المخازن الكبيرة، أم نبع فيه، كماء الآبار و العيون. و لا بدّ فيها من اتصال المادة بالماء و لا يكفي تقاطرها و ترشحها عليه من دون اتصال.

(مسألة 5): المادة إنما تمنع الماء من الانفعال بملاقاة النجاسة إذا بلغت وحدها كرا، و لا يكفي كريّة مجموع المائين، فإذا كانت المادة ثلاثة أرباع الكر مثلا و جرت علي ماء يبلغ نصف كر لم تمنع من انفعاله، بل ينجس بملاقاة النجاسة و إن لم يتغير.

نعم مع استقرار المائين و عدم تدافع أحدهما علي الآخر يكفي كرّية المجموع في اعتصامه و عدم تنجسه بملاقاة النجاسة، كما في الغديرين المتصل أحدهما بالآخر بساقية ضيقة، و كما في المخازن الصغيرة المتصل بعضها ببعض بانبوب صغير. كما أن المجموع حينئذ يصلح أن يكون مادة عاصمة فإذا جري منه علي الماء القليل لم ينجس ذلك الماء بملاقاة النجاسة من دون تغير.

(مسألة 6): لا بد في التغير- الذي ينجس معه الماء و إن كان كرا، أو كان له مادة- من أن يكون بأحد الصفات الثلاث المتقدمة و لا يكفي التغير بغيرها كالثقل و الثخانة و غيرهما. و كذا

لا بدّ من استناده للنجاسة، و لا يكفي استناده للمتنجس بها، فإذا تنجس الدبس مثلا بملاقاة الميتة، ثم وقع في الماء الكثير فغيّر طعمه لم ينجس. إلا أن يكون من الكثرة بحدّ يخرج الماء عن كونه ماء مطلقا و يجعله ماء مضافا.

نعم لو كان التغير بوصف النجاسة الذي يحمله المتنجس تنجس الماء علي الأحوط وجوبا، كما لو أنتن المتنجس بملاقاة الميتة ثم وقع في الماء الكثير فأنتن الماء. أو لاقي الدم المتنجس فغيّر لونه، ثم وقع ذلك المتنجس في الماء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 16

الكثير فتأثر الماء بلون الدم الذي يحمله المتنجس.

(مسألة 7): لا بدّ في تنجس الماء بالتغير من استناده لملاقاة النجاسة، و لا يكفي فيه التغير بسبب مجاورة النجاسة أو نحوها من دون ملاقاة.

(مسألة 8): إذا تغير جانب من الماء الكثير بملاقاة النجاسة و لم يتغير الجانب الآخر لم ينجس الجانب غير المتغير إذا كان كرا أو متصلا بالمادة.

(مسألة 9): إذا شك في كرية الماء فلا مجال للبناء علي كرّيته حتي لو كان معلوم الكرّية سابقا و أخذ منه حتي شك في بقاء كرّيته، بل الأحوط وجوبا البناء علي عدم كرّيته، فينجس بملاقاة النجاسة و لو مع عدم التغير، و لا يكون مادة عاصمة للماء القليل.

(مسألة 10): إذا شك في أن للماء مادة بني علي عدم كونه ذا مادة. نعم إذا علم بسبق اتصاله بالمادة ثم احتمل انقطاعها عنه، بني علي أن له مادة.

(مسألة 11): إذا تنجس الماء القليل لم يطهر بإضافة الماء إليه حتي يبلغ الكرّ كما أن الكرّ إذا تنجس بالتغير لم يطهر بزوال التغير عنه بنفسه أو بعلاج.

و ينحصر تطهير الماء النجس غير المتغير- قليلا كان أم كثيرا-

باتصاله بالكرّ الطاهر مع استقرار المائين، أو مع جريان الكرّ الطاهر و تدافعه عليه، أما مع تدافع الماء النجس علي الكرّ الطاهر فلا يكفي الاتصال في تطهير النجس بتمامه، و إنما يطهر منه خصوص ما صار مع الطاهر و استقر معه بعد التدافع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 17

الفصل الثاني في ماء المطر

ماء المطر طاهر و معتصم في نفسه و لا ينجس بملاقاة النجاسة حال سقوطه من الجو، قبل استقراره، فإذا سقط علي الموضع النجس فنضح منه علي غيره لم ينجس المنتضح منه. نعم إذا لاقي المنتضح منه نجسا تنجس به. كما أنه إذا جري من موضع سقوطه و لاقي نجسا تنجس به. إلا أن يستمر التقاطر و يستند الجريان لاستمراره، فلا ينجس الجاري حينئذ حتي ينقطع التقاطر.

(مسألة 12): إنما يجري حكم المطر علي الماء إذا كان تقاطره من السماء مباشرة، أما إذا تقاطر علي مكان ثم سقط منه علي غيره لم يجر عليه حكم المطر، بل كان بحكم الماء القليل، كما لو تقاطر علي ورق الشجر أو الخيمة ثم سقط منها علي شي ء آخر. نعم إذا جري متصلا بسبب التقاطر كان الجاري معتصما ما دام التقاطر مستمرا.

(مسألة 13): ماء المطر بحكم المادة للماء المجتمع منه فلا ينجس بملاقاة النجاسة ما دام التقاطر عليه مستمرا.

(مسألة 14): إذا تقاطر ماء المطر علي ماء نجس طهّره و كان له بحكم المادة إذا كان التقاطر بمقدار معتدّ به، و لا تكفي القطرة و القطرتان و نحوها.

(مسألة 15): تقاطر المطر علي غير الماء من المائعات- كالماء المضاف و غيره- لا يطهرها مهما كثر التقاطر إلا أن تستهلك و يصدق علي المتجمع أنه ماء عرفا فيطهر مع التقاطر عليه حين صدق الماء

عليه.

(مسألة 16): إذا تقاطر المطر علي الأرض و نحوها من الأجسام الصلبة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 18

طهّرها إذا كانت نجسة بشرط إن يستولي علي الموضع النجس، و لا يحتاج إلي التعدد و إن كانت النجاسة محتاجة للتعدد في غير المطر. و كذا يطهر باطنها بنفوذ الماء فيه حال استمرار التقاطر.

و كذا الحال في الفراش و نحوه، فإن ظاهره يطهر باستيلاء ماء المطر عليه، و باطنه يطهر بنفوذه فيه حال التقاطر، و لا يحتاج إلي العصر و لا إلي التعدد. نعم لو كان نفوذه بعد انقطاع التقاطر جري عليه حكم التطهير بالماء القليل.

الفصل الثالث في الماء المستعمل في رفع الحدث أو الخبث

الماء المستعمل في الوضوء و الغسل طاهر إذا لم تصبه نجاسة خارجية سواء كان قليلا أم كثيرا.

(مسألة 17): الماء المستعمل في الوضوء يطهّر من الخبث و هو النجاسة. كما أنه يطهّر من الحدث، فيصح الوضوء به و الغسل.

(مسألة 18): الماء المستعمل في غسل الجنابة و غيره من الأغسال الواجبة لا يصح الوضوء و لا الغسل به، إلا أن يكون معتصما كالكرّ و ذي المادة. و أما المستعمل في الغسل المستحب فلا بأس باستعماله في الوضوء و الغسل، كماء غسل الجمعة إذا لم يصادف الجنابة و لم يكن رافعا لها.

(مسألة 19): إذا كان عليه غسل واجب و كان عنده ماء قليل لا يكفيه للغسل إلا بأخذ ما يتساقط منه و إكمال الغسل به، فالأحوط وجوبا الغسل به بالنحو المذكور ثم التيمم ثم إعادة الغسل بعد وجدان الماء الكافي للغسل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 19

(مسألة 20): الماء المستعمل في التطهير من الخبث- و هو النجاسة- إذا كان قليلا غير معتصم بمادة نجس، حتي ماء الغسلة التي يتعقبها طهارة المحل، كالغسلة الثانية

من البول. و لا يجوز استعماله في رفع الحدث و لا الخبث، بل هو منجّس لما يلاقيه.

(مسألة 21): ماء الاستنجاء و إن كان نجسا إلا أنه لا ينجّس ما يلاقيه بشروط:

الأوّل: عدم تعدي النجاسة المغسولة به عن موضع الغائط المعتاد عند الاستنجاء. و لا بأس بالتعدي القليل الذي يلزم من الانتقال من موضع التخلي لموضع الاستنجاء.

الثاني: عدم تغيره بالنجاسة المغسولة به.

الثالث: عدم حمله لعين النجاسة بوجه غير متعارف من الكثرة. و لا بأس بحمله لأجزاء صغيرة متميزة بالنحو المتعارف في الاستنجاء.

الرابع: أن لا تصيبه نجاسة من الخارج. بل الأحوط وجوبا اشتراط أن لا تصيبه نجاسة من الداخل، كالدم الخارج مع الغائط المغسول حال الاستنجاء.

نعم، لا بأس بإصابة اليد الغاسلة له المتنجسة بملاقاة النجاسة حين الاستنجاء، كما لا بأس بما يتعارف من إصابته لبعض أجزاء الطعام غير المهضوم الخارج مع الغائط و المتنجس به.

(مسألة 22): الأحوط وجوبا الاجتناب عن المكان الذي يستقر فيه ماء الاستنجاء كالطشت و المنخفض من الأرض، و ترتيب أحكام النجاسة عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 20

الفصل الرابع في الماء المشكوك

(مسألة 23): إذا تردد المائع بين أن يكون ماء مطلقا و غيره فلا مجال لترتيب أحكام الماء المطلق عليه، بل يتعين استعمال ما يعلم بكونه ماء مطلقا، و مع الانحصار بالماء المشتبه يجمع المكلف بين الوضوء أو الغسل به و التيمم، و بعد تيسر الماء المعلوم كونه مطلقا يعيد الوضوء أو الغسل.

(مسألة 24): إذا علم بأن أحد المائعين ماء مطلق كفي تكرار الوضوء أو الغسل بهما، بل وجب ذلك مع انحصار الماء بهما.

(مسألة 25): إذا شك في طهارة الماء بني علي طهارته. إلا أن يعلم بنجاسته سابقا و يشك في تطهيره فإنه يبني علي

نجاسته حينئذ.

(مسألة 26): إذا كان عند المكلف ماءان يعلم بنجاسة أحدهما و طهارة الآخر لم يجز استعمالهما في التطهير من الحدث، بل ينتقل للتيمم و الأولي إهراقهما قبل التيمم.

الفصل الخامس في الماء المضاف

الماء المضاف و غيره من المائعات لا تطهّر من الحدث و لا من الخبث و إذا لاقت نجسا تنجس و إن كانت كثيرة أو ذات مادة، نعم مع التدافع لا تسري النجاسة للمتدافع منه، كما سبق في الماء المطلق.

(مسألة 27): إذا تنجس المائع غير الماء المطلق لا يطهر باتصاله بالكرّ و غيره إلا أن يستهلك، نظير ما تقدم في المسألة (15) من فصل ماء المطر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 21

الفصل السادس في الأسئار

الأسئار كلها طاهرة إلا سور نجس العين، كالكلب و الخنزير. و يكره سؤر ما لا يحل أكل لحمه خصوصا الجلّال و آكل الجيف و الفأرة و الحية و العقرب و الوزغ و ولد الزنا، و المرأة الحائض و الجنب غير المأمونتين علي التطهير، بل مطلق الحائض خصوصا في الوضوء بسؤرهما، و لا بأس بسؤر الهرة.

(مسألة 28): يستحب سؤر المؤمن و هو شفاء، بل في النص الصحيح و غيره أنه شفاء من سبعين داء.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 22

المقصد الثاني في أحكام الخلوة

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في أحكام التخلّي

يجب في حال التخلي بل في جميع الأحوال ستر العورة عن كل ناظر مميّز عدا الزوج و الزوجة فإنه يجوز كشف كل منهما عورته للآخر، و كذا المالك و مملوكته إذا حلّ له نكاحها. و كذا الأمة المحلّلة بالنسبة إلي من حلّلت له، إذا كان التحليل يتناول كشف العورة أو النظر إليها.

(مسألة 29): المراد بالعورة في الرجل القضيب و البيضتان و الدبر، و في المرأة القبل و الدبر.

(مسألة 30): المراد بستر العورة ستر بشرتها، و لا يضر ظهور الحجم، إلا أن يكون مثيرا للشهوة. و يكفي في الستر كل ما يمنع النظر حتي الظلمة.

(مسألة 31): المعيار في التمييز كون الشخص ممن يقبح التكشف أمامه عرفا، لكونه ممن يدرك قبح العورة.

(مسألة 32): يحرم النظر لعورة المؤمن. و كذا المخالف علي الأحوط وجوبا.

دون الكافر إذا كان مماثلا، فيجوز نظر الرجل لعورة الرجل الكافر، و نظر المرأة لعورة المرأة الكافرة، دون العكس. نعم لا بد أن لا يكون النظر إليها مثيرا للشهوة فإن كان مثيرا كان محرّما.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 23

(مسألة 33): يجوز النظر لعورة الطفل ما لم يبلغ مرتبة يقبح عرفا في حقه أن ينظر إليه بحيث يكون توهينا عليه منافيا لكرامته فيجري عليه حكم الكبير.

(مسألة 34): إذا احتمل وجود الناظر فالأحوط وجوبا التحفظ و الاحتراز من أن ينظر إلي العورة.

(مسألة 35): لا يجوز النظر لعورة الغير من وراء الزجاجة و نحوها كالماء الصافي. بل الأحوط وجوبا ترك النظر إلي صورتها المنعكسة في المرآة و نحوها.

(مسألة 36): إذا اضطر لكشف العورة أمام الغير للتداوي أو غيره فاللازم ترجيح المماثل علي غيره مع الإمكان. و كذا فيما لو اضطر للنظر إلي عورة

الغير، فإنه يلزم ترجيح النظر لعورة المماثل مع الإمكان.

(مسألة 37): إذا دار الأمر بين النظر للعورة و النظر لصورتها المنعكسة في المرآة و نحوها لزم اختيار الثاني.

(مسألة 38): المشهور حرمة استقبال القبلة و استدبارها حال التخلي و التبول.

لكن الظاهر الكراهة. و لا ينبغي للمؤمن ارتكاب ذلك. و في الصحيح عن الإمام الرضا عليه السلام: «من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها إجلالا للقبلة و تعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتي يغفر له».

(مسألة 39): لا يجوز قضاء الحاجة في الأماكن العامة الموقوفة لذلك ما لم يحرز المكلف شمول الوقف له. و يكفي إخبار المتولي أو من يقوم مقامه في إدارة شؤون المكان بالشمول. و كذا ظهور حالهما في ذلك.

(مسألة 40): الأحوط وجوبا عدم التخلي في المواضع التي توجب مزاحمة صاحب الحق و الإضرار به، كالتخلّي في الطرق إذا زاحم المارة أو أضرّ بهم، و في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 24

أبواب الدور إذا زاحم صاحب الدار في دخوله إليها و خروجه منها أو أضرّ به.

الفصل الثاني في الاستنجاء

(مسألة 41): لا يجزئ في التطهير من البول إلا الماء. و يجب صب الماء علي الموضع الذي يصيبه البول مرّتين. و لا يجب الدلك إلا مع تلوّث الموضع بمادة غليظة متنجسة بالبول لا تزول بالصب، كالوذي و المذي.

(مسألة 42): يتخير في الاستنجاء من الغائط بين غسله بالماء و المسح بالأحجار أو الخرق أو نحوهما مما يزيل عين النجاسة. و الغسل بالماء أفضل.

و الأولي الجمع بتقديم المسح بالأحجار و نحوها ثم اتباعه بالغسل بالماء.

(مسألة 43): إنما يجزئ المسح بالأحجار و نحوها بشرطين:

الأوّل: عدم تعدي الغائط عن المخرج بمقدار خارج عن المتعارف.

الثاني: عدم خروج نجاسة أخري مع الغائط- كالدم-

بحيث يتنجس الموضع بها.

(مسألة 44): إذا زالت عين النجاسة بالمسح بأقل من ثلاثة أحجار أو نحوها فالأحوط وجوبا إكمالها حتّي تبلغ ثلاثة أحجار أو نحوها.

(مسألة 45): المسح بالحجر النجس إن أوجب تنجّس الموضع به- لوجود الرطوبة المسرية- لم يجز في الاستنجاء، بل لا بدّ بعد ذلك من الاستنجاء بالماء و لا يجزئ الحجر الطاهر، و إن لم يوجب تنجس الموضع فالأحوط وجوبا عدم الاجتزاء به لكن يكفي المسح بالحجر الطاهر بعده.

(مسألة 46): الأحوط وجوبا عدم الاستنجاء بالعظم و الروث. لكن لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 25

استنجي المكلف بهما أثم و طهر المحل.

(مسألة 47): يجب في الغسل بالماء إزالة عين الغائط و أثره، و هو الأجزاء الدقيقة و المادة الغروية المصاحبة له، و لا يجب إزالة اللون و لا الرائحة لو فرض تخلفهما. و أما مع المسح فيكفي إزالة العين دون الأثر و نحوه مما من شأنه أن لا يزول بالمسح.

الفصل الثالث في آداب التخلي

يستحب للمتخلي- علي ما تضمنته- النصوص الشريفة و ذكره علماء الطائفة (رضوان اللّه عليهم)- أن يكون بحيث لا يراه الناظر- و لو بالابتعاد عنه- و تغطية الرأس و أفضل منه التقنع- كما يستحب له التسمية عند دخول بيت الخلاء و عند التكشف و عند الخروج من بيت الخلاء و الدعاء بالمأثور، ففي النص الصحيح:

«إذا دخلت المخرج فقل: بسم اللّه اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم، فإذا خرجت فقل: بسم اللّه الحمد للّه الذي عافاني من الخبيث المخبث و أماط عني الأذي». كما يستحب تقديم الرجل اليسري عند الدخول و اليمني عند الخروج. و أن يتكئ حال الجلوس علي رجله اليسري و يفرج اليمني.

و يكره التخلي في الشوارع، و

مشارع المياه، و نحوها من الأماكن التي يستقي منها الماء، و تحت الأشجار المثمرة، و أبواب الدور إذا لم يزاحم أصحابها و إلا كان الأحوط وجوبا تركه، كما تقدم. و المواضع المعدّة لنزول القوافل، و قبلة المسجد و أفنيتها و هو ما اتسع أمامها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 26

كما يكره أن يستقبل الشمس و القمر بفرجه، خصوصا حال البول. و أن يستقبل الريح ببوله. بل يكره استقبال الريح و استدبارها في حال التخلي و البول معا، و البول في الأرض الصلبة و نحوها مما يوجب التعرض لنضح البول علي البدن. و البول في ثقوب الحيوانات، و في الماء، خصوصا الراكد.

كما يكره حال الجلوس للتخلي الكلام بغير ذكر اللّه تعالي و الأكل و الشرب و السوالك، و الاستنجاء باليمين، و أن يكون في اليد التي يستنجي بها خاتم فيه اسم اللّه تعالي، بل يكره استصحاب الخاتم الذي فيه اسمه تعالي أو شي ء من القرآن إلي غير ذلك مما ذكروه.

الفصل الرابع في الاستبراء

يستحب للرجل إذا بال أن يستبرئ من البول بتنقية المجري مما تبقي فيه من البول. و الأحوط الأولي في كيفيته: أن يمسح بشي ء من الضغط من المقعدة إلي أصل الذكر ثلاثا ثم يعصر أصل الذكر إلي طرفه- و يستحلب ما فيه من البول- ثلاثا، ثم ينتر طرف الذكر ثلاثا.

(مسألة 48): إذا خرج من المكلف بعد البول بلل مشتبه مردد بين البول و غيره من المواد الطاهرة كالمذي، فإن كان قد استبرأ بني علي طهارته و عدم انتقاض وضوئه به لو كان قد توضأ، و إن لم يكن قد استبرأ بني علي نجاسته و انتقاض وضوئه به.

(مسألة 49): يلحق بالاستبراء في الفائدة المذكورة ما إذا علم

بنقاء المجري من البول لعصر أو حركة أو طول مدة أو غيرها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 27

(مسألة 50): إذا شك من لم يستبرئ في خروج البلل منه بني علي عدمه، و علي طهارة المخرج إن كان قد طهّره و علي عدم انتقاض وضوئه إن كان قد توضأ.

(مسألة 51): إذا علم من لم يستبرئ بخروج المذي و نحوه من المواد الطاهرة و شك في خروج البول معه بني علي عدم خروجه، و علي طهارة البلل الخارج، و عدم انتقاض الوضوء به لو كان قد توضأ.

فما سبق من البناء علي النجاسة و انتقاض الوضوء مختص بما إذا لم يعلم بنوع البلل الخارج، دون ما إذا علم بأنه من النوع الطاهر و شك في خروج البول معه.

(مسألة 52): إذا شك المكلف في أنه هل استبرأ أو لم يستبرئ بني علي أنه لم يستبرئ حتّي لو كان من عادته أن يستبرئ، إلا أن يكون منشأ الشك الوسواس.

و كذا لو شك في أنه استنجي أو لا، فإنه يبني علي أنه لم يستنج حتّي لو كان من عادته أن يستنجي، إلا مع الوسواس أيضا.

(مسألة 53): إذا استبرأ أو استنجي ثم شك في وقوع الاستبراء أو الاستنجاء علي الوجه الصحيح بني علي الصحة.

(مسألة 54): لا استبراء علي المرأة، و البلل الخارج منها محكوم بالطهارة فلا يجب الوضوء منه إلا أن يعلم باشتماله علي البول. نعم الأولي لها أن تصبر قليلا و تتنحنح ثم تعصر موضع البول عرضا و تستنجي بعد ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 28

المقصد الثالث في الوضوء

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في نواقض الوضوء

ينتقض الوضوء و يصير الإنسان محدثا بأمور:

الأوّل و الثاني: خروج البول و الغائط من القبل و الدبر. و الأحوط وجوبا عموم الحكم لخروجهما من غير الموضعين، سواء كان خروجهما منه معتادا بسبب طارئ أم من غير اعتياد إذا كان يصدق علي الخارج أنه بول أو غائط.

و المعيار علي خروجهما عن حدّ الجسم و إن كان محبوسا بصوندة- انبوبة- أو كيس أو نحوهما.

الثالث: خروج الريح من الدبر. و الأحوط وجوبا عموم الحكم لما يخرج من غيره إذا كان من شأنه أن يخرج من الدبر. و لا عبرة بما يخرج من القبل و لو مع الاعتياد.

الرابع: النوم الغالب علي العقل. سواء حصل حال القيام أم القعود أم الاضطجاع. و لو شك في تحققه بني علي ذلك مع غلبته علي السمع.

الخامس: كل ما غلب علي العقل من جنون أو إغماء أو سكر أو غيرها علي الأحوط وجوبا.

السادس: الاستحاضة، علي تفصيل يأتي في محله إن شاء اللّه تعالي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 29

(مسألة 55): خروج ماء الاحتقان لا ينقض الوضوء و كذا خروج الدم أو القيح أو نحوهما إلا أن يعلم أن معه شيئا من البول أو الغائط.

(مسألة 56): لا ينتقض الوضوء بالمذي أو الودي أو الوذي. قيل: و الأول ما يخرج بعد الملاعبة، و الثاني ما يخرج بعد البول، و الثالث ما يخرج بعد المني.

و لا يهم تحديدها بعد انحصار الناقض بما سبق.

(مسألة 57): إذا شك في حصول أحد النواقض المتقدمة بني علي عدمه.

و كذا لو علم بخروج شي ء من السبيلين و تردد بين الناقض و غيره فإنه يبني علي عدم خروج الناقض إلا في خروج البلل المشتبه مع عدم الاستبراء علي ما

تقدم في الفصل الرابع من أحكام الخلوة.

الفصل الثاني في أجزاء الوضوء

الوضوء عبارة عن غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين فيقع الكلام في أمور:

الأوّل: يجب غسل الوجه، و حدّه طولا ما بين قصاص الشعر و أسفل الوجه- و هو طرف الذقن- و عرضا ما دارت عليه الإبهام و الإصبع الوسطي. و الأحوط وجوبا غسل شي ء مما خرج عن الحد لإحراز استيعاب الغسل لما دخل في الحد.

(مسألة 58): الأحوط وجوبا الابتداء من أعلي الوجه نازلا إلي أسفله، و عدم الاجتزاء بالغسل منكوسا. نعم لا يجب التدقيق في ذلك، بل يكتفي بصدق الغسل من الأعلي للأسفل عرفا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 30

(مسألة 59): غير مستوي الخلقة لكبر الوجه أو لصغره أو لطول الأصابع أو قصرها يرجع إلي متعارف الخلقة، فيغسل من جوانب الوجه ما يغسله متعارف الخلقة. و كذا الأغم الذي ينبت الشعر علي جبهته و الأصلع، فإنهما يغسلان طولا ما يغسله متعارف الخلقة.

(مسألة 60): إذا أحاط الشعر بموضع من البشرة و سترها- كاللحية و الشارب و الحاجبين- لم يجب البحث عن البشرة و إيصال الماء إليها، بل يكفي جريان الماء علي الشعر الظاهر. و إذا كان الشعر غير ساتر للبشرة- كالشعرات المتفرقة و الشعر الرقيق- لم يجب غسله و وجب غسل البشرة لا غير، فلو كان علي الشعر المذكور حاجب يمنع من وصول الماء إليه و لا يمنع من وصول الماء للبشرة لم يجب رفعه و لا إزالة الشعر المذكور.

(مسألة 61): إنّما يجب غسل الظاهر، الذي يصله الماء بإجرائه عليه- و لو بمعونة اليد و نحوها- من دون حاجة إلي بحث و عناية، و لا يجب غسل الباطن كباطن الأنف و الفم، و كذا مثل

ثقبة الأنف التي تجعل فيها الحلقة إلا أن تكون ظاهرة يصلها الماء بإجرائه و بإمرار اليد من دون عناية، و كذا لا يجب غسل باطن العين و مطبق الجفنين و الشفتين. هذا و لو شك في شي ء أنه من الظاهر أو من الباطن وجب غسله.

(مسألة 62): الشعر النابت خارج الحد إذا تدلّي علي ما دخل في الحد لا يجب غسله، بل يجب غسل ما تحته لا غير. كما أن الشعر النابت في الحد إذا استرسل و خرج عن الحد- كشعر اللحية- لم يجب غسل المقدار الخارج منه عن الحد، و أما الداخل في الحد فإن ستر البشرة وجب غسله، و إن لم يسترها وجب غسل البشرة علي ما تقدم في المسألة (60).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 31

(مسألة 63): يجب التأكد من استيعاب الوجه بالغسل بملاحظة الأماكن التي قد تتعرض لوجود الحاجب المانع من وصول الماء للبشرة كأطراف العينين التي قد يتجمع فيها من آثار الدمع ما يكون مانعا فيجب إزالته، و كذا كلما شك في وجود المانع أو علم بوجود شي ء و شك في مانعيته فإنه يجب الفحص عنه و العلم بإيصال الماء للبشرة في موضعه.

(مسألة 64): تجب إزالة الصبغ و الدهن و نحوهما مما يوضع للزينة أو التداوي أو غيرهما إن كان له جرم يمنع من وصول الماء للبشرة، و إن لم يكن كذلك للطافته و رقّته أو لنفوذ الماء فيه لا يجب إزالته، بل يجتزأ بالغسل مع بقائه.

و كذا الحال في الوسخ.

الثاني: يجب غسل اليدين من المرفقين إلي أطراف الأصابع. و المراد بالمرفق هو مجمع عظمي الذراع و العضد، و يجب إدخاله في المغسول.

(مسألة 65): يجب في الغسل الابتداء من المرفقين

نازلا إلي أطراف الأصابع بحيث يحصل الترتيب بالنحو المذكور عرفا، و لا يجوز النكس.

(مسألة 66): إذا قطعت اليد فإن بقي منها شي ء مما يجب غسله قبل القطع وجب غسله، و إن لم يبق منه شي ء فالأحوط وجوبا غسل ما بقي من العضد، و إن قطعت من الكتف سقط غسلها.

(مسألة 67): يجب غسل الزوائد النابتة دون المرفق مما يعدّ من توابع اليد كالإصبع و اللحمة الزائدتين. و كذا الحال في ما يقطع من اليد أو الوجه إذا بقي معلّقا بجلدة، فإنه يجب غسله، و لا يجب فصله.

(مسألة 68): الشقوق التي في اليد إن كانت معدودة من الظاهر وجب غسلها و إلا لم يجب، و كذا ما تحت الأظفار. و قد تقدم المعيار في الظاهر و الباطن في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 32

المسألة (61) من غسل الوجه. كما تقدم في المسألة (63) و (64) حكم المانع و الطلاء و نحوه.

(مسألة 69): لا يجب الدلك في غسل الوضوء، بل يكفي وصول الماء و استيعابه للبشرة بنحو الترتيب المتقدم. فيكفي جعل العضو تحت الحنفية و نيّة الوضوء بجريان الماء من الأعلي للأسفل، كما يكفي جعله تحت المطر كذلك إذا استوعب العضو بتمامه و جري الماء عليه بنحو الترتيب المتقدم.

(مسألة 70): يكفي غسل العضو بنحو الارتماس إما برمس العضو من الأعلي إلي الأسفل، أو برمسه بتمامه من دون نية الوضوء، و تبدأ نيّة الوضوء بنحو الترتيب بأحد وجهين:

الأوّل: بجريان الماء باتجاهه، فإذا كان اتجاه جريان النهر من الشمال إلي الجنوب وضع مبدأ العضو المغسول باتجاه الشمال و آخره باتجاه الجنوب و نوي الوضوء بجريان الماء عليه من أوله لآخره و انتظر حتّي يمر الماء من أول العضو لآخره

تدريجا.

الثاني: بتحريك العضو في الماء بنحو يمر الماء من أوله لآخره تدريجا.

و كذا بإخراج العضو من الماء تدريجا فيدخل اليد مثلا ثم يخرجها من المرفق إلي أطراف الأصابع تدريجا ناويا الوضوء بالإخراج.

نعم، يشكل المسح باليد المغسولة بإجراء الماء أو برمسها، علي ما يأتي في المسألة (73) بيانه إن شاء اللّه تعالي.

الثالث: يجب مسح مقدم الرأس. و حدّه طولا من أعلي الرأس إلي قصاص الشعر و عرضا ما يوازي الجبهة.

(مسألة 71): المقدار الذي يجب مسحه من المقدم هو المسمي، فيكفي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 33

المسح بإصبع واحدة قليلا. نعم الأحوط استحبابا أن يكون بعرض ثلاث أصابع و طول إصبع.

(مسألة 72): الأحوط وجوبا المسح بباطن الكف اليمني، فلو تعذّر فالأحوط وجوبا المسح بظاهرها، فإن تعذّر فالأحوط وجوبا المسح بباطن الذراع، فإن تعذّر فبظاهره. و مع تعذّر المسح باليمني يمسح باليسري علي الترتيب المتقدم.

(مسألة 73): يجب المسح بما تبقي في اليد من بلّة غسل الوضوء، و لا يجوز أخذ ماء جديد و المسح به. كما أن الأحوط وجوبا عدم اختلاط بلة اليد بغير ماء الوضوء بحيث يكون المسح بهما معا. بل الأحوط وجوبا أيضا عدم اختلاط بلّة اليد بماء بقية الأعضاء بعد إكمال الغسل الوضوئي. نعم لا بأس بما هو المتعارف من الاستمرار في غسل اليسري للاحتياط أو لتعوّد ذلك و إن استلزم اختلاط مائها بماء اليمني.

و يترتب علي ذلك أمران:

الأول: أن لا يكون علي موضع المسح بلل كثير يختلط ببلة اليد بحيث يكون المسح عرفا بالبلّتين معا. نعم لا بأس بالبلل القليل الذي يستهلك في بلة اليد، بحيث يكون المسح عرفا ببلّة اليد وحدها. و أولي بالجواز من ذلك ما إذا كان علي موضع المسح

رطوبة غير مسرية.

الثاني: أنه إذا كان غسل اليدين بإجراء الماء عليهما أو برمسهما في الماء فالغالب كثرة الماء الجاري بعد إكمال غسل اليد، أو نزول الماء من الذراعين للكفين حين إخراج اليد من الماء بعد رمسها فيه، و حينئذ يشكل المسح باليد لعدم كون بلّتها من ماء الوضوء و حدّه.

و من هنا يتعيّن لمن يتوضأ بإجراء الماء علي العضو أو برمس العضو في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 34

الماء أن يستثني قسما من اليد اليسري فلا ينوي وضوءها بذلك، بل يستعين باليد اليمني لإكمال غسلها. فإن تعذّر ذلك- لشلل أو عضب أو نحوهما- تحفّظ من كثرة الماء عند الوصول للكفين، فلا ينوي غسلهما بإجراء الماء عليهما أو باخراجهما من الماء بعد الرمس، بل ينوي غسلهما بعد ذلك بماء قليل و لو بأن يبل قطعة من القماش و ينوي غسل الكف بإمراره عليها. و بذلك يرتفع الإشكال الذي أشرنا إليه في آخر المسألة (70).

(مسألة 74): لو جفّ ما علي اليد من البلل لعذر- من نسيان أو حرارة الهواء أو غيرهما- أخذ من بلة الوضوء في اللحية أو أشفار العين أو الحاجبين أو غيرها من مواضع تجمّع البلل، و لا بأس بالأخذ من اللحية حتّي ما خرج منها عن الحد، كجانبي العارضين و ما نزل عن الذقن.

(مسألة 75): لو كانت وظيفته المسح بباطن الكف مثلا فجفّ ما عليه من البلل و بقي البلل علي ظاهر الكف فالأحوط وجوبا الجمع بين المسح بظاهر الكف و أخذ البلل من بقية أعضاء الوضوء بباطنها و المسح به. و كذا الحال في بقية المراتب المتقدمة في المسألة الخامسة عشرة، فمع جفاف البلل في ما هو متقدم رتبة دون المتأخر يجمع

المكلف بين المسح بالمتأخر رتبة و أخذ البلل من بقية أعضاء الوضوء بباطن الكف و المسح به.

(مسألة 76): لو تعذّر حفظ بلّة الوضوء للمسح لحر أو نحوه فالأحوط وجوبا الجمع بين المسح بماء جديد و التيمم.

(مسألة 77): يجوز المسح بأي وجه اتفق و لو منكوسا أو منحرفا أو عرضا.

(مسألة 78): يجوز المسح علي الشعر النابت في مقدّم الرأس لكن لا بد من كون الموضع الممسوح منه هو ما لم يخرج عن المقدّم، إما لكونه قصيرا لا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 35

يخرج عن المقدّم، أو لكونه طويلا مع كون المسح علي أصوله غير الخارجة عن المقدّم، أو مع التفافه و تجعده بحيث يكون مقتضي طبعه عدم خروجه عن المقدّم حتّي لو أمكن خروج موضع المسح عن المقدّم بجرّة و مدّه بعناية.

نعم لا يجوز المسح علي أطراف الشعر الخارجة عن المقدّم. بل الأحوط وجوبا عدم المسح عليها حتّي لو أرجعت إلي المقدم و قلبت عليه إذا لم يكن ذلك مقتضي وضعها الطبيعي.

(مسألة 79): لا يجوز المسح علي الحائل و إن كان رقيقا لا يمنع من وصول البلل لما تحته، و مع تعذر رفعه فالأحوط وجوبا المسح عليه و ضمّ التيمم.

الرابع: يجب مسح ظاهر القدمين من أطراف الأصابع إلي الكعبين. و هما قبتا القدمين، و إن كان الأحوط استحبابا المسح إلي مفصل الساق. و يجزئ المسمي عرضا و لو بقدر إصبع أو دونه. و يستحب المسح بتمام الكف.

(مسألة 80): الأحوط وجوبا مسح اليمني باليمني و اليسري باليسري، مع تقديم اليمني علي اليسري.

(مسألة 81): المقطوع منه بعض القدم يمسح الباقي مما دخل في الحد، و لو قطع من الكعب فالأحوط وجوبا مسح ما بقي من ظهر القدم.

(مسألة

82): يكفي المسح بإمرار اليد علي القدم بالنحو المتعارف من دون حاجة للتدقيق و إحراز وصول البلة للمواضع المتعرجة أو لما تحت الشعر.

(مسألة 83): لا يجوز المسح علي الحائل إلا لبرد أو تقية من المخالفين أو نحوهما من موارد الضرورة.

(مسألة 84): يكفي في التقية الخوف علي النفس أو المؤمنين من الضرر، بل يكفي فيها التحبب للمخالفين و حسن معاشرتهم و مخالطتهم تجنبا لشرهم و لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 36

بلحاظ الأمد البعيد. نعم لا تشرع لمحض التزلف، كما إذا علموا مذهب أهل الحق في المسألة و علموا بأن المكلّف منهم و لم يكن من حالهم طلب متابعته لهم و ترك ما يقتضيه مذهبه، فإنه لا تجزئ متابعتهم حينئذ بل قد تحرم تكليفا، لما فيها من توهين مذهب أهل الحق.

(مسألة 85): إذا أمكن المكلف في مورد التقية أن يوهم من يتقي منه العمل علي طبق التقية، مع إتيانه بالعمل التام في الواقع وجب ذلك، و لم يجزئه العمل علي مقتضي التقية إذا التفت لذلك.

(مسألة 86): إذا دار الأمر في التقية بين المسح علي الحائل و غسل الرجلين اختار الثاني. لكن لو غفل المكلف عن ذلك و تخيل انحصار التقية بالمسح علي الحائل فمسح عليه أجزأه.

(مسألة 87): إذا غفل عن تحقق موضوع التقية فخالفها و أتي بالعمل التام صح وضوءه، و كذا إذا التفت لذلك و كانت التقية غير واجبة باعتقاده. نعم إذا اعتقد وجوبها و تعمّد مخالفتها عصيانا بطل وضوؤه.

(مسألة 88): يجوز مسح الرجلين تدريجا بأن يضع كفه علي الأصابع و يجرّها إلي الكعبين، كما يجوز دفعة بأن يضع كفه ابتداء علي تمام موضع المسح من القدم ثم يجرّها قليلا، لكن الأولي الأول.

(مسألة 89):

يجوز النكس في مسح الرجلين بأن يبتدئ من الكعب و ينتهي بأطراف الأصابع. و أما المسح عرضا- بأن يضع كفه علي تمام موضع المسح ابتداء و يمسحها إلي اليمين أو اليسار- فلا يخلو عن إشكال فالأحوط وجوبا تركه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 37

الفصل الثالث في شروط الوضوء

يشترط في الوضوء أمور:

الأول: إطلاق الماء، و قد تقدم توضيحه في أول كتاب الطهارة.

الثاني: طهارة الماء.

(مسألة 90): إذا كان العضو الوضوئي نجسا فإن كان الماء قليلا غير معتصم لم يمكن غسل ذلك العضو به للوضوء إلا بعد تطهيره من النجاسة، لأنّه ينجس الماء القليل بصبه عليه، فلا يصلح لأن يتوضأ به، و إن كان الماء معتصما- لكونه كرا أو له مادة- أمكن تطهير العضو من النجاسة و الوضوء به دفعة واحدة، فلو وضع العضو النجس تحت ماء الإسالة مثلا و نوي الوضوء بذلك طهر العضو و تحقق الوضوء، نعم الأحوط استحبابا تطهيره أولا، ثم غسله للوضوء بعد ذلك.

الثالث: عدم استعمال الماء في رفع الحدث الأكبر، علي تفصيل تقدم في الفصل الثالث من مقصد الماء و أحكامه.

الرابع: النية، و هي تتقوم بأمرين:

أحدهما: قصد الوضوء بالغسل و المسح، فلو غسل الأعضاء أو مسحها من دون أن ينوي الوضوء لم يتحقق الوضوء.

(مسألة 91): يكفي نية الوضوء إجمالا، فلو أراد شخص بأن يتعلم الصلاة مثلا فرأي رجلا يتوضأ و يصلي ففعل مثله ناويا متابعته في ما فعل صح منه الوضوء و إن لم ينو الوضوء بعنوانه لجهله به، لأن نية المتابعة ترجع إلي نية الوضوء إجمالا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 38

ثانيهما: قصد التقرب للّه تعالي بالوضوء، بحيث يكون الداعي للوضوء هو التقرب. و لازم ذلك عدم وقوعه بوجه محرّم إذا التفت المكلف

إلي ذلك، و له صور:

الاولي: أن يكون الوضوء استعمالا لإناء الذهب أو الفضة لما يأتي في مبحث الأواني من حرمة استعمال الإناء المتخذ منهما.

الثانية: أن يلزم من الوضوء التصرف في المغصوب، إما لكون الماء أو إنائه مغصوبا، أو لكون المكان أو الفضاء الذي يقع فيه الوضوء مغصوبا، أو لزم جريان الماء في مكان أو طشت مغصوب أو كان ثوب المتوضي مغصوبا بحيث يلزم من الوضوء تحركه و التصرف فيه أو غير ذلك.

الثالثة: أن يلزم من الوضوء الوقوع في ضرر يحرم إيقاع النفس فيه. و كذا لو وجب حفظ الماء لخوف عطش مضر بنفس محترمة يجب المحافظة عليها، إلي غير ذلك من صور وقوع الوضوء بوجه محرّم. فإن الوضوء يبطل لامتناع قصد التقرب بما هو محرّم.

نعم، لو غفل عن حرمة التصرف اللازم من الوضوء- و لو للتقصير في الفحص عن الحكم الشرعي- و تحقق منه قصد التقرب صح الوضوء. و هذا جار في جميع العبادات التي يعتبر فيها قصد التقرب، كما يأتي الإشارة إليه عند التعرض لكل منها إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 92): إذا كان قصد الوضوء مستلزما للعزم علي فعل الحرام امتنع التقرب به و بطل، كما لو توضأ في مكان مباح يلزم من إكمال الوضوء فيه الخروج من طريق مغصوب يحرم العبور فيه فشرع في الوضوء ملتفتا لذلك.

و هذا يجري في جميع العبادات.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 39

(مسألة 93): المراد من التصرف في المغصوب كل تصرف مناف لحق الغير ممن هو محترم شرعا، و له صور:

الاولي: أن يكون الغير مالكا للعين التي يقع التصرف فيها و لو بأن يكون شريكا فيها.

الثانية: أن يكون الغير مالكا لمنفعتها، كما لو كان مستأجرا للدار التي

يقع التصرف فيها.

الثالثة: أن يتعلق له حق فيها يكون التصرف منافيا له، كالعين المرهونة للغير حيث لا يجوز التصرف فيها بدون رضاه، و كتركة الميت المدين التي يتعلق بها حق الدائنين، و كذا تركة الميت التي تعلقت بها وصيته، حيث لا يجوز التصرف فيها قبل إنفاذ الوصية إلا بإذن الوصي. و كالمال المتعلّق للخمس و الزكاة، حيث لا يجوز التصرف فيه إلا علي تفصيل مذكور في كتابي الزكاة و الخمس، و منه التصرف في الأوقاف علي خلاف مقتضي وقفيتها، إلي غير ذلك مما يمنع من سلطنة المكلف علي التصرف.

(مسألة 94): إذا كان التصرف منافيا لحق الغير لم يحق التصرف إلا بإذنه- الصريح أو المعلوم من ظاهر حاله- أو العلم من حاله أنه لو علم بالتصرف لرضي به. هذا إذا كان مستقلا بالتصرف أما إذا كان قاصرا لصغر أو جنون أو غيرهما فاللازم مراجعة وليّه الشرعي.

(مسألة 95): لو شك في إذن صاحب الحق أو رضاه لم يحلّ التصرف له، و كذا إذا شك المكلف في دخوله في الموقوف عليهم، علي ما تقدم في المسألة الحادية عشرة من فصل أحكام التخلي.

(مسألة 96): يجوز الوضوء و الصلاة و غيرهما تحت السقف المغصوب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 40

و الخيمة المغصوبة إذا لم يكن الفضاء الذي تحتها مغصوبا، فمن غصب خيمة و نصبها في الصحراء مثلا فعل محرّما، و لكن يصح وضوؤه و صلاته تحتها. نعم إذا نصب شخص خيمة في الصحراء صار له أولوية التصرف في المكان الذي تشغله و إن لم يملكه، فلا يجوز لغيره الانتفاع بالمكان و التصرف فيه بالوضوء و غيره بغير إذنه و رضاه.

(مسألة 97): إذا توضأ في المكان المغصوب ملتفتا لحرمة عمله

بطل وضوؤه، و لا ينفع في صحته إرضاء المالك بعد ذلك و تحليله من تبعة التصرف.

(مسألة 98): يجوز التصرف- بمثل الوضوء و الصلاة- في الأراضي المكشوفة المعرّضة لمرور عامة الناس. و كذا يجوز استعمال المياه المكشوفة المعرّضة لاستعمال عامة الناس و إن لم يحرز رضا المالك في الجميع.

(مسألة 99): إذا كان ماء المسجد مثلا وقفا علي المصلين فيه حرم الوضوء منه بدون نية الصلاة فيه، و لو توضأ كذلك بطل وضوؤه مع التفاته لحرمة ذلك و لا ينفع في تصحيحه أن يصلي في ذلك المسجد، و لو توضأ بنية الصلاة في ذلك المسجد صح وضوؤه، و لو بدا له بعد الفراغ من الوضوء أن لا يصلي فيه لم يجب عليه الصلاة فيه و لم يبطل وضوؤه. و كذا لو توضأ غفلة عن وقفيته بالنحو المذكور أو غفلة عن حرمة الوضوء في هذا الحال فإنه يصح وضوؤه و لا يجب عليه الصلاة في ذلك المسجد لو علم بالحال بعد الوضوء.

(مسألة 100): إذا اعتقد المكلف حرمة التصرف بالماء أو في المكان فتوضأ به بطل وضوؤه، و ليس له الاجتزاء به حتّي لو ظهر له بعد ذلك عدم حرمة التصرف. و كذا الحال لو شك في الحرمة و لم يكن له مسوّغ شرعي للعمل، كما لو شك في رضا المالك بالتصرف، فإن وضوءه بطل حتّي لو انكشف بعد ذلك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 41

رضا المالك بتصرفه.

(مسألة 101): لا بد من الخلوص في النية، فلو قصد الرياء وحده أو مع التقرب للّه تعالي بطل العمل. و المراد بالرياء المحرم أو المبطل هو أن يعمل المكلف من أجل أن يراه الناس متديّنا، و ترتفع منزلته الدينية عندهم. نعم

إذا كان الغرض من ذلك دفع شرهم و إضرارهم به و اعتدائهم عليه ظلما فلا بأس به.

(مسألة 102): إذا أتي بالعمل بنيّة القربة خالصة من دون رياء، ثم خطر في باله أن ذلك يرفعه عند الناس لم يضر ذلك في صحة العمل بعد أن لم يكن عمله من أجل ذلك، بل قد يكون ذلك من وساوس الشيطان ليصدّه عن العمل، فليتعوّذ منه و ليستمر في عمله.

(مسألة 103): لا يضر في التقرب نية الضمائم الراجحة شرعا كإرضاء الوالدين بالعمل و استجلاب دعائهما أو دعاء المؤمنين، و تعليم الجاهلين، بل ذلك يؤكد التقرب. كما لا يضر أيضا نية الضمائم المباحة كالتبرد.

(مسألة 104): لا يعتبر نية الوجوب و لا الندب و لا نية رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو غيرها.

(مسألة 105): لا يجب في النية التلفظ بمؤداها، بل موقعها النفس. كما أنها لا تحتاج إلي تكلف و استحضار، بل يكفي حصولها بمقتضي طبع المكلف و ارتكازه، بحيث لو سئل لأجاب بأني أريد الوضوء قربة للّه تعالي. و كذا في سائر العبادات.

الخامس: من شروط الوضوء مباشرة المتوضي للغسل و المسح. فلو وضأه غيره بطل. إلا مع تعذّر المباشرة عليه، فيجتزئ بذلك. و الذي يتولي النية حينئذ هو المتوضي لا الموضّئ. و إن كان الأحوط استحبابا ضم نيته إليه أيضا. كما أنه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 42

لا بد من تسبيب المتوضي لفعل الغير بأن يطلبه منه، أو تمكينه من أن يوضأه، ليتسنّي له قصد الوضوء و تقربه به.

السادس: الموالاة، و هي التتابع بين أجزاء الوضوء، بمعني عدم الفصل بنحو يلزم جفاف تمام السابق قبل البدء باللاحق فلو جفّ لقلّة الماء أو لحرارة الهواء أو نحوهما من دون فصل

عرفي لم يضر. و لا يضر المشي و الكلام و نحوهما في الأثناء مع عدم الجفاف.

(مسألة 106): الأحوط وجوبا عدم الاكتفاء ببقاء الرطوبة في ما خرج عن الحد من اللحية أو غيرها. و كذا بقاء الرطوبة في الباطن الذي لا يجب غسله و إن دخل في الحد كباطن اللحية.

(مسألة 107): لو استأنف الوضوء قبل فوات الموالاة صح الوضوء المستأنف.

و كذا لو استأنفه احتياطا لاحتمال فوت الموالاة.

(مسألة 108): لو شك في فوت الموالاة لاحتمال الجفاف بني علي عدمه، و اجتزأ بإتمام وضوئه.

السابع: الترتيب بين الأعضاء فيغسل الوجه أولا ثم اليد اليمني ثم اليد اليسري ثم يمسح الرأس ثم الرجلين. و الأحوط وجوبا تقديم مسح اليمني علي مسح اليسري. و كذا يجب الترتيب في كل عضو مغسول بالبدء بالأعلي فالأعلي، علي ما تقدم في فصل أجزاء الوضوء.

(مسألة 109): لو أخل بالترتيب فمع عدم فوت الموالاة يكتفي بإعادة ما قدّمه علي ما يحصل معه الترتيب و إلا استأنف الوضوء، مثلا لو غسل وجهه و غسل اليد اليسري فإن بقي بلل علي وجهه كفاه غسل اليد اليمني ثم يعيد غسل اليسري و يتم وضوءه، و إن جفّ وجهه استأنف الوضوء.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 43

(مسألة 110): لو أخلّ ببعض العضو جري فيه ما سبق، فمع عدم فوت الموالاة يتم غسل العضو علي الترتيب المتقدم من غسل الأعلي فالأعلي ثم يتم وضوءه، و مع فوتها يستأنف الوضوء و لا يكتفي بتدارك خصوص الجزء الذي أخل به علي الأحوط وجوبا.

الفصل الرابع في الجبائر

من كان علي بعض أعضاء وضوئه جبيرة فإن أمكنه و لم يضرّه الوضوء الاختياري- بأجزائه و شرائطه السابقة- وجب، كما لو أمكن نزع الجبيرة أو إجراء الماء تحتها بنحو

يحصل الغسل تدريجا. و لو تعذّر ذلك لكن أمكن إيصال الماء لما تحت الجبيرة- و لو بغمسها في الماء حتي ينفذ للجلد- وجب أيضا و أجزأه و إن لم يحصل به الترتيب المعتبر في الغسل. بل يكفي ذلك في مواضع المسح- كالرجلين- و إن لم يتحقق به المسح الواجب حال الاختيار. أما مع تعذّر إيصال الماء للبشرة فيكفي المسح علي الجبيرة.

(مسألة 111): لا فرق في التعذّر المسوّغ للمسح علي الجبيرة بين أن يكون لتعذّر حلّ الجبيرة لكونه مضرا بالكسر أو الجرح من دون أن يضرّ به الماء، و أن يكون لإضرار الماء بالكسر أو الجرح. و أما إذا كان لتعذّر إزالة النجاسة، فإن كان منشؤه الإضرار بالجرح فالظاهر جريان الحكم المذكور فيه، فيجزئ المسح علي الجبائر، و إن كان منشؤه ضيق الوقت أو عدم الماء أو نحو ذلك مما لا يرجع للجرح فالظاهر الانتقال للتيمم و عدم الاجتزاء بالوضوء الجبيري.

(مسألة 112): لو أمكن مسح البشرة بالماء من دون أن يحقق الغسل المعتبر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 44

فالأحوط وجوبا الجمع بينه و بين المسح علي الجبيرة إما بالجمع بينهما في وضوء واحد، أو بتكرار الوضوء. بل لو أمكن نزع الجبيرة حال الوضوء و بقي الجرح مكشوفا اجتزأ بمسح البشرة و لم يجب وضع الجبيرة و المسح عليها.

(مسألة 113): لو تعذّر المسح علي الجبيرة في موارد وجوبه فالأحوط وجوبا الجمع بين الوضوء الناقص و التيمم. و لا يجزئ غسل الجبيرة عن مسحها.

(مسألة 114): لا بد من استيعاب الجبيرة بالمسح عرفا، و لا تجب المداقة في ذلك، فلا يجب استيعاب مواضع الخلال- أي الفواصل- التي تكون بين الخيوط و نحوها.

(مسألة 115): المراد بالجبيرة في الأحكام المتقدمة

ما يعم عصابة الجرح.

(مسألة 116): الجرح المكشوف يكفي غسل ما حوله، و لا يجب وضع شي ء عليه و مسحه. نعم إذا كان في موضع المسح فإن أمكن مسحه وجب، و إلا فالأحوط وجوبا وضع شي ء عليه و مسحه.

(مسألة 117): إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة، فإن كان وضع الجبيرة لستر الجرح أو نحوه من دون أن يحتاج الجرح ذلك بطبعه لزم نزع الجبيرة و غسل الموضع الصحيح، و جري حكم الجرح المكشوف.

و إن كان وضع الجبيرة مما يقتضيه طبيعة الجرح فإن كانت الجبيرة ساترة للصحيح بالمقدار المتعارف لم يجب نزع الجبيرة و اجتزأ المكلف بمسحها بدلا عن غسل ما تحتها.

و إن كانت ساترة لأكثر من المتعارف لزم نزعها و غسل ما تحتها من المقدار الصحيح، و مع تعذر النزع أجزأه المسح عليها إن كان كبر الجبيرة مما تقتضيه طبيعة الجرح، أما لو كان لفقد الجبيرة الصغيرة أو نحو من دون أن يحتاجه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 45

الجرح بطبعه فالأحوط وجوبا ضم التيمم.

(مسألة 118): إذا كانت الجبيرة نجسة لم يجزئ المسح عليها، فإن أمكن تطهيرها أو تبديلها بجبيرة طاهرة أو نزعها و إجراء حكم الجرح المكشوف وجب، و إلا فالأحوط وجوبا الجمع بين الوضوء الناقص- بعدم المسح علي الجبيرة- و التيمم. و إن أمكن وضع شي ء طاهر عليها و المسح عليه فإن عدّ ذلك من أجزاء الجبيرة عرفا أجزأ المسح عليه و لحقه حكم تبديل الجبيرة، و إن عدّ أمرا خارجا عنها زائدا عليها لم يجزئ المسح عليه و لحقه حكم تعذّر المسح علي الجبيرة من الجمع بين الوضوء الناقص و التيمم.

(مسألة 119): لا فرق في جريان حكم الجبيرة المتقدم بين الجبيرة الصغيرة

و غيرها حتّي المستوعبة للعضو الوضوئي، بل المستوعبة لتمام الأعضاء. و أما الجرح المكشوف الكبير جدا فيشكل الاكتفاء بغسل ما عدا موضعه، بل الأحوط وجوبا ضم التيمم إليه.

(مسألة 120): لا فرق في جريان حكم الجبيرة بين أن تكون علي العضو المغسول و أن تكون علي العضو الممسوح.

(مسألة 121): إذا استوعبت الجبيرة العضو الماسح مسح ببلّتها، و إلا مسح بالبشرة، إلا أن يكون الظاهر منها قليلا لا يكفي في المسح، فيتمّم المسح بالجبيرة.

(مسألة 122): لا فرق في جريان حكم الجبيرة و حكم الجرح المكشوف بين أن يكون المانع من استعمال الماء كسرا و جرحا و ورما و غيرها مما يعود لنقص في البدن، فمع وضع شي ء عليه من جبيرة أو عصابة يمسح عليه، و مع عدمه يغسل ما حوله علي ما سبق تفصيله.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 46

نعم لو كان استعمال الماء للطهارة مضرا بما لا يجب غسله كباطن الأنف و العين يتعين التيمم و لا يجزي الوضوء الناقص. و كذا يتعين التيمم لو كان استعمال الماء موجبا لحدوث خلل في البدن من دون أن يكون موجودا بالفعل، كبعض الأمراض الجلدية التي يخشي من ظهورها باستعمال الماء.

(مسألة 123): اللطوخ و الدهون المطلي بها العضو للتداوي إن أمكن المسح عليها وجب، و إلا فالأحوط وجوبا الجمع بين غسل ما حولها و التيمم. هذا إذا كانت مكشوفة أما إذا كانت عليها جبيرة فيلحقها ما تقدم من وجوب المسح عليها.

(مسألة 124): الحاجب اللاصق اتفاقا من دون أن يحتاج إليه للعلاج الأحوط وجوبا الجمع بين المسح عليه و التيمم.

(مسألة 125): لا يجب تخفيف الجبيرة، إلا أن يكون الزائد خارجا عن الجبيرة عرفا، كما يجوز إضافة شي ء عليها إذا

صار بحيث يعدّ جزء منها عرفا.

(مسألة 126): ما دام خوف الضرر باقيا يجري حكم الجبيرة، و مع زواله يجب رفعها. فلو تعذّر رفعها لأمر خارج من ضيق وقت أو فقد من يحسن إزالتها أو نحو ذلك فالأحوط وجوبا الجمع بين المسح عليها و التيمم، نظير ما تقدم في المسألة (124).

(مسألة 127): إذا خاف الضرر فعمل بحكم الجبيرة ثم تبين عدمه، فإن انكشف عدم الجرح أو الكسر أو نحوهما مما هو موضوع الجبيرة انكشف بطلان الوضوء و لزم إعادته و إعادة الصلاة الواقعة بالوضوء الأول. و إن كان موضوع الجبيرة موجودا و انكشف عدم الضرر من استعمال الماء فالظاهر عدم وجوب التدارك، نعم يجب إعادة الوضوء للصلوات الآتية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 47

(مسألة 128): إذا كان موضع من أعضاء الوضوء نجسا و تعذّر تطهيره من دون أن يضرّ به الماء سقط الوضوء و وجب التيمم. و كذا جميع موارد تعذّر الوضوء من غير جهة وجود الحاجب أو خوف الضرر علي الموضع الذي يصيبه الماء.

(مسألة 129): لا فرق بين جريان حكم الجبيرة بين الوضوء و الغسل و التيمم.

(مسألة 130): لا يجوز إيقاع الطهارة الجبيرية- و نحوها من الطهارة الناقصة، كالطهارة في الجرح المكشوف- في سعة الوقت إلا مراعاة باستمرار العذر في تمام الوقت، فإن ارتفع العذر في سعة الوقت انكشف عدم صحة الطهارة، و لا العمل المترتب عليها من صلاة أو نحوها، و إن استمر العذر إلي آخر الوقت انكشف صحة الطهارة و صحة العمل. و حينئذ لو ارتفع العذر بعد الوقت لم تبطل الطهارة من وضوء أو غسل، فلا يجب الاستئناف. و إن كان هو الأحوط استحبابا، خصوصا في الوضوء، و التيمم.

(مسألة 131): إذا

شرعت الطهارة الجبيرية و نحوها في حق المكلف، فإن جهل ذلك أو غفل عنه و أتي بالطهارة التامة صحت فإذا كان استعمال الماء مضرا في الواقع، إلا أن المكلّف غفل عن ذلك و لم يخف الضرر فاستعمل الماء من دون جبيرة و أتي بالطهارة التامة صحت طهارته.

و إن خاف الضرر و تعمد الإتيان بالطهارة التامة، فإن لم يكن الضرر بحدّ يحرم إيقاع النفس فيه صحت طهارته أيضا، و كذا إذا كان بحدّ يحرم إيقاع النفس فيه إلّا انّه غفل عن احتمال الحرمة. و أما إذا التفت لاحتمال الحرمة حينئذ فإن كان إيصال الماء لما لا يضره الماء و غسله بنحو يستلزم وصوله لما يضره الماء بطلت طهارته، لعدم تأتّي قصد القربة منه مع التفاته لترتب الحرام علي فعله، و إن لم يكن كذلك بل كان وصول الماء لما يحرم وصوله إليه بحركة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 48

مستقلة صحت طهارته.

و يجري هذا التفصيل فيما لو خاف الضرر و تبين عدمه في الواقع بعد الإتيان بالطهارة التامة.

(مسألة 132): في كل مورد يشك المكلف في أن وظيفته الطهارة الجبيرية و نحوها أو التيمم يتعيّن عليه الجمع بينهما حتّي يتضح له الحال بالسؤال و نحوه.

الفصل الخامس في سلس البول و البطن

و المراد بالأول عدم استمساك البول، و بالثاني عدم استمساك الغائط، و بحكمه عدم استمساك الريح.

(مسألة 133): ذوا السلس و البطن إن كان لهما فترة مضبوطة تسهل معرفتها تسع الوضوء و الصلاة التامة وجب عليها انتظارها و إيقاع الصلاة بطهارة تامة فيها. و كذا الحال في كل مستمر الحدث.

(مسألة 134): يكفي في الحكم السابق سعة الفترة لأدني الصلاة الاختيارية الواجبة، بل يكفي سعتها لصلاة المستعجل كالفاقدة للسورة. و أما لو كانت تسع

الصلاة الاضطرارية دون الاختيارية كالصلاة بالإيماء، أو الصلاة بالتيمم فالأحوط وجوبا الجمع بينها و بين الوظيفة الآتية.

(مسألة 135): ذو السلس إذا لم تكن له فترة مضبوطة تسع الطهارة و الصلاة التامة يجمع بين الظهرين بأذان و إقامتين بوضوء واحد، و كذا بين العشائين، و يتوضأ لكل صلاة غيرها إذا كانت مضيقة، حتّي لو كانت مستحبة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 49

(مسألة 136): إذا فرّق ذو السلس في الفرض السابق بين الظهرين أو العشائين أعاد الوضوء للصلاة الثانية.

(مسألة 137): ذو البطن إن لم تكن له فترة مضبوطة تسع الطهارة و الصلاة التامة إذا فاجأه الحدث في أثناء الصلاة توضأ و بني علي ما مضي من صلاته.

و الأحوط وجوبا تجنّب منافيات الصلاة من الكلام و القهقهة و البكاء. نعم لا بأس بترك الاستقبال و ترك الستر- للمرأة- بالمقدار الذي يقتضيه الوضوء، و كذا الفعل الكثير الذي تقتضيه تهيئة مقدمات الوضوء القريبة أما البعيدة كاستقاء الماء فالأحوط وجوبا قدحه.

(مسألة 138): إذا لم تكن لذي البطن فترة تسع الطهارة و بعض الصلاة كان عليه الوضوء لكل صلاة.

(مسألة 139): صلاة الاحتياط و قضاء الأجزاء المنسيّة تابعة لصلاتها في الأحكام السابقة.

(مسألة 140): يجب علي من به السلس و البطن التحفظ من تعدي النجاسة للبدن و الثوب مهما أمكن فيعلق الرجل كيسا فيه قطن للبول، و تستثفر «1» المرأة، كما يستثفران للغائط. و الأحوط وجوبا التطهير لكل صلاة. نعم في مورد الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد يكفي التطهير لكل صلاتين.

(مسألة 141): بقية أفراد مستمر الحدث- مثل من يفجؤه النوم- إذا لم تكن له فترة تسع الصلاة التامة اكتفي بالصلاة الاضطرارية مع الطهارة و لو بتيمم، فإن تعذّر ذلك فالأحوط وجوبا الوضوء

لكل صلاة. نعم لو كانت له فترة تسع

______________________________

(1) بأن تضع ما يمنع من انتشار النجاسة كالخرقة و نحوها كما سيوضحه في صفحة 76.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 50

الصلاة- و إن كانت اضطرارية بطهارة و لو بتيمم- لكنه لم يصلّ فيها للجهل بها أو تفريطا فالأحوط وجوبا الجمع بين الوضوء لكل صلاة أداء و القضاء بعد ذلك.

الفصل السادس في غايات الوضوء

الوضوء لا يطلب لنفسه، بل لترتب الطهارة و رفع الحدث عليه، فكل ما يعتبر فيه الطهارة المذكورة يعتبر فيه الوضوء و يترتب علي ذلك مسائل:

(مسألة 142): لا بدّ من الوضوء في صحة الصلاة الواجبة و المندوبة، و كذا صلاة الاحتياط و قضاء الأجزاء المنسية. بل هو الأحوط استحبابا في سجود السهو.

(مسألة 143): لا يعتبر الوضوء في صحة الصلاة علي الميت.

(مسألة 144): يعتبر الوضوء في الطواف الواجب، و هو ما كان جزء من حج أو عمرة. و لا يعتبر في غيره حتّي لو وجب بنذر أو نحوه. نعم الأفضل إيقاعه عن وضوء. و إنّما يعتبر في صلاته لا غير.

(مسألة 145): يحرم علي المحدث غير المتوضي مسّ كتابة المصحف الشريف و أبعاضه. بل الأحوط وجوبا عدم مسّه لما يكتب من القرآن في غير المصحف، ككتب التفسير و الحديث و غيرها. نعم لا بأس بمسّ ما يكتب في الدراهم و الدنانير حتّي الورقية، كما تعارف في عصورنا.

(مسألة 146): إنما يحرم علي المحدث مسّ رسم الحرف القرآني في المصحف و نحوه، دون رسم الحركات الإعرابيّة و المدّ و التشديد و نحوها مما لا يكون رسما للحرف، بل لكيفيّة النطق به.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 51

(مسألة 147): الأحوط وجوبا أن لا يمسّ المحدث غير المتوضي لفظ الجلالة و سائر أسماء

اللّه تعالي و صفاته. و لا يلحق به أسماء الأنبياء و الأئمة و سيدة النساء صلوات اللّه عليهم أجمعين.

(مسألة 148): لا فرق في الكتابة بين أنواع الخط العربي. بل الأحوط وجوبا العموم للخطوط غير العربية إذا رسم بها القرآن علي عربيته، و كذا إذا رسم بها لفظ الجلالة أو أسماؤه تعالي العربية.

(مسألة 149): لا يحرم علي المحدث مسّ ترجمة القرآن، و أما أسماؤه تعالي بغير اللغة العربية فالأحوط وجوبا عدم مسّها.

(مسألة 150): لا فرق بين الكتابة بالمداد و التطريز و الحفر و غيرها. و يتحقق المسّ في الحفر بمسّ القعر، بل الأحوط فيه العموم لمسّ الحواشي، و كذا الحال في مسّ الكتابة بنحو التخريم، فيكفي في الحرمة مسّ حواشيها.

(مسألة 151): الأحوط وجوبا عدم المسّ حتّي بما لا تحله الحياة، كالظفر. نعم لا بأس في المسّ بالشعر.

(مسألة 152): لا بد في صدق القرآن من قصد الكاتب- و لو إجمالا- الحكاية عنه و رسمه، فلو كتب ما يطابقه لفظا لا بنيّة رسمه و الحكاية عنه لم يحرم مسّه، من دون فرق بين الألفاظ المشتركة و المختصّة.

(مسألة 153): الظاهر أن الصور الفوتوغرافية لكتابة القرآن بحكم القرآن في المسّ.

(مسألة 154): الظاهر جواز كتابة القرآن الكريم و نحوه علي بدن المحدث، و لا يجب علي المحدث حينئذ المبادرة للوضوء أو الغسل.

(مسألة 155): لا يجب منع المحدث غير المكلف من مسّ القرآن و نحوه، بل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 52

يجوز التسبيب لمسّه، و كذا الحال في الجاهل بالحرمة جهلا معذّرا.

(مسألة 156): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) أنه يستحب الوضوء للطواف المندوب، و لسائر أفعال الحج، و لطلب الحاجة، و لحمل المصحف الشريف، و لصلاة الجنائز، و لتلاوة القرآن، و

لدخول المساجد، و لتغسيل الجنب للميت، و لجماع مغسّل الميت قبل أن يغتسل، و للنوم، و لسجود الشكر، و للكون علي الطهارة، و لتجديد الطهارة من دون حدث، و لغير ذلك.

(مسألة 157): يكفي في التقرب المعتبر في الوضوء الإتيان به من أجل بعض ما سبق، سواء توقفت صحته عليه- كالصلاة- أم توقف كماله عليه- كصلاة الميت و قراءة القرآن- أم توقف جوازه عليه كمسّ المصحف- أم توقف رفع كراهته عليه، كجماع مغسّل الميت قبل أن يغتسل. بل يكفي فيه الإتيان به برجاء المطلوبية لغاية يحتمل مشروعيته لها، كما هو الحال في بعض المستحبات المذكورة في كلماتهم، علي ما ذكرناه في أواخر مباحث الاجتهاد و التقليد.

(مسألة 158): إذا توضأ لغاية- كالصلاة- ثم تبيّن أنه قد أتي بها صح وضوؤه.

(مسألة 159): إذا توضأ لغاية- كقراءة القرآن- ثم لم يأت بها صح وضوؤه.

(مسألة 160): إذا توضأ للتجديد ثم تبيّن أنه كان محدثا صح وضوؤه و كان رافعا للحدث.

(مسألة 161): يصح الوضوء لغاية- كالصلاة- قبل دخول وقتها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 53

الفصل السابع في آداب الوضوء و سننه

(مسألة 162): لا إشكال في كفاية الغسلة الواحدة لكل عضو من أعضاء الوضوء، كما لا إشكال في مشروعية الثانية. بل قيل باستحبابها. لكنه لم يثبت.

و أما الثالثة فالظاهر أنها بدعة. بل يبطل الوضوء بها إذا تحقق المسح بمائها. كما لو غسل اليسري ثلاثا. و أما تعدد الغرفات للغسلة الواحدة فلا بأس به، و ليس لها عدد مفروض.

(مسألة 163): سنن الوضوء علي ما تضمنته النصوص الشريفة أو ذكره العلماء (رضوان اللّه عليهم) أمور:

منها: السواك و هو دلك الأسنان. بل هو مستحب حتّي لغير الوضوء.

و الأفضل أن يكون بعود الأراك و ليفه و عود الزيتون، ثم مطلق

قضبان الشجر، و أدناه أن يدلكها بإصبعه.

و منها: وضع الإناء الذي يتوضأ منه علي اليمين، و كذا الاغتراف باليمين حتّي لغسلها فيصبه في اليسري ثم يغسل اليمني بها.

و منها: التسمية حين وضع اليد في الماء حين الاستنجاء مقدمة للوضوء، و قبل وضع اليد في الماء للوضوء، و بعد الشروع في غسل الوجه. و يحسن تداركها في الأثناء لو تركها في أوّل الوضوء.

و منها: الدعاء بالمأثور، و قد وردت أدعية كثيرة، ففي النص الصحيح: «إذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم اللّه و باللّه اللّهم اجعلني من التوابين و اجعلني من المتطهرين» و في حديث وضوء أمير المؤمنين عليه السلام: «فأتاه محمّد بالماء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 54

فأكفاه فصبه بيده اليسري علي يده اليمني ثم قال: بسم اللّه و باللّه و الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا. قال: ثم استنجي فقال: اللهم حصّن فرجي و أعفه و استر عورتي و حرّمني علي النار. قال: ثم تمضمض فقال: اللهم لقّني حجتي يوم ألقاك، و أطلق لساني بذكراك. ثم استنشق فقال: اللهم لا تحرم عليّ ريح الجنة و اجعلني ممن يشم ريحها و طيبها. قال: ثم غسل وجهه فقال: اللهم بيّض وجهي يوم تسودّ فيه الوجوه و لا تسوّد وجهي يوم تبيض فيه الوجوه. ثم غسل يده اليمني فقال: اللهم أعطني كتابي بيميني و الخلد في الجنان بيساري و حاسبني حسابا يسيرا، ثم غسل يده اليسري. فقال: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي، و لا تجعلها مغلولة إلي عنقي، و أعوذ بك من مقطّعات النيران. ثم مسح رأسه فقال: اللهم غشّني برحمتك و بركاتك و عفوك. ثم مسح رجليه فقال: اللهم ثبّتني علي

الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام و اجعل سعيي في ما يرضيك عني». و في الصحيح: «فإذا فرغت فقل: الحمد للّه رب العالمين». و هناك صور أخر و أدعية أخر يضيق المقام عن ذكرها.

و منها: المضمضة و الاستنشاق، و تثليثهما، و تقديم المضمضة.

و منها: بدء الرجل في غسل اليدين بظاهر الذراعين، و بدء المرأة بباطنهما.

و منها: إسباغ الوضوء بتكثير الماء لكل عضو غرفتان، أو غرفة وافية، بحيث يستولي الماء علي العضو المغسول و يفيض عليه، و عدم الاكتفاء بأقل المجزي الحاصل بوصول الماء للبشرة و إن قل.

و منها: الوضوء بمد و هو (ثمانمائة و سبعون غراما تقريبا). و الظاهر أن المقدار المذكور إنما يستحب مع الإتيان بآداب الوضوء.

و منها: فتح العينين عند غسل الوجه و إشرابهما الماء. إلي غير ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 55

(مسألة 164): يكره في الوضوء أمور:

منها: الاستعانة بالغير في صب الماء لوضوء الصلاة. بل يستحب عدم الاستعانة بالغير حتي في مقدمات الوضوء البعيدة.

و منها: الوضوء في المسجد من حدث البول و الغائط، و كذا غيرهما من الأحداث إذا وقع في غير المسجد. و يأتي الكلام في حكم المعتكف في محله.

و منها: الوضوء من الإناء المفضّض أو المذهّب أو المنقوش بالصور. و كذا الوضوء فيه.

و منها: الوضوء بالماء المسخن بالشمس. بل مطلق الغسل به، بل مطلق الاستعمال.

و منها: الوضوء من الماء القليل الذي يدخل المحدث بالنوم أو البول أو الغائط أو الجنابة يده فيه. و ترتفع الكراهة، في الأوّل بغسلها مرة، و كذا في الثاني و إن كان الأفضل فيه مرتين، و في الثالث بالغسل مرتين، و في الرابع بالغسل ثلاثا.

و منها: الوضوء بالماء الآجن، و بجميع المياه التي يكره استعمالها،

كماء البئر قبل النزح و الأسئار المكروهة إلي غير ذلك.

(مسألة 165): يكره صب الماء المستعمل في الوضوء في الكنيف، و هو مجري المرافق الصحيحة.

الفصل الثامن في أحكام الشك

(مسألة 166): من تيقن بسبق الحدث و شك في التطهر منه بني علي الحدث ما لم يتيقن الطهارة. و من تيقن بسبق الطهارة و شك في انتقاضها بني علي الطهارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 56

ما لم يتيقن الحدث. و لا أثر للظن في الموردين إلا أن يكون ظنا معتبرا شرعا كالبيّنة.

(مسألة 167): من تيقن سبق الحدث منه و الطهارة معا و جهل المتأخر منهما، فإن علم تاريخ الطهارة بني علي الطهارة و إن علم تاريخ الحدث بني علي الحدث. و إن جهل التاريخين لم يبن علي الطهارة و لا علي الحدث، فلا يصح منه الإتيان بما يعتبر فيه الطهارة- كالصلاة- حتي يتطهر، و لا يحرم عليه، ما يحرم علي المحدث- كمسّ المصحف- حتي يحدث.

(مسألة 168): إذا شك في أثناء الصلاة في أنه علي وضوء أو لا، قطعها و تطهّر و استأنف الصلاة. و لو كان شكه بعد الفراغ من الصلاة بني علي صحة الصلاة و توضأ لما عداها.

(مسألة 169): إذا شك بعد الفراغ من الوضوء في صحته بني علي الصحة حتي لو علم من نفسه عدم التفاته لمنشإ الشك، كما لو توضأ بخاتمه غفلة و احتمل وصول الماء تحته من دون أن يتعمد ذلك. نعم لو علم بعدم وصول الماء تحته وجبت عليه الإعادة.

(مسألة 170): إذا كانت أعضاء وضوئه نجسة فتوضأ ثم شك في أنه طهرها قبل الوضوء أو بقيت علي نجاستها بني علي صحة وضوئه، و علي نجاسة أعضائه فيطهّرها.

و كذا إذا توضأ بماء كان نجسا ثم شك

بعد الوضوء في أنه طهره قبل الوضوء به أو لا، فإنه يبني علي صحة وضوئه و علي نجاسة الماء الذي توضأ به فيطهّر كل ما وصل إليه ذلك الماء حتي أعضاء وضوئه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 57

المقصد الرابع في الغسل

اشارة

يجب الغسل من الجنابة و الحيض و الاستحاضة و النفاس و مسّ الميت، و يجب أيضا غسل الميت. كما يستحب الغسل في موارد كثيرة. فهنا مباحث.

المبحث الأول في غسل الجنابة
اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في سبب الجنابة

تتحقق الجنابة بأمرين:

الأول: خروج المني من الرجل. و الأحوط وجوبا ثبوت الجنابة للمرأة بالإنزال أيضا.

و يترتب علي ذلك لزوم الجمع عليها بين الغسل و الوضوء احتياطا و تطهير ما يلاقيه من ملابسها و بدنها. و هذا هو الحكم في جميع موارد الاحتياط الوجوبي في ثبوت الجنابة.

(مسألة 171): إن عرف المني فلا إشكال و إن لم يعرف كفي في الحكم به مع المرض خروجه عن شهوة. و أما حال الصحة فلا بد في الحكم به من اجتماع الدفق و الفتور و الشهوة. نعم يكفيه مع النوم إحراز الشهوة و الدفق، و لو شك في الدفق كان قلة البلل أمارة علي عدمه، فلا يجب معه الغسل. هذا في الرجل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 58

و أما في المرأة فليس المني منها إلا ما يخرج من القبل عند بلوغ الشهوة الذروة. و لا أثر لما يخرج لنضح البلل بملاعبة أو نحوها بدون بلوغ الشهوة الذروة.

الثاني: الجماع، و لو بدون إنزال المني و يتحقق بدخول الحشفة في القبل. بل الأحوط وجوبا تحققها بدخولها في الدبر من الرجل و المرأة. و به تحقق الجنابة في حق الفاعل و المفعول به و إن لم يكن مكلفا. نعم في ثبوت الجنابة بوطء الميت للفاعل و المفعول به إشكال و إن كان هو الأحوط وجوبا. و أما الإدخال في فرج البهيمة فالظاهر عدم تحقق الجنابة به مع عدم إنزال المني.

الفصل الثاني في أحكام الجنابة

(مسألة 172): لا يصح من الجنب جميع ما لا يصح من غير المتوضئ مما تقدم في غايات الوضوء، كما لا يصح الصوم منه أيضا علي تفصيل يأتي في كتاب الصوم إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 173): يحرم علي الجنب جميع ما يحرم علي

غير المتوضئ مما تقدم.

كما يحرم عليه أيضا الكون في المسجد الحرام و مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مطلقا. بل لو أصابته جنابة فيهما وجب عليه المبادرة للخروج بعد التيمم. و أما في سائر المساجد فيستثني الاجتياز بالدخول من باب و الخروج من آخر، و الدخول لأخذ شي ء منها، و يحرم ما عدا ذلك.

(مسألة 174): لا يجوز للجنب الدخول للمساجد لوضع شي ء فيها، نعم يجوز له وضع شي ء فيها حال الاجتياز، كما يجوز إذا لم يستلزم الدخول فيها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 59

(مسألة 175): الأحوط وجوبا عدم مكث الجنب في مشاهد النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام فيقتصر من أعوزته حاجة لذلك أو أعجله أمر عن الغسل علي العبور فيها، أو الطواف بها من دون مكث. نعم لا بأس في المكث في الأروقة المطهرة التي هي خارج البنية التي فيها القبر الشريف.

(مسألة 176): إذا احتمل عدم مسجدية بعض أجزاء بنائه المسجد- كالساحة المكشوفة و المدخل- جاز الدخول فيه و المكث، و لم تجر عليه أحكام المسجدية.

(مسألة 177): لا فرق في جريان أحكام المسجد بين العامر منها و الخراب.

(مسألة 178): يحرم علي الجنب قراءة آية السجدة من سور العزائم الأربع، و هي (الم السجدة) و (حم السجدة) و (النجم) و (العلق). و يجوز قراءة بقية السور المذكورة، و إن كان الأحوط استحبابا تركها. نعم هو مكروه بل الأحوط استحبابا تركه، كما يكره قراءة القرآن مطلقا، خصوصا ما زاد علي سبع آيات، و أولي بذلك ما زاد علي السبعين.

(مسألة 179): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) أنه يكره للجنب الأكل و الشرب إلا بعد الوضوء أو غسل اليدين و

المضمضة و الاستنشاق، و النوم إلا بعد الوضوء أو التيمم بدلا عنه. و مسّ ما عدا الكتابة من المصحف. و أما الكتابة فيحرم علي الجنب مسّها، كما تقدم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 60

الفصل الثالث في كيفية غسل الجنابة

و يجب فيه أمور.

منها: النية، و إيصال الماء للبشرة، و مباشرة المغتسل لغسله، و إطلاق الماء و طهارته، و قد تقدم تفصيل هذه الأمور في الوضوء، لأن المقامين من باب واحد.

(مسألة 180): لا يجب غسل الشعر، بل يجب إيصال الماء لما تحته من البشرة حتي لو كان الشعر كثيفا.

و منها: غسل تمام البدن. و المشهور أن له صورتين لا يجوز الخروج عنهما:

إحداهما: الترتيب بأن يغسل أولا تمام الرأس و الرقبة، ثم الجانب الأيمن من الجسد، ثم الجانب الأيسر منه.

ثانيتهما: الارتماس بتغطية البدن في الماء دفعة واحدة بحيث يحصل غسل تمام البدن حينها.

و هذا و إن كان أحوط إلا أن الظاهر عدم تعيّن إحدي الصورتين، غاية الأمر أنه لا يجوز تقديم الجسد علي الرأس، و يجوز ما عدا ذلك، فمن الصور الجائزة:

غسل تمام البدن بالوقوف تحت المطر أو الحنفية أو نحوهما، (و منها): صبّ الماء علي الرأس و الجسد، ثم إمرار اليد حتي يستوعب الماء تمام الرأس و الجسد، و لا بد من التأكد من وصول الماء لتمام الجسد، (و منها): تقديم الشق الأيمن من الرأس و الجسد علي الشق الأيسر منهما. و غير ذلك من الصور الأخري.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 61

(مسألة 181): لا يعتبر الموالاة في الغسل، بل يجوز التفريق بين أجزائه و إن جفّ المغسول قبل الإتيان بالباقي.

(مسألة 182): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) أنه يستحب للجنب عند إرادة الغسل غسل اليدين من المرفقين ثلاثا ثم

المضمضة ثلاثا ثم الاستنشاق ثلاثا.

الفصل الرابع في أحكام غسل الجنابة

(مسألة 183): إذا أحدث بالأصغر في أثناء غسل الجنابة فالأحوط وجوبا الجمع بين استئناف الغسل لاحتمال بطلانه، و الوضوء، و هكذا الحال في كل غسل غير غسل الجنابة.

(مسألة 184): غسل الجنابة يجزئ عن الوضوء و كذا كل غسل مشروع غير غسل الجنابة واجبا كان أو مستحبا، نعم من آداب غسل غير الجنابة تقديم الوضوء عليه.

(مسألة 185): إذا اجتمعت أغسال متعددة واجبة أو مستحبة أو مختلفة أجزأ عنها غسل واحد سواء أتي به المكلف بنيّة بعضها أم بنية الجميع و يجزئ عن الوضوء، و لا سيما إذا كان المغتسل جنبا.

(مسألة 186): إذا علم بالجنابة و شك في أنه اغتسل منها بني علي العدم حتي لو كان من عادته الاغتسال، إلا أن يرجع الشك للوسواس، فإنّه لا يعتني به و يبني علي الطهارة.

(مسألة 187): إذا شك في أثناء الغسل في صحته أو في أنه هل غسل موضعا من البدن وجب عليه التدارك، أما إذا شك في ذلك بعد الفراغ من الغسل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 62

فلا يعتني بشكه و يبني علي صحة غسله و تماميته.

(مسألة 188): يستحب لمن كانت جنابته بخروج المني البول قبل الغسل، و ليس هو شرطا في صحة الغسل. و لكن فائدته أنه لو خرج منه بعد البول بلل مشتبه بالمني لم يبن علي أنه مني، أما لو خرج منه البلل قبل البول فاللازم البناء علي أنه مني فيتطهر منه و ينتقض الغسل به و يجب إعادته. و لو شك أنه هل بال أو لا بني علي العدم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 63

المبحث الثاني في غسل الحيض
اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في سببه

و هو خروج دم الحيض، الذي هو دم خاص يقذفه الرحم بمقتضي طبيعة مزاج المرأة. و لا بد فيه من النزول لظاهر الفرج، و لا يكفي النزول من الرحم لباطنه. و إن كان ذلك يكفي في استمرار الحيض و بقائه كما يظهر في ما يأتي.

(مسألة 189): إذا افتضت البكر فسال منها دم كثير و تردد بين أن يكون دم البكارة أو من دم الحيض أو منهما معا أدخلت قطنة و تركتها مدة قليلة ثم أخرجتها إخراجا رفيقا، فإن كانت مطوقة بالدم من دون أن يغمسها فهو من البكارة، و إن كانت مستنقعة فهو من الحيض.

(مسألة 190): كل دم تراه الصبية قبل بلوغها تسع سنين قمرية محكوم بأنه ليس بحيض، و كذا ما تراه المرأة بعد بلوغ سن اليأس. نعم لو علم يقينا بأنه من الحيض ترتبت عليه أحكامه.

(مسألة 191): حد اليأس في القرشية بلوغ ستين سنة قمرية، و في غيرها بلوغ خمسين سنة و يكفي الانتساب لقريش من الزنا. و مع الشك في كون المرأة قرشية يحكم بعدم كونها قرشية.

(مسألة 192): أقل الحيض ثلاثة أيام، و المراد باليوم هنا ما يعم الليل الحاصل بدورة تامة للأرض، لا خصوص بياض النهار.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 64

(مسألة 193): الظاهر أنه لا يعتبر التوالي في الأيام الثلاثة، بل تكفي الثلاثة المتفرقة. لكن لا بد من اجتماعها في ضمن عشرة أيام. نعم يجب عليها ترتيب أحكام الحيض بمجرد رؤية الدم، فإن استمر ثلاثة أيام، أو انقطع ثم رجع حتي تم لها ثلاثة أيام في ضمن العشرة تحققت كونه حيضا، و إلا انكشف أنه استحاضة و وجب عليها قضاء الصلاة التي تركتها حين رؤية الدم.

(مسألة

194): أكثر الحيض عشرة أيام. و هي أطول مدة بين أول الحيض و آخره، غايته أن الحيض قد يستوعبها، و قد يتفرق فيها، و إن كان اللازم بلوغ مجموعه ثلاثة أيام فأكثر.

(مسألة 195): إذا تفرقت الثلاثة أيام أو أكثر في ضمن عشرة كان النقاء المتخلل بحكم الطهر، فتغتسل له و تصلي، و إن لم تفعل وجب عليها القضاء. نعم لا عبرة بفترات التقطع القصيرة التي تقتضيها طبيعة دم الحيض و تتعارف في النساء سواء نزل الدم من الرحم لباطن الفرج أم لم ينزل، فإن الفترات المذكورة ما لم تكن منافية لاستمرار الحيض عرفا تكون بحكم الحيض.

(مسألة 196): أقل الطهر بين حيضتين عشرة أيام، فكل دم تراه المرأة قبل ذلك فهو ليس من الحيض.

(مسألة 197): كل دم تراه المرأة تحكم عليه بأنه حيض إذا لم ينقص عن الثلاثة أيام و لم يزد علي العشرة، و كان بينه و بين الحيض السابق عشرة أيام، سواء كان بصفات الحيض الآتية أم لا.

نعم، يأتي الكلام في حكم الحامل و حكم الصفرة.

(مسألة 198): تتحيض المرأة بمجرد رؤية الدم، إذا كان بعد عشرة أيام من الحيض السابق، سواء كان بصفات الحيض الآتية أم لا، و حينئذ فإن تمّ له ثلاثة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 65

أيام فما فوق فهو، و إن نقص عنها انكشف عدم كونه حيضا، فتقضي الصلاة التي تركتها.

(مسألة 199): تصير المرأة ذات عادة باتفاق الحيض مرتين متواليتين في العدد و الوقت أو في أحدهما. فإن اتفقا في الوقت و العدد فهي ذات عادة وقتية و عددية، كما لو رأت الدم في أول كل من الشهرين المتواليين سبعة أيام مثلا.

و إن اتفقا في الوقت دون العدد فهي ذات

عادة وقتية لا عددية، كما لو رأت الدم في أول الشهر الأول خمسة أيام، و في أول الشهر الثاني سبعة أيام مثلا. و إن اتفقا في العدد دون الوقت فهي ذات عادة عددية فقط، كما لو رأت الدم في أول الشهر الأول خمسة أيام، و في وسط الشهر الثاني خمسة أيام مثلا.

(مسألة 200): لا يزول حكم العادة باختلاف الحيض عنها في الشهور اللاحقة مهما طالت المدة ما دامت الشهور مختلفة في ما بينها. نعم تنقلب العادة باتفقا شهرين متعاقبين من دون فصل علي وقت أو عدد مخالف لعادتها السابقة، فتنعقد عادتها علي الوجه اللاحق و يكون العمل عليه.

(مسألة 201): الحيض يجتمع مع الحمل حتي مع استبانته، فإن كانت المرأة ذات عادة وقتية تتحيض برؤية الدم في عادتها أو قبل عادتها بقليل- يوم أو يومين- أو بعد عادتها قبل مضي عشرين يوما من أوّلها هذا إذا كان أحمر، و أما إذا كان أصفر فالأحوط وجوبا أن تجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة. و إن رأته بعد مضي عشرين يوما من أول عادتها فلا تتحيض به و إن كان أحمر. و أما إذا لم تكن ذات عادة فإنها تتحيض بالدم إذا كان أحمر، و لا تتحيض به إذا كان أصفر.

هذا و الظاهر أنه لا يعتبر في حيض الحامل بلوغ ثلاثة أيام، بل يكفي يوم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 66

واحد أو يومان. نعم لا يكفي ما دون ذلك.

(مسألة 202): الصفرة إن كانت سابقه علي دم محكوم عليه بالحيضية بيومين فما دون يحكم عليها بأنها حيض، سواء كانت في العادة أم لا. و كذا إذا كانت متأخرة عنه بيومين فما دون متصلة به، بل و إن

كانت منفصلة عنه علي الأحوط وجوبا. و إن تقدّمت أو تأخرت عنه بأكثر من ذلك فهي ليست بحيض.

كما أنها في أيام العادة الوقتية أو قبلها بيومين يحكم عليها بأنها حيض، اتصلت بدم أو لم تتصل، بشرط بلوغها وحدها أو مع الدم ثلاثة أيام. و في ما عدا ذلك لا يحكم عليها بأنها حيض، سواء لم تكن المرأة ذات عادة أم كانت ذات عادة و تأخرت الصفرة عن العادة و لو قليلا أو تقدمت أكثر من يومين.

(مسألة 203): إذا انقطع دم الحيض عن الخروج للظاهر و احتمل بقاؤه في باطن الفرج وجب الفحص و الاستبراء، و ذلك بأن تستدخل قطنة في باطن الفرج فإن خرجت ملوثة بالدم بقيت علي التحيض، و إن خرجت نقيّة بنت علي الطهر، و إن احتملت مع ذلك احتباس شي ء في الرحم فلتقم و تلصق بطنها بحائط و ترفع رجلها علي حائط و تستدخل القطنة فإن خرج فيها شي ء من الدم بقيت علي التحيض، و إن خرجت نقية بنت علي الطهر، و لا يجب المبادرة للاستبراء ليلا، بل لها أن تنتظر به النهار و تبني علي بقاء الحيض بدونه. و لو تعذّر عليها الفحص و لو نهارا فإنّها تبقي علي التحيض حتي تعلم بالنقاء.

(مسألة 204): إذا رأت المرأة الدم فتحيضت و استمر بها الدم فإن لم تكن ذات عادة عددية بقيت علي التحيض به ما دام مستمرا، فإن انقطع قبل العشرة بنت علي الطهر- بعد الاستبراء الذي تقدم في المسألة السابقة- و جري عليه حكمه و إن استمر بعد العشرة عملت أعمال المستحاضة الآتية في المقصد الثالث.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 67

و إن كانت ذات عادة عددية فإن انقطع الدم

عند مضي عادتها بنت علي الطهر بعد الاستبراء، و إن استمر بعد العادة جاز لها الاقتصار في التحيض علي عادتها و تعمل بعدها أعمال المستحاضة. لكن يستحب لها الاستظهار، بل هو الأحوط استحبابا. و ذلك بأن تبقي علي التحيض يوما أو يومين أو ثلاثة مخيرة بينها بل لها أن تستظهر حتي تتم لها عشرة أيام من حين رؤية الدم، فإن استمر بعد مضي مدة الاستظهار التي اختارتها تعمل أعمال المستحاضة.

(مسألة 205): إذا اقتصرت ذات العادة في المسألة السابقة علي عادتها و عملت أعمال المستحاضة ثم انقطع الدم علي العشرة أو قبلها لم ينكشف أن حيضها تمام العشرة، فلو كانت عادتها سبعة أيام مثلا فاقتصرت عليها و قامت بعدها بأعمال المستحاضة و صلّت و صامت، فإذا انقطع الدم علي العشرة أو قبلها لم يجب عليها قضاء الصوم الذي جاءت به بين أيام عادتها و العشرة.

و كذا إذا استظهرت بما لا يبلغ بها العشرة- كيوم أو يومين- ثم قامت بأعمال المستحاضة و صامت و صلّت ثم انقطع الدم علي العشرة، فإنها لا تقضي الصوم الذي جاءت به بين أيام استظهارها و العشرة. كما انها لو استظهرت بأي مقدار شاءت ثم تجاوز الدم العشرة لم ينكشف أن حيضها خصوص أيام العادة فلا يجب عليها قضاء الصلاة التي تركتها أيام الاستظهار.

(مسألة 206): إذا استمر الحيض بعد مدة الاستظهار في ذات العادة العددية و بعد العشرة في غير ذات العادة و عملت أعمال المستحاضة فإن انقطع بعد مدة قصيرة فلا إشكال، و إن استمر شهرا فما زاد فإن كانت ذات عادة وقتية و عددية اقتصرت عليها و لم تستظهر، و عملت بأحكام المستحاضة بعدها. لكن بشرط أن يمضي أقل الطهر

بين أول تحيضها و أيام عادتها، و إلا لم تتحيض في ذلك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 68

الدّور و انتظرت الدّور الثاني.

مثلا: لو كانت عادتها من الخامس عشر من الشهر إلي العشرين منه و رأت الدم في الثالث من الشهر، فتحيضت إلي السابع منه و استظهرت يومين، و بنت علي الطهر و عملت أعمال المستحاضة من اليوم العاشر، فليس لها أن تتحيض أيام عادتها من اليوم الخامس عشر، لعدم مضي أقل الطهر بين الحيضتين، بل تنتظر إلي الشهر اللاحق و تتحيض أيام عادتها، و تبقي علي ذلك في كل شهر استمر به الدم.

(مسألة 207): من استمر بها الدم شهرا أو أكثر إن لم تكن لها عادة وقتية و عددية أو كانت ذات عادة وقتية و عددية و نسيتها ترجع للتمييز بأن تتحيض بالدم الواجد لصفات الحيض دون الفاقد له، بل تعمل في الفاقد أعمال المستحاضة. هذا إذا كان الواجد للصفات واجدا لشروط الحيض الثلاثة المذكورة في المسائل المتقدمة من (192) إلي (196)، و هي أن لا يقل عن ثلاثة أيام و لو متفرقة في ضمن العشرة، و أن لا يزيد علي عشرة من أوله لآخره، و أن لا يقل الفاقد للصفة- المحكوم بعدم كونه حيضا- عن عشرة، لأن أقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام كما تقدم.

نعم، لا يضر تخلل الفاقد في ضمن حيضة واحدة و إن كان محكوما بكونه استحاضة، كما لو كان الواجد لصفات الحيض متفرقا في ضمن عشرة أيام يبلغ بمجموعه ثلاثة أيام أو يزيد عليها. كما لو رأت يومين بصفة الحيض ثم يومين فاقدا لها ثم يومين بصفة الحيض ثم يومين فاقدا لها ثم يومين بصفة الحيض، ثم استمر الفاقد لها.

فإنها تجعل ما بصفة الحيض حيضة واحدة، و المتخلل بينه استحاضة، نظير النقاء المتخلل لحيضة واحدة، علي ما تقدم في المسألة (195).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 69

(مسألة 208): المعيار في صفات دم الحيض التي تقدم في المسألة السابقة أنه يرجع إليها، علي كون الدم شديد الحمرة بحيث يميل للسواد، و كونه حارّا يخرج بلذعة و دفع، فمع اجتماع هذه الصفات يحكم بحيضيته و مع عدمها أو عدم بعضها يحكم بكونه استحاضة.

(مسألة 209): من استمر بها الدم شهرا أو أكثر و لم تكن ذات عادة وقتية و عددية أو كانت لها و نسيتها إذا لم يمكنها الرجوع للتمييز و صفات الحيض- إما لعدمها أو لفقدها للشروط المتقدمة- رجعت إلي عادة أقاربها فتوافقها في العدد، و تستظهر بيوم فإن لم تعرف إلّا عادة بعضهن عملت عليها، فإن اختلفن أو جهلت عادتهن تحيضت بالعدد فتختار أي عدد شاءت من الثلاثة إلي العشرة.

و إن كان الأولي اختيار السبعة.

(مسألة 210): المراد من الأقارب الأم و الجدتان و الأخوات و العمّات و الخالات القريبات و بناتهن. و لا يضر موتهن.

(مسألة 211): الدم المنقطع علي صور:

الاولي: أن يتم له بمجموعه ثلاثة أيام فما فوق و يقع كله في ضمن عشرة أيام. كما لو رأت يومين أو ثلاثة دما ثم انقطع يومين ثم رأت يومين دما و انقطع يوما ثم رأت يوما دما و انقطع. و حكمه البناء علي كون الدماء حيضا واحدا.

و يكون النقاء بحكم الطهر علي ما تقدم في المسألة (195).

الثانية: أن يتم لكل دم- متصلا أو متفرقا في ضمن عشرة- ثلاثة أيام فما فوق و يفصل بين مجموعتين من الدم عشرة أيام، كما لو رأت خمسة أيام دما

ثم انقطع عشرة أيام ثم رأت خمسة أيام أخري دما، أو رأت ثلاثة أيام أو يومين دما و انقطع يوما ثم رأت يومين دما و انقطع عشرة أيام ثم رأت ستة أيام دما متصلة أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 70

منفصلة بيوم. و حكمه البناء علي أن مجموع الدم الذي قبل عشرة النقاء حيض واحد، و مجموع الدم الذي بعد عشرة النقاء حيض آخر، من دون فرق بين ما يقع في أيام العادة الوقتية و ما يقع في غيرها، و لا بين ما يكون بصفات الحيض المتقدمة في المسألة (208) و ما يكون فاقدا لها. نعم تقدم الكلام في حكم الصفرة في المسألة (202).

الثالثة: أن لا يتم لشي ء من الدم- مجتمعا أو متفرقا في ضمن عشرة أيام- أقل الحيض، و هو ثلاثة أيام كما لو رأت يومين دما ثم انقطع عشرة أيام و هكذا، أو رأت يوما دما و انقطع يوما ثم رجع يوما ثم انقطع عشرة أيام، ثم رأت الدم يوما و انقطع يوما ثم رجع يوما و انقطع عشرة أيام، و هكذا. و حكمها البناء علي عدم الحيضية في جميع الدماء مهما تكررت علي النحو المذكور.

الرابعة: أن يتم لشي ء من الدم- مجتمعا أو متفرقا في ضمن عشرة أيام- أقل الحيض إلا أنه لا يفصل بين المجموعتين أقل الطهر الذي هو عشرة أيام، كما لو رأت الدم سبعة أيام و انقطع سبعة أيام و عاد سبعة أيام و انقطع سبعة أيام و هكذا. أو رأت الدم ثلاثة أيام و انقطع يومين و عاد ثلاثة أيام و انقطع ثمانية أيام ثم عاد ثلاثة أيام و انقطع يومين و عاد ثلاثة أيام و انقطع سبعة

أيام ثم عاد ثلاثة أيام و هكذا من دون أن يتم انقطاعه عشرة أيام، و حكمها التحيض بالدم الحاصل في العشرة الأولي، دون الدم الثاني بل لا تتحيض بعد ذلك إلا بعد مضي أقل الطهر- و هو عشرة أيام- فإذا استمرت علي ذلك شهرا رجعت إلي وظائف المستحاضة المتقدمة في المسائل السابقة من المسألة (205) حتي المسألة (208).

(مسألة 212): إذا انقطع الدم لدون العشرة ثم عاد قبل مضي عشرة أيام من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 71

حين رؤية الدم الأول، فإن لم تكن ذات عادة عددية تحيضت بالأول و الثاني حتي تمضي العشرة، فإن انقطع و إلا عملت بعد العشرة أعمال المستحاضة.

و كذا إذا كانت ذات عادة عددية علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 213): ما تراه المرأة قبل مضي أقل الطاهر من حيضها- و هو عشرة أيام- يحكم عليه بأنه استحاضة، فإن استمر مدة طويلة فإن كانت ذات عادة وقتية و عددية تحيضت أيام عادتها، و إلا رجعت للتمييز، فإن تعذر رجوعها له رجعت بعد مضي شهر من رؤية الدم لعادة أقاربها، فإن اختلفن أو فقدن تحيضت بالعدد بين الثلاثة إلي العشرة علي ما تقدم توضيحه في المسائل السابقة.

الفصل الثاني في أحكام الحيض

تشارك الحائض الجنب في أكثر الأحكام المتقدمة، بل في جميعها علي الأحوط وجوبا. بل الأحوط وجوبا عدم صحة طواف النافلة منها أيضا.

(مسألة 214): يحرم وطء الحائض في القبل، كما يحرم عليها التمكين من ذلك. و كذا الوطء في الدبر علي الأحوط وجوبا. فإذا طهرت من الحيض حل وطؤها و إن لم تغتسل. لكنه يكره قبل الغسل.

(مسألة 215): لا يجب علي الزوج الكفارة بوطء زوجته الحائض، نعم تستحب الكفارة مع تعمده. و الأشهر أنها في أول الحيض دينار

و في وسطه نصف دينار و في آخره ربع دينار. و الدينار يساوي أربع غرامات و ربع غرام ذهبا. و يكفي دفع قيمته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 72

(مسألة 216): يجوز الاستمتاع بالحائض بغير الوطء. و يكره الاستمتاع بموضع المئزر، و هو ما بين السرة و الركبة.

(مسألة 217): لا يجوز طلاق الحائض و لا ظهارها علي تفصيل يذكر في بحث الطلاق و الظهار.

(مسألة 218): يجب علي الحائض قضاء صوم رمضان، و لا يجب عليها قضاء الصلاة الموقتة التي استغرق الحيض وقتها. فإذا كانت حائضا في تمام المدة من الزوال إلي الغروب مثلا لم يجب عليها قضاء الظهرين. نعم يجب قضاء الصلاة التي حاضت بعد خروج وقتها الفضيلي كالظهر لو حاضت بعد دخول وقت العصر الفضيلي، بل الأحوط وجوبا قضاء الصلاة التي حاضت بعد ما مضي من وقتها بمقدار أدائها. فلو حاضت بعد الزوال مثلا بمقدار أداء صلاة الظهر قضتها.

كما يجب عليها إذا طهرت أداء الصلاة التي طهرت في وقتها دون التي خرج وقتها. بل لا يبعد عدم وجوب قضاء الصلاة التي خرج وقتها الفضيلي، فإذا طهرت بعد خروج وقت الظهر أو المغرب الفضيلي لم يجب أداؤهما و إن بقي وقتهما الأدائي. لكن يستحب أداؤهما، بل هو الأحوط استحبابا.

تتميم.

إذا طهرت المرأة من الحيض جاز وطؤها و إن لم تغتسل. لكنه مكروه، و لو تعذر الغسل تخف الكراهة بالتيمم. و الأحوط وجوبا تطهير فرجها قبل الوطء.

(مسألة 219): جميع ما تقدم عدم صحته من الحائض أو عدم جوازه لها لا يصح منها و لا يحل لها بمجرد الطهر من الحيض بل لا بد معه. من الغسل الرافع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 73

لحدث الحيض.

(مسألة 220):

غسل الحيض كغسل الجنابة في الكيفية، و يشترك معه في الأحكام المتقدمة. نعم تقدم أنه يستحب عند إرادة غسل الحيض الوضوء قبله.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 74

المبحث الثالث في غسل الاستحاضة

كل دم يخرج من الرحم لا يحكم عليه بأنه حيض أو نفاس فهو محكوم بأنه دم استحاضة و هو موجب للحدث، فيمتنع علي المستحاضة جميع ما يمتنع علي المحدث الذي تقدم ذكره عند الكلام في ما يتوقف علي الوضوء. و لا يصح منها إلا مع القيام بالوظائف الآتية.

(مسألة 221): للاستحاضة ثلاث مراتب:

الأولي: القليلة، و هي التي يلطخ فيها الدم القطنة- التي تستدخلها داخل الفرج- من دون أن ينفذ فيها و يخرج من الجانب الآخر.

الثانية: المتوسطة، و هي التي ينفذ دمها في القطنة التي تستدخلها في داخل الفرج و يخرج للجانب الآخر من غير أن يسيل عنها. نعم لا أثر لتلطخ الخرقة بالدم لمجرد مماسته للقطنة من دون أن يستند لقوة دفع الدم.

الثالثة: الكثيرة، و هي التي ينفذ دمها في القطنة و يسيل منها لقوة دفع الدم. بل الأحوط وجوبا الاكتفاء فيها بسيلان الدم لعدم وضع القطنة.

(مسألة 222): حكم القليلة وجوب الوضوء لكل صلاة فريضة كانت أو نافلة، دون الأجزاء المنسية و صلاة الاحتياط و سجود السهو المتصل بالصلاة مما يعدّ من توابعها عرفا. و أما مع الفصل المعتدّ به فالأحوط استحبابا الوضوء له. و لا يجب تبديل القطنة أو تطهيرها لكل صلاة، و إن كان أحوط استحبابا.

(مسألة 223): حكم المتوسطة غسل واحد لليوم، فإن كانت في أوله لزم إيقاعه قبل صلاة الصبح، و إن حدثت في أثنائه لزم إيقاعه لما بعد ذلك من الصلوات.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 75

و يجب الوضوء لكل صلاة منفصلة

عن الغسل، كصلاة الظهر لو اغتسلت لصلاة الصبح، و كذا صلاة الصبح لو اغتسلت لها و لم تبادر إليها بعد الغسل.

و أما الصلاة المتصلة بالغسل فالظاهر عدم وجوب الوضوء لها، بل الظاهر الاجتزاء بالغسل لصلاتين لو جمعت بينهما، كما لو حصلت الاستحاضة المتوسطة قبل الظهر فإنها لو اغتسلت اجتزأت بغسلها عن الوضوء للظهرين إذا جمعت بينهما و جاءت بهما بعد الغسل بلا فصل و إن كان الأحوط استحبابا الوضوء لكل صلاة حتي الصلاة المتصلة بالغسل.

و تتخير بين تقديم الوضوء علي الغسل و تأخيره عنه، و يجزئ الوضوء أو الغسل لتوابع الصلاة كقضاء الأجزاء المنسية و صلاة الاحتياط و سجود السهو نظير ما تقدم في المسألة السابقة، و لا يجب تبديل القطنة لكل صلاة و إن كان الاحتياط آكد منه في المسألة السابقة.

هذا، و الظاهر الاكتفاء في غير اليومية بالوضوء لكل صلاة، و إن كان الأحوط وجوبا الاقتصار علي الصلوات المضيّقة من الفرائض و النوافل، كصلاة الكسوف و النوافل الرواتب، دون الموسّعة كصلاة القضاء، بل تنتظر بها الشفاء من الاستحاضة.

(مسألة 224): حكم الكثيرة الغسل لصلاة الصبح تبادر إليها بعده، و الغسل للظهرين تجمع بينهما و تبادر إليهما بعده، و الغسل للعشائين كذلك. فإن فرّقت بين الغسل و الصلاة إعادته، و إن فرّقت بين الصلاتين أعادته للثانية. و لا يجب الوضوء لكل صلاة بل لا يجوز إذا أخل بالموالاة العرفية بين الغسل و الصلاة أو بين الصلاتين. نعم لا بأس بالوضوء قبل الغسل لأنه من آدابه، كما تقدم.

و يجب عليها التحفظ من خروج الدم بعد الغسل حتي تفرغ من الصلاة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 76

بحشو الفرج بقطنة و التعصب و الاستثفار بأن تشدّ وسطها بحزام

و تجعل فيه خرقة من مقدمها ثم تنزلها بين فخذيها و تخرجها من مؤخرها و تجعلها في الحزام من خلفها مع شدّها بقوة و إحكام، و نحو ذلك مما يمنع من زيادة خروج الدم، و لا يجب عليها تبديل القطنة أو الخرقة بين الصلاتين بل يلزم تجنب ذلك إذا أخل بالموالاة المعتبرة أو كان سببا في زيادة خروج الدم.

هذا و الظاهر أن لها الجمع بين صلاتين بغسل واحد حتي في غير اليومية و إن كان الأحوط وجوبا الاقتصار علي الصلوات المضيّقة من الفرائض أو النوافل نظير ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 225): ما تقدم من أقسام الاستحاضة إنما هو في الدم، و أما الصفرة التي لا يصدق عليها الدم عرفا فحكمها الوضوء لكل صلاة مهما كثرت.

(مسألة 226): إذا علمت المستحاضة أن لها فترة مضبوطة ينقطع فيها الدم تكفي الطهارة و الصلاة وجب انتظارها و إيقاع الصلاة فيها، و كذا مع الاطمئنان بذلك بل مع الظن أيضا علي الأحوط وجوبا، و أما مع عدم ذلك أو عدم تيسر ضبطه فلو عملت أعمال المستحاضة وصلت ثم حصلت الفترة بعد الصلاة لم تجب إعادة الصلاة و إنما تجب إعادة الأعمال للصلوات الآتية.

(مسألة 227): يحل الطواف للمستحاضة إذا عملت بالوظائف المقررة للصلاة من الوضوء في القليلة و المتوسطة أو الغسل في الكثيرة بل في المتوسطة إذا أرادت الإتيان به أول اليوم، فإذا كانت وظيفتها الغسل اغتسلت- كما في الكثيرة و المتوسطة أول اليوم- و طافت من غير وضوء، و إذا كانت وظيفتها الوضوء أتت به قبل الطواف و اجتزأت به لصلاته.

(مسألة 228): لا يتوقف صحة الصوم من المستحاضة علي القيام بوظائفها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 77

المتقدمة للصلاة،

بل يصح منها مع التفريط بالوظائف المذكورة. و كذا قراءة العزائم، و دخول المساجد، و إن كان الأحوط وجوبا عدم دخول الكعبة الشريفة لها حتي مع القيام بالوظائف. بل الظاهر عدم جواز مسّ المصحف لها، و أما لو اضطرت له- و لو لتوقف رفع هتك المصحف عليه- كان عليها تجديد الوظائف المتقدمة له مع تيسرها، و مع تعذرها فالأحوط وجوبا الانتقال للتيمم.

(مسألة 229): غسل الاستحاضة كغسل الجنابة و الحيض في الكيفية، و يجزئ هو عنهما و عن غيرهما من الاغتسال كما تجزئ عنه بقية الأغسال. كما يجزئ الإتيان بغسل واحد بنية الجميع نظير ما سبق في المسألة (185) من الفصل الرابع في أحكام غسل الجنابة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 78

المبحث الرابع في غسل النفاس

دم النفاس دم يقذفه الرحم بوضع الحمل سواء خرج أثناء الولادة بخروج جزء من الولد أم بعدها، دون ما خرج قبلها و إن استند إليها، بل يحكم عليه بأحكام الاستحاضة.

(مسألة 230): يشكل صدق النفاس علي ما يخرج بالسقط إذا لم يصدق عليه الولد، مثل ما يخرج عند إلقاء المضغة أو العلقة أو النطفة، و الأحوط وجوبا القيام معه بأعمال المستحاضة.

(مسألة 231): لا حدّ لقليل النفاس، بل قد لا يكون للمرأة نفاس كما إذا لم تر دما عند الولادة.

(مسألة 232): النفساء إن استمر بها الدم فإن كانت ذات عادة عددية تنفست بقدر عادتها، و استظهرت بيوم أو يومين إلي تمام العشرة، ثم تعمل أعمال المستحاضة نظير ما تقدم في المسألة (204) من الفصل الأول من مباحث الحيض و إن كان الأحوط وجوبا لها عدم ترك الاستظهار و لو بيوم. و إن لم تكن ذات عادة عددية تنفست إلي العشرة ثم عملت أعمال المستحاضة، و

إن كان الأحوط وجوبا لها القيام بتروك النفساء إلي ثمانية عشر يوما.

(مسألة 233): إذا لم تر المرأة بعد الولادة إلي عشرة أيام دما لم يكن لها نفاس أصلا، و إذا رأته بعدها كان حيضا إن كان واجدا لشروطه، و إلا كان استحاضة، و كذا لو انفصل الدم عن الولادة بمقدار معتدّ به بحيث لا يكون مسبّبا عرفا عنها و لا يعدّ نفاسا عندهم. نعم إذا كان الفاصل قليلا بحيث يعدّ عرفا نفاسا جري

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 79

عليه حكم النفاس.

(مسألة 234): مبدأ الحساب من حين تمام الولادة، لا من حين البدء بها و إن كان الخارج بظهور أول جزء من الولد نفاسا أيضا كما سبق.

(مسألة 235): إذا تعدد الولد كان لكلّ نفاسة، و يتداخل النفاسان في الزمن المشترك بينهما و ينفرد كل منهما بالزمن المختص به، فلو كان نفاس المرأة عشرة أيام و ولدت الأول في أول الشهر، و الثاني في خامسة كانت الخمسة الاولي من الشهر من نفاس الأول و الخمسة الثالثة منه من نفاس الثاني و الخمسة الثانية من نفاسهما معا، و لو لم يكن بينهما زمان مشترك- كما لو كان بينهما عشرة أيام فما فوق- اختص نفاس كل منهما بزمانه، و لا يعتبر فصل أقل الطهر- و هو عشرة أيام- بينهما، بل قد لا يفصل بينهما طهر أصلا.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 1، ص: 79

(مسألة 236): إذا تقطّع الولد كان مبدأ الحساب خروج آخر قطعة منه، و إن وجب ترتيب أثر النفاس علي الدم الخارج من أول ظهور جزء

منه، كما سبق.

(مسألة 237): الدم الخارج قبل المخاض حيض إن بلغ يومين فما زاد و لم يتجاوز العشرة، و لا يعتبر الفصل بينه و بين النفاس بأقل الطهر، بل يجوز أن يكون متصلا به من دون طهر أصلا، و إن لم يتجاوز العشرة أو لم يبلغ اليومين فهو استحاضة، و كذا ما يبدأ خروجه حال المخاض قبل ظهور جزء من الولد، أما بعد ظهوره فهو نفاس كما سبق.

(مسألة 238): إذا رأت النفاس ثم انقطع ثم عاد قبل مضي عادتها أو قبل العشرة فالنقاء المتخلل بين الدمين بحكم الطهر، كما تقدم نظيره في النقاء المتخلل بين دمي الحيض الواحد في ضمن العشرة.

(مسألة 239): إذا استمر الدم بعد الولادة مدة طويلة شهرا أو أكثر فقد تقدم في المسألة الثالثة بيان مقدار نفاسها و أنها تعمل بعده علي الاستحاضة و الظاهر أنها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 80

تبقي علي ذلك حتي ينقطع الدم فتحيض بمجرد رؤية الدم الجديد مع واجديته لشروط الحيض، و منها الفصل بينه و بين أيام النفاس بعشرة أيام. و لا تتحيض باستمرار الدم الأول بمجرد مضي أقل الطهر بعد أيام النفاس، و لا بحضور عادتها الوقتية- لو كانت لها عادة وقتية- و لا بالتمييز لو صار الدم بصفات الحيض و لا بغير ذلك مما تقدم في حكم مستمرة الدم في الحيض.

نعم، إذا طال أمد الدم بحيث خرج عما يتعارف عند النساء من الدم المتصل بالولادة، رجعت إلي حكم مستمرة الدم المتقدم في مبحث الحيض. و كذا إذا ضعف الدم المتصل بالولادة و خفّ، ثم رجع الدم إلي الكثرة بحيث يعدّ عرفا دما آخر غير الدم المسبّب عن الولادة.

(مسألة 240): يجب علي النفساء الاستبراء

عند انقطاع الدم عن الظهور بإدخال قطنة، نظير ما سبق في المسألة (203) من الفصل الأول من مباحث الحيض.

(مسألة 241): يحرم علي النفساء العبادات المشروطة بالطهارة، و تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة إلا التي تنفست أو طهرت في أثناء وقتها، كما يحرم عليها الدخول للمساجد علي نحو ما تقدم في الحائض. كما يحرم وطؤها حال النفاس، من دون أن تجب الكفارة بذلك. و يكره وطؤها بعد النفاس قبل الغسل.

كما لا يصح طلاقها، و لا ظهارها، علي نحو ما تقدم في الحيض. بل الأحوط وجوبا مشاركتها للحائض في الأحكام حتي المكروهات، بل هو الأظهر في أكثر تلك الأحكام.

(مسألة 242): يجب عليها الغسل بعد الحكم بطهرها من النفاس، و هو يشارك غسل الحيض في الكيفية و الأحكام.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 81

المبحث الخامس في غسل الأموات
اشارة

و ينبغي التعرّض لسائر أفعال التجهيز و لما يناسب ذلك مما يتعلق بالموت، فيقع الكلام في ضمن مقدمة و فصول خمسة.

مقدمة في مقدمات الموت و لواحقه

يجب علي الإنسان عند تخوّف الموت أو ظهور أمارته المبادرة لأداء الواجبات المالية و غيرها التي في ذمته للّه تعالي- كقضاء الصوم و الصلاة و أداء الخمس و الزكاة و غير ذلك- و أداء حقوق الناس الحالّة و التوثّق من أداء ما لا يسعه أداؤه في حياته بالوصية علي أوثق الوجوه الموصلة لأدائه بعد وفاته، كما يجب عليه الإقرار و الإشهاد علي ما في ذمته و ما تحت يده من الأمانات توثّقا علي حفظها و وصولها لأهلها. كما يتأكد عليه وجوب المبادرة للتوبة و المسارعة للاستغفار و التكفير عما عليه مما يخلصه من تبعات ذنوبه.

(مسألة 243): يستحب توجيه المحتضر للقبلة، بل هو الأحوط استحبابا، كما يجب توجيهه إليها بعد الموت. و ذلك بأن يكون مستقبلا بوجهه و باطن رجليه إليها، بحيث لو جلس كان مستقبلا لها.

(مسألة 244): يستحب للإنسان حال الاحتضار- بل في جميع الأحوال- الإقرار بالشهادتين و بولاية الأئمة عليهم السلام و بجميع العقائد الحقة و تذكّرها و تقريرها في النفس دفعا لوساوس الشيطان. بل يستحب إشهاد من حضره من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 82

المؤمنين بذلك عند الوصية بالمأثور و يستحب تلقينه بذلك كله عند الاحتضار، كما يستحب أن يكون آخر كلامه «لا إله إلّا اللّه» ففي بعض النصوص المعتبرة «من كان آخر كلامه لا إله إلا اللّه دخل الجنة» كما يستحب تلقينه كلمات الفرج، و هي: «لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلي العظيم سبحان اللّه رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع و ما فيهن

و ما بينهن و ما [تحتهن] و رب العرش العظيم و الحمد للّه رب العالمين». و نسأله سبحانه أن يعيذنا و جميع المؤمنين من الشيطان الرجيم و من الفتنة عند الموت و لا يخرجنا من الدنيا حتي يرضي عنا و أن يعيننا بأفضل العون و يلطف بنا برحمته و يسهل علينا جميعا سكرات الموت إنه أرحم الراحمين و ولي المؤمنين و هو حسبنا و نعم الوكيل.

(مسألة 245): يكره أن يمسّ حال النزع و أن يحضره جنب أو حائض.

(مسألة 246): يستحب بعد الموت المبادرة لتغميض عيني الميت و شدّ لحييه- و هما عظما الفك الأسفل- إلي رأسه. قيل: و أن يطبق فمه و تمدّ يداه إلي جانبيه و ساقاه، كما يستحب أن يغطي بثوب.

(مسألة 247): يستحب إعلام إخوانه المؤمنين بموته ليحضروا جنازته، و تعجيل تجهيزه إذا تحقق موته.

(مسألة 248): يجب علي المكلّفين كفاية تجهيز الميت المؤمن بحيث لو قام به أحدهم أجزأ عن الباقين، و إن تركوه كلهم كانوا عاصين، و من عجز عن القيام بذلك و تمكن من التسبيب له بإخبار غيره و إعانته عليه وجب عليه القيام بذلك.

(مسألة 249): لا بدّ من وقوع التجهيز بإذن الولي، بمعني حرمة الاستقلال عنه، فيكون الفعل محرّما. و مع الالتفات لذلك يمتنع التقرب به، فيبطل إن كان عبادة كالصلاة و التغسيل، أما مع الغفلة عن الحرمة فيصح العمل و يجزئ، كما يجزئ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 83

ما لا يعتبر فيه التقرّب كالتكفين و الدفن.

(مسألة 250): الزوج أولي بزوجته من كل أحد، إلا أن يكون مملوكا أو قاصرا عن مقام الولاية بصغر أو جنون أو نحوهما، كما أن المالك أولي من كل أحد بمملوكه، إلا مع قصوره.

ثم تكون الولاية لطبقات الميراث علي الترتيب بينهم و هم الأبوان و الأولاد، ثم الأخوة و الأجداد، ثم الأخوال و الأعمام، مع قيام أولادهم مقامهم عند فقدهم، علي ما يذكر في مباحث الإرث، ثم المولي المعتق، ثم ضامن الجريرة، ثم الإمام.

و لا يرجع للطبقة المتأخرة إلا مع تعذّر الرجوع للطبقة المتقدمة لبعض الموانع الخارجية أو امتناعها عن إعمال ولايتها أو قصورها عن مقام الولاية بصغر أو نحوه.

(مسألة 251): مع تعدد الأولياء في الطبقة الواحدة تسقط ولاية من يتعذّر الرجوع إليه لبعض الموانع الخارجية أو من يمتنع عن إعمال ولايته، أو يقصر عن مقام الولاية بصغر أو نحوه. و أما الترجيح بين أفراد الطبقة الواحدة فغير ثابت و الأحوط وجوبا الاستئذان من الجميع.

(مسألة 252): إذا تعذّر الرجوع للولي في جميع الطبقات فالظاهر جواز استقلال كل أحد بالتجهيز و لا يحتاج لمراجعة الحاكم الشرعي.

(مسألة 253): إذا كان الميت قد أوصي بأن يتولي أمره شخص غير الولي الشرعي فالأحوط وجوبا العمل بإذنه و إذن الولي معا، كما انه لو أوصي بخصوصيّات التجهيز كالغسل بماء خاص أو التكفين من نوع خاص أو الدفن في قبر خاص أو غير ذلك فالأحوط وجوبا عدم خروج الولي عن ذلك، إلا أن يستلزم صرف مال فيلحقه حكم الوصية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 84

(مسألة 254): مؤن التجهيز كالكفن و الماء و السدر و أرض القبر لو توقفت علي بذل المال من التركة تقدم علي الدين و الوصية. نعم مؤن تجهيز الزوجة علي زوجها، و لا تخرج من التركة إلا مع إعساره بحيث لا يقدر علي الاقتراض.

و كذا مع عصيانه، و إن جاز للورثة حينئذ الرجوع عليه إذا دفعوها بنيّة الرجوع عليه بعد

مراجعة الحاكم الشرعي. كما انّ مؤن تجهيز المملوك علي مالكه.

هذا و لو لم يكن للميت تركة أو امتنع الورثة أو الزوج أو المالك عن القيام بذلك و تعذّر إجبارهم لم يجب علي عامة الناس بذل المؤن كفاية، بل يسقط من التجهيز ما احتاج إلي بذل مؤنة عدا الدفن فإنه يجب القيام بمؤنته دفعا لهتك المؤمن و مراعاة لحرمته.

(مسألة 255): المقدار الذي يجب بذله من المؤنة من التركة أو علي الزوج أو المالك هو المقدار الذي يتحقق به الواجب، دون ما زاد عليه من المستحبات أو ما تقتضيه الأعراف الاجتماعية أو العادات الخاصة بالقبيلة أو نحو ذلك، بل لا يتحمل الزيادة إلا من يريد القيام بها أو كان الميت قد أوصي بها فتخرج من ثلثه.

نعم لو أعدّ الإنسان كفنه وجب تكفينه به و إن زاد فرقه عن أصل الواجب، علي الثلث أو استغرق التركة.

الفصل الأول في تغسيل الميت

(مسألة 256): الأحوط وجوبا تطهير كل موضع من بدن الميت من كل نجاسة خارجية غير الموت قبل الشروع في تغسيله.

(مسألة 257): كيفية تغسيل الميت كغسل الجنابة، و إن كان الرأس منفصلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 85

وجب تقديم غسل رأسه. كما أن غسل الميت يختلف عن غسل الجنابة بأمرين آخرين:

الأول: كثرة الماء و إفاضته بحيث يتحقق به الغسل عرفا علي النحو المعهود في التطهير من الخبث، و لا يكفي القليل منه كما تقدّم في غسل الجنابة و غيره.

الثاني: تثليث الغسلات، فيغسل أولا بماء السدر ثم بماء الكافور ثم بالماء القراح- و هو الماء المطلق.

(مسألة 258): لا بد فيه من النية علي النحو المتقدم في الوضوء و يجري فيه ما سبق هناك من الفروع. و يترتب علي ذلك عدم صحته بداعي أخذ

الأجرة أو الجعل عليه إذا لم يكن الداعي القربي صالحا للداعوية استقلالا. بل الأحوط وجوبا عدم الأجرة عليه و لا الجعالة مطلقا، و لو أريد دفع شي ء عليه كان هدية محضة غير مسبوقة بشرط أو اتفاق.

(مسألة 259): لو تعذّر أحد الخليطين أو كلاهما وجب الغسل بالماء القراح بدلا عن غسلته، و الأحوط وجوبا نيّة البدلية و لو إجمالا بقصد ما هو المشروع علي نحو ما شرع.

(مسألة 260): يعتبر في السدر أن يكون بمقدار يحقق تنظيف جسد الميت الذي هو الغرض منه عرفا، و الظاهر أن ذلك ملازم لخروج الماء به عن الإطلاق.

نعم لا بدّ من عدم كثرته، بنحو لا يصدق به الغسل بماء السدر. كما يعتبر في الكافور أن يكون بمقدار يتحقق به تطييب جسد الميت. و أما الغسل الثالث فيعتبر فيه إطلاق الماء و لا يقدح فيه اشتماله علي شي ء من السدر أو الكافور أو غيرهما مما لا يخرجه عن الإطلاق.

(مسألة 261): لو تعذّر تثليث الأغسال لقلة الماء لزم ترجيح الغسل بالماء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 86

القراح. و مع القدرة علي غسل آخر يتخير بين أحد الخليطين. و الأحوط وجوبا ضمّ التيمم حينئذ.

(مسألة 262): إذا تعذر التغسيل لعدم الماء أو لخوف تناثر جلد الميت- لحرق أو غيره- وجب أن ييمّم. نعم لو أمكن صب الماء من دون دلك و لم يخف معه من تناثر جلد الميت، وجب و لم يشرع التيمم.

(مسألة 263): يكفي تيمم واحد. و إن كان الأحوط استحبابا التثليث كما في الغسل و ينوي بها ما هو المشروع واقعا من دون نيّة بدليّة كل واحد عن غسل خاص.

(مسألة 264): يجب في التيمم أن يكون الضرب و المسح بيد الميت مع

الإمكان، و مع تعذره يكفي الضرب و المسح بيد الحي الذي ييمّمه.

(مسألة 265): إذا تنجس بدن الميت بنجاسة منه أو من غيره بعد التغسيل قبل التكفين وجب تطهيره منها. و لا يجب إعادة الغسل لها. بل الأحوط وجوبا التطهير حتي لو أصابته النجاسة بعد التكفين بل بعد وضعه في القبر إذا لم يتم الدفن.

(مسألة 266): لا بد من المماثلة بين الميت و المغسل في الذكورة و الأنوثة.

و يستثني من ذلك موارد:

الأوّل: الصبي و الصبية، فيجوز تغسيل غير المماثل لهما اختيارا إلي ثلاث سنين. و أما مع الاضطرار و فقد المماثل فيجوز مطلقا.

الثاني: الزوجان فيجوز تغسيل الزوج زوجته و تغسيل الزوجة زوجها. و إن كان الأحوط وجوبا الاقتصار في الثاني علي فقد المماثل. كما إن الأحوط وجوبا فيهما معا عدم النظر للعورة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 87

الثالث: المحارم بنسب أو رضاع أو مصاهرة بشرط فقد المماثل، و أحد الزوجين. و يستحب كونه من وراء الثياب. و يحرم النظر للعورة.

الرابع: تغسيل المولي لأمته و الأمة لمولاها علي كلام و تفصيل لا يهم التعرض لهما بعد عدم الابتلاء بذلك في هذه العصور أو ندرته.

(مسألة 267): إذا انحصر المماثل بالكتابي فمع وجود أحد الزوجين أو المحارم من غير المماثل يتعين تولّيهم التغسيل، و مع فقدهم يغتسل الكتابي ثم يغسّل الميت. و إذا أمكن المخالف قدّم علي الكتابي. و الأحوط وجوبا اغتساله قبل التغسيل كالكتابي. و إذا وجد المماثل المسلم أو أحد الزوجين أو المحارم بعد ذلك أعاد التغسيل ما لم يتضيق وقت الدفن لتعرض الميت للهتك.

(مسألة 268): إذا لم يوجد المماثل حتي الكافر و لا أحد الزوجين و الأرحام سقط التغسيل، نعم يستحب تغسيل غير المماثل له

من وراء الثياب، و دونه في المرأة غسل مواضع الوضوء، ثم غسل مواضع التيمم- بأن يغسل باطن كفيها ثم وجهها ثم ظاهر كفيها- ثم الاقتصار علي غسل الكفين. و يتخير بينها و بين التيمم أيضا.

(مسألة 269): إذا دفن الميت بلا تغسيل عمدا أو خطأ وجب نبشه لتغسيله.

و لو تعذّر التغسيل لتغيّر جسد الميت وجب تيممه، و كذا يجب نبشه للتيمم إذا كان حكمه التيمم قبل الدفن فلم ييمم. نعم إذا لزم محذور هتكه أو الإضرار ببدنه حرم النبش.

(مسألة 270): إذا مات في حال الإحرام قبل أن يحلّ له الطيب حرم تطييبه بجعل الكافور في ماء غسله الثاني و بتحنيطه و بغيرهما من أنحاء التطييب.

(مسألة 271): المقتول في جهاد مشروع إذا لم يدركه المسلمون حيا بعد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 88

الحرب أو في أثنائها عند تفقد الجرحي لا يغسّل و لا يحنّط، بل يصلّي عليه و يدفن بثيابه، إلا أن يجرّد من ثيابه فيكفّن.

(مسألة 272): من وجب قتله برجم أو قصاص فإنه يغتسل غسل الميت المتقدم و يتحنّط و يكفّن كتكفين الميت، ثم يقتل و يصلّي عليه و يدفن بلا تغسيل.

(مسألة 273): يحرم تقليم أظافر الميت و قصّ شعره و حلقه و ختانه و نحو ذلك ممّا يوجب فصل شي ء من بدنه، بل الأحوط وجوبا عدم تخليل أظافره إلا ما يتوقف عليه وصول الماء لظاهر البشرة الذي يجب غسله من الحي، و كذا ترجيل شعره و تمشيطه إذا احتمل سقوط شي ء منه بسببه. و لو سقط منه شي ء دفن معه.

(مسألة 274): ذكروا للتغسيل سننا و آدابا يضيق المقام عن ذكرها. فلتراجع في المطوّلات.

(مسألة 275): يستحب أن يستقبل الميت بعد التغسيل معترضا كما يستقبل به

حال الصلاة عليه.

الفصل الثاني في التكفين

يجب تكفين الميت بثلاثة أثواب.

الأول: القميص. و الأحوط وجوبا عدم الاجتزاء عنه بثوب شامل لجميع البدن.

الثاني: الإزار و الأفضل أن يلف به تمام البدن لكن يجزي ما يلف ما عدا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 89

الرأس منه.

الثالث: الرداء و لا بد أن يلف تمام البدن حتي الرأس. و الأولي كونه بردا يمانيا.

(مسألة 276): ذكروا أنه لا بد في القميص أن يكون ساترا من المنكبين إلي نصف الساق. لكن الظاهر كفاية ستره الفخذين.

(مسألة 277): المشهور أن أول ثياب الكفن مئزر يستر ما بين السرة و الركبة من دون حاجة للإزار الذي تقدم أنه الثوب الثاني من ثياب الكفن. و عليه اشتهر العمل اليوم. لكن لم يثبت مشروعيته فضلا عن الاجتزاء به عما ذكرنا. فاللازم التنبه لذلك. نعم قد يهون الأمر بلحاظ ما عليه كثير من المؤمنين من زيادة حبرة يلف بها الميت زائدا علي الكفن للبناء علي استحبابها، فإنه يتحصل بها العدد المطلوب.

(مسألة 278): لا بد من حصول الستر بمجموع الثياب. بل الأحوط وجوبا كون كل منها ساترا بنفسه لما تحته.

(مسألة 279): إذا تعذرت الثياب الثلاثة اقتصر علي الميسور منها. و يقدم الأشمل مع الدوران بينه و بين غيره. و إذا لم يتيسر إلا ما يستر العورة وجب سترها به، و مع الدوران بين القبل و الدبر يتعين ستر القبل.

(مسألة 280): لا يجوز التكفين بالحرير، و لا بالمخلوط به إلا أن يكون الخليط أكثر. و مع الانحصار فالأحوط وجوبا التكفين به.

(مسألة 281): الأحوط وجوبا عدم التكفين بالجلد و نحوه مما لا يكون من سنخ المنسوج إلا مع الضرورة.

(مسألة 282): لا بد من طهارة الكفن، و لو تنجس بعد التكفين به بنجاسة من

منهاج

الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 90

الميت أو غيره وجب تطهيره أو قرض موضع النجاسة و قطعه من الكفن.

و الأحوط وجوبا الاقتصار في القرض علي ما إذا كان موضع النجاسة صغيرا بحيث لا يكون القرض مفسدا للكفن مانعا من ستر بدن الميت به، و إلا لزم رد بعضه علي بعض. و لو انحصر الكفن بالنجس تعيّن التكفين به.

يحرم التكفين بالمغصوب و يسقط وجوب التكفين مع الانحصار به. لكن لا يجب علي من علم بغصبية الكفن السعي لنزعه أو تبديله إذا لم يكن هو الغاصب، و إن حرم عليه حينئذ التصرف به و لو بحمل الميت، نعم لو علم الوارث بغصبية الكفن وجب عليه بذل الكفن من التركة مع وفائها به أو بالميسور منه.

(مسألة 283): يستحب أن يزاد للميت خرقة يشدّ بها وركاه و فخذاه و عورته تحت القميص أو فوقه، و يزاد للرجل العمامة، و للمرأة الخمار كما يستحب أن يكثر من وضع القطن علي القبل و الدبر تحت اللفافة.

(مسألة 284): يستحب أن يكون الكفن من قطن أبيض و أن يكون من خالص المال و طهوره، و أن يكون فيه ثوب قد أحرم أو صلي فيه، و أن يكتب علي حاشية الإزار منه فلان يشهد أن لا إله إلا اللّه و يستحب أن يكتب ذلك بتربة الحسين عليه السلام. و لا بأس بإضافة الشهادة بالرسالة للنبي صلّي اللّه عليه و آله و الإمامة للأئمة عليهم السلام بل سائر الاعتقادات الحقة برجاء انتفاع الميت بها. و غير ذلك مما هو مذكور في المطولات.

(مسألة 285): يستحب للإنسان أن يعدّ كفنه في حياته و أن يكرر النظر إليه.

و حينئذ يعد الكفن المذكور من المؤن فلا يجب إخراج خمسه

إذا كان من أرباح سنة إعداده.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 91

(مسألة 286): يستحب أن يجعل مع الميت جريدة رطبة، و أفضل منه جريدتان. و ينبغي الاهتمام بذلك لأهمية فائدته بها. و قد أجمعت عليه روايات الفريقين، و هي كثيرة جدا إلا أن اللّه تعالي وفّق هذه الفرقة للاهتمام بذلك و العمل بسنة النبي صلّي اللّه عليه و آله فيه دون غيرها، حتي صار من متفرداتها، و في النص الصحيح «قلت لأبي جعفر عليه السلام: أ رأيت الميت إذا مات لم تجعل معه جريدة؟

فقال: يتجافي عنه العذاب ما دام العود رطبا، إنّما العذاب و الحساب كله في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل في القبر و يرجع القوم، و إنما جعلت السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب و لا حساب بعد جفوفهما إن شاء اللّه». و لعلّ الأفضل بقاء خوصها عليها.

(مسألة 287): المستحب بالأصل جريد النخل، فإن تعذّر فالأولي عود السدر، ثم عود الخلاف- و هو نوع من الصفصاف- ثم عود الرمان، ثم كل عود رطب.

(مسألة 288): يستحب أن يكون طول كل من الجريدتين قدر شبر، و أفضل منه قدر ذراع.

(مسألة 289): يستحب وضع الجريدتين بإحدي كيفيتين:

الاولي: وضع إحداهما في الجانب الأيمن من عند الترقوة إلي ما بلغت طولا ملصقة بالجلد، و الأخري في الجانب الأيسر فوق القميص من عند الترقوة إلي ما بلغت طولا كذلك.

الثانية: وضع إحداهما بين الركبتين طولا بحيث تكون الركبتان عند نصفها، و وضع الأخري تحت الإبط الأيمن. و الأولي اختيار الكيفية الأولي. و مع عدم تيسر ذلك فالأولي وضعهما في القبر كيف اتفق، و مع عدمه تغرزان بعد الدفن في القبر. و لو كانت جريدة واحدة فالأفضل جعلها

في يمين الميت.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 92

الفصل الثالث في التحنيط

يجب تحنيط الميت بعد تغسيله قبل إكمال تكفينه. و الواجب من مواضع التحنيط هو المساجد السبعة، و الأولي إضافة الأنف إليها، و يستحب أن يزاد عليها مفاصله و لبّته- و هي الحفرة في أصل العنق تحت الحنجرة- و صدره و باطن قدميه و ظهر كفيه و رأسه و لحيته و عنقه و منكباه و فرجه و فمه و راحتاه و موضع الشّراك من القدمين الذي هو قبّة القدم. و الأولي إضافة المغابن، و هي الآباط من اليدين و المرافق التي هي من الرجلين كالآباط من اليدين.

(مسألة 290): الحنوط هو الكافور. و يشترط فيه أن يكون مسحوقا له رائحة.

و الأحوط وجوبا أن يكون طاهرا.

(مسألة 291): التحنيط بالكافور إنما يكون بمسحه علي الموضع بنحو يبقي شي ء منه عليه.

(مسألة 292): يكره وضع الكافور في منخريه و عينيه و اذنيه و علي وجهه غير ما تقدم ذكره.

(مسألة 293): يكفي من الكافور المسمي، إلا أن الأولي أن يكون بقدر ثلاثة عشر درهما و ثلث، ثم أربعة مثاقيل شرعية- و تساوي سبعة عشر غراما- ثم مثقال و نصف- و تساوي ستة غرامات و ثلاثمائة و خمسة و سبعين ملغرام- ثم مثقال و يساوي أربعة غرامات و ربعا.

(مسألة 294): يستحب خلط الكافور بتربة الحسين عليه السلام.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 93

الفصل الرابع في الصلاة علي الميت

لا تشرع الصلاة علي الطفل إذا لم يعقل الصلاة. و المشهور وجوبها بعد ذلك.

لكن الظاهر الاستحباب و عدم وجوبها حتي يبلغ و يكلّف بالصلاة. هذا و قيل بأن الحدّ في عقله للصلاة أن يبلغ ست سنين، لكن الظاهر أن المرجع فيه العرف، و هو يختلف باختلاف الأطفال.

(مسألة 295): تجب الصلاة علي المؤمن كما تجب علي المستضعف الواقف و هو

الذي لا يجحد الولاية و لا يقرّ بها، و لو لعدم التفاته لها، و كذا علي مجهول الحال. و لا تجب علي جاحد ولاية أهل البيت عليهم السلام، إنما تجب أو تحسن تقيّة من المخالفين أو مداراة لهم و تأليفا لقلوبهم.

(مسألة 296): الطفل ملحق بأبيه في الإيمان و غيره، و كذا المجنون المتصل جنونه بصغره، و أما من عرض له الجنون بعد البلوغ فهو محكوم بحاله حين البلوغ.

(مسألة 297): يجب في الصلاة علي المؤمن و المستضعف و مجهول الحال خمس تكبيرات لا بدّ من الذكر و الدعاء بينهما و ختامهما التكبيرة الخامسة من دون حاجة للتسليم، بل هو غير مشروع فيها. و أما الصلاة علي الجاحد لولاية أهل البيت عليهم السلام فهي أربع تكبيرات لا بد من الذكر و الدعاء بينها أيضا، و يكون ختامها بالرابعة.

(مسألة 298): لا بد في الصلاة علي الميت من الدعاء له إن كان مؤمنا بالغا، و أما إن كان طفلا فيكفي الدعاء لأبويه إن كانا أهلا لذلك و للمؤمنين، و في بعض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 94

النصوص أنه يقال: «اللهم اجعله لأبويه و لنا فرطا و سلفا». و إن كان مستضعفا واقفا غير جاحد للولاية يدعي للمؤمنين بدل الدعاء له، و يجوز الدعاء له علي سبيل الشفاعة لا علي سبيل الأخوة و الولاية في الدين. و أما مجهول الحال فيدعي بما ينفعه إن كان مؤمنا كالدعاء للمؤمنين عموما، و الدعاء له بأن يحشر مع من يتولاه، أو يقال: «اللهم إن كان يحب الخير و أهله فاغفر له و ارحمه و تجاوز عنه»، و نحو ذلك.

و أما الصلاة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله فوجوبها في الصلاة علي

الميت لا يخلو عن إشكال، و إن كان الأحوط وجوبا الإتيان بها. و لا يجب في الصلاة علي الميّت ما عدا ذلك كالشهادتين و الدعاء للمؤمنين و إن كان حسنا.

و الأولي في كيفيتها: أن يكبر المصلي أولا و يتشهّد الشهادتين، و له أن يضيف الإقرار بسائر العقائد الحقة، ثم يكبّر ثانيا و يصلي علي النبي و آله (صلوات اللّه عليهم)، و يحسن أن يخص إمام العصر بالدعاء، و أن يضيف الصلاة علي جميع الأنبياء و المرسلين و الملائكة المقربين و غيرهم ممن يستحق أن يصلي عليه، ثم يكبّر ثلاثا و يدعو للمؤمنين و المؤمنان و يستغفر لهم. و يكبّر رابعا و يدعو للميت إن كان مؤمنا بالغا، و إلا فعلي النحو المتقدم ثم يكبّر خامسا و ينصرف.

و يجوز تكرار جميع الأدعية المتقدمة بين التكبيرات كلها، كما يجوز الاقتصار علي الصلاة علي النبي و آله (صلوات اللّه عليهم) و الدعاء للميت و تكرار ذلك بين التكبيرات. و لا يجب في جميع الأدعية المتقدمة التقيد بألفاظ مخصوصة، بل يكفي ما تضمن ذلك بأي لفظ كان.

(مسألة 299): الأحوط وجوبا أن يكون المقدار الواجب من الدعاء بالعربية و أن لا يكون ملحونا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 95

(مسألة 300): لا تجب قراءة القرآن في صلاة الميت. نعم يجوز الإتيان بالأدعية و الأذكار القرآنية المناسبة لصلاة الميت فيها.

(مسألة 301): يشترط في الصلاة علي الميت أمور:

و منها: النية علي نحو ما تقدم في الوضوء.

و منها: اذن الولي علي ما تقدم تفصيله في المسألة (249) من مقدمات الموت و لواحقه.

و منها: حضور الميت، فلا يصلّي علي الغائب. و ليست الصلاة عليه إلا الدعاء له.

و منها: وقوف المصلي خلفه محاذيا لبعضه، إلا

أن يكون المصلي مأموما و قد استطال الصف حتي خرج عن المحاذاة، أو كانت الجنائز متعددة قد وضعت بنحو التدرّج علي ما يأتي في المسألة (310).

و منها: أن يكون الميت قريبا من المصلي غير بعيد عنه و لا مرتفع عليه كثيرا و لا منخفض عنه كذلك، و لا محجوب عنه بجدار أو ستر أو نحوهما. نعم لا بأس بأن يكون محجوبا بالستر الموضوع علي السرير و نحوه كما لا يضرّ الفصل بالمقدار القليل، و اللازم أن يصدق عرفا كون المصلي واقفا عند الميت.

و منها: أن يكون المصلي قائما، و مع تعذّره يجتزأ بصلاة الجالس، بل تجب، أما مع تعذّر صلاة الجالس ففي وجوب صلاة المضطجع و المستلقي إشكال.

و منها: أن يكون الميت مستلقيا علي قفاه.

و منها: الاستقبال للمصلي و الاستقبال بالميت بأن يكون معترضا رأسه باتجاه يمين المصلي و رجلاه باتجاه يساره.

و منها: الموالاة بين التكبيرات و الأدعية علي الأحوط وجوبا. و اللازم فيها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 96

عدم الفصل بالنحو الذي يصدق معه عرفا عدم الانشغال بالصلاة. نعم لا بأس بإطالة الأدعية، بل يكفي الانشغال بالذكر و الدعاء و قراءة القرآن و إن لم يكن من سنخ الأدعية المعتبرة في صلاة الميت.

و منها: أن تكون الصلاة بعد التغسيل أو التيمم و التحنيط، و التكفين، و قبل الدفن. لكن مع سقوط أحدها بالتعذر أو بغيره- كما في الشهيد- لا تسقط الصلاة. نعم إذا كان الميت عريانا و تعذّر تكفينه و لو بثوب واحد، فإن أمكن ستر تمام بدنه بثوب حين الصلاة فقط و نزعه بعدها، وجب ستره و الصلاة عليه حينئذ ثم إنزاله في القبر، و إن تعذّر فالأحوط وجوبا إنزاله في لحده

و ستر بدنه به ثم ستر عورته باللبن و الحجر و نحوهما، ثم الصلاة عليه ثم دفنه.

(مسألة 302): لا يعتبر في الصلاة علي الميت طهارة المصلي من الحدث و لا من الخبث و لا إباحة اللباس، نعم الأحوط وجوبا ستر العورة حال الصلاة و ترك الكلام و الضحك و الانحراف عن القبلة، و نحوه مما يكون ماحيا لصورة الصلاة.

(مسألة 303): يشرع تكرار الصلاة علي الميت الواحد ممن لم يصلّ عليه، و كذا ممن صلّي عليه إذا كان هو الإمام. بل هو مستحب خصوصا إذا كان الميت من أهل الشرف في الدين.

(مسألة 304): الظاهر عدم مشروعية الصلاة بعد الدفن حتي علي من دفن بغير صلاة أو كانت الصلاة عليه باطلة. نعم لا بأس بالإتيان بها برجاء المطلوبية.

(مسألة 305): يستحب في صلاة الميت الجماعة. و كلما كان المصلون أكثر كان خيرا للميت. بل الظاهر عدم اعتبار إذن الولي في الائتمام، و إنما يعتبر إذنه في أصل الصلاة لمن يتقدّم لها لأنها من شؤون التجهيز التي تقدم اعتبار إذن الولي فيها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 97

(مسألة 306): الظاهر عدم اعتبار عدالة الإمام في الصلاة علي الميت و عدم اعتبار طهارته بالماء إذا كان المأموم متطهرا به، و عدم قدح الآفة في نطقه إذا كانوا فصحاء، لعدم تحمله عنهم شيئا.

نعم لا يبعد عدم انعقاد إمامة الجالس للقائمين، و كذا مع كون موقف الإمام أعلي من موقف المأمومين و مع عدم اتصالهم به بالنحو المعتبر في إمامة الجماعة في الصلاة. كما أن الأحوط وجوبا في انعقاد الجماعة تقدم الإمام علي المأمومين إذا كان رجلا. نعم إذا كانت امرأة كان لها أن تؤمّ النساء، لكن تقوم في وسطهن و

لا تتقدم عليهن.

(مسألة 307): إذا حضر شخص في أثناء صلاة الإمام كان له أن يكبر و يلتحق بالإمام في دعاء التكبيرة التي هو مشغول فيها و يجعلها أول صلاته، ثم يتابع الإمام في التكبيرات فإذا فرغ الإمام قبل أن يفرغ هو من تكبيراته أتم ما بقي عليه من التكبير من دون دعاء أو مع تخفيف الدعاء، فإن رفعت الجنازة تبعها مستقبلا و أتمّ برجاء المطلوبية.

(مسألة 308): الأفضل وقوف المصلي إذا كان إماما أو منفردا عند صدر الرجل و رأس المرأة. بل يكره وقوفه عند وسط المرأة. و لا بأس بوقوفه عند وسط الرجل و صدر المرأة. و أما إذا كان مأموما فإنه يقف حيث ينتهي به الصف.

(مسألة 309): إذا اجتمعت جنائز متعددة جاز تشريكها بصلاة واحدة، و يراعي في الدعاء لهم التثنية أو الجمع و إذا كان فيهم رجال و نساء فالأفضل جعل الرجال أقرب للإمام.

(مسألة 310): مع اجتماع الجنائز المتعددة يجوز أن يجعلوا جميعا في سمت واحد أمام المصلي. لكن الأفضل جعل كل منهم عند ورك الآخر فيكونون صفا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 98

واحدا شبه الدرج، و يقف الإمام وسط الصف وراءهم جميعا. و إذا كان فيهم رجال و نساء وقف وسط الرجال. و يكون أقربهم للمصلي من هو علي جانب يساره.

(مسألة 311): يستحب للمصلي الطهارة من الحدث، و إذا خاف فوت الصلاة الأولي جماعة إن تطهر بالماء تيمم و صلّي. بل لا بأس بالتيمم برجاء المطلوبية مع عدم خوف الفوت من استعمال الماء.

(مسألة 312): يستحب رفع اليدين عند التكبير، و الأولي أن يرفع الإمام صوته- في صلاة الجماعة- بالدعاء حتي يسمع المأمومين. و أن يتحري كثرة المصلين علي الميت. كما يستحب

الاجتهاد في الدعاء للميت، و تكره الصلاة علي الميت في المسجد.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 99

الفصل الخامس في الدفن

يجب دفن المؤمن بمواراته في الأرض بنحو يؤمن علي جسده من السباع و نحوها، و يمنع من ظهور رائحته. و لا يكفي وضعه في تابوت محكم أو بناء إذا لم يكن في بطن الأرض.

(مسألة 313): يجب وضع الميت في قبره معترضا كما تقدم في حال الصلاة عليه، إلا أنه يكون مضطجعا علي جانبه الأيمن موجها وجهه إلي القبلة. و إذا تعذر العلم بالقبلة عمل بالظن، و مع عدمه يسقط وجوب الاستقبال.

(مسألة 314): من مات في البحر إن أمكن تجهيزه و الانتظار به حتي يدفن في البر وجب، و إن تعذر- للزوم هتكه بظهور رائحته و تفسخه أو لإضرار من معه من الأحياء أو لغير ذلك- وجب تغسيله و تحنيطه و الصلاة عليه، ثم إن أمكن حفظ جسده بوضعه في خابية كبيرة تسعه من دون أن يلزم تكسيره و الاعتداء، علي جسده وجب حفظه بجعله في الخابية، و من ثم يسدّ رأسها بأحكام و تلقي في البحر. و إن تعذّر ذلك وجب تثقيله ليرسب في الماء ثم يلقي فيه.

و يجري الحكم المذكور في من يموت في البر أو تعذّر دفنه فيه أو خيف من الاعتداء عليه بعد الدفن بنبشه و هتك حرمته.

(مسألة 315): يحرم دفن المؤمن في مكان يوجب هتك حرمته كالمزبلة و البالوعة، كما يحرم الدفن في المكان الموقوف لجهة خاصة لا تعم الدفن، و لا في المكان المملوك بغير إذن مالكه.

(مسألة 316): يحرم دفن ميت في قبر ميت آخر حتي لو اتفق نبش ذلك القبر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 100

و فتح موضع الميت الأول

إلا في صورتين:

الاولي: أن يبتني دفن الميت الأول علي عدم اختصاصه بالقبر، بل علي مجرد جعله فيه مع كونه في معرض دفن غيره معه.

الثانية: أن يخرج الميت الأول من القبر و ينقل عنه، أو يتلاشي فيه و يصير ترابا، بحيث يخرج المكان عن كونه قبرا له. نعم لو كان للميت كرامة دينية بحيث يكون قبره رمزا من رموز الدين و شعائره حتي بعد الاندراس أو بعد نقله منه بحيث يكون نبشه و دفن شخص آخر فيه هتكا له و توهينا للدين حرم.

(مسألة 317): ورد في بعض النصوص النهي عن نقل الميت من بلد موته.

و يحسن متابعتها و إن كانت ضعيفة، لكنه غير واجب، بل يجوز النقل بلا إشكال كما جرت عليه سيرة المسلمين و المؤمنين من الصدر الأول. بل يحسن النقل للبقاع الشريفة كحرم مكة و مشاهد المعصومين عليهم السّلام و خصوصا الغري و الحائر الحسيني، فقد تضمنت الأخبار أن من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر، و أن الدفن في الغري بل في جميع مشاهد المعصومين عليهم السّلام مسقط لسؤال منكر و نكير.

(مسألة 318): يحرم نبش قبر الميت علي نحو يظهر جسده إذا كان فيه هتك له بظهور رائحته و تغير صورته، بل الأحوط وجوبا عدم نبشه بعد الدفن مطلقا.

نعم يجوز النبش في موارد:

الأوّل: ما إذا دفن بلا غسل أو بلا تكفين أو مع وقوعهما علي غير الوجه الشرعي، فيجوز نبشه لذلك إذا كان دفنه قريبا بحيث لا يلزم من النبش هتك الميت بظهور رائحته و تغير صورته، أما مع لزوم ذلك فيحرم النبش، و يسقط التغسيل و التكفين. كما أنه لو طال العهد و جف الميت بحيث لا يلزم هتكه لم

منهاج الصالحين

(للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 101

يجب النبش لتدارك التغسيل و التكفين.

الثاني: ما إذا كان النبش لمصلحة الميت، كالنقل للبقاع الشريفة أو لمقبرة عائلته إذا كان ذلك تعزيزا له أو سببا لذكره بما ينفعه من قراءة القرآن أو الاستغفار أو نحو ذلك. و اللازم تجنب هتكه بانتظار جفافه و التكتم به مهما أمكن. بل قد يجب النقل، كما إذا دفن في مكان يستلزم هتكه كالمزابل و نحوها.

و إذا لزم منه ظهور رائحته أو نحو ذلك مما يوجب هتكه لزم اختيار أقل المحذورين.

الثالث: ما إذا كان في النبش دفع عدوان محرم، كما إذا دفن في ملك الغير بغير إذنه أو دفن معه مال للغير أو نحو ذلك و يراعي في ذلك عدم هتكه بظهور رائحته و نحوه مهما أمكن، و إذا أصر ذو الحق علي التعجيل فالأحوط وجوبا الترجيح بالأهمية.

الرابع: ما إذا توقف علي النبش مصلحة مهمة أو دفع مفسدة كذلك، و يراعي في ذلك عدم هتكه بظهور رائحته و نحوه مهما أمكن.

(مسألة 319): يستحب أن يجعل الميت في موضع متسع من قبره بقدر ما يمكن فيه الجلوس، و الأفضل أن يكون بشق لحد له في جانب القبر، فإن تعذّر لرخاوة الأرض أو خيف انهدامه شقّ له في الأرض شقّا و سقف عليه ببناء و نحوه. كما يستحب أن يكشف عن وجهه و يجعل خده علي الأرض، و أن يجعل معه في القبر شي ء من تربة الحسين عليه السّلام، و الأولي أن يجعل أمام وجهه لبنة منها. و قد وردت أذكار كثيرة عند تناول الميت و إنزاله في القبر و بعد وضعه في القبر و عند سدّ القبر باللبن و بعد ذلك و لا يسع المقام ذكرها.

و

ينبغي الاهتمام بتلقينه و هو في القبر قبل إكمال الدفن بالشهادتين و العقائد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 102

الحقة و إمامة الأئمة عليهم السّلام واحدا بعد واحد. و كذا تلقينه بذلك من قبل أولي الناس به بعد إكمال الدفن عند انصراف المشيعين رافعا به صوته. كما يستحب تربيع القبر، و رشه بالماء. و الأفضل أن يستقبل من يفعل ذلك القبلة و يبدأ من عند الرأس إلي الرجلين ثم يدور إلي الجانب الآخر، فإن فضل منه شي ء فالأولي صبه في وسطه. و في بعض النصوص أنه يتجافي عنه العذاب ما دام الندي في التراب، كما يظهر من بعضها استحباب تكرار الصب في كل يوم إلي أربعين يوما أو أربعين شهرا، كما يستحب أن يضع الحاضرون أيديهم علي القبر عند رأسه مع تفريج الأصابع و غمزها فيه بعد رشه. و أن يستغفروا له و يدعوا له بمثل «اللهم جاف الأرض عن جنبيه و أصعد إليك روحه و لقّه منك رضوانا و أسكن قبره من رحمتك ما تغنيه عن رحمة من سواك». إلي غير ذلك.

(مسألة 320): يكره تعميق القبر أكثر من ثلاثة أذرع- و هي تقارب المتر و النصف- و نزول الأب في قبر ولده، و كذا نزول غير المحرم في قبر المرأة، و إهالة الرحم عليه التراب إلي غير ذلك.

تتميم. فيه مسائل ثلاث

الأولي: إذا مات الحمل دون أمه، فإن أمكن إخراجه صحيحا وجب، و إلا جاز تقطيعه مقتصرا من ذلك علي ما تقتضيه الضرورة، و لو خيف علي الام من الاحتياط في ذلك كان الاحتياط لها مقدّما علي الاحتياط له. و إن ماتت هي دونه و احتمل حفظ حياته بإخراجه وجب و لو بشق بطنها، لكنه يخاط بعد

ذلك.

الثانية: يجب إجراء تمام أفعال التجهيز علي أجزاء الميت في موارد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 103

الأول: العظام المجردة عن اللحم، و لا يخلّ نقص عظم أو عظمين مما يتعارف في من أكله السبع و نحوه.

الثاني: البدن التام و إن فقدت منه أطراف من الرأس و اليدين و الرجلين.

الثالث: النصف الذي فيه القلب عرضيا كان أو طوليا إذا كان واجدا للأطراف المناسبة له، فالعرضي أطرافه الرأس و اليدان، و الطولي أطرافه نصف الرأس و يد و رجل واحدة. لكن الأحوط وجوبا إجراء الأفعال المذكورة علي النصف الذي فيه القلب و إن فقد الأطراف أو فقد بعضها.

و أما في غير الموارد المذكورة فلا إشكال في وجوب دفنه، لكن الأحوط وجوبا في ما اشتمل منه علي عظم أن يغسل و يلفّ في خرقة قبل الدفن. لكنه لا يطهر بالتغسيل و الأحوط استحبابا في ما لا يشتمل علي عظم أن يلف في خرقة لا غير.

الثالثة: لا تشرع الصلاة علي السقط. لكن إذا كملت خلقته و نمت أعضاؤه غسّل و حنّط و كفّن و دفن. و هو الأحوط وجوبا فيما إذا تم له أربعة أشهر و لم تتم خلقته لو أمكن ذلك. و أما إذا لم يكن مكتمل الخلقة و لم تتم له أربعة أشهر فالواجب دفنه، و الأحوط وجوبا أن يكون بعد لفّه بخرقة و لا يجب تغسيله و لا تحنيطه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 104

المبحث السادس في غسل مسّ الميت

يجب الغسل بمس ميت الإنسان بعد أن يبرد جميع جسده، من دون فرق بين المسلم و الكافر. بل الأحوط وجوبه بمسّ السقط إذا ولجته الروح. و أما مسّه بحرارته فلا يوجب الغسل، بل يوجب تنجس الماس إذا كان المسّ

برطوبة.

(مسألة 321): إذا تم تغسيل الميت لم يجب الغسل بمسه، حتي لو كان المغسل له الكافر عند فقد المماثل. نعم يشكل الاكتفاء بالغسل الاضطراري الناقص، كالغسل الواحد مع قلة الماء و الغسل الفاقد للخليطين، كما يشكل الاكتفاء بالتيمم عند فقد الماء. فالأحوط وجوبا الغسل بالمسّ في المقامين.

(مسألة 322): الأحوط وجوبا الغسل بمسّ ما لا تحله الحياة من الميت كالسن و الظفر، و كذا مع المسّ بما لا تحله الحياة من الحي. نعم الظاهر عدم وجوبه بمسّ الشعر من الميت، و بالمسّ بالشعر من الحي.

(مسألة 323): يجب الغسل بمس القطعة المبانة من الحي أو الميت إذا كانت مشتملة علي العظم و لا يجب بمسّ اللحم الخالي من العظم، و لا العظم الخالي من اللحم سواء كان مقطوعا من حي أم من ميت. و كذا لا يجب بمسّ العظم إذا كان مشتملا علي قليل من اللحم غير معتدّ به، كالسن إذا قلع و معه قليل من اللحم.

(مسألة 324): لا يجوز لمن عليه غسل المسّ كل عمل مشروط بالطهارة كالصلاة و مس المصحف، و لا يحرم عليه ما يختص بالجنب و الحائض كدخول المساجد و قراءة العزائم.

(مسألة 325): غسل المس كغسل الجنابة و الحيض، و تقدم أنه يجزئ عن الوضوء.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 105

المبحث السابع في الأغسال المستحبة

و هي أغسال كثيرة مذكورة في كتب الفقه و الأدعية و الزيارات و غيرها لا يسع المقام استقصاءها، إلا أنه لما تقدم منا في المسألة (184) من الفصل الرابع في أحكام غسل الجنابة أنّ كل غسل مشروع يجزئ عن الوضوء فالمناسب في المقام التعرض لجملة مما يثبت عندنا مشروعيته و استحبابه، ثم نشير لغيره مما لم يثبت عندنا استحبابه و إنما

يحسن الإتيان به برجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ به عن الوضوء. و حينئذ نقول: الأغسال المستحبة علي أقسام ثلاثة:

القسم الأول الأغسال الزمانية: و هي التي تستحب لخصوصية الزمان، و هي عدة أغسال:

و منها: غسل الجمعة، و هو من المستحبات المؤكدة و وقته من طلوع الفجر يوم الجمعة إلي الزوال. و يقضي بعده إلي آخر نهار يوم الجمعة، فإن لم يقضه حينئذ قضاه يوم السبت.

(مسألة 326): مع إعواز الماء و قلّته علي المكلف في تمام يوم الجمعة يجوز تقديم غسله يوم الخميس. و لو أخطأ المكلف في اعتقاده ذلك، ينكشف بطلان غسله. و من ثمّ لو احتمل ذلك جاز له التقديم برجاء المطلوبية من دون أن يجتزئ به عن الوضوء.

و منها: غسل يومي العيدين- الفطر و الأضحي- و وقتهما من طلوع الفجر إلي غروب الشمس.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 106

و منها: غسل يوم عرفة و يوم التروية- و هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة- من دون فرق بين من يريد الحج و غيره. و وقتهما من طلوع الفجر إلي غروب الشمس.

و منها: غسل الليلة الاولي من شهر رمضان، و السابعة عشرة منه، و غسل ليالي القدر- و هي الليالي التاسعة عشرة و الإحدي و العشرون و الثلاث و العشرون منه-، و أفضل الثلاث الأخيرة ثم الثانية.

(مسألة 327): يشرع غسل ليالي شهر رمضان في أي جزء من الليل، لكن الأفضل إيقاعه في أول الليل، و أفضل منه إيقاعه قبيل غروب الشمس بقليل.

و الأحوط وجوبا حينئذ عدم تخلل الحدث الأكبر أو الأصغر بينه و بين دخول الليل.

(مسألة 328): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) من الأغسال الزمانية غسل يوم الغدير- و هو اليوم الثامن عشر

من شهر ذي الحجة- و يوم المباهلة- و هو اليوم الرابع و العشرون منه- و يوم مولد النبي صلّي اللّه عليه و آله- و هو اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول- و يوم نيروز، و أول رجب و نصفه و آخره، و يوم المبعث- و هو اليوم السابع و العشرون منه- و ليلة النصف من شعبان، و أول يوم من شهر رمضان، و جميع ليالي الأفراد منه، و جميع ليالي العشر الأواخر منه، خصوصا ليلة الرابع و العشرين، و غسل ثان في آخر الليلة الثالثة و العشرين منه لمن اغتسل أول الليلة المذكورة، و غسل الكسوف إذا احترق القرص كله، و غير ذلك. و هي و إن وردت الأخبار في جملة منها، إلا أنها لم تثبت بنحو معتبر فيحسن الإتيان بها رجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ بها عن الوضوء.

(مسألة 329): يجوز إيقاع الأغسال الزمانية في أي جزء من أجزاء الزمان الذي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 107

نسبت له إلا ما تقدم التنبيه علي التقييد فيه بوقت خاص منه- كغسل الجمعة- أو لجواز إيقاعه قبل الوقت كأغسال ليالي شهر رمضان.

(مسألة 330): لا تنتقض الأغسال الزمانية بالحدث الأصغر أو الأكبر في أجزاء الزمان الذي نسبت له إلا ما تقدم التنبيه عليه في المسألة الثانية.

القسم الثاني من الأغسال المستحبة: الأغسال المكانية، و هي التي تشرع مقدمة للكون في مكان خاص، و هي عدة أغسال:

منها: الغسل لدخول مكة أو المدينة. و المتيقن منهما الدخول لأداء فرض أو نفل من حج أو عمرة أو زيارة. و أما في غير ذلك فالمتعين الإتيان به برجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ به عن الوضوء.

و منها: الغسل لدخول الكعبة الشريفة.

و

منها: الغسل لدخول مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله.

و منها: الغسل لدخول أحد الحرمين الشريفين حرم مكة و حرم المدينة.

(مسألة 331): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) من الأغسال المكانية الغسل لدخول المسجد الحرام، و الغسل لدخول مشاهد الأئمة عليهم السّلام، بل لكل مشهد أو مكان شريف. لكنه لم يثبت بوجه معتبر، فالأولي الإتيان به برجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ به عن الوضوء.

(مسألة 332): وقت الأغسال المكانية قبل الدخول في الأمكنة المشروعة لها.

عدا غسل دخول حرم مكة، فإن تقديمه علي دخوله و إن كان أفضل إلا أنه يستحب لمن لم يفعله أن يأتي به بعد دخوله و لو في مكة نفسها.

القسم الثالث الأغسال الفعلية: و هي علي قسمين:

أحدهما: ما يستحب بداعي إيقاع فعل خاص، و هي عدة أغسال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 108

و منها: الغسل للإحرام.

و منها: الغسل لطواف الزيارة، و هو الطواف الواجب في الحج بعد الذبح عند الرجوع من مني. و قيل: باستحبابه لكل طواف و إن لم يكن جزءا من حج أو عمرة. لكنه لا يخلو عن إشكال. فالأولي الإتيان به برجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ به عن الوضوء.

و منها: الغسل للوقوف بعرفة في الحج. و وقته بعد الزوال قريبا منه.

و منها: الغسل للذبح أو النحر في الحج و المتيقن منه استحبابه لمن يباشر ذلك بنفسه، دون من يستنيب فيه.

و منها: الغسل للحلق في الحج.

و هناك أغسال اخري وردت مقدمة لإعمال و عبادات لا يسع المقام استقصاءها.

(مسألة 333): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) من هذا القسم من الأغسال الفعلية الغسل للوقوف بالمشعر، لكنه لم يثبت بوجه معتبر. و أما الغسل لزيارة النبي صلّي اللّه عليه و آله و

الأئمة عليهم السّلام فقد تضمنته النصوص في زيارات خاصة كثيرة يضيق المقام عن استقصائها و تحقيق حالها، و لا مجال لاستفادة استحباب الغسل لكل زيارة منها، فالأولي الإتيان بالغسل في جميع الموارد المذكورة برجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ به عن الوضوء.

(مسألة 334): يجزئ في الأغسال المكانية و في القسم الأول من الأغسال الفعلية غسل اليوم لما يؤتي به في ذلك اليوم، و غسل الليل لما يؤتي به في ذلك الليل، و لا يستمر أثره لما بعد ذلك، فمن اغتسل نهارا لدخول الكعبة أو للإحرام بالحج مثلا فلم يتهيأ له فعلهما حتي دخل الليل لم يجزئه غسله، بل عليه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 109

الإعادة.

(مسألة 335): تنتقض الأغسال المكانية و القسم الأول من الأغسال الفعلية بالحدث الأصغر- فضلا عن الأكبر- بين الغسل و الغاية التي أوقع لها، فمن اغتسل لدخول الكعبة أو لإحرام الحج مثلا ثم أحدث بالأصغر قبل فعلهما لم يجزئه غسله، بل عليه الإعادة.

ثانيهما: ما يستحب بسبب وقوع فعل خاص و هو عدة أغسال:

منها: الغسل لمسّ الميت بعد إتمام تغسيله.

و منها: الغسل لمن فرّط في صلاة الخسوف إذا احترق قرص القمر كله، فإنه يستحب له أن يغتسل و يقضي الصلاة.

و منها: الغسل للتوبة من تعمّد سماع الغناء و ضرب العود. بل يحسن الغسل للتوبة مطلقا برجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ به عن الوضوء.

(مسألة 336): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) استحباب الغسل لقتل الوزغ و السعي لرؤية المصلوب و غير ذلك. لكنه لم يثبت بوجه معتبر فالأولي الإتيان به برجاء المطلوبية من دون أن يجتزأ به عن الوضوء.

(مسألة 337): لم يثبت عموم مشروعية التيمم بدلا عن الأغسال المستحبة عند تعذرها، بل قد

يظهر من بعض النصوص عدمه. إلا في موارد خاصة لا مجال لاستقصائها، فلا ينبغي الإتيان به إلا برجاء المطلوبية و حينئذ لا يجتزأ به عن الوضوء.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 110

المقصد الخامس في التيمم

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأول في مسوّغاته

و هي أمور:

الأول: عدم الماء الكافي للوضوء أو الغسل بالمقدار الذي يتحقق به أقل الواجب من دون فرق بين أن يستند فقده للماء قهرا عليه و أن يكون لتفريطه به، كما لو كان عنده ثم أراقه.

(مسألة 338): لو احتمل وجود الماء وجب الفحص عنه حتي يحصل له العلم أو الاطمئنان بعدمه.

(مسألة 339): يكتفي المسافر في الفلاة بأن يطلب الماء في الأرض السهلة- و هي المنبسطة- غلوتين من كل جانب يحتمل وجوده فيه، و في الأرض الحزنة غلوة واحدة، و هي رمية سهم متعارفة.

(مسألة 340): يسقط وجوب الطلب في ضيق الوقت، كما يسقط إذا خاف علي نفسه أو ماله من لص أو سبع أو غيرهما. و كذا إذا عجز عن الطلب أو كان مجهدا له بنحو يبلغ الحرج.

(مسألة 341): إذا فرّط في الطلب حتي ضاق الوقت عصي و وجب عليه التيمم و الصلاة، ثم القضاء بعد ذلك إلا أن ينكشف عدم وجود الماء في محل الطلب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 111

فلا يجب القضاء.

(مسألة 342): إذا طلب الماء فلم يجده فتيمّم و صلّي ثم انكشف وجود الماء، فإن كان موجودا في مكان من شأنه أن يعثر عليه بالطلب إلا أن الطلب لم يكن كافيا وجب عليه الإعادة أو القضاء، و إن كان موجودا في مكان ليس من شأنه أن يعثر عليه، فإن وجده في الوقت فالأحوط وجوبا الإعادة، و إن وجده بعد ذلك صحت صلاته و لم يجب عليه القضاء.

(مسألة 343): إذا لم يكن عنده الماء إلا أنه كان واجدا لثمنه وجب شراؤه إلا أن يجحف به و يضر بحاله بمقتضي وضعه المالي فيتيمم حينئذ. كما أنه إذا أمكنه تحصيله بالاستيهاب و

نحوه وجب، إلا أن يستوجب هو انه بنحو يحرم الوقوع فيه، أو يكون حرجيا، فيتيمم أيضا.

الثاني: خوف العطش من استعمال الماء الذي عنده- و إن لم يبلغ مرتبة التلف- علي نفسه و من يتعلق به ممن من شأنه الاهتمام به حتي دابته و حيواناته.

و أما في غير ذلك فإنما يشرع له التيمم إذا خاف التلف علي نفس موجودة يجب حفظها.

(مسألة 344): إذا لم يعتن باحتمال العطش فلم يتيمم بل توضأ أو اغتسل، فإن كان العطش المخوف بالنحو الذي يحرم الوقوع فيه- كما لو خيف منه تلف نفس محترمة- فمع التفاته لذلك يبطل غسله أو وضوؤه، و يجب عليه الإعادة أو القضاء، و مع غفلته عن ذلك يصح منه الغسل أو الوضوء و لا يجب عليه الإعادة أو القضاء، و كذا إذا لم يكن العطش المخوف بالنحو الذي يحرم الوقوع فيه.

الثالث: خوف الضرر البدني من استعمال الماء بحدوث مرض أو زيادته أو بطء شفائه أو نحو ذلك. إلا أن تشرع في حقه الجبيرة فيتعين استعمال الماء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 112

معها علي ما سبق تفصيله في مباحث الوضوء، و لا يشرع التيمم حينئذ.

(مسألة 345): إذا تيمم ثم تبين عدم الضرر صحّ تيمّمه و لم يجب عليه التدارك، إلا أن يتبين ذلك في الوقت فالأحوط وجوبا الإعادة.

(مسألة 346): إذا كان يضره الماء فتوضأ أو اغتسل، فإن كان الضرر بمرتبة يحرم الوقوع فيه، و كان عالما به أو خائفا منه ملتفتا لحرمته بطل وضوؤه أو غسله و وجب عليه إعادة الصلاة الواقعة به أو قضاؤها، و إلا صحّ وضوؤه أو غسله و صلاته و لم يجب التدارك، سواء كان غافلا عن الضرر أم ملتفتا له، و

لم يكن الضرر محرّما أم كان محرّما و كان غافلا عن حرمته.

الرابع: ما إذا وجب صرف الماء في واجب آخر، كتطهير المسجد أو تطهير البدن أو الثوب للصلاة أو نحو ذلك. نعم إذا غفل عن ذلك و توضأ بالماء أو اغتسل صح وضوؤه و غسله.

الخامس: ما إذا لزم من استعمال الماء محذور شرعي كالتصرف في أرض الغير أو إنائه من دون إذنه، أو محذور عرفي يصعب تحمّله كاعتداء ظالم عليه و نحوه مما يكون تحمله حرجيا. نعم إذا غفل عن ذلك فتوضأ بالماء أو اغتسل صح وضوؤه أو غسله. أما لو التفت لذلك و لم يعتن به فإن كان المحذور مما يحرم الوقوع فيه شرعا بطل وضوؤه أو غسله، و إن لم يكن كذلك- كما في موارد الحرج- صح وضوؤه أو غسله.

(مسألة 347): ذهب جماعة إلي أن ضيق الوقت عن استعمال الماء مسوغ للتيمم فيجتزأ به في صحة العمل، لكنه غير ثابت. نعم الأحوط استحبابا المبادرة لأداء الصلاة بالتيمم، ثم القضاء إذا تحققت شروطه. و يترتب علي ذلك أنه إذا احتمل سعة الوقت لاستعمال الماء وجبت المبادرة لاستعماله برجاء إدراك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 113

الصلاة بالطهارة المائية و لا يجوز له الاكتفاء بالتيمم في الوقت. بل حتي لو علم بضيق الوقت عن إدراك تمام الصلاة بالطهارة المائية لكن علم أو احتمل إدراك بعضها بمقدار ركعة فما زاد فالأحوط وجوبا المبادرة لاستعمال الماء و عدم الاكتفاء بالتيمم في الوقت.

هذا كله إذا كان واجدا للماء، أما إذا لم يكن واجدا له و أمكنه تحصيله بالسعي له أو بشرائه أو استيهابه إلا أن وقته يضيق عن ذلك فالظاهر مشروعية التيمم و الاجتزاء به في صحة عمله،

من دون أن يجب عليه القضاء.

(مسألة 348): يستحب النوم علي طهارة، فإذا آوي المكلف إلي فراشه و ذكر أنه علي غير طهر فقد روي أنه يتيمم بدثاره و ثيابه، فلا بأس بالإتيان بذلك برجاء المطلوبية و إن كان يستطيع القيام و التطهر بالماء.

الفصل الثاني في ما يتيمم به

و هو كل ما يسمي أرضا و إن كان صلبا لا يعلق منه شي ء بالكف عند ضربها به، كالصخر و الحجر الأملس. و إن كان الأحوط استحبابا التيمم بالتراب مع الإمكان.

(مسألة 349): لا يصح التيمم بما لا يصدق عليه الأرض، و إن كان أصله منها، كالنبات و الملح و الزجاج، و بقية المعادن كالياقوت و الزمرد و الفيروزج و مسحوقها. نعم الظاهر صدق الأرض علي درّ النجف، لأنه نوع من الحصي عرفا، و أما العقيق فالأمر فيه لا يخلو عن إشكال فالأحوط وجوبا مع الانحصار التيمم به ثم القضاء.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 114

(مسألة 350): الظاهر جواز التيمم بالأرض بعد طبخها كالجص و النورة و الإسمنت، و إن كان الأحوط استحبابا عدم التيمم بها مع تيسر غير المطبوخ.

(مسألة 351): يشترط في ما يتيمم به الطهارة، فلا يجوز التيمم بالنجس.

(مسألة 352): لا يجوز التيمم بما يمتزج بغير الأرض بحيث لا يصدق عليه الأرض وحدها، نعم إذا كان الخليط مستهلكا في الأرض فلا بأس بالتيمم به.

(مسألة 353): لا يجوز التيمم بما يملكه الغير من غير إذنه، و لو تيمم به ملتفتا لحرمته بطل تيممه، لعدم تحقق نية التقرب به علي ما يتضح مما تقدم في مبحث النية من الوضوء.

نعم لو أكره علي المكث في أرض الغير بحبس و نحوه جاز التيمم بها و صح تيممه إذا لم يضر بها ضررا زائدا علي

ما يقتضيه الحبس. كما يجوز التيمم بمثل حائط الغير من جانب الشارع و بالأرض المكشوفة و نحو ذلك، مما يجوز العبور فيه من دون إذن مالكه.

(مسألة 354): إذا تيمم بأرض الغير بغير إذنه غفلة عن حرمة ذلك صح تيممه.

(مسألة 355): إذا عجز عن التيمم بالأرض فإن أمكنه جمع الغبار من ثيابه و فراشه و غيرهما بحيث يصدق عليه الأرض وجب و تيمّم به. و إن لم يمكنه ذلك وجب التيمم بالغبار الموجود في ثوبه أو فراشه أو عرف دابته أو غيرها و إن قلّ.

نعم لا بد من كونه غبارا أصله من الأرض، أما إذا لم يكن أصله منها كغبار الدقيق و غبار الخشب المجتمع من نجارته فلا يصح التيمم به.

(مسألة 356): إذا كان عنده طين، فإن أمكنه تجفيفه و التيمم به وجب و كان مقدّما علي التيمم بالغبار، و إن عجز عن تجفيفه فلا يجوز التيمم به إلا مع العجز

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 115

عن التيمم بالغبار. و الأحوط وجوبا في التيمم به أن يزيله عن الكفين بعد الضرب بهما عليه بفرك و نحوه ثم يمسح بهما وجهه و يديه بعد ذلك.

(مسألة 357): إذا وجب عليه التيمم بالطين فالأحوط وجوبا في كيفيته أن يضرب بكفه علي الطين ثم يفرك إحدي كفيه بالأخري ليزيل ما علق بهما من الطين ثم يمسح بهما وجهه و يديه علي ما يأتي في كيفية التيمم، و لا يمسح بكفيه قبل إزالة ما علق بهما من الطين.

(مسألة 358): إذا عجز عن استعمال الماء و عن التيمم حتي بالطين صار فاقد الطهورين و سقط عنه أداء الصلاة في الوقت. و حينئذ إن كان قادرا في أثناء الوقت علي استعمال الماء

أو التيمم فلم يفعل غفلة أو تقصيرا ثم عجز عنهما في آخر الوقت وجب عليه قضاء الصلاة مع الطهارة. و هو الأحوط وجوبا فيما إذا كان عاجزا عنهما من أول الوقت إن كان العجز مستندا إليه- قصورا أو تقصيرا-، كما إذا كان عنده ماء فأراقه، أو سافر إلي مكان يعجز فيه عن استعمال الماء و عن التيمم.

و أما إذا كان عاجزا عنهما من أول الوقت و لم يستند العجز إليه، بل كان مغلوبا علي أمره- كالسجين و نحوه- فلا يجب القضاء عليه. نعم الأحوط استحبابا في جميع الصور الجمع بين أداء الصلاة في الوقت بلا طهارة و القضاء في خارج الوقت مع الطهارة.

(مسألة 359): يكره التيمم بتراب الطريق و نحوه مما يطؤه الناس بأرجلهم.

و الأولي التيمم من الأماكن العالية التي هي أبعد عن القذر و ملاقاة النجاسة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 116

الفصل الثالث في كيفية التيمم

أجزاء التيمم أمور:

الأول: ضرب باطن اليدين بالأرض دفعة واحدة. و لا يكفي مجرد مسّ الأرض من دون أن يصدق عليه الضرب.

الثاني: أن يمسح بباطن يديه جميعا جبهته. و هي العظم المستوي في أعلي الوجه، و حدّه من الأعلي قصاص الشعر و مبدأ الوجه و من الأسفل عظم الحاجبين، و من الجانبين صفحتا الوجه. و ينبغي مسح شي ء مما خرج عن الحد ليعلم استيعاب الجبهة بالمسح. و لا بد من كون المسح من الأعلي إلي الأسفل، و لا يكفي المسح منكوسا و لا معترضا.

الثالث: مسح ظهر الكف اليمني بباطن الكف اليسري، و يبدأ من الزند- و هو المفصل الذي بين الكف و الذراع- و ينتهي بأطراف الأصابع.

الرابع: مسح ظهر الكف اليسري بباطن الكف اليمني، علي النحو المذكور في سابقه.

(مسألة 360): لا بد

من كون الضرب و المسح ببشرة الكفين من دون حائل كما لا بد من ذلك في الممسوح، فيجب إزالة الحاجب كالخاتم و غيره مما يمنع من مماسّة البشرة. هذا مع الإمكان و سيأتي الحكم مع التعذّر.

(مسألة 361): لا تجب إزالة الشعر النابت في الجبهة و ظهر الكفين بل يكفي المسح عليه.

(مسألة 362): لا تجب المداقّة في استيعاب المسح للوجه و الكفين بملاحظة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 117

المواضع المتعرجة بل يكفي الاستيعاب العرفي الحاصل بإمرار اليدين مرة واحدة علي المكان الممسوح، من دون حاجة لتخليل الأصابع و نحوها للوصول لما بينها من المواضع العميقة في ظاهر الكفين.

(مسألة 363): الظاهر أنه يكفي ضرب الكفين مرة واحدة للوجه و الكفين في التيمم، كما سبق، سواء كان التيمم بدلا عن الوضوء أم عن الغسل. لكن الأحوط استحبابا الضرب مرة أخري للكفين، فإذا أراد ذلك أتي بالتيمم علي الوجه السابق فإذا أكمل مسح الكفين ضرب بهما مرة أخري علي الأرض و أعاد مسحهما فيمسح ظهر اليمني بباطن اليسري، ثم يمسح ظهر اليسري بباطن اليمني.

(مسألة 364): إذا تعذّر الضرب و المسح بباطن الكفين انتقل إلي ظاهرهما.

(مسألة 365): من كان بعض كفه مقطوعا يضرب و يمسح بالباقي، و من كانت إحدي كفيه مقطوعة بتمامها إن أمكنه أن يضرب ببقية يده المقطوعة الأرض ضرب بها مع كف اليد الأخري و مسح تمام جبهته بالكف و مسح ظهر كفّه ببقية يده المقطوعة. و إن لم يبق من يده المقطوعة ما يضرب به الأرض ضرب بكفّ يده السالمة الأرض و مسح بها وجهه و مسح ظهر كفه بالأرض مباشرة.

و الأحوط وجوبا أن لا يقتصر علي ذلك، بل يطلب أيضا- مع الإمكان- من شخص

آخر أن يضرب بكفّه الأرض ثم يمسح ذلك الشخص بكفه تلك كفّ الأقطع.

(مسألة 366): من كان تمام كفّيه مقطوعا إن أمكنه أن يضرب ببقية يديه الأرض ضرب بهما و مسح جبهته، و كذا إذا تمكن أن يضرب ببقية يد واحدة فقط. و إن تعذّر عليه أن يضرب بشي ء من يديه الأرض مسح جبهته بالأرض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 118

مباشرة. و الأحوط وجوبا أن يضم إلي ذلك مسحها بكفّ شخص آخر مع الإمكان علي النحو المتقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 367): من تعذر عليه المسح بكفّه أو بكفّيه لشلل أو قيد أو نحوهما جري عليه حكم مقطوع الكف و الكفين المتقدم في المسألتين السادسة و السابعة.

(مسألة 368): من كان علي بعض أعضاء تيممه جبيرة لجرح أو كسر أو نحوهما و لم يمكن إزالتها جري عليها حكم البشرة فيمسح بها و عليها. أما إذا لم يكن الحائل جبيرة و تعذّرت إزالته فإن كان في الجبهة أو ظهر الكف مسح عليه، و إن كان في باطن الكف ضرب الأرض بكفه و مسح بها بنحو يكون المسح بما لا حاجب عليه.

نعم إذا كان مستوعبا لباطن الكف- بحيث لا يمكن مسح الوجه و ظهر الكفين ببشرتها- فالأحوط وجوبا أن يضيف إلي ذلك ضرب الأرض بذراعه و المسح به، فإن تعذر عليه ذلك طلب من غيره أن يضرب بكفه الأرض و يمسح له، نظير ما تقدم في المسألتين (365) و (366).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 119

الفصل الرابع في شروط التيمم

يشترط في التيمم أمور:

الأول: النية علي نحو ما تقدم في الوضوء، و لا بدّ من حصولها من حين الضرب.

(مسألة 369): لا تجب نية البدلية عن الوضوء أو الغسل حتي لو اجتمعت أسبابهما،

بل يكفي تيمم واحد عنهما حينئذ.

الثاني: المباشرة مع الإمكان، بحيث يستقل المتيمم بالإتيان بإجزاء التيمم السابقة. نعم مع تعذّر ذلك يجوز الاستعانة بالغير لكن لا بد من نية المتيمم، و لا تكفي نية الغير الذي ييمّمه.

(مسألة 370): لا بد مع الاستعانة بالغير من الضرب بيدي المتيمم و المسح بهما مع الإمكان، نعم مع تعذّر ذلك يضرب الغير الأرض بكفّيه و يمسح بهما وجه المتيمّم و ظاهر كفيه.

الثالث: الترتيب بين أجزاء التيمم علي النحو المذكور في ما تقدم.

الرابع: الموالاة علي الأحوط وجوبا و إن كان التيمم بدلا عن الغسل. و لا بدّ فيها من تعاقب الأجزاء و عدم الفصل بينها، بحيث يصدق أن المتيمم منشغل بالتيمم عرفا من حين الشروع فيه حتي يكمله و لا يصدق أنه تركه في الأثناء ثم عاد إليه.

(مسألة 371): إذا خالف الترتيب عمدا أو سهوا وجب عليه التدارك علي ما يطابقه بتكرار الجزء الذي قدّمه إذا كان حقه التأخير، فلو ضرب بكفيه الأرض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 120

ثم مسح الكفين ثم الوجه أعاد مسح الكفين، و لو مسح الكف اليسري ثم اليمني أعاد مسح اليسري. بل إذا طالت المدة حتي فاتت الموالاة فالأحوط وجوبا استئناف التيمم من أوله.

الخامس: طهارة أعضاء التيمم فلا يصح التيمم مع نجاستها برطوبة إذا كانت موجبة لنجاسة الأرض التي يتيمم بها. بل الأحوط وجوبا اعتبار طهارتها حتي لو لم تستلزم ذلك، لجفافها. نعم إذا تعذّر تطهيرها يصح التيمم مع الجفاف.

(مسألة 372): إذا شك في صحة التيمم بعد الفراغ منه لم يلتفت و بني علي صحته. و إذا شك في الإتيان بجزء منه بعد الإتيان بالجزء الذي بعده بني علي الإتيان به، كما لو شك بعد

مسح اليمني في مسح الوجه. و إن كان الأحوط استحبابا التدارك.

(مسألة 373): يستحب نفض اليدين بعد الضرب بهما قبل المسح إذا علق بهما شي ء من الأرض، و يكفي عنه كل ما يزيل عنهما ما علق بهما، كضرب إحداهما بالأخري أو مسحها بها.

الفصل الخامس في أحكام التيمم

(مسألة 374): الأحوط وجوبا عدم التيمم للصلاة قبل وقتها حتي لو علم بتعذر الطهارة المائية عليه للصلاة ذات الوقت في تمام وقتها. نعم إذا علم أو خاف تعذّر التيمم عليه بعد الوقت وجبت عليه المبادرة له، ليتمكن من الصلاة في وقتها.

(مسألة 375): لا تجوز الصلاة بالتيمم في سعة الوقت إلا مع احتمال استمرار

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 121

العذر في تمام الوقت، فإن استمر أجزأت، و إن ارتفع لم يجتزأ بها و وجبت إعادتها بالطهارة المائية.

و يستثني من ذلك من كان عذره عدم وجدان الماء الذي يسعه الطهارة به فإنه إذا لم يعلم أو يظن بقدرته عليه في أثناء الوقت تجوز له المبادرة للصلاة بالتيمم و يجتزئ بها حتي لو وجد الماء بعد ذلك قبل خروج الوقت. نعم يستحب له الإعادة حينئذ بالطهارة المائية، كما يستحب له الانتظار من أول الأمر بالصلاة حتي يقدر علي الماء.

(مسألة 376): لو تيمم لصلاة فريضة أو نافلة ثم دخل وقت صلاة أخري جاز له الصلاة بذلك التيمم علي التفصيل المتقدم في المسألة السابقة. و لا ينتقض التيمم مهما طالت المدة إلا بالحدث أو بارتفاع العذر المسوغ للتيمم كوجدان الماء و الشفاء من المرض و نحوهما. و لو ارتفع العذر لكن لم يستعمل الماء ثم عاد العذر وجب إعادة التيمم و لا يكتفي بالتيمم السابق.

(مسألة 377): من دخل في الصلاة بتيمم ثم وجد الماء قبل الركوع قطع

الصلاة و تطهر بالماء و استأنف الصلاة، و إن وجده بعد الركوع أتمّ صلاته بتيمّمه، و تطهر بالماء للصلوات الآتية. هذا إذا كان دخوله في الصلاة بالتيمم مشروعا كما تقدم في المسألة (375).

(مسألة 378): يشرع التيمم بدلا عن الوضوء في جميع موارد مشروعية الوضوء حتي للكون علي الطهارة، كما يشرع بدلا عن الأغسال الواجبة. نعم لا بدّ من كون الغاية مما يرجح تحققه فيجوز التيمم للكون في المسجد مثلا، لأنه أمر راجح شرعا، و لا يجوز التيمم لمسّ المصحف، إلا أن يرجح المسّ أو يضطر إليه، بخلاف الوضوء، فإنه يجوز إيقاعه لمسّ المصحف و إن لم يرجح و لم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 122

يضطر إليه. و أما مشروعية التيمم بدلا عن الأغسال المستحبة فهي لا تخلو عن إشكال، كما تقدم في آخر الكلام في الأغسال المستحبة.

(مسألة 379): من تيمم لغاية جاز له الدخول بتيممه ذلك في جميع الغايات، فمن تيمم لصلاة جاز له الدخول بتيممه ذلك في صلاة أخري و في الطواف، و جاز له به مسّ المصحف و الدخول للمسجد و إن كان مسبوقا بالجنابة و غير ذلك.

(مسألة 380): تقدم في المسألة (367) أن التيمم ينتقض بالحدث، و انتقاضه به علي نحو انتقاض الوضوء أو الغسل الذي يقع بدلا عنهما. و حينئذ فالمحدث بالأكبر إذا كانت وظيفته التيمم فتيمم ثم أحدث بالأصغر لم تنتقض طهارته من الحدث الأكبر، و لم تترتب عليه احكامه، بل تنتقض طهارته من الحدث الأصغر و تترتب أحكامه لا غير، فيجب عليه الوضوء مع القدرة عليه و مع تعذره يتيمم بدلا عنه لا عن الغسل. نعم الأحوط استحبابا مع القدرة علي الوضوء الجمع بينه و بين التيمم بدلا

عن الغسل، و مع تعذر الوضوء التيمم بدلا عمّا في ذمته من دون تعيين.

(مسألة 381): سبق في المسألة الثالثة أن التيمم ينتقض بالقدرة علي استعمال الماء. و عليه فلو وجد شخصان متيممان أو أكثر ماء يكفي لشخص واحد، فإن قدر كل منهم علي استعماله لعدم تسابقهم إليه بطل تيممهم جميعا.

و إن لم يقدر بعضهم علي استعماله، لسبق غيره إليه لم يبطل تيممه و بطل تيمم السابق فقط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 123

المقصد السادس في الطهارة من الخبث

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في عدد النجاسات

و هي عشرة.

الأول و الثاني: البول و الغائط من كل حيوان يحرم أكل لحمه إذا كانت له نفس سائلة، أما ما يحل أكل لحمه فبوله و غائطه طاهران، و إن كان مكروه الأكل كالحمار و البغل و الفرس.

(مسألة 382): لا فرق بين ما يحرم أكل لحمه بالأصل كالثعلب و الأرنب، و ما يحرم أكل لحمه بالعرض و هو أمور ثلاثة:

الأول: الجلّال و هو الذي يتغذي بالعذرة فقط مدّة معتدا بها، بحيث يصدق عرفا أن غذاءه العذرة.

الثاني: الجدي الذي يرضع لبن الخنزيرة حتي يشتدّ عليه و يكبر.

و الأحوط وجوبا العموم لكل حيوان يرتضع منها.

الثالث: البهيمة التي يطؤها الإنسان، حتي الذكر علي الأحوط وجوبا، بل الأحوط وجوبا العموم لكل حيوان و إن لم يكن من البهائم كالطيور. و النسل في الجميع تابع للأصل.

(مسألة 383): بول الطير و ذرقه طاهران و إن حرم أكل لحمه كالصقر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 124

(مسألة 384): ما يحرم أكله مما ليس له نفس سائلة إن لم يكن له لحم- كالبق و الذباب- فما يخرج منه طاهر و إن كان له لحم- كالجرّي و السلحفاة- فغائطه طاهر. و ان كان له بول فالأحوط وجوبا الاجتناب عنه و إجراء حكم النجس عليه.

(مسألة 385): المراد بالحيوان الذي له نفس سائلة هو الذي له عروق يشخب منها الدم، و غيره إما لا دم له كالخنفساء، أو له دم يجتمع في بطنه كالبق، أو ينضح دمه من لحمه عند قطعه كالسمك.

(مسألة 386): ما يشك في أن له نفسا سائلة يحكم بطهارة غائطه، و الأحوط وجوبا الاجتناب عن بوله إن كان له لحم يحرم أكله.

(مسألة 387): ما يشك في حلية أكل لحمه يحكم

بطهارة بوله و غائطه، الثالث: المني من كل ما لا يؤكل لحمه و كان له نفس سائلة. و أما ما لا نفس له سائلة فمنيّه طاهر، و كذا ما يؤكل لحمه و إن كان الأحوط استحبابا اجتنابه.

الرابع: الدم من الحيوان ذي النفس السائلة. أما دم ما لا نفس له سائلة كدم السمك و البرغوث و غيرهما فهو طاهر.

(مسألة 388): دم العلقة في الحيوان و في البيضة طاهر، و الأحوط وجوبا عدم أكله.

(مسألة 389): الدم المتخلف في الذبيحة بعد خروج ما يتعارف خروجه بالذبح و النحر طاهر، إلا أن يتنجس بنجاسة خارجية كما لو لاقي السكين أو يد القصاب النجسة. نعم يحرم أكله، إلا ما يعدّ من أجزاء اللحم عرفا لقلّته و تخلفه في العروق الدقيقة.

(مسألة 390): دم الحيوان المشكوك في كونه ذا نفس سائلة محكوم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 125

بالطهارة. و كذا الدم الذي لا يعلم أنه من حيوان له نفس سائلة أو من حيوان ليس له نفس سائلة. فمن وجد علي ثوبه دما و لم يعلم أنه منه أو من البرغوث أو البعوض يبني علي طهارته، و كذا الحال في كل دم مردد بين الطاهر و النجس كالدم المردد بين الخارج بالذبح و المتخلف في الذبيحة بعد الذبح.

(مسألة 391): الظاهر أن الحكم بنجاسة البول و الغائط و المني و الدم مشروط بخروجها للظاهر و أما قبل ذلك فهي طاهرة، و ملاقاتها لا توجب نجاسة الملاقي.

الخامس: ميتة الحيوان الذي له نفس سائلة. و أما ميتة ما لا نفس له سائلة فهي طاهرة، و منها الخفاش.

(مسألة 392): الجزء المقطوع من الحي نجس كالميتة، و يستثني من ذلك الأجزاء غير اللحمية التي هي من سنخ

زوائد البدن، كقشور البدن و أسفل القدم و كذا الثالول و نحوه مما من شأنه الانفصال.

(مسألة 393): إذا أوصل الجزء المقطوع من الحيوان بجسم الإنسان أو بحيوان آخر و جرت فيه الحياة طهر، كما في موارد زرع أعضاء الجسم و أجهزته، و كذا موارد ترقيع الجلد. نعم إذا نقل من نجس العين لطاهر العين أشكل الحكم بالطهارة بمجرد وصله و جريان الحياة فيه. بل الأحوط وجوبا عدم الحكم بطهارته إلا بعد إلحاقه عرفا بالحيوان الطاهر بحيث يعدّ كسائر أجزائه.

(مسألة 394): ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة طاهر كالصوف و الشعر و العظم و القرن و الظفر، و كذا ما ينفصل عنها كالبيضة إذا اكتست القشر، و اللبن و الأنفحة و هي ما يؤخذ من السخال و نحوها لصناعة الجبن. و الأحوط وجوبا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 126

الاقتصار في طهارتها علي المادة المتجمدة الموجودة داخل الكرش دون نفس الكرش الذي فيه تلك المادة.

(مسألة 395): المراد بالميتة هنا كل ميت لم يذكّ. و مع الشك في التذكية يحكم بعدمها، و بنجاسة الحيوان و أجزائه من جلده و لحمه و شحمه و دهنه و غيرها، إلا أن يقوم دليل شرعي علي تذكيته.

(مسألة 396): ما يكون تحت يد المسلم من أجزاء الحيوان المشكوك التذكية يحكم بتذكيته إذا كان يعامله معاملة المذكي بإعداده للبيع أو للأكل أو استعماله في المأكول و المشروب أو لبسه أو نحو ذلك، دون ما لا يعامله كذلك كظروف العذرات و النجاسات.

و كذا يحكم بتذكية ما يباع في سوق المسلمين، أو يصنع في بلاد الإسلام- و لو لغلبة المسلمين عليها- إذا احتمل كون البائع أو الصانع لها مسلما، و كذا ما يوجد مطروحا

في بلاد الإسلام إذا احتمل كونه مسبوقا بيد المسلم، و كان عليه أثر الاستعمال المناسب للتذكية.

(مسألة 397): ما يؤخذ من يد الكافر إذا كان مسبوقا بيد المسلم محكوم بالتذكية.

(مسألة 398): ما لم يكن في يد المسلم إذا صار في يد المسلم إن احتمل أخذه له بعد إحرازه لتذكيته بوجه شرعي كان محكوما بالتذكية، و إن علم بعدم إحراز المسلم لذلك فهو محكوم بالنجاسة و عدم التذكية.

السادس و السابع: الكلب و الخنزير البرّيان و كذا أجزاؤهما و إن كانت مما لا تحلّه الحياة كالشعر و نحوه. و أما البحريّان فهما طاهران.

الثامن: الكافر غير الكتابي علي الأحوط وجوبا. أما الكتابي- و هو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 127

اليهودي و النصراني و المجوسي- فالظاهر طهارته بنفسه، و إنما ينجس بملاقاة النجاسة كالميتة و الخمر و نحوهما مما يستعمله مستحلا له أو غير مستحل.

(مسألة 399): الإسلام هو الإقرار بوحدانية اللّه تعالي و نبوة النبي محمد صلّي اللّه عليه و آله و بما جاء به من عند اللّه تعالي، فالكافر هو الذي لا يتدين بذلك، إما لعدم اعتقاده بدين أصلا أو لتدينه بدين غير الإسلام بالمعني المذكور.

(مسألة 400): إنكار الضروري من الدين إن رجع إلي عدم الإقرار به بعد العلم بانزاله من قبل اللّه تعالي، أو إلي تكذيب النبي صلّي اللّه عليه و آله في تبليغه به بعد العلم بتبليغه له كان موجبا للكفر، و إن رجع إلي عدم العلم بثبوته في الدين أو بتبليغ النبي صلّي اللّه عليه و آله له، لم يوجب الكفر، كما إذا نشأ من الجهل بتحريمه أو من شبهة اعتقد معها عدم التحريم.

(مسألة 401): الناصب نجس- علي الأحوط وجوبا- إذا رجع نصبه إلي إنكار

الضروري بالنحو الموجب للكفر الذي تقدم في المسألة السابقة. و كذا الغالي إذا رجع غلوه إلي إنكار التوحيد للّه تعالي أو إنكار النبوة أو إنكار الضروري بالنحو المتقدم.

(مسألة 402): يكره مباشرة الكتابي برطوبة، إذا احتمل نجاسته بالعرض، و ترتفع الكراهة المذكورة بتطهيره بدنه من الخبث.

التاسع: الخمر و كل مسكر مائع بالأصل و إن لم يتعارف شربه. و أما المسكر الجامد- كالحشيشة- فإنه طاهر و إن صار مائعا بالعرض.

(مسألة 403): لا ينجس العصير العنبي إذا غلي، بل يبقي طاهرا و إن حرم شربه حتي يذهب ثلثاه.

(مسألة 404): إذا وضع العنب في ماء و اغلي الماء، فإن لم يغل الماء الذي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 128

في داخل حبات العنب فلا إشكال في حليته، و إن غلي ماء العنب في داخله فالأحوط وجوبا الاجتناب عنه، و كذا لو غلي ماء العنب في داخله بتعريضه لحرارة النار رأسا من دون أن يوضع العنب في ماء.

(مسألة 405): الفقّاع نجس و إن لم يظهر إسكاره. و هو شراب يتخذ من الشعير علي وجه خاص يعرفه أهله.

العاشر: عرق الإبل الجلّالة، بل كل حيوان جلّال علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 406): الظاهر عدم نجاسة عرق الجنب من الحرام. نعم الأحوط وجوبا أنه مانع من الصلاة، فإذا أصاب الثوب لا تصح الصلاة فيه حتّي يغسل.

(مسألة 407): إذا تردد الشي ء بين الطاهر و النجس يحكم بطهارته، كما إذا تردد الشعر بين أن يكون من الماعز و أن يكون من الخنزير. و هكذا كل ما يشك في طهارته لاشتباه حاله.

الفصل الثاني في كيفية سراية النجاسة

لا ينجس الجسم الطاهر بملاقاة النجاسة إلا مع الرطوبة المسرية التي تنتقل من أحدهما إلي الآخر بمجرد الملاقاة، سواء كانت مائية أم دهنية. و أما الندي

الذي لا ينتقل إلا بمدة طويلة- كالحائط الذي يتأثر بالرطوبة- فلا تسري به النجاسة.

(مسألة 408): الذوبان من دون رطوبة مسرية لا يكفي في التنجيس فالفلزّات إذا أذيبت في بوتقة نجسة لم تنجس.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 129

(مسألة 409): الأجسام الجامدة إذا لاقت النجاسة برطوبة مسرية لم ينجس منها إلا موضع الملاقاة، و لا تسري النجاسة إلي غيره و إن كانت الرطوبة المسرية مستوعبة له. فالثوب المبتلّ مثلا لا ينجس منه إلا موضع الملاقاة.

(مسألة 410): إذا لاقت النجاسة المائع تنجس كله. نعم إذا كان جامدا لبرد و نحوه لم يتنجس منه إلا موضع الملاقاة. و المعيار في الجمود علي ما يكون عليه العسل و السمن في الشتاء علي الأحوط وجوبا. و يلحق بالعسل ما يشبهه مما يتكثف بالجمود مع السيلان البطي ء كالشيرة الكثيفة، و بالسمن ما يشبهه مما يتكثف بالجمود من دون سيلان كاللبن الناشف، و لا يكفي فيه التكثف مع السيلان البطي ء.

(مسألة 411): الأقوي أن المتنجس كالنجس ينجس ما يلاقيه بالرطوبة مهما تعددت الوسائط، من دون فرق بين الماء و غيره.

(مسألة 412): سبق في المسألة (391) من فصل عدد النجاسات إن الأعيان النجسة لا تحكم بالنجاسة ما لم تخرج للظاهر، و أن ملاقاتها في الباطن غير منجسة للملاقي. سواء كان الملاقي من الباطن كالريق يلاقي دم الأسنان فيخرج للظاهر، أم كان الملاقي من الظاهر، كماء الاحتقان يلاقي الغائط ثم يخرج للظاهر. أما إذا كانت النجاسة من الظاهر فلملاقاتها في الباطن صورتان:

الاولي: أن يكون الملاقي من الباطن كالخمر يشربه الإنسان فيلاقي فضاء الفم أو الجوف، و بحكمه اللسان يخرجه الإنسان فيذوق به الطعام النجس، و الظاهر هنا الحكم بالطهارة أيضا.

الثانية: أن يكون النجس و

الطاهر معا من الخارج و يتلاقيان في الداخل، فإن كان الطاهر من توابع الباطن لم ينجس، كالذي يشد أسنانه بالذهب أو يضع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 130

سنا صناعية ثم يتمضمض بالماء النجس، و إن لم يكن الطاهر من توابع الباطن فالأحوط وجوبا نجاسته، كما لو أدخل إصبعين في فمه و كان أحدهما نجسا فتلاقيا في الفم برطوبة ثم انفصلا و أخرجا منه.

(مسألة 413): مع الشك في الملاقاة يبني علي الطهارة، و كذا مع العلم بها و الشك في أن الملاقي هو الطاهر أو النجس، و كذا مع العلم بملاقاة النجس و الشك في وجود الرطوبة، أو في كونها مسرية.

الفصل الثالث في أحكام النجاسة

يشترط في صحة الصلاة طهارة بدن المصلي و ثيابه، و إن لم تكن ساترة للعورة من دون فرق في الصلاة بين الواجبة و المستحبة، بل حتي صلاة الاحتياط. و كذا قضاء الأجزاء المنسية. بل هو الأحوط استحبابا في سجود السهو. نعم تصح الصلاة علي الميت مع النجاسة.

(مسألة 414): لا بد من طهارة مسجد الجبهة بالمقدار الذي يجب إمساس الجبهة له. و لا يضر نجاسة ما زاد علي ذلك مما يمسّ الجبهة أو يمس بقية المساجد السبعة أو غيرها من أجزاء بدن المصلي فضلا عمّا لا يمسّه. نعم مع الرطوبة و سريان النجاسة لبدن المصلي أو لباسه لا تصح الصلاة، كما تقدم.

(مسألة 415): لا تضر نجاسة الغطاء في صلاة المستلقي أو المضطجع إذا لم يصدق عليه اللباس، إلا إذا لف المصلي به جسده بحيث يصدق أنه صلي فيه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 131

(مسألة 416): من صلي مع النجاسة جهلا بوجودها و لم يعلم إلا بعد الفراغ صحت صلاته، و لا إعادة عليه. إلا

في دم الحيض فالأحوط وجوبا الإعادة.

(مسألة 417): من علم بوجود سبب النجاسة و صلي فيها للجهل بسببيته للنجاسة صحت صلاته، كما لو علم بإصابة البول لثوبه فغسله مرة واحدة، و صلي فيه لاعتقاده- خطأ- بكفاية الغسلة الواحدة في التطهير من البول.

(مسألة 418): من علم بالنجاسة و صلي فيها للجهل بمانعيّتها من الصلاة صحت صلاته.

(مسألة 419): من علم بالنجاسة ثم نسيها و صلي كان عليه إعادة الصلاة إذا ذكر في الوقت، بل الأحوط وجوبا القضاء، لو ذكر بعد خروج الوقت.

(مسألة 420): إذا دخل في الصلاة مع النجاسة جهلا بوجودها ثم علم بها في أثناء الصلاة بطلت صلاته، و عليه استئنافها بعد التطهير.

(مسألة 421): إذا دخل في الصلاة مع الطهارة و أصيب بالنجاسة في أثناء الصلاة فإن لم يعلم بها إلا بعد الفراغ صحت صلاته، و إن علم بها في الأثناء فإن تيسر له التخلص من النجاسة- بالتطهير منها أو نزع الثوب النجس- من دون أن يقع فيما ينافي الصلاة- كالانحراف عن القبلة و الكلام- فعل ذلك و صحت صلاته، و إلا تخلّص من النجاسة و استأنف الصلاة. هذا مع سعة الوقت، و أما مع ضيق الوقت عن التخلص من النجاسة فاللازم إتمام الصلاة بالنجاسة و الاجتزاء بها.

(مسألة 422): إذا رأي النجاسة في أثناء الصلاة و شك في أنها قد أصابته قبل الدخول فيها أو بعده بني علي الثاني، و جري عليه الحكم المتقدم في المسألة السابقة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 132

(مسألة 423): إذا علم بنجاسة ثوبه أو بدنه فطهّره هو أو غيره و صلي و ظهر له بعد الفراغ من الصلاة عدم صحة التطهير صحت صلاته و لم تجب عليه الإعادة. نعم لو اعتمد

علي تطهير غيره فيما يحتاج إزالته إلي كلفة كالمني و نحوه من دون فحص عن حاله و ظهر بعد الصلاة عدم صحة تطهيره، فالأحوط وجوبا الإعادة.

(مسألة 424): لو علم بالنجاسة و اعتقد بأنها قد طهرت فصلي، ثم ظهر له خطأ اعتقاده و عدم وقوع التطهير أصلا صحت صلاته، و ليس الحال فيه كالمسألة السابقة.

(مسألة 425): لو علم بنجاسة ثوبه فصلي فيه و هو يري أنه صلي في غيره صحت صلاته.

(مسألة 426): لو علم بنجاسة شي ء فنسي و لاقاه برطوبة فتنجس بدنه أو ثوبه و هو لا يعلم فصلي، و بعد الفراغ ذكر أن الذي لاقاه كان نجسا صحت صلاته.

(مسألة 427): من لم يجد إلا ثوبا نجسا فإن اضطر الي لبسه لبرد أو نحوه صلي فيه، و أجزأته صلاته. و أما مع إمكان نزعه و الصلاة عاريا فالأحوط وجوبا الجمع بين الصلاة فيه و الصلاة عاريا بالكيفية الآتية في الكلام في تعذر الساتر الشرعي من مبحث لباس المصلي.

(مسألة 428): إذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما وجب عليه الصلاة في كل منهما بتكرار الصلاة، و مع تعذّر الجمع في الوقت يأتي بالأخري في خارجه.

(مسألة 429): إذا كان بدنه وثوبه نجسا و تعذّر تطهيرهما معا رجح تطهير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 133

البدن، و جري عليه في الصلاة بالثوب ما تقدم في المسألة (427).

(مسألة 430): لا يجب علي المكلف إعلام غيره بنجاسة بدنه أو ثوبه ليطهّرهما في الصلاة بل يجوز له إيهامه في ذلك من دون كذب، إلا مع استئمانه له علي ذلك، كما لو أوكل إليه أمر التطهير، أو طلب منه أن يختار له ثوبا للصلاة، فإن الأحوط وجوبا له حينئذ إعلامه بالحال و عدم

الخروج عن مقتضي الاستئمان.

(مسألة 431): يحرم أكل النجس و المتنجس و شربهما، و يجوز الانتفاع بهما في ما لا يشترط فيه الطهارة، كاللبس و الفرش و التسميد بالعذرة و الدم و نحو ذلك.

(مسألة 432): يحرم سقي الأطفال و المجانين المسكر. و أما سقيهم أو إطعامهم بقية الأعيان النجسة أو المتنجسة فلا يحرم، إلا إذا كان منافيا لمصلحته الدينية أو الدنيوية أو بغير إذن الولي.

(مسألة 433): يحرم تنجيس المسجد و إن لم يوجب هتكه من دون فرق بين ظاهر أرضه و باطنها و سقفه و سطحه و حيطانه و غيرها. نعم إذا كان تنجيسه لمصلحته- كما لو توقف عليه تعميره- جاز بنظر الولي الخاص أو العام.

كما أن الظاهر جواز تنجيس حائط المسجد من الخارج بالنحو المتعارف في ظاهر الأبنية التي جرت السيرة علي التصرف فيها بالمسّ و نحوه من دون استئذان المالك أو نحوه. نعم إذا كان تنجيس حائط المسجد من الخارج هتكا له حرم.

(مسألة 434): تجب إزالة النجاسة عن المسجد إذا كان هتكا له. بل مطلقا علي الأحوط وجوبا. نعم لا تجب إزالتها عن باطن أرضه لو أمكن من دون

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 134

تخريب. بل لا يجوز إزالتها عن باطن أرضه و غيره من أجزائه لو توقفت علي تخريبه بالنحو المضرّ به، إلا مع وجود الباذل لعمارته بعد التخريب أو أهمية المفسدة المترتبة علي النجاسة حسب تشخيص الولي الخاص أو العام.

(مسألة 435): وجوب الإزالة فوري يقتضي المسارعة، إلا مع لزوم الضرر أو الحرج أو المزاحمة بتكليف أهم.

(مسألة 436): وجوب الإزالة كفائي يعم جميع المكلفين و لا يختص بمن نجّسه أو بوليّه أو غيرهما.

(مسألة 437): يحرم تنجيس فراش المسجد. و يجب تطهيره بعد

التنجيس إذا استلزم بقاء النجاسة هتك المسجد.

(مسألة 438): بقية آلات المسجد و ما يوقف له إن ابتني وقفه علي التعرض للنجاسة- كالخشب المعدّ لوضع الأحذية- لم يحرم تنجيسه، و إلا حرم تنجيسه.

و أما تطهيره بعد التنجيس فيجري فيه ما تقدم في الفراش.

(مسألة 439): المشاهد المشرفة كالمساجد في حرمة التنجيس. كما يجب تطهيرها إذا كان بقاء النجاسة هتكا لها. و كذا الحال في جميع الموقوفات للجهات المقدسة، إذا لم يبتن وقفها علي الإذن في تنجيسها.

(مسألة 440): لا يجوز تنجيس المسجد الخراب و إن صار أرضا خالية.

و يجب تطهيره بعد التنجيس إذا لزم الهتك من بقاء النجاسة.

(مسألة 441): يحرم تنجيس المصحف الشريف إذا كان هتكا له، و يجب تطهيره حينئذ. و كذا الحال في كل ما يكتسب قدسية بنسبته لجهة مقدسة، كتربة الحسين عليه السّلام و كسوة الكعبة و غيرهما.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 135

الفصل الرابع في ما يعفي عنه في الصلاة من النجاسة

تجوز الصلاة في النجاسة في موارد:

الأول: دم الجروح و القروح في البدن و اللباس، حتي تبرأ. نعم إذا لم يكن الجرح أو القرح مبنيا علي استمرار النجاسة، بل يمكن تطهيره و يبقي طاهرا من دون أن يبرأ فالظاهر عدم العفو عن نجاسته.

(مسألة 442): يختص العفو بما إذا كانت سراية النجاسة مستندة لطبيعة الجرح أو القرح بمقتضي المتعارف. أما لو استندت لأمر خارج عن ذلك فلا عفو، كما لو مسّ الجرح بيده فتنجست، فإنه لا يعفي عن نجاستها.

(مسألة 443): كما يعفي عن الدم في الجروح و القروح يعفي عن القيح الخارج من الجرح أو القرح و الدواء الموضوع عليهما و العرق المتنجس بهما.

نعم يشكل العفو عن الأشياء الخارجية الملاقية للجرح أو القرح، كما لو وقع عليه ماء جري منه للموضع الطاهر.

(مسألة

444): الظاهر عدم العفو عن دم الجروح و القروح الباطنية، كدم الرعاف و قروح المعاء الذي قد ينزل من الأسافل و دم البواسير. بل يشكل العفو عن دم البواسير الظاهرة، و الأحوط وجوبا التطهير منه.

(مسألة 445): إذا كانت الجروح أو القروح متقاربة بحيث لا يجدي عرفا التطهير من بعضها في تخفيف النجاسة لتعرّض ما ينجس بسببه للنجاسة بسبب الآخر لم يجب التطهير منه عند برئه، و إن كان يوجب تخفيف النجاسة دقة، بل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 136

ينتظر بالتطهير برء الجميع.

و إن كانت متباعدة فإذا برئ بعضها وجب التطهير منه، و إن لم يبرأ الباقي.

(مسألة 446): إذا شك في دم أنه من دم الجروح أو القروح أو من غيره من أقسام الدم النجس وجب التطهير منه.

الثاني: الدم دون الدرهم في اللباس، و أما في البدن فالأحوط وجوبا عدم العفو عنه.

(مسألة 447): لا عفو عن دم الحيض و إن كان قليلا. و كذا النفاس علي الأحوط وجوبا. و أما دم الاستحاضة فالظاهر أنه كسائر الدماء يعفي عنه إذا كان دون الدرهم، و إن كان الأحوط استحبابا الاجتناب عنه.

(مسألة 448): لا يعفي عن دم ما لا يؤكل لحمه غير الإنسان و إن كان أقلّ من درهم. و الأحوط وجوبا عدم العفو عن دم الميتة و دم نجس العين أيضا.

(مسألة 449): العفو المتقدم إنما هو عن الدم الخالص دون المخلوط بغيره من طاهر أو نجس، دون المتنجس به، فلا تصح الصلاة في جميع ذلك، و إن كان أقل من الدرهم.

(مسألة 450): إذا تفشّي الدم من أحد الجانبين إلي الآخر فهو دم واحد و كذا إذا وقع الدم في الجانبين من مكان واحد إذا اتصلا حتي صارا

دما واحدا.

و إن لم يتصلا فهما دمان فيلزم ملاحظة سعة مجموعهما. و علي ذلك يجري الدم في الثوب ذي الطبقات- كالظهارة و البطانة- فإنه إن اتصل الدم في الطبقات لتلاصقها كان دما واحدا، و إن لم يتصل كان دمين.

(مسألة 451): إذا شك في أن الدم الموجود في الثوب من المستثنيات أو من غيره- كدم الحيض- بني علي العفو عنه. و إذا شك في أنه بقدر الدرهم أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 137

دون ذلك بني علي عدم العفو عنه.

(مسألة 452): الظاهر أن المدار في التقدير علي الدرهم الشائع استعماله في عصر الصادقين عليهم السّلام، و الأحوط وجوبا الاقتصار فيه علي ما يكون قطرة سنتمترين و ثلاثة ملمترات.

الثالث: ما لا تتم به الصلاة وحده، لعدم إمكان ستر عورة الرجل به.

كالخف و الجورب و المنديل الصغير و التكة و القلنسوة و الخاتم و غيرها. فإنه لا بأس بالصلاة في جميع ذلك و إن أصابته النجاسة.

(مسألة 453): الأحوط وجوبا عدم العفو عن نجاسة المحمول غير الملبوس إذا كان مما تتم به الصلاة كالثوب يحمل في الصلاة من دون لبس.

(مسألة 454): لا يعفي عن الملبوس المتخذ من نجس العين أو الميتة و إن كان مما لا تتم به الصلاة، و كذا لا يعفي عن الميتة التابعة للملبوس كالسيف الذي يكون قرابة من جلد الميتة، بل الأحوط وجوبا عدم العفو عن النجس و الميتة المحمولين من دون لبس كالمحفظة المتخذة من جلد الميتة. و أولي بذلك ما إذا كان غير مأكول اللحم، إذا كان طاهرا، كالمحفظة المتخذة من شعر الأرنب فضلا عمّا إذا كان نجسا كالذي يتخذ من شعر الكلب مثلا.

الرابع: ثوب الام المربية لطفلها، فإنّه معفو عنه بشروط:

الأول:

أن تكون نجاسته ببوله، دون غيره مما يخرج منه، فضلا عن النجاسة الأجنبية عنه.

الثاني: أن لا يكون لها إلا ثوب واحد. و الأحوط وجوبا أن تكون بحيث يصعب عليها تحصيل غيره و إن لم يبلغ مرتبة الحرج.

الثالث: أن تغسله في اليوم مرة. و الأحوط وجوبا أن يكون غسله بحيث

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 138

تقدر علي حفظ طهارته لأكثر من صلاة مع عدم لزوم الحرج من ذلك. كما أن الأحوط وجوبا أن يكون غسله في النهار.

(مسألة 455): لا يلحق بالأم غيرها ممن يربي الطفل من النساء فضلا عن الرجال.

(مسألة 456): إذا كان عندها ثياب متعددة تحتاج إلي لبسها جميعا لبرد أو نحوه فهي بحكم الثوب الواحد.

(مسألة 457): لا يعفي عن نجاسة بدنها من بول ولدها، بل لا بد من تطهيره للصلاة.

الخامس: جميع موارد الاضطرار للصلاة مع النجاسة أو لزوم الحرج من تجنبها. و قد تقدم حكم الانحصار بالثوب النجس في المسألة (427) من الفصل السابق.

الفصل الخامس في التطهير من النجاسات

و هو يختلف باختلاف المطهرات، و هي أمور.

الأول: الماء المطلق الطاهر، و هو مطهر لكل متنجس يصل إليه و يستولي عليه. بل تقدم في المسألة (11) من الفصل الأول من أحكام المياه أنه يطهر الماء المطلق النجس.

و أما الماء المضاف و سائر المائعات فلا تطهر به إلا أن تستهلك فيه لغلبته عليها بكثرته بحيث تنعدم فيه عرفا. و لا بد في طهارتها حينئذ من طهارة الماء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 139

حين استهلاكها فيه لاعتصامه بالكرية أو بالمادة أو بالمطر. إذا عرفت هذا فالكلام في مقامين:

المقام الأول: في شروط مطهريّة الماء للمتنجس باستيلائه عليه.

(مسألة 458): لا بد في تطهير الجسم بالماء من زوال عين النجاسة عرفا، و لا

يضر بقاء الأثر من اللون أو الرائحة. كما أنه لو كان متنجسا بالمتنجس- كاللبن أو التراب المتنجس- فلا بد من زوال عينه أيضا، إلا أن يطهر بغسله بالماء مع ما تنجس به، كالثوب الطاهر ينجس بملاقاة الثوب المتنجس فيطهران بغسلهما معا بالماء.

(مسألة 459): بعض ما ينفذ فيه النجاسة كالثياب و الفراش يحتاج زوال عين النجاسة فيها إلي عناية و لا يكفي فيه مجرد وصول الماء بصب أو غمس، بل لا بد من فركه أو نحوه مما يحقق الغسل عرفا.

(مسألة 460): الدسومة إذا لم تبلغ مرتبة الجرم المانع من وصول الماء للمحل النجس لا تمنع من التطهير.

(مسألة 461): يشترط في التطهير بالقليل انفصال ماء الغسالة علي النحو المتعارف، فإذا كان المتنجس صلبا لا ينفذ الماء فيه و لم تدخل النجاسة في أعماقه كفي صب الماء عليه و انفصاله عنه، و إذا كان مما ينفذ الماء فيه كالفراش و الثياب و الاسفنج فلا بد من إخراج ماء الغسالة منه بعصر أو غمز أو نفض أو نحوها، و يكفي توالي الصبّ عليه حتي يخرج ماء الغسالة منه و يخلفه غيره.

و إذا لم ينفصل و تجمّع في موضع بقي ذلك الموضع نجسا بل الأحوط وجوبا المبادرة بانفصاله علي النحو المتعارف في غسل القذارات العرفية و عدم بقائه مدة أطول من ذلك. نعم لا يضر تخلف قليل من ماء الغسالة في الجسم المغسول

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 140

بالنحو المتعارف في الغسل بالماء. و أما مع الغسل بالمعتصم- كرّا كان أو غيره- فلا يعتبر شي ء من ذلك.

(مسألة 462): لا يضر تعدي ماء الغسالة من الموضع النجس بسبب تطهيره للموضع الطاهر المتصل به، فلو كان موضع من ذراعه نجسا فصبّ

عليه الماء فجري منه علي كفه و وقع علي الأرض لم تنجس كفّه. و إذا لم ينفصل عن كفّه في المثال لقلّة الماء لم تطهر الكف، بل تنجس بماء الغسالة. و كذا إذا لم يتصل الموضع الطاهر بالموضع النجس الذي وصل منه الماء له، كما إذا طهر وجهه فتقاطر ماء الغسالة علي بطنه فإنّ الظاهر نجاسة بطنه.

(مسألة 463): إذا كان المتنجس صلبا قد تنجست أعماقه و لا ينفذ فيه ماء التطهير، كالشمع الذائب إذا تنجس ثم جمد فلا يطهر إلا ظاهره الملاقي للماء و يبقي باطنه نجسا. و حينئذ إذا أزيل منه سطحه الظاهر و ظهر ما تحته فهو نجس.

و لو شك في إزالة ظاهره و تبدّل سطوحه حكم بنجاسته أيضا.

(مسألة 464): إذا كان للمتنجس صلابة تمنع من نفوذ الماء في باطنه بمجرد وصوله و إن أمكن نفوذه فيه ببطء فله صورتان:

الاولي: أن يكون باطنه متنجسا قبل تصلبه، كالصابون المصنوع من الدهن المتنجس و الجبن المصنوع من الحليب المتنجس و الوحل المتنجس إذا انجمد حتي صار طينا، و الظاهر أنه لا يظهر لا بالماء القليل و لا بالماء المعتصم مهما طال اتصاله به إذا بقي علي تماسكه، إذ لا ينفذ في باطنه حينئذ إلا رطوبة لا يصدق عليها الماء أو بلل كثير يمتزج بأجزائه بنحو لا يصدق عليه أنه ماء مطلق.

نعم يمكن تطهير مثل الطين المتجمد إذا ذاب في الماء المعتصم و استهلك فيه من دون أن يخرجه عن الإطلاق، فإنه يكون طاهرا إذا تجمّع بعد ذلك و رسب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 141

في الماء.

الثانية: أن يتنجس ظاهره بعد تصلبه فإن لم تنفذ الرطوبة النجسة لباطنه أمكن تطهيره بالماء سواء كان معتصما أم

لم يكن. و كذا إذا نفذت فيه رطوبة من النجاسة غير مسرية. أما إذا نفذت فيه رطوبة مسرية من النجاسة فالحكم فيه كما في الصورة الأولي.

(مسألة 465): اللحم الطري إذا طبخ بماء متنجس أمكن تطهيره بغسله في بالماء. و أما اللحم المجفف فإن علم بنفوذ الرطوبة المسرية لباطنه امتنع تطهيره بالماء، و إن لم يعلم بذلك، بل علم أو احتمل كون الرطوبة النافذة في باطنه غير مسرية أمكن تطهيره بغسله بالماء، و إن كان الأولي إطعامه للأطفال و نحوهم ممن لا تكليف عليه. و يجري هذا التفصيل في جميع ما يطبخ بالماء المتنجس.

(مسألة 466): لا بد في التطهير بالماء القليل من ورود الماء علي المتنجس.

نعم ما يتعارف في تطهيره غسله داخل الماء المجموع لا فرق بين ورود الماء عليه و وروده علي الماء، كالثوب يطهر بغسله في الطست الذي يجتمع فيه الماء.

(مسألة 467): إذا طهر الثوب المتنجس ثم وجد فيه شيئا من الطين أو دقيق الأشنان أو الصابون فإن كان ذلك الشي ء مما يطهر ظاهره بالغسل لأن له نحوا من الصلابة كالأشنان بني علي طهارة ظاهره كالثوب لغسله معه تبعا، و إلا تعيّن البناء علي نجاسته و نجاسة الموضع الذي هو فيه من الثوب و طهارة باقي الثوب.

المقام الثاني: في العدد اللازم في التطهير.

فاعلم أنه يكفي في تطهير المتنجس استيلاء الماء عليه- بالشروط المتقدمة- مرّة واحدة إلا في موارد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 142

المورد الأول: المتنجس بالبول ثوبا كان أو جسدا أو غيرهما فإنه لا يطهر بالماء القليل إلا مع الصب أو الغسل مرتين بأن يتخلل انقطاع الماء عنه و انفصال ماء الغسالة بينهما. و لا يكفي استمرار الغسل أو الصب فيه مرة

واحدة مدة طويلة تعادل المرتين في الزمن.

(مسألة 468): لا بد من زوال عين النجاسة بالمرة الاولي، و لا يكفي زوالها بهما معا.

(مسألة 469): سبق في المسألة الثانية أن الثياب و نحوها لا بد فيها من الغسل. و لكن يكفي في بول الصبي و الصبية اللذين لم يتغذيا بالطعام صب الماء. بل يكفي في بول الصبي صبة واحدة. و الأحوط وجوبا فيهما معا العصر بعد الصب.

(مسألة 470): يسقط التعدد في البول مع الغسل بالماء المعتصم كرا كان أو ذا مادة أو مطرا.

الثاني: الإناء فإنه إذا تنجس لا يطهر بالماء القليل إلا إذا غسل ثلاث مرات بجعل الماء فيه كل مرة بنحو يصل إلي موضع النجاسة ثم يفرغ منه. أما إذا طهر بالماء المعتصم- كرا كان أو غيره- فيكفي مرة واحدة.

(مسألة 471): يلحق بالإناء كل موضع لا يمرّ فيه الماء مرورا، و ينفصل عنه، بل يجتمع فيه و يقر في قعره كالحب، بل حتي مثل الحوض و الحفيرة.

(مسألة 472): إذا أمكن تطهير الإناء و نحوه من دون أن يتجمع فيه الماء أجزأ غسله مرة واحدة، كما إذا كان قليل التقعير، أو كان مثقوبا في أسفله بنحو ينزل الماء منه كالمغسلة التي في أسفلها ثقب لجريان الماء، و كذا إذا تنجس ظاهر الإناء و أريد تطهيره.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 143

(مسألة 473): يجب في تطهير الإناء الذي يشرب فيه الكلب أن يغسل أولا بالتراب، ثم بالماء مرّتين. من دون فرق بين شربه للماء و شربه لبقية المائعات.

(مسألة 474): الأحوط وجوبا في لطع الكلب للإناء و وقوع لعابه فيه الغسل مرّة بالتراب ثم ثلاث مرات بالماء. و أما ملاقاته للإناء بغير ذلك مما يوجب تنجيسه له فلا

يجب معها إلا الغسل ثلاث مرات بالماء وحده من دون تراب.

(مسألة 475): لا بد من طهارة التراب الذي يغسل به الإناء كالماء.

(مسألة 476): لا بد في الغسل بالتراب من أن يكون التراب ممزوجا بالماء بمقدار معتدّ به، بحيث يصدق أن الغسل بالتراب، نظير الغسل بالصابون و الأشنان و السدر و نحوها.

(مسألة 477): يجب في تطهير الإناء الذي يشرب منه الخنزير الغسل سبع مرات.

(مسألة 478): الأحوط وجوبا غسل الإناء الذي يتنجس بموت الجرذ- و هو الكبير من الفأر- فيه سبع مرات. بل يستحب فيه ذلك و إن لم يتنجس بموته فيه لعدم سريان الرطوبة للإناء مما تحله الحياة من جسده الميت.

(مسألة 479): يسقط التعدد في غسل الإناء بالماء المعتصم، كما سبق. لكن لا يسقط معه الغسل بالتراب إذا تنجس بشرب الكلب منه.

(مسألة 480): الإناء و نحوه إذا كان كبيرا أو مثبتا في موضعه- كالحوض- إذا طهر بالماء القليل و كان يصعب أو يتعذر تفريغه من ماء الغسالة رأسا يكفي تفريغه بالواسطة و لا يضر تقاطر ماء الغسالة فيه حال الإخراج كما لا يضر فيه نجاسة آلة التفريغ بسبب ماء الغسالة الذي يفرغ بها تدريجا، نعم الأحوط وجوبا تطهيرها لكل غسلة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 144

(مسألة 481): لا يعتبر التوالي بين الغسلات في كل ما يجب فيه التعدد، بل يكفي تحقق العدد المعتبر و لو مع الفصل بين الغسلات بزمان طويل.

نعم تقدم في المسألة الرابعة أن الأحوط وجوبا المبادرة لإخراج ماء الغسالة في كل غسلة بمجرد تماميتها، و عدم تركه مدة طويلة مع المتنجس المغسول به.

الثاني من المطهرات: الأرض. و هي تطهر باطن القدم و ما يتوقّي به كالنعل و الخف و الحذاء و غيرها

بالمشي عليها.

(مسألة 482): لا بد من طهارة الأرض و جفافها، بل يبوستها. و لو شك في طهارتها بني علي الطهارة، إلا أن يعلم بنجاستها سابقا و يشك في تطهيرها بعد ذلك. أما لو شك في جفاف الأرض و يبوستها فاللازم البناء علي عدم التطهير بالمشي عليها.

(مسألة 483): لا بد في تطهير باطن القدم من زوال عين النجاسة و لو قبل المشي. و لو شك في زوالها بني علي عدم التطهير و كذا لو شك في أصل علوق عين النجاسة بالقدم.

(مسألة 484): الظاهر عموم الأرض لكل ما يطلق عليه اسمها، حتي المطبوخ منها كالطابوق.

(مسألة 485): الظاهر اختصاص مطهرية الأرض بما إذا كان التنجس بسبب المشي علي الأرض لوجود عين النجاسة عليها أو لتنجسها، دون ما إذا لم يكن بسبب المشي علي الأرض فإن المشي علي الأرض حينئذ لا يكون مطهرا، و كذا إذا كان بسبب المشي علي الأرض إلا أنه لم يكن لنجاسة الأرض أو نجاسة ما عليها، بل كان لمثل جرح القدم حال المشي و تنجسها بالدم الخارج من الجرح.

(مسألة 486): الظاهر تحقّق التطهير لمثل الجورب إذا كان هو الواقي للقدم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 145

لكن لا يطهر بالمشي إلا وجهه المماس للأرض، دون الباطن المماس للرجل إذا نفذت له النجاسة أو رطوبتها بالمشي.

(مسألة 487): لا يكفي في تطهير القدم و النعل مسحهما من النجاسة بالأرض من دون المشي عليها.

(مسألة 488): الأحوط وجوبا عدم طهارة نعل الدابة بمجرد زوال النجاسة أو المتنجس عنه، بل لا بد مع ذلك من مشيها علي الأرض. بخلاف رجل الدابة فإنها تطهر بزوال عين النجاسة كسائر أجزاء جسمها، كما يأتي في المطهر التاسع.

الثالث: الشمس فإنها تطهّر الأرض و

كل ما لا ينقل من الأبنية و ما ثبت فيها، و كذا الأشجار و الزرع و النبات و الثمر و إن حان قطافه.

(مسألة 489): يشترط في التطهير بالشمس أمور:

الأول: رطوبة الموضع.

الثاني: جفافه بالشمس، بحيث يستند عرفا لإشراقها عليه، و لا يكفي استناده لحرارتها. نعم لا بأس بمشاركة الريح بالنحو المتعارف في التجفيف.

الثالث: زوال عين النجاسة إذا كان لها جرم ظاهر كالغائط و الدم. دون مثل البول مما لا جرم له بعد التجفيف و إن بقي أثره. نعم إذا تكثر و تكاثف ففي كفاية جفافه بالشمس من دون أن يخفف بالماء إشكال، و الأحوط وجوبا عدم طهارته.

(مسألة 490): إذا جف الموضع النجس بغير الشمس و أريد تطهيره بالشمس فلا بد من بلّه، و لو بالماء النجس، فيطهر بتجفيف الشمس له.

(مسألة 491): لا تطهر الشمس الحصر و البواري و كل ما ينقل. و في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 146

تطهيرها لمثل السفينة و السيارة و نحوهما من المنقولات التي لها نحو من السعة إشكال و الأحوط وجوبا العدم، نعم ما يكون من غير المنقول عرفا لوضعه علي الأرض و استقراره فيها كالبيوت الجاهزة ملحق بالأرض. و كذا ما يعدّ من أجزاء الأرض عرفا كأحجارها و صخورها و نحو ذلك، دون مثل الحجر الموضوع في غير موضعه.

الرابع: الاستحالة إلي جسم آخر، بحيث يعد المستحال إليه مباينا عرفا للمستحال منه و ناشئا منه، كاستحالة الطعام و الشراب النجسين اللذين يتناولهما الحيوان المأكول اللحم روثا و بولا له، و استحالة الخشب المتنجس رمادا و استحالة الماء بخارا و غير ذلك. نعم يشكل تحققها بصيرورة الخشب فحما فالأحوط وجوبا البناء علي نجاسته لو كان الخشب نجسا، بل لا إشكال في

عدم تحققها بمثل صيرورة الطين و الصخر و نحوها آجرا أو خزفا أو جصا أو نورة.

(مسألة 492): إذا استحال المتنجس بخارا ثم استحال البخار عرقا كان العرق طاهرا، و كذا إذا استحال عين النجس بخارا ثم استحال البخار عرقا، إلا أن يصدق علي العرق عنوان نجس كالخمر فينجس حينئذ.

الخامس: الانقلاب، فإنه مطهر للخمر إذا انقلبت خلا أو شيئا آخر لا يصدق عليه الخمر، سواء انقلبت بنفسها أم بعلاج و لو بوضع شي ء فيها كالملح و نحوه، سواء استهلك ذلك الغير في الخمر أم لم يستهلك.

(مسألة 493): لا بد في الانقلاب المطهر من تبدل حال ما كان متصفا بالخمرية بحيث ينسلخ عنه اسم الخمر مع بقاء عينه. و لا يكفي مزجه بغيره بحيث يستهلك الخمر فيه و لا يصدق علي المجموع عنوان الخمر أو لا يكون مسكرا بسبب التخفيف و المزج.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 147

(مسألة 494): لا بد في طهارة الخمر بالانقلاب من عدم وصول نجاسة خارجية من غير جهة الخمر إليها قبل الانقلاب فلو وضعت الخمر في إناء متنجس بغير الخمر ثم انقلب خلّا لم تطهر، و كذا لو لاقت نجاسة أخري غير الخمر. و كذا لو تنجّس الخل بغير الخمر ثم انقلب خمرا، ثم انقلبت الخمر خلا فإنه لا يطهر.

السادس: الانتقال، فإنه مطهّر للمنتقل منه، كانتقال دم نجس العين إلي البق و البرغوث و القمل و نحوها، فإنه مطهّر له. و أما انتقال دم طاهر العين لها فهو غير مطهّر له، لأنّه لم يكن نجسا عند ما كان في باطن الحيوان حتّي يطهر بالانتقال.

(مسألة 495): إذا امتص العلق الدم من الإنسان أو نحوه مما هو طاهر العين ثم انفجر يشكل الحكم

بطهارة الدم المذكور و الأحوط وجوبا إجراء حكم النجس عليه. و أما إذا امتص دم نجس العين ثم انفجر فلا إشكال في نجاسته.

و كذا ما يمتصه الحيوان الكاسر من الدم النجس أو يشربه، ما دام في جوفه قبل أن يتحلل و يستحيل و يصير جزء منه، فلو قاءه وجب الاجتناب عنه.

السابع: الإسلام فإنه مطهّر للكافر النجس، حتي المرتد عن فطرة. و تطهر فضلاته المتصلة به معه.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 1، ص: 147

(مسألة 496): يكفي في الإسلام الإقرار ظاهرا بالتوحيد و الرسالة من دون إعلان بعدم الاعتقاد بمضمونهما أو بلوازمه من الضروريات التي يلزم من الإقرار به الإقرار بها. و الظاهر قبول الإقرار من الشخص بالنحو المذكور و إن علم بعدم الاعتقاد بأحد الأمرين إذا كتم ذلك.

(مسألة 497): الظاهر قبول إسلام الصبي المميز الذي يحسن وصف الإسلام.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 148

الثامن: التبعية فإنها مطهرة في موارد:

منها: ما إذا أسلم الكافر، فإن إسلامه كما يطهّره يطهّر ولده الصغار الذين لم يعلنوا الإسلام و لا الكفر. و كذا الحال في غير الأب ممن يعيش الطفل معه و في كنفه كأقاربه و أسره إذا انقطع عن أبيه انقطاعا تاما لموت الأب، أو لنهبه من أبيه أو نحو ذلك.

و منها: تبعية أواني الخمر له إذا انقلبت و خرجت عن الخمرية فإنها تطهر معه، و كذا الآلات المستعملة في عملية الانقلاب المذكور و المصاحبة له كغطاء الأواني المذكورة. و كذا ما يتعارف جعله فيها من الأجسام الطاهرة بالأصل سواء وضعت قبل صيرورته خمرا- كالتمر الذي يجعل

في الماء للتخليل حتي يصير الماء خمرا ثم يصير خلا- أم بعد صيرورته خمرا، كالملح الذي يجعل في الخمر من أجل أن ينقلب خلا.

و منها: تبعية الإناء الذي يغسل فيه الثوب و نحوه له، فإنه و إن كان ينجس بملاقاة النجس الذي يغسل فيه و بملاقاة ماء الغسالة إلا أنه لا يحتاج إلي تطهير مستقل بعد تطهير ما يغسل فيه، بل يكفي غسله تبعا لما يغسل فيه و يطهر معه بعد تفريغه من ماء الغسالة من دون حاجة إلي تثليث.

و منها: طهارة يد الغاسل للميت و ثوب الميت إذا غسل فيه و آلات تغسيله فإنها تطهر بتمامية تغسيل الميت تبعا لطهارته. و بعضها و إن كان يغسل مع الميت فيطهر بذلك لا بالتبعية، إلا أنه قد لا تتم فيه شروط التطهير، كالعصر لثوب الميت.

التاسع: زوال عين النجاسة أو المتنجس عن بواطن الإنسان و تمام جسد غيره من الحيوانات لو قيل بأنها تنجس بملاقاة النجس و المتنجس. و أما لو قلنا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 149

بأنها لا تنجس فلا يحتاج إلي زوال عين النجاسة أو المتنجس من أجل تطهيرها، بل من أجل اجتناب ملاقاتهما و هما عليها.

(مسألة 498): إذا علم بملاقاة باطن الإنسان أو جسد غيره من الحيوانات للنجاسة، ثم احتمل زوال عينها عنها، فإذا لاقاها جسم طاهر برطوبة لم يحكم بنجاسته، بل يبقي علي طهارته.

(مسألة 499): الملاقاة في الباطن لا توجب النجاسة، علي تفصيل تقدم في المسألة (412) من فصل كيفية سراية النجاسة.

العاشر: استبراء الحيوان الجلال، فإنه مطهّر لبوله و خرئه، و كذا لعرقه بناء علي أنه نجس. و كذلك استبراء الحيوان الذي يرتضع من لبن خنزيرة. و المراد بكونه مطهّرا لها أن

ما يتجدد منها بعد الاستبراء طاهر ابتداء، لا أنه يطهر بعد نجاسته.

(مسألة 500): يتحقق الاستبراء في الجلال بمنع الحيوان مدة طويلة عن أكل العذرة، بحيث يصدق عليه أنه ليس غذاؤه العذرة. و قد حدّد شرعا في الإبل بأربعين يوما، و في البقر بعشرين يوما، و الأحوط الأفضل ثلاثون، و أحوط منه أربعون. و في الشاة بعشرة أيام، و الأحوط الأفضل أربعة عشر يوما، و الأحوط وجوبا إلحاق الماعز بالشاة في ذلك. و في البطة بخمسة أيام، و الأحوط الأفضل سبعة أيام، و في الدجاجة بثلاثة أيام. و أما في ما عداها فالأحوط وجوبا ملاحظة أكثر الأمرين من صدق أنه ليس غذاؤه العذرة و من مضي مدة مناسبة لحجمه بالإضافة إلي ما سبق عده من الحيوانات. و أما الحيوان الذي يرتضع من لبن خنزيرة فإنه يحبس عنها و يعلف سبعة أيام أو يلقي علي ضرع شاة هذه المدة.

الحادي عشر: تغسيل الميت، فإنه مطهر له من نجاسته بالموت. لكنه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 150

يختص بالغسل التام، دون الناقص، للضرورة، و دون التيمم عند تعذر الغسل.

الثاني عشر: حجر الاستنجاء و نحوه مما يزيل الغائط عن موضع التخلّي، علي تفصيل تقدم في أحكام التخلّي.

(مسألة 501): إذا علم المكلف بتنجس الجسم و شك في تطهيره بني علي عدمه. إلا مع قيام الأمارة الشرعية علي تحققه، كالبينة، و إخبار ذي اليد.

(مسألة 502): لو علم بوقوع الغسل أو نحوه بعنوان التطهير و شك في صحته بني علي صحته.

(مسألة 503): إذا علم المكلف بتنجس بدن المسلم أو ثوبه أو إنائه أو نحو ذلك من متعلّقاته ثم غاب عنه بني علي طهارة ذلك المتنجس بشروط ثلاثة:

الأول: احتمال حصول التطهير لذلك المتنجس و

لو من دون قصد الثاني: أن يعلم المسلم بأن الشي ء الخاص الذي تحت يده قد تنجس.

الثالث: أن يتعامل مع ذلك الشي ء الذي كان متنجّسا تعامله مع الطاهر، إما باستعماله في ما يشترط فيه الطهارة شرعا كشربه أو تقديمه ليشرب، أو باستعماله في ما لا يستعمل فيه النجس عادة، كما لو غمس يده التي كانت نجسة في ماء طاهر معرّض لأن يشرب أو يتوضأ منه. نعم الأحوط وجوبا الاقتصار في ذلك علي المساورة لما يشك في تطهيره بالأكل و الشرب و الوضوء من الماء الذي يلاقيه و نحوها، دون بقية أحكام الطهارة، كلبس ثوبه الذي كان متنجسا في الصلاة و السجود علي ما كان متنجسا من الأرض و نحو ذلك مما لا يرجع للانفعال و المساورة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 151

خاتمة في الأواني

(مسألة 504): أواني الخمر قابلة للتطهير بغسلها ثلاثا مع الشروط المتقدمة في التطهير بالماء، و يجوز استعمالها بعد ذلك من دون فرق بين ما تنفذ فيه الرطوبة كإناء الخزف، و غيره كإناء الصّفر.

(مسألة 505): يحرم استعمال أواني الذهب و الفضة في الأكل و الشرب و غيرها من أنواع الاستعمال. و لا يحرم التزيين بها، و لا اقتناؤها للادخار فقط.

(مسألة 506): إذا انحصر الغرض من الإناء عادة بالاستعمال حرم صنعه من الذهب و الفضة، و أخذ الأجرة عليه، و كذا يحرم بيعه و شراؤه، و يحرم ثمنه إن كان لهيئته دخل في بيعه و شرائه. و أما إذا كان البيع و الشراء لمادته من دون دخل للهيئة فلا بأس به.

و أما إذا لم ينحصر الغرض من الإناء بالاستعمال بل كان صالحا له و للتزيين، أو متمحضا في التزيين فلا بأس بصنعه و بيعه و

شرائه و يحل ثمنه. أما بعد صنعه فلا بأس بالتزيين به و اقتنائه للادخار حتي في القسم الأول.

(مسألة 507): يجوز استعمال الإناء المفضض، و هو الذي فيه قطعة أو قطع من الفضة. نعم هو مكروه. بل الأحوط وجوبا عدم الشرب من موضع الفضة، كما أن الأحوط وجوبا إلحاق المذهّب بذلك.

(مسألة 508): لا إشكال في صدق الإناء علي ما يتعارف وضع المأكول

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 152

و المشروب فيه ليؤكل منه أو يشرب، و كذا ما يجعل فيه الماء ليتوضأ به أو يغتسل منه أو نحوهما، حتي مثل الأباريق علي الأحوط وجوبا، دون مثل الملاعق مما يعد من سنخ آلات الأكل و الشرب و نحوهما.

و كذا ما يتعارف خزن الشي ء فيه من دون أن يعد لأن يؤكل أو يشرب منه و كذا ما يتعارف وضع بعض الأمور المستعملة مما ليس من سنخ المأكول و المشروب و نحوهما، كظروف العطر و التبغ و غيرهما، و ما يصنع بيتا للقرآن الشريف و العوذة و نحوهما لحفظها أو التزيّن بها. بل يشكل صدقه علي مثل زجاجة المشروبات الغازية و إن أعدت لأن يشرب بها. فلا بأس باستعمال ما يصنع بهيئتها من الذهب و الفضة. و كل ما شك في صدق الإناء عليه جاز استعماله.

(مسألة 509): لا فرق في الحرمة بين أن يكون الذهب و الفضة خالصين و أن يكونا مغشوشين، إذا لم يكن الغش مانعا من صدق الذهب و الفضة علي المادة التي يصنع منها الإناء.

(مسألة 510): إذا شك في كون الإناء من الذهب أو الفضة جاز استعماله.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 153

كتاب الصّلاة

اشارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 155

كتاب

الصلاة و هي إحدي الدعائم التي بني عليها الإسلام بل هي أوّلها و أفضلها بعد الإيمان، و هي أصل الإسلام و عمود الدين و وجهه، و هي آخر وصية النبي صلّي اللّه عليه و آله و وصايا الأنبياء عليهم السّلام و أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، كما تضمن ذلك الأخبار عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة الأطهار عليهم السّلام. و في بعضها: أن من ترك صلاته متعمدا فقد برئت منه ملة الإسلام، و انّه ما بين الكفر و الإيمان إلا ترك الصلاة.

و هي الصلة بين العبد و ربه و المذكّرة له به، فينبغي الاهتمام بها و التعاهد لها و التوجه و الخشوع فيها و التأني في أدائها و إتمام ركوعها و سجودها و سائر أجزائها، فإنّها إن قبلت قبل ما سواها و إن ردّت ردّ ما سواها. و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة». و لا يسعنا استقصاء ما ورد في فضلها و يكفينا ما عن الإمام الباقر عليه السّلام «قال قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لو كان علي باب دار أحدكم نهر و اغتسل في كل يوم منه خمس مرات أ كان يبقي في جسده من الدرن شي ء؟ قلت: لا. قال: فإنّ الصلاة كمثل النهر الجاري كلما صلّي صلاة كفّرت ما بينهما من الذنوب». و ما عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:

«صلاة الفريضة خير من عشرين حجة، و حجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق منه حتّي يفني».

و يحزّ في النفس ما نراه اليوم من التسامح و التهاون من كثير من أهل هذه الأمّة في هذه الفريضة العظيمة و

الاستخفاف بها ف إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ، و نرجو أن يكون ما قدّمناه رادعا لهم عن ذلك و محفّزا للاهتمام بهذه الفريضة، فَإِنَّ الذِّكْريٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ. و منه سبحانه و تعالي نستمدّ العون و التوفيق، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 156

مقدمة

الصلاة الواجبة في هذا الزمان بالأصل خمس: الصلاة اليومية، و صلاة الجمعة، و صلاة الآيات، و صلاة الأموات، و صلاة الطواف.

و الباقي صلوات مستحبة، و إن كانت قد تجب بالعرض لنذر أو إجارة أو نحوهما.

أما صلاة الطواف فالكلام فيها موكول لكتاب الحج، و صلاة الأموات تقدم الكلام فيها عند الكلام في أحكام الأموات تبعا للكلام في تغسيل الميت من كتاب الطهارة، فلم يبق إلّا الصّلاة اليومية، و صلاة الجمعة، و صلاة الآيات، و الصلوات المستحبة. فيقع الكلام فيها ضمن مقاصد:

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 157

المقصد الأول في الصلاة اليومية

اشارة

و فيه مباحث

المبحث الأول في أعدادها

يجب في اليوم و الليلة خمس صلوات: الصبح و الظهر- و هي الصلاة الوسطي- و العصر و المغرب و العشاء.

أما الصبح فركعتان، و أما المغرب فثلاث ركعات، و أما الباقي فأربع ركعات.

(مسألة 1): تقصر الرباعية- و هي الظهر و العصر و العشاء- فتكون ركعتين في السفر و الخوف. علي ما يأتي تفصيله في محله إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 2): يتخيّر المكلف في الحضر في عصر الغيبة و عدم بسط يد الإمام عليه السّلام بين إقامة الظهر في يوم الجمعة أربع ركعات و إقامة الجمعة بشروطها المقررة.

(مسألة 3): الصلوات المستحبة و إن كانت كثيرة و يأتي الكلام في بعضها إن شاء اللّه تعالي إلا أن المناسب هنا التعرّض للنوافل الرواتب التي هي ملحقة بالصلاة اليومية، و هي ثماني ركعات للظهر قبلها، و ثمان للعصر بينها و بين الظهر، و أربع للمغرب بعدها، و ركعتان من جلوس تعدّان بركعة للعشاء بعدها، و تسمي الوتيرة. و ثماني ركعات صلاة الليل، و ركعتا الشفع بعدها، و ركعة الوتر بعدها. و ركعتان نافلة الفجر قبل الفريضة، و في يوم الجمعة يزاد في نافلة النهار

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 158

قبل الزوال أربع ركعات أو ست ركعات و هو الأفضل.

(مسألة 4): النوافل المذكورة ركعتان ركعتان، لكل ركعتين تشهّد و تسليم، عدا ركعة الوتر، فإنّها ركعة واحدة بتشهّد و تسليم، و تفصل عن الشفع بتشهّد و تسليم. و أما بقية الصلوات المستحبة فهي ركعتان ركعتان بتشهّد و تسليم، إلا ما استثني فينبّه عليه عند التعرّض له.

(مسألة 5): الوتيرة و إن كانت مشروعة في الأصل ركعتين من جلوس إلا أنّه يشرع الإتيان بها من قيام، بل هو أفضل.

(مسألة 6):

يجوز الاقتصار علي بعض النوافل المذكورة، كما يجوز الاقتصار في نافلة العصر علي أربع ركعات، و في نافلة المغرب علي ركعتين، و في صلاة الليل علي الشفع و الوتر، و علي الوتر خاصة.

(مسألة 7): تسقط نافلة الظهرين في السفر عند قصر الفريضة. و الظاهر عدم سقوط الوتيرة، و هي الركعتان بعد العشاء.

(مسألة 8): يجوز الإتيان بالنوافل الرواتب و غيرها حال الجلوس اختيارا.

لكن يستحب عدّ كل ركعتين بركعة، و عليه فيكرّر الوتر مرّتين. كما يجوز الإتيان بها حال المشي و الركوب و يومئ في الحالين للركوع و السجود. و الأحوط وجوبا أن يكون الإيماء للسجود أخفض.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 159

المبحث الثاني في أوقات الفرائض اليومية و نوافلها

وقت الظهرين من الزوال إلي المغرب. إلا أنه يجب تقديم الظهر علي العصر و وقت المغرب و العشاء للمختار من المغرب إلي نصف الليل، إلا أنه يجب تقديم المغرب علي العشاء. و أما المضطر- لنوم أو نسيان أو حيض أو غيرها- فيجب عليه الإتيان بالمغرب و العشاء قبل الفجر. لكن ينوي بهما حينئذ الأمر الفعلي المردد بين الأداء و القضاء. بل ذلك هو الأحوط وجوبا في حق العامد في تأخيرهما عن نصف الليل، فإنّه و إن كان آثما بالتأخير إلا أنه يبادر إليهما قبل الفجر بنيّة الأمر الفعلي المردّد بين الأداء و القضاء. و وقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الصادق إلي طلوع الشمس.

(مسألة 9): الفجر الصادق هو البياض المعترض في جانب المشرق الذي يتزايد وضوحا و جلاء حتّي تطلع الحمرة ثم الشمس. و قبله الفجر الكاذب، و هو البياض المستطيل في الأفق صاعدا إلي السماء كالعمود، و هو يتناقص و يضعف حتّي ينمحي.

(مسألة 10): الزوال منتصف ما بين طلوع الشمس و غروبها،

الذي تميل فيه الشمس إلي جانب المغرب بعد منتهي ارتفاعها. و يعرف بزيادة ظلّ شاخص معتدل بعد نقصانه، أو بحدوث ظله بعد انعدامه.

(مسألة 11): نصف الليل منتصف ما بين غروب الشمس و طلوع الفجر الصادق.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 160

(مسألة 12): المغرب عبارة عن غروب الشمس و سقوط قرصها و غيابه في الأفق. و مع الشك فيه لا بدّ من اليقين به. و يكفي في معرفته ذهاب الحمرة المشرقية، و هي الحمرة التي تظهر في جانب المشرق عند مغيب الشمس. بل يكفي تغير الحمرة و ذهاب الصفرة. و أما مع اليقين به فلا يجب الانتظار، بل يستحب الانتظار قليلا بما يقارب ذهاب الحمرة.

(مسألة 13): يجوز الجمع بين الظهر و العصر في وقتهما المتقدم و بين المغرب و العشاء في وقتهما المتقدم في السفر و الحضر، من غير مطر و لا ضرر، تأسيا بالنبي صلّي اللّه عليه و آله علي ما رواه الفريقان شيعة أهل البيت عليهم السّلام و غيرهم. نعم الأفضل الإتيان بكل منهما في وقت فضيلته علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 14): من قدّم العصر علي الظهر عامدا بطلت صلاته، و لو قدّمها ناسيا فإن ذكر في الأثناء عدل بنيّته إلي الظهر و أتمّها ظهرا ثم جاء بالعصر، و إن ذكر بعد الفراغ فالأحوط وجوبا أن يجعل ما أتي به ظهرا، ثم يأتي بأربع ركعات بنيّة ما في الذمة مردّدة بين الظهر و العصر. و لا فرق في ذلك بين الإتيان بالعصر عند الزوال و الإتيان بها بعده بمقدار أداء الظهر. و إن كان الأحوط استحبابا في الصورة الاولي عدم الاعتداد بها، و الإتيان بالفريضتين معا برجاء المطلوبية.

(مسألة 15): من

قدّم العشاء علي المغرب عمدا بطلت صلاته، و من قدمها سهوا فإن ذكر في الأثناء قبل القيام للرابعة عدل بنيّته إلي المغرب و أتمّها ثم جاء بالعشاء، و إن ذكر بعد القيام للرابعة بطلت. و إن ذكر بعد الفراغ صحت، و وجب عليه الإتيان بالمغرب لا غير.

(مسألة 16): لا يجوز العدول من السابقة إلي اللاحقة، فإذا صلّي الظهر مثلا، و في الأثناء التفت إلي أنه كان قد صلّاها ليس له العدول إلي العصر، بل تبطل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 161

تلك الصلاة و يجب عليه استئناف العصر. و كذا المغرب و العشاء. نعم تقدم في المسألتين السابقتين جواز العدول من اللاحقة إلي السابقة.

(مسألة 17): من أخر صلاة الظهرين حتّي خاف مغيب الشمس قبل الإتيان بهما معا قدم العصر، ثم إن علم أو احتمل بقاء شي ء من الوقت و لو بمقدار ركعة وجبت المبادرة إلي الظهر بنيّة الأمر بها من دون تعيين الأداء و لا القضاء، و إن علم بخروج الوقت لم تجب المبادرة للظهر. و كذا الحال لو أخر صلاة المغرب و العشاء حتّي خاف فوت الوقت لو صلّاهما معا.

(مسألة 18): وقت فضيلة فريضة الظهر من الزوال إلي بلوغ ظل الإنسان قدمين (سبعي الشاخص تقريبا). و كلما عجّل بها كان أفضل ما لم يشتغل بالنافلة، فإذا لم يكمل النافلة حتّي يبلغ الظل سبعي الشاخص تركها و بادر لفريضة الظهر. و إذا لم يصلّ الظهر حتّي بلغ مثل الشاخص بادر إليها و كره له تأخيرها.

(مسألة 19): وقت فضيلة فريضة العصر من بلوغ ظل الإنسان قدمين (سبعي الشاخص تقريبا) إلي بلوغه أربعة أقدام (أربعة أسباع الشاخص تقريبا). و كلّما عجّل بها في ضمن الوقت المذكور كان

أفضل ما لم يشتغل بالنافلة، فإذا لم يكمل النافلة حتّي بلغ الظل أربعة أقدام (أربعة أسباع الشاخص تقريبا) تركها و بادر لفريضة العصر. و إذا لم يصلّ العصر حتّي بلغ الظل مثلي الشاخص بادر لها و كره له تأخيرها. و الحكم في هذه المسألة و ما قبلها غير خال عن الإشكال، و كذا الحال في كثير من أوقات الفضيلة للفرائض و أوقات النوافل فالأولي العمل علي ذلك برجاء المطلوبية مراعاة للاحتمالات البعيدة. و يهون الأمر أنّه علي الاستحباب.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 162

(مسألة 20): وقت فضيلة فريضة المغرب من المغرب- بالمعني المتقدم في المسألة (12)- إلي ذهاب الشفق و هو الحمرة المغربية، و يمتدّ في السفر إلي ثلث الليل. و كلّما عجّل بها في ضمن الوقت المذكور كان أفضل.

(مسألة 21): وقت فضيلة فريضة العشاء من ذهاب الشفق إلي ثلث الليل، و كلّما عجل بها في ضمن الوقت المذكور كان أفضل.

(مسألة 22): وقت فضيلة فريضة الصبح من الفجر إلي أن يجلّل الصبح السماء، بحيث يطبق ضياؤه علي جوانبها. و الغلس بها في أول الفجر أفضل.

و قد ورد أن من صلاها مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين فتثبتها ملائكة الليل و تثبتها ملائكة النهار.

(مسألة 23): من المستحبات المؤكدة التعجيل بالصلاة في أول وقتها. و قد ورد في بعض الأخبار أن من تعاهدها في أوقاتها الفضيلية المتقدمة لم يعد من الغافلين و أن ملك الموت يلقنه شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و ينحّي عنه إبليس. و قد ورد في النصوص الكثيرة النهي عن تأخيرها عمدا عن أوقات الفضيلة، و يظهر من النصوص أنه هو المراد

بتضييع الصلاة و الاستخفاف بها الذي سبق الردع عنه. و عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال: «إن الصلاة إذا ارتفعت في أول وقتها رجعت إلي صاحبها و هي بيضاء مشرقة تقول:

حفظتني حفظك اللّه، و إذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلي صاحبها و هي سوداء مظلمة تقول: ضيّعتني ضيّعك اللّه». فالأمل بالمؤمنين الاهتمام بذلك و الالتزام به حتّي يتعوّدوا عليه فيخفّ عليهم.

(مسألة 24): وقت نافلة الظهر من الزوال إلي أن يبلغ الظل الحادث قدمين (سبعي الشاخص تقريبا). و وقت نافلة العصر من أول وقتها إلي أن يبلغ الظل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 163

أربعة أقدام (أربعة أسباع الشاخص تقريبا).

(مسألة 25): وقت نافلة المغرب بعد الفراغ منها إلي نصف الليل، غايته أنه بعد ذهاب الحمرة المغربية يستحب تقديم فريضة العشاء عليها. و أما نافلة العشاء فالأولي الإتيان بها قبل نصف الليل، و إن أخّرها بعده أتي بها بنيّة الأمر المردد بين الأداء و القضاء.

(مسألة 26): وقت نافلة الليل من منتصف الليل إلي الفجر الصادق، و أفضله قرب الفجر، و ربما يكون الأفضل من ذلك التفريق، بأن يصلي عند نصف الليل أربع ركعات، ثم يفصل مدة- بنوم أو غيره- ثم يصلي أربع ركعات، ثم يصلي الشفع و الوتر قرب الفجر.

(مسألة 27): وقت نافلة الفجر السدس الأخير من الليل، فإذا طلعت الحمرة المشرقية بعد الفجر و لم يصلّهما كان الأولي تأخيرهما عن فريضة الفجر و يجوز دسّهما في صلاة الليل قبل ذلك، لكن إن نام بعدها استحب له إعادتها.

(مسألة 28): يجوز تقديم نافلتي الظهرين علي الزوال يوم الجمعة. كما يجوز في بقية الأيام أيضا إذا علم أنه يشغله عنها شاغل. بل يجوز من غير

شاغل إلا أن أداءهما في وقتهما أفضل.

(مسألة 29): يجوز تقديم صلاة الليل علي نصف الليل للمسافر و المريض، و لمن يخشي أن يغلبه النوم فلا يقوم بعد نصف الليل، و لمن يصعب عليه القيام نصف الليل، بل مطلقا، و إن كان مرجوحا. و قضاؤها في النهار أفضل من تقديمها.

(مسألة 30): لا يجوز تقديم الفريضة علي الوقت بل تبطل حينئذ. نعم لو دخل الوقت قبل الفراغ من الصلاة صحت الصلاة بشرط أن يكون قد دخل في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 164

الصلاة اعتمادا علي حجة شرعية أو باعتقاد دخول الوقت و لو كان اعتقادا بدويّا راجعا للذهول و الغفلة عمّا يوجب الشك فيه.

(مسألة 31): لو دخل في الصلاة و هو شاك في دخول الوقت فلا تصح صلاته إلا إذا انكشف دخول الوقت قبل الصلاة، و لا يكفي دخولها في الأثناء.

(مسألة 32): يثبت الوقت بأمور:

الأول: العلم و لو حصل من إخبار ثقة عارف.

الثاني: قيام البينة، بأن يشهد عادلان بدخول الوقت إذا كان خبرهما مستندا إلي الحس فإنّه يجوز الاعتماد علي خبرهما حينئذ و إن احتمل بعيدا خطؤهما.

نعم إذا استند خبرهما إلي الحدس و التخمين فلا يجوز الاعتماد عليه إلا إذا أوجب اليقين.

الثالث: أذان العارف الثقة، الذي ينحصر خطؤه بالغفلة، دون التسامح أو قلّة المعرفة.

(مسألة 33): إذا بلغ الصبي في أثناء الوقت فإن كان قد صلّي اجتزأ بصلاته، و إن كان في أثناء الصلاة أتمّ صلاته و اجتزأ بها. و إن لم يكن صلّي وجبت عليه الصلاة إذا وسعها الوقت، بل الأحوط وجوبا المبادرة إليها إذا بقي من الوقت مقدار أداء ركعة.

(مسألة 34): يجوز الإتيان بالنافلة في وقت الفريضة، نعم مع تضيّق وقت الفريضة تجب المبادرة لها.

و كذلك يجوز الإتيان بالنافلة لمن عليه قضاء فريضة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 165

المبحث الثالث في القبلة

و هي الكعبة الشريفة، و ما حاذاها من تخوم الأرض إلي عنان السماء. و يجب استقبالها في الصلاة الواجبة مع الإمكان، و كذا في توابعها كصلاة الاحتياط و قضاء الأجزاء المنسية، بل في سجود السهو علي الأحوط وجوبا. و كذا النوافل إذا صلّيت علي الأرض حال الاستقرار. أما إذا صلّيت حال المشي أو الركوب أو في السفينة، فلا يجب فيها الاستقبال.

(مسألة 35): إذا علم المكلّف حين إرادة الصلاة باتجاه القبلة الحقيقية وجب عليه التوجه لها، و لا يجوز له الانحراف عنها إلا في العراق و ما كان في سمته من البلاد فيجوز أن ينحرف المصلي إلي اليسار قليلا. و مع الجهل باتجاه القبلة الحقيقية يجزيه التوجه لجهتها العرفية التي لا يخلّ بها الفارق القليل فيتخير بين جميع نقاطها التي يحتمل وقوع القبلة الحقيقية فيها، و لا يجب معه تكلّف تحصيل العلم بالقبلة الحقيقية و لا المداقّة في ذلك. فمثلا لو علم ببناء مسجد أو مكان علي القبلة الحقيقية لم يجب عليه الصلاة فيه، بل يجزيه الصلاة في مكان آخر متوجها لجهة القبلة العرفية.

(مسألة 36): يجزي الرجوع في معرفة القبلة إلي البيّنة إذا ابتنت شهادتها علي الحس أو الحدس القريب من الحس و هي حينئذ مقدّمة علي كل طريق، و لا تسقط عن الحجية إلا مع العلم بخطئها.

(مسألة 37): يجزي العمل علي قبلة بلد المسلمين التي يصلون و يذبحون إليها و عليها بنيت مساجدهم و محاريبهم و قبورهم. و لا يضر فيها الاختلاف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 166

اليسير الذي لا يخل بالجهة العرفية، بل يتخير بين نقاط تلك

الجهة المتحصلة من المجموع. نعم إذا ظن بخطئها و خروجها حتّي عن الجهة العرفية لم يجز العمل عليها.

(مسألة 38): مع تعذّر العلم بالقبلة و فقد الطرق المتقدمة يجب علي المكلف بذل الجهد و الوسع في معرفتها بسؤال من يتيسر سؤاله و النظر في الأمارات الظنية و غير ذلك، و يعمل علي ما تحصل له منها و إن كان ظنا. و يجزيه في عمله حينئذ الظن بالجهة العرفية التي لا يضرّ فيها الاختلاف اليسير.

(مسألة 39): إذا تعذّر علي المكلف معرفة القبلة أو الظن بها أجزأته صلاة واحدة لأيّ جهة يحتمل كونها القبلة، و يستحب له الاحتياط بالصلاة إلي الجهات الأربع- بأن يكون بين كل صلاتين ربع دائرة عرفا- إذا احتمل وقوع القبلة في كل منها، و إن علم أو ظن بعدم وقوعها في بعضها سقط الاحتياط فيها و أجزأه الصلاة للباقي. كما أنه لو صلّي لبعض الجهات فانكشف وقوع القبلة في ضمنها صحت صلاته و لم يحتج إلي الصلاة لبقية الجهات.

(مسألة 40): من صلّي إلي جهة و هو يري أنها القبلة أو قامت حجة له علي ذلك و بعد الفراغ تبيّن أنها ليست إلي القبلة فإن كانت القبلة أمامه في ما بين يمينه و يساره صحت صلاته و لا إعادة عليه، و إن كان انحرافه أكثر من ذلك بحيث تتجاوز ما بين اليمين و اليسار إلي الخلف فإن تبيّن ذلك في الوقت أعاد الصلاة و إن كان بعد الوقت مضت صلاته و لا قضاء عليه، حتّي لو كان مستدبرا للقبلة.

(مسألة 41): من صلّي إلي جهة يري أنها القبلة أو قامت حجة له علي ذلك و تبين له في الأثناء أنها ليست إلي القبلة فإن كانت القبلة

أمامه في ما بين يمينه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 167

و يساره انحرف إليها و أتم صلاته، و إن كان انحرافه أكثر من ذلك بطلت صلاته و وجب استئنافها إلي القبلة.

(مسألة 42): الأحوط وجوبا جريان التفصيل المتقدم في المسألتين السابقتين في المتحيّر الذي تعذر عليه العلم بالقبلة و الظن بها الذي تقدم حكمه في المسألة (39).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 168

المبحث الرابع في لباس المصلي
اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في ما يجب ستره في الصلاة

يجب علي الرجل حال الصلاة ستر العورة، و هي القضيب و الأنثيان و الدبر.

و في المرأة جميع جسدها عدا الوجه و الكفين و القدمين. من دون فرق بين وجود الناظر و عدمه و لو من جهة الظلمة المانعة من النظر. و قد تقدم في أحكام الخلوة تحديد الستر و بيان الضابط فيه.

(مسألة 43): المراد بالوجه في المرأة طولا من قصاص الشعر إلي تحت الحنك المسامت للرقبة، و عرضا ما بين الأذنين. و يجب عليها ستر الشعر حتّي المنسدل علي الأحوط وجوبا، و كذا العنق.

(مسألة 44): يسقط وجوب ستر الرأس و الرقبة عن الأمة التي لم يتحرّر شي ء منها. و كذا عن الصبية و المراد بها علي الأظهر من لم تحض لصغرها، و إن كان الأحوط استحبابا الاقتصار علي غير المكلّفة.

(مسألة 45): لا يجب ستر العورة و البدن من جهة الأسفل بسراويل و نحوها.

نعم إذا كان المصلي واقفا علي شباك أو طرف سطح فالأحوط وجوبا التستر بحيث لو كان تحته أحد لم يره.

(مسألة 46): إذا أخلّ بالستر جهلا أو نسيانا و لم يلتفت إلا بعد الفراغ صحت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 169

صلاته. و أمّا لو التفت في الأثناء فإن كان حين الالتفات مستورا صحت صلاته و لا يبطلها الإخلال به قبل الالتفات، و إن لم يكن حين الالتفات مستورا فبادر إلي الستر ففي صحة صلاته إشكال، فالأحوط وجوبا الإعادة. و له قطع الصلاة بفعل المبطل حين الالتفات و الاستئناف.

الفصل الثاني في اللباس الساتر

يكفي في الساتر عن النظر المحرّم كل مانع عن الرؤية كالثياب و ورق الشجر و الحشيش و الطين و اليدين، بل حتّي البناء الحاجب عن الناظر و الظّلمة علي ما تقدم في أحكام الخلوة. أما

الساتر في الصلاة فلا يكفي فيه ذلك، و لذا تقدم عموم وجوب الستر لحالة عدم الناظر، بل الأحوط وجوبا مع الإمكان لزوم كون الساتر من سنخ الثياب و اللباس كالمئزر و السراويل و القميص و الرداء و القناع للمرأة و نحو ذلك، و عدم الاجتزاء بمثل ورق الشجر و الحشيش و اليدين، فضلا عن مثل الطين و الوحل و نحوها مما يطلي به البدن و يحجب عن النظر، إلا أن يضطر إلي ذلك فيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

إذا عرفت هذا فيشترط في لباس المصلي أمور:

الأول: الطهارة، إلا في ما يعفي عنه علي ما تقدم في أحكام النجاسات.

و تقدم حكم انحصار الساتر بالنجس.

الثاني: الإباحة، فلا تجوز الصلاة في المغصوب إذا كان يتحرك بحركات الصلاة الواجبة، كالهوي للركوع و السجود و القيام منهما، بحيث تكون الأفعال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 170

اللازمة في الصلاة تصرفا فيه. نعم منشأ شرطية الإباحة هو امتناع التقرب مع الحرمة، و ذلك يختص بما إذا كان المكلف ملتفتا حين الصلاة لحرمة التصرف في المغصوب الذي عليه. علي ما تقدم نظيره عند الكلام في نية الوضوء و تقدم كثير من الفروع المتعلّقة بذلك فاللازم مراجعتها.

(مسألة 47): لا فرق في مانعية المغصوب، بين كونه ساترا لما يجب ستره في الصلاة و غيره كالجورب للرجل. بل تعمّ المانعيّة المحمول الذي يتحرّك بحركات المصلي.

الثالث: أن لا يكون من الميتة النجسة، و أما الميتة الطاهرة فالأحوط وجوبا الاجتناب عما كان له جلد ينتفع به منها. و لا بأس بغيره كميتة البق و القمل و نحوهما. كما لا بأس بما لا تحله الحياة من أجزاء الميتة. و قد تقدم في النجاسات بيان ذلك، و بيان

حكم الشك في تذكية الحيوان.

(مسألة 48): إذا صلّي في الميتة جاهلا و لم يعلم حتّي فرغ من صلاته صحت صلاته، و إن صلّي فيها ناسيا فإن كانت طاهرة صحت صلاته، و إن كانت نجسة فالأحوط وجوبا الإعادة لو ذكر في الوقت و القضاء لو ذكر بعد الوقت.

(مسألة 49): ما يشك في كونه من جلد الحيوان لا بأس به، مثل ما يشتبه في هذا الزمان فلا يعلم كونه من مادة «النايلون» و كونه من الجلد الذي تحرم الصلاة به.

الرابع: أن لا يكون من أجزاء ما لا يحل أكل لحمه من ذي النفس السائلة، و أما من غير ذي النفس السائلة فالأحوط وجوبا المنع إذا كان له لحم، دون مثل البق و البرغوث و النحل و الخنافس مما لا لحم له.

(مسألة 50): لا فرق في المنع بين الملبوس و المحمول مما تتم به الصلاة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 171

و غيره. بل حتّي مثل الشعرات القليلة الواقعة علي الثوب علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 51): يستثني من غير مأكول اللحم الإنسان، فإنّه يجوز الصلاة في أجزائه و فضلاته الظاهرة.

(مسألة 52): يستثني من أجزاء ما لا يؤكل لحمه وبر الخزّ و جلده، و هو دابة تعيش في الماء، و تخرج إلي البرّ له وبر ينسج منه الثياب. لكن في تعيينه إشكال، لأن المعروف بالخزّ الآن ربّما يكون حيوانا بريا. و هناك مستثنيات أخر قيل بها، و لا يخلو استثناؤها عن إشكال فالأحوط وجوبا الاجتناب عن الكل.

(مسألة 53): إذا صلّي في غير المأكول جاهلا به صحت صلاته، و كذا لو صلّي به ناسيا له، أو جاهلا بمانعيته.

(مسألة 54): إذا شكّ في أن شيئا مّا من أجزاء الحيوان صحت الصلاة به،

و كذا لو علم بكونه من أجزاء حيوان مردّد بين الحلال و الحرام كالماعز و الثعلب.

الخامس: أن لا يكون من الذهب الملبوس و إن لم يكن ساترا، كالخاتم، و لا بأس بالمحمول المستور. و أما الظاهر الذي يتزين به فالأحوط وجوبا مانعيّته.

و هذا كله للرجال و أما للنساء فلا بأس بذلك كله.

(مسألة 55): يحرم علي الرجال لبس الذهب حتّي في غير الصلاة، و الأحوط وجوبا عدم التزيّن به، كتعليق الأوسمة من الذهب. نعم إذا لم يكن بنفسه زينة للرجل عرفا، بل زينة لما يحمله فلا بأس به، كتحلية السيف و القلم به و إن ظهرا.

بل تصح الصلاة به حينئذ، و أظهر من ذلك المحمول المستور.

(مسألة 56): لا بأس بالمطلي بالذهب إذا كان الطلاء من سنخ اللون عرفا و لم يكن له جرم معتدّ به.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 172

(مسألة 57): لا بأس بشدّ الأسنان بالذهب إذا لم يصدق عليه التزيّن عرفا. أما لو صدق عليه التزيّن فالأحوط وجوبا الترك إلا مع الحاجة لذلك و انحصار الأمر به.

(مسألة 58): لا بأس بالبأس الأسنان الداخلية الذهب، و أما الظاهرة فالأحوط وجوبا ترك إلباسها الذهب، إلا لدفع الضرر.

(مسألة 59): إذا صلّي بالذهب جاهلا بوجوده أو ناسيا له صحت صلاته، و كذا لو صلّي جاهلا بكونه مبطلا للصلاة.

السادس: أن لا يكون من الحرير الخالص للرجال، و أما للنساء فلا بأس به.

(مسألة 60): يحرم لبس الحرير الخالص للرجال حتّي في غير الصلاة.

(مسألة 61): لا بأس بلبس الحرير للرجال في الحرب، و تصح الصلاة به حينئذ، و كذا مع الاضطرار علي ما يأتي في الفصل الثالث.

(مسألة 62): الأحوط وجوبا عدم الصلاة في ما لا تتم به الصلاة من الحرير

المحض كالقلنسوة و التكة.

(مسألة 63): لا بأس بكفّ الثوب بالحرير المحض و إن زاد علي أربع أصابع، و المراد به ما يجعل في أطراف الثوب، و كذا السفائف و الأزرار و نحوها من توابع الثياب مما تزيّن به أو تشدّ فيه. و كذا إذا كان الثوب محشوا بالحرير.

(مسألة 64): لا بأس بحمل الحرير و افتراشه و التغطي و التعصب به و شدّ الجروح و غير ذلك مما لا يعدّ لبسا له.

(مسألة 65): الأحوط وجوبا عدم لبس الثوب الذي يكون بعضه حريرا محضا بحيث يكون البعض المذكور بعصا من الملبوس عرفا لا تابعا له، كأكمامه و بطانته و صدره و نحوه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 173

(مسألة 66): لا بأس بلبس ما يصنع من الحرير الممزوج بغيره، و إن كان الحرير أكثر ما لم يكن الخليط مستهلكا عرفا، بحيث يصدق علي النسيج أنه حرير خالص.

(مسألة 67): إذا شكّ في كون اللباس حريرا جاز لبسه و الصلاة فيه، و كذا إذا تردد بين الحرير الخالص و غيره.

(مسألة 68): إذا صلّي في الحرير جهلا به أو بحرمته و مانعيّته أو نسيانا لهما صحت صلاته.

(مسألة 69): يجوز إلباس الصبيان الحرير أو الذهب. لكن لا تصح صلاتهم فيهما.

الفصل الثالث في تعذر الساتر الشرعي

تقدم في أول الفصل الثاني أن الأحوط وجوبا في الساتر الصلاتي أن يكون من سنخ الثياب و اللباس. و حينئذ إن تعذر ذلك فإن وجد المصلي ما يتستر به كالحشيش و ورق الشجر و القرطاس و نحوها تستّر به و أتمّ صلاته. و إن تعذر عليه ذلك أيضا و أمكنه التستّر بالطين و الوحل و نحوهما وجب أيضا و أتمّ صلاته. و إن تعذر عليه ذلك و أمكنه النزول في حفيرة

ضيّقة يتمّ بها ركوعه و سجوده وجب عليه ذلك. و إن كان الأحوط وجوبا أن يستر عورته بيديه، رجلا كان أو امرأة. و يلحق بالحفيرة نحوها كالبناء الضيّق و التنور و نحوهما، و إن كان الأحوط وجوبا تقديم الحفيرة مع الإمكان.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 174

(مسألة 70): من لم يجد ساترا حتّي ما تقدم، فإن رآه أحد صلّي جالسا و يومئ للركوع و السجود، و إن لم يره أحد صلّي من قيام و يومئ للركوع و السجود أيضا. لكنه يجلس للتشهد و التسليم. و يستر قبله بيديه و يتعمّد أن لا ينفرج ليستر الدبر بالأليتين.

(مسألة 71): إذا اضطر إلي لبس الساتر الفاقد للشروط السابقة لبرد أو غيره صحت صلاته فيه.

(مسألة 72): إذا انحصر الساتر بالفاقد للشروط السابقة و لم يكن مضطرا إلي لبسه- لبرد أو نحوه- ففي المغصوب و الحرير و الذهب يجب الصلاة عاريا بالكيفية المتقدمة في المسألة (42) و في غير المأكول الأحوط وجوبا الجمع بين الصلاة به و الصلاة عاريا. و كذا الحال في النجس علي ما تقدم في أحكام النجاسات.

(مسألة 73): لا يجوز البدار للصلاة عاريا في أول الوقت أو مع الساتر الفاقد للشرائط إلا مع اليأس عن وجدان الساتر الواجد للشرائط في تمام الوقت، و لو صلّي مع اليأس ثم اتفق وجدان الساتر الواجد للشرائط قبل خروج الوقت وجب إعادة الصلاة به.

(مسألة 74): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) أنه يكره الصلاة في الثوب الأسود حتّي للنساء عدا الخفّ و العمامة و الكساء و منه العباءة. و في السروال وحده للرجل و إن كان صفيقا- ثخينا كثيف النسج- لا يحكي ما تحته، بل يجعل علي منكبيه شيئا، و في

ثوب واحد للمرأة و إن كان ساترا. و كذا يكره الصلاة في العمامة من دون تحنك. و كذا يكره في خاتم عليه صورة أو ثوب عليه صورة ذي روح و في لباس الكفار و أعداء الدين، و في الثوب الوسخ و في الثوب الضيق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 175

و غير ذلك.

(مسألة 75): ذكر العلماء (رضوان اللّه عليهم) أنه يستحب الصلاة في أنظف الثياب و أن تكون بيضاء و أن تكون قطنا أو كتانا مع التطيب و لبس السراويل و الخاتم من العقيق، و العمامة للرجل و ستر القدمين للمرأة و الرداء لإمام الجماعة و غير ذلك.

المبحث الخامس في مكان المصلي

لما كانت الصلاة من العبادات المعتبر فيها التقرّب فلا تصح إذا وقعت في المكان و الفضاء المغصوبين إذا كان المصلي ملتفتا للحرمة و كانت نيّته للصلاة تبتني علي نية المكث المحرّم بقدرها من دون فرق بين أن تكون حركات المصلي تصرفا محرما فيهما كما في صلاة المختار، و أن لا تكون كذلك كما في صلاة الإيماء من دون قيام و قعود و ركوع و سجود، نعم إذا لم تبتن نيّته للصلاة علي نيّة المكث المحرّم بقدرها و لم تشتمل الصلاة علي حركات تستلزم التصرف المحرّم صحت الصلاة، كما في صلاة العابر في الأرض المغصوبة إيماء. و قد تقدم في الوضوء كثير من الفروع المتعلقة بذلك تنفع في المقام، فاللازم مراجعتها.

(مسألة 76): إذا دخل المكان الغصبي جهلا ثم التفت فمع سعة وقت الصلاة لا يجوز التشاغل بالصلاة، بل يجب قطعها و المبادرة بالخروج إذا لم يحرز رضا المالك بالصلاة حينئذ. و مع ضيق الوقت تجب الصلاة حال الخروج مع الإيماء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 176

للركوع و

السجود.

و كذا الحال لو دخله عمدا عصيانا ثم تاب، فإنّه يصلي بالإيماء مع ضيق الوقت. بل و كذا الحال إذا لم يتب، لأن الخروج حينئذ و إن كان عصيانا محرما إلا أن الصلاة حال الخروج بالإيماء لا تكون تصرفا في المكان المغصوب عرفا.

(مسألة 77): المحبوس في المكان المغصوب له أن يصلي فيه صلاة المختار إذا لم توجب تصرفا مضرا بالمكان.

(مسألة 78): من سبق إلي مكان في المسجد أو المشهد أو غيرهما من الأماكن العامة فهو أحق به، و تحرم مزاحمته فيه، و لو قهره شخص و نحّاه و أخذ مكانه كان مكثه في المكان محرما ما دام الأول غير معرض عن المكان، و وجب تمكينه منه. فلو صلّي فيه الغاصب بطلت صلاته. نعم إذا أعرض الأول عنه بعد غصبه منه- و لو لتجنب المشاكسة و الاهتمام بقضاء وطره في مكان آخر- حلّ المكث و صحت الصلاة فيه من الغاصب و غيره.

(مسألة 79): لا بدّ في سبق الشخص للمكان الموجب لأحقّيته به من جلوسه فيه و إشغاله في ما هو معدّ له من عبادة أو نحوها، و لا يكفي وضعه شيئا فيه كسجادة و سبحة، فمن اكتفي بذلك جاز لغيره إشغال المكان. نعم يحرم عليه التصرف في ذلك الشي ء الموضوع فيه. فإذا أمكنه الانتفاع بالمكان- بصلاة أو غيرها- من دون تصرف في ذلك الشي ء، الموضوع فيه جاز له و صح عمله.

بل إذا كان حجز المكان بالشي ء الموضوع فيه موجبا لتعطيله عرفا لطول المدّة و وجود من يحتاج لإشغاله فيه سقطت حرمة ذلك الشي ء الموضوع فيه و جاز إشغال المكان و إن أوجب التصرف في الشي ء الموضوع فيه، غاية الأمر أنه يلزم الاقتصار في التصرف فيه علي

مقدار الضرورة و الحاجة التي يقتضيها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 177

الانتفاع بالمكان.

(مسألة 80): إذا سبق شخص لمكان من الأماكن العامة و أشغله فيما هو معدّ له و صار أحق به، ثم قام عنه، فإن قام معرضا عنه سقط حقه، و إن قام ناويا للعود إليه فإن ترك فيه شيئا لتحجيره، بقي حقّه فيه، فإن أشغله غيره في غيابه لم يحلّ له منعه منه إذا عاد إليه إلا أن تطول مدة غيابه، بحيث يلزم تعطيله عرفا لو بقي محجّرا عليه.

و أما إذا لم يترك فيه شيئا لتحجيره ففي ارتفاع حقه إشكال، خصوصا إذا قام لحاجة كالوضوء و نحوه. فالأحوط وجوبا التراضي بينه و بين من يريد إشغال المكان. نعم إذا طالت المدة بحيث يلزم تعطيل المكان عرفا فلا يبقي حقه.

(مسألة 81): تحرم الصلاة في الطريق إذا أضرت بالمارة.

(مسألة 82): لا بأس بصلاة الرجل و المرأة في مكان واحد، متقدمة عليه و محاذية له و متأخرة عنه. نعم يكره ذلك، بل الأحوط استحبابا تركه، إلا أن يتقدم الرجل و لو بصدره- بحيث إذا سجدا يحاذي رأسها ركبتيه- أو يكون بينهما حائل- كجدار و نحوه- و إن كان قصيرا لا يمنع من المشاهدة- أو يكون بينهما مسافة عشرة أذرع بذراع اليد- تقارب خمسة أمتار- و دون ذلك أن يكون بينهما ما لا يتخطي- و يقارب المتر و الربع- و دون ذلك أن يكون بينهما قدر عظم الذراع، و دون ذلك أن يكون بينهما شبر.

(مسألة 83): لا فرق بين المحارم و غيرهم و الزوج و الزوجة و غيرهما، و البالغ و غيره. نعم لا بدّ من صحة صلاة كل منهما.

(مسألة 84): لا يجوز لمن يصلي عند قبر

النبي صلّي اللّه عليه و آله و قبور الأئمة عليهم السّلام الصلاة أمام القبر الشريف، بحيث يكون القبر خلفه. بل تكون الصلاة خلف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 178

القبر و عن يمينه و شماله. و لا بأس بالتقدم من الجانبين عن سمت القبر الشريف، بحيث لا يصدق عرفا أن القبر خلف المصلي.

(مسألة 85): يختص المنع عن الصلاة أمام القبر بالصلاة في البنية التي فيها القبر الشريف دون ما خرج عنها من الأروقة المتصلة بها.

(مسألة 86): لو تقدم المصلي علي قبر المعصومين عليهم السّلام جهلا بموضع القبر أو بالحرمة أو غفلة فالظاهر صحة الصلاة.

(مسألة 87): الأحوط وجوبا إلحاق قبر الصديقة الزهراء عليها السّلام بقبور النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام في الحكم المذكور لو تيسر العلم بموضعه. بخلاف قبور غير المعصومين مهما ارتفع مقامهم حتّي الأنبياء الآخرين عليهم السّلام فإنّه يجوز التقدم عليها بالمعني المذكور إلا أن يستلزم التوهين و سوء الأدب، فيحرم و تبطل الصلاة مع الالتفات لذلك.

(مسألة 88): تجوز الصلاة في جوف الكعبة و سطحها. نعم يكره ذلك في صلاة الفريضة، بل الأحوط استحبابا تركه مع الاختيار.

(مسألة 89): يجب في مسجد الجبهة- مضافا إلي الطهارة، كما تقدم في فصل أحكام النجاسة- أن يكون من الأرض أو ما أنبتت غير المأكول و الملبوس.

و السجود علي الأرض أفضل، و أفضلها طين قبر الحسين عليه السّلام فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه كان قد أعدّ منه لصلاته و أنه قال «إن السجود علي تربة أبي عبد اللّه عليه السلام تخرق الحجب السبع». و قال: «السجود علي طين قبر الحسين عليه السّلام ينور إلي الأرضين السبعة». و أما بقية المساجد فلا

تجب مماستها للأرض، و إن كانت أفضل.

(مسألة 90): لا يجوز السجود علي المعادن إذا لم يصدق عليها الأرض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 179

كالقير، و قد تقدم في التيمم ما ينفع في المقام.

(مسألة 91): يجوز السجود علي الأرض المطبوخة كالجص و الآجر و الخزف و الإسمنت و نحوها.

(مسألة 92): المراد بالمأكول و الملبوس ما من شأنه أن يؤكل أو يلبس و إن احتاج إلي إعداد من طبخ أو غزل أو نحوهما، و المدار فيه علي تعارف أكل الإنسان و لبسه له بحسب طبعه، و لا عبرة بالحالات الاستثنائية من مرض و مجاعة و نحوهما. نعم إذا كان عدم أكله أو لبسه في الحال المتعارف لندرته و قلّة وجوده فيدخر للضرورات و نحوها كان من المأكول أو الملبوس الذي لا يجوز السجود عليه.

(مسألة 93): الأحوط وجوبا عدم السجود علي غير المأكول مما يستخلص منه مادة تؤكل أو تشرب كاللبنّ و الشاي.

(مسألة 94): المدار في الأكل و اللبس علي عامة الناس، و لا عبرة بالنادر. نعم إذا كان عدم أكل العامة له أو عدم لبسهم لعدم واجديّتهم له مع أكلهم أو لبسهم له لو وجدوه كان من المأكول أو الملبوس الذي لا يجوز السجود عليه.

(مسألة 95): الأحوط وجوبا عدم السجود علي ما يؤكل أو يلبس إذا كان في قشره غير الصالح للأكل و اللبس كالجوز و اللوز و جوزة القطن و نحوها. نعم يجوز السجود علي القشر بعد إخراج لبّه. هذا في ما ينفصل قشره عنه، و أما ما يتصل به كالبطيخ فالظاهر عدم جواز السجود عليه قبل فصل قشره، بل الأحوط وجوبا عدم السجود علي قشره حتّي بعد انفصاله عنه.

(مسألة 96): لا يجوز السجود علي

المأكول و الملبوس حتّي إذا لم يصلح للأكل و اللبس بسبب تعفّن أو طبخ أو تمزق أو نحو ذلك، كالثياب المستعملة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 180

تعالج و تكبس فتكون محفظة أو نحوها.

(مسألة 97): لا بأس بالسجود علي النوي الذي لا لبّ له أو الذي له لبّ لا يتعارف أكله و ان كانت الثمرة ذات النوي مأكولة، و كذا ورق الشجر- الذي يؤكل ثمره- و كذا خشبه و أغصانه و نحو ذلك مما لا يؤكل منه.

(مسألة 98): يجوز السجود علي الخشب و إن صنع منه الأحذية الملبوسة أو دخل في صنعها. و كذا لو اتخذ منه الحلي الملبوس أو كان قرابا أو مقبضا للسيف الملبوس.

(مسألة 99): لا يجوز السجود علي رماد ما يصح السجود عليه، و كذا الفحم علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 100): يجوز السجود علي القرطاس المتخذ مما يصح السجود عليه كالبردي، دون ما يتّخذ مما لا يصح السجود عليه كالقطن و الكتان. و لو شكّ في حاله لا يجوز السجود عليه.

(مسألة 101): لا تضر الكتابة علي القرطاس و غيره مما يصح السجود عليه، نعم إن كانت جرما حائلا بين بشرة الجبة و ما يصح السجود عليه كانت مانعة من السجود عليه، و إن كانت من سنخ اللون من دون أن يكون لها جرم لم تمنع من السجود عليه، بل يكون السجود مكروها لا غير.

(مسألة 102): يجوز مع التقية السجود علي ما لا يصح السجود عليه اختيارا.

و قد تقدم في الوضوء بعض الفروع المتعلقة بالتقيّة التي تنفع في المقام فراجع.

(مسألة 103): إذا تعذّر السجود علي ما يصح السجود عليه لغير تقية سجد علي ثوبه، و الأحوط وجوبا تقديم الثوب من القطن أو الكتان مع

تيسّرهما، فإن لم يتيسّر الثوب سجد علي ظهر كفّه. و الراد بالتعذر مجرد عدم تيسر ما يصح

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 181

السجود عليه في الوقت و المكان الذي يريد المكلف الصلاة فيه- كالمسجد و نحوه- لبرد أو حرّ أو نحوهما، و لا يعتبر التعذّر التام، فلا يجب تبديل المكان و لا تأخير الصلاة و لا غير ذلك مما يمكن معه القدرة علي ما يصح السجود عليه.

(مسألة 104): لو تعذر السجود حتّي علي ظهر الكف جاز السجود علي كل شي ء، و الأحوط وجوبا تقديم النبات. و المراد بالتعذر هنا التعذر الحقيقي الذي لا يرتفع بتبديل المكان، و لا بتأخير الصلاة.

(مسألة 105): إذا فقد في أثناء الصلاة ما يصح السجود عليه ففي سعة الوقت يقطع الصلاة، و في ضيقها ينتقل إلي البدل المتقدم.

(مسألة 106): إذا سجد علي ما لا يصح السجود عليه كفي جرّه إلي ما يصح السجود عليه و لا يجب رفعه، بل الأحوط وجوبا عدم الرفع، و لو تعذّر تحصيله بالجرّ فالأحوط وجوبا استئناف الصلاة بعد فعل المبطل أو بعد إتمامها.

(مسألة 107): إذا سجد علي ما لا يصح السجود عليه جهلا به أو بوجوبه أو سهوا و لم يلتفت إلا بعد الفراغ من السجود صحت صلاته.

(مسألة 108): لا بدّ من تمكن الجبهة مما يسجد عليه بحيث تثبت و تستقر عليه، و لا يكفي مجرد المماسة من دون استقرار، فلا يجوز السجود علي التراب الرخو و لا علي الطين غير المتماسك، و كذا إذا كان ما يصح السجود عليه موضوعا علي المكان غير المستقر، كالقطن المندوف. نعم إذا أمكن تحصيل الاستقرار بعد وضع الجبهة بزيادة الاعتماد صح السجود، و إذا لصق بجبهته شي ء من

الطين أو التراب وجب إزالته للسجدة الثانية إذا كان مستوعبا للجبهة.

(مسألة 109): إذا لم يجد إلا الطين الذي لا تستمكن الجبهة عليه فالأحوط وجوبا السجود عليه و الاكتفاء بمماسّته. نعم إذا كانت الأرض مع ذلك موحلة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 182

بحيث يتلطّخ بدنه و ثيابه قام فصلي و ركع ثم سجد بالإيماء قائما ثم تشهّد و سلّم قائما أيضا.

(مسألة 110): يشترط في مكان المصلي أن يكون بحيث يستقر فيه المصلي و يتحقق له الطمأنينة المعتبرة في الصلاة فلا تصح في المكان المضطرب و المهتزّ، كما في الكثير من صور الصلاة علي الدابة و في السفينة و السيارة و القطار و الطائرة. نعم لا يضر مجرد سير هذه الأمور إذا لم يكن لها اهتزاز معتدّ به و تحققت بها الصلاة التامة بالركوع و السجود و الاستقبال و غيرها.

نعم مع الضرورة و لو لضيق الوقت تصح الصلاة فيها بالميسور، و حينئذ ينحرف إلي القبلة كلّما انحرفت، و إن تعذّر الاستقبال في بعضها أو في جميعها سقط. و الأحوط استحبابا اختيار الأقرب للقبلة فالأقرب. و كذا الحال في الماشي و غيره من المعذورين. هذا كله في الفريضة و أما في النافلة فيجوز الإتيان بها ماشيا و راكبا اختيارا، كما سبق عند الكلام في أعداد الفرائض و النوافل.

(مسألة 111): يستحب إيقاع الصلاة في المسجد، بل في بعض النصوص أن الصلاة في المسجد فرادي أفضل من الصلاة في غيره جماعة. و أفضل المساجد المسجد الحرام و الصلاة فيه تعدل ألف ألف صلاة في غيره من المساجد، ثم مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله و الصلاة فيه تعدل عشرة آلاف صلاة في غيره من المساجد، ثم مسجد الكوفة

و المسجد الأقصي و الصلاة فيهما تعدل ألف صلاة- و في بعض النصوص مفاضلة بينهما- ثم مسجد الجامع و هو المسجد الأعظم في البلد و الصلاة فيه بمائة صلاة، ثم مسجد القبيلة و الصلاة فيه بخمس و عشرين صلاة، ثم مسجد السوق و الصلاة فيه باثنتي عشرة صلاة.

و صلاة المرأة في بيتها أفضل و أفضل البيوت المخدع.

(مسألة 112): تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة عليهم السّلام، و قد ورد أن الصلاة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 183

عند علي عليه السّلام بمائتي ألف صلاة.

(مسألة 113): يكره تعطيل المساجد، ففي الخبر ثلاثة يشكون إلي اللّه تعالي:

مسجد خراب لا يصلي فيه أحد و عالم بين جهّال، و مصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه. و يكره الخروج من المسجد بعد الأذان حتّي يصلي فيه، و في الخبر أنه من علامات النفاق، إلا أن يريد الرجوع إليه. و كذا يكره لجار المسجد أن يصلي في غيره لغير علّة كالمطر، و في الخبر: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد».

(مسألة 114): يستحب التردد إلي المساجد، ففي الخبر: من مشي إلي مسجد من مساجد اللّه فله بكل خطوة خطاها حتّي يرجع إلي منزله عشر حسنات و محي عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات. و يستحب الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة. و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: أن ترهّب أمتي القعود في المساجد و انتظار الصلاة بعد الصلاة.

(مسألة 115): يستحب للمصلي أن يجعل بين يديه حائلا من عود أو حبل أو قلنسوة أو كومة تراب أو نحوها حتّي مثل الخط في التراب.

(مسألة 116): قد ذكروا أنه يكره الصلاة في الحمّام و المزبلة و المجزرة و المواضع

المعدّة للتخلي و بيت فيه مسكر و مبارك الإبل و مرابط الخيل و البغال و الحمير و البقر و الغنم، بل في كل مكان قذر، و في الطريق إذا لم يضر المارة، و إلا كان محرّما- كما تقدم- و في مجاري المياه، و في الأرض السبخة و بيت النار كالمطبخ، و ان يكون أمامه نار مضرمة و لو سراجا، أو تمثال أو صورة لذي روح أو مصحف أو كتاب مفتوحان، و يكره الصلاة علي القبر و في المقبرة أو أمامه قبر، و بين قبرين إلا مع الحائل أو بعد عشرة أذراع بذراع اليد و أن يكون أمامه إنسان مواجه له و غير ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 184

المقصد الثاني في كيفية الصلاة

اشارة

و فيه مباحث:

المبحث الأول في الأذان و الإقامة
اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول يستحب الأذان و الإقامة في الفرائض اليومية

أداء كانت أو قضاء، في الحضر و السفر، و الصحة و المرض، سواء كانت الصلاة فرادي أم جماعة، و سواء كان المصلي ذكرا أم أنثي. و يتأكد استحبابهما للرجال و لا سيما في الأدائية، خصوصا المغرب و الصبح، و أشدّهما تأكدا الإقامة. و لا يشرع الأذان و الإقامة للنوافل، و لا للفرائض غير اليومية كصلاة الآيات.

(مسألة 117): للمرأة أن تجتزئ عن الأذان بالتكبير و الشهادتين مرة مرة، بل بالشهادتين فقط، كما تجتزئ عن الإقامة بالتكبير و شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا عبده و رسوله. بل لو سمعت الأذان اجتزأت بالشهادتين.

(مسألة 118): لا يشرع الأذان للعصر إذا جمعت مع الظهر في عرفة يومها، و للعشاء إذا جمعت مع المغرب في المزدلفة ليلة العيد. كما لا يجوز الأذان للصلاة الثانية للمسلوس إذا جمع بين صلاتين بوضوء واحد، و إذا أذّن أعاد الوضوء للثانية. و كذا المستحاضة الكثيرة التي تجمع بين صلاتين بغسل واحد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 185

علي الأحوط وجوبا، فإذا أذّنت أعادت الغسل للثانية. بل كل من جمع بين صلاتين أدائيتين يجزيه لهما أذان واحد في أوّلهما بل يحتمل عدم مشروعيته لما بعدها حينئذ. و كذا من جمع بين صلاتين قضائيتين أو أكثر.

(مسألة 119): يتحقق الجمع بين الصلاة بعدم الفصل بينهما بزمان طويل و لا ينافيه التعقيب القليل. نعم ينافيه التنفل بين الفريضتين و لو بركعتين علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 120): يسقط الأذان و الإقامة معا في موارد:

الأوّل: من دخل في جماعة قد أذّن لها و أقيم، إماما كان أو مأموما. و الظاهر عدم مشروعيته.

الثاني: من دخل المسجد قبل تفرق الجماعة سواء صلّي منفردا أم جماعة إماما أو

مأموما بشروط:

أحدها: وحدة المكان عرفا علي الأحوط وجوبا، فلا يسقطان مع تعدّده لفصل المسجد بعضه عن بعض ببناء أو ستر، أو لكون إحداهما في أرض المسجد و الأخري علي سطحه.

ثانيها: أن تكون الجماعة السابقة بأذان و إقامة. بل الظاهر الاجتزاء بما إذا سقط الأذان و الإقامة عنهم لاجتزائهم بأذان غيرهم و إقامته. نعم إذا لم يؤذّنوا و يقيموا من دون أن يسقطا عنهم لم يسقط الأذان و الإقامة عمّن بعدهم.

ثالثها: أن تكون الصلاتان أدائيّتين مشتركتين في الوقت علي الأحوط وجوبا ففي غير ذلك يؤتي بهما برجاء المطلوبية.

رابعها: أن تكون الجماعة الأولي صحيحة، و الظاهر أن السقوط عزيمة- بمعني أنّهما غير مشروعتين- لا رخصة. كما أن الظاهر عموم السقوط لغير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 186

المسجد مع وحدة المكان عرفا. نعم لا بأس بالإتيان بهما فيه برجاء المطلوبية.

الثالث: من سمع أذان غيره و إقامته للصلاة، فإنّه يجزيه ذلك عن أن يؤذّن أو يقيم، و لو سمع أحدهما أو بعضا منهما أتمّ ما بقي بشرط مراعاة الترتيب، و لا فرق في المؤذّن و المقيم بين الإمام و المأموم و المنفرد، و كذا لا فرق في السامع بين الإمام و المنفرد، و أما المأموم فيشكل اكتفاؤه بسماع أذان غيره و إقامته في دخوله في الجماعة التي لم يؤذن لها.

و الخلاصة: سماع الإمام يكفي عن الأذان للجماعة، أما سماع المأمومين أو بعضهم فلا يكفي لها. كما أنه يشكل مشروعية أذان بعضهم لنفسه بعد انعقاد الجماعة لدخوله فيها إذا لم يكن قد أذّن لها.

(مسألة 121): يستحب حكاية الأذان لمن سمعه، كما يستحب الأذان في أذن المولود اليمني و الإقامة في اليسري.

الفصل الثاني فصول الأذان ثمانية عشر:

اللّه أكبر أربع مرات، ثم أشهد أن لا

إله إلا اللّه، ثم أشهد أن محمدا رسول اللّه، ثم حيّ علي الصلاة، ثم حيّ علي الفلاح، ثم حي علي خير العمل، ثم اللّه أكبر، ثم لا إله إلّا اللّه، كلّ منها مرّتان. و فصول الإقامة سبعة عشر، و هي كالأذان إلا أن التكبير في أولها مرتان و التهليل في آخرها مرة، و يزاد فيها قبل التكبير في آخرها «قد قامت الصلاة» مرتين.

(مسألة 122): تستحب الصلاة علي النبي و علي آله (صلوات اللّه و سلامه، عليهم أجمعين) عند ذكر اسمه الشريف في الأذان و غيره، و عند سماع اسمه صلّي اللّه عليه و آله.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 187

(مسألة 123): ورد في بعض الأخبار أن من أجزاء الأذان الشهادة لعلي عليه السّلام بالولاية و إمرة المؤمنين، إلا أنه حيث لم تثبت حجية الأخبار المذكورة فلا مجال للإتيان بها بنيّة أنها من أجزاء الأذان. نعم يحسن الإتيان بها لا بنيّة ذلك، بل برجاء ورود ذلك، و بما أنها شهادة حقّ جعلها اللّه من الفرائض التي بني عليها الإسلام، و لقوله عليه السّلام في خبر الاحتجاج: «إذا قال أحدكم لا إله إلّا اللّه محمد رسول اللّه فليقل علي أمير المؤمنين» و علي ذلك جرت الشيعة حتّي صار شعارا لهم و رمزا للإيمان، من دون أن يدّعي أحد منهم أن ذلك جزء من الأذان أو الإقامة، فالتزامهم بها كالتزامهم بالصلاة علي النبي و علي آله (صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين) عند ذكر اسمه الشريف راجح من دون أن يكون جزءا من الأذان.

(مسألة 124): يجزئ في السفر و العجلة الإتيان بكل فصل من الأذان و الإقامة مرة مرة.

(مسألة 125): يشترط في الأذان و الإقامة أمور:

الأول: النية

فيؤتي بالفصول المتقدمة بعنوان أنها أذان أو إقامة، و لا يكفي التلفّظ بها من دون قصد العنوان المذكور. و لا بدّ فيهما من قصد القربة. و الأحوط وجوبا تعيين الصلاة التي يراد الأذان و الإقامة لها.

الثاني و الثالث: العقل و الإيمان، دون البلوغ، بل يجزئ أذان و إقامة غير البالغ إذا كان مميزا.

الرابع: الذكورة علي الأحوط وجوبا، فلا يجزئ أذان المرأة و إقامتها للرجال، نعم يجزئان للنساء.

الخامس: الترتيب بتقديم الأذان علي الإقامة، و كذا الترتيب بين فصولهما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 188

علي النحو المتقدم. و إذا خالف الترتيب بين الفصول أعاد علي ما يحصل به الترتيب، إلا أن تفوت الموالاة، فيعيد من الأول.

السادس: الموالاة بين فصول كل من الأذان و الإقامة، فلا يصح كل منهما مع الفصل الطويل الماحي للصورة عرفا علي الأحوط وجوبا. و كذا بين الأذان و الإقامة بالنحو الذي لا ينافيه الفصل بما يأتي. و كذا بين الإقامة و الصلاة.

السابع: العربية، فلا يجزئ ترجمتها بغير العربية، كما لا يجزئ الملحون.

الثامن: دخول الوقت.

التاسع: القيام و الاستقبال و الطهارة في الإقامة. دون الأذان، بل غاية الأمر أنها مستحبة فيه.

(مسألة 126): يستحب فيهما التسكين في فصولهما. مع التأنّي في الأذان و الإسراع في الإقامة. كما يستحب في الأذان الإفصاح بالهاء و الألف الواقعتين في آخر بعض فصوله و رفع الصوت فيه و وضع الإصبعين في الاذن و غير ذلك.

(مسألة 127): يكره الكلام في أثناء الأذان و الإقامة، و تشتدّ الكراهة في الإقامة، بل يستحب إعادتها حينئذ، و أشدّ ذلك بعد قول «قد قامت الصلاة».

(مسألة 128): يستحب الفصل بين الأذان و الإقامة بصلاة ركعتين أو بسجدة، أو بجلوس أو بكلام إلا في الفجر فيكره

الكلام. و يستحب أن يقول في السجود:

«لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاضعا خاشعا» أو: «سجدت لك خاضعا خاشعا ذليلا».

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 189

الفصل الثالث من نسي الأذان و الإقامة حتّي دخل في الصلاة

استحب له قطعها لتداركهما، و لا سيّما إذا ذكر ذلك قبل أن يركع، و خصوصا إذا ذكره قبل أن يقرأ. و كذا إذا نسي الإقامة وحدها و ذكر قبل القراءة. بل الظاهر جواز القطع في غير ذلك لتدارك الأذان أو الإقامة سواء ترك الأذان وحده أم الإقامة وحدها. بل لو تعمّد تركهما أو ترك أحدهما ثم بدا له التدارك جاز له القطع أيضا.

(مسألة 129): يجري الحكم المذكور في من ترك بعض فصولهما فله القطع لتدارك ما ترك و ما بعده محافظة علي الترتيب، إلا مع الإخلال بالموالاة فيستأنف من الأول.

تتميم فيه إيقاظ و تذكير

قال اللّه تعالي قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلٰاتِهِمْ خٰاشِعُونَ و قال النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام كما ورد في أخبار كثيرة أنه لا يحسب للعبد من صلاته إلا ما يقبل عليه منها، و أنه لا يقدمنّ أحدكم علي الصلاة متكاسلا، و لا ناعسا، و لا يفكرن في نفسه، و يقبل بقلبه علي ربه، و لا يشغله بأمر الدنيا، و أن الصلاة وفادة علي اللّه تعالي، و أن العبد قائم فيها بين يدي اللّه تعالي. فينبغي أن يكون قائما مقام العبد الذليل الراغب الراهب الخائف الراجي المسكين المتضرع، و أن يصلي صلاة مودع يري أن لا يعود إليها أبدا، و كان علي بن الحسين عليه السّلام إذا قام في الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه إلا ما حرّكت الريح منه، و كان أبو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 190

جعفر و أبو عبد اللّه عليهما السّلام إذا قاما إلي الصلاة تغيرت ألوانهما مرّة حمرة و مرّة صفرة و كأنّهما يناجيان شيئا يريانه، و ينبغي أن يكون صادقا في

قوله إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ فلا يكون عابدا لهواه و لا مستعينا بغير مولاه. و كذا ينبغي إذا أراد الصلاة أو غيرها من الطاعات أن يستغفر اللّه تعالي و يندم علي ما فرّط في جنب اللّه ليكون معدودا في عداد المتقين الذين قال اللّه تعالي في حقهم إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.

و ما توفيقي إلا باللّه، عليه توكلت و إليه أنيب، و هو حسبنا و نعم الوكيل، و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 191

المبحث الثاني في أفعال الصلاة
اشارة

و يجب فيها النية، و تكبيرة الإحرام، و القيام، و القراءة، و الذكر، و الركوع، و السجود، و التشهد، و التسليم، و الترتيب، و الموالاة، فهنا فصول.

الفصل الأول في النية

الصلاة من العبادات التي تجب فيها النية، و لا بد فيها من الإتيان بالأفعال بقصد كونها صلاة، قربة إلي اللّه تعالي علي نحو ما تقدّم في الوضوء، و قد تقدم هناك أنّه لا بدّ من عدم وقوع العبادة بوجه محرّم، و تقدم كثير من الفروع المتعلقة بالنيّة الجارية في المقام.

(مسألة 130): لا بدّ من تعيين الصلاة التي يريد الإتيان بها و يمتثل أمرها، فإذا كان عليه صلوات متعددة و نوي الإتيان بصلاة منها مردّدة بين الفريضة و النافلة أو بين الأدائيّة و القضائية أو بين القضائيّتين بطلت صلاته. نعم يكفي تعيينها إجمالا، كما لو نوي الصلاة الواجبة عليه فعلا و كان الواجب عليه صلاة واحدة لا يعرف نوعها صحت صلاته، و كذا لو نوي ما وجب عليه أوّلا مثلا- فيما إذا كان الواجب عليه متعددا.

(مسألة 131): لا يعتبر نيّة القضاء و الأداء مع وحدة الصلاة الواجبة عليه، فلو علم انشغال ذمته بصلاة ظهر مثلا و ترددت بين أن تكون أدائية و قضائية كفي نيّة الظهر الذي انشغلت بها ذمته. بل لو نوي الصلاة الخاصة بتخيل أنها أدائية فبانت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 192

قضائية مثلا أو بالعكس صحت صلاته. فمن أفاق من نومه و تخيّل عدم طلوع الشمس فصلّي صبح ذلك اليوم بتخيل أنها أدائية صحّت صلاته حتّي لو كانت الشمس طالعة في الواقع، و كذا لو تخيّل طلوعها فصلي صبح ذلك اليوم بتخيل أنها قضائية صحت صلاته حتّي لو لم تكن طالعة في الواقع.

(مسألة 132): إذا

أتي بالصلاة فنوي قطعها ثم رجع عن ذلك قبل أن يأتي بشي ء من الأجزاء صحت صلاته. أما لو أتي بشي ء من الأجزاء من النيّة المذكورة، كما لو نوي قبل القراءة قطع الصلاة بعد إكمال القراءة، فقرأ بهذه النية ثم عدل من نية القطع لم يجتزئ بقراءته حينئذ، بل يشكل صحة صلاته حتّي لو تدارك القراءة. فالأحوط وجوبا الاستئناف بعد فعل القاطع للصلاة التي بيده أو بعد إكمالها.

(مسألة 133): لا يجب في الصلاة البناء علي عدم قطعها، بل تصحّ مع التردد في قطعها، فلو صلّي في مكان يحتمل تعذّر إكمال صلاته فيه و اضطراره لقطعها فصادف عدم حصول القاطع حتّي أتمها صحت صلاته.

(مسألة 134): إذا شرع في الصلاة بنيّة صلاة معينة ثم تردّد في ما نواه أو تخيل أنه نوي صلاة أخري فمضي في صلاته بنيّة إتمام ما دخل فيه صحّت و وقعت علي ما نواه عند الشروع فيها.

(مسألة 135): لا يجوز العدول من صلاة إلي أخري بحيث تقع للثانية إلا في موارد:

الأول: من دخل في العصر ثم ذكر أنّه لم يصل الظهر أو دخل في العشاء ثم ذكر أنّه لم يصل المغرب، فإنّ عليه العدول إلي السابقة محافظة علي الترتيب الواجب مع بقاء محل العدول، و إلا فلا مجال للعدول كما لو ذكر أنه لم يصلّ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 193

المغرب و قد قام للرابعة من العشاء فإنها تبطل، كما تقدم في المواقيت.

الثاني: إذا كانت الصلاتان قضائيتين مترتبتين كالظهر و العصر و المغرب و العشاء علي نحو ما تقدم في الأدائيتين.

الثالث: ما إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه فائتة فإنّ له العدول للفائتة مع سعة وقت الحاضرة و بقاء محل العدول، و

إلا تعيّن إكمال الصلاة علي ما نواها.

الرابع: ما إذا قرأ في صلاة الجمعة سورة التوحيد و التفت بعد الفراغ منها، فإنّه يستحب أن يجعلها نافلة و يتمها ثم يصلي الجمعة بالجمعة و المنافقين.

الخامس: إذا دخل في الفريضة منفردا ثم أقيمت الجماعة استحب له العدول بنيته للنافلة و إتمامها ركعتين ليدخل في الجماعة. و لو علم بعدم إدراك الجماعة إذا أتمّها نافلة جاز له قطعها، بل يجوز له قطعها حتّي مع عدم خوف الفوت.

(مسألة 136): إذا عدل في غير مورد العدول، فإن لم يأت بشي ء من الأجزاء جاز له الرجوع إلي ما نواه أولا و يتمّ صلاته. و إن فعل شيئا قبل الرجوع فكما لا يقع لما عدل إليه، كذلك الأحوط وجوبا عدم وقوعها لما عدل منه و نواه أولا، بل يتخيّر بين إبطالها بفعل المبطل و إتمامها برجاء وقوعها عما نواه أولا من دون أن يعتدّ بها.

(مسألة 137): إذا شكّ في أثناء الصلاة أنه نواها ظهرا أو عصرا مثلا، فإن كان لم يصلّ الظهر قبل ذلك نواها ظهرا و اجتزأ بها. و كذا لو شكّ في أنّه صلّي الظهر.

و إن كان قد صلّي الظهر بطلت، و الأحوط استحبابا عدم الدخول في غيرها إلا بعد إبطالها بفعل أحد المبطلات.

(مسألة 138): إذا قام لصلاة ثم شكّ بعد الدخول في الصلاة أنه نوي ما قام له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 194

أو نوي غيرها لم يبن علي أنه نوي ما قام له، بل يتعيّن عليه قطع ما بيده بفعل مبطل، أو إتمامه من دون أن يجتزئ به عن صلاة خاصّة.

(مسألة 139): إذا كان في أثناء الصلاة ناويا لصلاة معينة ثم شكّ في أنه هل نوي تلك الصلاة

من أول الأمر أو نوي غيرها لم يجتزئ بها لصلاة خاصّة، و يجري عليه حكم المسألة السابقة.

الفصل الثاني في تكبيرة الإحرام

و بها يكون الدخول في الصلاة. و هي ركن تبطل الصلاة بنقصها عمدا أو سهوا، كما تبطل بزيادتها عمدا، فإذا جاء بها ثانية بطلت الصلاة فيحتاج إلي ثالثة، فإن جاء بالرابعة بطلت أيضا و احتاج إلي خامسة، و هكذا تبطل بالشفع و تصح بالوتر إذا قصد بكل منها الافتتاح. و الظاهر عدم البطلان بزيادتها سهوا، كما لو نسي أنه افتتح الصلاة بالتكبير فكبّر للافتتاح. و إن كان الأحوط استحبابا الاستئناف بعد فعل المبطل.

و صورتها: «اللّه أكبر» «1» و يجب أن تكون علي النهج العربي فلا يجزئ الملحون كما لا يجزئ مرادفها بالعربية و لا ترجمتها بغير العربية، و لا تغيير صورتها بإضافة شي ء إليها، بل الأحوط وجوبا عدم وصلها بما قبلها و لا بما بعدها بحذف همزة «اللّه» و ضم راء «أكبر» للدرج.

(مسألة 140): الجاهل بها يجب عليه التعلّم و لو بتلقين غيره لها عند الصلاة،

______________________________

(1) بعض الناس يقرؤها بهذه الصيغة «اللّه و كبَر» و هو خطأ شائع لا بدّ من الانتباه إليه و تجنّبه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 195

فإن عجز عنها تامة علي ما سبق اجتزأ بالممكن منها، فإن عجز جاء بمرادفها بالعربية، فإن عجز فبترجمتها.

(مسألة 141): الأخرس يأتي بها علي قدر الإمكان، فإن لم يقدر علي شي ء منها اكتفي بتحريك لسانه و إشارته بإصبعه مع القصد للمعني و لو إجمالا، بأن يعلم المعني و يقصده علي إجماله حين تحريك اللسان و الإشارة بالإصبع من دون استحضار له بخصوصياته، و كذا الحال في قراءته للقرآن و تشهده و ذكره و دعائه.

(مسألة 142): لا بدّ في

تكبيرة الإحرام من ظهور الصوت و لو خفيفا بحيث لا يسمع إلا نفسه لو لم يكن مانع، و لا يكفي ما دون ذلك فضلا عما إذا لم يكن له صوت أصلا، بل كان بمجرّد تحريك اللسان و الشفتين. كما لا بد من عدم علوّ الصوت المفرط المعدود عرفا من الصياح.

و هكذا الحال في جميع ما يعتبر في الصلاة من قراءة أو ذكر أو غيرهما. نعم لا بأس بارتفاع الصوت المفرط في القراءة و الأذكار المأتي بها لا بنيّة الجزئية من الصلاة، كما يقع من المنبّهين في صلاة الجماعة.

(مسألة 143): الأولي تفخيم اللازم من لفظ الجلالة و الباء و الراء من «أكبر».

(مسألة 144): يجب القيام التام حال تكبيرة الإحرام فإذا تركه عمدا أو سهوا بطلت.

(مسألة 145): لا يكفي القيام حال المشي فلو جاء بتكبيرة الإحرام ماشيا عمدا بطلت، و لو كان ذلك سهوا فالأحوط وجوبا الاستئناف بعد إتمام الصلاة أو بعد فعل المبطل.

(مسألة 146): الأحوط وجوبا الطمأنينة حال تكبيرة الإحرام بحيث يصدق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 196

عرفا أنه مستقر حينها غير مضطرب، و لا يجب المداقّة في ذلك. و لو أخلّ بالطمأنينة عمدا بطلت التكبيرة و إن كان الأحوط وجوبا فعل المبطل قبل إعادتها. أما لو أخل بالطمأنينة سهوا فلا تبطل التكبيرة. كما أنه لو عجز عن الطمأنينة لمرض أو ارتجاج مكان لا يقدر علي غيره سقطت.

(مسألة 147): لو شكّ في تكبيرة الإحرام قبل الإتيان بما بعدها وجب الإتيان بها، و إن كان ذلك بعد الدخول في ما بعدها- كالقراءة بل الاستعاذة بل دعاء التوجه المتقدم- بني علي أنه أتي بها.

(مسألة 148): يجزئ في تكبيرة الافتتاح واحدة، و الأفضل ثلاث تكبيرات، و أفضل منها

خمس، و أفضل منها سبع. و يتحقق الدخول في الصلاة بالأولي، و الزائد عليها مكمّل لفضيلتها. و يستحب للإمام في صلاة الجماعة الجهر بواحدة و الإسرار بالباقي.

(مسألة 149): يجوز الإتيان بالتكبيرات ولاء من غير دعاء. و الأفضل أن يكبر ثلاثا ثم يقول «اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنّه لا يغفر الذنوب إلا أنت» ثم يكبر تكبيرتين ثم يقول: «لبيك و سعديك و الخير في يديك و الشر ليس إليك، و المهدي من هديت، لا ملجأ منك إلا إليك سبحانك و حنانيك و تباركت و تعاليت سبحانك رب البيت»، ثم يكبر التكبيرتين الأخيرتين و يقول: «وجهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين إنّ صلاتي و نسكي و محياي و مماتي للّه رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا من المسلمين». و إذا اجتزأ بتكبيرة واحدة استحب له أن يقول بعدها: «وجهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض علي ملة إبراهيم حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين، إن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 197

صلاتي و نسكي و محياي و مماتي للّه رب العالمين لا شريك له، و بذلك أمرت و أنا من المسلمين».

(مسألة 150): يستحب أن يكون التكبير في حال رفع اليدين مستقبلا بباطنهما القبلة، و الأولي أن تكون مضموتي الأصابع كلها أو ما عدا الإبهامين. و يستحب أن يكون رفعهما مقاربا للوجه أو ما زاد علي ذلك حتّي يحاذي الأذنين و لا يزيد علي ذلك.

الفصل الثالث في القيام

و هو إنما يجب في الصلاة الواجبة مع القدرة و الاختيار و يسقط فيها بالتعذر، كما يأتي. و لا

يجب في الصلاة المندوبة، كما تقدم في فصل أعداد الصلاة.

(مسألة 151): يشترط في الصلاة الواجبة مع القدرة القيام حال تكبيرة الإحرام، و حال القراءة أو الذكر بدلا عنها و قبل الركوع و بعده. و الإخلال به عمدا مبطل للصلاة في الجميع، بل تقدم أنّ من كبّر جالسا سهوا تبطل صلاته. و كذا لو قرأ أو سبّح أو ركع و هو جالس سهوا علي الأحوط وجوبا. و أما لو قام راكعا من دون أن يهوي للركوع من القيام فلا إشكال في بطلان صلاته علي ما يأتي في مبحث الركوع، كما لا إشكال في صحة صلاته لو هوي من الركوع للسجود سهوا من دون أن ينتصب قائما من الركوع، علي ما يأتي في مبحث الركوع.

(مسألة 152): يجب مع الإمكان الاعتدال في القيام، فإذا انحني بظهره أو مال إلي أحد الجانبين بطل، و كذا إذا فرج بين رجليه كثيرا أو قوسهما بثني الركبتين إلي الإمام. نعم يجوز إطراق الرأس، و إن كان الأفضل انتصابه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 198

(مسألة 153): الأحوط وجوبا القيام علي تمام القدمين جميعا، لا علي أحدهما و لا علي أصولهما و لا علي أطراف الأصابع. نعم لا يجب اشتراك الكل في الاعتماد، بل يجوز الاعتماد علي إحدي القدمين دون الأخري، و علي بعض القدم دون بعض مع وضع تمام القدمين علي الأرض.

(مسألة 154): يجوز الاتكاء حال القيام و الاعتماد علي شي ء من إنسان أو عصا أو حائط، و إن كان مكروها، بل الأحوط استحبابا الاستقلال مع الإمكان. أما مع الاضطرار فلا بأس به.

(مسألة 155): إذا تعذّر القيام منتصبا اجتزأ بمسمي القيام و لو منحنيا أو مائلا إلي أحد الجانبين، أو مع عدم

الطمأنينة، فإن تعذّر صلّي من جلوس. و يجب حينئذ مع الإمكان الانتصاب بإقامة الظهر و اعتداله. و الأحوط استحبابا عدم الاتكاء و الاعتماد حاله، كما تقدم في القيام.

(مسألة 156): من عجز عن الجلوس صلّي مضطجعا علي جانبه الأيمن، موجّها إلي القبلة بصدره، فإن لم يستطع صلّي مضطجعا علي جانبه الأيسر.

موجها إلي القبلة بصدره أيضا، فإن لم يستطع صلّي مستلقيا بحيث لو جلس كان مستقبلا للقبلة. و يومئ للركوع و السجود. و ليكن إيماء السجود أخفض.

و مع تعذّر الإيماء يغمض عينيه علي الأحوط وجوبا. و مع تعذّره ينوي بقلبه.

كما أن الأحوط وجوبا مع القدرة أن يضع حال السجود بالإيماء جبهته علي ما يصحّ السجود عليه، و كذا في حال السجود بتغميض العينين.

(مسألة 157): إذا تمكن من القيام و عجز عن الركوع قائما صلّي من قيام و ركع جالسا، و إذا عجز عن الركوع جالسا أومأ للركوع قائما و للسجود قائما أو جالسا، و جلس للتشهد. و مع الإيماء يجري ما تقدم في المسألة السابقة من كون

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 199

الإيماء للسجود أخفض و وضع الجبهة علي ما يصح السجود عليه.

(مسألة 158): حد العجز المسوّغ للانتقال من القيام للجلوس و لما بعده من المراتب التعذّر الحقيقي أو لزوم الضرر- من مرض أو عدوّ أو نحوهما- و يكفي فيه الخوف، أو لزوم الحرج و المشقة التي يصعب تحملها عادة.

(مسألة 159): من قدر علي القيام في بعض الصلاة دون بعض وجب عليه القيام حتّي يعجز فيجلس ثم يقوم متي قدر حتّي يعجز و هكذا حتّي يتم صلاته.

(مسألة 160): إذا دار الأمر بين الصلاة من جلوس بركوع و سجود و الصلاة قائما بالإيماء اختار الأول. و كذا

إذا دار الأمر بين الصلاة ماشيا بالإيماء و الصلاة جالسا. نعم إذا دار الأمر بين الصلاة ماشيا مع الركوع و السجود التامّين و الصلاة من جلوس فالأحوط وجوبا الجمع بينهما. كما أن الأحوط استحبابا في الصورتين الأوليين الجمع بين الوجهين.

(مسألة 161): إذا دخل الوقت و هو قادر علي الصلاة من قيام و توقّع تجدّد انعجز عنها في الوقت وجبت المبادرة إليها، فإن فرّط حتّي تعذّر عليه جاز له الصلاة جالسا أو ما دونها من المراتب المتقدمة و اجتزأ بها، بل الأحوط وجوبا مع التفريط عدم الاكتفاء بالمشقة في الانتقال للمرتبة الدانية و لزوم تحمل الحرج بالإتيان بالصلاة التامة لو قدر عليها. و هكذا الحل في جميع موارد القدرة علي الصلاة التامة و توقّع تجدّد العجز في أثناء الوقت.

(مسألة 162): إنما تشرع الصلاة الناقصة بالجلوس و ما دونه من المراتب مع استيعاب العذر للوقت، فلو بادر إليها في أول الوقت كانت صحتها مراعاة باستمرار العذر، و كذا الحال في جميع موارد تعذّر الصلاة التامة، إلا ما استثني فينبّه عليه في موضعه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 200

(مسألة 163): يستحب في القيام إسدال المنكبين و إرسال اليدين و وضع الكفين مبسوطتين مضمومتي الأصابع علي الفخذين بحذاء الركبتين، و أن يكون نظره- في غير حال القنوت- إلي موضع السجود، و أن يصفّ قدميه متحاذيتين بحيث لا تتقدم إحداهما علي الأخري، و إن يستقبل بهما و يباعد بينهما بإصبع إلي شبر، و الأفضل أن يكون بينهما ثلاث أصابع مفرجات إلا المرأة فإنّ الأفضل لها أن تجمع بين قدميها، و أن يساوي بينهما في الاعتماد، و أن يكون في حال خضوع و خشوع كقيام العبد الذليل بين يدي المولي

الجليل.

الفصل الرابع في القراءة

يجب في الركعة الاولي و الثانية من كل صلاة- فريضة كانت أو نافلة- قراءة سورة فاتحة الكتاب. و منها البسملة، فإنّها جزء منها و من كل سورة عدا سورة براءة.

(مسألة 164): يجب في الفريضة قراءة سورة كاملة بعدها. و المراد بها الفريضة بالأصل و إن صارت مندوبة بالعارض، كالصلاة اليومية المعادة جماعة و صلاة العيدين في عصر الغيبة. أما النافلة فلا يجب فيها قراءة السورة حتّي لو وجبت بالعارض، كنذر أو إجارة. نعم بعض النوافل الخاصة وردت بكيفيّة مخصوصة مشتملة علي سور أو آيات مخصوصة و غير ذلك، فلا بد في إدراك فضيلتها من المحافظة علي كيفيتها الواردة.

(مسألة 165): تسقط السورة في الفريضة علي المريض و المستعجل.

و الأحوط وجوبا فيهما الاقتصار علي صورة المشقة في الجملة، بل لا إشكال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 201

في عدم كفاية كون الشخص ممن يستعجل في صلاته و لو من دون شغل لعدم اهتمامه بها. كما يكفي في ترك السورة خوف ضيق الوقت، و الخوف من شي ء يضرّ به.

(مسألة 166): لا تجوز قراءة السور التي يفوت الوقت بقراءتها. فإن قرأها متعمدا متلفتا لفوت الوقت بقراءتها و لحرمة ذلك بطلت الصلاة.

(مسألة 167): من قرأ السورة التي يفوت الوقت بقراءتها غفلة عن ذلك فإن التفت في الأثناء مع إمكان التدارك بتبديل السورة و إدراك الوقت وجب و صحت صلاته، و كذا مع ضيق الوقت عن قراءة سورة أخري إذا أمكن إدراك الوقت و لو بإدراك ركعة، حيث يجب حينئذ ترك السورة لإدراك الركعة.

و أما إذا التفت مع ضيق الوقت عن إدراك الركعة أو بعد خروج الوقت فيجب إكمال السورة و إتمام الصلاة و تقع الصلاة قضاء حينئذ. و كذا

لو التفت بعد إكمال السورة أو بعد إتمام الصلاة، فإنها تصح و تقع قضاء.

(مسألة 168): لا تجوز قراءة إحدي سور العزائم الأربع في الفريضة، لوجوب السجود بها الموجب لبطلانها. فإن قرأ بها بنيّة الجزئية متعمدا و ملتفتا لذلك بطلت صلاته.

(مسألة 169): من قرأ إحدي سور العزائم لا بنيّة الجزئية حرم عليه قراءة آية السجدة منها فإن قرأها سجد لها و بطلت صلاته.

(مسألة 170): من قرأ إحدي سور العزائم بنيّة الجزئية سهوا أو غفلة عن وجوب السجود لها أو عن بطلان الصلاة بالسجود المذكور، فإن لم يلتفت و لم يسجد لها حتّي أتم صلاته صحت صلاته، و وجب عليه السجود للتلاوة. و كذا تصح صلاته إن سجد غفلة عن مبطلية السجود للصلاة أو جهلا بها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 202

و إن التفت بعد قراءة آية السجدة وجب عليه السجود و بطلت صلاته، و إن التفت قبل قراءة آية السجدة عدل عن السورة- و لو بعد تجاوز النصف- لسورة أخري و صحت صلاته، فإن لم يعدل و استمر في قراءة سورة العزيمة بطلت صلاته.

(مسألة 171): إذا استمع إلي آية السجدة و هو في الصلاة أومأ برأسه للسجود و لم تبطل صلاته. و كذا إذا سمعها من غير استماع علي الأحوط وجوبا، و إن لم يومئ عصي، و لم تبطل صلاته أيضا.

(مسألة 172): من صلّي مع إمام من العامة تقيّة فقرأ الإمام سورة من العزائم فإن سجد الإمام لها سجد معه، و إن لم يسجد اجتزأ بالإيماء و صحت صلاته في الحالين. و يأتي في مبحث صلاة الجمعة- إن شاء اللّه تعالي- كيفية الائتمام بهم و مورده.

(مسألة 173): تجوز قراءة سورة من العزائم في النافلة فإذا

بلغ موضع السجود سجد و لا تبطل صلاته، بل يتمها، و كذا الحكم لو قرأ آية السجدة منها. و لو نسي السجود لها في محله جاء به متي ذكره في الصلاة أو بعدها.

(مسألة 174): سور العزائم أربع: سورة (الم السجدة)، و موضع السجود منها الآية الخامسة عشرة. و سورة (حم السجدة) و هي سورة فصّلت، و موضع السجود منها الآية السابعة و الثلاثون. و سورتا النجم و العلق، و موضع السجود منهما الآية الأخيرة.

(مسألة 175): يجب السجود لقراءة الآيات المذكورة من سور العزائم الأربع و لو في غير الصلاة علي القاري و المستمع، بل السامع من دون استماع علي الأحوط وجوبا، إلا أن يكون مصلّيا فلا يجب عليه السجود، بل الأحوط وجوبا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 203

له الإيماء برأسه بدلا عنه.

(مسألة 176): لا يجب السجود بقراءة بعض الآية أو سماعها، إلا إذا كان مشتملا علي الجملة المتضمنة للسجود، فإن الأحوط وجوبا السجود حينئذ.

(مسألة 177): يستحب السجود في كل موضع من القرآن يشتمل علي سجدة، و منها المواضع المعروفة المسجلة في المصاحف المطبوعة، حيث ذكر العلماء استحباب السجود فيها بالخصوص، و منها سجدة سورة (ص) و إن لم تشتمل علي السجود بل اشتملت علي الركوع.

(مسألة 178): وجوب السجود في العزائم الأربع و استحبابه في غيرها فوري، و مع عدم المبادرة عمدا أو سهوا لا يسقط، بل يبقي علي فوريته.

(مسألة 179): يتكرر السجود بتكرر السبب. و لو تعدد السبب و لم يسجد في الكل وجب عليه تكرار السجود، و يكفي تخلل رفع الرأس بين السجدتين و لا يجب الجلوس التام بينهما كما في الصلاة.

(مسألة 180): يجب في سجود التلاوة النيّة علي نحو ما تقدم في

الوضوء، و الأحوط وجوبا مماسة الجبهة للأرض أو ما أنبتت علي نحو ما يأتي في سجود الصلاة. و عدم علوّ مسجد الجبهة بأكثر من أربعة أصابع. و وضع المساجد السبعة علي الأرض علي نحو ما يأتي في سجود الصلاة. نعم لا تجب الثلاثة الأخيرة مع قراءة السجدة حال الركوب حيث يكفي السجود بالإيماء و الأحوط وجوبا حينئذ وضع الجبهة علي الأرض أو ما أنبتت.

(مسألة 181): لا يشترط في هذا السجود الاستقبال و لا الطهارة من الحدث و لا الخبث، و لا يسقط عن الحائض، كما لا يعتبر فيه طهارة موضع الجبهة و لا ستر العورة و بقية شروط سجود الصلاة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 204

(مسألة 182): ليس لهذا السجود تكبير للافتتاح و لا تشهّد و لا تسليم. نعم يستحب التكبير بعد رفع الرأس منه. و الأحوط وجوبا الذكر فيه و يجزئ فيه ما يجزئ في سجود الصلاة. و الأفضل أن يقول فيه «سجدت لك تعبّدا و رقّا لا مستكبرا عن عبادتك و لا مستنكفا و لا مستعظما، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير».

(مسألة 183): لا تجوز قراءة البسملة في الفريضة بنيّة الجزئية في الصلاة إلا بنية تعيينها لسورة خاصة. و إذا لم يعينها لسورة فإن قصد بها الذكر أو القرآن من دون نيّة الجزئية لم تبطل الصلاة و إن قصد بها الجزئية عمدا بطلت الصلاة، و إن كان سهوا لم تبطلها لكن لا يجتزأ بها، بل لا بد من إعادتها للسورة التي يريد قراءتها.

و لو عينها لسورة فليس له أن يقرأ بها غيرها، بل لا بدّ من إعادتها للثانية إذا جاز العدول إليها علي ما يأتي التعرض لموارده. و يكفي في التعيين القصد

الإجمالي الارتكازي الناشئ من العادة، فلو كان من عادته أن يقرأ سورة الإخلاص بعد الفاتحة فجاء بالبسملة لها جريا علي عادته من دون التفات تفصيلي لذلك وقعت لسورة الإخلاص و لم يحتج لإعادتها. و هكذا الحال في كل ما هو مشترك بين السور مما يقع في أوائلها مثل (الم) و (حم) و (الحمد للّه) و (تبارك الذي) و غيرها.

(مسألة 184): إذا قرأ البسملة ثم تردّد في السورة التي قصدها لها لم يجتزئ بها بل لا بد من إعادتها للسورة التي يريد قراءتها.

(مسألة 185): إذا عزم في أول الصلاة علي قراءة سورة خاصة ثم غفل عنها و قرأ غيرها جريا علي عادته أو لأمر آخر اجتزأ بما قرأ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 205

(مسألة 186): الأحوط وجوبا عدم الزيادة علي سورة واحدة في الفريضة، و ذلك بأن يأتي بما زاد علي السورة علي أنّه جزء من الصلاة إلّا في مورد العدول الآتية، أمّا إذا أتي به لا بقصد الجزئية بل بما أنّه قراءة للقرآن فلا بأس به كما لا بأس بالإتيان بأكثر من سورة في النوافل مطلقا، بل جملة من النوافل يستحب فيها ذلك أو يلزم.

(مسألة 187): لا يجوز الاقتصار في ركعة واحدة علي (الضحي) و لا علي (أ لم نشرح)، و لا علي (الفيل) و لا علي (الإيلاف)، بل من أراد قراءة إحدي هذه السور لزم عليه الجمع في الركعة الواحدة بين الأوليين أو الأخيرتين مع الترتيب بينهما و توسّط البسملة.

(مسألة 188): لا يجوز العدول من سورة التوحيد أو الجحد و هي الكافرون، إلي غيرهما، و لا من إحداهما للأخري، و يكفي في عدم جواز العدول الشروع بالبسملة. و أما العدول من بقيّة السور

فلا يجوز إذا قرأ ثلثي السورة، بل الأحوط وجوبا عدم العدول مع تجاوز النصف.

(مسألة 189): من أراد أن يقرأ سورة الجمعة أو المنافقين في يوم الجمعة فنسي و قرأ سورة التوحيد جاز له العدول منها و الرجوع إلي ما أراد قراءته أولا، سواء كان ذلك في صلاة الصبح أم الظهر أم العصر أما لو تعمّد قراءة التوحيد من أول الأمر فالأحوط وجوبا عدم العدول منها، كما أن الأحوط وجوبا عدم العدول من سورة الجحد للسورتين المذكورتين مطلقا.

(مسألة 190): يتخير المصلي في الثالثة من المغرب و الأخيرتين من الرباعية بين قراءة الفاتحة و الذكر، من دون فرق بين الإمام و المأموم و المنفرد. و الذكر أفضل للمأموم بل هو الأحوط استحبابا. و في أفضليته للإمام و المنفرد إشكال.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 206

(مسألة 191): لا يجب مساواة الركعتين الأخيرتين في القراءة أو الذكر، بل له القراءة في إحداهما و الذكر في الأخري.

(مسألة 192): يجوز العدول من الذكر قبل إكماله إلي القراءة، و كذا العكس.

(مسألة 193): إذا قصد أحدهما فسبق لسانه إلي الآخر فلا يجتزئ به، بل لا بدّ من الاستئناف له أو لبديله. أما إذا عزم من أول الأمر علي الإتيان بأحدهما أو كان من عادته ذلك فنسي و أتي بالآخر فإنّه يجتزئ به، و كذا إذا قرأ باعتقاد أنه في الأوليين فتبين أنه في الأخيرتين أو اعتقد أنه في الأخيرتين فاختار القراءة ثم تبين أنه في الأوليين. أو اعتقد أنه في الأوليين فغفل و أتي بالتسبيح ثم تبيّن أنّه في الأخيرتين. فإنّه يجتزئ بما أتي به في جميع ذلك و لا يحتاج للاستئناف.

(مسألة 194): يكفي في الذكر في الركعتين الأخيرتين أن يقول: (سبحان

اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر) مرة، و الأفضل ثلاثا أو يقول: (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه) ثلاثا، أو يقول: (الحمد للّه و سبحان اللّه و اللّه أكبر) مرة، أو يسبح و يحمد اللّه و يستغفر. بل يحتمل الاجتزاء بمطلق الذكر من دون تحديد بصورة خاصة، لكن الأحوط وجوبا الاقتصار علي إحدي الصور المتقدمة.

و الأولي في غير الصورة الأخيرة إضافة الاستغفار.

(مسألة 195): يجب الجهر علي الرجال بالقراءة في الصبح و الأوليين من المغرب و العشاء، و لا يجب علي النساء فيها، بل يتخيّرن بينه و بين الإخفات.

(مسألة 196): يجب الإخفات علي الرجال و النساء في القراءة في الظهرين، كما يجب عليهم جميعا الإخفات في ثالثة المغرب و الركعتين الأخيرتين من الرباعية سواء اختار المصلي الذكر أم القراءة.

(مسألة 197): يستحب الجهر بالبسملة في الأوليين من الصلاة الإخفاتية، بل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 207

حتّي في الأخيرتين لو اختار القراءة، و إن كان الأحوط استحبابا الإخفات.

(مسألة 198): يجب الجهر في صلاة الجمعة، و يستحب في صلاة ظهر يوم الجمعة تماما كانت أو قصرا.

(مسألة 199): يتخير المصلي بين الجهر و الإخفات في ما عدا القراءة و ذكر الركعتين الأخيرتين، كتكبيرة الإحرام و ذكر الركوع و السجود و التشهد و التسليم.

(مسألة 200): تقدم عند الكلام في تكبيرة الإحرام حدّ الكلام المعتبر في جميع الألفاظ الواردة في الصلاة. أما الجهر و الإخفات في المقام فالظاهر أن المرجع فيهما إلي العرف، فالإخفات ما يصدق به الإسرار عرفا، و الأحوط وجوبا فيه عدم ظهور جوهر الصوت، و الجهر ما يصدق به الإعلان و الإظهار عرفا لارتفاع الصوت، و الأحوط وجوبا

فيه ظهور جوهر الصوت. و علي ذلك لا يجزئ في الجهر و لا الإخفات رفع الصوت من دون ظهور جوهره، كالكلام المرتفع الصادر من المبحوح.

(مسألة 201): لا بأس بارتفاع الصوت المفرط في القراءة و الأذكار المأتي بها لا بنيّة الجزئية من الصلاة، كما يكون من بعض المنبّهين لصلاة الجماعة.

(مسألة 202): إذا جهر المصلي في موضع الإخفات أو أخفت في موضع الجهر عمدا بطلت صلاته، و إذا كان ناسيا أو جاهلا بالحكم- و لو للجهل بضابط الجهر و الإخفات- صحت صلاته. نعم إذا كان مترددا حين الصلاة فجهر أو أخفت برجاء المطلوبية و انكشف مخالفة ما أتي به للواقع فالأحوط وجوبا له الإعادة.

(مسألة 203): إذا تذكّر الناسي أو علم الجاهل في أثناء القراءة أو الذكر أو بعدهما لم تجب عليه إعادة ما قرأه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 208

(مسألة 204): يجب في القراءة و الذكر و غيرهما مما يعتبر في الصلاة أن يكون علي النهج العربي فلا يجزئ الملحون. و لا الترجمة نظير ما تقدم في تكبيرة الإحرام. نعم لا يعتبر ذلك في الذكر المأتي به له بقصد الجزئية في الصلاة.

(مسألة 205): يجب حذف همزة الوصل في الدرج إن لم تفصل بسكتة عما قبلها مثل همزة (اللّه) و (الرحمن) و (الرحيم) و (اهدنا) و غيرها، كما يجب إثباتها مع الوقوف علي ما قبلها، و يجب إثبات همزة القطع مثل همزة (إياك) و (أنعمت) و (أشهد) و نحوها.

(مسألة 206): الظاهر جواز الوقوف بالحركة و الوصل بالسكون. و إن كان الأحوط استحبابا ترك الأمرين معا. و لا يجوز تبديل الحركة بغيرها، و إلا كان الكلام ملحونا باطلا.

(مسألة 207): الظاهر عدم وجوب المدّ في الواو الساكنة المضموم ما

قبلها و الياء الساكنة المكسور ما قبلها و الألف المفتوح ما قبلها إذا كان بعدها همزة و إن كانت في كلمة واحدة، مثل (جاء) و (ماء) و (سوء) و (جي ء). بل و كذا إذا كان بعدها سكون لازم كما في مثل (ضالّين). لكن لا بدّ من ظهور الحروف المذكورة عرفا و عدم حذفها بسبب التقاء الساكنين. نعم يحسن المدّ في الموردين المذكورين، خصوصا الثاني، بل هو الأحوط استحبابا.

(مسألة 208): يجب إظهار لام التعريف و لا يجوز إدغامها في ما بعدها إذا كان بعدها أحد الحروف القمرية، و هي الهمزة و الباء و الجيم و الخاء و الحاء و العين و الغين و الفاء و القاف و الكاف و الميم و الواو و الهاء و الياء، كما في مثل «الحمد» و «العالمين» و «المستقيم»، كما أن الأحوط وجوبا عدم إظهارها بل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 209

تدغم في ما بعدها إذا كان بعدها أحد الحروف الشمسية، و هي باقي الحروف الهجائية.

(مسألة 209): يجب إدغام أحد الحرفين المتماثلين في الآخر إذا كان الأول ساكنا و كانا في كلمة واحدة كما في «مدّ» و «عمّ» و هو الأحوط وجوبا فيما إذا كانا في كلمتين، كما في «اذهب بكتابي» و «يدرككم» و أما إذا كان الحرفان متقاربي المخرج- كالتاء و الدال و الطاء، و كالثاء و الذال، و الضاد و الظاء- فلا يدغم الأول إدغاما تاما، بل قد يظهر قليلا. و يجزئ فيه الجري علي ما تقتضيه طبيعة النطق من دون تكلّف كما في «عبدتم» و «قالت طائفة»، و «يلهث ذلك» و نحوها. و الأحوط وجوبا إدغام النون الساكنة قبل أحد حروف «يرملون».

(مسألة 210): يتخير المكلف في القراءة

بين القراءات المشهورة المتداولة في زمان الأئمة عليهم السّلام. و إن كان الأولي اليوم القراءة علي ما هو المثبت في المصاحف المشهورة بين المسلمين.

(مسألة 211): يجوز في سورة الفاتحة قراءة «مالك يوم الدين» و «ملك يوم الدين» و قراءة «صراط» و «سراط»، و إن كان الأولي الأول في المقامين.

(مسألة 212): يجوز في سورة التوحيد قراءة: «كفوا» بضم الفاء مع الواو، و «كفؤا» و «كفؤا» بضم الفاء و سكونها مع الهمزة. و إن كان الأولي الأول.

(مسألة 213): الأحوط وجوبا في قوله تعالي قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ. اللّٰهُ الصَّمَدُ إظهار تنوين (أحد) و كسره في الدرج.

(مسألة 214): تجب الموالاة بين حروف الكلمة الواحدة بالمقدار الذي يتوقف عليه صدق الكلمة عرفا، فإذا فاتت الموالاة سهوا بطلت الكلمة فتجب إعادتها و لا تبطل الصلاة بذلك، و كذا الموالاة بين حرف التعريف و مدخولة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 210

و بين الضمير المتصل و ما يتصل به، و نحو ذلك مما يعدّ كلمة واحدة عرفا. بل هو الأحوط وجوبا في حرف الجر و مدخولة و حرف العطف و مدخولة و حرف النداء و المنادي، بل جميع الحروف و مدخولها، و كذا المضاف و المضاف إليه.

و أما في غير ذلك فإن كان الكلام ذكرا من تسبيح أو تشهد أو نحوهما، مما كان وظيفة المصلي فيه قصد أداء مضمونه و لو إجمالا- و منه التسليم- فاللازم المحافظة فيه علي الموالاة بين المفردات في الجملة الواحدة، و بين الجمل المتعلّق بعضها ببعض كالجملة الحالية و التعليلية مع ما قبلها، و كالجمل المتعاطفة و غيرها، فلا يجوز الفصل بينها بالسكوت الطويل الذي لا يتعارف عند أهل اللسان إلا عند الإعراض عن الكلام و

لا بالكلام الأجنبي، فمن سكت بالمقدار المذكور بين أجزاء الشهادتين في التشهد أو ردّ السّلام أو نحو ذلك لزمه استئناف التشهد و عدم الاجتزاء بما وقع منه بخلاف ما لو فعل ذلك بين التسبيحات الأربع عند تكرارها أو بين التشهد و الصلاة علي النبي و آله، و بين الصلاة و التسليم، حيث لا حاجة لاستئناف ما وقع إلا أن يكون السكوت طويلا ماحيا لصورة الصلاة فيستأنف الصلاة، علي ما يأتي عند الكلام في منافيات الصلاة.

و أما في القراءة التي لا يعتبر فيها إلا قصد المصلي حكاية القرآن الكريم بلا حاجة لقصد المضمون، فلا يقدح الفصل بالسكوت الطويل و لا بالأجنبي، إلا أن يكون ماحيا لصورة الصلاة.

(مسألة 215): إذا شك في حركة كلمة أو في صورة نطقها أو غير ذلك مما يشترط في صحتها فإن كان في القراءة لم تجز له القراءة بالوجهين، أو بجميع الوجوه المحتملة، بل يجب عليه التعلّم. و لو حصل له الشك و هو في الصلاة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 211

و تعذّر عليه التعلّم حالها قرأ بأحد الوجهين برجاء صحته، فإن انكشف صحته اجتزأ به و إلا أعاد الصلاة. و كذا الحال في السّلام.

و إن كان في ذكر اللّه تعالي أو النبي صلّي اللّه عليه و آله أو الدعاء جاز النطق بجميع الوجوه المحتملة مع نية الصلاة إجمالا بالصحيح منها و الذكر المطلق بغيره.

(مسألة 216): يجوز تكرار الآية أو الذكر أو الدعاء و إن لم يكن مطلوبا في الصلاة. لكن لا بدّ من عدم قصد الجزئية في الزائد، بل بقصد القرآنية أو الذكر المطلق.

(مسألة 217): يجوز في القراءة قصد مضمون الكلام من الدعاء و الخطاب و نحوها في طول قصد

القرآنية، بأن يقصد بقراءة القرآن الكناية عن بيان مضمونه.

(مسألة 218): لا تصح القراءة و الذكر في الركعتين الأخيرتين حال المشي بل الأحوط وجوبا فيها الطمأنينة علي نحو ما تقدم في تكبيرة الإحرام، و تقدم هناك سقوطها مع التعذر و عدم البطلان بالإخلال بها سهوا.

(مسألة 219): إذا تحرك في حال القراءة قهرا وجب عليه السكوت فإن لم يسكت غفلة صحت صلاته و قراءته و لم يجب عليه إعادة ما قرأ حال التحرك- و إن كانت إعادته أحوط استحبابا- بل الأقوي ذلك أيضا إذا قرأ قهرا لقوة الاستمرار بنحو فقد السيطرة علي نطقه، و إن كان الأحوط استحبابا فيه إعادة الصلاة بعد إكمالها أو استئنافها بعد قطعها.

(مسألة 220): ما تقدم في تكبيرة الإحرام من حكم الأخرس يجري هنا.

و لا يجب عليه الائتمام.

(مسألة 221): يجب تعلّم القراءة و الذكر و نحوه مما يجب في الصلاة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 212

(مسألة 222): من لا يقدر إلا علي الملحون و لو بتبديل بعض الحروف أجزأه ذلك، و لا يجب عليه الائتمام. و كذا إذا ضاق الوقت عن التعلّم.

(مسألة 223): من كان يعلم بعض الفاتحة قرأه، و الأحوط وجوبا أن يقرأ من سائر القرآن بقدر بقيّتها و يأتي بالسورة بعد ذلك. و إذا لم يعلم شيئا منها قرأ من سائر القرآن و الأحوط وجوبا أن يكون بقدرها و إذا قدر علي السورة التامة أتي بها، و إذا لم يقدر علي ذلك فالأحوط وجوبا أن يقرأ من القرآن بقدرها. و إن لم يعلم شيئا من القرآن أجزأه أن يكبّر و يسبّح بقدر ما يحسن، و الأحوط وجوبا أن يكون بقدر الفاتحة و السورة.

(مسألة 224): يجب تعلّم القراءة و الذكر و

نحوهما مما يجب في الصلاة مع القدرة عرفا علي ذلك، كما يجب تعلّم النهج العربي المعتبر فيه، و لا يجزئ الناقص أو البدل حينئذ. و لو فرّط حتي ضاق الوقت عن التعلّم فالأحوط وجوبا الإتمام مع القدرة عليه، و مع تعذّره أو كون النقص في غير القراءة فالأحوط وجوبا الجمع بين الأداء بالناقص و القضاء.

(مسألة 225): إذا قرأ أو ذكر بالوجه غير الصحيح معتقدا صحته جهلا أو نسيانا و لم يلتفت إلا بعد مضي محل التدارك أجزأه ما وقع و صحت صلاته.

(مسألة 226): إذا نسي القراءة أو الذكر أو بعضهما حتي وصل إلي حدّ الركوع مضي و صحت صلاته، و لو ذكر بعد الهوي للركوع قبل الوصول لحدّه رجع و تدارك ما نسيه.

(مسألة 227): إذا شك في القراءة أو الذكر قبل التكبير للركوع أو القنوت أتي بما شك فيه، بل هو الأحوط وجوبا إذا كان الشك بعد التكبير قبل الركوع، أما لو شك بعد الدخول في الركوع مضي في صلاته و بني علي أنه قد أتي بما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 213

شك فيه. بل الظاهر ذلك أيضا لو حصل الشك بعد الدخول في القنوت، و إن كان الأحوط استحبابا فيه الرجوع و الإتيان بما شك فيه ثم إعادة القنوت برجاء المطلوبية.

(مسألة 228): تستحب الاستعاذة قبل الشروع في القراءة في الركعة الأولي بأن يقول: «أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم» و الأولي الإخفات بها، و يستحب الجهر بالبسملة في أوليي الظهرين، و الترتيل في القراءة، و تحسين الصوت بلا غناء، و الوقف علي فواصل الآيات و السكتة بين الحمد و السورة، و بين السورة و تكبير الركوع، أو القنوت، و أن يقول بعد قراءة التوحيد:

(كذلك اللّه ربي) أو (ربنا) و أن يقول بعد الفراغ من الفاتحة (الحمد للّه رب العالمين)، و المأموم يقولها بعد فراغ الإمام و قراءة بعض السور في بعض الصلوات كقراءة (عمّ) و (هل أتي) و (الغاشية) و (البلد) في صلاة الصبح و سورة (الأعلي) و (الشمس) و نحوهما في الظهر و العشاء و سورة (النصر) و (التكاثر) في العصر و المغرب و يستحب قراءة سورة الجمعة في الركعة الاولي و سورة الأعلي في الركعة الثانية من العشائين ليلة الجمعة و قراءة سورة الجمعة في الاولي و التوحيد في الثانية من صبحها، و قراءة سورة الجمعة في الاولي و المنافقين في الثانية من ظهريها، و قراءة سورة (هل أتي) في الاولي و (هل أتاك) في الثانية في صبح الخميس و الاثنين، و يستحب في كل صلاة قراءة (التوحيد) في الاولي و (القدر) في الثانية، و روي عكس ذلك، و إذا عدل عن غيرهما إليهما لما فيهما من فضل أعطي أجر السورة التي عدل عنها مضافا إلي أجرهما.

(مسألة 229): يكره ترك سورة التوحيد في الفرائض الخمس ليوم واحد، و يكره قراءتها بنفس واحد، و قراءة سورة واحدة في كلتا الركعتين الأوليين إلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 214

سورة التوحيد فإنّه لا يكره الاقتصار عليها في صلاة واحدة، بل في جميع الصلوات.

الفصل الخامس في الركوع

و هو واجب في كل ركعة مرة، فريضة كانت أو نافلة عدا صلاة الآيات، علي ما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالي. كما أنه ركن تبطل الصلاة بزيادته و نقيصته عمدا و سهوا، عدا صلاة الجماعة، فلا تبطل بزيادته للمتابعة، كما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالي، و عدا النافلة فلا تبطل بزيادته

فيها سهوا علي كلام يأتي في مباحث الخلل.

و يجب فيه أمور:

الأول: الانحناء بقصد الركوع إلي الإمام مع استقامة الساقين و عدم ثنيهما إلي الإمام بمقدار تصل أطراف الأصابع إلي الركبتين. و غير مستوي الخلقة لطول اليدين أو قصرهما أو طول الجثة أو قصرها يرجع في مقدار الانحناء إلي مستوي الخلقة.

الثاني: الذكر و يجزئ فيه: «سبحان ربي العظيم و بحمده» أو «سبحان اللّه» ثلاثا. بل يجزئ مطلق الذكر من تحميد و تكبير و تهليل إذا كان بقدر الثلاث الصغريات، و يجوز الجمع بين التسبيحة الكبري و الثلاث الصغريات، و كذا بينها و بين غيرهما من الأذكار، و يشترط في الذكر العربية علي نحو ما تقدم في القراءة.

(مسألة 230): يجزئ «سبحان اللّه» مرة واحدة للمريض الذي يشق عليه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 215

الثلاث، و كذا مع ضيق الوقت عنها أو وجود ضرورة عرفية من خوف أو نحوه.

و الأحوط وجوبا الاقتصار في الضرورة العرفية علي ما إذا كانت مستوعبة للوقت.

(مسألة 231): يجري في الأخرس و العاجز عن تعلّم الصحيح ما تقدم في القراءة.

(مسألة 232): من نسي الذكر حتي رفع رأسه من الركوع و خرج عن حدّه الواجب صحت صلاته.

(مسألة 233): من قال في الركوع «سبحان ربي الأعلي و بحمده» لم يجتزئ به إلا أن يضيف من الذكر ما يكون معه المجموع بقدر ثلاث تسبيحات.

الثالث: الطمأنينة فيه بقدر الذكر الواجب علي الأحوط وجوبا بالمقدار المتقدم في تكبيرة الإحرام و القراءة.

الرابع: رفع الرأس منه حتي يعتدل قائما. و الأحوط وجوبا الطمأنينة حاله، و لو أخلّ بها سهوا لم تبطل صلاته. و كذا لو أخل بالاعتدال إذا خرج عن حدّ الركوع. و قد تقدم في القراءة بعض الفروع المتعلقة

بالطمأنينة.

(مسألة 234): إذا عجز عن الانحناء بالمقدار المتقدم- و لو بالاعتماد علي شي ء من عصا أو غيرها- ركع جالسا إذا تمكّن من الانحناء حال الجلوس بقدر الانحناء للركوع حال القيام. و إن تعذر الانحناء بالمقدار المذكور حتي جالسا فالأحوط وجوبا الانحناء بظهره بالمقدار الميسور و هو قائم، فإن تعذّر الانحناء بظهره و لو قليلا صلّي قائما بالإيماء و يومئ للركوع برأسه، فإن تعذّر كان ركوعه بتغميض عينيه.

(مسألة 235): إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض فإن أمكنه الانتصاب التام

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 216

للقراءة و للهوي للركوع- و لو بالاستعانة بشي ء- وجب، و إلا اكتفي بالميسور و لو بالخروج عن حدّ الركوع لخصوص الهوي للركوع، و إن تعذّر عليه الخروج عن حدّ الركوع رأسا أومأ برأسه للركوع أو بعينيه علي النحو المتقدم في من يتعذّر عليه القيام في الصلاة و إن كان الأحوط استحبابا له مع القدرة الانحناء قليلا بنحو لا ينزل عن حدّ الركوع، و مع تعذّر ذلك لكونه في آخر مرتبة من الركوع يرفع رأسه قليلا ثم يهوي إلي حاله بنيّة الركوع.

(مسألة 236): يجب أن يكون الانحناء بقصد الركوع، فلو انحني بقصد أمر آخر- كتناول شي ء- فليس له أن ينوي بعد تحقق الانحناء منه الركوع، بل لا بد من الرجوع للقيام ثم الركوع منه.

(مسألة 237): إذا نسي الركوع فهو إلي السجود، فإن ذكر قبل وضع جبهته علي الأرض. رجع إلي القيام ثم ركع، و الأحوط وجوبا الاعتدال في القيام.

و إن ذكر بعد وضع جبهته علي الأرض بطلت صلاته. و الأحوط استحبابا فيما لو ذكر قبل الإتيان بالسجدة الثانية أن يأتي بالمبطل قبل استئناف الصلاة.

(مسألة 238): إذا هوي للركوع ثم نسي و هوي

للسجود، فإن كان نسيانه قبل الوصول إلي حدّ الركوع كان كمن نسي الركوع الذي تقدم حكمه في المسألة السابقة. و إن كان نسيانه بعد الوصول إلي حدّ الركوع حسب له الركوع.

و حينئذ إن التفت قبل أن يخرج عن الانحناء في نزوله رجع راكعا و أتي بالذكر إن كان لم يأت به ثم قام منتصبا و هوي للسجود، و إن لم يلتفت حتي خرج عن الانحناء أو حتي سجد مضي في صلاته و صحّت منه.

(مسألة 239): حدّ ركوع الجالس أن ينحني قدر انحناء الراكع قائما. و مع العجز عن ذلك فالأحوط وجوبا الانحناء بالمقدار الميسور، و مع تعذّره يركع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 217

بالإيماء برأسه، و مع تعذّره فبتغميض عينيه.

(مسألة 240): إذا شك في الركوع قبل الهوي للسجود أتي به، أما لو شك فيه بعد الهوي للسجود قبل وضع جبهته علي الأرض أو بعده فإنّه يبني علي أنه ركع و يمضي في صلاته.

(مسألة 241): يستحب التكبير قبل الركوع، و رفع اليدين حال التكبير و وضع الكفين علي الركبتين اليمني علي اليمني و اليسري علي اليسري، ممكّنا كفّيه من عينيهما، و ردّ الركبتين إلي الخلف، و تسوية الظّهر، و مدّ العنق موازيا للظّهر، و أن يكون نظره بين قدميه، و أن يجنّح بمرفقيه، و أن يضع اليمني علي الركبة قبل اليسري، و أن تضع المرأة كفّيها علي فخذيها، و تكرار التسبيح ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر، و أن يكون الذكر وترا، و أن يقول قبل التسبيح: (اللهم لك ركعت و لك أسلمت و عليك توكلت و أنت ربي خشع لك قلبي و سمعي و بصري و شعري و بشري و لحمي و دمي

و مخي و عصبي و عظامي و ما أقلّته قدماي، غير مستنكف و لا مستكبر و لا مستحسر) و أن يقول للانتصاب بعد الركوع: «سمع اللّه لمن حمده» و أن يضمّ اليه: «الحمد للّه رب العالمين» أو أن يضم إليه: «أهل الجبروت و الكبرياء و العظمة و الحمد للّه رب العالمين» و أن يرفع يديه للانتصاب المذكور، و أن يصلي علي النبي و آله صلّي اللّه عليه و آله في الركوع.

و يكره فيه أن يطأطئ رأسه أو يرفعه إلي فوق، و أن يضم يديه إلي جنبيه، و أن يضع إحدي الكفين علي الأخري و يدخلهما بين ركبتيه، و أن يقرأ القرآن فيه، و أن يجعل يديه تحت ثيابه ملاصقا لجسده.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 218

الفصل السادس في السجود

و هو وضع الجبهة علي الأرض بقصد الخضوع. و الواجب منه في كل ركعة سجدتان. و هما معا ركن تبطل الصلاة بنقصانهما معا في الركعة الواحدة عمدا و سهوا، كما تبطل بزيادتهما فيها عمدا، بل سهوا أيضا علي الأحوط وجوبا. و لا تبطل بزيادة واحدة و لا نقصها سهوا، و يجب فيه- مضافا إلي ما سبق في مبحث مكان المصلي من لزوم مماسة الجبهة لما يصح السجود عليه- أمور:

الأول: السجود علي سبعة أعضاء: الجبهة و الكفين و الركبتين و إبهامي الرجلين.

(مسألة 242): المدار في الزيادة و النقيصة و الرّكنية علي وضع الجبهة دون بقية الأعضاء.

(مسألة 243): يعتبر مماسة الجبهة لما يصح السجود عليه، علي ما تقدم في مبحث مكان المصلي، و لا يعتبر ذلك في بقية الأعضاء.

(مسألة 244): الأحوط وجوبا السجود علي باطن الكفين، و مع تعذّره ينتقل للظاهر، و مع تعذّره يسقط وضع اليدين في السجود، و

إن كان الأحوط استحبابا السجود علي الأقرب فالأقرب من الذراع و العضد.

(مسألة 245): يكفي في الجبهة المسمي و لو قليلا، كما يكفي أن يكون متفرقا غير مجتمع كالسجود علي الحصي الناعم أو السبحة من الطين، و يجزئ المسمي أيضا في بقية الأعضاء، و إن كان الأحوط استحبابا في الكفّين استيعابهما عرفا. و يكفي في الإبهامين أيّ جزء منهما. و إن كان الأحوط استحبابا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 219

طرفهما.

(مسألة 246): لا بد في السجود علي كل عضو من الاعتماد عليه و لو قليلا، و لا يكفي مجرّد مماسّته لما يوضع عليه مع الاعتماد علي غيره.

الثاني: الذّكر. علي نحو ما تقدم في الركوع، إلا أن التسبيحة الكبري فيه:

«سبحان ربي الأعلي و بحمده»، و لو جاء بتسبيحة الركوع وجب إكمالها علي نحو ما تقدم في الركوع لو أتي فيه بتسبيحة السجود.

و اللازم أن يكون الذّكر حال وضع المساجد بتمامها، و استقرارها في مكانها، و لو أتي به مع رفع بعضها أو تحرّكه عمدا بطلت الصلاة. و لو كان ذلك سهوا أو جهلا لم تبطل، و الأحوط وجوبا حينئذ إعادة الذكر بعد وضع المساجد و استقرارها.

الثالث: الطمأنينة حال الذكر علي نحو ما تقدم في الركوع.

الرابع: رفع الرأس بين السجدتين حتي ينتصب جالسا مطمئنا، بل أحوط وجوبا ذلك بعد السجدة الثانية من الركعة الأولي و الثالثة، و هو المعروف بجلسة الاستراحة.

الخامس: عدم ارتفاع مسجد الجبهة عن بقية المساجد بأكثر من أربع أصابع و عدم انخفاضه بأكثر من ذلك، بل الأحوط وجوبا عدم انخفاضه بأكثر من ذلك عن الرجلين و إن كان مساويا لبقية المساجد.

(مسألة 247): إذا وضع جبهته علي الموضع المرتفع أكثر من أربعة أصابع سهوا، فإن كان

بحدّ لا يصدق معه السجود جاز له رفع رأسه و السجود علي الموضع المنخفض، كما يجوز إزالة المرتفع و إكمال الهوي للسجود، و إن كان بحدّ يصدق معه السجود فالأحوط وجوبا إزالة المرتفع و إكمال الهوي أو جرّ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 220

الجبهة للموضع المنخفض، من دون رفع للرأس.

(مسألة 248): إذا ارتفعت جبهته عن المسجد قهرا فله صورتان:

الاولي: أن يكون بعد استقرارها علي المسجد و ركودها فتحسب له سجدة من دون فرق بين إدراك الذكر فيها و عدمه. و حينئذ إن أمكن حفظها عن الرجوع للمسجد ثانيا وجب و لزم الجلوس منها. و إن رجعت قهرا للمسجد لم تحسب الثانية سجدة، بل إن كان ذلك في الأولي وجب الإتيان بالسجدة الثانية بعد الجلوس منها.

الثانية: أن يكون ذلك قبل استقرارها علي المسجد- كما يتفق كثيرا مع العجلة- فإن عادت ثانيا قهرا فالأحوط وجوبا الإتيان بالذكر فيها برجاء الجزئية من دون أن تحسب سجدة ثانية، بل إن كان ذلك في الأولي وجب الإتيان بالسجدة الثانية بعد الجلوس منها. و إن أمكن حفظها عن الرجوع للمسجد ثانيا فالأحوط وجوبا استئناف الصلاة بعد فعل المبطل.

(مسألة 249): إذا عجز عن السجود التام فالأحوط وجوبا الانحناء بالمقدار الممكن و وضع الجبهة علي ما يصح السجود عليه و وضع بقية المساجد في مواضعها، و مع تعذّر الانحناء يتعين الإيماء برأسه، و إلا فبعينيه و إلا فبقلبه علي ما تقدم في فصل القيام، و تقدّم ما يتعلق بذلك من الفروع فراجع.

(مسألة 250): من كان بجبهته قرحة أو نحوها إن أمكنه السجود علي أطراف الجبهة و لو بحفر حفيرة ليقع السليم منها علي الأرض وجب، فإن تعذّر ذلك سجد علي ذقنه. فإن

تعذر ذلك فالأحوط وجوبا أن يسجد علي شي ء من وجهه مقدّما الأنف علي غيره.

(مسألة 251): من نسي سجدة أو سجدتين، فإن ذكر قبل الركوع رجع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 221

و أتي بما نسيه، و بما بعده، و إن ذكر بعد الدخول فيه فإن كان المنسي سجدة واحدة مضي في صلاته و قضاها بعد الفراغ من الصلاة و إن كان المنسي سجدتين بطلت صلاته.

(مسألة 252): إذا شك في السجود قبل أن يستوي قائما- و لو في حال النهوض- أو قبل الدخول في التشهد رجع و أتي به، و إن شك فيه بعد أن يستوي قائما أو بعد الدخول في التشهد رجع و أتي به، و إن شك فيه بعد أن يستوي قائما- و لو بقول بسم اللّه و باللّه- بني علي أنه أتي به و مضي في صلاته.

(مسألة 253): يستحب التكبير حال الانتصاب بعد الركوع و قبل السجود، و رفع اليدين حال التكبير، و السبق باليدين إلي الأرض، و استيعاب الجبهة في السجود عليها، و الإرغام بالأنف، و بسط اليدين مضمومتي الأصابع حتي الإبهام إزاء الأذنين متوجها بهما إلي القبلة، و شغل العين بالنظر إلي طرف الأنف حال السجود، و الدعاء قبل الشروع في الذكر فيقول: «اللهم لك سجدت و بك آمنت و لك أسلمت و عليك توكلت و أنت ربي سجد وجهي للذي خلقه و شق سمعه و بصره، الحمد للّه رب العالمين تبارك اللّه أحسن الخالقين»، و يستحب تكرار الذكر و أن يكون وترا، و اختيار التسبيح فيه و الأفضل التسبيحة الكبري منه، و تثليثها و الأفضل تخميسها و أفضل منه تسبيعها، و أن يسجد علي الأرض بل التراب، و مساواة موضع

الجبهة للموقف، بل المساواة في جميع المساجد، و التجافي حال السجود يعني رفع البدن عن الأرض، و التجنّح بمعني أن يباعد بين عضديه عن جنبيه و يديه عن بدنه، و الدعاء في السجود بما يريد من حوائج الدنيا و الآخرة، خصوصا الرزق، فيقول: «يا خير المسؤولين و يا خير المعطين ارزقني و ارزق عيالي من فضلك، فإنّك ذو الفضل العظيم». و أن يصلّي علي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 222

النبي و آله صلّي اللّه عليه و آله في السجدتين و التورك في الجلوس بين السجدتين و بعدهما، بأن يجلس علي فخذه اليسري جاعلا ظهر قدمه اليمني علي بطن اليسري، و أن يقول في الجلوس بين السجدتين: «أستغفر اللّه ربي و أتوب إليه»، و أن يكبّر بعد الرفع من السجدة الأولي بعد الجلوس مطمئنا، و يكبّر قبل السجدة الثانية و هو جالس، و يكبّر بعد الرفع من الثانية كذلك، و يرفع اليدين حال التكبيرات، و وضع اليدين علي الفخذين حال الجلوس، اليمني علي اليمني، و اليسري علي اليسري، و أن يقول رافعا ركبتيه قبل يديه، و أن يقول بين السجدتين: «اللهم اغفر لي و ارحمني و أجرني و ادفع عني إني لما أنزلت إليّ من خير فقير، تبارك اللّه رب العالمين» و أن يقول عند النهوض: «بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد و أركع و أسجد» أو «بحولك و قوتك أقوم و أقعد» و يضم إليه «و أركع و أسجد» و أن يبسط يديه علي الأرض معتمدا عليهما للنهوض، و أن يطيل السجود و يكثر فيه من الذكر و التسبيح و يباشر الأرض بكفيه، و زيادة تمكين الجبهة.

و يستحب للمرأة وضع اليدين بعد الركبتين

عند الهوي للسجود و عدم تجافيهما بل تفرش ذراعيها و تلصق بطنها بالأرض، و تضم أعضاءها و لا ترفع عجيزتها حال النهوض للقيام، بل تنهض معتدلة.

و يكره الإقعاء في الجلوس بين السجدتين و بعدهما أيضا، و هو: أن يعتمد بصدر قدميه علي الأرض و يجلس علي عقبيه. و يكره أيضا نفخ موضع السجود و أن لا يرفع يديه عن الأرض بين السجدتين، و أن يقرأ القرآن في السجود.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 223

الفصل السابع في التشهد

و هو واجب في الثنائية مرة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة الثانية، و يجب في الثلاثية و الرباعية مرة أخري بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة. و هو واجب غير ركن، فتبطل الصلاة بنقصه و زيادته عمدا، و لا تبطل بنقصه و زيادته سهوا، و إنما يجب مع نقصه سهوا قضاؤه بعد الصلاة، علي ما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 254): يجزئ في التشهد أن يقول: «أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، اللهم صلّ علي محمد و آل محمد». و الأولي عدم الخروج عن هذه الكيفية. و إن كان الظاهر الاجتزاء بالشهادتين، و بالصلاة علي النبي و آله صلّي اللّه عليه و آله بأي صورة حصلت. بل الظاهر عدم جزئية الصلاة علي النبي و آله صلّي اللّه عليه و آله من التشهد. نعم الأحوط وجوبا عدم تركها في الصلاة.

(مسألة 255): يجب في التشهد العربية، و عدم اللحن، و مع الجهل يجب التعلم، و مع العجز يجزئ الميسور و لو مع الترجمة علي نحو ما تقدم في تكبيرة الإحرام، كما تقدم فيها

حكم الأخرس. و تقدم في القراءة حكم من فرّط في التعلّم ملتفتا. و حكم من قرأ خطأ و هو يعتقد صحة ما أتي به.

(مسألة 256): يجب في التشهد الجلوس، إلا مع تعذّره، علي ما تقدم في حكم القيام.

(مسألة 257): الأحوط وجوبا الطمأنينة حال التشهد علي نحو ما تقدّم في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 224

تكبيرة الإحرام و القراءة و غيرهما.

(مسألة 258): إذا نسي التشهد فذكر حال القيام قبل الركوع وجب عليه الجلوس و الإتيان به، و إن ذكره بعد الركوع مضي في صلاته، و وجب عليه قضاؤه، و كذا إذا ذكره بعد التسليم المخرج من الصلاة، و لو ذكره قبله رجع و أتي به ثم سلّم. هذا في الفريضة و أما النافلة فيأتي الكلام فيها في مباحث الخلل إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 259): إذا شك في التشهد بعد القيام أو بعد الشروع في السلام بني علي الإتيان به، و مضي في صلاته. و إن شك فيه قبل ذلك- و لو حال النهوض قبل أن يستوي قائما- وجب عليه الإتيان به.

(مسألة 260): يكره الإقعاء فيه، بل هو أشدّ كراهة من الإقعاء بين السجدتين. بل يستحب فيه الجلوس متورّكا كما تقدم في ما بين السجدتين، و أن يقول قبل الشروع في الذكر: «الحمد للّه» أو يقول: «بسم اللّه و باللّه، و الحمد للّه و خير الأسماء للّه» أو «و الأسماء الحسني كلها للّه». و أن يجعل يديه علي فخذيه منضمة الأصابع، و أن يكون نظره إلي حجره، و أن يقول بعد الصلاة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله: «و تقبّل شفاعته و ارفع درجته» في التشهد الأول، قيل: و في الثاني أيضا. و أن يقول:

(سبحان اللّه) سبعا بعد التشهد الأول ثم يقوم، و يستحب للمرأة في جلوسها للتشهد أن ترفع ركبتيها عن الأرض و تضم فخذيها إلي نفسها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 225

الفصل الثامن في التسليم
اشارة

و هو واجب في كل صلاة، و هو آخر أجزائها، و المحلّل لها، فيه يخرج عنها بحيث لا يبطلها بعده وقوع منافياتها. و له صيغتان (الأولي): «السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين» (و الثانية): «السلام عليكم». و يستحب أن يضيف في الثانية فيقول «السلام عليكم و رحمة اللّه».

و أفضل من ذلك أن يضيف فيها فيقول: «السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» و إذا بدأ بالصيغة الأولي استحب له إضافة الثانية لها، و إذا بدأ بالثانية لم تستحب الأولي بعدها.

(مسألة 261): يجب الإتيان بالتسليم علي النهج العربي، و مع العجز عن ذلك أو عن أصل التسليم بخرس أو غيره يجري ما تقدم في التشهد.

(مسألة 262): يجب فيه الجلوس، و كذا الطمأنينة علي الأحوط وجوبا علي نحو ما تقدم في التشهد و غيره.

(مسألة 263): يجزئ التسليم بالصيغة الثانية مرة واحدة للإمام و المأموم و المنفرد، و يستحب أن يومئ بعينه أو بصفحة وجهه إلي جانب يمينه، كما يستحب للمأموم أن يسلم مرة أخري إلي شماله إن كان علي شماله أحد.

(مسألة 264): إذا نسي التسليم حتي دخل في التعقيب و غيره مما لا يبطل الصلاة رجع و أتي به. و إن ذكره بعد الدخول في المنافي فإن كان المنافي مما لا يبطل الصلاة إلا مع العمد كالكلام أتي بالسلام و صحت صلاته، و إن كان مما يبطلها مطلقا كالحدث بطلت صلاته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 226

(مسألة 265): إذا شك في التسليم بعد الفراغ

من الصلاة بني علي صحتها.

و المعيار في الفراغ علي إنهاء العمل المأتي به بعنوان الصلاة، و إذا لم يحرز ذلك فإن دخل في ما يترتب علي الصلاة كالتعقيب أو صلاة أخري صحت صلاته.

(مسألة 266): يستحب التورّك في الجلوس حال التسليم و وضع اليدين علي الفخذين، و أن يكون نظره إلي حجره، و يكره فيه الإقعاء، نظير ما تقدم في التشهد.

تتميم.

في التعقيب، و هو الاشتغال بعد الفراغ من الصلاة بالذكر و الدعاء و قراءة القرآن الكريم. و منه أن يكبر ثلاثا بعد التسليم رافعا يديه علي نحو ما سبق في تكبيرات الصلاة. و أن يقول بعدها: «لا إله إلا اللّه وحده و حده، أنجز وعده، و نصر عبده، و أعزّ جنده، و غلب الأحزاب وحده، فله الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو علي كل شي ء قدير».

و منه تسبيح الزهراء عليها السّلام و هو «اللّه أكبر» أربعا و ثلاثين ثم «الحمد للّه» ثلاثا و ثلاثين، ثم «سبحان اللّه» ثلاثا و ثلاثين و أن يختمه بقول: «لا إله إلا اللّه».

و يستحب أن يكون التسبيح بسبحة من طين قبر الحسين عليه السّلام، و في بعض الأخبار أنها تسبّح في يد من يديرها و يكتب ثواب تسبيحها له و إن غفل عن التسبيح. و من التعقيب قراءة سورة الفاتحة و قراءة سورة الإخلاص، و قراءة آية (شَهِدَ اللّٰهُ.) و هي الآية الثامنة عشرة من سورة آل عمران، و الأولي أن يضيف إليها الآية التاسعة عشرة منها، و آية الكرسي، و آية (قُلِ اللّٰهُمَّ مٰالِكَ الْمُلْكِ.)

و هي الآية السادسة و العشرون و السابعة و العشرون من سورة آل عمران. و من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص:

227

التعقيب أن يستعيذ باللّه تعالي من النار و يسأله الجنة، و أن يزوّجه من الحور العين. و غير ذلك مما هو كثير و مذكور في الكتب المعدّة لذلك.

(مسألة 267): يستحب سجدة الشكر بعد كل صلاة فريضة أو نافلة، و في الخبر الصحيح عن الصادق عليه السّلام: «أنه قال: سجدة الشكر واجبة علي كل مسلم تتمّ بها صلاتك و ترضي بها ربّك و تعجب الملائكة منك.» و الأفضل سجدتان يفصل بينهما بتعفير الخدين أو الجبينين أو الجميع مقدما الأيمن علي الأيسر.

و يستحب فيها افتراش الذراعين و إلصاق الصدر و البطن بالأرض. و إن يقول فيها ثلاث مرات: «شكرا للّه»، أو مائة مرة «شكرا» أو «عفوا» أو يقول مائة مرة «الحمد للّه شكرا» و كلما قال عشر مرات قال «شكرا للمجيب» ثم يقول: «يا ذا المن الذي لا ينقطع أبدا، و لا يحصيه غيره عددا، و يا ذا المعروف الذي لا ينفذ أبدا، يا كريم يا كريم يا كريم» ثم يدعو و يتضرع و يذكر حاجته دنيوية كانت أو أخروية. و قد ورد في بعض الأخبار أدعية أخري، و منها أدعية طويلة لا مجال لاستقصائها.

و الأحوط وجوبا فيه السجود علي ما يصح السجود عليه و السجود علي المساجد السبعة. و يستحب بعد رفع الرأس من السجود أن يمسح موضع سجوده بيده ثم يمرّها علي وجهه و مقاديم بدنه و ما نالته يده منها. و يستحب سجود الشكر أيضا عند تجدد كل نعمة و دفع كل نقمة و عند التوفيق للخير و البر. بل يستحب السجود بقصد التذلل للّه تعالي تعبّدا له و لو لم يكن لأجل الشكر، بل هو من أعظم العبادات و أفضل القربات، و قد

ورد أنه أقرب ما يكون العبد إلي اللّه تعالي و هو ساجد. و يستحب إطالته، و يجزئ فيه ما تقدم و غيره مما هو مذكور في المطولات.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 228

(مسألة 268): يحرم السجود لغير اللّه تعالي من دون فرق بين المعصومين عليهم السّلام و الأولياء المقرّبين للّه تعالي. و سجود الملائكة ليس لآدم عليه السّلام بل للّه عز و جل تكريما لآدم، و كذا سجود إخوة يوسف عليه السّلام ليس له بل للّه عز و جل. و لا بأس بالسجود في المشاهد المشرفة للّه تعالي شكرا علي التوفيق لزيارتها و التشرف بالحضور فيها. و الدعاء فيه بقضاء الحوائج ببركتها و بركة من حلّ فيها و الاستشفاع به إلي اللّه تعالي في ذلك نسأله سبحانه و تعالي مزيد التوفيق لمراضيه، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 1، ص: 228

الفصل التاسع في الترتيب

يجب الإتيان بأفعال الصلاة علي النحو المتقدم بأن يفتتح الصلاة بالتكبير و يقدم القراءة أو الذكر في كل ركعة علي الركوع، و الركوع علي السجود، و السجود علي التشهد، و التشهد علي التسليم.

(مسألة 269): إذا خالف الترتيب فقدّم مؤخّرا، فإن كان عمدا بطلت الصلاة، و إن كان سهوا أو جهلا، فإن قدّم ركنا علي ركن بطلت الصلاة أيضا، كما لو ترك الركوع و لم يلتفت حتي أكمل السجدتين أو ترك السجدتين حتي دخل في ركوع الركعة اللاحقة و إن قدم غير الركن عليه رجع و أتي بالركن و أعاد ما قدّم، كما لو ترك الركوع و التفت بعد

إكمال سجدة واحدة، فإنّه يرجع و يأتي بالركوع ثم يعيد السجدة، و كذا إن قدّم غير الركن، علي غير الركن، كما لو تشهد بين السجدتين فإنّه يرجع و يأتي بالسجدة الثانية ثم يعيد التشهد. و إن قدم الركن علي غيره فإنّه يمضي في صلاته، كما لو قدم الركوع علي القراءة أو علي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 229

التشهد. نعم إذا كان الجزء الفائت مما يقضي كالتشهد قضاه بعد الفراغ من الصلاة.

الفصل العاشر في الموالاة

تقدم في القراءة بيان الموالاة المعتبرة فيها. و الأحوط وجوبا اعتبار الموالاة بين أجزاء الصلاة و عدم الفصل علي نحو يوجب محو صورة الصلاة في نظر أهل الشرع. و لا بأس به لو وقع سهوا.

(مسألة 270): لا يضر بالموالاة المعتبرة تطويل الركوع و السجود و قراءة السور الطوال و الذكر و القراءة و الدعاء و إن لم يكن بنيّة الجزئية.

خاتمة في القنوت

و هو مستحب في جميع الصلوات، فريضة كانت أو نافلة، علي إشكال في الشفع، و ينبغي الإتيان به فيها برجاء المطلوبية. و يتأكد استحبابه في الفرائض الجهرية، خصوصا في الصبح و الجمعة و المغرب و في الوتر من النوافل، و المستحب منه مرة بعد القراءة قبل الركوع في الركعة الثانية إلا في الجمعة و العيدين و الآيات، علي ما يأتي عند التعرّض لها إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 271): يستحب القنوت في الوتر و إن كانت الركعة واحدة بعد القراءة قبل الركوع بل قيل في استحباب قنوت آخر فيها بعد الركوع. لكنه غير ثابت. نعم ينبغي أن يدعو بما روي عن الإمام أبي الحسن موسي بن جعفر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 230

الكاظم عليهما السّلام و هو: «هذا مقام من حسناته نعمة منك و شكره ضعيف و ذنبه عظيم، و ليس لذلك إلا رفقك و رحمتك، فإنك قلت في كتابك المنزل علي نبيك المرسل صلّي اللّه عليه و آله: «كانوا قليلا من الليل ما يهجعون و بالأسحار هم يستغفرون» طال و اللّه هجوعي و قل قيامي و هذا السحر و أنا أستغفرك لذنوبي استغفار من لا يملك لنفسه ضرا و لا نفعا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا».

(مسألة 272): لا يشترط في

القنوت قول مخصوص، بل يكفي فيه ما تيسر من ذكر أو دعاء أو حمد أو ثناء، و يجزي سبحان اللّه خمسا أو ثلاثا. و الأولي قراءة المأثور عن المعصومين عليهم السّلام. و لعلّ من أفضله كلمات الفرج، و هي: «لا إله إلا اللّه الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلي العظيم سبحان اللّه رب السموات السبع و رب الأرضين السبع و ما فيهن و ما بينهن و رب العرش العظيم و الحمد للّه رب العالمين».

(مسألة 273): يستحب في قنوت الوتر أن يدعو بكلمات الفرج السابقة، و أن يستغفر لأربعين مؤمنا أمواتا و أحياء، و أن يقول سبعين مرة «أستغفر اللّه ربي و أتوب إليه». ثم يقول «أستغفر اللّه الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، ذو الجلال و الإكرام لجميع ظلمي و جرمي و إسرافي علي نفسي، و أتوب إليه»، سبع مرات، ثم يقول سبع مرات «هذا مقام العائذ بك من النار». ثم يقول «رب أسأت، و ظلمت نفسي و بئس ما صنعت، و هذي يدي جزاء بما كسبت، و هذه رقبتي خاضعة لما آتيت، و ها أنا ذا بين يديك، فخذ لنفسك من نفسي الرضا حتي ترضي، لك العتبي لا أعود» ثم يقول «العفو» ثلاثمائة مرة و يقول «رب اغفر لي و ارحمني و تب علي إنك أنت التواب الرحيم».

(مسألة 274): يستحب التكبير قبل القنوت، و رفع اليدين حال التكبير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 231

و وضعهما ثم يقنت رافعا يديه حيال الوجه جاعلا باطنهما إلي السماء و ظاهرهما إلي الأرض. قيل منضمتين مضمومتي الأصابع إلا الإبهامين، و أن يكون نظره إلي كفيه.

(مسألة 275): يستحب الجهر بالقنوت للإمام و المنفرد، بل حتي للمأموم و

إن كان يكره له إسماع الإمام.

(مسألة 276): إذا نسي القنوت و هوي إلي الركوع فإن ذكر قبل الوصول إلي حدّ الركوع رجع و أتي به. و إن كان بعد الوصول إليه قضاه حين رفع الرأس من الركوع. و إن ذكره بعد الهوي منه أتي به بعد الصلاة و هو جالس مستقبل القبلة، و إن ذكره بعد ما قام استقبل القبلة و جاء به و لو قائما.

(مسألة 277): يجوز القنوت بغير العربي و بالعربي الملحون إذا لم يكن مغيّرا للمعني، و تؤدّي به وظيفة القنوت.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 232

المبحث الثالث في منافيات الصلاة

و هي أمور:

الأول: فقد بعض الشروط كالطهارة من الخبث، و فقد الساتر و نحوها علي تفصيل تقدم عند التعرض لها.

الثاني: الحدث سواء كان أصغر أم أكبر، فإنّه مبطل أينما وقع، و لو في آخر جزء من السّلام الواجب علي الأحوط وجوبا. عمدا و سهوا. و يستثني المستحاضة و المسلوس و المبطون و نحوها، كما تقدم.

الثالث: الالتفات بتمام البدن عن القبلة و إن لم يكن فاحشا إلا أن يكون بالمقدار المغتفر في الاستقبال، الذي تقدم تحديده. من دون فرق بين السهو و الاختيار و الاضطرار لريح أو نحوه. إلا أن يضطر للصلاة بالنحو المستلزم للالتفات المذكور، كالصلاة في السفينة. و أما الالتفات بالوجه مع الاستقبال بمقاديم البدن فهو مكروه إذا لم يكن فاحشا، و إن كان فاحشا كان مبطلا.

و الظاهر إن المعيار في كونه فاحشا علي أن يري ما خلفه، و هو ربع الدائرة الذي يكون في جانب الخلف و يختص الإبطال به بالفريضة، دون النافلة، و بالعمد دون السهو.

الرابع: ما كان منافيا للصلاة بنظر أهل الشرع بحيث يخرج به المصلي عنها بنظرهم تبعا لارتكازيّاتهم،

علي الأحوط وجوبا كالأصوات الخارجة من الفم الحاكية عن معان خاصة من دون أن يصدق عليها الكلام و كالرقص و التصفيق و نحوه مما يستعمل في مقام اللهو و الفرح، و كبعض الإشارات الواردة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 233

في مقام الفحش و البذاء، و كبعض الأعمال اليدوية المعتدّ بها كالخياطة و النساجة بنحو يعتدّ به لكثرته، و غير ذلك. و منه الأكل و الشرب إذا كان بنحو معتدّ به، دون غيره كابتلاع بقايا الطعام في الفم و ما يذوب فيه من السكّر.

(مسألة 278): من كان مشغولا بالدعاء في الوتر، و قد نوي الصوم و ضاق عليه الوقت و هو عطشان جاز له أن يمشي للماء فيشرب منه قبل أن يفجأه الفجر و يعود للدّعاء و لا تبطل صلاته بذلك.

(مسألة 279): إذا أتي بفعل يشك في كونه منافيا للصلاة بنظر أهل الشرع كان عليه السؤال ممن يقلّده عن ذلك.

(مسألة 280): لا بأس في التصفيق للإعلام، و كذا مثل ضرب الفخذ و ضرب الحائط باليد أو بالعصا، و رمي الغير بالحصي لينبهه. كما لا بأس بمثل حركة اليد و الإشارة بها و الانحناء لتناول شي ء من الأرض و مناولته للغير، و رمي الكلب بالحجر ليزجره، و قتل الحية و العقرب و القملة و الذباب و نحوه، و جلوس المرأة في الصلاة لحمل طفلها و إرضاعه و تسكيته، و غير ذلك مما لا ينافي الصلاة بحسب نظر أهل الشرع.

(مسألة 281): الأحوط وجوبا عدم تعمّد إدخال صلاة في صلاة، فتبطل الاولي به احتياطا. و كذا الثانية إذا كانت الأولي فريضة و كان ملتفتا لحرمة قطعها، و إن كانت نافلة أو فريضة و غفل عن حرمة قطعها صحّت

الثانية و له إتمامها، و يجري حينئذ ما يأتي في السهو.

و أما لو أدخل إحدي الصلاتين في الأخري سهوا فالظاهر عدم بطلان الاولي و صحة الثانية و يتخير في إكمال أيهما شاء، فإن سجد لإحدي الصلاتين سجدة واحدة ملتفتا للأخري بطلت الأخري، و كذا إذا سجد لها سجدتين مع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 234

غفلته عن الأخري، بل هو الأحوط وجوبا في الركوع لإحداهما و حينئذ يتمّ التي مضي فيها لا غير. و إن كان الأحوط استحبابا عدم الاعتداد بها أيضا، فيستأنفهما معا بعد إبطال التي بيده أو إتمامها.

الخامس: تعمّد الكلام عربيا كان أو غيره مع مخاطب أو بدونه منشئا كان المصلي أو حاكيا لكلام غيره. و الظاهر صدق الكلام علي تعمد إخراج الحروف علي الوجه المعهود عند العرف في مقام البيان و إن لم يقصد بها الحكاية عن معني، لإهمالها أو لعدم قصد معناها منها. و الأحوط وجوبا عمومه للحرف الواحد غير المفهم للمعني، و أما إذا كان مفهما له فلا إشكال في مبطليته.

و أما إخراج صورة الحروف بالنحو غير المعهود في مقام البيان، بل لغرض آخر كالتنحنح الذي قد يستلزم خروج حرف الحاء و النفخ الذي قد يستلزم خروج حرف الفاء فالظاهر عدم صدق الكلام عليه.

(مسألة 282): الأحوط وجوبا تجنب بعض الأصوات الصادرة من الفم التي يتعارف الحكاية بها عن معان خاصة كالأنين الذي يتعارف بيان الألم به، و الزعقة التي يتعارف بيان الردع أو التضجر بها، فإنّها و إن لم تكن من الكلام عرفا لعدم اشتمالها علي الحروف المعهودة إلا أنها منافية للصلاة بنظر أهل الشرع فتدخل في القاطع الرابع.

(مسألة 283): تبطل الصلاة بتعمد الكلام حتي لو كان التكلم مضطرا له

لخوف أو حاجة ملحّة. نعم لا تبطل به مع السهو لو تخيّل الخروج من الصلاة.

(مسألة 284): لا بأس بذكر اللّه تعالي و النبي صلّي اللّه عليه و آله في الصلاة. و المراد به ذكرهما بما فيه ثناء عليهما و الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما كان بداعي التعظيم و المدح، دون ما كان بقصد الإخبار من دون نظر للمدح، كما لو قال رزق اللّه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 235

زيدا ولدا. أو جاهد محمد الكفار.

(مسألة 285): لا بأس بالدعاء إذا كان بنحو المناجاة مع اللّه تعالي و الخطاب له، مثل: اللهم ارحم زيدا، دون مثل: رحم اللّه زيدا، أو الخطاب لشخص بمثل:

رحمك اللّه. و علي هذا فلا يجوز تسميت العاطس.

(مسألة 286): لا بأس بقراءة القرآن في الصلاة.

(مسألة 287): لا يجوز للمصلي السّلام علي الغير و لا غيره من أقسام التحية. نعم يجب علي ردّ السّلام، و إذا لم يردّ و مضي في صلاته صحت صلاته و إن أثم. لكن يكره السّلام عليه.

(مسألة 288): يجب أن يكون ردّ السّلام في أثناء الصلاة بمثل ما سلّم عليه، فإذا قال المسلّم: «السّلام عليك» قال المصلي في الجواب: «السّلام عليك» و إذا قال: «السّلام عليكم» قال: «السّلام عليكم» و إذا قال: «السّلام» قال: «السّلام». نعم إذا أضاف المسلّم أمرا غير السّلام فالأحوط وجوبا عدم رده، فإذا قال المسلّم: «السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» اقتصر المصلي في الجواب علي: «السّلام عليكم».

(مسألة 289): إذا كان السّلام بالملحون ففي وجوب الرد في الصلاة و غيرها إشكال، و الأحوط الردّ بقصد القرآنية إن لم يشرع الرد. هذا إذا لم يخرج باللحن عن كونه سلاما و إلا لم يجب الرد.

(مسألة 290): إذا

كان المسلم صبيا يميّز السّلام أو امرأة فالظاهر وجوب الرد.

(مسألة 291): الأحوط وجوبا الإسماع في رد السّلام في الصلاة و غيرها، و لا يكفي الإعلام بالردّ بمعونة الإشارة و نحوها. نعم يكره في الصلاة رفع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 236

الصوت كثيرا. و لو تعذّر الإسماع لم يجب رفع الصوت بالرد حتي بالمقدار المتعارف، بل يكفي الرد الخفي. نعم الأحوط وجوبا الإعلام بالرد بمثل الإشارة.

(مسألة 292): إذا كانت التحية بغير السّلام لم يشرع الرد في الصلاة بل يكون مبطلا لها. نعم يستحب الرد في غير الصلاة بها أو بأحسن منها.

(مسألة 293): ردّ السّلام واجب كفائي، فإذا خوطب بالسلام جماعة أجزأهم رد واحد منهم و إن كان صبيا مميزا، و إن استحب للآخرين الردّ أيضا.

و حينئذ إذا كان المصلي أحدهم، فإن لم يردّ غيره وجب عليه الردّ، و إن ردّ غيره فالأحوط وجوبا عدم الردّ منه، بل لو علم أو احتمل عدم قصده بالسلام من بينهم فلا إشكال في عدم جواز الرد عليه حتي لو لم يرد واحد منهم.

(مسألة 294): إذا تعدد السّلام من شخص واحد أو من جماعة أجزأ في الرد للكل الجواب مرة واحدة. نعم لو تجدّد السّلام بعد الرد وجب ردّه.

(مسألة 295): إذا سلّم كلّ من الشخصين علي الآخر دفعة واحدة وجب علي كلّ منهما الرد علي صاحبه و لم يكتف بسلامه عليه. أما إذا تأخر سلام أحدهما عن الآخر كفي في الرد و لا يحتاج إلي قصد عنوانه. نعم إذا لم يعلم الثاني بسلام الأول حينما سلم عليه فالأحوط وجوبا الرد.

(مسألة 296): إذا سلّم سخرية أو مزاحا أو إحراجا لم يجب الرد.

(مسألة 297): إذا كان السّلام بصيغة «عليكم السّلام» وجب الرد

به.

(مسألة 298): يجب في رد السّلام الفورية العرفية بالنحو المتعارف، فإذا أخر عصيانا أو نسيانا حتي خرج عن صدق الجواب لم يجب الرد، و في الصلاة لا يجوز، و لو شك في عدم صدق الجواب فالحكم كما لو علم بعدم صدقه.

(مسألة 299): الأحوط وجوبا عدم بدء المسلم للكافر بالسلام إلا مع لزومه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 237

بمقتضي وضع المعاشرة، بحيث يكون ترك السّلام جفاء. و لو سلم الكافر فالأحوط وجوبا عدم رد السّلام عليه بالصيغة التامة، بل يقتصر علي «السّلام» أو علي «عليكم».

(مسألة 300): يستحب لكل أحد البدء بالسلام، لكن الأولي أن يسلم الصغير علي الكبير، و القليل علي الكثير، و القائم أو الماشي علي القاعد، و الراكب علي الماشي.

السادس: تعمد القهقهة، و هي الضحك المشتمل علي الصوت و الترجيع، بل الأحوط وجوبا التعميم لمطلق الضحك المشتمل علي الصوت، من دون فرق بين الاختيار و الاضطرار. نعم لا تبطل الصلاة بالقهقهة سهوا أو جهلا بالحكم، كما لا بأس بالتبسم من دون صوت.

(مسألة 301): لو امتلأ جوفه ضحكا و احمرّ وجهه، لكن حبس نفسه عن إظهار الصوت فالظاهر عدم بطلان الصلاة بذلك.

السابع: تعمّد البكاء المشتمل علي الصوت إذا كان لأمور الدنيا، كذكر ميت أو فقد مال أو خوف من سلطان أو نحو ذلك فإن الأحوط وجوبا بطلان الصلاة به و لا بأس به إذا كان خوفا من اللّه تعالي أو تذلّلا له أو تضرعا إليه لقضاء حاجة دينية أو دنيوية. كما لا بأس به إذا كان سهوا، أما إذا كان اضطرارا بأن غلبه البكاء فلم يملك نفسه فالظاهر أنه مبطل حينئذ.

(مسألة 302): البكاء علي مصائب أهل البيت عليهم السّلام و ما نالهم و نال

مبدأهم و شيعتهم إن رجع إلي أمر الآخرة فلا بأس به، كما إذا كان بكاء علي الحق و خوفا علي معصية اللّه فيهم. و إن رجع لأمر الدنيا بأن يكون لمحض العاطفة غير المرتبطة به تعالي فالأحوط وجوبا كونه مبطلا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 238

الثامن: التكفير و هو وضع إحدي اليدين علي الأخري تذلّلا و خضوعا للّه تعالي، فإن المشهور بطلان الصلاة به. لكنه لا يخلو عن إشكال و الأظهر الكراهة.

نعم إذا كان فيه ترويج للباطل كان محرما، و كذا إذا أتي به بقصد التشريع علي أنه أمر موظف في الصلاة، و حينئذ مع الالتفات لذلك يكون مانعا من التقرب بالصلاة فتبطل. نعم لا بأس بالإتيان به تقية أو سهوا.

التاسع: تعمد قول «آمين» بعد تمام الفاتحة فإنّه حرام، و مبطل للصلاة علي الأحوط وجوبا. و لا يبطل إذا أتي به سهوا. و كذا تقية، بل قد يجب.

(مسألة 303): إذا شك في حصول أحد القواطع المتقدمة بني علي عدمه.

(مسألة 304): إذا شك في صحة الصلاة بعد الفراغ منها بني علي الصحة.

(مسألة 305): يكره في الصلاة الالتفات بالوجه- كما سبق- و بالعين و العبث باليد و اللحية و الرأس و الأصابع، و القران بين السورتين، و نفخ موضع السجود، و البصاق، و التمطي و التثاؤب و مدافعة البول و الغائط و الريح و التكاسل و التناعس، و التثاقل و الامتخاط، و وصل إحدي القدمين بالأخري بلا فصل بينهما، و تشبيك الأصابع، و لبس الخف أو الجورب الضيق، و حديث النفس، و النظر إلي نقش الخاتم و المصحف و الكتاب، و وضع اليد علي الورك متعمدا، و غير ذلك مما ذكر في المفصلات.

خاتمة

الأحوط وجوبا عدم

قطع الفريضة اختيارا. و يجوز لكل غرض راجح ديني أو دنيوي كأداء الواجبات و المستحبات الفورية و كحفظ المال و حبس الغريم و الدابة و نحوهما. و منه القطع لإيقاع الصلاة علي الوجه الأكمل، كما لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 239

صلّي في ثوب يكره الصلاة فيه فله قطعها للصلاة في ثوب آخر لا تكره فيه الصلاة. و كذا قطعها و إعادتها لتجنّب احتمال البطلان سواء صحت الصلاة ظاهرا، كما لو صلّي في ثوب يحتمل طهارته من دون سبق العلم بنجاسته أم لم تصحّ كما لو صلّي في أحد ثوبين يعلم بنجاسة أحدهما و يترتب علي ذلك جواز قطع الصلاة في جميع موارد الاحتياط الوجوبي بإعادتها فإنّه لا ملزم مع ذلك بإتمامها ثم الإعادة- كما جري عليه جماعة من الأكابر- بل يجوز قطعها و استئنافها، كما ذكرناه مرارا في ما تقدم.

(مسألة 306): يجوز قطع النافلة اختيارا و لو لمجرّد الإعراض عن امتثالها، حتي لو وجبت بالأصل كالمعادة جماعة أو وجبت بالعرض كالمنذورة.

(مسألة 307): إذا وجب قطع الفريضة أو النافلة لأداء واجب فوري، فإن خالف المكلف و لم يؤدّ الواجب و انشغل بالصلاة، فإن كان الداعي لترك الواجب هو الانشغال بالصلاة أشكل صحتها لعدم وضوح تأتي قصد القربة بها، بل الأحوط وجوبا عدم الاعتداد بها. و إن كان الداعي لترك الواجب أمرا آخر فالظاهر صحة الصلاة.

تكملة

تستحب مؤكّدا الصلاة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله لمن ذكره أو ذكر عنده، و إن كان في الصلاة، بل الظاهر كراهة تركها كراهة شديدة لمن لم يكن له عذر في ذلك.

بل قد يحرم إذا ابتني علي الزهد فيها.

(مسألة 308): لا فرق في ذلك بين ذكره باسمه الشريف

أو بلقبه أو كنيته أو بالضمير.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 240

(مسألة 309): إذا ذكر اسمه مكررا استحب تكرار الصلاة و إن كان الظاهر زوال الكراهة بالإتيان بها مرة.

(مسألة 310): الظاهر أن استحباب الصلاة عليه بنحو الفور العرفي.

(مسألة 311): لا يعتبر في الصلاة عليه كيفية خاصة. نعم لا تؤدي وظيفتها إلا بضم آله- صلوات اللّه عليهم- إليه بل لعلّ تركه رغبة عنه محرّم.

و الحمد للّه رب العالمين و صلّي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 241

المقصد الثالث في صلاة الجمعة

اشارة

و قد تقدم في فصل أعداد الفرائض أنه مع عدم بسط يد الإمام- كما في عصرنا هذا عصر الغيبة- يتخير المكلف بينها و بين صلاة الظهر. و يقع الكلام فيها في ضمن فصول.

الفصل الأول في كيفيتها

و هي ركعتان، يقرأ فيهما بالفاتحة و سورة كسائر الفرائض المقصورة.

و تمتاز عنها بخطبتين قبلها بدل الركعتين، و بوجوب إيقاعها جماعة، بشروط الجماعة الآتية في محلها، و لا تشرع فرادي.

(مسألة 312): يجب الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة. و يستحب أن يقرأ في الركعة الأولي بعد الفاتحة سورة الجمعة، و في الثانية بعد الفاتحة سورة المنافقين.

(مسألة 313): يستحب فيها قنوتان، في الركعة الأولي بعد القراءة قبل الركوع و في الركعة الثانية بعد الركوع حين الانتصاب منه.

(مسألة 314): يجب أن يكون الخطيب هو الإمام للصلاة، و لا يكفي خطبة غيره كما يجب عليه القيام حال الخطبة، و الفصل بين الخطبتين بجلسة قصيرة.

(مسألة 315): لا بد في الخطبة الاولي من حمد اللّه تعالي و الثناء عليه،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 242

و الوصية بتقوي اللّه تعالي، و يقرأ سورة من القرآن. أما في الخطبة الثانية فلا بد من حمد اللّه تعالي و الثناء عليه و الصلاة علي النبي و آله صلّي اللّه عليه و آله، و الأحوط وجوبا تسمية الأئمة عليهم السّلام واحدا واحدا عند الصلاة عليهم معه صلّي اللّه عليه و آله و الاستغفار للمؤمنين و المؤمنات. و ينبغي الاهتمام في الأولي بالثناء علي اللّه تعالي و تمجيده و تقديسه، و في الثانية بالأعذار و الإنذار و بيان ما يصلح للناس في أمر دينهم و دنياهم، و التنبيه لما ورد علي المسلمين في الآفاق و ما ينبغي لهم الاهتمام به و الإعداد له.

(مسألة

316): الأحوط وجوبا رفع الصوت بالخطبة بالمقدار المتعارف في مقام الإسماع، لتحقيق الغرض المطلوب منها و لو بالإضافة إلي بعض المصلين، و لو تعذّر الإسماع حتي بالإضافة إلي بعض المأمومين لتعذّر رفع الصوت علي الإمام أو لصمم المأمومين أو لوجود مانع خارجي من سماعهم، أشكل مشروعية الجمعة فالأحوط وجوبا عدم الاجتزاء بها.

(مسألة 317): الأحوط وجوبا في الخطبة طهارة الإمام من الحدث و الخبث في الثوب و البدن بالمقدار المعتبر في الصلاة.

(مسألة 318): الأحوط وجوبا العربية في المقدار الواجب من الخطبتين، دون المقدار الزائد منهما علي الواجب. و مع كون جميع الحاضرين لا يفهمون العربية فالأحوط وجوبا الجمع في الأمر بتقوي اللّه تعالي بين العربية و اللغة التي يفهمونها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 243

الفصل الثاني في شروط مشروعيتها و صحتها

و هي أمور:

الأول: دخول الوقت، و هو شرط في الصلاة. أما الخطبتان فيجوز تقديمهما علي الزوال بحيث يفرغ منهما عند الزوال، و يجوز تأخيرهما عن الزوال أيضا، لكن يرجح مؤكدا المبادرة عرفا لهما و للصلاة في أول الوقت، بل هو الأحوط وجوبا. فمع تراخي المكلف عنها لا يجتزئ بها، بل يأتي بصلاة الظهر.

الثاني: اجتماع خمسة مصلين أحدهم الإمام. و الأحوط وجوبا عدم انعقادها بالمرأة و الصبي، و إن صحت منهما إذا انعقدت بخمسة غيرهما.

الثالث: عدم انعقاد جمعتين بينهما دون ثلاثة أميال، و ال «ثلاثة أميال» فرسخ و هو يقارب ستة كيلومترات، و لو سبقت إحداهما و كانت واجدة لبقية الشروط بطلت الثانية، و لو اقترنتا بطلتا معا.

الفصل الثالث في أحكام صلاة الجمعة

(مسألة 319): لا يجوز الكلام حال الخطبة، بل يحسن الإصغاء لها.

(مسألة 320): من لم يدرك الخطبتين أجزأه إدراك الصلاة مع الإمام.

و يكفي في إدراكها أن يدرك الإمام بعد الدخول فيها إلي أن يركع في الركعة الثانية، فإذا التحق به في الركعة الثانية صلاها معه و أكملها بركعة أخري يجهر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 244

فيها، و تتم له الجمعة. و أما إذا أدركه بعد الركوع فقد فاتته الجمعة و لزمه أن يصلي الظهر أربعا.

(مسألة 321): لما لم تكن الجمعة في هذا الزمان واجبة تعيينا بل تخييرا فالظاهر عدم وجوب السعي إليها عند النداء إليها و عدم حرمة البيع.

(مسألة 322): يستحب للإمام أن يعتمّ في الشتاء و الصيف و أن يتردّي ببرد يمني أو عدني و أن يتوكأ علي قوس أو عصا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 245

المقصد الرابع في صلاة الآيات

اشارة

و هي واجبة علي كل مكلف عدا الحائض و النفساء. و فيها فصول.

الفصل الأول في أسبابها

و هي أمور:

الأول: كسوف الشمس و خسوف القمر سواء حصل الخوف منهما أم لا.

الثاني: الزلزلة، علي الأحوط وجوبا، سواء حصل الخوف منها أم لا.

الثالث: كل مخوف سماوي، كالريح السوداء و الحمراء و الصفراء و الظلمة الشديدة و الصاعقة و الصيحة و النار التي تظهر في السماء و غيرها. بل هو الأحوط وجوبا في المخوف الأرضي كالهدة و الخسف و غيرهما. و الظاهر أن المعيار فيها أن تكون مخيفة نوعا بمقتضي طبع الإنسان، و إن لم يحصل الخوف فعلا بسبب التعوّد أو قسوة القلوب أو تفسير الحوادث تفسيرا علميّا أو غير ذلك.

(مسألة 323): إنما تجب هذه الصلاة علي أهل المكان الذي يقع السبب فيه و ما يلحق به عرفا، دون غيره ممن بعد عنه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 246

الفصل الثاني في وقتها

وقت صلاة الكسوفين من ابتداء الانكساف إلي تمام الانجلاء. و الأحوط استحبابا الإتيان بها قبل الشروع بالانجلاء. و الأحوط وجوبا مع بقاء شي ء من الوقت لا يسع تمام الصلاة الإتيان بها لا بنية الأداء و لا القضاء. و لو كان وقت الكسوف كلّه لا يسع تمام الصلاة فالأحوط وجوبا الإتيان بها برجاء المطلوبية.

و أما وقت غيرها من الآيات فالظاهر وجوب المبادرة إليه عند حصوله بحيث يصدق عرفا أنه صلّي حينه، و إذا استمر السبب مدة طويلة لزمت المبادرة إليه قبل ارتفاعه.

(مسألة 324): إذا لم يعلم بالكسوفين إلي تمام الانجلاء فإن لم يحترق القرص كله لم يجب القضاء، و إن احترق القرص كله وجب القضاء، و كذا إذا علم بالكسوف أو الخسوف حينه و لم يصل، فإنّه يقضي و إن لم يحترق القرص كله. و أما في غير الكسوفين من الآيات فالأحوط وجوبا مع العلم به

و عدم الصلاة له القضاء. أما مع الجهل به حتي ارتفع فلا يجب القضاء.

(مسألة 325): لو جاء بالصلاة في الوقت ثم تبيّن بعد خروج الوقت فسادها وجب قضاؤها.

(مسألة 326): لا يجب علي الحائض و النفساء عند حصول السبب قضاء الصلاة بعد الطهر من الحيض و النفاس.

(مسألة 327): إذا حصل السبب في وقت الفريضة اليومية فمع سعة وقت كل منهما يتخير في تقديم أيهما شاء و إن كان الأفضل تقديم اليومية خصوصا إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 247

خاف فوت وقت فضيلتها، و مع تضيّق وقت إحداهما دون الأخري يبادر للتي ضاق وقتها و إن ضاق وقتهما قدم اليومية.

(مسألة 328): إذا شرع في صلاة الكسوف ثم خاف فوت وقت الفريضة اليومية الأدائي وجب عليه قطعها و أداء الفريضة اليومية، و إذا خاف فوت وقتها الفضيلي استحب له قطعها و أداء الفريضة اليومية. و إذا لم يأت بالمنافي للصلاة في الموردين جاز له بعد الفراغ من الفريضة العود لصلاة الكسوف من الموضع الذي قطعها عنده، و لا يجب عليه استئنافها.

الفصل الثالث في كيفيتها

و هي ركعتان في كل ركعة خمسة ركوعات يقرأ قبل كل منها و يعتدل في قيامه بعد كل منها، و بعد القيام من الخامس يسجد سجدتين، و يتشهد بعد سجود الركعة الثانية و يسلم.

(مسألة 329): يجب في كل ركعة من الركعتين قراءة الفاتحة و سورة و له تفريق سورة واحدة علي الركوعات الخمسة يقرأ في الركعة الواحدة بعضا منها قبل كل ركوع حتي يتمها. و حينئذ إن ختم قبل الركوع سورة قرأ قبل الركوع الذي بعده الفاتحة و بدأ بسورة، و إن لم يختم سورة، بل هوي للركوع من بعض سورة بدأ قبل الركوع الذي بعده

من حيث انتهي من تلك السورة و لم يقرأ الفاتحة حتي يتم خمسة ركوعات.

و علي ذلك قد يكتفي بالفاتحة مرة واحدة في الركعة، كما إذا فرّق سورة واحدة علي الركوعات الخمسة، و قد يجب عليه الإتيان بالفاتحة خمس مرات

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 248

في الركعة كما إذا أتم السورة قبل كل ركوع من الركوعات الخمسة. و قد يجب عليه الإتيان بالفاتحة أكثر من مرة و أقل من خمس مرات، كما لو ختم سورة في بعض الركوعات و قطّع السورة في بعض الركوعات و أتمّها في بعض.

(مسألة 330): الأحوط وجوبا عدم الهوي للركوع الخامس في كل من الركعتين الا بعد إكمال السورة، و عدم الاكتفاء ببعض سورة و إن كان قد أتم سورة للركعة قبله.

(مسألة 331): حكم هذه الصلاة حكم الثنائية في البطلان بالشك في عدد الركعات، و في حجية الظن فيها. و أما الشك في عدد الركوعات من ركعة واحدة فحكمه البناء علي الأقل.

(مسألة 332): ركوعات هذه الصلاة أركان تبطل الصلاة بزيادتها و نقصها عمدا و سهوا، نظير ما تقدم في اليومية. و يجب فيها ما يجب في اليومية من الأجزاء و الشرائط و الأذكار الواجبة و المندوبة. كما يجري فيها أحكام الشك في المحل و بعد التجاوز.

(مسألة 333): يستحب فيها القنوت بعد القراءة قبل الركوع الثاني و الرابع و السادس و الثامن و العاشر، و يجوز الاقتصار علي بعضها. و يستحب التكبير عند الهوي للركوع و عند القيام منه، إلا في رفع الرأس من الركوع الخامس في كل من الركعتين، فإنّه يقول: سمع اللّه لمن حمده. نعم لا بأس بضم التكبير إليه برجاء المطلوبية.

(مسألة 334): يستحب الإتيان بها جماعة و يتحمل الإمام

فيها القراءة لا غير كاليومية. و تدرك بإدراك الإمام قبل الركوع الأول أو فيه في كل من الركعتين، أما إذا أدركه في غيره ففيه إشكال.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 249

(مسألة 335): يستحب التطويل في صلاة الكسوف إلي تمام الانجلاء فإن فرغ قبله جلس في مصلاه مشتغلا بالدعاء أو يعيد الصلاة.

نعم إذا كان إماما يشق علي من خلفه التطويل خفف، و يستحب قراءة السور الطوال ك (يس)، و النور و الكهف و الحجر، و إكمال السورة في كل قيام، و ان يكون كل من الركوع و السجود بقدر القراءة في التطويل، و الجهر بالقراءة ليلا أو نهارا حتي في كسوف الشمس علي الأصح، و كون الصلاة تحت السماء، و كونها في المسجد.

(مسألة 336): يثبت الكسوف و نحوه بالعلم و البينة و لا يثبت بقول المنجمين و نحوهم ممن لا يشهد برؤيته.

(مسألة 337): تتعدد الصلاة الواجبة بتعدد السبب من أفراد نوع واحد أو أنواع متعددة. و لا يجب تعيين السبب عند الإتيان بالصلاة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 250

المقصد الخامس في صلاة القضاء

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في حكم القضاء و مورده

يجب قضاء الصلاة اليومية التي فاتت في وقتها عمدا أو سهوا أو جهلا أو لأجل النوم المستوعب للوقت أو لغير ذلك. و كذا إذا أتي بها فاسدة لفقد جزء أو شرط مستلزم لبطلانها و وجوب إعادتها في الوقت.

و لا يجب قضاء ما تركه الصبي حال صباه و لا المجنون حال جنونه، و لا المغمي عليه، و إن كان ذلك منهما بفعلهما، و كذا ما تركه الكافر الأصلي حال كفره، و ما تركته الحائض و النفساء علي تفصيل تقدّم في مبحث الحيض. أما المرتد فالأحوط وجوبا أن يقضي ما فاته حال الارتداد بعد توبته من دون فرق بين المرتد الفطري و الملّي. و الظاهر قبول توبة الفطري و إن وجب قتله، فتترتب أحكام الإسلام عليه إذا لم يقتل.

(مسألة 338): إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو المغمي عليه وجب عليهم الأداء إذا أدركوا من الوقت ما يسع الصلاة، بل هو الأحوط وجوبا إذا أدركوا منه ما يسع ركعة واحدة، فإذا تركوه وجب القضاء. علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 339): إذا طرأ الجنون أو الإغماء بعد ما مضي من الوقت مقدار ما يسع من الصلاة الاختيارية فالأحوط وجوبا القضاء. أما الحائض و النفساء إذا طهرتا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 251

في أثناء الوقت أو طرأ عليهما الحيض و النفاس في أثنائه فقد تقدم الكلام فيهما في مبحث الحيض.

(مسألة 340): يجب القضاء علي السكران إذا كان السكر مستندا إليه، أما إذا كان قهرا عليه فالظاهر عدم وجوب القضاء، و إن كان الأحوط استحبابا القضاء.

(مسألة 341): إذا استبصر المخالف وجب عليه قضاء ما فاته دون ما أتي به علي طبق مذهبه أو غيره إذا تأتّي منه قصد

القربة.

(مسألة 342): الظاهر عدم وجوب قضاء النافلة المنذورة في وقت معين.

(مسألة 343): إذا فاتته الصلاة في بعض أماكن التخيير بين القصر و التمام قضي قصرا علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 344): يستحب مؤكّدا قضاء النوافل الرواتب. نعم لا يتأكد قضاء ما فات منها حال المرض. و إذا عجز عن قضاء الرواتب قدّم ما فاته لطلب الدنيا الزائدة عن المعاش علي ما فاته لطلب المعاش أو لقضاء الحقوق الواجبة و المستحبة، فإن عجز عن القضاء تصدق عن كل ركعتين بصدقة أقلّها مدّ- ثمانمائة و سبعون غراما تقريبا- من طعام لكل مسكين عن كل ركعتين، فإن عجز عن ذلك تصدق به عن كل أربع ركعات، فإن عجز تصدق بمد عن نافلة الليل و مد عن نافلة النهار. و أما غير الرواتب من النوافل المؤقتة ففي مشروعية قضائها إشكال فالأولي الإتيان بها برجاء المطلوبية.

(مسألة 345): لا يشترط الترتيب في القضاء بين الفوائت اليومية و غيرها، فمن كان عليه صلاة يومية فائتة و صلاة الكسوف جاز له تقديم أيهما شاء.

و أما الصلوات اليومية فما كان منها مترتبا أداء يجب الترتيب في قضائه، فمن فاتته الظهر و العصر أو المغرب و العشاء من يوم واحد وجب عليه تقديم الظهر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 252

أو المغرب. و أما غيرها فلا يجب الترتيب في قضائها، فمن فاته أيام متعددة جاز له أن يقضي صبحا بعددها ثم ظهرا بعددها و هكذا. و إن كان الأحوط استحبابا الترتيب بينها في القضاء حسب ترتبها في الفوت خصوصا مع إمكان معرفة الترتيب بينها، فمن فاته أيام متعددة يقضي يوما تامّا ثم يوما تامّا حتي يفرغ منها.

(مسألة 346): إذا علم أن عليه إحدي الصلوات الخمس يكفيه صبح

و مغرب و رباعية ينوي بها ما في الذمة مردّدا بين الظهر و العصر و العشاء، و يتخير فيها بين الجهر و الإخفات. و لو كان مسافرا أجزأته مغرب و ثنائية مرددة بين الصلوات الأربع الباقية. و كذا الحال في جميع موارد تردد الفائت بين الصلوات المذكورة، فإنّه مع اختلافه في عدد الركعات يكرر حتي يقطع بالفراغ، و مع اتفاقه فيه يأتي بواحدة مردّدة بين الكل مخيرا فيه بين الجهر و الإخفات مع اختلافها فيه.

(مسألة 347): إذا شك في فوت الفريضة بني علي العدم، و إذا علم بالفوت و تردد الفائت بين الأقل و الأكثر جاز له الاقتصار علي الأقل.

(مسألة 348): إذا شك في الوقت في أداء الفريضة، فإن كان قد أتي بما يترتب عليها شرعا بني علي الإتيان بها، كما لو شك في الظهر و قد صلّي العصر، أو شرع فيها. و إن لم يأت بما يترتب عليها وجب عليه الإتيان بها، كما لو شك في الظهرين معا أو في العصر قبل خروج الوقت فلو لم يأت بها في الوقت وجب قضاؤها بعده.

(مسألة 349): لا يجب الفور في القضاء فيجوز التأخير ما لم يحصل التهاون في تفريغ الذمة.

(مسألة 350): لا يجب تقديم قضاء الفائتة علي الحاضرة فيجوز الإتيان بالحاضرة لمن عليه القضاء و إن كان ليومه، بل يستحب ذلك إذا خاف فوت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 253

فضيلة الحاضرة، نعم مع سعة وقت فضيلة الحاضرة يستحب تقديم الفائتة عليها، بل إن ذكر حينئذ الفائتة و قد شرع في الحاضرة استحب له العدول للفائتة مع بقاء محله.

(مسألة 351): لا يجوز لذوي الأعذار البدار للقضاء، بل يجب عليهم انتظار ارتفاع العذر، نعم مع احتمال استمرار

العذر إلي حين الموت يجوز البدار برجاء المطلوبية، و تكون صحّة العمل مراعاة باستمرار العذر. كما يجوز البدار مع الجزم بالنية عند القطع باستمرار العذر. لكن لو انكشف عدم استمراره تجب الإعادة بعد ارتفاعه إذا كان الخلل بالأركان التي تبطل الصلاة بنقصها عمدا و سهوا. و أما إذا كان الخلل بغيرها فلا تجب الإعادة.

الفصل الثاني في النيابة

لا يشرع التبرع و لا النيابة عن الأحياء في الواجبات و لو مع عجزهم عنها، إلا في الحج إذا كان مستطيعا و كان عاجزا عن المباشرة علي ما يذكر في محله، و يجوز التبرع و النيابة عنهم في جملة من المستحبات، كالصلاة و الصوم، و الحج و الصدقة و الزيارة و قراءة القرآن. بل قد يشرع ذلك في بقية العبادات، و إن كان الأحوط وجوبا الإتيان بها برجاء المشروعية، كما يجوز التبرع و النيابة عن الأموات في الواجبات و المستحبات.

نعم يشكل مشروعية التبرع و النيابة في الدعاء عن الأحياء و الأموات فالأولي إبداله بالدعاء لهم. و إما إهداء العمل أو ثوابه فقد ورد في بعض الأمور كالحج و بعض الصلوات و قراءة القرآن، و حكي فعله عن بعض أصحاب الأئمة عليهم السّلام.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 254

و الأحوط وجوبا الإتيان به برجاء المشروعية و ترتّب الأثر حيث يرجي ترتبه بفضل اللّه سبحانه و سعة رحمته. نعم هو لا يقتضي براءة الذمة و تحقق الامتثال.

بل هما متوقّفان علي قصد الامتثال بالعمل حين الإتيان به الذي يكون مع التبرع أو النيابة.

(مسألة 352): يشترط في النائب أمور:

الأول: العقل: فلا يجتزأ بفعل غيره و إن تحقق منه القصد في الجملة- لعدم التعويل علي قصده- بل هو كقصد النائم ملغي عند العقلاء. نعم إذا

لم يبلغ الضعف العقلي عنده مرتبة الجنون فلا بأس بعمله.

الثاني: الإسلام.

الثالث: الإيمان فلا يجتزأ بعمل المخالف، و إن جاء بالعمل علي الوجه المعتبر عندنا. بل يشكل الاجتزاء بعمل المستضعف- غير المقرّ بالولاية و لا الجاحد لها- فالأحوط وجوبا عدم الاجتزاء بعمله.

(مسألة 353): لا يشترط في النائب البلوغ، فيصح عمل الصبي المميّز إذا أداه بالوجه المعتبر شرعا. كما لا يشترط العدالة، فيصح عمل الفاسق، نعم يشكل التعويل علي إخباره بالإتيان بالعمل إلا مع كونه في نفسه ثقة مأمونا و حصول الوثوق من خبره. نعم لو علم بإتيانه بالعمل بنيّة تفريغ ذمة الغير و شكّ في صحة عمله فالظاهر البناء علي الصحة و إن لم يكن ثقة.

(مسألة 354): لا يشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة، فتصح نيابة الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل، و في الجهر و الإخفات يراعي حال النائب.

(مسألة 355): النائب يعمل علي طبق اجتهاده أو تقليده لا علي طبق اجتهاد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 255

الميت أو تقليده. نعم إذا كان مكلّفا من قبل الغير بحيث يكون في مقام الوفاء عنه كان ظاهر حال التكليف أن المطلوب منه هو العمل علي طبق اجتهاد من كلفة أو تقليده فلا يستحق الأجرة إذا كان أجيرا، و لا الجعالة إلا إذا جاء بالعمل علي الوجه المذكور، و لا يكفيه العمل علي طبق اجتهاده هو أو تقليده.

(مسألة 356): يستحب التبرع عن المؤمن الميت في أداء الواجبات التي عليه كقضاء الصلوات و الصيام و غيرها، و كذا المستحبات فإنّه من أفضل البّر بالمؤمن و الصلة له و الإحسان إليه.

(مسألة 357): ينوي النائب بالفعل امتثال أمر المنوب عنه و تفريغ ذمته، و ذلك

كاف في المقربيّة المعتبرة في العبادة، و لا يعتبر مع ذلك التقرب بأمر النيابة المتوجه للنائب نفسه. نعم يعتبر عدم وقوعه منه بوجه مبعد كما لو أوقعه بوجه محرّم، لغصب المكان أو اللباس أو غيرهما.

(مسألة 358): لا تبرأ ذمة المنوب عنه بعمل النائب إذا كان اضطراريا كما لو كانت وظيفته التيمم أو الطهارة الجبيرية أو الصلاة من جلوس أو نحوها.

(مسألة 359): لا بدّ من تعيين المنوب عنه حين العمل و لو إجمالا. و لا يكفي التعيين بعد العمل.

(مسألة 360): يجب علي وليّ الميت أن يقضي ما علي الميت من الصلاة و الصيام سواء فاته لعذر- من مرض أو جهل بالتكليف أو بكيفية الأداء- أم تسامحا. نعم لا يجب الأداء إذا مات الشخص و هو غير مهتم بالقضاء تهاونا و تمرّدا.

(مسألة 361): المراد بالولي هو الوارث الذكر. و في عمومه للطفل حين موت الميّت إشكال. فالأحوط وجوبا عليه القضاء إذا بلغ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 256

(مسألة 362): الظاهر اختصاص وجوب القضاء بما إذا كان الميت رجلا، و لا يجب القضاء عن المرأة. و إن كان هو الأحوط استحبابا- بل لا إشكال في استحبابه.

(مسألة 363): إذا تعدّد الولي وجب القضاء علي كل منهم بنحو الوجوب الكفائي، فيعاقب الكل علي تركه و يسقط بفعل البعض عن الباقين. و لا يتوزّع القضاء عليهم بالنسبة.

(مسألة 364): لا يجب علي الولي أن يقضي بدل الميت ما وجب علي الميت قضاؤه عن غيره، كما لو كان وليّا عن ميت قبله عليه صوم أو صلاة، أو كان مستأجرا علي أن يصلي أو يصوم عن غيره، بل يسقط الأول و يجري علي الثاني حكم الدّين فيخرج من أصل التركة، إلا أن يشترط

مباشرته فتبطل الإجارة و يجب إرجاع الأجرة من تركته.

(مسألة 365): يسقط القضاء عن الولي إذا قضي عن الميت غيره تبرعا أو بإجارة من قبل الولي أو غيره، و لو لوصية الميت بالقضاء من ثلثه.

(مسألة 366): لو عجز الولي عن القضاء بنفسه سقط عنه، و لا يجب عليه السعي لقضاء غيره عن الميت باستئجار أو غيره.

(مسألة 367): إذا شك الولي في فوات شي ء عن الميت لم يجب القضاء عليه، و إذا شك في مقدار الفائت اقتصر علي الأقل.

(مسألة 368): إذا أخبر الرجل بانشغال ذمته بالفوائت فالأحوط وجوبا للولي قضاؤها عنه بعد موته إذا لم يكن متّهما في إخباره.

(مسألة 369): إذا لم يكن للميت ولي أو كان و لم يجب عليه القضاء فالأقوي عدم وجوب إخراج ما انشغلت به الذمة من الفوائت من أصل التركة. نعم إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 257

أوصي بإخراجه نفذت وصيته في الثلث.

(مسألة 370): لا يجب الفور في القضاء عن الميت، و إن كان الأولي المسارعة و لو لتخليص الميت من تبعة الفوت.

(مسألة 371): كما يجب علي الولي قضاء ما فات الميت يجب عليه أداء ما وجب علي الميت أداؤه و لم يؤدّه كما لو مات في وقت صلاة و لم يؤدّها و كان مكلّفا بأدائها لمضيّ زمان يصلح منه الأداء فيه. و الأحوط وجوبا للولي المبادرة لها في الوقت مع الإمكان، و إن لم يبادر وجب عليه أداؤها بعده.

(مسألة 372): لا تبرأ ذمة الميت بصلاة الولي الاضطرارية، كصلاته بالتيمم أو بطهارة جبيرية أو من جلوس. نعم مع تعذر إتيانه بها بوجه اختياري و عدم تفريغ ذمة الميت من قبل غيره يجب عليه الإتيان بالصلاة الاضطرارية تحقيقا للميسور.

الفصل الثالث في الاستئجار علي تفريغ ذمة الغير

كل عمل تصح

فيه النيابة يشرع الاستئجار له، فيستحق صاحب المال علي الأجير العمل للغير لامتثال أمره و تفريغ ذمته حيّا كان ذلك الغير أو ميتا، واجبا كان ذلك العمل أو مستحبا. و أما الإجارة علي العمل لإهداء ثوابه للغير فلا يخلو عن إشكال. نعم لا بأس بدفع المال مقابل إهداء الثواب إذا تحقق من الفاعل قصد القربة بالعمل.

(مسألة 373): يشترط في الأجير في المقام ما يشترط في الأجير في سائر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 258

موارد الإجارة. نعم إذا ابتنت الإجارة علي أن يباشر العمل بنفسه لزم فيه أيضا الشروط المتقدمة في النائب و جري عليه حكمه.

(مسألة 374): لا يعتبر في الأجير العدالة و لا الوثاقة. لكن لا يعول علي إخباره بالقيام بالعمل المستأجر عليه إذا لم يكن ثقة مأمونا فلا يحكم ببراءة ذمة المنوب عنه لكن يلزم تصديقه من حيثيّة استحقاقه الأجرة، لابتناء الإجارة علي ذلك في مثل هذه الأمور التي لا تعلم إلا باخباره.

(مسألة 375): لا تفرغ ذمة الميت باستئجار من يصلي صلاة اضطرارية كالمتيمم و ذي الجبيرة و العاجز عن القيام، بل لا بد فيه من استئجار غيره فإن تجدّد له العذر بعد الإجارة فإن كان العذر موقّتا لا يستوعب زمان الإجارة وجب علي الأجير انتظار القدرة علي الصلاة الاختيارية التامة، و إن كان مستوعبا انفسخت الإجارة. نعم إذا لم تكن الإجارة لتفريغ ذمة الميت من صلاة واجبة ثابتة في ذمته بل لمجرد الصلاة عنه و إن لم يكن مشغول الذمة جاز الاستئجار للصلاة الاضطرارية.

(مسألة 376): إذا اختلف الأجير و المؤجر في الاجتهاد أو التقليد في كيفية العمل المستأجر عليه فإن كانت الإجارة مقيدة بأحد الوجهين صريحا لزم العمل عليه، و إلا فإن

كان الاختلاف معلوما حين الإجارة كان ظاهرها لزوم العمل علي اجتهاد المستأجر أو تقليده و علي اجتهاد الميت أو تقليده إن كانت الإجارة بسبب وصيته بالعمل لا ابتداء من المستأجر. و إن لم يكن الاختلاف معلوما حين الإجارة و لا ملتفتا إليه كان ظاهرها الاكتفاء باجتهاد الأجير أو تقليده لمطابقتهما لاجتهاد المؤجر أو الميت أو تقليدهما فإن ظهر الاختلاف قبل العمل أشكل الأمر و لزم الترافع للحاكم الشرعي أو العمل بأحوط الوجهين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 259

(مسألة 377): لا تفرغ ذمة الميت بمجرد الإجارة، بل يتوقف علي تحقق العمل المستأجر عليه.

(مسألة 378): إذا استأجره علي أن يصلي كان ظاهره لزوم مباشرته بنفسه و عدم الاكتفاء بفعل غيره بدلا عنه إلا بقرينة خاصة أو إذن خاص بعد الإجارة. أما إذا آجره علي أن يكون مشغول الذمة بالعمل فظاهره عدم اشتراط المباشرة إلا مع قرينة صارفة عن الظهور المذكور.

(مسألة 379): إذا كان مقتضي الإجارة عدم اعتبار المباشرة فللأجير أن يستنيب غيره في تفريغ ذمّة الميت بإجارة أو غيرها، نعم لا بدّ في الإجارة أن لا تكون بأقل من الأجرة التي جعلت له علي العمل إلا مع اختلاف جنس الأجرة أو أدائه لبعض العمل.

(مسألة 380): إذا أخذ في الإجارة زمان معين لأداء العمل فإن رجع ذلك لتعيين العمل المستأجر عليه بما يقع في الزمن المذكور، كما قد يكون في مثل قراءة القرآن في شهر رمضان، فمع عدم الإتيان بالعمل في الزمان المذكور تبطل الإجارة فلا يستحق الأجرة بالعمل بعدها، بل يكون متبرعا.

و إن رجع ذلك إلي اشتراط الزمان المذكور زائدا علي الإجارة، كما لعله الغالب في المدد المضروبة لأجل الحث علي المسارعة في العمل، فمع عدم

الإتيان بالعمل المذكور لا تبطل الإجارة، و لا يكون الإتيان بالعمل بعدها تبرعا منه. غاية الأمر أن يكون للأجير حق فسخ الإجارة، فمع الفسخ يستحق اجرة المثل، و مع عدمه يستحق الأجرة المسماة. نعم تفرغ ذمة المنوب عنه بالعمل في جميع فروض المسألة.

(مسألة 381): إذا انكشف بطلان الإجارة بعد العمل استحق الأجير اجرة المثل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 260

علي المستأجر، و كذا إذا فسخت لخيار أو إقالة.

(مسألة 382): إذا لم تعيّن كيفية العمل من حيثية الاشتمال علي المستحبات تنصرف الإجارة إلي النحو المتعارف في القضاء.

(مسألة 383): إذا نسي الأجير بعض المستحبات المأخوذة في الإجارة أو الواجبات التي لا تخلّ بصحة العمل فإن كان بالنحو المتعارف لم ينقص من الأجرة شي ء، و إلا نقص من الأجرة بالنسبة.

(مسألة 384): إذا كانت الإجارة علي تفريغ ذمة الميت فتبرّع متبرع بالعمل قبل قيام المستأجر به بطلت الإجارة. أما إذا كانت علي العمل عن الميت و لو مع فراغ ذمّته فلا تبطل.

(مسألة 385): إذا مات الأجير قبل القيام بالعمل المستأجر عليه فإن كانت المباشرة شرطا في العمل المستأجر عليه بطلت الإجارة، و إلا وجب علي ورثته الاستئجار من تركته، و منها الأجرة التي استحقها بالإجارة، كسائر الديون المالية، و إذا لم تكن له تركة لم يجب علي الوارث شي ء، و يبقي الميت مشغول الذمة بالعمل.

(مسألة 386): كما يجوز استئجار الغير علي الصلاة أو غيرها عن الميت يجوز جعل الجعل له، و الفرق بينهما أن الإجارة عقد لازم مشروط بشروط و له أحكام مذكورة في محلها من كتاب الإجارة، أما الجعالة فهي إيقاع قوامه الوعد بدفع المال علي العمل، و لا يكون لازما، بل لجاعل الجعل الرجوع عنه قبل

عمل العامل. و جملة من الفروع المتقدمة تختص بالإجارة و لا تجري في الجعالة، كما يظهر بالتأمل فيها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 261

المقصد السادس في صلاة الجماعة

اشارة

و هي من المستحبات المؤكدة في جميع الفرائض خصوصا الأدائية و خصوصا في الصبح و العشائين، و خصوصا لجيران المسجد الذي تقام فيه الجماعة و لمن يسمع النداء. و لها ثواب عظيم، و قد ورد في الحث عليها و الذم علي تركها أخبار كثيرة و مضامين عالية. ففي كثير من الأخبار أنها تعدل خمسا و عشرين صلاة للفرد، و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «من صلّي خلف إمام عالم فكأنما صلّي خلفي و خلف إبراهيم خليل الرحمن»، و عن الصادق عليه السّلام: «الصلاة خلف العالم بألف ركعة و خلف القرشي بمائة» و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «ركعة يصليها المؤمن مع الإمام خير من مائة ألف دينار يتصدق بها علي المساكين، و سجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في جماعة خير من عتق مائة رقبة».

و الكلام، فيها في ضمن فصول:

الفصل الأول في ما تشرع فيه الجماعة

تشرع الجماعة في الصلاة اليومية و صلاة الآيات و صلاة العيدين و صلاة الاستسقاء.

(مسألة 387): يشكل مشروعية الجماعة في صلاة الاحتياط و في الصلاة المنذورة و نحوها من النوافل الواجبة بالعرض، و في صلاة الطواف- و إن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 262

وجبت تبعا للطواف- فالأحوط وجوبا عدم ترتيب أثر الجماعة عليها لو جعل المصلي لها إماما، و عدم الإتيان بها جماعة مأموما. نعم لا بأس بالإتيان بها جماعة برجاء المشروعية من دون أن يتحمل الإمام عن المأموم القراءة.

(مسألة 388): الجماعة شرط في صلاة الجمعة. و كذا في صلاة العيدين مع وجوبها. و أما مع عدم وجوبها فليست شرطا فيها، بل تشرع فرادي أيضا.

(مسألة 389): لا تشرع الجماعة لشي ء من النوافل الأصلية و إن وجبت بالعارض لنذر و نحوه حتي صلاة

الغدير، إلا في صلاة الاستسقاء، كما سبق. نعم ورد فيما إذا ائتم المسافر بالحاضر أنه يصلي فريضة الظهر مع الإمام في الركعتين الأوليين من الظهر، ثم يصلّي معه في الركعتين الأخيرتين منها النافلة، و يصلي معه في الركعتين الأوليين من العصر النافلة ثم يصلي معه في الركعتين الأخريين منها فريضة العصر. و لا بأس بالعمل بذلك برجاء المطلوبية.

(مسألة 390): إذا صلّي فرادي استحبّ له في الوقت إعادة صلاته جماعة إماما أو مأموما. بل حتي لو كان قد صلّي جماعة، فإنّه يشرع بل يستحب له أن يعيدها جماعة إماما أو مأموما، و لو ظهر بعد ذلك بطلان الأولي أجزأته الثانية و كانت هي الواجبة و إن تخيّل أنها مستحبة.

(مسألة 391): لا تشرع إعادة الصلاة جماعة بعد الوقت.

(مسألة 392): الصلاة المعادة في الوقت احتياطا إن أحرز اشتمالها علي الأجزاء و الشروط المعتبرة تشرع الجماعة فيها و تترتب آثارها، لأنه إن كانت الأولي صحيحة كانت الثانية إعادة لها جماعة، و قد تقدم في المسألة السابقة مشروعيتها. و إن كانت الأولي باطلة كانت الثانية صلاة مبتدأة، و إن كانت الأولي باطلة كانت الثانية صلاة مبتدأة جماعة، و إن لم يحرز اشتمالها علي الأجزاء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 263

و الشروط المعتبرة يجوز الإتيان بها جماعة برجاء مشروعيتها، لكن لا مجال لترتيب آثار الجماعة عليها من قبل غير المصلّي، و كذا الحال في كل صلاة يؤتي بها احتياطا و لا يحرز اشتمالها علي الأجزاء و الشروط المعتبرة و إن كانت ابتدائية لا معادة، فمن كرّر الصلاة في الثوبين المعلومة نجاسة أحدهما أو جمع بين القصر و التمام في موارد عدم قيام الحجة علي وجوب خصوص أحدهما لا مجال لاجتزاء

غيره بالائتمام به في إحدي الصلاتين، كما لا مجال لاتصال غيره به لو كان مأموما، بل لو كان الفصل به كثيرا لم تنعقد الجماعة.

و كذا الحال في المعادة خارج الوقت احتياطا سواء أحرز اشتمالها علي الأجزاء و الشروط المعتبرة أم لم يحرز. نعم إذا اتفقت الجهة الموجبة لاحتمال صحة الصلاة في حقّ جماعة جاز ائتمام بعضهم ببعض و اتصال بعضهم ببعض في الجماعة، كما لو كانت وظيفة جماعة الجمع بين القصر و التمام فإنّه يجوز لهم الائتمام ببعضهم في كلتا الصلاتين، بأن يصلّوا جماعة قصرا، ثم تماما أو بالعكس.

(مسألة 393): يجوز اقتداء من يصلي إحدي الصلوات اليومية بمن يصلي الأخري، و إن اختلف في الجهر و الإخفات، و الأداء و القضاء، و القصر و التمام.

و لا يجوز اقتداء مصلّي اليومية بمصلي العيدين أو الآيات أو الأموات، و كذا العكس، و لو مع عدم لزوم اختلاف النظم، كما لو ائتم مصلي اليومية في الركوع الأخير من صلاة الآيات. بل يشكل ائتمام مصلي الآيات بمثله مع اختلاف السبب، فالأحوط وجوبا تركه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 264

الفصل الثاني في ما تنعقد به الجماعة

أقل عدد تنعقد به الجماعة في غير الجمعة و العيدين اثنان أحدهما الإمام سواء كان المأموم رجلا أم امرأة أم صبيا مميّزا، و أما في الجمعة و العيدين فلا تنعقد إلا بخمسة أحدهم الإمام. و يشترط في انعقاد الجماعة أمور.

الأول: نية الائتمام من المأموم، و لو مع عدم نية الإمام للإمامة لامتناعه منها أو لجهله بوجود المأموم. نعم لا بدّ من نية الإمام للإمامة في صلاة الجمعة و العيدين، و كذا إذا كانت صلاته معادة، لتقوّم الصلاة المشروعة بها.

(مسألة 394): لا يعتبر في انعقاد الجماعة قصد القربة لا من

الإمام و لا من المأموم. فإذا كان الداعي لها غرضا مباحا، كالفرار من الشك و التخلص من القراءة انعقدت و إن لم يترتب عليها الثواب. نعم إذا وقعت بوجه محرّم كالرياء أو ترويج باطل ملتفت إليه لم تنعقد لبطلان الصلاة بها. كما أنه إذا كانت الجماعة مقومة للصلاة تعيّن قصد القربة بها تبعا للصلاة، كما في الصلاة المعادة و صلاة الجمعة.

(مسألة 395): لا بدّ من نية الائتمام من أول الصلاة، فلا يصح للمنفرد العدول للائتمام في الأثناء.

(مسألة 396): يجوز العدول من الائتمام إلي الانفراد اختيارا في جميع أحوال الصلاة، كما يجوز نية ذلك من أول الصلاة بأن ينوي أن ينفرد في الأثناء بعد انعقاد الجماعة، لا أنه ينوي من أول الأمر الائتمام في بعض الصلاة بحيث ينفرد بانتهاء البعض من دون نية، فإن ذلك لا يشرع، و لا تنعقد الجماعة حينئذ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 265

(مسألة 397): إذا نوي الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الركوع أجزأته قراءة الإمام و لم تجب عليه القراءة، و أما إذا انفرد في أثناء القراءة فالأحوط وجوبا له استئناف القراءة لنفسه و عدم الاجتزاء بما قرأه الإمام قبل أن ينفرد.

(مسألة 398): إذا توقف في أثناء صلاة الجماعة عن نية الائتمام- إما مع نية الانفراد أو بدونها- فإن أتي هو أو الإمام بشي ء من الأفعال لم يجز له الرجوع للائتمام، بل و كذا إذا لم يأت أحدهما بشي ء علي الأحوط وجوبا، و أما إذا كان ناويا للائتمام لكنّه تردد في أنه هل يبقي عليه أو ينفرد فالظاهر أنه يبقي علي الائتمام ما لم يتوقف عن نيّته.

(مسألة 399): إذا شك في أثناء صلاة الجماعة في أنه هل نوي الانفراد أو

لا، بني علي العدم و بقي علي الائتمام.

(مسألة 400): إذا شك في أنه نوي الائتمام أو لا بني علي العدم، حتي لو علم أنه قام بنيّة الدخول في الجماعة أو ظهر عليه أحوال الائتمام كعدم القراءة و نحوه، بل و إن رأي نفسه ناويا فعلا الائتمام و شكّ في أنه هل نواه من أول الأمر أو لا. و عليه يتخير بين قطع الصلاة و استئنافها بنية الائتمام، و بين المضي فيها و ترتيب آثار الانفراد، و إن كان الأحوط استحبابا في الثاني نية الانفراد. نعم لو رجع الشك للوسواس لم يعتن به.

الثاني: تعيين الإمام و لو إجمالا، مثل إمام الجماعة المنعقدة، أو الذي يسمع صوته أو غير ذلك. و لا يجوز الائتمام بأحد شخصين علي نحو الترديد.

(مسألة 401): إذا نوي الائتمام بشخص خاص معتقدا أنه زيد فبان عمرا انعقدت جماعته. إلا أن يرجع إلي تقييد الائتمام بالشخص الخاص و تعليقه علي أن يكون هو زيدا، و حينئذ يتعيّن عدم انعقاد الجماعة، بل بطلان صلاته إذا وقع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 266

فيها ما يبطل صلاة المنفرد حتي لو وقع سهوا كزيادة الركوع للمتابعة. لكن الفرض المذكور يحتاج إلي عناية خاصة و كلفة لا تحصل غالبا، بل يقطع بعدم حصولها لعامة الناس و في الحالات المتعارفة.

الثالث: وحدة الإمام الذي يأتمّ به، فلا يجوز الائتمام بشخصين دفعة واحدة و إن اقتربا في الأقوال و الأفعال، كما لا يجوز الانتقال في الائتمام من شخص لآخر في أثناء الصلاة، إلا أن يطرأ علي الإمام ما يمنعه من الاستمرار في الصلاة من موت أو جنون أو إغماء أو حدث أو علة أو غير ذلك، و منه ما إذا تذكّر

أنه كان محدثا. و حينئذ للمأمومين أن يكملوا صلاتهم فرادي، و يجوز بل يستحب لهم الائتمام بشخص آخر من المأمومين أو من غيرهم يقدّمه الإمام أو المأمومون أو يتقدم بنفسه يكملون معه صلاتهم. و الأفضل أن لا يكون مسبوقا بركعة أو أكثر.

فإن كان مسبوقا أتّموا صلاتهم معه، ثم يتمّ صلاته بعدهم.

الرابع: إدراك الإمام بعد تكبيرة الافتتاح و قبل التسليم في أي جزء من أجزاء الصلاة- القراءة أو الذكر أو تكبيرة الركوع أو الركوع نفسه أو السجود أو التشهد.

نعم يتوقف إدراك ركعة و احتسابها من الصلاة علي إدراكه في القيام قبل الركوع أو في تكبيرة الركوع أو في الركوع. أما إذا أدركه بعد رفع رأسه من الركوع فلا يدرك تلك الركعة و لا تحسب له و لا يعتدّ بما أدركه منها، و لا يحسب من صلاته.

(مسألة 402): إذا أدرك الإمام بعد رفع رأسه من الركوع قبل السجود أو حاله كبّر للافتتاح و سجد معه و تابعه و لم يعتدّ بسجوده ذلك للصلاة، فإن قام الإمام في الركعة الثانية أو الثالثة قام معه و جعلها الركعة الاولي له، و إن أدركه حال التشهد الأول كبّر للافتتاح قائما، و الأحوط وجوبا أن لا يجلس معه في التشهد،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 267

بل يبقي قائما حتي يقوم الإمام فيتابعه و يجعلها الركعة الاولي له.

و إن أدركه حال التشهد الثاني كبّر للافتتاح قائما و جلس حتي يسلّم ثم يقوم للركعة الاولي و لا يحتاج لاستئناف التكبير قائما عند البدء بالركعة الاولي في جميع الصور، و إن كان الأحوط استحبابا التكبير في جميع الصور برجاء الجزئية من دون جزم بها، بل مردّدا بينها و بين الذكر المطلق.

(مسألة 403): إذا

أدرك الإمام راكعا و علم أنه إن كبّر لم يدركه في الركوع فالأحوط وجوبا عدم التكبير حتي يرفع الإمام رأسه، فيكبّر و يهوي معه للسجود علي ما تقدم في المسألة السابقة، أو يكبّر بعد قيام الإمام للركعة اللاحقة.

و لو كبّر برجاء إدراك الإمام فرفع الإمام رأسه قبل أن يهوي المأموم للركوع فالأحوط وجوبا عدم إدراك الجماعة، بل إما أن ينوي الانفراد، أو يستأنف الصلاة بعد فعل المبطل ليدرك الجماعة. أما لو كبر و ركع برجاء إدراك الإمام و لم يدركه فإنّه لا يدرك بركوعه الجماعة، بل الظاهر وقوع صلاته فرادي و احتساب الركعة منها، و إن كان الأحوط استحبابا استئناف الصلاة بعد فعل المبطل.

(مسألة 404): لو ركع برجاء إدراك الإمام راكعا فرفع الإمام رأسه، و شك في إدراكه له قبل رفع رأسه فالأحوط وجوبا عدم البناء علي انعقاد الجماعة، بل ينوي الانفراد، و الأحوط استحبابا مع ذلك استئناف الصلاة بعد فعل المبطل نظير ما تقدم في صورة عدم الإدراك.

(مسألة 405): يكفي في إدراك الركوع اجتماع المأموم مع الإمام في حد الركوع و إن كان الإمام قد نهض منه و المأموم قد هوي إليه، و إن كان الأحوط استحبابا فيه نية الانفراد، علي نحو ما تقدم في صورة عدم الإدراك.

(مسألة 406): إذا حضر المكان الذي فيه الجماعة فرأي الإمام راكعا و خشي أن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 268

يرفع رأسه قبل وصوله للصف كان له أن يكبّر للإحرام في مكانه و يركع ثم يمشي في ركوعه أو بعده أو بين السجدتين أو بعدهما، فيلتحق بالصف و هم جلوس أو قيام، سواء كان المشي إلي الإمام أم إلي الخلف أم إلي أحد الجانبين.

و الأحوط وجوبا كونه

حين التكبير متأخرا عن الإمام.

كما لا بدّ من عدم الانحراف عن القبلة و مراعاة سائر شروط الصلاة و منها الطمأنينة حال الذكر. و كذا شروط الجماعة عدا البعد، فلا بدّ من عدم الحائل و عدم علوّ الإمام و غير ذلك. و الأولي جرّ الرجلين حال المشي و عدم التخطي فيه برفع الرجلين.

الفصل الثالث في شروط انعقاد الجماعة

الأول: أن لا يكون بين المصلين حائل من ستر أو جدار أو نحوهما من دون فرق بين الإمام و المأمومين، و بين المأمومين أنفسهم بل لا بدّ من اتصال بعضهم ببعض من أمامه أو من أحد جانبيه. نعم لا يمنع من ائتمام النساء بالرجل وجود الحائل بينهن و بين المصلين.

(مسألة 407): لا بأس بالحائل القليل الارتفاع، كالذي يكون بقدر شبر. و أما الحائل غير المستوعب لجسد المصلي في امتداده كالشجرة و أعمدة البناء فالظاهر عدم منعه. و علي ذلك فلا يقدح في الائتمام انفراد بعض المصلين و إن انحصر الاتصال من جانبه، إلا إذا استلزم البعد المانع، كما يأتي. نعم إذا امتد الحائل من موقف المصلي إلي ركبتيه عند الجلوس أو السجود و اختص الفراغ و الاتصال بمقدّم البدن عند السجود فالأحوط وجوبا منعه من الائتمام.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 269

(مسألة 408): لا يمنع من انعقاد الجماعة فصل مثل الشبابيك و الجدران المخرمة نعم إذا كانت الفرج ضيّقه فالأحوط وجوبا عدم الانعقاد، و كذا الحال في الحائل المستوعب غير المانع من الرؤية كالزجاج و الثوب الرقيق الحاكي و الحائل المثقوب الذي يمكن معه الرؤية في خصوص بعض الأحوال كالقيام أو الركوع أو السجود، فإنّ الأحوط وجوبا عدم الانعقاد في جميع ذلك.

(مسألة 409): إذا اتصل أهل الصف بعضهم ببعض كفي في انعقاد

الجماعة لهم عدم الحائل بين بعضهم و بين الإمام أو الصف المتقدم، و لا يضر فيه وجود الحائل بين بعضهم و الإمام أو الصف المتقدّم، فإذا كانت الصفوف في مكانين مفصولين بحائل فيه فتحة كالباب و نحوهما صحّت الجماعة للكل من جهة الاتصال في موضع الباب.

(مسألة 410): ليس من الحائل المانع من انعقاد الجماعة مرور الإنسان بين المصلين، نعم إذا كثر المارّة و تكاثفوا و استمروا مدّة معتدّا بها منع ذلك من انعقاد الجماعة.

الثاني: أن تتصل الجماعة بأن لا يكون بين الإمام و المأمومين و بين المأمومين أنفسهم بعد كثير، و الأحوط وجوبا في تحديده أن لا يكون بينهم من أحد الجانبين أو بين موقف المتقدم و مسجد المتأخر ما لا يتخطي، و هو يقارب المتر و الربع، و إن كان الأفضل الاتصال العرفي. و لا يضر الفصل المذكور من جانب إذا كان بينهم اتصال من جانب آخر.

نعم تقدم في آخر الكلام في الشرط الثالث عدم منع البعد في ابتداء الجماعة لمن يدخل إلي مكان الجماعة و يخشي عدم إدراكها و أنّه يأتمّ مع البعد ثم يتصل بالجماعة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 270

الثالث: أن لا يكون موقف الإمام أعلي من موقف المأموم بمقدار معتدّ به، و الأحوط وجوبا أن لا يزيد علي ثلاث أصابع. هذا إذا كان العلو دفعيا أو تدريجيا قريبا من الدفعي لوضوحه، كسفح الجبل، أما إذا كان تسريحيا خفيفا يغفل عنه عرفا و لا ينافي صدق أن الأرض منبسطة فلا بأس بالارتفاع أكثر من ذلك بسبب سعة المكان. و لا بأس بعلوّ موقف المأموم علي موقف الإمام و إن كان كثيرا.

(مسألة 411): لا بأس بكون بعض المأمومين أسفل من بعض

إذا لم يكن أسفل من الإمام حتي لو انحصر اتصاله بالجماعة بالمأموم المرتفع. نعم الأحوط وجوبا مع الانحصار أن لا يكون انخفاضه عنه كثيرا بحيث ينافي الاجتماع و يتحقق به تعدد المكان.

الرابع: أن لا يتقدم المأموم علي الإمام، بل الأحوط وجوبا أن لا يساويه، بل يتأخر عنه بموقفه و لو قليلا جدّا كقدر أربع أصابع.

(مسألة 412): الشروط الأربعة الأخيرة شروط في الابتداء و الاستدامة، فإذا فقد أحدها في الأثناء بطلت الجماعة و إذا لم يلتفت المأموم لذلك و بقي علي نية الائتمام، فإذا أتي بما يبطل صلاة المنفرد حتي لو وقع سهوا- كزيادة الركوع- بطلت صلاته، و إلا صحّت فرادي.

(مسألة 413): لا بد من إحراز الشروط المذكورة حين الدخول في الصلاة، فإذا غفل و دخل فيها ثم التفت بعد الفراغ بني علي صحة صلاته و جماعته. و إن التفت في الأثناء فإن تيسّر له إحرازها صحت صلاته و جماعته. و إلا بني علي عدم انعقاد الجماعة، فإن لم تشتمل صلاته علي ما يبطل صلاة المنفرد صحت فرادي.

(مسألة 414): إذا أحرز الشروط المذكورة حين الدخول في الصلاة و أحرز

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 271

انعقاد الجماعة ثم احتمل فقدها أو فقد بعضها في الأثناء بني علي بقاء الجماعة.

الفصل الرابع في شروط إمام الجماعة

يشترط في إمام الجماعة- مضافا إلي العقل و الإيمان- أمور:

الأول: طهارة المولد، فلا تصح إمامة ولد الزنا.

الثاني: الرجولة إذا كان في المأمومين رجل، فلا تصح إمامة المرأة إلا للمرأة. و في صحة إمامة الصبي و لو لمثله إشكال، فالأحوط وجوبا عدم الائتمام به.

الثالث: العدالة، و هي عبارة عن كون الإنسان متديّنا بحيث يمتنع من الكبائر، و لا يقع فيها إلا في حالة نادرة لغلبة الشهوة أو الغضب.

و من لوازم وجودها حصول الندم و التوبة عند الالتفات لصدور المعصية بمجرد سكون الشهوة و الغضب. أما إذا كثر وقوع المعصية منه لضعف تديّنه و إن كان يندم كلّما حصل ذلك منه فليس هو بعادل.

(مسألة 415): الكبائر هي الذنوب التي أوعد اللّه عليها النار. و هي كثيرة يأتي التعرّض لجملة منها في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 416): لا يجوز الصلاة خلف من يشك في عدالته، بل لا بدّ من إحرازها بأحد أمور: (أحدها): العلم الناشئ من المعاشرة أو غيرها (ثانيها): البيّنة إذا استندت شهادتها للمعاشرة و نحوها مما يوجب الاطلاع علي العدالة بوجه مقارب للحس، و لا يكفي استنادها للحدس و التخمين بدون ذلك و إن أوجب للشاهد العلم. و إذا شكّ في مستند الشهادة يحمل علي الأول ما لم تقم أمارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 272

علي الثاني. (ثالثها): حسن الظاهر و لو لظهور الخير منه و عدم ظهور الشر لمن يعاشره و يخالطه.

الرابع: أن يكون صحيح القراءة إذا كان المأموم يحسن القراءة الصحيحة و كان الائتمام في الأوليين من الجهريّة، علي الأحوط وجوبا. أما إذا كان في الأخيرتين أو كان المأموم كالإمام في عدم صحة قراءته مع اتحاد محلّ اللحن فلا بأس بإمامته، و كذا إذا كانت الصلاة إخفاتية، فإنّه يجوز الائتمام به و يقرأ المأموم لنفسه.

(مسألة 417): تجوز إمامة الأخرس لمثله، و لا تجوز إمامته لغيره.

(مسألة 418): لا بأس بأن يأتم الأفصح بالفصيح و الفصيح بغيره إذا كان يؤدي القدر الواجب.

(مسألة 419): تجوز إمامة القائم للجالس، و الجالس لمثله، و يشكل ما عدا ذلك كإمامة الجالس لغيره ممن هو أكمل منه و دونه،

و إمامة المضطجع أو المستلقي لمثله أو لغيره.

(مسألة 420): تجوز إمامة المتيمم لمثله و لذي الطهارة المائية، و إمامة ذي الطهارة الجبيرية لذي الطهارة التامة. أما إمامة المسلوس و المبطون لمثلهما و لغيرهما فلا تخلو عن إشكال، و الأحوط وجوبا عدم انعقادها.

الخامس: أن لا يكون محدودا حدّا شرعيا و لو بعد التوبة. و الأحوط وجوبا عمومه لما إذا أقام الحدّ من ليس أهلا له إذا كان يدعي لنفسه الأهلية. نعم لا بدّ من كون الحدّ بحقّ، فإذا أقيم الحدّ علي من لم يرتكب موجبه خطأ أو ظلما لم يمنع من الاقتداء به.

السادس: أن لا يكون أعرابيا فإنّه لا يؤمّ المهاجر. و المراد بالأعرابي من يسكن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 273

البوادي ممن تقل معرفتهم بالأحكام الشرعية، و يكثر منهم بسبب ذلك مخالفتها و يلحق بهم من هو مثلهم من سكنة المدن، و المراد بالمهاجر من يسكن المدن و يتفقه في الدين و يعرف الأحكام الشرعية، و يلحق به من يسكن البوادي ممن يتفقه في الدين.

(مسألة 421): إذا تبيّن بعد الصلاة فقد الإمام لأحد الشروط المتقدمة أو بطلان صلاته لفقد شرط عمدا أو فقد ركن و لو سهوا لم يجب علي المأمومين الإعادة، و تصح صلاتهم إذا لم يكن فيها ما يبطل صلاة المنفرد بل مطلقا علي الأقوي و إن كان الأحوط استحبابا الإعادة في الصورة المذكورة، كما لو زاد ركنا للمتابعة أو رجع للإمام في الشك في عدد الركعات و كان الإمام حافظا يري الأكثر، و هكذا الحال لو تبيّن بطلان صلاة الإمام في الأثناء، فإن المأموم يتمّ صلاته، و لا شي ء عليه. نعم إذا تبيّن ذلك مع إمكان تدارك القراءة وجب تداركها كما

لو تبيّن بطلانها قبل الركوع.

(مسألة 422): إذا علم المأموم بطلان صلاة الإمام أو قامت عنده الحجة علي ذلك لم يجز له الائتمام به، و إلّا بني علي صحة صلاته و جاز له الائتمام به، من دون فرق بين أن يختلفا في الجهة الموجبة للبطلان أو لا، فمثلا إذا كان الإمام يعتقد طهارة الماء و المأموم يعتقد نجاسته لكن احتمل المأموم أن الإمام لم يتوضأ به بل توضأ بغيره بني علي صحة صلاته و جاز له الائتمام به، و كذا إذا كان الإمام يري عدم وجوب الترتيب في غسل الجنابة و المأموم يري وجوبه، لكن احتمل المأموم أن الإمام قد اغتسل بنحو الترتيب بني علي صحة غسله و صلاته و جاز له الائتمام به.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 274

الفصل الخامس في أحكام الجماعة

(مسألة 423): لا يتحمل الإمام عن المأموم شيئا من أفعال الصلاة و أقوالها غير القراءة في الركعتين الأوليين إذا ائتم به فيهما، فتجزيه قراءته.

(مسألة 424): الأحوط وجوبا عدم القراءة خلف الإمام في الركعتين الأوليين من الإخفاتية بقصد الخصوصية، نعم يجوز له القراءة لا بقصد الخصوصية بل بما أن قراءة القرآن لا تبطل الصلاة، كما أنه يكره له السكوت و يستحب الاشتغال بالذكر، كالتسبيح و التحميد و الصلاة علي النبي و آله (صلوات اللّه عليهم). و أما في الجهرية فإن سمع صوت الإمام و لو همهمة وجب عليه ترك القراءة، و الأفضل له الاستماع و الإنصات له، بل هو الأحوط استحبابا. و إن لم يسمع حتي الهمهمة جازت له القراءة، سواء كان عدم السماع لصمم أم بعد أم غيرهما.

(مسألة 425): لو شك في أن ما يسمعه صوت الإمام أو غيره جازت له القراءة.

(مسألة 426): المسبوق بركعة

أو أكثر لا يتحمل عنه الإمام في ثالثته أو رابعته القراءة، بل إن أدرك الإمام في الركوع سقطت عنه القراءة كما لو أدركه في ركوع الأوليين، و إن أدركه قائما قبل الركوع قرأ لنفسه فإن ركع الإمام قبل أن يأتي بالسورة أو قبل أن يتمها اجتزأ بما قرأ و ركع معه، و يجوز له إتمام السورة إذا لم يخلّ بالمتابعة العرفية.

و كذا إن ركع الإمام قبل أن يأتي المأموم بالفاتحة أو قبل أن يتمها. و إن كان الأحوط استحبابا له إتمامها إذا لم يخلّ بالمتابعة العرفية، و الانفراد من أجل القراءة إذا أخل الإتمام بالمتابعة. و إذا علم قبل الدخول في الصلاة بعدم إدراكه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 275

للفاتحة تامة فالأحوط استحبابا له انتظار الإمام حتي يركع فيدخل معه.

(مسألة 427): المسبوق إن طابقت وظيفته وظيفة الإمام في التشهد جلس معه فيه، سواء طابقتها في السلام أيضا، كما لو كانت صلاته ثنائية و دخل في الثالثة من الصلاة الرباعية للإمام- أم لم تطابقها فيه- كما إذا التحق من صلاته رباعيّة بالجماعة في الركعة الثالثة.

و إن اختلفت الوظيفتان- كما لو دخل معه في الثانية أو الرابعة- و أراد البقاء علي الائتمام و لم ينفرد تابعه في الجلوس للتشهد وحده أو مع السلام.

و استحب له حال الجلوس الإتيان بالتشهد، و يجوز له الاشتغال بالذكر لا بقصد الخصوصية بل بما أنه أمر مستحب في نفسه لا يبطل الصلاة. كما يجب عليه الجلوس للتشهد لنفسه في ثانيته إذا قام الإمام للرابعة ثم يلتحق بالإمام، و لا يسقط عنه التشهد للمتابعة.

(مسألة 428): إذا جلس المسبوق، لمتابعة الإمام في تشهّده أو سلامة من دون أن تكون وظيفته في نفسه الجلوس

فالأحوط وجوبا له أن يتجافي، و لا يجلس متمكّنا.

(مسألة 429): إذا دخل المسبوق في ثانية الإمام قبل الركوع تابع الإمام في القنوت و إن كانت هي الركعة الاولي له. و في مشروعية القنوت له مرة أخري في ثانيته إشكال فالأحوط وجوبا له عدم الإتيان به إلا برجاء المطلوبية.

(مسألة 430): يجب الإخفات في القراءة و الذّكر خلف الإمام سواء كانا مستحبين كالمأتي بهما حال الائتمام في الركعتين الأوليين للإمام أم واجبين كالمأتي بهما حال الائتمام في الركعتين الأخيرتين للإمام.

(مسألة 431): يجب علي المأموم متابعة الإمام في الأفعال، فلا يتقدم عليه، و لا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 276

يتأخر عنه تأخرا كثيرا ينافي المتابعة عرفا. بل يتأخر عنه قليلا أو يقارنه، و إن كان الأحوط استحبابا عدم مقارنته له أيضا. و أما الأقوال- من القراءة و الذكر- فالظاهر عدم وجوب المتابعة فيها عدا تكبيرة الإحرام فلا يجوز التقدم فيها، بل لا بدّ من التأخر و لو كثيرا، بمعني لزوم فراغ الإمام من التكبير الذي به يتحقق الدخول في الصلاة قبل شروع المأموم في التكبير.

(مسألة 432): إذا ترك المتابعة عمدا لم تبطل صلاته و لا جماعته، بل يأثم بذلك، عدا تكبيرة الإحرام فإنّ المتابعة فيها بالمعني المتقدّم شرط في انعقاد الجماعة، فلو لم يتابع صحت الصلاة فرادي.

كما أنه لا يجوز الركوع قبل فراغ الإمام من القراءة عمدا، بل حكمه حكم ترك القراءة عمدا، الموجب لبطلان الصلاة. و أما الركوع قبله سهوا فهو بحكم سبق الإمام سهوا الذي يأتي الكلام فيه. و أما عدم المتابعة في التسليم و الإتيان به قبل الإمام فهو لا يوجب إلا عدم استكمال فضيلة الجماعة، من دون أن يقتضي بطلان الصلاة.

(مسألة 433): إذا

ركع قبل الإمام عمدا في الركعتين الأوليين قبل فراغ الإمام من القراءة بطلت صلاته، كما تقدم، و كذا إذا ركع قبله عمدا في غير ذلك أو سجد قبله عمدا ملتفتا لمنافاته لوجوب المتابعة و كونه معصية له. و إن غفل عن وجوب المتابعة فركع- في الفرض- أو سجد قبل الإمام عمدا فالأحوط وجوبا البقاء في ركوعه أو سجوده بانتظار ركوع الإمام أو سجوده، و عدم الرجوع إلي الإمام ليركع أو يسجد معه.

(مسألة 434): إذا ركع أو سجد قبل الإمام سهوا فالأحوط وجوبا له المتابعة بالعودة إلي الإمام متي التفت ثم الركوع أو السجود معه، و لا يجب عليه قبل العود

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 277

الذّكر في الركوع و السجود الأوّلين، بل يجب عليه الذكر في الركوع و السجود المعادين مع الإمام.

(مسألة 435): إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام عمدا فإن كان قبل الذّكر بطلت صلاته، و إن كان بعده فالأحوط وجوبا له البقاء علي حاله إلي أن يلحقه الإمام، و لا تبطل جماعته و لا صلاته.

(مسألة 436): إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام سهوا وجب عليه الرجوع للإمام إن احتمل إدراكه له قبل أن يرفع رأسه، و إن لم يرجع أثم و لم تبطل صلاته و لا جماعته. و إن رجع فركع أو سجد و رفع الإمام رأسه قبل أن يتحقق منه الركوع و السجود. فالأحوط وجوبا إجراء حكم زيادة الركوع أو السجود سهوا.

(مسألة 437): إذا رفع رأسه من السجود فرأي الإمام ساجدا فتخيّل أنه في الأولي فعاد إليها بقصد المتابعة فتبيّن أنها الثانية اجتزأ بها، و إذا تخيلها الثانية فسجد اخري بقصد الثانية فتبين أنها الاولي

حسبت للمتابعة، و وجب عليه السجود مرة أخري مع الإمام في السجدة الثانية له.

(مسألة 438): إذا سها الإمام فزاد سجدة أو تشهدا أو غيرهما مما لا تبطل الصلاة بزيادته سهوا لم تجب علي المأموم متابعته فيه، و لا تبطل الجماعة بذلك، أما لو زاد عمدا أو كان الزائد ركنا بطلت صلاة الإمام و جري حكم بطلانها علي المأموم حيث يتعين الانفراد أو تقديم إمام آخر، علي ما تقدم في الفصل الثاني في ما تنعقد به الجماعة.

(مسألة 439): إذا سها الإمام فنقص شيئا لا يضر نقصه سهوا وجب علي المأموم الإتيان به، و إذا التفت الإمام بعد ذلك فرجع لتدارك ما فاته لم يتابعه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 278

المأموم فيه.

(مسألة 440): إذا نسي الإمام القنوت فركع جاز للمأموم الإتيان به إذا لم يوجب فوات المتابعة عرفا، و إذا لم يأت به عمدا و ركع مع الإمام فذكر الإمام و تدارك القنوت بعد الركوع لم يشرع للمأموم متابعته فيه. نعم يجوز له الدعاء لا بعنوان القنوت.

(مسألة 441): إذا كان الإمام لا يري وجوب شي ء- كجلسة الاستراحة- و يري المأموم وجوبه فإن جاء به الإمام فلا إشكال، و إن لم يأت به وجب علي المأموم الإتيان به من دون أن يخلّ بالجماعة. نعم إذا كان من الأركان بنظر المأموم كانت صلاة الإمام باطلة بنظره فلا يشرع الائتمام بها.

(مسألة 442): إذا كان الإمام يري وجوب شي ء فأتي به و المأموم لا يري وجوبه فإن كان المأموم يري مشروعيته تابعه فيه، و إلا لم يجز له الإتيان به. لكن لا تبطل الجماعة، إلا أن يكون بنظر المأموم من الأركان التي تبطل الصلاة بزيادتها فتبطل الجماعة.

(مسألة 443): إذا حضر

الجماعة و لم يدر أن الإمام في الركعتين الأوليين أو الأخيرتين جاز له أن يقرأ الفاتحة و السورة برجاء الجزئية فإن تبيّن كونه في الأخيرتين وقعت القراءة في محلها، و إن تبين كونه في الأوليين لم يضر.

(مسألة 444): إذا شرع المقيم في الإقامة يكره لمن يريد الدخول في تلك الصلاة الشروع في النافلة، و إن علم أنه يدرك الجماعة في الركعة الأولي أو غيرها. بل لو كان قد شرع في النافلة قبل ذلك جاز له قطعها، بل يستحب من أجل استحباب الدخول في الجماعة.

(مسألة 445): إذا كان في الفريضة الثلاثية أو الرباعية و أقيمت الجماعة و خشي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 279

من إتمامها عدم إدراك الجماعة في الركعة الأولي منها استحبّ له العدول بها إلي النافلة و إتمامها ركعتين. هذا و يجوز قطع الفريضة لإدراك الجماعة بل يستحب من أجل استحباب إدراك الجماعة.

(مسألة 446): إذا شك المأموم في عدد الركعات كان له الرجوع للإمام إذا كان حافظا، و لو بأن يكون ظانا، و كذا يرجع الإمام للمأموم إذا كان حافظا. و إن تعدد المأمومون فلا بد في رجوع الإمام لهم من اتفاقهم.

و أما إذا اختلف الإمام و المأموم بأن كان أحدهما متيقّنا أو ظانا علي خلاف يقين الآخر أو ظنه فاللازم عمل كلّ منهما علي مقتضي يقينه أو ظنه.

(مسألة 447): إذا شك الإمام أو المأموم في فعل من أفعال الصلاة كالركوع أو السجود قبل التجاوز عنه و الدخول في غيره فالأظهر رجوع أحدهما للآخر.

(مسألة 448): إذا شك المأموم بعد السجدة الثانية للإمام في أنه سجد معه السجدتين أو واحدة بني علي أنه سجد معه السجدتين، و كذا الحال في كل فعل يحتمل عدم

متابعته فيه للإمام فإنّه يبني علي إتيانه به و متابعته فيه. نعم ما لا يجب المتابعة فيه- كالأقوال- لا يبني علي أنه أتي به، إلا أن يكون كثير الشك أو يرجع شكه للوسواس.

(مسألة 449): إذا شكّ المأموم في الوقت أو القبلة لا يجوز له التعويل علي الإمام و الدخول معه في الصلاة. و كذا لو شكّ في القبلة إلا أن يثق بمعرفة الإمام لها بحيث يتحقق بالرجوع إليه التحرّي الذي هو حجة في القبلة.

(مسألة 450): اختلاف الإمام و المأموم في القبلة إذا لم يكن فاحشا لا يمنع من انعقاد الجماعة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 280

المقصد السابع في الخلل

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في حكم الزيادة و النقيصة

من ترك شيئا من أجزاء الصلاة و شرائطها عمدا بطلت صلاته، و لو كان ذلك الشي ء حرفا أو حركة من القراءة أو الذكر، و كذا من زاد شيئا من أجزائها عمدا، سواء كان ذلك الجزء من سنخ أجزاء الصلاة كالتكبير و الركوع أم من غير سنخها، كما لو رفع يده بقصد الجزئية.

(مسألة 451): لا تتحقق الزيادة إلا بالإتيان بالشي ء بقصد الجزئية، فإن فعل شيئا لا بقصد ذلك، كما لو حرّك يده أو حكّ جسده أو قرأ القرآن أو سبّح أو صفّق للتنبيه أو غير ذلك لم تبطل صلاته. نعم لا يعتبر ذلك في السجود، فمن سجد لا بقصد الجزئية من الصلاة، بل بداع آخر- كما في سجود التلاوة أو الشكر- بطلت صلاته. و كذا الحال في الركوع علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 452): من زاد جزء سهوا أو جهلا لم تبطل صلاته إلا أن يكون الزائد ركوعا، أو سجدتين في ركعة، و أما من أنقص جزء سهوا أو جهلا فيظهر حكمه مما تقدم عند التعرض لكل جزء من أجزاء الصلاة، و أما الطهارة من الحدث ففوتها يوجب بطلان الصلاة مطلقا، و أما غيرها من الشروط فيظهر حاله مما تقدم التعرض له عند كل شرط شرط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 281

الفصل الثاني في الشك
اشارة

و المراد به ما يخالف اليقين سواء تساوي فيه طرفا الاحتمال أم ترجح أحدهما فكان مظنونا و الآخر موهوما.

نعم لا بدّ من عدم بلوغه مرتبة الوسواس الذي يخرج به الإنسان عن الوضع العقلائي فيري الواقع بعقله و لا يطمئن له بقلبه، بل يبقي قلقا مضطربا، و مثل هذا لا يعتني به في الصلاة و في جميع الأمور، بل ينبغي للإنسان مكافحة هذه الحالة بإهمالها و

عدم الاهتمام بها ليستعيد شخصيته و ثقته بنفسه. إذا عرفت هذا فيقع الكلام في مقامين.

المقام الأول في الشك في الصلاة و أفعالها

(مسألة 453): من شك في أنه صلّي أو لا، فإن كان بعد خروج الوقت بني علي أنه صلّي و إن كان قبل خروجه أتي بها. نعم في المترتّبتين- كالظهر و العصر، و المغرب و العشاء- إن شك في الإتيان بالسابقة بعد الفراغ من اللاحقة لم يعتن بالشك المذكور و بني علي الإتيان بها. و أما إذا شك في الإتيان بالسابقة في أثناء اللاحقة و قبل الفراغ منها فالأحوط وجوبا الاعتناء بالشك فيعدل للسابقة مع بقاء محل العدول، علي ما تقدم توضيحه في مباحث أوقات الصلاة.

(مسألة 454): المراد بالشك في المقام و غيره ما يعمّ الظن بالوجود و الظن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 282

بالعدم.

(مسألة 455): كثير الشك يعتني بشكه في المقام إذا لم يرجع شكه للوسواس.

(مسألة 456): إذا شكّ في بقاء الوقت بني علي بقائه.

(مسألة 457): إذا شكّ في صحة الصلاة بعد الفراغ منها بني علي الصحة.

(مسألة 458): من شكّ في فعل من أفعال الصلاة و قد دخل في ما بعده بني علي الإتيان به و مضي في صلاته، كمن شكّ في الأذان و هو في الإقامة أو في الإقامة و هو في الصلاة، أو في تكبيرة الإحرام و هو في القراءة إلي غير ذلك مما تقدم تفصيله عند الكلام في كل جزء جزء.

(مسألة 459): إذا أتي بالجزء و شكّ في صحته بعد الفراغ منه بني علي صحته و إن لم يدخل في ما بعده، كمن كبّر للإحرام ثم شكّ في صحة التكبير قبل الدخول في القراءة، أو قرأ ثم شكّ في صحة القراءة قبل القنوت أو قبل الركوع،

أو أتي بذكر الركوع أو السجود ثم شكّ في صحته قبل رفع الرأس منهما إلي غير ذلك، فإنّه يبني علي صحة ما وقع. و أما إذا شكّ في صحة الجزء و هو مشتغل به قبل الفراغ منه، فاللازم عليه الإعادة.

(مسألة 460): إذا أتي بالمشكوك في المحل ثم تبيّن أنه قد فعله أولا لم تبطل صلاته إلا إذا كان الجزء مما تبطل الصلاة بزيادته عمدا و سهوا و هو الركوع و السجدتان من ركعة واحدة.

(مسألة 461): من كثر عليه الشكّ في فعل من أفعال الصلاة قبل الدخول في ما بعده، فإن أدرك أن أحد طرفي الشكّ من الشيطان لم يعتن به و جري علي الطرف الآخر، كما هو الغالب فيما إذا كثر عليه الظن بأحد الطرفين، حيث يكون المرتكز غالبا أنّ الاحتمال الآخر الموهوم من الشيطان، و إن لم يدرك أن أحد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 283

الطرفين بخصوصه من الشيطان فالأحوط وجوبا له البناء علي الأكثر ما لم يكن مبطلا، فيبني علي الأقل حينئذ. فمن شكّ في أنه سجد أو تشهد أو لا، يبني علي فعلهما.

نعم إذا أمكن الإتيان بالمشكوك برجاء الجزئية من دون أن يستلزم الزيادة المبطلة كان له الإتيان به احتياطا، كما في التشهّد دون مثل السجود و أمّا من كثر عليه الشكّ في الفعل، و قد دخل في ما بعده فإنّه لا يعتني بالشكّ مطلقا و يبني علي تحقق الفعل المذكور ما لم يكن مبطلا.

(مسألة 462): من كثر عليه الشكّ في شروط الصلاة لم يعتن بشكّه و إن كان ذلك قبل الفراغ من الصلاة. نعم من كثر عليه الشكّ في الشرط- كالطهارة- قبل الصلاة يعتني بشكّه و يبني علي عدم حصول

الشرط ما لم يبلغ مرتبة الوسواس.

(مسألة 463): المرجع في كثرة الشكّ إلي العرف. نعم إذا كان يشكّ في كل ثلاث صلوات فهو ممن كثر عليه الشكّ، و قد تصدق كثرة الشكّ بأقل من ذلك.

(مسألة 464): لا بد في جريان حكم كثير الشكّ من أن يستند للشيطان لا إلي أسباب خارجية من مرض أو خوف أو قلق أو نحو ذلك مما يوجب اضطراب الذهن.

(مسألة 465): إذا كثر عليه الشكّ في فعل خاص- كالشكّ في السجدة و السجدتين- أو في حال خاص- كالصلاة فرادي- و كان شكّه في غير ذلك علي المتعارف لا كثرة فيه اختص حكم كثير الشكّ بذلك الحال، أما في غيره فيجري حكم الشكّ المتعارف.

(مسألة 466): إذا لم يعتن بالشكّ ثم تبين أنّه قد نقص في صلاته جري عليه حكم النقيصة سهوا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 284

المقام الثاني في الشكّ في الركعات

من شكّ أثناء الصلاة في عدد الركعات فإن تيسّر له الظن بأحد طرفي الشكّ- و لو بعد التروّي- أخذ به و عمل عليه. و إن لم يتيسر له الظن، فإن كانت الصلاة ثنائية أو ثلاثية فليس له المضي في الصلاة، بل يستأنف. و إن كانت رباعية فإن أحرز الركعة الثانية بإتمام الذكر الواجب من السجدة الثانية من الركعة المرددة بين الثانية و الثالثة أمكن تصحيح الصلاة في صور خمس:

الاولي: الشكّ بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال الذكر الواجب من السجدة الثانية. و حكمه البناء علي الثلاث و الإتيان بالرابعة، فإذا سلّم صلّي صلاة الاحتياط يتدارك بها النقص المحتمل، و الأحوط وجوبا في كيفيتها أن يصلي ركعة من قيام بفاتحة الكتاب إخفاتا، ثم يسلّم.

الثانية: الشكّ بين الثلاث و الأربع في أي موضع كان، و حكمه البناء

علي الأربع، فإذا سلّم صلّي صلاة الاحتياط- و هي ركعة من قيام، كما تقدم في الصورة الأولي- أو ركعتين من جلوس بفاتحة الكتاب، و الأحوط استحبابا اختيار الركعتين من جلوس.

الثالثة: الشكّ بين الاثنتين و الأربع بعد إكمال الذكر الواجب من السجدة الأخيرة. و حكمه البناء علي الأربع، فإذا سلّم صلّي صلاة الاحتياط، و هي ركعتان من قيام بفاتحة الكتاب إخفاتا.

الرابعة: الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع بعد إكمال الذكر الواجب من السجدة الأخيرة. و حكمه البناء علي الأربع، فإذا سلّم صلّي صلاة الاحتياط،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 285

و هي ركعتان من قيام و ركعتان من جلوس. و يتعين تقديم الركعتين من قيام.

الخامسة: الشكّ بين الأربع و الخمس بعد ذكر السجدة الأخيرة. و حكمه البناء علي الأربع فإذا سلّم سجد سجدتي السهو.

و أما بقية الصورة المذكورة في كلمات الفقهاء و غيرها فالظاهر الحكم فيها بعدم جواز المضي في الصلاة، بل يتعين الاستئناف.

(مسألة 467): من كانت وظيفته الصلاة من جلوس يتعيّن عليه صلاة الاحتياط علي نحو يتمّ بها النقص الفائت. ففي الصورتين الأوليين يتعين عليه ركعة من جلوس، و في الثالثة يتعين عليه ركعتان من جلوس، و في الرابعة يتعين عليه ركعتان من جلوس، ثم ركعة من جلوس.

(مسألة 468): تقدم أنه لا بدّ في إمكان تصحيح الصلاة مع الشكّ في الرباعية من إحراز تمام الركعتين بالفراغ من الذكر الواجب في السجدة الثانية.

و علي ذلك لو شكّ في أنه هل أتي بالسجدة الثانية أو لا، فإن كان مع مضي محل السجدة و الدخول في ما بعدها كالتشهد أو القيام بني علي الإتيان بها، و كان له تصحيح الصلاة و القيام بوظيفة الشكّ، و إلا بني

علي عدمها و عدم إحراز الركعتين و استئناف الصلاة.

(مسألة 469): إذا تردّد في أن الحاصل له ظنّ أو شكّ- كما قد يتفق عند اضطراب النفس- جري عليه حكم الشّك.

(مسألة 470): إذا حصل له السكّ و قام بوظيفته و قبل الفراغ من الصلاة تبدّل باليقين أو بالظن ترك وظيفة الشكّ و عمل بيقينه أو ظنه. و إذا حصل له الظن و جري عليه ثمّ قبل الفراغ من الصلاة ارتفع الظن و صار شكا عمل بوظيفة الشك الفعلية. مثلا إذا تردد بين الواحدة و الاثنتين و ظن بالاثنتين و عمل بظنّه و مضي في صلاته حتي إذا جاء بركعة ذهب ظنّه و بقي شاكّا جري عليه حكم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 286

الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، و حينئذ فإن كان ذلك قبل الفراغ من الذكر الواجب في السجدة الثانية فليس له المضي في الصلاة، بل يستأنف، و إن كان بعده كان له تصحيح الصلاة بالبناء علي الثلاث، كما تقدم في الصورة الأولي.

(مسألة 471): إذا ظن بالركعات و جري علي ظنّه حتي فرغ من الصلاة ثم ارتفع ظنه و صار شكّا لم يعتن بالشكّ و بني علي صحة عمله.

(مسألة 472): إذا شكّ و بني علي الأكثر، و بعد الفراغ من الصلاة قبل الإتيان بصلاة الاحتياط تبدل شكّه بالظن فله صور:

الاولي: أن يظنّ بالأكثر الذي بني عليه، كما لو كان شكّه بين الثلاث و الأربع فظنّ بعد الفراغ، بالأربع. و الأحوط وجوبا الإتيان حينئذ بصلاة الاحتياط التي هي مقتضي وظيفة الشكّ السابق.

الثانية: أن يظنّ بنقص صلاته بالمقدار الذي تتداركه صلاة الاحتياط، كما لو ظنّ في الفرض السابق بالثلاث، و الأحوط وجوبا حينئذ أن لا ينوي بصلاة الاحتياط

الصلاة المستقلة، بل الأعم منها و من الركعة المتممة لصلاته السابقة، و لا يكبّر لها بنيّة الافتتاح جزما، بل برجاء الافتتاح و الجزئية.

الثالثة: أن يظنّ بنقص صلاته بالمقدار الذي لا تتداركه صلاة الاحتياط، كما لو كان شكّه بين الاثنتين و الأربع، فبني علي الأربع، و بعد الفراغ ظنّ بالثلاث، فالأحوط وجوبا الاستئناف بعد فعل المبطل و عدم الاعتداد بصلاته.

(مسألة 473): إذا شكّ و بني علي الأكثر و بعد الفراغ من صلاته قبل الإتيان بصلاة الاحتياط تيقن بتمامية صلاته اجتزأ بها و لم يحتج لصلاة الاحتياط، و إن تيقن بنقص صلاته جري عليه حكم من سلّم علي النقص و لا يحتاج لصلاة الاحتياط.

(مسألة 474): لو تبيّن في أثناء صلاة الاحتياط تمامية صلاته انكشف أن صلاة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 287

الاحتياط نافلة فله قطعها، أما لو تبيّن نقص صلاته كان عليه إتمام صلاة الاحتياط و أجزأته.

(مسألة 475): الظاهر عدم وجوب علاج الشكّ بالوجوه المتقدمة، بل يجوز قطع الصلاة بفعل المبطل و استئنافها، لكن لو مضي في صلاته علي طبق الوظيفة حتي سلّم فالأحوط وجوبا عدم ترك صلاة الاحتياط و عدم إعادة الصلاة بدلا عنها.

(مسألة 476): يجب في صلاة الاحتياط ما يجب في الصلاة من الأجزاء و الشروط، و يجب فيها التشهد و التسليم، و يقتصر في قراءتها علي الفاتحة، و لا يشرع فيها سورة، إلا أن يؤتي بها من دون قصد الجزئية.

(مسألة 477): الأحوط وجوبا عدم تخلل المنافي بينها و بين الصلاة. و لو تخلل فالأحوط وجوبا الإتيان بها ثم إعادة الصلاة. نعم لو كان مما لا تبطل الصلاة به سهوا فمع الإتيان به سهوا يجتزأ بصلاة الاحتياط.

(مسألة 478): الأحوط وجوبا الموالاة بين الصلاة الأصلية

و صلاة الاحتياط بالنحو المعتبر في الصلاة.

(مسألة 479): يجري في صلاة الاحتياط ما يجري في سائر الفرائض من أحكام السهو في الزيادة و النقيصة، و الشكّ في الجزء قبل الدخول في ما بعده، و بعد الدخول في ما بعده و غير ذلك. نعم إذا شكّ في عدد ركعاتها فالظاهر أنه يتخيّر بين البناء علي الأقل و البناء علي الأكثر، و إن كان الأحوط استحبابا الثاني.

(مسألة 480): إذا شكّ في الإتيان بصلاة الاحتياط بني علي العدم، إلا أن يخرج الوقت، مع إمكان إيقاعها فيه لسعته، أو يتحقق منه الفراغ عن الصلاة لا بمجرد السّلام الذي يكون قبل صلاة الاحتياط، بل بترك الصلاة بعنوان إكمالها و إتمامها و تحقق امتثالها المفرغ لذمته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 288

(مسألة 481): إذا بطلت صلاة الاحتياط فالأحوط وجوبا إعادتها ثم إعادة الصلاة نظير ما تقدم في المسألة (477) عند الكلام في تخلل المنافي.

الفصل الثالث في قضاء الأجزاء المنسية

تقدم في مبحث السجود وجوب قضاء السجدة المنسية، كما تقدم في مبحث التشهد وجوب قضاء التشهد الأخير إذا ذكره المصلي بعد السّلام.

و الأحوط وجوبا قضاء بعض التشهد إذا نسيه. و لا يقضي غير ذلك من الأجزاء.

و أما التشهد الأول إذا نسيه أو نسي بعضه و ذكر بعد الركوع فيجزيه عنه سجود السهو.

(مسألة 482): يجب في القضاء جميع ما يعتبر في الجزء الصلاتي من الأجزاء و الشروط. و الأولي عدم الفصل بينه و بين الصلاة بالمنافي، بل هو الأحوط استحبابا، لكن الظاهر عدم بطلان الصلاة لو فصل به.

(مسألة 483): إذا شكّ في نسيان الجزء الذي يقضي بني علي عدمه، و لو علم به و شكّ في قضائه بني علي العدم إلا أن يخرج الوقت أو يتحقق منه

الفراغ عن الصلاة بالنحو المتقدم في المسألة (480).

(مسألة 484): إذا ذكر الجزء المنسي بعد خروج وقت الصلاة قضاه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 289

الفصل الرابع في سجود السهو

يجب سجود السهو لأمور:

الأول: الكلام قليلا كان أو كثيرا من دون فرق بين أن يتكلم ساهيا، و أن يتكلم عامدا بتخيّل أنه خارج عن الصلاة، كما لو سلّم في غير محل السّلام. نعم لا يجب بالكلام عامدا لتخيّل أن ما أتي به قرآن مثلا. كما لا يجب بسبق اللسان.

الثاني: نسيان التشهد الأول في الثلاثية و الرباعية، بل الأحوط وجوبا ثبوته بنسيان التشهد مطلقا.

الثالث: زيادة السّلام المخرج علي الأحوط وجوبا. بل هو الأظهر لو زاد معه التشهد المتصل به.

الرابع: الشكّ بين الأربع و الخمس بعد السجدتين.

الخامس: إذا أتي جالسا بما يشرع حال القيام، أو أتي قائما بما يشرع حال الجلوس، كما لو قرأ من وظيفته القيام حال الجلوس، أو تشهد حال القيام.

السادس: من قرأ بدل التسبيح أو سبّح بدل القراءة، كما لو سبّح في الركعتين الأوليين، أو قرأ حال الركوع و السجود بدل التسبيح.

السابع: ما إذا علم إجمالا بالزيادة أو النقيصة من دون أن يلزم البطلان.

و الأحوط استحبابا أن يلحق به ما إذا تردد الأمر بين الزيادة و النقيصة و العدم. بل الأحوط استحبابا الإتيان به لكل زيادة أو نقيصة غير مبطلة.

(مسألة 485): يستحب سجود السهو لمن شكّ بين الثلاث و الأربع و ظن بالأربع فبني عليها و سلّم.

(مسألة 486): الأحوط وجوبا المبادرة لسجود السهو بعد الصلاة، بحيث

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 290

لا يشتغل بشي ء آخر من كلام أو عمل أو نحوهما. نعم الأحوط وجوبا تأخيره عن صلاة الاحتياط. و الأولي تأخيره عن قضاء الأجزاء المنسية.

(مسألة 487): يجب عدم

فصل الكلام بينه و بين الصلاة. بل الأحوط وجوبا العموم لغير الكلام من منافيات الصلاة.

(مسألة 488): إذا لم يبادر لسجود السهو أو فصل بينه و بين الصلاة بالمنافي أو تركه رأسا لم تبطل الصلاة التي وجب تبعا لها.

(مسألة 489): إذا نسي سجود السهو ثم ذكره و هو في الصلاة لم يبعد وجوب قطعها و الإتيان به إذا كان إتمامها موجبا لفوت المبادرة العرفية. لكن لو أتمّها و لم يبادر إليه لم تبطل.

(مسألة 490): الظاهر تعدد سجود السهو بتعدد السبب الموجب له. لكن لا يجب الترتيب بين السجود حسب ترتيب أسبابه. بل لا يجب تعيين السبب المأتي به له.

(مسألة 491): ليس في سجود السهو تكبيرة الافتتاح، و إن كان أحوط استحبابا.

(مسألة 492): سجود السهو سجدتان، و ليكونا متواليتين علي الأحوط وجوبا.

و يجب فيهما: (1) النية المعتبرة في العبادة، (2) و أن يكون السجود فيهما علي المساجد السبعة، (3) وضع الجبهة علي ما يصح السجود عليه في الصلاة، (4) و عدم علوّ موضع الجبهة. و الأحوط وجوبا التشهد بعدهما ثم التسليم. كما إن الأحوط استحبابا اشتراطهما بشروط الصلاة من الطهارة و الاستقبال و غيرهما علي ما تقدم عند الكلام في الشروط المذكورة.

(مسألة 493): الأحوط وجوبا في سجدتي السهو الذكر، لكن لا يجب فيهما ذكر معيّن، نعم يستحب أن يقول: «بسم اللّه و باللّه و صلّي اللّه علي محمد و آل محمد» أو «اللهم صل علي محمد و آل محمد» أو: «بسم اللّه و باللّه و السّلام عليك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 291

أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته» أو بحذف الواو في أول السّلام.

(مسألة 494): إذا شكّ في تحقق موجب سجود السهو بني علي العدم،

و إذا شكّ في عدده بني علي الأقل. و إذا علم بوجوبه و شكّ في الإتيان به فالأحوط وجوبا الإتيان به و إن طالت المدة.

(مسألة 495): إذا شكّ في أنه سجد سجدة أو سجدتين بني علي الأقل إلا مع تحقق الفراغ من العمل.

(مسألة 496): إذا شكّ بعد رفع الرأس من السجدة في أنه هل أتي بالذكر فيها أو لا، مضي و لم يعتن، و إذا علم بعدمه فالأحوط وجوبا إعادة السجدة.

(مسألة 497): لا يبطل سجود السهو بالزيادة فيه.

الفصل الخامس في الخلل في النافلة

(مسألة 498): تبطل النافلة بالنقيصة العمدية مطلقا، و كذا بالزيادة العمدية علي الأحوط وجوبا، كما تبطل بنقيصة الركن- و هو تكبيرة الإحرام و الركوع و السجود- و الطهارة الحدثية و القبلة علي التفصيل المتقدم في مبحث القبلة سهوا. و لا تبطل بزيادة الركن سهوا.

(مسألة 499): لو نقص جزء غير ركني- كالقراءة- حتي فعل جزء ركنيا- كالركوع أو السجدتين- لم يشرع له المضي، بل لا بدّ له من الرجوع و تدارك الجزء غير الركني و إن استلزم زيادة الجزء الركني الذي فعله.

و يترتب علي ذلك أمران:

الأول: انّ من لم يقرأ في الركعة الأولي مثلا كانت الركعة الثانية هي الاولي له، و لزمه الإتيان بركعة بعدها.

الثاني: انّ السجود و التشهد المنسيين لا يقضيان، بل يتعين تداركهما و إن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 292

دخل في ركن بعدهما. نعم إذا لم يذكر حتي سلّم فالأحوط وجوبا الرجوع و التدارك ثم إتمام الصلاة حتي السّلام.

(مسألة 500): إذا شكّ في ركعات النافلة كان مخيّرا بين البناء علي الأقل و البناء علي الأكثر. و الأولي البناء علي الأقل. بل قيل إنه مستحب. كما أن الأحوط وجوبا العمل بالظن.

(مسألة 501): الأحوط وجوبا الاستئناف

إذا شكّ في عدد الركعات في صلاة الوتر.

(مسألة 502): إذا شكّ في النافلة في الجزء بعد الدخول في ما بعده مضي في صلاته، و أما إن شكّ فيه قبل الدخول في ما بعده فالأحوط وجوبا الإتيان به، كما تقدم في الفريضة.

(مسألة 503): لا يجب سجود السهو في النافلة، و إن كان أحوط استحبابا.

(مسألة 504): تبطل النافلة بنقص ركعة، فإن أمكن التدارك قبل فعل المنافي تمت الصلاة و صحت، نظير ما تقدّم في الفريضة. و أما بطلانها بزيادة ركعة فلا يخلو عن إشكال، و إن كان هو الأحوط وجوبا.

(مسألة 505): النوافل التي لها كيفيات مخصوصة من حيثية السور أو أذكار أو غيرها يجوز للمكلف العدول في أثنائها عن الكيفية الخاصة إلي النافلة المطلقة. كما أنه لو نسي و خالف كيفيتها فإن ذكر قبل أن يأتي بما ينافيها كان له الرجوع و تدارك الكيفية الخاصة، كما لو نسي قراءة آية الغفيلة و قرأ سورة ثم ذكر قبل الركوع، فإن له قراءة الآية و إتمام الصلاة. و أما إذا ذكر بعد الإتيان بما ينافيها فلا يخلو التدارك عن إشكال، كما لو ذكر في الفرض السابق بعد الركوع، لأن الركوع يصح منه للنافلة المطلقة، و التدارك يستلزم زيادة الركوع عمدا، و قد سبق الاحتياط بمبطليته للنافلة. و من هنا يكون الأولي المضي في الصلاة بقصد النافلة المطلقة، أو قطعها ثم استئناف الصلاة الخاصة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 293

المقصد الثامن في صلاة المسافر

اشارة

تقصر الصلاة الرباعية في الخوف و السفر، أما قصرها في الخوف ففيه تفصيل و كلام لا مجال له في المقام بعد ندرة الابتلاء أو عدمه بذلك. و الكلام هنا في السفر.

و فيه فصول.

الفصل الأول في شروط السفر الموجب للقصر

و هي أمور:

الأول: المسافة و هي ثمانية فراسخ.

(مسألة 506): تكفي الثمانية الملفقة من أربعة فراسخ ذهابا و أربعة إيابا فما زاد إذا لم يفصل بينها بأحد القواطع الآتية. و لا يكفي الملفقة مما دون أحد الأمرين، كثلاثة ذهابا و خمسة إيابا أو العكس.

(مسألة 507): لا يشترط في وجوب القصر في المسافة الملفّقة قصد الرجوع ليومه، بل يجب القصر و لو مع المبيت في مقصده يوما أو أكثر ما لم يقصد البقاء عشرة أيام، حيث ينقطع حكم السفر كما يأتي.

(مسألة 508): الثمانية فراسخ تقارب الستة و الأربعين كيلومتر و يحسن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 294

الاحتياط في ما نقص عن ذلك قليلا أو زاد عليه قليلا.

(مسألة 509): تثبت المسافة بالعلم و بالبينة الشرعية- و هي شهادة العدلين-، و مع الشك في بلوغ السفر المسافة يجب التمام، لكن لو ظهر بلوغه المسافة في الوقت لزمت الإعادة قصرا، و لو ظهر بعد الوقت فالأحوط وجوبا القضاء قصرا.

(مسألة 510): إذا اعتقد بلوغ السفر المسافة فقصر الصلاة فظهر الخطأ وجبت عليه الإعادة في الوقت و القضاء خارجه، و كذا إذا اعتقد عدم بلوغ السفر المسافة فأتمّ ثم ظهر الخطأ فالأحوط وجوبا له الإعادة أو القضاء.

(مسألة 511): إذا كان للمقصد طريقان قريب لا يبلغ المسافة و بعيد يبلغها أتمّ إذا سلك القريب و قصر إذا سلك البعيد و إن لم يحتج لسلوكه. و إذا كان الذهاب من أحدهما و الرجوع من الآخر يبلغ ثمانية فراسخ فإن كان

في الطريق البعيد نقطة بينهما و بين بلده أربعة فراسخ في ذهابه منه و رجوعه إليه قصر، و إلا أتمّ.

(مسألة 512): السير في المسافة المستديرة حول البلد إن لم يصدق عليه السفر لقرب الطريق من البلد بحيث يكون من توابعه وجب التمام و كذا إذا لم يخرج عن حدّ الترخص الذي يأتي التعرّض له، و إن صدق عليه السفر لبعد الطريق من البلد وجب فيه القصر إذا بلغ مجموع الدائرة مع الخط الواصل بينها و بين البلد ثمانية فراسخ.

(مسألة 513): مبدأ حساب المسافة من مبدأ صدق السفر، و هو من المنزل فيما إذا كان منفردا في الصحراء، و من منتهي القرية، و من منتهي البلد.

(مسألة 514): البلدان الكبيرة التي تعارفت في عصورنا كثيرا علي قسمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 295

(الأول): ما يكون بعضه مرتبطا ببعض في الوضع المعاشي و الحياتي بحيث لا تستقل إحياؤه و محالّه بنفسها، بل يرتبط أحدها بالآخر أو ترتبط كلها بالمركز. و في هذا القسم يكون مبدأ حساب المسافة طرف البلد.

(الثاني): ما يستقل بعضه عن بعض، بحيث يستغني كلّ حي أو محلة بنفسه في وضعه المعاشي. و لا يحتاج بعضها الآخر إلا كما يحتاج أو تحتاجه المدن الأخري فهي- و إن تجاورت و شملها اسم واحد- كالمدن المتعددة، و ليس تقاربها إلا كتقارب القري أو المدن التي تتسع شيئا فشيئا حتي تتقارب أو تتصل. و مبدأ حساب المسافة في هذا القسم المحلة أو الحي الذي يسكنه المسافر. نعم إذا كان المسافر مرتبطا بأكثر من حي أو محلة، كان مبدأ الحساب له من منتهي أقرب الحيين أو الإحياء إلي جهة سفره. كالشخص الذي يبيت في حي و يعمل في آخر.

الثاني:

القصد إلي السفر في المسافة المتقدمة، فلا يكفي السفر من دون قصد كما لو ساروا به و هو مغمي عليه أو نائم، كما لا يكفي قصد السفر من دون قصد المسافة حتي لو تمادي به السير فبلغ المسافة من دون قصد لها. نعم إذا قصد الاستمرار بعد ذلك في السير بما يبلغ ثمانية فراسخ أو أربعة مع قصد الرجوع قصر. و كذا إذا قصد الرجوع و كان ثمانية فراسخ قصر فيه.

(مسألة 515): يكفي في التقصير قصد الموضع الذي يبلغ المسافة و إن لم يعلم ببلوغه لها، بل و إن اعتقد عدم بلوغه خطأ، كما لا يكفي في التقصير قصد السفر لما يعتقد بلوغه المسافة إذا لم يبلغها في الواقع.

(مسألة 516): يكفي قصد المسافة إجمالا، كما إذا قصد أحد بلدين كل منهما يبلغ المسافة، أو قصد السير أربعة فراسخ مع تردّده بين أن يرجع أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 296

يستمر في السير ثمانية فراسخ ثم ينوي الإقامة في المقصد.

(مسألة 517): إذا خرج إلي ما دون أربعة فراسخ و هو يريد التجاوز عنها معلّقا علي أمر غير معلوم الحصول- كتحصيل نفقة له أو رفيق في طريقه، أو توثق علي من خلّف من أهله- لم يقصر إلا أن يحصل له ذلك و يتجدد منه العزم فعلا علي السفر المسافة المذكورة، و حينئذ يكون مبدأ المسافة من حين تجدّد العزم الفعلي.

(مسألة 518): يكفي في قصد السفر للمسافة المذكورة العزم علي ذلك لوجود المقتضي و عدم العلم بالمانع، و لا يضر احتمال عروض المانع.

(مسألة 519): لا يشترط قصد المسافة استقلالا، بل يكفي قصدها تبعا للغير، كما في قصد الزوجة تبعا لزوجها و العيال تبعا لمعيلهم و الأجير تبعا

للمستأجر و الأسير تبعا للآسر و نحوهم.

نعم لا بدّ من أمرين:

(أحدهما): العزم علي عدم مفارقة المتبوع، فمع عدم العزم المذكور و احتمال مفارقته لا يتحقق القصد التبعي و يتعين الإتمام.

(ثانيهما): العلم بقصد المتبوع للمسافة، أما مع الجهل بقصده المسافة فلا يتحقق القصد التبعي، و يتعين الإتمام. و لا يجب علي التابع الفحص، و لا علي المتبوع الإخبار لو سأله التابع. نعم إذا تجدد له العزم علي عدم مفارقة المتبوع أو العلم بقصد المتبوع قصّر إذا تحقق منه قصد المسافة الامتدادية أو الملفّقة، علي نحو ما تقدم عند الكلام في اعتبار قصد المسافة.

الثالث: استمرار القصد للسفر في المسافة المذكورة، فلو عدل قبل بلوغ أربعة فراسخ فبني علي الرجوع أو تردد في الاستمرار أتمّ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 297

(مسألة 520): إذا صلّي قصرا أو تناول المفطر ثم تردد في الاستمرار في السفر أو عدل عن السفر قبل بلوغ المسافة فالأحوط وجوبا له إعادة الصلاة في الوقت و قضاؤها خارج الوقت. و وجب عليه الإمساك بقيّة اليوم و قضاؤه.

(مسألة 521): إذا كان عدوله أو تردده بعد بلوغ أربعة فراسخ و كان عازما علي العود قبل إقامة عشرة أيام لم يجب عليه إعادة صلاته و لا الإمساك عن المفطرات في بقيّة يومه، بل يبقي علي القصر و الإفطار إلي أن يعود إلي منزله.

و إذا كان عدوله أو تردده بعد بلوغ ثمانية فراسخ فاللازم عليه القصر و الإفطار و إن لم يعزم علي العود إلا أن ينوي إقامة عشرة أيام.

(مسألة 522): يكفي في استمرار القصد للسفر البقاء علي نيّة السفر و لو مع تبدل المقصد قبل بلوغ المسافة، كما إذا قصد السفر إلي مكان و قبل بلوغ المسافة

عدل إلي مكان آخر. لكن لا بدّ من كون ما بقي من السفر بضميمة ما حصل منه متمما للمسافة.

(مسألة 523): إذا تردد أو عدل عن السفر قبل بلوغ أربعة فراسخ ثم عاد لنية السفر قبل قطع شي ء من المسافة رجع إلي القصر. و إن قطع شيئا من المسافة حال التردد أو العدول، ثم رجع إلي نيّة السفر فالظاهر وجوب التمام عليه. إلا أن يشرع في سفر جديد قاصدا ثمانية فراسخ أو قاصدا أربعة و هو ينوي الرجوع فيتم حينئذ.

الرابع: أن لا يكون ناويا في أول السفر المرور بالوطن أو ما يلحق به أو إقامة عشرة أيام قبل بلوغ المسافة أو يكون مترددا في ذلك. فإنّه لا يعتد بالسفر المذكور، فلا يكون مسوّغا للقصر، و لا يكون التلفيق منه. فلا يقصر لا في الطريق و لا في محل الإقامة و لا في الرجوع، إلا أن ينوي سفرا جديدا بالمسافة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 298

المتقدمة.

(مسألة 524): إذا عزم في أثناء السفر المرور بالوطن أو الإقامة، ثم عدل عن ذلك جري فيه التفصيل المتقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 525): يكفي في وجوب القصر العزم علي المرور بالوطن و عدم نيّة الإقامة و إن احتمل عروض ما يلزمه بأحد الأمرين، نظير ما تقدم في المسألة (518).

الخامس: أن يكون السفر مباحا، فلو كان محرّما بنفسه- كسفر العبد الآبق و سفر الزوجة بدون إذن الزوج- أو بغايته- كالسفر لقتل نفس محترمة أو للسرقة- لم يوجب القصر، بل يجب فيه التمام.

(مسألة 526): إذا كان السفر لغاية محرّمة- كالسرقة- وجب التمام و إن لم تترتب الغاية، فعدم ترتبها لا يكشف عن وجوب القصر في ذلك السفر.

(مسألة 527): لا يمنع من وجوب القصر

ترتب الحرام علي السفر- كايذاء المؤمن- إذا لم يكن مقصودا منه و لا غاية له. نعم إذا علم بأنه يضطر للحرام بسبب السفر بحيث لولا السفر لم يفعله وجب التمام و إن لم يكن الحرام- بالوجه المذكور- هو الغاية من السفر.

(مسألة 528): إذا كان السفر مباحا في الواقع و اعتقد المكلف حرمته خطأ، فالواجب القصر كما لو سافر للإضرار بمن يحل الإضرار به واقعا و هو يعتقد حرمة الإضرار به، و حينئذ لو صلي قصرا و تيسّر له قصد القربة صحت صلاته، أما لو صلّي تماما فالأحوط وجوبا له الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه.

(مسألة 529): إذا كان السفر حراما في الواقع و كان المكلّف جاهلا بحرمته معذورا في جهله فالظاهر وجوب القصر عليه. أمّا لو لم يكن معذورا في جهله

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 299

فالأمر لا يخلو عن إشكال و الأحوط وجوبا الجمع بين القصر و التمام، فلو فعل أحدهما كان عليه الاحتياط بضم الآخر.

(مسألة 530): إذا كان السفر مستلزما لترك أداء الواجب في بلده، فإن كان الغرض منه الفرار عن الواجب وجب التمام. و كذا إذا لم يكن الغرض منه ذلك لكن كان بحيث يؤدي الواجب لولا السفر، علي الأحوط وجوبا. أما إذا لم يكن في مقام أداء الواجب سافر أو لم يسافر فالظاهر وجوب القصر.

(مسألة 531): إذا سافر المكلف سفرا مباحا في نفسه إلا أنه ركب علي الدابة المغصوبة أو في السيارة المغصوبة أو نحوهما فإن كان بقصد الفرار بالمغصوب و سلبه وجب عليه الإتمام. و إلا وجب القصر.

(مسألة 532): إذا كان السفر مضرا بالنفس أو الغير ضررا يحرم إيقاعه وجب الإتمام فيه.

(مسألة 533): التابع للجائر في منصبه يتمّ

في سفره الذي يكون من شؤون تبعيّته له سواء كان مرسلا من قبله أم مشيّعا له أم غير ذلك. نعم إذا كان مكرها في تبعيته له أو كان غرضه منها دفع مظلمة عن نفسه أو عن المؤمنين أو نفعهم من دون أن يلزم منها ظلم المؤمن قصر.

(مسألة 534): التابع للجائر بشخصه لا بمنصبه يقصر في سفره إلا أن يستلزم ترويجا لباطل، أو ضررا علي مؤمن أو نحوهما من العناوين المحرمة.

(مسألة 535): السفر لصيد البر و البحر إن كان للقوت أو التجارة كان حلالا و وجب فيه التقصير و الإفطار، و إن كان للّهو كان حراما و وجب فيه الإتمام و الصيام. و أما نفس الصيد فالظاهر أنه حلال مطلقا.

(مسألة 536): إذا سافر لغايتين محلّلة و محرّمة- كما لو سافر للتجارة-

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 300

و للإضرار بمؤمن- وجب عليه الإتمام، نعم لو لم تكن الجهة المحرمة غاية للسفر، بل مما قد تتفق فيه من دون أن تكون مقصودة منه وجب القصر.

(مسألة 537): إذا كان السفر محرما بنفسه لا بلحاظ غايته- كالسفر تبعا للجائر، و السفر المضرّ بالبدن- فاللازم التمام فيه و إن كان إيقاعه بداعي غاية محلّلة.

(مسألة 538): إذا اختلف السفر الواحد فكان بعضه حلالا و بعضه حراما وجب التقصير في القسم الحلال و الإتمام في القسم الحرام، و لا يتوقف التقصير في القسم الحلال إلي نيّة قطع مسافة تامة جديدة كما إن الإتمام في القسم الحرام إنما يتوقف علي السير و قطع المسافة إذا كان العنوان المحرم يتوقف عليه كالسفر لتشييع الجائر.

أما إذا كان العنوان المحرم منطبقا علي السفر ببقائه و لو مع عدم قطع المسافة فلا يحتاج وجوب الإتمام للسير و

قطع المسافة. فمن سافر لغاية محللة، ثم بدا له التوقف في مكان لقطع الطريق أو التحق بركب الجائر وجب عليه التمام و إن لم يقطع مسافة.

(مسألة 539): الراجع من سفر المعصية إن عدّ رجوعه من توابع سفر المعصية وجب عليه الإتمام حال الرجوع. و إلا فالأحوط وجوبا له الجمع بين القصر و التمام كما لو اختار طريقا خاصا في الرجوع لداع محلّل. و أما لو لم يعدّ الرجوع من توابع سفر المعصية فالواجب فيه القصر، كما لو رجع علي طريق بعيد لغرض محلّل، أو فصل بين الذهاب و الرجوع بالمكث مدة معتدا بها بنحو لا يتعارف في سفر الذهاب.

السادس: أن لا يكون السفر كثيرا من المكلف بمقتضي طبيعة حياته

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 301

و عمله، فيجب التمام في السفر الذي يتكثر من المكلف و يتعارف بمقتضي وضعه الحياتي و العملي، سواء كان عمله السفر- كالمكاري و الملاح و سائق السيارة- أم كان عمله في السفر- كالجابي الذي يدور في جبايته، و التاجر الذي يدور في تجارته و الصانع الذي يدور في صنعته- أم توقف عمله علي تكرر السفر- كالحطاب الذي تعوّد الخروج لاحتطاب الحطب و بيعه في البلد، و من ابتني عمله علي جلب البضاعة في فترات متقاربة و بيعها في بلده- أم كان له غرض في تكرر السفر في فترات متقاربة للزيارة أو العلاج أو الدرس أو غيرها.

(مسألة 540): إذا كان كثير السفر لما دون المسافة، وجب عليه القصر إذا اتفق له السفر إلي المسافة.

(مسألة 541): إذا كان كثير السفر لجهة معينة فاتفق له السفر لغيرها، فإن كان السفر الطاري من سنخ السفر الذي تعوّده بحيث يكون مقتضي طبيعة حياته و عمله

مثله وجب عليه التمام في السفر المذكور، كالسائق علي خط خاص يستأجر لخط آخر، و جالب البضاعة من مكان معين يحتاج لجلبه من مكان آخر و نحوهما.

و إن كان السفر الطاري أجنبيا عن السفر الذي تعوّده، بحيث يخرج عن مقتضي طبيعة حياته و عمله وجب عليه القصر، كالسائق و الملاح و نحوهما إذا سافرا لزيارة إمام أو صديق أو لعلاج أو غيره، و منه ما إذا ترك السائق سيارته في سفره، و رجع إلي أهله، إلا أن يتعوّد ذلك و يكثر منه.

(مسألة 542): من كان كثرة السفر مقتضي عمله كالتاجر الذي يدور في تجارته و الملاح يكفي في إتمامه اتخاذ العمل المذكور فيتمّ في السفرة الأولي بلا حاجة لتكرار السفر. أما من كان كثرة سفره لداع خاص يقتضي كثرة السفر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 302

فاللازم مضي مدّة معتدّ بها يصدق فيها أنّ السفر مقتضي طبيعة حياته. و الأحوط وجوبا الجمع بين القصر و التمام من حين حدوث الداعي المذكور إلي مضي المدة المذكورة.

(مسألة 543): إذا كان كثير السفر بالوجه المتقدم في فترة معينة من السنة اختص التمام عليه بتلك المدة، كالذي يسوق بالأجرة في بعض المواسم أو يجلب الخضر في فصل الصيف. نعم لا بدّ من كون المدة معتدّا بها عرفا بحيث يصدق عرفا أن ذلك مقتضي وضعه الطبيعي بلحاظ حياته و عمله.

(مسألة 544): لا بدّ في صدق كثرة السفر بالوجه المتقدم من البناء علي مزاولة السفر مرة بعد اخري، و لا يكفي المرة و المرتان و إن طالت مدة السفر.

و الظاهر صدقه في السفر الطويل مع تقارب مدة السفر مع مدة الحضر فضلا عما إذا زادت مدة السفر.

و أما في السفر القصير

فالظاهر صدقه مع تقارب عدد أيام السفر مع عدد أيام الحضر، فضلا عما إذا زادت أيام السفر. و أما مع زيادة أيام الحضر بقدر معتدّ به- كما في من يسافر في الأسبوع مرّتين- فالظاهر وجوب القصر.

(مسألة 545): من كان كثير السفر بالوجه المتقدم إذا أقام في بلده أو في البلد الذي يدخله عشرة أيام قصر و أفطر في السفرة الأولي، سواء كانت العشرة منويّة من أول الأمر أم لا.

(مسألة 546): السائح في الأرض الذي لم يتخذ له وطنا منها يتمّ في سياحته.

(مسألة 547): من خرج معرضا عن وطنه عازما علي التوطن في غيره يقصر في الطريق. و إن كان عازما علي عدم التوطن في غيره و عدم اتخاذ مقر له،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 303

بل يبقي متجولا في الأرض يتمّ. و كذا إذا كان مترددا في ذلك. و إن كان الأحوط استحبابا له الجمع بين القصر و التمام إلي أن تطول عليه المدة فيتمّ.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 1، ص: 303

السابع: أن يصل إلي حدّ الترخص، و يعرف بأحد أمرين: (أولهما): أن يتواري عن البيوت، بحيث يخفي شخصه علي أهلها لبعده عنهم، و يعلم ذلك بأن يبعد بحيث يخفي عليه من كان واقفا أو ماشيا عندها (ثانيهما): أن يبعد بحيث لا يسمع أذان أهل البلد. و لو اختلفا فاللازم الاحتياط.

(مسألة 548): المدار في السماع علي المتعارف من حيث السامع و الصوت المسموع و موانع السمع. و مع اختلاف المتعارف يلزم الاحتياط و لا عبرة بالسماع بسبب مكبر الصوت أو بسبب سمّاعة لاقطة

له. كما إن المدار في التواري علي ما يستند للبعد دون ما يستند للمخاطب الخارجي. و كذا علي المتعارف في النظر المجرد.

(مسألة 549): الوصول إلي حدّ الترخص مبدأ التقصير عند خروج المسافر من بلده، و منتهي التقصير عند رجوعه لبلده.

(مسألة 550): الأحوط وجوبا عدم التقصير عند الخروج من محل الإقامة أو المكان الذي يبقي فيه ثلاثين يوما إلا بعد الوصول إلي حدّ الترخص، و إذا أراد الصلاة قبله جمع بين القصر و التمام. و أما عند إرادة الدخول لمكان يريد المقام فيه عشرة أيام فلا يكفي في التمام الوصول إلي حدّ الترخص، بل لا بدّ من الوصول إلي مكان الإقامة بنفسه.

(مسألة 551): إذا شكّ في الوصول إلي حدّ الترخص للشك في مقدار المسافة التي قطعها بني علي عدمه، فيبقي علي التمام في الذهاب و علي القصر في الإياب. إلا أن يعلم إجمالا ببطلان إحدي الصلاتين، فيجب الاحتياط. و أما إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 304

كان الشك في تحقق العلامتين السابقتين مع العلم بمقدار المسافة التي قطعها فاللازم الاحتياط.

(مسألة 552): إذا اعتقد الوصول إلي الحدّ عند الخروج فصلي قصرا أو عند الرجوع فصلي تماما ثم تبيّن الخطأ وجب التدارك بالإعادة أو القضاء، كما لو لم يصلّ أصلا.

الفصل الثاني في قواطع السفر

و هي أمور.

الأول: المرور بالوطن. و المراد به المكان الذي يتّخذه الإنسان مقرّا له علي الدوام لو خلّي و نفسه، بحيث يعزم علي البقاء فيه و عدم الخروج منه إلا لسبب طارئ. سواء كان مسقط رأسه أم استجده. و يكفي فيه التبعية للغير كالزوج و الأب و نحوهما، فوطن المتبوع وطن للتابع ما لم يعرض عنه و يخرج منه.

(مسألة 553): يكفي في الوطن المستجد السكني فيه بالنيّة

المتقدمة، و لا يتوقف مع ذلك علي قضاء مدّة معتدّ بها، فلا يحتاج في المدة المذكورة لنيّة الإقامة أو الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام و إن كان أحوط استحبابا.

(مسألة 554): يمكن تعدد الوطن، بأن يتخذ الإنسان أكثر من بلد واحد مقرّا له يقضي في كل منهما قسما من أوقاته و لا يخرج منها لغيرها إلا لسبب طارئ.

و حينئذ لا بدّ في التقصير عند السفر بين الوطنين من أمرين:

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 305

(الأول): بلوغ المسافة الامتدادية، و هي ثمانية فراسخ، و لا يكفي الملفقة لانقطاع السفر بدخول كل منهما.

(الثاني): أن لا يكون كثير السفر بينهما، و إلا وجب عليه التمام في الطريق و لم يقصّر إلا في السفرة الأولي بعد أن يبقي في أحدهما عشرة أيام.

(مسألة 555): إذا اتخذ الإنسان مسكنا يبيت فيه في مدينته، و محل عمل يعمل فيه في مدينة أخري و كان كل منهما مبنيّا علي الدوام و الاستمرار، كان كل منهما وطنا له، فيجري عليه حكم ذي الوطنين.

(مسألة 556): الظاهر عدم ثبوت الوطن الشرعي، فلا تجري أحكام الوطن علي المكان الذي يملك فيه الإنسان منزلا قد أقام فيه ستة أشهر، بل يجب فيه القصر كما يجب في الوطن الذي أعرض عنه.

(مسألة 557): الظاهر عدم خروج الوطن عن كونه وطنا إلا بالعدول عن جعله وطنا مع الخروج عنه، و لا يكفي العدول عنه مع البقاء فيه و عدم الخروج منه، كما لا يكفي التردد في البقاء علي كونه وطنا و لو مع الخروج عنه.

(مسألة 558): يلحق بالوطن المكان الذي يتّخذه الإنسان مقرّا له مدة طويلة يسكن فيه سكناه في وطنه بمنزل و أثاث و نحوهما، بحيث يصدق عرفا أنه

مسكنه في المدة المذكورة، كالبلد الذي يسكنه طالب العلم في مدة دراسته، و الموظف في مدة وظيفته و صاحب العمل في مدة عمله و نحوهم، فإنّه و إن لم يكن، وطنا له- كما سبق في معني الوطن- إلا أنه يجري عليه حكم الوطن، فإذا كان فيه كان حاضرا يتمّ و إن لم ينو الإقامة فيه، و إذا خرج منه صار مسافرا و لا بدّ في وجوب القصر عليه من العزم علي قطع المسافة الامتدادية أو الملفّقة، و إذا مرّ به في سفره انقطع سفره إلي غير ذلك. لكن لا بدّ فيه من أن لا يكثر الخروج

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 306

منه، و إلا لم يكن مقرّا له. نعم يتمّ فيه لكونه كثير السفر حينئذ.

(مسألة 559): لما كان السفر ينقطع بالمرور بالوطن و بالمقر، فلا بدّ في التقصير عند السفر بينهما من بلوغ المسافة الامتدادية و هي ثمانية فراسخ.

(مسألة 560): إذا اتخذ المكان مقرّا له في وقت معين من السنة لم يجر عليه حكم الوطن في غير ذلك الوقت. فطلاب العلم الذين يتخذون محل دراستهم مقرّا في فصل الدراسة و يتركونه و يرجعون إلي أوطانهم بعد ذلك إذا ذهبوا إليه في العطلة الدراسية كانوا مسافرين و جري عليهم حكم السفر.

الثاني: العزم علي الإقامة عشرة أيام متوالية في مكان واحد أو العلم ببقائه في المدة المذكورة و إن لم يكن باختياره. و يكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر، فإذا نوي الإقامة مثلا من زوال يوم الي زوال اليوم الحادي عشر من ذلك اليوم كان عليه التمام.

و مبدأ اليوم طلوع الفجر فإذا نوي الإقامة من طلوع الشمس فلا بدّ من نيّتها إلي طلوع اليوم الحادي

عشر كما أن الليالي المتوسطة داخلة. بل الأحوط وجوبا دخول الليلة المتطرفة، و أبعاض الليلتين المتطرّفتين بنحو يتمّ به ليلة ملفقة. فمن اقتصر علي الأيام المجردة عن ذلك لزمه الجمع بين القصر و التمام.

(مسألة 561): يشترط وحدة محل الإقامة عرفا فلا تصح الإقامة في أكثر من قرية أو بلد واحد. نعم لا يضر التنقل في أبعاض القرية أو البلد الواحد، و نحو ذلك مما من شأن أهل المكان- الذي يقيم فيه- التنقل فيه بما أنهم أهل ذلك المكان، بحيث لا يكون تنقلهم فيه مبنيّا علي العناية و الخروج عن مقتضي إقامتهم فيه، كمسجده و حمّامه و متنزهاته و مقبرته، دون غير ذلك مما يكون ذهاب أهل ذلك المكان له خروجا عن مقتضي إقامتهم في مكانهم عرفا، نظير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 307

ذهاب غيرهم له من المسافرين. و إن كان ذهابهم له أيسر من ذهاب غيرهم لقربهم منه.

(مسألة 562): تصح نيّة الإقامة في الصحراء، علي أن ينوي عدم الوصول إلي ما لا يتعارف وصول أهلها إليه من الأمكنة و المواضع.

(مسألة 563): يكفي في نيّة الإقامة النية التبعية كنية الزوجة تبعا للزوج و الولد تبعا لأبيه. لكن لا بدّ من العلم بتحقق نيّة الإقامة من المتبوع، و لا يكفي تحققها منه من دون أن يعلم التابع بها و إن كان بانيا علي المتابعة.

(مسألة 564): الظاهر عدم تحقّق نيّة الإقامة في المكان مع نيّة الخروج منه إلي ما دون المسافة مما لا يعدّ من توابعه بحيث يعدّ ذهاب أهل المكان له سفرا منهم، و إن كان زمان الخروج قريبا، بل يتعين القصر مع ذلك حتي في المحل الذي نوي فيه الإقامة. نعم بعد انعقاد الإقامة بحيث

لا يضر فيها العدول لا يكون نيّة الخروج لما دون المسافة مبطلا لها.

(مسألة 565): إذا نوي المقام إلي حادث لا يعلم أمده- كورود مسافر أو قضاء حاجة- فصادف أمده عشرة أيام أو أكثر لم تنعقد له إقامة و كان الواجب عليه القصر.

(مسألة 566): إذا نوي الإقامة إلي يوم معين و كان في الواقع عشرة أيام من دون أن يعلم ذلك تمت إقامته و كان من الواجب عليه التمام، كما لو نوي ظهر الأربعاء الإقامة إلي ظهر يوم الجمعة الثانية، و إن اعتقد خطأ إن نيّته للإقامة كانت في ظهر يوم الخميس. و لو انعكس الأمر لم تنعقد له إقامة و كان الواجب عليه القصر.

(مسألة 567): إذا نوي إقامة عشرة أيام في المكان ثم عدل عن إقامة قبل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 308

مضي عشرة أيام فعزم علي الخروج قبل إكمالها أو تردد فإن كان قد صلّي فريضة تماما بقي علي التمام إلي أن يسافر.

و إن لم يكن قد صلّي فريضة تماما رجع إلي القصر، سواء لم يصلّ أصلا- و لو عصيانا- أم صلّي صلاة غير رباعية أم شرع في صلاة رباعية و لم يتمها و إن دخل في ركوع الركعة الثالثة، و سواء فعل غير الصلاة الرباعية مما لا يجوز للمسافر كالصوم، و النوافل النهارية أم لا. بل حتي لو صلّي رباعية، ثم تبيّن بطلانها.

(مسألة 568): إذا عدل عن نيّة الإقامة و هو في الرباعية قبل أن يتمها وجب عليه قصرها، و إن دخل في الركعة الثالثة قبل الركوع هدم و أتمّها قصرا. و إن كان بعده بطلت، نعم لو كان في مواضع التخيير كان عليه إتمامها أربعا، لكن لا تكفي في البقاء علي

التمام.

(مسألة 569): إذا نوي الإقامة فصام و عدل عن نيّة الإقامة قبل أن يصلي تماما و قبل الزوال بطل صومه، و إن كان عدوله بعد الزوال صح صوم ذلك اليوم، دون ما بعده، و وجب عليه القصر. و أما إن كان عدوله بعد الصلاة تماما فيصح صوم ذلك اليوم مطلقا كما يصح الصوم بعده ما دام لم يخرج.

(مسألة 570): إذا عدل عن نيّة الإقامة و شكّ في أنه صلّي تماما أم لم يصلّ بني علي أنه لم يصل و وجب عليه القصر. نعم إذا كان بعد الفراغ من الصلاة الرباعية و قد شكّ في صحتها، أو بعد خروج وقتها و قد شكّ في الإتيان بها فالظاهر البناء علي الإتيان بها و البقاء علي التمام، و إن كان الأحوط استحبابا ضمّ القصر إليه.

(مسألة 571): إذا صلّي بعد نيّة الإقامة فريضة تماما نسيانا أو لشرف البقعة-

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 309

كما في مواضع التخيير كفي ذلك في انعقاد الإقامة و عدم الرجوع للقصر مع العدول عنها. أما إذا فاتته الصلاة أداء فقضاها تمام ثم عدل فالأمر لا يخلو من إشكال و الأحوط وجوبا الجمع بين القصر و التمام.

(مسألة 572): إذا عدل عن نيّة الإقامة قبل أن يصلي فريضة تماما بطلت الإقامة من حين العدول لا من أول الأمر، فلو كان قد صام قبل العدول صح صومه، و لو فاتته صلاة رباعية قبل العدول قضاها تماما بعد العدول.

(مسألة 573): إذا تمت مدة الإقامة لم يحتج في البقاء علي التمام إلي إقامة جديدة، بل يبقي علي التمام إلي أن يسافر و إن لم يصلّ في مدة الإقامة فريضة تماما.

(مسألة 574): لا يشترط في انعقاد نيّة الإقامة كونه

مكلّفا حين النية، فلو نوي و هو غير بالغ كان حكمه التمام، علي التفصيل المتقدم. و كذا لو نوت المرأة و هي حائض أو نفساء.

(مسألة 575): إذا استقرت الإقامة- و لو بالصلاة تماما- ثم بدا للمقيم الخروج إلي ما دون المسافة ثم السفر منه بمقدار المسافة، فإن لم يكن عازما علي الرجوع إلي محل الإقامة وجب عليه القصر بالخروج منه. و إن كان عازما علي الرجوع إلي محل الإقامة- و لو مع المكث فيه من دون نيّة إقامة جديدة- لم يجب عليه القصر بالخروج من محل الإقامة، و إنما يجب بالخروج من المقصد المذكور. فمثلا من استقرت له الإقامة في النجف الأشرف إذا خرج إلي الكوفة و أراد الرجوع إلي النجف ثم الخروج منها إلي كربلاء لم يقصر بخروجه من النجف إلي الكوفة بل بخروجه من الكوفة.

الثالث: أن يقيم في مكان واحد ثلاثين يوما من دون عزم علي إقامة عشرة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 310

أيام، سواء عزم علي إقامة ما دون العشرة مرة بعد اخري حتي أتمّ الثلاثين، أم لم يعزم علي إقامة أصلا فيجب بعدها الإتمام حتي يسافر و إن لم يصلّ إلا صلاة واحدة. و لا يكفي الشهر الهلالي إذا كان تسعة و عشرين يوما، و الظاهر هنا تبعية الليالي للأيام، فلا بدّ من إكمال ثلاثين ليلة مع الأيام. و يكفي التلفيق من اليوم أو الليلة المنكسرين.

(مسألة 576): لا بدّ من إتمام المتردد ثلاثين يوما من وحدة المكان الذي هو فيه هذه المدة علي نحو ما تقدم في نيّة الإقامة. و إذا خرج إلي ما دون المسافة جري عليه ما سبق هناك.

(مسألة 577): إذا انتقل من المكان قبل إتمام المدة بقليل

لم يجب التمام و إن تكرر ذلك منه في أمكنة متعددة.

(مسألة 578): يظهر منهم أن الإقامة ثلاثين يوما تمنع من تلفيق المسافة و تتميم ما بعدها لما قبلها، فلا بدّ في القصر من سفر جديد و تام المسافة كما سبق. و ينكشف بها عدم مشروعية القصر منه إذا كانت المسافة السابقة منه دون الثمانية. و في هذا الأخير إشكال فالأحوط وجوبا قضاء ما صلاة قصرا و الإتيان به تماما غير مقصور.

الفصل الثالث في أحكام المسافر

و المراد به المسافر بالشروط المتقدمة و له أحكام:

الأول: حرمة الصوم منه و عدم صحته عدا ما استثني مما يأتي التعرض له في كتاب الصوم إن شاء اللّه تعالي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 311

(مسألة 579): يصح الصوم من الجاهل بحرمته و عدم مشروعيته و لو للجهل بتحقق السفر المرخّص. و لا يصحّ من الناسي فضلا عن العامد.

الثاني: سقوط نافلة الصلاة المقصورة النهارية، دون غيرها حتي الوتيرة علي الأقوي.

(مسألة 580): إذا سافر بعد الوقت و لم يكن قد صلّي لم تشرع له نافلة تلك الصلاة. نعم لو صلاها قبل السفر صحت و إن لم يصلّ الفريضة إلا في السفر قصرا.

(مسألة 581): لا تشرع نافلة المقصورة في السفر حتي لمن يؤخر الفريضة و يأتي بها تماما في الحضر. نعم إذا رجع من سفره قبل خروج وقتها شرعت له في الحضر.

الثالث: وجوب القصر في الفرائض الرباعية، و هي صلوات الظهرين و العشاء، و لا تشرع تماما إلا في مواضع التخيير الآتية.

(مسألة 582): إذا صلّي الرباعية تماما عالما عامدا بطلت و عليه الإعادة أو القضاء. و إن صلاها جاهلا بأصل وجوب القصر في السفر لم تجب الإعادة، فضلا عن القضاء. و إن كان للجهل بتحقق السفر

المرخص- كما لو اعتقد خطأ عدم بلوغ مقصده المسافة- فالأحوط وجوبا الإعادة و القضاء و كذا إذا كان عالما بأصل وجوب القصر في السفر لكن جهل خصوصياته، كما لو جهل أن كثير السفر لو أقام ببلدة عشرة أيام وجب عليه القصر أو أن العاصي بسفره يقصر إذا رجع إلي الطاعة و نحو ذلك من الفروع.

نعم إذا قلد في الخصوصيات تقليدا صحيحا فأفتي مقلّده بالقصر ثم عدل إلي التمام أو عدل عن تقليده لشخص آخر يفتي بالتمام فالظاهر الإجزاء، كما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 312

تقدم في مبحث التقليد.

(مسألة 583): إذا نسي المسافر فصلي تماما، فإن ذكر في الوقت فعليه الإعادة أو القضاء، و إن ذكر بعد خروج الوقت فلا قضاء عليه. من دون فرق بين نسيان السفر و نسيان وجوب القصر في السفر.

(مسألة 584): لا تقصر المغرب في السفر، و من قصرها جاهلا فالأحوط وجوبا له التدارك بالإعادة أو القضاء. بل هو الواجب في غيره من موارد القصر في موضع الإتمام. نعم من قصر مع نيّة الإقامة جهلا بوجوب التمام أجزأته صلاته و لا إعادة عليه.

(مسألة 585): العبرة في التمام و القصر بحال أداء الصلاة لا بحال دخول وقتها و التكليف بها، فمن دخل عليه الوقت و هو حاضر أو بحكمه- و لو لعدم تجاوزه حدّ الترخص- فلم يصلّ حتي سافر- بشروط السفر السابقة- كان عليه قصر الصلاة، و من دخل عليه الوقت و هو مسافر فلم يصلّ حتي صار حاضرا كان عليه إتمام الصلاة.

(مسألة 586): إذا فاتته الصلاة في الحضر قضي تماما و لو كان مسافرا حين القضاء، و إذا فاتته الصلاة في السفر قضي قصرا و لو كان حاضرا حين القضاء.

و المعيار

في الفوت آخر الوقت، فمن خرج عليه الوقت و هو حاضر قضي تماما، و من خرج عليه الوقت و هو مسافر قضي قصرا.

(مسألة 587): يتخير المسافر بين القصر و التمام في الأماكن الأربعة الشريفة، و هي مكة المكرمة، و المدينة المشرفة، و الكوفة- و لا يلحق بها النجف الأشرف- و حرم الحسين عليه السّلام. و الأحوط وجوبا فيه الاقتصار علي البناء الذي فيه القبة الشريفة دون المسجد الملحق به من جانب الشمال.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 313

(مسألة 588): لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المذكور، بل المواضع المذكورة كغيرها فيه.

(مسألة 589): التخيير المذكور استمراري، فإذا شرع في الصلاة بنيّة القصر كان له العدول للتمام و بالعكس. نعم الأحوط وجوبا الاستمرار في التمام مع القيام للركعة الثالثة فلا يشرع الهدم منه و الرجوع للقصر.

(مسألة 590): لا يجري التخيير في بقيّة المساجد و مشاهد المعصومين عليهم السّلام و نحوها من المواضع الشريفة غير ما تقدم.

(مسألة 591): لا يجري التخيير المذكور في قضاء الصلوات الفائتة قصرا.

بل الأحوط وجوبا عدم جريانه في الصلاة التي تفوت في المواضع المذكورة، بل يتعيّن الإتيان بها قصرا.

(مسألة 592): يستحب للمسافر أن يقول عقيب كل صلاة مقصورة ثلاثين مرة: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر». و في الحديث: «إن ذلك تمام الصلاة».

خاتمة في بعض الصلوات المستحبة

(منها): صلاة العيدين، و هي واجبة في زمان الحضور مع اجتماع الشرائط و مستحبة في عصر الغيبة جماعة و فرادي، و لا يعتبر فيها العدد و لا تباعد الجماعتين، و لا غير ذلك من شرائط صلاة الجمعة، و كيفيتها ركعتان يقرأ في كل منهما الحمد و سورة، و الأفضل أن يقرأ في الأولي

(الشمس) و في الثانية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 314

(الغاشية) أو في الأولي (الأعلي) و في الثانية (الشمس) ثم يكبر في الأولي خمس تكبيرات و يقنت عقيب كل تكبيرة. و في الثانية أربعا و يقنت بعد كل تكبيرة علي الأحوط في كل التكبيرات و القنوتات، و يجزئ في القنوت ما يجزئ في قنوت سائر الصلوات، و الأفضل أن يدعو بالمأثور فيقول في كل قنوت منها: «اللهم أهل الكبرياء و العظمة، و أهل الجود و الجبروت، و أهل العفو و الرحمة، و أهل التقوي و المغفرة، أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا، و لمحمد صلّي اللّه عليه و آله ذخرا و مزيدا، أن تصلي علي محمد و آل محمد، كأفضل ما صليت علي عبد من عبادك، و صلّ علي ملائكتك و رسلك، و اغفر للمؤمنين و المؤمنات، و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون و أعوذ بك من شرّ ما استعاذ بك منه عبادك المرسلون»، و في بعض الروايات غير ذلك، و يأتي الإمام بخطبتين بعد الصلاة يفصل بينهما بجلسة خفيفة، و الأحوط الإتيان بهما، و لا يجب الحضور عندهما و لا الإصغاء.

(مسألة 593): لا يتحمل الإمام في هذه الصلاة غير القراءة.

(مسألة 594): إذا لم تجتمع شرائط وجوبها ففي جريان أحكام النافلة عليها وجه، فيجوز البناء علي الأقل و الأكثر عند الشك في الركعات، و لا تقدح فيها زيادة الركن سهوا، و الأحوط السجود للسهو و قضاء الجزء المنسي.

(مسألة 595): إذا شكّ في جزء منها و هو في المحل أتي به و إن كان بعد تجاوز المحل مضي.

(مسألة 596): ليس في هذه الصلاة

أذان و لا إقامة، بل يستحب أن يقول المؤذن: «الصلاة»، ثلاثا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 315

(مسألة 597): وقت صلاة العيدين من طلوع الشمس إلي الزوال، و في سقوط قضائها لو فاتت إشكال، و يستحب الغسل قبلها، و الجهر فيها بالقراءة، إماما كان أو منفردا، و رفع اليدين حال التكبيرات، و السجود علي الأرض، و الإصحار بها إلا في (مكة) المعظمة فإن الإتيان بها في المسجد الحرام أفضل، و أن يخرج إليها راجلا حافيا لابسا عمامة بيضاء مشمّرا ثوبه إلي ساقه، و أن يأكل قبل خروجه إلي الصلاة في عيد الفطر، و بعد عودته في عيد الأضحي مما يضحّي به إن كان.

(منها): صلاة الغفيلة و هي: ركعتان بين المغرب و العشاء يقرأ في الأولي سورة الفاتحة و آية وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنٰاديٰ فِي الظُّلُمٰاتِ أَنْ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ و في الثانية سورة الفاتحة و آية وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ لٰا يَعْلَمُهٰا إِلّٰا هُوَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مٰا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلّٰا يَعْلَمُهٰا وَ لٰا حَبَّةٍ فِي ظُلُمٰاتِ الْأَرْضِ وَ لٰا رَطْبٍ وَ لٰا يٰابِسٍ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ ثم يرفع يديه و يقول: «اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي علي محمد و آل محمد و أن تفعل بي.» و يذكر حاجته ثم يقول: «اللهم أنت ولي نعمتي و القادر علي طلبتي تعلم حاجتي فأسئلك بحق محمد و آله عليه و عليهم السّلام لمّا قضيتها لي» و يسأل حاجته. و

لا يحتاج للبسملة في الركعتين قبل الآيتين، بل لا يجوز الإتيان بها إلا بقصد الذكر و التبرّك أو بقصد القرآنية من دون نيّة الورود و الخصوصية.

(مسألة 598): يجزئ في صلاة الغفيلة أن يأتي بركعتين من نافلة المغرب علي الوجه المتقدم، و لا يلزم الإتيان بها بدون نيّة النافلة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 316

(و منها): صلاة جعفر بن أبي طالب علّمها النبي صلّي اللّه عليه و آله لجعفر لما قدم من الحبشة، و هي أربع ركعات يقرأ فيها بعد الفاتحة و السورة، خمس عشرة مرة (سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر) و في الركوع عشر مرات و في القيام بعد الركوع عشر مرات و في السجدة الأولي عشر مرات و في الجلوس بين السجدتين عشر مرات و في السجدة الثانية عشر مرات و في الجلوس بعد السجدتين عشر مرات فيتمّ له في كل ركعة خمس و سبعون مرة، و يكون مجموع التسبيحات في الركعات الأربع ثلاثمائة تسبيحة. و قد روي أنه يقرأ في كل ركعة بعد سورة الفاتحة سورتي (التوحيد) (و الكافرون). كما روي أيضا أن يقرأ في الأولي (الزلزلة) و في الثانية (و العاديات) و في الثالثة (النصر) و في الرابعة (التوحيد)، و روي أنه يقرأ فيها (الزلزلة) (و النصر) (و القدر) (و التوحيد).

و له أن يأتي بأي سورة شاء، بل له أن يجتزئ بأي سورة شاء من القرآن.

(مسألة 599): من كان مستعجلا أجزأه أن يصلّيها أربع ركعات من دون تسبيح ثم يقضي التسبيح و هو ذاهب في حاجته. كما روي أن من نسي التسبيح في بعض حالات الصلاة قضاه في الحالة الأخري التي يذكره فيها،

فإذا نسي التسبيح بعد القراءة حتي ركع سبّح في الركوع خمسا و عشرين مرة.

(و منها): صلاة ليلة الدفن، و هي صلاة ركعتين في ليلة دفن المؤمن يقرأ في الأولي سورة الفاتحة و آية الكرسي. و في الثانية: سورة الفاتحة و عشر مرات سورة القدر، فإذا سلّم قال: اللهم صل علي محمد و آل محمد و ابعث ثوابها إلي قبر.) و يذكر اسم الميت.

(مسألة 600): ورد عن النبي صلّي اللّه عليه و آله الأمر بالتصدق عن الميت ليلة الدفن لأنها أشدّ ليلة تمرّ به، فإن لم يجد صلّي ركعتين يقرأ في الأولي سورة التوحيد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 317

مرّتين، و في الثانية سورة التكاثر عشرا.

(مسألة 601): لا يشرع الاستئجار لصلاة ليلة الدفن. نعم لا بأس بأن يدفع لشخص مالا و يأذن له في تملّكه هبة بعد الإتيان بالصلاة المذكورة. و حينئذ لو لم يصلّ عمدا أو نسيانا جاز. لكن لم يحلّ له المال و وجب عليه إرجاعه لصاحبه، و مع الجهل به و اليأس عن الوصول إليه يجري عليه حكم مجهول المالك و هو الصدقة.

و يمكن أن يدفع المال له هدية منجّزة و يشترط عليه فيها أن يصلي الصلاة المذكورة، و حينئذ لا يجوز له ترك هذه الصلاة، فإن تركها عمدا- عصيانا- أو نسيانا كان لصاحب المال الرجوع في هديته، فإن لم يرجع و لو لجهله بالحال لم يحرم المال علي الشخص المذكور.

(و منها): صلاة أول الشهر، و هي ركعتان في أول يوم من كل شهر يقرأ في الأولي سورة (الفاتحة) و سورة (التوحيد) بعدد أيام الشهر، و في الثانية: سورة (الفاتحة) و سورة (القدر) بعدد أيام الشهر ثم بعد الانتهاء من الصلاة يتصدق

بما يتيسّر له فيشتري بذلك سلامة الشهر كله. و في بعض الروايات أنه يقرأ بعدها هذه الآيات الكريمة بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلّٰا عَلَي اللّٰهِ رِزْقُهٰا وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهٰا وَ مُسْتَوْدَعَهٰا كُلٌّ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ. بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللّٰهُ بِضُرٍّ فَلٰا كٰاشِفَ لَهُ إِلّٰا هُوَ، وَ إِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلٰا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللّٰهُ بِضُرٍّ فَلٰا كٰاشِفَ لَهُ إِلّٰا هُوَ، وَ إِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَليٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ. بسم اللّه الرحمن الرحيم سَيَجْعَلُ اللّٰهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً- مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لٰا قُوَّةَ إِلّٰا بِاللّٰهِ- حَسْبُنَا اللّٰهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَي اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ بَصِيرٌ بِالْعِبٰادِ، لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 318

كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ، رَبِّ إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ- رَبِّ لٰا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوٰارِثِينَ.

(و منها): صلاة المهمات فعن الإمام الحسين عليهم السّلام أنه قال: إذا كان لك مهمّ فصلّ أربع ركعات تحسن قنوتهن و أركانهن: تقرأ في الأولي (الحمد) مرة، و حَسْبُنَا اللّٰهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، سبع مرات، و في الثانية (الحمد) مرة و قوله مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لٰا قُوَّةَ إِلّٰا بِاللّٰهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مٰالًا وَ وَلَداً سبع مرات. و في الثالثة (الحمد) مرة و قوله لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ، سبع مرات. و في الرابعة (الحمد) مرة وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَي اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ بَصِيرٌ بِالْعِبٰادِ، سبع مرات، ثم تسأل حاجتك.

(و منها): صلاة الاستخارة فقد ورد في النصوص الكثيرة

الحث علي الاستخارة عند الإقدام علي أمر. و المراد بها الابتهال منه جلّ شأنه في أن يختار للعبد في ذلك الأمر ما هو الخير له، فإن كان خيرا له سهّله و يسّره، و إن لم يكن خيرا له صرفه عنه و منعه منه. مثل أن يقول: «أستخير اللّٰه برحمته خيرة في عافية». و قد رويت لها صور مختلفة يضيق المقام عن استقصائها، نذكر:

(منها): ما روي عن الصادق عليه السّلام من أنه قال: «ما استخار عبد قط في أمره مائة مرة عند رأس الحسين عليه السّلام فيحمد اللّٰه و يثني عليه إلا رماه اللّٰه بخير الأمرين».

كما ورد في كثير من النصوص الأمر بالاستخارة بعد صلاة ركعتين علي صور مختلفة.

(منها): ما روي في الصحيح عن مرازم قال: «قال لي أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: إذا أراد أحدكم شيئا فليصلّ ركعتين، ثم ليحمد اللّٰه و ليثن عليه، و يصلي علي محمد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 319

و أهل بيته و يقول: «اللّهم إن كان هذا الأمر خيرا لي في ديني و دنيائي فيسّره لي و قدره و إن كان غير ذلك فاصرفه عني». قال مرازم: فسألته أي شي ء أقرأ فيهما فقال: اقرأ فيهما ما شئت، و إن شئت فاقرأ فيهما بقل هو اللّٰه أحد و قل يا أيها الكافرون، و قل هو اللّٰه أحد تعدل ثلث القرآن». و قد ورد في كثير من النصوص أن اللازم علي المكلف بعد الاستخارة الرضا بما يختاره اللّٰه تعالي، و إلا كان متّهما له في قضائه.

و نسأله سبحانه و تعالي أن يختار لنا ما فيه صلاح ديننا و دنيانا و آخرتنا إنه أرحم الراحمين.

و الحمد للّٰه ربّ العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد

سعيد)، ج 1، ص: 321

كتاب الصّوم

اشارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 323

كتاب الصوم فريضة الصوم إحدي الدعائم التي بني عليها الإسلام و إحدي الفرائض العظام التي فرضها اللّٰه سبحانه علي عباده، و إحدي العبادات التي تعبّد بها تعالي خلقه لتهذيب نفوسهم و تطهير قلوبهم و زكاة أبدانهم، و هو جنّة من النار، و به يدخل العبد إلي الجنة، و في الحديث: «قال اللّٰه تعالي: كل عمل ابن آدم الحسنة بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنّه لي و أنا أجزي به». و قد ورد في الأخبار عن النبي و الأئمة عليهم السّلام: انّ نوم الصائم عبادة، و نفسه و صمته تسبيح، و عمله متقبل، و دعاءه مستجاب، و خلوف فمه عند اللّٰه أطيب من رائحة المسك و انّ الصائم يرفع في رياض الجنة، و تدعو له الملائكة حتي يفطر، و له فرحتان:

فرحة عند الإفطار و فرحة حين يلقي اللّٰه تعالي، كما ورد أن الصوم يباعد الشيطان و يسوّد وجهه.

و قد اختار اللّٰه سبحانه و تعالي لهذه الفريضة الشريفة أفضل الشهور و أكرمها عليه الذي اختصّه لنفسه و نسبه إليه فكّرمه و عظّمه، و شرّفه بإنزال كتابه فيه، و اختصه بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، و فيه تغلّ الشياطين، و تغفر السيئات، و تضاعف الحسنات، و تغلق أبواب النيران، و تفتح أبواب الجنان، و دعي فيه المؤمنون إلي ضيافة اللّٰه تعالي، و جعلوا من أهل كرامته. و نسأله سبحانه التوفيق فيه لما يحب و يرضي و هو أرحم الراحمين.

و يقع الكلام في كتاب الصوم في ضمن فصول.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 324

الفصل الأول في النية

(مسألة 1): يشترط في صحة الصوم النية و تتقوّم بأمور:

الأول: نية ترك

المفطرات الآتية.

الثاني: أن ينوي بتركها الصوم.

الثالث: أن يكون الداعي للصوم هو التقرب للّٰه تعالي. و لا يضرّ فيه أن يكون ترك المفطرات لدواعي أخر- كتعذر حصولها أو عدم الرغبة فيها- ما دام الداعي لقصد الصوم بذلك هو التقرب، و يكفي فيها النية الارتكازية بحيث لو سئل لقال أريد الصوم، و لا يجب استحضارها تفصيلا.

(مسألة 2): لا يضرّ عروض الغفلة المطلقة بنوم أو نحوه في صحة الصوم إذا سبقت النية المذكورة، فلو نوي الصيام غدا و نام حتي طلع عليه الفجر صح صومه، بل يصح صومه حتي لو استمر نومه من قبل الفجر إلي ما بعد الغروب.

نعم الأحوط وجوبا عدم صحة الصوم بعروض السكر و الإغماء في أثناء النهار.

(مسألة 3): لا يجب قصد الوجوب و لا الاستحباب، و لا الأداء و لا القضاء و لا غير ذلك بل يكفي قصد الصوم عن أمره. نعم مع تعدد الأمر لا بد من تعيين الصوم المنوي و لو إجمالا، كما لو نوي الصوم الذي انشغلت ذمته به أوّلا صح صومه.

(مسألة 4): من يصوم عن غيره باستئجار أو تبرّع ينوي امتثال الأمر المتوجه لمن يصوم عنه و تفريغ ذمته.

(مسألة 5): لا يجب العلم بالمفطّرات بخصوصياتها، بل يكفي نيّة ترك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 325

المفطرات علي إجمالها.

(مسألة 6): لا يقع في شهر رمضان صوم غيره و ان لم يكن مكلّفا بصيام شهر رمضان كالمسافر، و ان نوي صيام غيره متعمّدا بطل. نعم مع الجهل بدخول شهر رمضان أو نسيانه فإذا نوي صوم شعبان إما مندوبا أو منذورا صح و وقع عن شهر رمضان إن صادفه. و أما لو نوي نذرا آخر أو نوي القضاء أو الكفارة ففي صحة صومه

و وقوعه عما نوي أو عن رمضان إشكال. نعم لو رجع ذلك إلي نية صوم ذلك اليوم علي ما هو عليه إن صادف رمضان فمنه، و إلا فمن غيره، صح و وقع عن رمضان. و كذا لو ظهر له قبل الزوال أنه من رمضان فجدّد النية و نوي صومه من رمضان.

(مسألة 7): وقت النية في صيام شهر رمضان عند طلوع الفجر الصادق علي الأحوط وجوبا بحيث يدخل عليه الفجر و هو ناو للصوم، و كذا الحال في جميع أنواع الصوم الواجب المعيّن كما لو نذر صوم أول خميس في الشهر.

(مسألة 8): يمتد وقت النية إلي الزوال في صوم الواجب المعيّن- كقضاء شهر رمضان و الكفارة- و ان تضيق وقته فإذا أصبح ناويا للإفطار ثم بدا له قبل الزوال أن يصوم قضاء- مثلا- فنوي صيامه أجزأه. أمّا لو أخّر النية إلي ما بعد الزوال فالأحوط وجوبا عدم الاجتزاء به. أما الصوم المندوب فيمتد وقت النية فيه إلي أن يبقي من النهار ما يمكن فيه تجديد النية.

(مسألة 9): الجاهل بدخول شهر رمضان و الناسي له إذا لم يستعملا المفطّر يجزئهما تجديد النية قبل الزوال، و كذا الجاهل بوجوب صيامه و الناسي، و كذا الحال في كل صوم واجب معيّن.

(مسألة 10): يوم الشك- المردد بين آخر شعبان و أول شهر رمضان- إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 326

صامه المكلف بنيّة صوم شعبان ندبا أو نذرا صح صومه، و إن تبيّن أنّه من شهر رمضان أجزأه عنه، و إذا تبيّن ذلك قبل الزوال أو بعده عدل بنيّته إليه، و كذا إذا صامه بنيّة الأمر الواقعي المتوجه إليه إما الأمر بصوم شعبان أو الأمر بصوم شهر رمضان، فإنّه يصح

و يجزئ عن شهر رمضان لو صادفه.

و لو صامه علي أنه من شهر رمضان فإنّه يبطل، و لا يجزيه عن صوم شهر رمضان حتي لو صادفه، أما لو صامه بنيّة القضاء أو الكفارة فإن لم يكن من شهر رمضان صح، و إن تبيّن أنه من شهر رمضان قبل الزوال جدّد النية بصوم شهر رمضان و صح، و إن تبيّن بعد ذلك ففي صحته إشكال علي ما تقدم في المسألة (السادسة).

(مسألة 11): يجب البقاء علي نية الصوم في تمام النهار في صوم شهر رمضان و غيره من الواجب المعيّن، فإذا عدل عن الصوم أو تردد فيه في أثناء النهار لم يجتزئ به مطلقا علي الأحوط وجوبا. و كذا إذا نوي انه سوف يفطر.

و أما في الواجب غير المعيّن فيصح الصوم مع تجديد النية قبل الزوال، و لا يصحّ بعده علي الأحوط وجوبا. و أما في المندوب فيصح مع تجديد النية و لو في آخر النهار.

(مسألة 12): إذا تردد في البقاء علي الصوم للشك في صحة الصوم منه، صح في جميع الصور المتقدمة إذا كان عازما علي البقاء علي الصوم لو كان صحيحا، أما إذا كان الشك في صحة صومه سببا في عدوله عن الصوم جري فيه ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 13): لا يصح العدول من صوم إلي صوم إذا فات وقت نية الصوم المعدول إليه بل مطلقا علي الأحوط وجوبا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 327

الفصل الثاني في المفطرات

و هي أمور:

الأول و الثاني: الأكل و الشرب، و لا بدّ فيهما من صدق الأكل و الشرب عرفا من دون فرق بين القليل و الكثير، و بين ما يتعارف أكله و شربه و غيره. و أما مع عدم

صدق الأكل و الشرب فيهما عرفا، كابتلاع الحصي و الخرز و الدراهم و نحوها، مما يعد الجوف ظرفا له لا غير، فلا إفطار به.

الثالث: الجماع، و يكفي فيه إدخال مقدار الحشفة في قبل المرأة و لو من دون إنزال، و هو الأحوط وجوبا في إدخاله في الدبر من المرأة و غيرها. و لا فرق في مفطرية الجماع بين الفاعل و المفعول به.

الرابع: الكذب علي اللّٰه تعالي أو علي نبينا محمد (صلّي اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو علي الأئمة من آله عليهم السّلام، سواء كان في أمر ديني أم دنيوي. نعم يختص بما إذا تضمن تحميل شي ء عليهم لاقتضائه نحوا من النقص عليهم، و لو بتركهم للمستحب، أو تضمّن تعهدهم بمضمون خبري أو إنشائي، دون ما لا يتضمن شيئا من ذلك، كالإخبار عن أحدهم عليهم السّلام أنه ولد نهارا، أو في ليلة ممطرة، أو في يوم الأربعاء مثلا.

(مسألة 14): إذا أخبر معتقدا الصدق، و تحقّق ما أخبر به لم يبطل صومه و إن كان في الواقع مخطئا. أما إذا أخبر بشي ء و هو يعتقد الكذب و عدم تحقّق ما أخبر به فيبطل صومه و إن كان في الواقع صادقا. و كذا إذا أخبر بما يشكّ في ثبوته ملتفتا للشك علي الأحوط وجوبا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 328

الخامس: تعمّد البقاء علي الجنابة حتي يطلع الفجر في صوم شهر رمضان و في قضائه، بل في كل صوم واجب. أما الصوم المندوب فلا يبطل بذلك.

(مسألة 15): إذا طلع عليه الفجر و هو جنب من دون أن يتعمّد البقاء علي الجنابة لم يبطل صومه، و لا فرق في ذلك بين صوم شهر رمضان، و غيره من

الصوم الواجب و المندوب. نعم لا يصح منه قضاء شهر رمضان و إن تضيّق وقته.

(مسألة 16): لا يبطل الصوم بالاحتلام في أثناء النهار من دون فرق بين الصوم الواجب و المندوب.

(مسألة 17): لا يبطل الصوم بمسّ الميت عمدا، و إن كان قبل الفجر، و إن لم يغتسل.

(مسألة 18): من علم من نفسه أنه لا يقدر علي الغسل قبل الفجر إذا تعمّد الجنابة في الليل ملتفتا لذلك كان من تعمّد البقاء علي الجنابة، فيبطل صومه و يجب عليه القضاء و الكفارة، و لو تمكّن من التيمم فالأحوط استحبابا أن يبادر له قبل الفجر من دون أن يسقط عنه القضاء و الكفارة.

(مسألة 19): إذا نسي المجنب غسل الجنابة بطل صومه من دون فرق بين صيام شهر رمضان و غيره من الصيام الواجب. نعم لا تجب بذلك الكفارة، و كذا الحال في الحائض و النفساء إذا نسيتا الغسل علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 20): إذا كان المجنب لا يتمكن من الغسل لمرض و نحوه فالأحوط استحبابا له المبادرة للتيمم قبل الفجر مع القدرة عليه، و إن كان الظاهر صحة صومه بدونه.

(مسألة 21): إذا ظن سعة الوقت فأجنب فبان ضيقه بنحو لا يسعه الغسل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 329

قبل الفجر فلا شي ء عليه، و صح صومه. أما إذا تبيّن أن الجنابة بعد الفجر جري عليه حكم من استعمل المفطّر بعد الفجر للظن بعدم طلوعه الذي يأتي حكمه في الفصل الرابع.

(مسألة 22): إذا تساهلت الحائض و النفساء في الغسل حتي طلع الفجر بطل صومهما و عليهما القضاء. أما إذا تعمدتا عدم الغسل فالأحوط وجوبا لهما القضاء و الكفارة. نعم إذا حصل لهما النقاء في وقت لا يسع الغسل فالظاهر صحة

صومهما، و كذا الحال إذا لم تعلما بالنقاء حتي طلع الفجر. و إن كان الأحوط استحبابا لهما في الصورة الاولي المبادرة للتيمم إن أمكن.

(مسألة 23): لا يشترط في صحة صوم ذات الاستحاضة الكثيرة الغسل، و إن كان الأحوط استحبابا لها المحافظة علي غسل ليلة الصوم و غسلي يومه.

(مسألة 24): إذا علم بالجنابة ليلا في شهر رمضان و نام حتي طلع الفجر، فإن نام ناويا ترك الغسل كان من تعمّد البقاء علي الجنابة، فيبطل صومه و عليه كفارة الإفطار. و إن نام عازما علي الاستيقاظ و الغسل فغلبه النوم حتي طلع الفجر لم يبطل صومه. و إن استيقظ قبل الفجر و عاد إلي النوم ثانيا فغلبه النوم حتي طلع الفجر بطل صومه، و عليه القضاء دون الكفارة، و هكذا الحال مهما تكرر الاستيقاظ و النوم قبل الفجر ما دام لم يعدل عن العزم علي الغسل.

(مسألة 25): إذا علم بالجنابة ثم نام غافلا عن كونه مجنبا فغلبه النوم حتي طلع الفجر صح صومه، و لا فرق في ذلك بين النوم الأول و الثاني و غيرهما.

(مسألة 26): إذا اعتقد إنه إن نام لم يستيقظ إلا بعد الفجر، فنام حتي طلع الفجر كان من تعمّد البقاء علي الجنابة، فيجب عليه القضاء و الكفارة. و انما لا تجب الكفارة أو القضاء إذا احتمل الاستيقاظ و كان عازما علي الغسل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 330

(مسألة 27): لا تعدّ النومة التي يحتلم فيها من النوم الأول، بل النوم الأول: هو النومة الأولي بعد الاستيقاظ من الاحتلام.

(مسألة 28): الحائض و النفساء لا يلحقان بالجنب بالحكم السابق، بل إذا صدق علي نومهما التواني و التفريط بالغسل بطل صومهما، حتي في النوم الأول.

و

إن لم يصدق التواني و التفريط بنومهما لم يبطل صومهما، و إن تكرر النوم منهما. هذا كله مع العزم منهما علي الغسل. أما مع عدمه فالأحوط وجوبا لهما الكفارة أيضا.

السادس: خروج المني مع قصد الاستمتاع بفعل ما يثير الشهوة، إذا احتمل خروجه به فإنّه يوجب القضاء و الكفارة. و أما إذا كان واثقا من نفسه و آمنا من خروج المني بالفعل المذكور فسبقه المني بطل صومه، و عليه القضاء دون الكفارة.

(مسألة 29): لا يبطل الصوم بخروج المني بفعل ما لم يقصد به الاستمتاع و إثارة الشهوة، كما لو كلّم الرجل امرأته فسبقه المني.

السابع: الاحتقان بالمائع، فإنّه يبطل الصوم. بخلاف الاحتقان بالجامد، فإنّه ليس مفطرا. و أما المواد الدهنية الجامدة، بسبب البرد- كالتحاميل الطبية- فالأحوط وجوبا اجتنابها.

(مسألة 30): لا يضر بالصوم كل ما لا يصل إلي الحلق مما لا يسمّي أكلا و لا شربا، كما إذا صبّ دواء في جرحه، أو عينيه، أو أذنه، أو إحليله، و إن وصل إلي الجوف.

(مسألة 31): ما يتعارف في هذا الزمان من إيصال الغذاء إلي الجوف عن طريق الأنف و الحلق لبعض المرضي، فإنّه مبطل للصوم بل يعد من الأكل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 331

و الشرب. و أما إيصاله إلي الجوف من طريق آخر غير الحلق فالأحوط وجوبا اجتنابه، إذا كان يصل إلي المعدة، و أما إذا لم يصل إليها فلا يضر بالصوم.

(مسألة 32): لا بأس بزرق الدواء و المغذّي في الوريد أو العضلة، و لا يضر بالصوم، و إن كان الأحوط استحبابا في المغذي الترك.

(مسألة 33): يجوز للصائم ابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط، و إن وصل إلي فضاء الفم، كما يجوز ابتلاع ما ينزل من

الرأس و إن وصل إلي فضاء الفم. و يجوز أيضا ابتلاع الريق المجتمع في الفم و إن كثر و كان اجتماعه باختيار الصائم.

الثامن: تعمّد القي ء و إن كان مضطرا إليه لمرض و نحوه، فإذا تعمّد القي ء ليستريح من اضطراب في معدته، أو ألم في رأسه، بطل صومه. و أما إذا غلبه القي ء من دون أن يتعمد فلا يبطل صومه.

(مسألة 34): لا يبطل الصوم بما يخرج بالتجشّؤ، و إن وصل إلي فضاء الفم، كما لا يبطل بابتلاعه بعد خروجه و إن كان الأحوط استحبابا تركه.

(مسألة 35): الأحوط استحبابا عدم الارتماس بالماء، و عدم ابتلاع الغبار الغليظ، و إن كان الأظهر عدم مفطريّتهما، الا أن يكون بحيث يصدق عليه الأكل للغبار عرفا لكثرته و كثافته فيكون مفطرا.

(مسألة 36): لا يبطل الصوم باستنشاق الهواء الممتزج بالدخان. نعم الأحوط وجوبا عدم التدخين بالنحو المتعارف في هذه العصور و إجراء حكم المفطر عليه.

(مسألة 37): ليس من المفطرات مضغ الطعام للصبي و ذوق المرق و نحوهما مما لا يتعدي عن الحلق و لا يصل إلي الجوف، أو وصل إلي الجوف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 332

من غير قصد، أو لنسيان الصوم. أما مع التعمّد فإنّه مفطر و إن كان قليلا جدا.

(مسألة 38): لا بأس بمضغ العلك، إلا أن تتفتت أجزاؤه، و يبتلعها، أو يكون حاويا علي ما يتحلّل بالريق- كالسكر- و ينزل للجوف معه، فإنّه يفطّر حينئذ.

(مسألة 39): لا بأس بمصّ لسان الزوج و الزوجة، و إن كان عليه رطوبة بالنحو المتعارف، نعم إذا تجمّع علي اللسان ريق كثير بحيث يصدق عرفا أن الآخر قد ابتلعه بطل صومه.

(مسألة 40): يكره للصائم ملامسة النساء و تقبيلهن و ملاعبتهن إذا لم يقصد

الإنزال و لا كان من عادته. و إن كان قاصدا الإنزال بطل صومه و إن لم ينزل، لنيّة المفطر، و ان أنزل فعليه الكفارة و ان لم يكن من عادته، علي تفصيل تقدم في المفطّر السادس.

و يكره للصائم الاكتحال بما يصل طعمه أو رائحته إلي الحلق كالصبر و المسك، و إخراج الدم المضعف، و الدخول للحمّام إذا خشي الضعف، و شم كل نبت طيب الريح، و بلّ الثوب علي الجسد، و جلوس المرأة في الماء، و الحقنة بالجامد، و قلع الضرس بل مطلق إدماء الفم، و السواك بالعود الرطب، و المضمضة عبثا، و إنشاد الشعر، إلا في مراثي الأئمة عليهم اللام و مدائحهم. و في الخبر (إذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب و غضوا أبصاركم و لا تنازعوا و لا تحاسدوا و لا تغتابوا و لا تماروا و لا تباشروا و لا تخالفوا و لا تغضبوا و لا تسابّوا و لا تشاتموا و لا تنابزوا و لا تجادلوا و لا تباذوا و لا تظلموا و لا تسافهوا و لا تزاجروا و لا تغفلوا عن ذكر اللّٰه تعالي. الحديث).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 333

الفصل الثالث في أحكام الإفطار

(مسألة 41): المفطرات المتقدمة إنما تبطل الصوم إذا صدرت من الصائم عن عمد و علم بأن ما يستعمله مفطر، فإذا كان لا يعلم بأن ما يستعمله مفطر، فاستعمله و هو يري أنه حلال لم يبطل صومه، و كذا إذا دخل في جوفه قهرا بدون اختيار، أو غفل عن الصوم فاستعمل المفطّر، فإنّ الصوم لا يبطل في جميع ذلك. نعم يبطل مع الإكراه إذا لم يبلغ حدّا يخرج به عن الاختيار، كما إذا هدّده شخص فخاف منه فأفطر، نعم يجب عليه

القضاء دون الكفارة.

(مسألة 42): الإفطار تقيّة من المخالفين إن ابتني علي موافقتهم في جواز الإفطار وجب به القضاء دون الكفارة، كما لو أفطر بثبوت العيد عندهم تقية. و إن ابتني علي موافقتهم في كيفية الصوم مع وجوبه، فلا يبطل به الصوم و لا يجب به القضاء، كما لو استعمل بعض المفطرات عندنا لأنّهم يرونها غير مفطرة، أو أفطر في النهار لأنهم يرون دخول الليل.

(مسألة 43): إذا غلب علي الصائم العطش و خاف علي نفسه من الصبر عليه جاز أن يشرب بمقدار ما يرفع به ضرورته، و لا يرتوي، و لا يفسد بذلك صومه، فإن زاد عليه عامدا بطل صومه و وجبت عليه الكفارة، أما إذا لم يخش من العطش بل كان حرجيا يصعب تحمله، ففي صحة صومه مع شرب الماء إشكال، و الأحوط وجوبا إتمام الصوم ثم القضاء.

(مسألة 44): يجب علي من بطل صومه في شهر رمضان الإمساك عن المفطّرات في بقية النهار مراعاة لحرمة شهر رمضان، فإذا تعمّد الإفطار و ترك الإمساك أثم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 334

الفصل الرابع في الكفارة

تجب الكفارة بتعمّد الإفطار في شهر رمضان إذا كان الإفطار بالأكل و الشرب، و الجماع، و فعل ما يوجب خروج المني، و تعمد البقاء علي الجنابة، بل و كذا تعمّد البقاء علي حدث الحيض و النفاس، و تعمد التدخين علي الأحوط وجوبا، و إيصال الغبار الغليظ إلي الجوف- لو قلنا بكونه مفطرا- و لا تجب بباقي المفطرات و هي: الكذب علي اللّه و رسوله و الأئمة عليهم السّلام، و الاحتقان بالمائع، و تعمد القي ء، و الارتماس بالماء لو قلنا بكونه مفطرا. و أما تعمّد الإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال فتجب فيه كفارته،

إذا كان الإفطار بالجماع، بل هو الأحوط وجوبا في جميع المفطرات التي تجب بها كفارة إفطار شهر رمضان. و أما تعمّد إفطار الصوم المنذور المضيّق، فتجب به كفارة اليمين مطلقا من دون فرق بين المفطرات، بل تجب حتي مع الإخلال بنيّة الصوم من دون استعمال المفطر.

(مسألة 45): إنما تجب الكفارة إذا كان الإفطار عن علم بحرمة الإفطار أو تردّد فيه، و أما إذا كان معتقدا لجوازه و لو تقصيرا فأفطر ثم تبيّن له حرمة الإفطار، لم تجب عليه الكفارة، نعم لا يفرق في وجوب الكفارة بين العلم حين استعمال المفطر بوجوبها و الجهل به.

(مسألة 46): كفارة إفطار يوم من شهر رمضان مخيّرة بين عتق رقبة مؤمنة، و صوم شهرين متتابعين، و إطعام ستين مسكينا، بإعطاء كل مسكين مدّا من طعام أو إشباعه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 335

(مسألة 47): كفارة إفطار قضاء شهر رمضان بعد الزوال إطعام عشرة مساكين لكل منهم مدّ، فإنّ عجز عن ذلك صام ثلاثة أيام متتابعة.

(مسألة 48): كفارة إفطار الصوم المنذور المعيّن كفارة الحنث بالنذر، و هي عتق رقبة مؤمنة أو إطعام عشرة مساكين، فإنّ عجز عن ذلك صام ثلاثة أيام متتابعة.

(مسألة 49): المدّ يساوي ثمانمائة و سبعين غراما تقريبا، و إذا دفع تسعمائة غرام كان احتياطا وافيا.

(مسألة 50): يجب علي من أفسد صومه في نهار شهر رمضان الإمساك عن المفطرات في بقية النهار، و إذا استعمل المفطر متعمّدا عصي و أثم، لكنه لا تجب عليه الكفارة لذلك، إلا في الجماع فإنّه إذا كرّره في نهار شهر رمضان فالأحوط وجوبا الكفارة لكل مرة.

(مسألة 51): إذا عجز عن خصال الكفارة الثلاث، فالأحوط وجوبا أن يجمع بين الصدقة بما يطيق، و الاستغفار،

فإنّ عجز عن الصدقة تعيّن الاستغفار، و إذا تصدق أو استغفر ثم قدر علي الكفارة لم يجب دفعها، إلا إذا كانت فترة العجز قصيرة غير معتدّ بها عرفا، و إن كان الأحوط استحبابا التكفير بعد التمكن مطلقا.

(مسألة 52): يجب في الإفطار علي الحرام كفارة الجمع بين الخصال الثلاث المتقدمة، فمن أفطر علي شرب الخمر في نهار شهر رمضان مثلا وجب عليه عتق رقبة و صوم شهرين متتابعين و إطعام ستين مسكينا.

(مسألة 53): إذا أكره زوجته علي الجماع في صوم شهر رمضان كان عليه كفارتان و تعزيران- خمسون سوطا- فيتحمل كفارتها و التعزير عنها، و لا فرق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 336

في ذلك بين الزوجة الدائمة و المنقطعة، بل الأحوط وجوبا عموم الحكم للأمة.

(مسألة 54): إذا كان الزوج مفطرا لعذر فأكره زوجته الصائمة علي الجماع لم يتحمل عنها الكفارة و إن كان آثما بذلك.

(مسألة 55): إذا أفطر عمدا ثم سافر قبل الزوال لم تسقط عنه الكفارة.

(مسألة 56): إذا علم من نفسه أنه قد أفسد صومه و تردد بين ما يجب فيه القضاء و الكفارة، و ما يجب فيه القضاء فقط لم تجب عليه الكفارة.

(مسألة 57): إذا علم أنه أفطر أياما و جهل عددها اقتصر في الكفارة علي القدر المعلوم، فإذا تردّد بين عشرة أيام أو عشرين يوما اقتصر علي العشرة فقط.

و إذا علم أنه أفطر عمدا و تردد بين أن يكون قد أفطر بالمحلّل فتجب عليه إحدي الخصال، و بين أن يكون قد أفطر بالمحرّم فيجب عليه الجمع بين الخصال، جاز له الاكتفاء بإحدي الخصال.

(مسألة 58): إذا علم أنه أفطر في يوم صوم، و تردّد صومه بين أن يكون من شهر رمضان، أو من

قضاء شهر رمضان، فإن كان قد أفطر قبل الزوال لم يجب عليه شي ء، و إن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستين مسكينا بنيّة ما في الذمة.

(مسألة 59): يجوز التبرع بالكفارة عن الميت، و لا فرق بين أن يكون التكفير بالصوم و أن يكون بغيره. أما الحي فيجوز التبرع عنه، بالكفارة إذا كان التكفير بغير الصوم و لا يجوز التبرع عنه إذا كان التكفير بالصوم.

(مسألة 60): تجب المبادرة إلي أداء الكفارة فإنّها بمنزلة التوبة عن المعصية.

(مسألة 61): إطعام الفقير في الكفارة يكون بأمرين، الأول: إشباعه و لا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 337

يعتبر فيه مقدار معيّن. الثاني: بإعطائه مدّا، و يكفي فيه جميع أنواع الطعام من دون فرق بين التمر، و الحنطة، و الدقيق، و الرز، و الماش، و غيرها. نعم الأحوط وجوبا في كفارة اليمين الاقتصار علي الحنطة و دقيقها و خبزها، إذا كان التكفير بالإعطاء، و أما إذا كان بالإشباع فيكفي جميع أنواع الطعام.

(مسألة 62): يجب في كفارة الإفطار إطعام ستين مسكينا، و كذا في سائر الكفارات فإنّه لا بد من مراعاة العدد، و لا يجزي إشباع مسكين واحد مرتين أو أكثر، و لا تسليمه مدّين أو أكثر عن كفارة واحدة. نعم إذا تعذّر إكمال العدد أجزأ التكرار علي فقير واحد، لكن مع التفريق علي أيام متعددة.

(مسألة 63): إذا تعددت الكفارة في ذمة المكلف جاز تكرارها علي الفقير الواحد بعددها، فإذا كان عليه كفارة إفطار عشرة أيام مثلا أجزأه إعطاء ستين مسكينا لكل مسكين عشرة أمداد.

(مسألة 64): إذا كان للفقير عيال جاز إعطاؤهم و عدّ كلّ منهم من الستين و إذا كان وكيلا عنهم، أو وليّا عليهم جاز تسليمه بعددهم، لكن

الطعام يكون ملكا لهم بعد قبضه فلا يجوز التصرف إلا بإذنهم إذا كانوا كبارا، و أما الصغار فيجب صرف حصصهم في مصالحهم.

(مسألة 65): إذا بذل الزوج لزوجته نفقتها لم يجز أخذها من الكفارة، سواء كان الزوج غنيا أم فقيرا، و كذا الحكم إذا لم يبذل لها نفقتها و لكنها كانت قادرة علي أخذها منه من دون محذور شرعي أو عرفي أو حرج، إلا أن تحتاج إلي نفقة غير لازمة علي الزوج فيجوز أخذها من الكفارة، كما يجوز لها ذلك إذا تعذر عليها أخذ نفقتها منه، أو لزم منه محذور أو حرج.

(مسألة 66): إذا ملك الفقير الطعام برئت ذمة المكفّر، و لا تتوقف براءة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 338

ذمته علي أكله للطعام، و علي ذلك يجوز للفقير بعد أن تملك الطعام أن يبيعه علي المكفّر و غيره.

(مسألة 67): إذا كان التكفير بالإعطاء و التمليك أجزأ إعطاء المدّ من الطعام للصغير، أما إذا كان التكفير بالإشباع فلا بد من أن يزيد الصغير بقدر فرق ما بين أكله و أكل الكبير، فإن لم يتيسر ضبط ذلك قام صغيران مقام كبير واحد. و لا بدّ من مراجعة ولي الصغير في الحالين.

(مسألة 68): يجب القضاء دون الكفارة في موارد:

الأول: ما مرّ من النوم الثاني و ما بعده للجنب حتي يطلع الفجر.

الثاني: إذا أفسد صومه بالإخلال بالنية من دون استعمال المفطّر أو بالكذب علي اللّه تعالي و النبي و الأئمة عليهم السّلام، أو بالاحتقان بالمائع، أو تعمّد القي ء.

الثالث: إذا نسي غسل الجنابة يوما أو أياما.

الرابع: من استعمل المفطّر في شهر رمضان من دون مراعاة و فحص عن الفجر ثم تبيّن له أنه كان بعد طلوع الفجر، سواء اعتقد عدم

طلوعه أو شك في ذلك. أما إذا كان استعماله للمفطر بعد المراعاة بأن نظر بنفسه إلي الفجر فلم يره، فإنّه لا قضاء عليه و لا كفارة، هذا في شهر رمضان، أما في غيره من الصوم الواجب و المندوب، فيبطل الصوم مطلقا إذا تبيّن وقوع المفطر بعد الفجر، من دون فرق بين صورة المراعاة و غيرها. و يستثني من ذلك كلّه استعمال المفطر في أوائل طلوع الفجر بالمقدار اللازم عند الاستمرار بالأكل حتي يؤذّن المؤذن العارف بالفجر، فإنّه لا يضر بالصوم مطلقا.

(مسألة 69): إذا تعذرت المراعاة لحبس أو نحوه، أو علم بعدم رؤية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 339

الفجر مع المراعاة، لحجب الأفق بالسحب، أو لغلبة نور القمر أو الكهرباء، أو نحو ذلك فالظاهر عدم وجوب القضاء لو صادف طلوع الفجر حين استعمال المفطر في شهر رمضان.

(مسألة 70): إذا شك في طلوع الفجر جاز له استعمال المفطر من دون مراعاة، و يبني مع ذلك علي صحة الصوم في شهر رمضان و غيره. لكن إذا تبيّن طلوع الفجر لم يعتدّ بالصوم و وجب عليه القضاء كما سبق.

(مسألة 71): إذا شك في دخول الليل أو ظن به من دون حجة علي دخوله- مع التفاته لاحتمال عدم دخوله- لم يجز له الإفطار، و إذا أفطر كان آثما و عليه القضاء و الكفارة إلا إذا تبيّن أنّه كان بعد دخول الليل صح صومه و لا قضاء عليه. أما إذا اعتقد دخول الليل- و لو غفلة، لغيم أو غيره- أو قامت الحجة علي ذلك فأفطر، ثم تبيّن أنه لم يدخل بعد صح صومه و لا قضاء عليه و لا كفارة.

الخامس: إدخال الماء إلي الفم بمضمضة أو غيرها إذا سبق الماء

و دخل إلي جوفه فإنّه يجب عليه القضاء دون الكفارة، لكن إذا نسي الصوم فابتلعه فلا قضاء عليه، و هكذا إذا كانت المضمضة لوضوء الفريضة. و أما إذا كان الوضوء لنافلة فيجب القضاء، و لا فرق في ما تقدم بين صوم شهر رمضان و صوم غيره.

و أما إذا كان إدخال الماء لغرض معتد به غير الوضوء- كقطع الدم- فالأمر لا يخلو عن إشكال و الأحوط وجوبا القضاء.

السادس: سبق المني بملاعبة و نحوها مما يثير الشهوة إذا كان واثقا بعدم خروج المني بذلك، فإنّه يجب عليه القضاء دون الكفارة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 340

الفصل الخامس في شروط صحة الصوم

يشترط في صحة الصوم أمور:

الأول: الإسلام، بل الإيمان، فلا يصح الصوم من الكافر و الجاحد لولاية أهل البيت عليهم السّلام و إذا أسلم الكافر في أثناء النهار لم يصح صومه حتي في غير شهر رمضان، و كذا الحكم في الجاحد للولاية.

الثاني: العقل، فلا يصح الصوم من المجنون، و إذا ارتفع جنونه فجدد النية قبل الزوال فالأحوط وجوبا عدم صحة صومه، حتي في غير شهر رمضان.

الثالث: الخلوّ من الحيض و النفاس في تمام النهار، فلا يصح الصوم من المرأة إذا فاجأها الحيض أو النفاس في النهار، و هكذا إذا طهرت منهما في أثناء النهار.

(مسألة 72): الأحوط وجوبا عدم الاعتداد بالصوم مع طروء السكر أو الإغماء حتي مع نيّة الصوم قبلهما.

الرابع: عدم السفر إلي مسافة يجب فيها قصر الصلاة، و يستثني من ذلك موردان:

أحدهما: صوم ثلاثة أيام في الحج من العشرة أيام التي تجب علي المتمتع بالحج إذا لم يجد الهدي.

ثانيهما: صوم النذر المشروط إيقاعه في السفر، فإنّه يجب الوفاء به في السفر، و لو كان حين النذر حاضرا.

(مسألة 73): يجب علي

من أفاض من عرفات في الحج قبل الغروب أن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 341

يكفّر ببدنة- و هي البعير- فإن لم يجد صام ثمانية عشر يوما، و قيل: له إيقاعها في السفر، و لكنه لا يخلو عن إشكال، و الأحوط وجوبا عدم إيقاعه في السفر.

(مسألة 74): الأقوي عدم مشروعية الصوم المندوب في السفر، إلا صوم الأربعاء و الخميس و الجمعة في ضمن عمل خاص لقضاء الحاجة في المدينة المنورة.

(مسألة 75): إذا لم يعلم بحرمة الصوم في السفر فصام صح صومه. و إن علم في الأثناء بطل صومه. و لا يلحق الناسي بالجاهل، فإنّه لا يصح منه الصوم في السفر مطلقا.

(مسألة 76): يصح الصوم من المسافر إذا كان حكمه التمام في الصلاة كناوي الإقامة و المسافر سفر معصية و نحوهما.

(مسألة 77): عدم المرض الذي يضرّ به الصوم، فلا يصح الصوم من المريض الذي يضرّ به الصوم، سواء أ كان الضرر بشدة المرض أم طول فترة علاجه كل ذلك بالمقدار المعتدّ به عرفا، كما انه لا يصح الصوم من الصحيح إذا كان موجبا لحدوث مرض له. أما المريض الذي لا يضرّ الصوم بمرضه فيصح منه الصوم و يجب عليه.

(مسألة 78): الضعف المؤقت ليس مرضا و لا مسوّغا للإفطار و إن كان شديدا، إلا أن يكون تحمّله حرجيا فيجوز به الإفطار. نعم إذا لزم استحكام الضعف المعتدّ به بحيث لا يزول بمضي أيام الصوم أو يحتاج إلي علاج طويل فهو نوع من المرض المسوّغ للإفطار.

(مسألة 79): إذا لم يطق المكلف الصوم إلا بترك العمل اللازم لمعاشه، فإن أمكن تهيئة المعاش بدونه باستيهاب أو دين أو غيرهما من دون حرج لزم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 342

و

وجب الصوم و إلا جاز الإفطار. نعم إذا لم يستلزم من الصوم مع العمل إلا العطش الذي لا يتحمّل عادة وجب الصوم، و كان له شرب الماء بحيث يرفع ضرورته و لا يرتوي، و يصح صومه فلا يجب عليه القضاء.

(مسألة 80): إذا اعتقد المكلف أن الصوم لا يضر به فصام فتبين كونه مضرا صحّ صومه أما إذا صام مع اعتقاد الضرر أو خوفه فإن صادف تحقق الضرر بطل صومه، و إن صادف عدم تحققه و أمكنه قصد القربة- لعدم كون الضرر المحتمل بمرتبة يحرم الوقوع فيها أو للجهل بحرمة الصيام حينئذ- صح صومه.

(مسألة 81): قول الطبيب العارف غير المتهم حجة يصح الاعتماد عليه في إثبات الضرر و إن لم يحصل من قوله الخوف، إلا مع العلم أو الطمأنينة بخطئه، و أما إذا أخبر بعدم الضرر فمع عدم حصول الخوف بالضرر لا إشكال في وجوب الصوم. و أما مع حصول الخوف بالضرر فالظاهر جواز الإفطار، إلا أن يكون الخوف غير عقلائي فلا اعتبار به حينئذ.

(مسألة 82): إذا بري ء المريض من مرضه قبل الزوال، فإن لم يستعمل المفطر و لم يكن عاصيا بإمساكه فالأحوط وجوبا له تجديد النية ثم القضاء. نعم إذا انكشف بإمساكه أنّه لم يكن يضره الصوم في بعض النهار صح صومه و لم يحتج إلي القضاء.

(مسألة 83): يصح الصوم من الصبي كغيره من العبادات.

(مسألة 84): لا يصح الصوم المندوب ممن عليه قضاء شهر رمضان عن نفسه، أما إذا كان مستأجرا عن غيره في القضاء فلا بأس بأن يصوم ندبا، و كذا إذا كان عليه غير قضاء شهر رمضان من أقسام الصوم الواجب- كصوم الكفارة و النذر. و كذا يجوز لمن عليه قضاء شهر رمضان

أن يكون أجيرا عن غيره، في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 343

الصوم المندوب و الواجب، و له أداؤهما حينئذ، نعم يشكل أن يؤدي عن غيره- تبرعا و بلا إجارة- الصوم المندوب أو الواجب.

(مسألة 85): يشترط في وجوب صوم شهر رمضان البلوغ، و العقل، و الحضر، و عدم المرض، و الخلو من الحيض و النفاس. و يلحق بصوم شهر رمضان في ذلك قضاءه و الصوم المنذور. أما صوم الاستئجار فلا يشترط في وجوبه غير البلوغ و العقل، و علي هذا فإذا آجر نفسه لصوم شعبان مثلا لم يجز له السفر، و لا إيقاع نفسه في المرض، و لا إيقاع المرأة نفسها في الحيض و النفاس بالوجه الخارج عن المتعارف. و هذا بخلاف صوم شهر رمضان و ما الحق به.

(مسألة 86): إذا صام الصبي تطوّعا ثم بلغ في أثناء النهار لم يجب عليه الإتمام و إن كان هو الأحوط استحبابا.

(مسألة 87): إذا صار الزوال علي الصائم و هو مسافر فإن كان قد نوي السفر من الليل بطل صومه، و إن بدا له بعد الفجر السفر أو كان سفره بعد الزوال صح صومه و وجب عليه الإتمام.

(مسألة 88): إذا دخل المسافر بلده قبل الزوال و لم يكن قد استعمل المفطر وجب عليه تجديد نيّة الصوم و يصح منه، و كذا إذا نوي الإقامة قبل الزوال في سفره. و أما إذا دخل بلده أو نوي الإقامة في سفره بعد الزوال، أو كان قد استعمل المفطّر قبل الدخول لبلده أو قبل نيّة الإقامة فلا يصح منه الصوم، و إن كان الأحوط استحبابا له الإمساك إلي الغروب.

(مسألة 89): لا يجوز لمن عزم علي السفر أن يفطر في بلده، بل لا

يجوز له الإفطار إلا بعد الوصول لحدّ الترخص، و إذا أفطر قبل ذلك عالما بالحرمة وجبت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 344

عليه الكفارة.

(مسألة 90): المراد من كون السفر قبل الزوال أو بعده علي الخروج من البلد لا الخروج من حدّ الترخص. فمن نوي السفر من الليل إذا خرج من بلده قبل الزوال أفطر، و إن كان خروجه من حدّ الترخص بعد الزوال.

(مسألة 91): يجوز السفر في شهر رمضان، و لو للفرار من الصوم، و لكنه مكروه و ترتفع الكراهة في السفر لحج، أو عمرة، أو غزو في سبيل اللّه، أو في سبيل مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه، أو أخ يريد توديعه، أو كل حاجة لا بدّ منها. كما تخفّ الكراهة في السفر بعد مضي ثلاث و عشرين ليلة من شهر رمضان.

(مسألة 92): يجوز السفر لمن عليه قضاء شهر رمضان، أو صوم منذور، و إن تضيق وقتهما كما أن من كان مسافرا لا يجب عليه نيّة الإقامة أو العود إلي بلده من أجل تحقيق الصوم المذكور، نعم في بقية أقسام الصوم لا يجوز السفر إذا كان مفوتا للصوم، كما يجب علي المسافر نيّة الإقامة إذا توقف عليها تحقيق الصوم.

(مسألة 93): يجوز للمسافر في شهر رمضان الجماع، و التملّي من الطعام و الشراب في النهار علي كراهة في الجميع، بل الأحوط استحبابا ترك ذلك، و لا سيّما الجماع.

الفصل السادس الرخصة في الإفطار

وردت الرخصة في الإفطار لأشخاص:

الأول و الثاني: الشيخ و الشيخة إذا كان الصوم حرجا أو متعذرا عليهما،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 345

و عليهما الفدية عن كل يوم بمدّ، و لا قضاء عليهما. نعم يشرع لهما الصوم مع القدرة و عدم الضرر، بل هو أفضل.

(الثالث):

ذو العطاش، و يجري عليه حكم الشيخ و الشيخة، و المراد به من به داء العطش. أما من يعطش اتفاقا من دون مرض فلا يشرع له الإفطار، بل يشرب بقدر ضرورته و يبقي علي الصوم، كما تقدم في المسألة (43) من الفصل الثالث.

(الرابع): الحامل المقرب إذا كان الصوم مجهدا لها- بسبب طبيعة الحمل- من دون أن يضرّ بها أو بحملها، فإنّه يسوغ لها الإفطار و عليها الفدية عن كل يوم بمدّ مع القضاء، فإن فرّطت في القضاء في أثناء السنة وجبت عليها فدية أخري علي ما يأتي تفصيله في المسألة (110) في أحكام القضاء.

(مسألة 94): إذا أضر الصوم بالحامل أو بحملها وجب عليها الإفطار و القضاء في أثناء السنة، فإن لم تقض وجبت عليها الفدية، من غير فرق بين الحامل المقرب و غيرها.

(الخامس): المرضعة إذا أضر الصوم بلبنها بحيث يقلّ جدا، أو ينقطع و لا يعود بعد- كما هو الغالب- فيجوز لها الإفطار، و تجب عليها الفدية و القضاء، فإن لم تقض حتي جاء رمضان الآخر وجبت عليها فدية أخري علي ما يأتي في المسألة (110) من الفصل الثامن في أحكام القضاء.

(مسألة 95): إذا لم يضرّ الصوم بلبن المرضعة بالنحو المتقدم، لكن تعذّر عليها الجمع بين الرضاع و الصوم، إما لأنّه يضرّ بها، أو لأنه يضرّ بلبنها، مؤقتا فيضرّ برضيعها، فإن أمكن أن يستغني عنها رضيعها وجب عليها الصوم، و إلا عليها الفدية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 346

(مسألة 96): لا يجزئ الإشباع عن المدّ في الفدية في المقام و غيره، بل يختص الإشباع بالكفارة.

(مسألة 97): الفدية هي التصدق عن كل يوم بمد علي الفقير، و الأفضل مدّان، و أن يكونا من الحنطة.

الفصل السابع في ثبوت الهلال

يثبت

الهلال بأمور:

الأول: العلم الحاصل من الرؤية، أو التواتر، أو الشياع، أو مضي ثلاثين يوما من الشهر الماضي، فيثبت هلال شهر رمضان بمضي ثلاثين يوما من شهر شعبان، و يثبت هلال شوال بمضي ثلاثين يوما من شهر رمضان.

الثاني: شهادة العدلين برؤيتهما له، إذا لم يكن هناك ما يوجب الريب في صدقهما و يكون أمارة علي خطئهما.

الثالث: رؤيته قبل الزوال، فإنّه- لو حصل و لو نادرا- يبني علي أن الهلال لليلة الماضية و أن يوم رؤيته أول الشهر.

(مسألة 98): لا يشترط في ثبوت الهلال بشهادة العدلين أن يشهدا عند الحاكم الشرعي، بل كل من علم بشهادتهما يجوز له الاعتماد عليهما.

(مسألة 99): وجود الهلال في بلد يوجب دخول الشهر فيه و في جميع البلدان الغربية بالإضافة إليه. بل و كذا في البلاد الشرقية بالإضافة إليه، إذا كان البلد الذي ظهر فيه الهلال من بلدان العالم القديم- و هو القارات الثلاث آسيا، إفريقيا، أوربا- دون بلاد الإمريكيتين، فإن ظهور الهلال فيها لا يوجب ثبوت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 347

الشهر في البلاد الشرقية بالإضافة إليها.

(مسألة 100): لا يثبت الهلال بشهادة النساء، و لا بشهادة العدل الواحد و لو انضمّ إليها اليمين، و لا بقول المنجمين، و لا بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية كما إذا استندا إلي الحدس، كما لا يثبت بتطوّقه، و لا بغيبوبته بعد الشفق أنّه لليلة ثانية، و لا بغير ذلك.

الفصل الثامن في أحكام قضاء شهر رمضان

(مسألة 101): لا يجب قضاء ما فات من الصيام في زمن الصبا، أو في حال الجنون أو الإغماء، أو الكفر، و يجب قضاء ما فات من الصيام لحيض، أو نفاس، أو نوم، أو سكر، أو مرض أو غير ذلك.

(مسألة 102): المخالف إذا استبصر فإن

كان قد صام علي طبق مذهبه أو مذهب غيره مع تأتّي قصد القربة منه و لو تقصيرا، فلا يجب عليه إعادته، نعم إذا لم يصم في فترة مخالفته وجب عليه القضاء.

(مسألة 103): إذا شك في أنه هل صام يوما من شهر رمضان أو أكثر، أو لم يصم بني علي انّه قد صام. نعم إذا رجع شكه إلي احتمال كونه مسافرا أو مريضا، و كان مسبوقا بالسفر أو المرض فالأحوط وجوبا قضاء ما يشك في أدائه. و أمّا إذا لم يكن مسبوقا بالسفر أو المرض، فلا إشكال في أنه يبني علي أنه قد صام و لا يجب القضاء. و هكذا إذا علم أنّه قد فاته الصيام و شكّ في عدد الأيام الفائتة فإنّه يبني علي الأقل، إلا إذا رجع شكه إلي الشك في السفر أو المرض فيأتي التفصيل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 348

المتقدم.

(مسألة 104): لا يجوز تأخير قضاء شهر رمضان عن شهر رمضان اللاحق، و إذا أخّره مع القدرة عليه أثم و وجبت عليه الفدية و يبقي في ذمته، لكن يكون موسّعا إلي آخر العمر.

(مسألة 105): إذا كان عليه أيام من شهر رمضان معيّن لا يجب الترتيب بينها في القضاء، و لا التعيين، بل لو عيّن لم يتعين، و كذا إذا كان عليه أيام من أشهر متعددة.

(مسألة 106): إذا كان عليه قضاء شهر رمضان من سنته- التي تجب المبادرة إليها- و قضاء شهر رمضان من سنة سابقه- لا تجب المبادرة إليها- لم يقع عن خصوص أحدهما إلا بقصده و تعيين الصوم له. و مع عدم التعيين يصح الصوم، و تبرأ ذمته بالمقدار الذي أتي به، من دون أن يتعين لأحدهما، و حينئذ لا تفرغ

ذمته من كل من الشهرين- السابق و اللاحق- إلا بالإتيان بما يستوعبهما معا.

(مسألة 107): إذا وجبت المبادرة لأحد الصومين دون الآخر، فصام الذي لا تجب المبادرة إليه دون الآخر صح صومه و أثم بتأخيره لما تجب المبادرة له.

(مسألة 108): لا ترتيب بين صوم القضاء و غيره من أقسام الصوم الواجب كالكفارة و النذر، فله تقديم أيهما شاء.

(مسألة 109): إذا لم يصم المكلف لمرض، أو حيض، أو نفاس، و مات قبل أن يتمكن من القضاء لم يجب القضاء عنه.

(مسألة 110): من فاته شهر رمضان لعذر و استمر به العذر إلي شهر رمضان الثاني، فله صورتان:

الاولي: أن يستمرّ العذر الاضطراري كالمرض، و الحيض، و النفاس، و السفر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 349

الذي يضطر إليه، و حكمها سقوط القضاء و وجوب الفدية بدله، نعم يستحب القضاء بعد ذلك. و لا فرق في الحكم المذكور بين استمرار عذر واحد كالمرض، و تعاقب أعذار متعددة. إذ المدار علي تعذّر القضاء في أثناء السنة.

الثانية: أن يستمر أو يتخلل العذر الاختياري كالسفر الاختياري، و كالحامل المقرب و المرضعة القليلة اللبن إذا لم يضرّ بهما الصوم و لا بولدهما- حيث يجوز لهما الإفطار و لا يجب-، و حكمها بقاء وجوب الصوم في السنين اللاحقة علي الأحوط و وجوب الفدية.

(مسألة 111): من تمكن من القضاء في أثناء السنة و لم يقض تهاونا و لو بتخيّل استمرار القدرة عليه فعجز حتي دخل شهر رمضان الثاني، ثبت القضاء في ذمته، و وجبت عليه الفدية- بمدّ من طعام لكل يوم- لتركه المبادرة إلي القضاء في أثناء السنة. و لا فرق في ذلك بين أن يكون وجوب القضاء بسبب الإفطار عصيانا، أو لعذر من سفر و

غيره. و علي هذا فمن تعمّد الإفطار سنين متعددة وجب عليه القضاء و كفارة الإفطار و الفدية لتركه القضاء في أثناء السنة.

(مسألة 112): إذا أخر قضاء شهر رمضان واحد سنين متعددة لم يجب عليه إلا فدية واحدة للسنة الأولي.

(مسألة 113): يجوز في قضاء شهر رمضان الإفطار قبل الزوال مع سعة وقت القضاء، و لا يجوز بعد الزوال و قد تقدم أن فيه الكفارة.

(مسألة 114): يحرم الإفطار بعد الزوال في كل صوم وجب بعنوان كونه صوما، كصوم عشرة أيام بدل الهدي، و صوم الكفارة المرتّبة، لكن لا تجب فيه الكفارة، و إن كان يجوز الإفطار قبل الزوال، أما الصوم المنذور الموسع، و الإجارة، و نحوهما مما وجب بعنوان آخر غير الصوم فيجوز فيه الإفطار متي شاء. و كذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 350

الحال في صوم الكفارة المخيّرة و الصوم المندوب.

(مسألة 115): يجوز إعطاء فدية أيام متعددة من شهر واحد، و من شهور متعددة إلي فقير واحد.

(مسألة 116): تجب فدية شهر رمضان علي الشخص نفسه، و لا يتحمّلها عنه المعيل به، و لا من وجبت نفقته عليه، فلا يتحملها الزوج عن زوجته و لا الأب عن ولده.

(مسألة 117): لا تجزئ القيمة في الفدية، بل لا بدّ من إعطاء الطعام إلي الفقير، و كذا الحكم في الكفارات، نعم تفترق الكفارات في الاجتزاء فيها بالإشباع، و لا يجزئ ذلك في الفدية.

(مسألة 118): إذا انشغلت ذمة الرجل بصوم فمات قبل الإتيان به وجب علي وليه قضاؤه عنه، سواء فاته تسامحا أم لعذر يجب معه القضاء، نعم لا بدّ من كون الميت عازما قبل موته علي القضاء و إن لم يقض تسويفا. أما إذا كان متمرّدا غير عازم عليه

فالظاهر عدم وجوب القضاء عنه. و لا يجب القضاء عن المرأة.

(مسألة 119): إذا فاته ما لا يجب قضاؤه لم يجب علي وليّه القضاء.

(مسألة 120): المراد بالولي هو الوارث الذكر من دون فرق بين طبقات الميراث. و لا يجب القضاء علي الإناث، و قد تقدم في قضاء الصلاة بعض الفروع المتعلقة بذلك فإنهما من باب واحد.

(مسألة 121): القاضي عن غيره لا يلحقه حكم القضاء عن نفسه، فيجوز له الإفطار متي شاء و لا كفارة عليه.

(مسألة 122): يجب التتابع في صوم الشهرين من كفارة الجمع و كفارة التخيير، و يكفي في حصوله صوم الشهر الأول و يوم من الشهر الثاني من دون

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 351

فصل، ثم له بعد ذلك إتمام الشهر الثاني مع تخلل الإفطار، و يستثني من ذلك كفارة القتل في الحرم أو في الشهر الحرام، فإنّه يجب فيها صوم شهرين من الأشهر الحرم متتابعين تتابعا تامّا من دون فصل في الإفطار.

(مسألة 123): إذا شرع في الصوم الذي يجب فيه التتابع ثم اضطر للإفطار لعذر طارئ، لم يضرّ ذلك في التتابع، فإذا ارتفع العذر رجع إلي الصوم حتي يتمّ له العدد المعتبر من دون حاجة لإعادة ما أتي به قبل طروء العذر، و لا فرق في العذر بين ما لا يكون بفعله كالحيض، و ما يكون بفعله كالسفر المضطرّ إليه، نعم في غير الحيض لا بدّ من كون العذر مانعا من الصوم عرفا، لا مانعا من التتابع من دون أن يمنع من أصل الصوم، كما لو ابتلي بمرض لا يتمكن معه من الاستمرار في الصوم أكثر من عشرة أيام، أو كان قد نذر أن يصوم كل خميس أو نحوهما.

بل الظاهر تعذّر التكفير

بالصوم حينئذ.

(مسألة 124): إذا نذر صوم شهرين متتابعين لزم التتابع التام، إلا أن يكون قصد الناذر التتابع الشرعي فيجزي ما تقدم من التتابع في شهر و يوم ثم جواز التفريق اختيارا. نعم مع إطلاق النذر لا يضرّ بالتتابع الإفطار عن عذر فيمضي في صومه بعد ارتفاع العذر حتي يتم الشهرين، إلا أن ينص الناذر علي عدم الاجتزاء بذلك بحيث يرجع نذره إلي نذر استئناف الصوم بعد ارتفاع العذر.

(مسألة 125): إذا نذر صوم شهر متتابعا أجزأه أن يصوم خمسة عشر يوما متتابعا، ثم يفرّق الباقي إن شاء. و لا يضرّ بتتابع الخمسة عشر يوما الفصل بعذر غالب.

(مسألة 126): إذا وجب عليه صوم متتابع لا يجوز له أن يبدأ به في وقت يعلم بفصل التتابع بالعيد أو أيام التشريق لمن كان في مني، و كذا الحكم مع الشك في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 352

ذلك بل هو الأحوط وجوبا مع الغفلة عن ذلك، فإذا صام غفلة و اتفق تخلّل العيد لزمه الاستئناف علي الأحوط. و يستثني من ذلك صوم ثلاثة أيام بدل الهدي إذا شرع فيها يوم التروية و عرفة فإن الأحوط وجوبا أن يأتي باليوم الثالث بعد العيد، أو بعد أيام التشريق لمن كان بمني، أما إذا شرع يوم عرفة فيجب عليه الاستئناف بعد العيد و أيام التشريق.

(مسألة 127): إذا نذر أن يصوم شهرا أو أياما معدودة، فلا يجب فيها التتابع إلا إذا اشترط ذلك صريحا، أو كان النذر منصرفا إليه.

(مسألة 128): إذا نذر صوما متتابعا ففاته، فالظاهر عدم وجوب التتابع في قضائه، و إن كان هو الأحوط استحبابا، و أظهر من ذلك ما إذا لم يؤخذ التتابع قيدا في المنذور، بل كان لازما له

خارجا كما لو نذر صوم شهر معين كصوم شهر رجب فلا يجب التتابع في قضائه.

(مسألة 129): الصوم من المستحبات المؤكدة، و قد تقدم في أول الكتاب بيان فضله و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «من صام يوما تطوّعا ابتغاء ثواب اللّه وجبت له المغفرة». و له أفراد كثيرة عدا الأيام التي يأتي حرمة صومها. و المؤكدة منه صوم ثلاثة أيام من كل شهر، و الأفضل في كيفيتها صوم أول خميس من الشهر و آخر خميس منه و أول أربعاء من العشر وسط الشهر، و صوم يوم الغدير فإنّه يعدل مائة حجة و مائة عمرة مبرورات متقبلات، و صوم يوم المولد النبوي الشريف، و يوم مبعثه صلّي اللّه عليه و آله، و يوم دحو الأرض و هو الخامس و العشرون من ذي القعدة، و يوم عرفة لمن لا يضعفه الصوم عن الدعاء مع عدم الشك في الهلال، و يوم المباهلة و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة، و تمام شهر رجب، و تمام شعبان، و بعض كل منهما علي اختلاف الأيام في الفضل، و يوم النيروز، و أول يوم من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 353

محرّم، و ثالثه، و سابعه، و كل خميس و كل جمعة إذا لم يصادفا عيدا.

(مسألة 130): يكره الصوم في موارد:

1- صوم يوم عرفة لمن يخاف أن يضعفه عن الدعاء، أو كان الهلال مشكوكا بحيث يحتمل كونه عيدا.

2- صوم الضيف نافلة بدون إذن مضيّفه.

3- صوم الولد نافلة بدون إذن والده.

(مسألة 131): يحرم صوم العيدين و أيام التشريق لمن كان بمني، و لو بعض النهار علي الأحوط وجوبا. و يستثني من ذلك من وجب عليه صوم شهرين

متتابعين من أشهر الحرم، و هو من قتل في الأشهر الحرم، أو في الحرم، فإنّه يجب فيه التتابع التام و إن استلزم صوم الأيام المذكورة. و يحرم أيضا صوم يوم الشك علي أنه من شهر رمضان. و صوم نذر المعصية بأن ينذر الصوم شكرا علي فعل حرام، أو ترك واجب، أما إذا نذر الصوم ليكون تثبيطا له عن الحرام و زاجرا له عن المعصية فلا بأس به، و يحرم صوم الوصال، و هو صوم الليل و النهار، و لا بأس بتأخير الإفطار في الليلة إلي اليوم الثاني إذا لم يكن عن نيّة الصوم، و الأحوط استحبابا اجتنابه.

و الأحوط استحبابا للزوجة أن لا تصوم إلا بإذن الزوج إذا لم يناف حقه، و أما إذا نافي حقه فلا يجوز لها الصوم.

و نسأله تعالي التوفيق و السداد، إنه حسبنا و نعم الوكيل.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 354

خاتمة في الاعتكاف

اشارة

و هو التعبد للّه تعالي باللبث في المسجد و المكث فيه. و الأحوط استحبابا أن يكون بقصد عبادة أخري من صلاة أو قراءة أو ذكر أو دعاء.

و الكلام فيه يكون في ضمن فصول.

الفصل الأول في شروطه

يشترط في الاعتكاف- مضافا إلي الإيمان و العقل أمور:

الأول: النية. و هي القصد للمكث في المسجد و عدم الخروج منه إلا لحاجة، و أن يكون ذلك قربة للّه تعالي، كسائر العبادات علي النحو المعتبر فيها. و وقتها عند طلوع الفجر. و يشكل تقديمها في الليل إذا نوي أنه سيكون معتكفا عند طلوع الفجر، بل الأحوط وجوبا حينئذ تجديد النية. نعم إذا نوي الاعتكاف المشروع علي إجماله من أثناء الليل أو عند الفجر أجزأه ذلك و لا يضرّه الغفلة أو النوم حين طلوع الفجر.

(مسألة 132): لا يجوز العدول من اعتكاف لآخر اتفقا في الوجوب أو الندب أو اختلفا، سواء كانا معا عن نفسه أم عن غيره أم مختلفين.

الثاني: الصوم، فلا يصح بدونه، و يترتب علي ذلك أنه لا يصح في زمان أو حال لا يصح فيه الصوم، كيوم العيد و كما لو كان المعتكف مسافرا.

(مسألة 133): يكفي الصوم لغير الاعتكاف كصوم شهر رمضان و قضائه، و صوم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 355

النذر و الإجارة و غيرهما.

الثالث: العدد، فلا يشرع اعتكاف أقل من ثلاثة أيام و يجوز ما زاد علي ذلك حتي يبلغ خمسة فيجب اليوم السادس. قيل: و كلما زاد يومين وجب الثالث.

و هو لا يخلو عن إشكال، و إن كان الأحوط وجوبا العمل عليه.

(مسألة 134): لا بدّ من دخول الليلتين المتوسطتين دون المتطرّفتين، إلا أن ينوي ضمّهما.

الرابع: أن يكون في المسجد الجامع في البلد، و هو الذي يجتمع فيه عموم

أهل البلد، دون الذي يختص به أهل محلة خاصة أو منطقة خاصة كمسجد المحلة و السوق. و الأحوط وجوبا مع ذلك أن يكون مما صلّي فيه صلاة جماعة صحيحة و لو سابقا. و الأحوط استحبابا الاقتصار مع الإمكان علي المسجد الحرام و مسجد المدينة و مسجد الكوفة و مسجد البصرة.

(مسألة 135): لا بدّ من وحدة المسجد الذي يعتكف فيه، و لا يشرع الاعتكاف الواحد في أكثر من مسجد واحد.

(مسألة 136): لو تعذر إتمام الاعتكاف في المسجد الذي أوقعه فيه لم يجز إتمامه في غيره، بل يبطل. و تجب إعادته- في المسجد المذكور بعد ارتفاع المانع أو في مسجد آخر- إن كان واجبا موسعا بنذر و نحوه. أما لو لم يكن واجبا أو كان واجبا مضيّقا و قد خرج وقته فلا يجب تداركه.

(مسألة 137): إذا قصد الاعتكاف في مكان خاص من المسجد لغي قصده و لم يجب الالتزام به.

الخامس: إذن من يعتبر إذنه كالزوج في اعتكاف الزوجة إذا نافي حقه أو كان مستلزما للخروج من بيتها، كما إذا لم تكن سكناهما في المسجد، و الأبوين في اعتكاف الولد إذا كان عقوقا لهما و قطيعة عرفا و لو بأن يكونا في حاجة لقربه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 356

منهما و كان قادرا علي ذلك من دون محذور شرعي أو عرفي، و المولي في اعتكاف عبده إذا نافي حقه.

(مسألة 138): المشهور أن من شروط الاعتكاف استدامة اللبث في المسجد و عدم الخروج إلا لحاجة لا بدّ منها، فلو خرج لغير ذلك بطل اعتكافه. لكنه غير ظاهر. بل الظاهر أن حقيقة الاعتكاف هي فرض المكلف علي نفسه اللّبث بنحو الاستدامة، نظير فرض الإحرام عن المحرّمات المعهودة. فلو نوي

الاعتكاف بنحو يحقّ له الخروج لم ينعقد الاعتكاف، و كان ما نواه لاغيا. فإذا فرض علي نفسه الاعتكاف بنحو الاستدامة و انعقد اعتكافه حرم عليه الخروج ما دام معتكفا. لكنه لو خرج بلا مسوّغ من دون فسخ للاعتكاف كان خروجه محرّما من دون أن يبطل اعتكافه، فحرمة الخروج من أحكام الاعتكاف من دون أن يكون الخروج مبطلا له. نعم لو طالت المدة ففي صحة الاعتكاف إشكال.

و الأحوط وجوبا البقاء عليه برجاء الصحة، أو فسخه إذا بقي محل الفسخ. ثم القضاء إن كان واجبا، كالمنذور.

(مسألة 139): لا يبطل الاعتكاف بلبس المعتكف اللباس المغصوب أو الجلوس علي الفراش المغصوب. بل الظاهر عدم بطلان الاعتكاف بمزاحمة من سبق إلي مكان في المسجد، فإذا أزال المعتكف من سبق إلي المكان و جلس بدله لم يبطل اعتكافه.

الفصل الثاني في حكم الاعتكاف

الاعتكاف مندوب في نفسه. و قد يجب بالعارض من نذر أو شبهه. فإذا شرع فيه المكلف و كان واجبا معيّنا- كما لو نذر الاعتكاف في أيام خاصة- أو موسّعا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 357

تضيّق وقته- كما لو نذر الاعتكاف في شهر فاعتكف في آخره- وجب الاستمرار فيه و إكماله، و إن كان موسّعا لم يتضيق وقته أو كان مندوبا جاز قطعه قبل إكمال يومين منه، فإذا أكمل يومين وجب الثالث و لا يجوز فسخ الاعتكاف، إلا أن يشترط عند عقد نيّة الاعتكاف أنه له فسخه و الرجوع عنه متي شاء، فله الفسخ حينئذ حتي بعد إكمال اليومين.

(مسألة 140): الظاهر أن له اشتراط الرجوع و الفسخ متي شاء و إن لم يكن له عذر أو حاجة.

(مسألة 141): إذا شرط الرجوع لنفسه حين عقد نيّة الاعتكاف، ثم أسقط شرطه لم يسقط، و جاز

الرجوع.

(مسألة 142): يتأكد استحباب الاعتكاف في شهر رمضان، و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجتين و عمرتين» و أفضله العشر الأواخر منه، ففي الصحيح: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد و ضربت له قبة من شعر، و شمّر المئزر و طوي فراشه».

الفصل الثالث في أحكام المعتكف

يحرم علي المعتكف أمور:

الأول: الخروج من المسجد إلا أن يكون لضرورة شرعية أو عرفية. و إذا خرج لضرورة اقتصر علي أدائها ثم يرجع. و لا يصلي إلا في المسجد، إلا في مكة، فإنّه يجوز له أن يصلي في بيوتها إذا خرج. بل قد يدعي جواز الخروج له من مسجدها اختيارا، و إن كان الأحوط وجوبا تركه.

(مسألة 143): يجوز للمعتكف الخروج لعيادة المريض المؤمن، أو حضور

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 358

جنازة المؤمن، و يجب عليه المبادرة بالرجوع.

(مسألة 144): الأحوط وجوبا مع طول مدة الخروج البقاء عليه برجاء صحته أو فسخه إذا بقي محل الفسخ نظير ما سبق في المسألة السابعة من الفصل الأول.

الثاني: الجماع قبلا و دبرا ليلا و نهارا للرجل و المرأة، و الأحوط وجوبا إلحاق اللمس و التقبيل بشهوة به، و كذا الاستمناء بغير الجماع.

(مسألة 145): إذا جامع المعتكف وجب عليه كفارة إفطار شهر رمضان لإبطال الاعتكاف، و قد تجب عليه كفارة أخري لحنث النذر إذا كان الاعتكاف منذورا مضيّقا، و كفارة ثالثة لإبطال الصوم إذا كان الصوم مما يجب في إبطاله الكفارة.

الثالث: شم الطيب مع التلذذ، بل مطلقا علي الأحوط وجوبا. و كذا شم الريحان «1» مع التلذذ. و لا ضرر فيهما إذا كان فاقدا لحاسة الشم.

الرابع: البيع و الشراء،

بل مطلق التجارة المبنية علي الاسترباح علي الأحوط وجوبا كالإجارة و الصلح، دون مثل الهبة للغير و الاستيهاب منه و الدين و وفائه و غيرها.

(مسألة 146): لا بأس بالتوكيل في البيع و الشراء، إذا ابتني علي تولّي الوكيل للمعاملة بتمام شؤونها، أما التوكيل في خصوص إجراء العقد مع تحديد خصوصيات المعاملة من قبل المعتكف فالأحوط وجوبا تركه، إلا أن يكون التوكيل سابقا علي الاعتكاف.

(مسألة 147): إذا اضطر للبيع و الشراء أو لزم من تركهما الحرج و تعذر التوكيل جاز إيقاعهما.

الخامس: المماراة، و هي الجدال و المخاصمة في الكلام، فتحرم إذا كانت بقصد الغلبة و إظهار الفضيلة، بل مطلقا و إن كانت لإظهار الحق علي الأحوط

______________________________

(1) كل نبات طيب الرائحة. مجمع البحرين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 359

وجوبا.

(مسألة 148): يفسد الاعتكاف بما يفسد الصوم، و كذا بالجماع ليلا و بالخروج الطويل من المسجد علي الأحوط وجوبا، و الظاهر عدم بطلانه بغير ذلك من المحرمات المتقدمة.

(مسألة 149): إذا فسد الاعتكاف فإن كان واجبا موسّعا وجب تداركه. و هو الأحوط وجوبا لو كان واجبا مضيّقا. و إن كان مندوبا لم يجب تداركه لو كان فساده في اليومين الأوّلين، و الأحوط وجوبا تداركه إن كان فساده في اليوم الثالث. و الأحوط وجوبا الفور في القضاء.

(مسألة 150): إذا اعتكف في زمان لا يسع الاعتكاف لم يجب القضاء كما لو صادف العيد في ثالث أيام الاعتكاف. نعم إذا كان الاعتكاف واجبا موسّعا وجب التدارك، بل هو الأحوط وجوبا لو كان موسّعا فتضيّق وقته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 361

كتاب الزّكاة

اشارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 363

كتاب الزكاة و هي إحدي الدعائم التي بني عليها الإسلام، و إحدي الفرائض

العظام التي افترضها اللّه علي عباده رحمة لهم و في وصية أمير المؤمنين عليه السّلام: «اللّه في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم» و قد قرنها اللّه تعالي بالصلاة، ففي الحديث عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السّلام: «قال: إن اللّه قرن الزكاة بالصلاة فقال أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ فمن أقام الصلاة و لم يؤت الزكاة فكأنه لم يقم الصلاة»، و عن الإمام أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام: «قال: من منع قيراطا من الزكاة فليس هو بمؤمن و لا مسلم و لا كرامة» و عنه: «قال: من منع قيراطا من الزكاة فليمت إن شاء يهوديّا أو نصرانيّا» و قد فرضها اللّه علي عباده تطهيرا لهم و تزكية لأنفسهم، و تحصينا لأموالهم و نماء لأرزاقهم. و هي حق جعله اللّه للفقراء في أموال الأغنياء فإن منعوها غصبوهم حقهم، و عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال: «إن اللّه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما منع غني، و اللّه تعالي سائلهم عن ذلك». فطوبي لمن أداها طيبة نفسه رغبة في ما عند اللّه و طلبا للمزيد من فضله، و منه تعالي الخلف، فعن الإمام أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام: «ما أدّي أحد الزكاة فنقصت من ماله، و لا منعها أحد فزادت في ماله».

و منه تعالي نستمد التوفيق لنا و للمؤمنين، و هو أرحم الراحمين.

و يقع البحث في الزكاة في ضمن مقصدين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 364

المقصد الأول في زكاة المال

اشارة

و فيها مباحث

المبحث الأول في شروط وجوبها

و هي أمور:

الأول: البلوغ.

الثاني: العقل.

الثالث: الحريّة، فلا تجب علي من هو صبي أو مجنون أو عبد حال تعلّق الوجوب أو في أثناء الحول. نعم لا يمنع منها السكر و الإغماء و نحوهما مما يفقد معه العقل موقّتا من دون أن يصدق اختلاط العقل أو الإصابة فيه.

الرابع: الملك الفعلي علي النحو المتقدم. و لا يكفي الملكية الشأنية، كالمال الموصي به قبل وفاة الموصي.

(مسألة 1): تجب الزكاة في نماء الوقف بالشروط المقررة إذا كان الوقف بنحو يقتضي ملك الموقوف عليهم النماء. و إن كان مقتضاه وجوب تمليكهم النماء فلا تجب الزكاة في النماء بمجرد ظهوره، بل لا بدّ من تمامية الشروط فيه بعد تمليكهم له. و أما إذا كان مقتضاه صرف النماء عليهم من دون تملكهم له و لا تمليكهم إياه فلا تجب الزكاة فيه أصلا.

(مسألة 2): لا تجب الزكاة في الأعيان المشتركة إلا في حقّ من تبلغ حصته

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 365

النصاب و لا يكفي بلوغ مجموع المال المشترك النصاب في وجوب الزكاة فيه.

الخامس: القدرة علي التصرف، علي النحو المتقدم أيضا، و المراد بها القدرة الخارجية و الشرعية علي التصرفات الخارجية بالإتلاف و التصرف و نحوه مما تقتضيه القدرة علي المال، فلا تجب الزكاة في المال المسروق و المجحود و الضائع و المرهون و الذي ينذر التصدق به و غير ذلك.

(مسألة 3): إذا عرض العجز عن التصرف بعد تعلق الزكاة لم ترتفع و تكون مضمونة مع التقصير في تأخير الأداء قبل طروء العجز و مع عدم التقصير لا ضمان، بل يجب أداؤها بعد تجدد القدرة.

(مسألة 4): الإسلام و إن لم يكن شرطا في وجوب الزكاة، فالكافر مخاطب بها و معاقب

عليها كسائر الفروع، إلا أنه لا يجب علي المسلم ترتيب آثار وجوبها في حقه، فله التصرف في مال الكافر الزكوي و إن علم بثبوت الزكاة فيه.

المبحث الثاني في ما تجب فيه الزكاة
اشارة

تجب الزكاة في تسعة أشياء: النقدين الذهب و الفضة، و الأنعام الثلاث: الإبل و الغنم و البقر، و الغلات الأربع: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. و لا تجب في ما عدا ذلك حتي الرطب و العنب الذي لا يصير زبيبا. نعم المشهور استحبابها في مال التجارة، و في الحبوب التي تنبت من الأرض كالسمسم و الأرز و الماش و الدخن و الحمص و العدس و الذرة، و الثمار، دون الخضروات كالبقل و القثّاء و البطيخ و نحوها. و في إناث الخيل، دون ذكورها، و دون الحمير و البغال. و لا إشكال في استحبابها بما أنها صدقة، أما استحبابها بعنوان كونها زكاة فلا يخلو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 366

عن إشكال. نعم يحسن الإتيان بها برجاء المطلوبية بالعنوان المذكور. و المهمّ الكلام في ما تجب فيه الزكاة، و هو يقع في ضمن فصول.

الفصل الأول في زكاة النقدين

يشترط في وجوب الزكاة فيهما- مضافا إلي ما تقدّم في المقصد الأول- أمور:

الأول: النصاب: و هو في الذهب عشرون دينارا فلا زكاة في ما نقص عنها.

و فيها نصف دينار، ثم لا يجب في الزائد عليها حتي يبلغ أربعة دنانير فيجب فيه عشر دينار، و هكذا كلما زاد أربعة دنانير وجب عشر دينار، و ما بينهما معفو عنه.

أما نصاب الفضة فهو مائتا درهم، فلا زكاة في ما نقص عنها، و فيها خمسة دراهم، ثم لا يجب في الزائد عليها، حتي يبلغ أربعين درهما فيجب فيها درهم واحد. و هكذا كلما زاد أربعون درهما وجب درهم، و ما بينهما معفوّ عنه كما في الذهب.

(مسألة 5): الدينار أربعة غرامات و ربع تقريبا. و الدرهم ثلاثة غرامات إلا ربع عشر الغرام تقريبا.

(مسألة 6): لا

يكفي تلفيق النصاب من النقدين معا بلحاظ القيمة، فإذا كان عنده تسعة عشر دينارا و مائة و تسعون درهما لم يجب عليه شي ء. نعم يتمّ النصاب من أصناف جنس واحد، فإذا كان عنده نصاب ملفّق من ليرات عثمانية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 367

و جنيهات سعودية وجبت الزكاة. و كذا الملفّق من ريالات «1» عراقية و سعودية.

الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكة المعاملة، بحيث يصدق عليهما الدنانير و الدراهم دون غيرها كالسبائك و الحلي و التراب و غيرها.

(مسألة 7): إذا سقطت الدنانير و الدراهم عن أن يتعامل بها لم تجب الزكاة فيها، سواء كان ذلك لسقوطها قبل فعليّة التعامل بها، أم لهجرها بعد ذلك، أم لإحداث شي ء فيها منع من التعامل بها كاتخاذها للزينة.

الثالث: الحول، و هو مضي سنة قمرية. و يكفي في استقرار وجوب الزكاة الدخول في الشهر الثاني عشر، فلا يضرّ فقد الشرائط بعد الدخول فيه. نعم لا بدّ من تحقق الشرائط في تمام الأحد عشر شهرا، فلا تجب الزكاة بفقدها و إن كان بفعل المكلّف فرارا من الزكاة.

(مسألة 8): وجوب الزكاة و إن كان بدخول الشهر الثاني عشر، إلا أن الشهر الثاني عشر محسوب من الحول الأول، و لا يبدأ الحول الثاني إلا بالدخول في الشهر الذي بعده.

(مسألة 9): من كان عنده نصاب تام فملك ما زاد عليه في أثناء الحول فله صور:

الاولي: أن يملك مقدار العفو من دون أن يبلغ النصاب اللاحق، كما لو كان عنده في أول محرّم عشرون دينارا و ملك في أول رجب دينارين، و حينئذ لا أثر للملك المذكور، بل لا يدفع في شهر محرّم إلا نصف دينار.

الثانية: أن يملك نصابا تاما، كما لو ملك في الفرض

السابق في أول رجب

______________________________

(1) من العملات الفضية التي كانت متداولة سابقا، كما أنّ الأوليين عملتان ذهبيّتان كانتا متداولتين سابقا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 368

عشرين دينارا اخري. حينئذ يبدأ لكل نصاب حول بانفراده، فيدفع في أول محرّم الثاني نصف دينار، و في أول رجب الثاني نصف دينار.

الثالثة: أن يملك ما يتمم النصاب اللاحق من دون أن يكون نصابا مستقلا، كما لو ملك في الفرض المذكور في أول رجب ستة دنانير، و حينئذ يتم حول النصاب الأول و يخرج زكاته، و يستأنف حولا آخر بعد مضي الحول الأول للنصاب الثاني فيدفع في محرّم الثاني نصف دينار، و يستأنف حولا للأربعة و العشرين دينارا فيدفع في محرّم الثالث ستة أعشار الدينار.

الفصل الثاني في زكاة الأنعام

يشترط في وجوب الزكاة فيها- مضافا إلي ما تقدم في المقصد الأول- أمور:

الشرط الأول: النصاب.

(مسألة 10): للإبل اثنا عشر نصابا.

الأول: خمس، و فيها شاة.

الثاني: عشر، و فيها شاتان.

الثالث: خمس عشرة، و فيها ثلاث شياه.

الرابع: عشرون، و فيها أربع شياه.

الخامس: خمس و عشرون، و فيها خمس شياه.

السادس: ست و عشرون، و فيها بنت مخاض- و هي الداخلة في السنة الثانية- فإن لم يكن عنده بنت مخاض أجزأ عنها ابن لبون- و هو الداخل في السنة الثالثة- و لا يجزئ إذا كانت عنده بنت مخاض، فإن لم يكونا عنده كان

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 369

مخيّرا في شراء أو استيهاب أيّهما شاء.

السابع: ست و ثلاثون، و فيها بنت لبون- و هي الداخلة في السنة الثالثة- الثامن: ست و أربعون، و فيها حقّة- و هي الداخلة في السنة الرابعة- التاسع: إحدي و ستون، و فيها جذعة- و هي الداخلة في السنة الخامسة- العاشر: ست و سبعون، و

فيها بنتا لبون.

الحادي عشر: إحدي و تسعون، و فيها حقّتان.

الثاني عشر: مائة و إحدي و عشرون فما زاد، و فيها في كلّ خمسين حقّة، و في كل أربعين بنت لبون، و حينئذ يتعيّن الحساب بالنحو الذي لا يفضل معه عشر لا زكاة فيها، إما بالاقتصار علي أحد الحسابين فيقتصر في مثل المائة و الخمسين علي الخمسينات، و في مثل المائة و الستين علي الأربعينات، و إمّا بالتخيير بينهما كما في مثل المائتين، و إمّا بالتبعيض كما في مثل المائتين و الثمانين، حيث توزّع علي أربع خمسينات و أربعينين، و نحو ذلك. و علي ذلك لا عفو إلا عمّا دون العشر.

(مسألة 11): لا فرق في الإبل بين العراب و البخاتي، و الاولي ذات السنام الواحد و الثانية ذات السنامين.

(مسألة 12): الأحوط وجوبا في الشاة التي تجب في النصب الخمسة الاولي أن تدخل في السنة الثانية إن كانت من الضأن، و في السنة الثالثة إن كانت من الماعز.

(مسألة 13): للبقر نصابان:

الأول: ثلاثون، و فيها تبيع حولي- و هو ما دخل في السنة الثانية-، و الأحوط وجوبا عدم إجزاء التبيعة- و هي الأنثي-، و ليس في ما دون الثلاثين شي ء.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 370

الثاني: أربعون و فيها مسنّة،- و هي ما دخل في السنة الثالثة- و الظاهر عدم إجزاء المسنّ- و هو الذكر- فإذا بلغ الستّين ففيها تبيعان، فإذا بلغ السبعين ففيها تبيع و مسنّة، فإذا بلغ الثمانين ففيه مسنّتان، فإذا بلغ تسعين ففيها ثلاثة أتبعة، فإذا بلغ مائة فالأحوط وجوبا دفع تبيعين و مسنّة، فإذا بلغ مائة و عشرة فالأحوط وجوبا دفع تبيع و مسنّتين، فإذا بلغ مائة و عشرين فالأحوط وجوبا دفع ثلاث

مسنّات، ثم الاحتياط بدفع مسنّة لكل أربعين، و تبيع لكل ثلاثين مع تعيّن الأول عند انقسام الموجود علي العددين معا، كالمائتين و الأربعين، فيدفع ست مسنّات، لا ثمانية أتبعة، و الاقتصار في الثاني علي إكمال حساب الموجود، كما لو كان عنده مائة و خمسين فيدفع ثلاث مسنّات و تبيعا، لا خمسة أتبعة مثلا.

نعم قد يتنافي الحسابان كما لو كان عنده مائة و ثلاثون، فإنّه إذا اقتصر علي حساب الأربعين كان عليه ثلاث مسنّات و بقي عشر بقرات معفوا عنها، و إذا جمع بين الحسابين كان عليه ثلاثة أتبعة لتسعين و مسنّة لأربعين. فاللازم الاحتياط و لو بالانتقال لأكثر القيمتين، أو بدفع الأمرين معا للفقير ليقبض ما ينطبق عليه الزكاة واقعا ثم يتصالح معه علي تعيين ملكه مما أخذ، أو بغير ذلك.

و علي ذلك يختص العفو بما دون العشرة.

(مسألة 14): الجاموس و البقر جنس واحد، فيجب في النصاب في كل منهما ما يجب في النصاب من الآخر، و يتم النصاب بالملفق منهما. و يتخير في الدفع من كل منهما و لو مع كون النصاب من الآخر.

(مسألة 15): للغنم خمسة نصب:

الأول: أربعون، و فيها شاة، و ليس في ما دون الأربعين شي ء.

الثاني: مائة و إحدي و عشرون شاة، و فيها شاتان.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 371

الثالث: مائتين و شاة، و فيها ثلاث شياه.

الرابع: ثلاثمائة و شاة، و فيها أربع شياه.

الخامس: أربعمائة فما فوق، ففي كل مائة شاة بالغا ما بلغ.

(مسألة 16): لا فرق في الغنم بين الضأن و الماعز، فيتم النصاب بالملفق منهما، كما يجزئ أحدهما عن الآخر.

(مسألة 17): الأحوط وجوبا في الشاة التي تجب في الغنم أن تدخل في السنة الثانية إن كانت من

الضأن، و في السنة الثالثة إن كانت من الماعز.

(مسألة 18): لا يجب دفع الزكاة من النصاب، بل يجوز الدفع من غيره و لو مع الاختلاف في الذكورة و الأنوثة أو كون المدفوع دون النصاب في القيمة.

(مسألة 19): لا فرق بين الصحيح و المريض و السليم و المعيب و الشاب و الهرم في العدّ من النصاب. و لا يجوز دفع المريض إلا إذا كان النصاب كلّه مريضا و لا دفع المعيب إلا إذا كان النصاب كلّه معيبا، و لا دفع الهرم إلا إذا كان النصاب كلّه هرما. و الأحوط وجوبا في صورة جواز دفع المريض أو المعيب أو الهرم الاقتصار علي الدفع من النصاب.

الشرط الثاني: السّوم، بحيث يصدق عرفا أنها سائمة في الحول. و لا يضرّ علفها اتفاقا بالنحو الذي لا تخلو منه السوائم عادة، لضرورة من مطر أو حرّ أو برد. و أما تعمّد علفها مدة قليلة بالنحو الذي لا يتعارف في السوائم، ففي صدق السّوم معه إشكال، و الأظهر العدم.

(مسألة 20): الظاهر توقف السّوم علي رعي الحيوان بنفسه في المراعي المكشوفة الواسعة كالصحاري و نحوها مما ينبت فيها بنفسه و إن كانت مملوكة و كان الرعي فيها بثمن، فلا يكفي الرعي في البساتين و إن اعتلف مما زرع فيها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 372

بنفسه، و لا في الصحاري إذا اعتلف زرعا مملوكا لزارعه و لا في المزابل الملقاة في الطرق الضيّقة. و إن كان ذلك كلّه مجانيّا، بل لا يكفي علفها مما ينبت في الأراضي المكشوفة إذا تعمّد الراعي جزّه و جمعه لها و حملها علي اعتلافه. نعم لا يضرّ في صدق السّوم علف الحيوان ما قد يلقي صدفة في المراعي لعجز

حامله عن نقله أو لسقوطه عن الانتفاع المعدّ له، لعفن أو غيره.

الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل. و المراد بالعوامل ما تعدّ للعمل من نقل أو حرث أو غيرهما. و لا يكفي في صدقها وقوع العمل بها صدقة من دون أن تعدّ لذلك، كما لو ركب الراعي أو غيره ظهر بعض الإبل أو استقي الماء به لحاجة طارئة.

الشرط الرابع: الحول علي النحو المتقدم في زكاة النقدين.

(مسألة 21): من كان عنده نصاب تام فملك ما زاد عليه في أثناء الحول فله صور:

الاولي: أن يملك مقدار العفو من دون أن يبلغ النصاب اللاحق، كما لو كان عنده في أول محرّم أربعون شاة فملك في أول رجب خمسين شاة أخري أو كان عنده خمس من الإبل فملك ثلاثا، و حينئذ لا أثر للملك المذكور، بل لا يدفع في شهر محرّم إلا شاة واحدة.

الثانية: أن يملك نصابا تامّا، كما لو كان عنده في أول محرّم خمس من الإبل فملك في أول رجب خمسا اخري و حينئذ يبدأ لكل نصاب حول بانفراده فيدفع في محرّم الثاني شاة و في رجب شاة أخري.

الثالثة: أن يملك ما يتمم النصاب اللاحق من دون أن يكون نصابا مستقلا، كما لو كان عنده في أول محرّم ثلاثون بقرة فملك في أول رجب اثنتي عشرة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 373

بقرة. و حينئذ يتم حول النصاب الأول و يخرج زكاته، ثم يستأنف بعده حولا آخر للنصاب الثاني، فيدفع في محرّم الثاني تبيعا، و في محرّم الثالث مسنّة.

و مثله ما إذا كان عنده في أول محرّم عشرون من الإبل و ملك في أول رجب سبعا، فإنّه يدفع في محرّم الثاني أربع شياه و في محرّم الثالث

بنت مخاض. نعم لو ملك في الفرض خمسا من الإبل كان من الصورة الثانية، فيدفع للخمس الأخيرة في رجب الثاني شاة و يبقي علي ذلك يدفع في محرّم أربع شياه و في رجب شاة، إلي أن تزيد الإبل فيبدأ بحول جديد للمجموع بعد انتهاء حولي ملكه سابقا و تنتقل فريضته من الشياه إلي فريضة المجموع.

(مسألة 22): ابتداء حول الصغار من حين ولادتها سواء كانت أمهاتها سوائم أم معلوفات. نعم لو علفت قبل الحول لم تجب فيها الزكاة.

الفصل الثالث في زكاة الغلات

و قد تقدم أنها الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و لا تجب في غيرها حتي الرطب و العنب الذي لا يصير تمرا و لا زبيبا. و يشترط في وجوب الزكاة فيها- مضافا إلي ما تقدم في المقصد الأول- النصاب و هو ما يبلغ ألف كيلو و أربعة و أربعين كيلوا و ربعا تقريبا.

(مسألة 23): المدار في قدر النصاب علي ما يصدق عليه الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، فإذا بلغت الثمرة في النصاب قبل أن يصدق عليها ذلك ثم نقصت عنه عند جفافها و صدق العناوين المذكورة عليها لم تجب الزكاة.

(مسألة 24): يضم النخيل و الكرم و الزرع بعضه إلي بعض في بلوغ النصاب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 374

و إن كان في أمكنة متباعدة، و كذا إذا اختلف زمان إدراكه إذا كان الاختلاف بالنحو المتعارف في بلوغ ثمرة العام الواحد. و أما إذا كان الاختلاف بفاصل كثير خارج عن المتعارف فالظاهر عدم ضم بعضه إلي بعض، و إن كان الضم أحوط استحبابا.

(مسألة 25): لا بدّ في وجوب الزكاة في الغلات من تمامية الشروط المتقدمة- هنا و في المقصد الأول- عند ما يصدق علي

الثمرة عنوان الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، فلو بلغ الصبي أو عقل المجنون أو قدر علي المال بعد صدق ذلك علي الثمرة لم تجب الزكاة، و كذا لو اشتراها، بل تكون الزكاة علي البائع، أما لو اشتراها قبل ذلك فصدقت العناوين المذكورة عند المشتري كانت الزكاة عليه دون البائع.

(مسألة 26): زمان تعلّق الزكاة بالثمرة و إن كان هو زمان صدق العناوين المتقدمة عليها- كما سبق- إلا أنه يجوز تقديم أداء الزكاة في الزبيب عند صيرورة الثمرة عنبا، بعد تخمين مقداره حين يصير زبيبا و دفع الزبيب من غير الثمرة.

(مسألة 27): يجوز للمالك التصرف في الثمرة قبل صدق العناوين المذكورة و إن زاد علي المتعارف من دون ضمان للزكاة، فلو تصرّف في البسر و الرطب و الحصرم و العنب مثلا بالأكل و الهبة و البيع و نحوها لم يضمن الزكاة بالمقدار الثابت فيها لو صارت تمرا أو زبيبا.

(مسألة 28): إذا مات المالك بعد صدق العناوين المذكورة ثبتت الزكاة في العين و وجب علي الورثة إخراجها. أما إذا مات قبله و صدقت العناوين المذكورة في ملك الورثة فلا تجب إلا علي من بلغت حصته منهم النصاب. و كذا الحكم فيما إذا كان الانتقال بغير الإرث كالبيع و الهبة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 375

(مسألة 29): لا تجب المبادرة للإخراج قبل تصفية الغلة و اجتذاذ التمر و اقتطاف الزبيب علي النحو المتعارف إلا أن تتعرّض الثمرة للخطر علي خلاف المتعارف، فيجب علي من تحت يده الثمرة المبادرة لإخراج الزكاة و إيصالها لأهلها مع تيسر ذلك، و مع التفريط حينئذ يضمن. و أما المبادرة بعد التصفية و الاجتذاذ و الاقتطاف فسيأتي الكلام فيها في الفصل الرابع.

(مسألة

30): لا تتكرر الزكاة في الغلات بتعاقب السنين، فإذا أعطي زكاة الحنطة مثلا ثم بقيت عنده أكثر من سنة لم تجب فيها الزكاة مرة أخري و إن بقيت الشروط المعتبرة فيها. و هذا بخلاف الأنعام و النقدين.

(مسألة 31): الظاهر عدم استثناء المؤن التي يحتاج إليها الزرع و الثمر من اجرة الفلاح و الحارث و الساقي و العوامل و الأرض و غيرها، من دون فرق بين المؤن التي يحتاجها قبل طلوع الثمرة و بعده قبل صدق العناوين المتقدمة و بعده، و منها الضرائب التي يأخذها السلطان. نعم ما يأخذه من عين الثمرة غصبا بعد تمامية النصاب يرد نقصه علي الزكاة بالنسبة إذا لم يمكن التخلص منه. كما أن ما يجعل علي العين من المؤن- كما في المزارعة- يستثني قبل النصاب، فلا تجب الزكاة إلا إذا كان الباقي للمالك من الثمرة بقدر النصاب.

(مسألة 32): إذا اختلفت أنواع الغلّة الواحدة في الجودة و الرداءة تخيّر المالك في الدفع من أيها شاء. و إن كان الأحوط استحبابا عدم دفع الردي ء عن الجيّد.

(مسألة 33): ورد العفو عن الزكاة في نوعين من التمر، و هما الجعرور و المعافارة، كما ورد النهي عن دفعهما في الزكاة، و قد وصفا بأنهما من أردأ أنواع التمر عظيما النوي قليلا اللحاء. و لا يتيسّر لنا تحديدهما، فمع اشتباه نوع من التمر الردي ء بهما يجب الاحتياط بدفع الزكاة عنهما و لو منهما، و عدم دفعهما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 376

عن غيرهما.

(مسألة 34): المقدار الواجب إخراجه في زكاة الغلات العشر إذا سقي بلا علاج، سيحا أو بماء السماء أو بمصّ عروقه من ماء الأرض، و نصف العشر إذا سقي بعلاج كما لو سقي بالدلاء و

النواعير و المكائن الزراعية و نحوها. و إذا سقي بالوجهين فالتنصيف، فيجب في النصف العشر و في النصف الآخر نصف العشر، سواء تساويا أم كان أحدهما أكثر. إلا أن تكون غلبة أحدهما بنحو لا يعتدّ معه بالآخر لقلّته فالعمل علي الغالب حينئذ.

(مسألة 35): ليس من العلاج حفر النهر و استنباط العين و إصلاحهما و فتح طريق الماء للزرع فيجب العشر مع جميع ذلك إذا كان الماء يرتفع بنفسه إلي مستوي الزرع من دون علاج.

(مسألة 36): الأمطار المعتادة في السنة لا تخرج ما يسقي بعلاج عن حكمه إلا إذا كثرت بحيث يستغني عن الدوالي مدّة معتدّا بها، فيجب حينئذ التنصيف علي نحو ما تقدم في المسألة الثانية عشرة، و لو استغني بها عن العلاج في تمام المدة أو أكثرها بحيث لا يعتدّ بالسقي بالعلاج لقلّته فالواجب العشر.

(مسألة 37): المدار في وجوب العشر و نصف العشر علي الثمر لا علي الأصول، فإذا كان النخل أو الكرم حين غرسه يسقي بعلاج فلمّا بلغ أوان الأثمار استغني سقيه عن العلاج وجب في الثمر العشر، و لو كان بالعكس وجب نصف العشر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 377

المبحث الثالث في المستحقين للزكاة
اشارة

و فيه فصلان.

الفصل الأول في أصناف المستحقين

و هم ثمانية كما نطق بهم الكتاب المجيد:

الأول و الثاني: الفقير و المسكين، و الثاني أسوأ حالا من الأول، و يكفي في كل منهما عدم قدرته علي القيام بمؤنة سنته اللائقة بحاله له و لعياله من غير إسراف.

و الغني بخلافهما، و هو من يقدر علي القيام بمؤنة سنته بالنحو المذكور.

(مسألة 38): إذا كان الشخص غير مالك لمقدار المؤنة المذكورة إلا أنه كان قادرا علي تحصيلها بصنعة أو حيازة أو تجارة لم تحلّ له الزكاة. و لو لم يفعل تكاسلا لم تحلّ له، إلا أن يمضي وقت التحصيل، كما لو كان وقت التحصيل فصلا خاصّا من السنة فلم يفعل حتي مضي الفصل المذكور، فيحلّ له أخذ الزكاة حينئذ.

(مسألة 39): إذا كان قادرا علي تعلم صنعة تكفيه فلم يفعل لم يحل له أخذ الزكاة. نعم إذا مضي وقت التعلم جاز له أخذها. و كذا يجوز له الأخذ لسدّ نفقته في مدة التعلّم، و إن كان الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما إذا لم يقدر علي سد حاجته بالاستدانة مع القدرة علي الوفاء بعد التعلم و علي ما إذا صار في مقام التعلّم.

(مسألة 40): إذا كان له رأس مال يتكسب به أو ضيعة يستنميها أو عقار أو آلات أو حيوانات يؤجرها أو يعمل عليها لكن لا يكفيه ما يحصله منها جاز

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 378

تتميم حاجته من الزكاة، و لا يجب عليه بيع الأشياء المذكورة و إن كان ثمنها وافيا بمؤنة سنته. نعم إذا كانت الأمور المذكورة معطلة غير مستغلة لاكتساب النفقة و لا محتاجا إليها في حياته و كان ثمنها وافيا بمؤنة سنته لم يحلّ له أخذ الزكاة.

(مسألة 41): إذا كان قادرا

علي التكسب لكنه كان منافيا لشأنه- بحيث يكون وهنا عليه أو علي بعض الجهات التي ينبغي حفظها- جاز له الأخذ من الزكاة.

(مسألة 42): دار السكني و الخادم و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله و لو لكونه من أهل الشرف لا يمنع من أخذ الزكاة، و كذا ما يحتاج إليه بحسب شأنه من الثياب و الأثاث و الكتب و غيرها. نعم ما كان زائدا عن حاجته يمنع من أخذ الزكاة إذا كان يفي بمؤنة سنته.

(مسألة 43): إذا أمكن إبدال ما عنده من دار و أثاث أو غيرهما مما يحتاج إليه بأقل منه قيمة، فإن كان الموجود عنده زائدا عن مقتضي شأنه و غير مناسب له وجب الإبدال، و إن كان مناسبا له لم يجب الإبدال.

(مسألة 44): طالب العلم يجوز له الأخذ من الزكاة إذا كان فقيرا عاجزا عن التكسب و لو لكونه منافيا لشأنه، و كذا إذا كان طلب العلم واجبا عليه عينا- و لو لعدم قيام غيره بما يؤدي الواجب- و كان الانشغال به مزاحما للتكسب، بحيث لا يمكنه الجمع بينهما، و في غير هاتين الصورتين لا تحلّ له الزكاة من سهم الفقراء. نعم يجوز أن يدفع له من سهم سبيل اللّه تعالي بالمقدار الذي يحمله علي طلب العلم إذا ترتب علي طلبه له فائدة راجحة شرعا.

(مسألة 45): يجوز للزوجة أخذ الزكاة إذا لم يكن الزوج باذلا لنفقتها و لم تقدر علي إجباره بوجه غير حرجي، أما إذا كان باذلا لها أو كانت قادرة علي إجباره بوجه غير حرجي فلا يجوز لها أخذ الزكاة.

(مسألة 46): سقوط نفقة الزوجة بالنشوز لا يحلّ لها الأخذ من الزكاة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 379

(مسألة 47): غير

الزوجة ممن تجب نفقته علي غيره إن كان من تجب نفقته عليه واجدا للنفقة باذلا لها من دون حرج معتدّ به في أخذ النفقة منه فالأحوط وجوبا عدم أخذه من الزكاة. أما في غير ذلك فيجوز له الأخذ منها.

(مسألة 48): وجود المتبرع بالنفقة للفقير من دون أن تجب عليه لا يمنعه من أخذ الزكاة و الاستغناء بها عنه.

(مسألة 49): المدعي الفقر إن لم يعلم حاله فإن كان فقيرا سابقا- و لو حينما كان طفلا- جاز البناء علي فقره، و إن علم غناه سابقا لم يصدّق إلا إذا حصل الاطمئنان بفقره، و لو من شواهد و قرائن خارجية. و كذا الحال لو أخبر شخص بفقر غيره.

(مسألة 50): دفع الزكاة للفقير علي أحد وجهين:

الأول: تمليكه إياها. و لا بد من قصده أو قصد وليّه التملّك لما يأخذه و إن لم يعلم بأنه زكاة و لم يقصده بل أخذه غافلا عن ذلك أو بتخيل كونه هدية. أما لو لم يقصد التملّك فلا يحصل هذا الوجه، كما لو دفع إليه علي أنه ملكه سابقا و قد أرجع إليه، و كذا لو قصد تملّكه بشرط أن لا يكون زكاة ملتفتا لذلك.

الثاني: صرفها في مصالحه، كما لو دفع إليه الطعام الزكوي فأكله، و لا يحتاج هذا إلي القصد منه و لا من وليه، فلو دفع له الطعام الزكوي فأخذه علي أنه ملكه سابقا قد أرجع اليه، أو علي أنه ليس بزكاة بل هدية أو غير ذلك لم يمنع من حصول هذا الوجه. نعم لا بد من صرفه له في مصالح نفسه، كما لو أكل الطعام بنفسه، و لا يكفي صرفه في مصالح غيره ممّن من شأنه الصّرف عليه، كواجب النفقة و

الضيف علي الأحوط وجوبا. إلا أن يكون ذلك الغير فقيرا أيضا و يقصد دافع الزكاة بذلها له أيضا.

(مسألة 51): إذا كان للمالك دين علي الفقير جاز احتسابه من الزكاة بلا حاجة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 380

إلي دفعها له ثم أخذها منه سواء كان المدين حيا أم ميتا. نعم إذا كان للميت تركة تفي بدينه لم يجز احتساب دينه من الزكاة إلا أن يتعذر وفاء دينه من التركة لامتناع الورثة من وفائه جهلا أو عصيانا و عدم تيسر إجبارهم علي الوفاء أو إقناعهم به.

(مسألة 52): إذا دفع الزكاة لشخص باعتقاد فقره فبان كون المدفوع له غنيا، فله صورتان:

الاولي: أن تكون متعيّنة بالعزل، من دون أن تنشغل بها ذمته، إما لعزلها من نفس النصاب أو من غيره بالدفع أو قبل الدفع. و حكمها أنه مع تفريط الدافع و خروجه عن مقتضي ولايته في إحراز فقره يكون ضامنا لها، و مع عدم تفريطه لا يكون ضامنا.

الثانية: أن لا تكون متعيّنة بالعزل، كما لو أتلف النصاب قبل دفع الزكاة فانتقلت الزكاة إلي ذمته، أو تكون متعيّنة بالعزل إلا أنها مضمونة عليه لتأخيره دفعها مع وجود المستحق أو لتفريطه في حفظها، و الظاهر هنا بقاء الضمان عليه مطلقا و إن لم يفرّط في إحراز فقر من دفعها إليه. هذا كلّه في حقّ دافع الزكاة، و أما في حق آخذها فيجري عليه حكم آخذ المال بلا حق، فيضمن و لا يرجع علي الدافع إلا أن يكون مغرورا من قبله، لعدم إخباره له بأن المدفوع إليه زكاة.

و هذا التفصيل يجري في جميع موارد دفع الزكاة لغير المستحق، مثل من تجب نفقته و الهاشمي إذا لم يكن الدافع هاشميا و غير

ذلك. نعم من دفع زكاته لغير المؤمن باعتقاد أنه مؤمن تجزئ عنه إذا كان قد اجتهد في الفحص، و مع تقصيره لا تجزئ عنه من غير فرق في الصورتين بين تعيّنها بالعزل و عدمه.

الثالث: من المستحقين للزكاة: العاملون عليها، و هم المنصوبون لأخذ الزكاة و حفظها و ضبطها و إيصالها لوليّها أو إلي المستحق. و الذي ينصبهم لذلك هو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 381

الإمام أو نائبه الخاص. و في ولاية الحاكم الشرعي علي ذلك إشكال، بل منع.

الرابع: المؤلفة قلوبهم المسلمون الذين يضعف اعتقادهم بالمعارف الدينية فيعطون من الزكاة تأليفا لقلوبهم ليأنسوا بالدين و يتحلّلوا من عقد الجاهلية و ينظروا بعين بصائرهم بعيدا عنها.

الخامس: الرقاب. و المراد به عتق العبيد. إما لكونهم مكاتبين عاجزين عن أداء مال الكتابة فيعطون من الزكاة ليؤدّوا ما عليهم و يتحرّروا، أو لكونهم عبيدا تحت الشدّة، فيشترون و يعتقون. و أما لو لم يكونوا تحت الشدّة فاللازم الاقتصار علي ما إذا لم يجد مصرفا للزكاة غيرهم، حتي لو كان المملوك مؤمنا علي الأحوط وجوبا.

السادس: الغارمون. و هم الذين ركبتهم الديون و عجزوا عن أدائها، و إن كانوا مالكين قوت سنتهم بشرط أن لا تكون ديونهم في معصية و لا سرف.

(مسألة 53): وفاء دين الغارم من الزكاة يكون بوجهين:

الأول: أن يعطي من الزكاة لوفاء دينه بها بعد أن يملكها.

الثاني: أن يوفّي دينه من الزكاة ابتداء من دون أن تدفع الزكاة له، بل و إن لم يعلم بها.

(مسألة 54): لو كان صاحب الزكاة هو الدائن جاز له احتساب دينه عليه زكاة، نظير ما تقدم في المسألة (51)، و أما أن يجعل شيئا من زكاته للمدين من دون أن يقبضه المدين ثم

يأخذه وفاء عن دينه فهو لا يخلو عن إشكال، و الأحوط وجوبا عدم الاجتزاء به.

(مسألة 55): لو كان الغارم ممن تجب نفقته علي صاحب الزكاة جاز لصاحب الزكاة إعطاؤه من الزكاة لوفاء دينه أو وفاء دينه منها ابتداء من دون أن يدفعها إليه.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 1، ص: 382

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 382

السابع: سبيل اللّه تعالي، و هو جميع سبل الخير الراجحة شرعا. و الأحوط وجوبا الاقتصار علي الجهات العامة، كبناء المساجد و القناطر و إقامة الشعائر الدينية و نحوها. و أما الجهات الخاصة كالتزويج و الحج و نحوها فالأحوط وجوبا تخصيصها بسهم الفقراء، فيعتبر في من ينتفع فيها الفقر.

الثامن: ابن السبيل، و هو المسافر الذي نفذت نفقته بحيث لا يقدر علي الذهاب إلي بلده و لو ببيع بعض ما يسعه الاستغناء عنه من متاعه، بل اللازم الاقتصار علي ما إذا تعذّرت عليه الاستدانة و الوفاء من ماله من غير حرج.

و لا يشترط فيه أن يكون فقيرا في بلده. نعم يشترط أن لا يكون سفره في معصية.

الفصل الثاني في شروط المستحقين

و هي أمور:

الأول: الإيمان، فلا يعطي الكافر و لا غير المقرّ بولاية أهل البيت عليهم السّلام، إلا من سهم المؤلّفة قلوبهم، إذا كان في دفعها تأليف لهم، و كذا من سهم سبيل اللّه إذا كان دفعها لغير المؤمن من أجل صلاح المؤمن، كما إذا كان لدفع شرّه عن المؤمنين أو الاستعانة به لما ينفعهم.

(مسألة 56): يجوز دفع الزكاة لأطفال المؤمنين و مجانينهم، فإن كان بنحو التمليك وجب قبول وليّهم، و إن كان بنحو

الصّرف مباشرة أو بتوسط أمين كفي إذن وليّهم في ذلك، بل يحتاج إلي إذنه مع العلم بصلاح الصّرف المذكور لهم من دون مزاحم.

(مسألة 57): إذا أعطي المخالف زكاته أهل نحلته ثم استبصر أعادها. و إن كان قد أعطاها المؤمن أجزأ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 383

(مسألة 58): لا تشترط العدالة في مستحق الزكاة، بل يجوز دفعها لمرتكب المعاصي عدا شارب الخمر، و الأحوط وجوبا عدم دفعها لمرتكب الكبائر التي هي أعظم من شرب الخمر، كترك الصلاة. بل يحرم دفعها للعاصي إذا كان في دفعها له تشجيع علي المعصية، كما يجب منعه منها إذا كان منعه نهيا له عن المنكر.

الثاني: أن لا يكون ممن تجب نفقته علي المعطي و هم الأبوان و إن علوا و الأولاد و أن نزلوا و الزوجة الدائمة إذا لم تسقط نفقتها و المملوك، فلا يجوز إعطاؤهم من الزكاة للنفقة الواجبة.

(مسألة 59): يجوز لمن عليه الزكاة دفعها لمن تجب عليه نفقته إذا كان عاجزا عن الإنفاق عليه بالمقدار اللائق به، فيدفع له ما يتمّم النفقة الواجبة عليه، كما يجوز أن يدفع له من الزكاة للتوسعة غير اللازمة عليه بالمقدار الذي يحتاج إليه عرفا، و يجوز دفعها أيضا لنفقة لا تجب عليه، كوفاء الدين و القيام ببعض الواجبات الشرعية و العرفية المتوقفة علي المال.

(مسألة 60): إذا مات من عليه الزكاة جاز دفع زكاته لمن تجب عليه نفقته في حياته مع فقرهم.

(مسألة 61): يجوز للزوجة دفع زكاتها لزوجها و لو كان للإنفاق عليها.

الثالث: أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غير الهاشمي. من دون فرق بين سهم الفقراء و المساكين و غيرهما من سائر السهام حتي سهم سبيل اللّه تعالي. نعم لا

بأس بتصرفهم في الأوقاف العامة إذا كانت من الزكاة، كالمساجد و المدارس و منازل الزوار و الكتب و نحوها.

(مسألة 62): المراد من الهاشمي من انتسب لهاشم بالأب، دون من انتسب له بالأم فقط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 384

(مسألة 63): الظاهر شمول الهاشمي لمن انتسب لهاشم بالزنا فلا تحلّ له الزكاة من غير الهاشمي.

(مسألة 64): يجوز للهاشمي أن يأخذ زكاة الهاشمي من دون فرق بين السّهام أيضا.

(مسألة 65): يجوز للهاشمي أخذ زكاة غير الهاشمي مع الاضطرار. و الأحوط وجوبا الاقتصار علي الضرورة الحقيقية، نظير الاضطرار للميتة.

(مسألة 66): لا يحرم علي الهاشمي غير زكاة المال و زكاة الفطرة من الصدقات الواجبة كالكفارات و الفدية و الصدقة المنذورة، فضلا عن مثل اللقطة و مجهول المالك مما وجب علي الدافع دون المالك، و كذا الصدقات المندوبة.

نعم ينبغي تنزيههم عمّا يبتني علي الاستهوان من المحقّرات.

(مسألة 67): يثبت كونه هاشميا بالعلم و بالبيّنة و بالفراش، كمن تولّد من امرأة هي فراش للهاشمي و إن احتمل عدم تولده منه لزنا أو وطء شبهة. كما يثبت بالشياع الموجب للوثوق. و لا يكفي مجرد الدعوي من دون ذلك. نعم يشكل مع الدعوي المذكورة دفع الزكاة له، إلا أن يعلم بعدم استناده في دعواه إلي حجة أو قامت البيّنة علي كذبه فيها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 385

المبحث الرابع في بقية أحكام الزكاة

(مسألة 68): للمالك الولاية علي صرف الزكاة في مصارفها السابقة عدا سهم العاملين عليها، لما تقدم من عدم الولاية علي نصبه لغير الإمام و نائبه الخاص.

و حينئذ لا يجب علي المالك دفع الزكاة للحاكم الشرعي ليتولّي صرفها في مصارفها، بل لو دفعها إليه لا يكون الحاكم إلا وكيلا عن المالك، و لو انشغلت ذمة

المالك بها لم تبرأ بالدفع للحاكم، بل تتوقف براءتها علي صرف الحاكم لها في مصارفها.

(مسألة 69): لا يجب البسط علي الأصناف الثمانية، و لا علي أفراد صنف واحد فيجوز إعطاؤها لشخص واحد من صنف واحد.

(مسألة 70): الزكاة حقّ متعلّق بالعين يمنع علي الأحوط وجوبا من التصرف الخارجي فيها بالإتلاف و نحوه. و لو تصرّف فيها المالك بالنحو المذكور ضمنها، و كذا لو فرّط في أداء الزكاة حتي تلفت العين.

و أما لو تصرّف فيها بالنقل بالبيع و نحوه. فإن كان التصرف المذكور في تمام النصاب نفذ البيع و بقيت الزكاة متعلّقة بالعين، فإن أداها البائع من غير العين سلمت العين للمشتري، و إن أداها من العين كان للمشتري خيار تبعّض الصفقة و إن لم يؤدّها البائع و سلّم العين للمشتري كان ضامنا لها و وجب علي المشتري أداؤها أيضا، فإن أداها رجع علي البائع، و إن أداها البائع سقطت عنه.

أما لو كان التصرف ببعض النصاب بحيث يقصر عن مقدار الزكاة فالأحوط وجوبا جريان الحكم السابق عليه، لكن إذا أدي المشتري الزكاة لم يرجع علي البائع إلا أن يكون أداؤه لها بإذنه، فإن لم يأذن تعيّن الرجوع للحاكم الشرعي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 386

لإعمال ولاية الحسبة بالإضافة للبائع الممتنع من أداء الحق.

(مسألة 71): تجب المبادرة لأداء الزكاة و لا يجوز تأخير دفعها إلا لغرض عقلائي، كانتظار مستحق خاص أو توقّع طالب لها يأمل منه دفعها إليه و أن طال زمان ذلك. و الأحوط وجوبا حينئذ عزلها و تعيينها أو كتابتها أو الإشهاد عليها خوفا من الضياع.

(مسألة 72): يجوز للمالك عزل الزكاة من دون أن يدفعها سواء كان عزلها من نفس النصاب أم من غيره، و

حينئذ يتعين المعزول زكاة فلو تلف النصاب لم يدخل عليه النقص. و نماء المعزول تابع له في المصرف.

(مسألة 73): إذا عزل المالك الزكاة كانت أمانة في يده يضمنها بالتفريط و بتأخير دفعها للمستحق مع وجوده و العلم به، و إن جاز له التأخير كما سبق في المسألة (71).

(مسألة 74): لا يجوز للمالك إبدال الزكاة بعد عزلها.

(مسألة 75): إذا اعتقد وجوب الزكاة خطأ فأعطاها لم يملكها الآخذ، و كان عليه إرجاعها مع بقاء عينها، و ضمانها مع تلفها إلا أن يكون مغرورا من قبل الدافع.

(مسألة 76): يجوز دفع القيمة بدلا عن الزكاة من النقود و نحوها مما يتمحّض في المالية كالأوراق النقدية المتعارفة في عصورنا. و المدار فيها علي القيمة وقت الدفع و مكانه، لا وقت وجوب الزكاة و لا مكان وجود النصاب. و أما دفع القيمة من غير النقود كالثياب و الطعام فلا يخلو عن إشكال، و الأحوط وجوبا تركه. نعم يجوز للمالك عزل الزكاة و شراء المتاع بها و لو من نفسه ثم دفعه إذا كان يري أنها أنفع للفقير.

(مسألة 77): يجوز نقل الزكاة من البلد الذي هي فيه إلي غيره و لو مع وجود

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 387

المستحق فيه. لكن إذا تلفت بالنقل مع وجود المستحق في البلد و القدرة علي الدفع له يضمن، و لا يسقط الضمان إذن الفقيه في النقل. أما مع عدم وجود المستحق من الفقراء و المساكين فإن لم يجد مصرفا آخر من المصارف الثمانية المتقدمة فلا ضمان، و أما مع وجودها و تيسّر إحرازها لصاحب الزكاة فالأحوط وجوبا الضمان.

(مسألة 78): مؤنة نقل الزكاة علي المالك الناقل إلا أن ينحصر صرفها بالنقل فيجوز إخراج مؤنة نقلها

منها، لكن لا بد من مراجعة الحاكم الشرعي قبل النقل و استئذانه في تحميل الزكاة المؤنة المذكورة، و مع تعذّر مراجعته لا بدّ من بذل الجهد- و لو بالاستعانة بأهل المعرفة- لإحراز أن النقل مع تحميل الزكاة المؤنة المذكورة أصلح لها.

(مسألة 79): لا يجوز تقديم الزكاة قبل تعلّق الوجوب في غير ما تقدم من زكاة الزبيب عند صيرورته عنبا. نعم يجوز أن يعطي الفقير قرضا قبل وقت الوجوب و يحتسبه من الزكاة عند حلول وقتها مع بقاء المقترض علي صفة الاستحقاق.

(مسألة 80): إذا أتلف الزكاة المعزولة متلف كان ضامنا لها و كذا إذا أتلف النصاب بتمامه. و لا يضمن المالك معه إلا إذا تحقق منه سبب الضمان المتقدم في المسألة (70)، و حينئذ يجب علي المتلف دفع الزكاة لصاحبها ليتولي صرفها، و لا يصرفها بنفسه، إلا أن يكون صاحبها ممتنعا عن أدائها فيجب عليه مراجعة الحاكم الشرعي، لانتقال الولاية علي الزكاة له حينئذ. و لو سبق تحقق سبب الضمان من صاحبها وجب عليه أيضا أداؤها فإن أداها رجع علي المتلف، و إن أداها المتلف له لم يرجع عليه.

(مسألة 81): الزكاة من العبادات المفتقرة للنيّة و الأحوط وجوبا مقارنة النيّة للعزل و للدفع معا و بدونها لا يترتب الأثر عليهما، فإن خلا العزل عن النيّة بقي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 388

المال علي ملك المالك، و إن كان العزل عن نيّة و الدفع بلا نيّة بقي المال زكاة غير مملوكة لمن دفعت له، و تجوز النيّة ما دامت العين موجودة، فإن تلفت بلا ضمان القابض وجب الدفع ثانيا، و إن تلفت مع الضمان- كما لو كان هو المتلف لها- فمع عدم تعيّنها زكاة بالعزل عن

نيّة يكون الفقير مدينا للمالك، و مع تعيّنها زكاة بالعزل يكون الفقير مدينا للزكاة. و في الأول يجوز للمالك احتساب الدين عليه زكاة إن بقي مصرفا لها، و في الثاني يشكل الحال، و الأحوط وجوبا له تسليمها للمالك و يكون له حينئذ أن يرجعها له إذا بقي مصرفا لها.

(مسألة 82): لا بد عند عزل الزكاة من تعيين المال المزكّي عند اختلاف نوعه و لو إجمالا، فلو كان عنده خمس من الإبل و أربعون شاة فعزل شاة واحدة لا بدّ من تعيين المال الذي يزكي بها. نعم لو أخرج شاتين دفعة كفي قصد مجموع المالين بهما بلا حاجة لتعيين كل منهما لأحد المالين. أما مع عزل الزكاة فلا يجب عند دفع المعزول تعيين المال الذي يخصه. و كذا الحال لو كان عليه خمس و زكاة مثلا، حيث يجب قصد التعيين، عند العزل، لا عند الدفع.

(مسألة 83): يجوز للمالك التوكيل في عزل الزكاة و في أدائها، و لا بد من نية الوكيل حينئذ بأن يقصد العنوان الموكّل فيه و امتثال أمر الموكل و تقريبه به. كما يجوز التوكيل في الإيصال إلي الفقير مع تعيينه من قبل المالك نظير الحمّال الذي تدفع له العين، و لا بد حينئذ من نيّة المالك عند دفع العين للوكيل، و لا يجب نية الوكيل أصلا.

(مسألة 84): تجب المبادرة لأداء الزكاة عند ظهور أمارات الموت أو التوثق عليها بالإشهاد و نحوه. أما في غيرها من الحقوق الشرعية، فلا يجتزأ بالتوثق إلا عند تعذر الأداء، لوجوب المبادرة لأدائها بخلاف الزكاة، كما تقدم في المسألة (71).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 389

(مسألة 85): لا يعطي الفقير من الزكاة أكثر من مؤنة السنة، و لا

حدّ له من طرف القلة و إن كان دفع ما دون الخمسة دراهم مكروها بل الأحوط استحبابا تركه.

(مسألة 86): إذا لم يؤدّ الشخص زكاته حتي مات وجب إخراجها مع بقاء النصاب، و كذا مع تلفه إذا كان ضامنا للزكاة بالتفريط أو تأخير الأداء مع وجود المستحق.

(مسألة 87): لو مات المالك بعد تعلّق الزكاة بماله و شك في أدائه لها، فإن لم يعلم بانشغال ذمته بها لاحتمال أدائها أو بقائها في النصاب، فإن تصرّف في النصاب تصرف المالك المطلق الظاهر في ملكيته لتمامه بني علي أدائها. و إلا فالأحوط وجوبا أداؤها، و كذا لو علم انشغال ذمته بها لتفريطه فيها، فإن الأحوط وجوبا أداؤها.

(مسألة 88): قيل يستحب لمن يأخذ الزكاة الدعاء للمالك.

مسألة: ذكر العلماء أنه يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب. و يستحب ترجيح الأقارب و تفضيلهم علي غيرهم، و من لا يسأل علي من يسأل، و صرف صدقة المواشي علي أهل التجمل. و هذه مرجحات قد يزاحمها مرجحات أخر أهم و أرجح.

(مسألة 89): يكره لصاحب المال استرجاع الزكاة من الفقير بشراء و نحوه، و كذا الحال في الصدقة المندوبة. نعم لا كراهة في بقائها علي ملكه إذا رجعا إليه بميراث و نحوه من المملّكات القهرية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 390

المقصد الثاني في زكاة الفطرة

اشارة

و هي من الزكاة الواجبة، و قد روي أن من لم تؤدّ عنه خيف عليه الموت في سنته، كما يظهر من بعض النصوص أن بها تمام الصوم. و الكلام فيها في ضمن فصول.

الفصل الأول في شروط وجوبها

و هي أمور:

الأول: البلوغ، فلا تجب علي الصبي.

الثاني: العقل، فلا تجب علي المجنون و لو كان جنونه أدواريا.

(مسألة 90): المشهور أنه يشترط في زكاة الفطرة عدم الإغماء. و الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما إذا خرج المغمي عليه عن قابلية التكليف عرفا، لاستحكام الإغماء، دون الإغماء الموقّت الملحق بالنوم عرفا.

الثالث: الحرية فلا تجب علي المملوك إلا إذا كان مكاتبا غير عيال للمولي.

الرابع: الغني، فلا تجب علي الفقير بالمعني المتقدم في زكاة الأموال، سواء كان فقره لعدم ملكه قوت السنة و عدم نهوض كسبه لتحصيله أم لكونه مدينا عاجزا عن وفاء دينه، و إن كان واجدا للقوت.

(مسألة 91): من كان واجدا لمؤنة السنة أو قادرا علي كسبها بعمل و نحوه و ليس واجدا لما يزيد عليها بقدر الفطرة تجب عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 391

(مسألة 92): لا بد من اجتماع هذه الشروط آنا مّا قبل غروب ليلة العيد إلي أن يتحقق الغروب، فمن فقد بعضها قبل الغروب بلحظة أو مقارنا للغروب لم تجب عليه. قيل: و لو اجتمعت لشخص هذه الشروط بعد الغروب إلي ما قبل الزوال استحب إخراجها.

(مسألة 93): إذا أسلم الكافر لم يكلّف بالفطرة سواء مضي وقتها أم لا إلا أن يكون إسلامه قبل الغروب آنا مّا أما إذا استبصر المخالف فالواجب عليه دفعها لو لم يدفعها و تداركها لو كان قد دفعها لغير المؤمن، نظير ما تقدم في زكاة المال.

(مسألة 94): يستحب للفقير إخراج الفطرة. و إذا لم يكن

عنده إلا صاع تصدّق به علي بعض عياله، ثم يتصدق به الآخر علي بعضهم و هكذا يتردد بينهم حتي يكون الصاع فطرة عنهم جميعا، و الأولي إخراجه في آخر الدور لأجنبي خارج عن العيال. و إذا كان فيهم صغير أو مجنون جاز دفعها له ثم دفعها عنه. و إن كان الأحوط استحبابا دفعها لخصوص البالغ العاقل من العائلة ثم أخذ الولي لها منه و دفعها عن المولّي عليه. نعم لا بد في جواز دفعها لبعض أفراد العائلة من كونه فقيرا، فلو كان غنيا لم يجز للمعيل و لا لغيره دفعها له فطرة.

الفصل الثاني في من يجب دفعها عنه

يجب علي من جمع شرائط التكليف المتقدمة أن يخرجها عن نفسه و عن كل من يعول به ممن يكون تابعا له عرفا في المعاش، سواء كان واجب النفقة أم لا، قريبا أم بعيدا، مكلّفا أم لا، مسلما أم كافرا، صغيرا أم كبيرا، حتي الضيف و نحوه ممن يكون من عياله و تابعا له موقّتا. نعم لا يكفي مجرد الحضور في الدار لدعوة و نحوها و إن أكل عنده إذا لم يبتن حضوره فيها علي التبعية للمعيل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 392

(مسألة 95): لا بدّ في وجوب إخراج فطرة الغير من صدق كونه عيالا آنا مّا قبل غروب ليلة العيد إلي أن يتحقق الغروب.

(مسألة 96): إذا تحمّل نفقة الغير لم يكف ذلك في صدق كونه من عياله، بل لا بدّ من نحو من التبعية له، بحيث يكون في حوزته.

(مسألة 97): إذا أدي المعيل عن العيال الفطرة سقطت عنهم، و إن لم يؤدها عصيانا أو جهلا أو نسيانا أو لعدم تمامية شروط الوجوب في حقه فالأحوط وجوبا عليهم أداؤها.

(مسألة 98): يجوز التبرع بالفطرة

عمّن كلّف بها من دون حاجة لتوكيله.

و يترتب علي ذلك أنه لو أدي العيال الفطرة عن أنفسهم سقطت عن المعيل و إن تمت في حقه شروط وجوبها.

(مسألة 99): إنما تجب فطرة الولد و الزوجة إذا كانا عيالا للأب و الزوج، فلو لم يكونا عيالا لهما لم تجب نفقتهما عليهما، بل علي من يعول بهما.

(مسألة 100): إذا تعدد المعيل مع وحدة العيال وجبت فطرتهم علي الكل بالنسبة، فإن لم يؤدّ بعضهم عصيانا أو لعدم واجديته لشروط الوجوب فالأحوط وجوبا علي الباقي أداء ما عليه بالنسبة بل الأحوط وجوبا تتميم العيال مع واجديتهم للشروط. و اللازم اتحاد جنس ما يخرجه الكل عن كل فرد من العيال، فلا يجوز أن يدفع بعضهم الحصة التي عليه من فطرة العيال من جنس مخالف لما يدفعه الآخر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 393

الفصل الثالث في جنسها و قدرها

يجزئ في الفطرة الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و كل قوت شائع يقوت به المكلّف عياله، من ذرة أو أرز أو أقط أو لبن أو غيرها، و الأفضل التمر، ثم الزبيب.

(مسألة 101): الأحوط وجوبا الاقتصار علي الصحيح و عدم الاجتزاء بالمعيب إلا أن يكون قوتا شائعا يقوت به المكلّف عياله.

(مسألة 102): لا يشترط اتحاد ما يخرجه المكلّف عن نفسه مع ما يخرجه عن عياله، و لا اتحاد ما يخرجه عن بعضهم مع ما يخرجه عن البعض الآخر. نعم لا يجزئ عن الواحد الصاع الملفّق من أكثر من جنس واحد.

(مسألة 103): المقدار الواجب إخراجه صاع. و هو ثلاثة كيلوات و أربعمائة و ثمانون غراما تقريبا، و إن دفع ثلاثة كيلوات و نصفا أو زاد عليها كان احتياطا وافيا.

(مسألة 104): لا يجزئ ما دون الصاع من جيّد

أحد الأجناس و إن كان مساويا في القيمة للصاع من متوسطها أو رديئها.

(مسألة 105): يجوز دفع القيمة من النقود و نحوها من الأوراق المالية المتداولة في عصورنا، دون غيرها من أنواع المتاع و العروض.

(مسألة 106): اللازم دفع القيمة السوقية العامة، و لا عبرة بالسعر الرسمي و لا بسعر الحصة التموينية التي تتعارف في بعض المناطق.

(مسألة 107): إذا اختلفت القيمة السوقية باختلاف الأوقات و الأزمنة وجبت قيمة وقت الإخراج و العزل دون قيمة وقت الوجوب، و إذا اختلفت القيمة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 394

باختلاف البلدان و الأمكنة وجبت قيمة بلد الإخراج و العزل أيضا دون بلد المكلّف.

الفصل الرابع في وقت إخراجها

وقت إخراجها يوم الفطر من طلوع الفجر و الأحوط وجوبا عدم تأخيرها عن الزوال، و الأفضل- بل الأحوط استحبابا- تقديمها علي صلاة العيد لمن يصلّيها.

و يكفي في ذلك العزل و لو مع عدم الدفع لانتظار المستحق كما سيأتي. فإذا مضي الزوال و لم يخرجها، فالأحوط وجوبا المبادرة إلي إخراجها قبل الغروب، و إذا مضي الغروب و لم يؤدها بقيت في ذمته حتي يؤدّيها مهما طال الزمان، و لو مات قضيت عنه.

(مسألة 108): يجوز تقديمها في شهر رمضان، و إن كان الأفضل إخراجها في وقتها.

(مسألة 109): يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس المتقدمة أو من قيمتها، و الظاهر عدم تحققه بعزلها في ماله علي نحو الإشاعة، بأن يجب عليه صاع مثلا، فيخرج صاعين ينوي أنّ نصفهما فطرة و نصفهما الآخر باق علي ملكه. نعم لو نوي الزائد صدقة مستحبة من دون أن يبقي في ملكه شي ء فالظاهر كفايته في تحقق العزل. و الأحوط وجوبا عدم الاكتفاء بالعزل علي نحو الإشاعة مع مال الغير، كما لو وجب عليه

صاع، فعزل الفطرة في طعام قدره صاعان مشترك بينه و بين غيره.

(مسألة 110): إذا عزلها لم يجز له تبديلها بغيرها. و لو فرّط فيها كان ضامنا.

و كذا لو لم يؤدّها مع وجود المستحق علي الأحوط وجوبا، و إن جاز له ذلك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 395

بانتظار مستحق خاص أو نحوه، علي نحو ما تقدم في زكاة المال.

(مسألة 111): يجوز نقلها إلي غير بلد الإخراج مع عدم وجود المستحق فيه، أما مع وجوده فالأحوط وجوبا صرفها فيه و عدم النقل منه، و ليس من النقل إخراجها في غير بلد التكليف، لسفر المكلّف إليه، أو لإخراج وكيله لها.

(مسألة 112): لو نقلها جاز دفعها في البلد الثاني و لم يجب إرجاعها لبلد الإخراج و صرفها فيه.

(مسألة 113): لو نقلها من بلد الإخراج لبلد آخر- لعدم المستحق أو مخالفة للاحتياط المتقدم- لم يجب صرفها في البلد الثاني، بل يجوز نقلها لغيره حينئذ.

الفصل الخامس في مصرفها

و هو مصرف زكاة المال من الأصناف الثمانية، علي الشرائط المتقدمة إلا أنه يجوز عند عدم وجود المؤمن دفعها للمستضعف. و هو مقدم علي نقلها من بلد الإخراج.

(مسألة 114): لا يجوز للهاشمي أن يأخذ فطرة غير الهاشمي و إن كانت مستحبة، كفطرة الفقير.

(مسألة 115): المعيار في الهاشمي الذي يجوز للهاشمي أخذ فطرته علي المعيل دون العيال، فإذا كان المعيل هاشميّا و العيال غير هاشمي جاز للهاشمي أخذ فطرته، و إن كان الأحوط استحبابا الترك.

(مسألة 116): يجوز للمالك دفعها بنفسه و بوكيله، و منه الدفع للحاكم الشرعي إذا لم يكن له، بل لإيصالها للفقير.

(مسألة 117): الأحوط وجوبا أن لا يدفع للفقير أقل من صاع. و يجوز أن يدفع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 396

له صاعا

و كسرا، بأن يقسّم ثلاثة أصوع علي رجلين مثلا.

(مسألة 118): يستحب تقديم الأرحام و الجيران. و ينبغي الترجيح بالعلم و الدين و الفضل، نظير ما تقدم في زكاة المال التي تشاركها الفطرة في بقية الأحكام المتقدمة.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 397

اشارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 399

كتاب الخمس و هو حق فرضه اللّه تعالي له و لرسوله الأمين صلّي اللّه عليه و آله و لآله الطاهرين عليهم السّلام، و لبني هاشم، عشيرته الأقربين عوضا عما منعهم منه من صدقات الناس و أوساخهم، كرامة لهم، و رفعا لشأنهم، و تشريفا لمقامهم، و حفظا لحق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فيهم.

فعلي المؤمنين أعزهم اللّه تعالي الاهتمام بأداء هذا الحق، كي لا يعدّوا في عداد الظالمين لأهله المعتدين عليهم، فعن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة إذا قام صاحب الخمس فقال: يا رب خمسي». و بذلك طهارة المؤمنين، و حلّ أموالهم، و نماء أرزاقهم، فعنه عليه السّلام أنه قال: «إني لآخذ من أحدكم الدرهم و إني لمن أكثر أهل المدينة مالا، ما أريد بذلك إلا أن تطهروا».

و عن الإمام الكاظم عليه السّلام أنه قال: «و اللّه لقد يسّر اللّه علي المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحدا و أكلوا أربعة أحلاء، ثم قال: هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به و لا يصبر عليه إلا ممتحن قلبه للإيمان». و عن الإمام الرضا عليه السّلام في كتاب كتبه في أمر الخمس «. فلا تزووه عنا، و لا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه، فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم تمحيص ذنوبكم و ما

تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم، و المسلم من يفي ء للّه بما عهد إليه، و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب».

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 400

مقدمة:

المعيار في ثبوت الخمس الملك و الاستفادة الشخصية، فلا يثبت في الأموال العامّة و لا في الأموال غير المملوكة من المباحات الأصلية أو المتعينة للجهات العامة. و إنما يثبت في الأموال المملوكة لأشخاص بأعيانهم من دون فرق بين الملكية الاختيارية و القهرية. كما لا يعتبر التكليف في من يجب في ماله الخمس. فيثبت الخمس في مال الطفل و المجنون، و يتولي إخراجه الولي.

و حيث ظهر ذلك فالبحث في المقام في فصلين.

الفصل الأول في ما يجب فيه الخمس

و هو أمور:

الأول: الغنائم المنقولة المأخوذة بالحرب من الكفار الذين يحلّ قتالهم إذا كان بإذن الإمام. أما إذا لم يكن بإذنه فإن كان الإمام مبسوط اليد و لم يكن القتال واجبا فالغنيمة كلها للإمام، و إن لم يكن الإمام مبسوط اليد- و لو لغيبته- فيجب في الغنيمة الخمس لا غير. و كذا إذا وجب القتال علي المسلمين من دون إذنه، كما في القتال دفاعا عند تعذّر استئذانه، فإنّه لا يجب في الغنيمة- حينئذ- إلا الخمس.

(مسألة 1): ما يؤخذ من الكافر الحربي من غير قتال لا يجب فيه الخمس إلا أن يزيد علي مؤنة السنة علي النحو الآتي في الأمر السابع مما يجب فيه الخمس.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 401

الثاني: المعدن، كالذهب و الفضة و الرصاص و الحديد و النحاس و الألمنيوم و غيرها من الفلزات. و منه أو يلحق به النفط و الكبريت و الملح و نحوها مما يخرج من الأرض و يباينها عرفا. و أما مثل العقيق و الفيروزج و الياقوت و نحوها من الأحجار الكريمة فإلحاقها به لا يخلو عن إشكال، و إن كان هو الأحوط وجوبا. نعم لا يلحق به الجص و النورة و حجر الرحي و طين الغسل

و نحوها مما كان له خصوصية ينتفع بها و يرغب فيها من دون أن يخرج عن اسم الأرض.

(مسألة 2): يشترط في ثبوت الخمس في المعدن بلوغ ما يخرج منه من موضع واحد بعد استثناء مؤنة الإخراج قيمة عشرين مثقال من الذهب و هي تقارب خمسة و ثمانين غراما.

(مسألة 3): إذا أخرج المعدن من محل واحد علي دفعات كفي في ثبوت الخمس بلوغ المجموع النصاب إذا صدق علي المجموع عرفا أنه إخراج واحد، لتقارب الدفعات. أما مع بعد الفاصل بين الدفعات بحيث يصدق تعدد الإخراج فيلزم في وجوب الخمس في كل إخراج بلوغه النصاب، و لا يكفي بلوغ المجموع النصاب.

(مسألة 4): المعدن تابع للأرض التي هو فيها، فإن كانت مملوكة كان لمالكها، و لا يجوز لغيره إخراجه إلا بإذنه أو إذن وليه، و إذا أخرجه بغير إذنه لم يملكه، بل يكون لمالك الأرض. و عليه خمسه إذا صار تحت يده.

(مسألة 5): إذا اشترك جماعة في إخراج المعدن كفي بلوغ مجموع ما خرج منه النصاب، و إن كانت حصة كل منهم لا تبلغه.

الثالث: الكنز. و هو المال المدفون في الأرض، إذا بعد عهده بحيث ينقطع عن مالكه و وراثه عرفا لتقادم العهد، فإنّه يكون لواجده و عليه فيه الخمس.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 402

(مسألة 6): لا بدّ في وجوب الخمس من أن يكون المال المدفون من النقدين المسكوكين للمعاملة دون غيرهما من الذهب و الفضة، فضلا عن غير الذهب و الفضة من المجوهرات و الآثار القديمة و غيرها، فإنّه يجوز لواجدها تملكها بلا خمس. نعم إذا علم بكونه لمسلم طال العهد به فالأحوط وجوبا الجمع بين إجراء حكم مجهول المالك عليه و حكم ميراث من

لا وارث له. و كذا إذا كان في أرض الإسلام و علم بدفنه فيها بعد صيرورتها أرض الإسلام.

(مسألة 7): المال القديم إذا كان مكشوفا أو مخفيّا في غير الأرض- من جدار أو سقف أو غيرهما- يملكه واجده من دون خمس إلا أن يعلم بكونه لمسلم أو يكون في أرض الإسلام و يعلم كون جعله فيها بعد صيرورتها أرض الإسلام نظير ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 8): لا بدّ في وجوب الخمس في الكنز من بلوغ نصاب الزكاة، بأن يكون عشرين دينارا فما زاد أو مائتي درهم فما زاد، و لا يكفي الملفّق منهما إذا بلغ مجموعه قيمة أحد النصابين.

(مسألة 9): لا يفرق في حكم الكنز المتقدم بين أن يكون في أرض الإسلام و غيرها، عليه أثر الإسلام أو لا، يعلم بملك المسلم أو الذمي له أو بملك غيرهما له أو يجهل حال مالكه.

(مسألة 10): المال المدفون في الأرض إن قرب عهده، بحيث يحتمل وجود صاحبه أو وارثه إن كان في دار أو نحوها من الأمكنة المحجوبة عرّف أهل المكان به إن احتمل ملكيّتهم له، فإن عرفوه كان لهم، و إن لم يعرفوه فإن احتمل العثور علي صاحبه بالفحص و التعريف فالأحوط وجوبا ذلك، و كذا إذا علم بعدم ملكيتهم له أو كان في أرض مكشوفة. أما مع اليأس عن معرفة صاحبه-

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 403

قبل الفحص أو بعده- فيجب التصدق به عنه.

(مسألة 11): إذا اشتري دابة فوجد في جوفها مالا وجب تعريف بائعها به إن احتمل كونه له، و مثله الواهب لو كانت موهوبة، و لو قرب عهد البائع أو الواهب و عرف من سبقهما و احتمل ملكه له فالأحوط وجوبا تعريفه

أيضا و مع عدم معرفتهم به فهو لواجده. و كذا الحال في ما يوجد في جوف السمكة إن كانت مدجّنة عند المالك السابق، بحيث يتعارف ابتلاعها ما يقع في حوضه من ماله، و إن كانت مصطادة من البحر أو النهر فلا يعرف المالك السابق بالمال الموجود فيها، بل يتملّكه واجده. و لا يجب الخمس في الجميع إلا أن يفضل عن المؤنة علي التفصيل الآتي في الأمر السابع مما يجب فيه الخمس.

الرابع: ما اخرج بالغوص أو بآلة من البحر أو النهر من الجوهر و نحوه، بل الأحوط وجوبا العموم فيه لما يخرج من البحر بنفسه فيطفو علي وجهه، أو يلقيه علي الساحل. و أما مثل السمك من الحيوان فهو خارج عن هذا القسم و إن أخذ بالغوص.

(مسألة 12): يختص هذا القسم بما يكون في البحر من المباحات الأصلية التي يتعارف اكتسابها بمهنة الغوص المعهودة، دون مثل ما غرق في البحر و استخرج بالغوص أو بالآلة عند ترك صاحبه له فإنّه لمستخرجه من دون خمس، إلا أن يفضل عن مؤنة السنة علي ما يأتي في الأمر السابع مما يجب فيه الخمس.

(مسألة 13): ما يوجد من الجواهر و نحوها في جوف السمك و نحوه من الحيوانات البحرية المأخوذة بالغوص أو بالآلة لا يدخل في هذا القسم إلا أن يتعارف اكتسابه من طريق أخذ الحيوان الذي هو في جوفه، بحيث يكون عرفا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 404

داخلا في مهنة الغوص.

(مسألة 14): يشترط في وجوب الخمس في هذا القسم بلوغه- بعد استثناء مؤنة الإخراج- النصاب، و هو قيمة دينار، و يجري هنا ما تقدم في المعدن من حكم الدفعة و الدفعات و الانفراد و الاشتراك.

(مسألة 15): يجب الخمس

في العنبر إن أخذ من وجه الماء. و الأحوط وجوبا عدم اعتبار النصاب فيه و إن أخذ بغوص أو بآلة.

الخامس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم إذا لم تكن واجدة لعنوان زائد من دار أو خان أو بستان أو نحوها. بل مطلقا علي الأحوط وجوبا. كما أن الأحوط وجوبا العموم لغير الشراء من أسباب انتقال الملك.

(مسألة 16): لا يسقط هذا الخمس بإسلام المشتري، فيجب عليه أداؤه لو لم يؤدّه حال كفره. و كذا لا يسقط ببيع الأرض علي المسلم فيكون البيع فضوليا في مقدار الخمس. نعم إذا كان المشتري مؤمنا حلّ له الخمس من الأرض و ملكه بالشراء.

السادس: المال المختلط بالحرام إذا لم يتميز الحرام منه عن الحلال، فإن إخراج الخمس منه يحلله. و مصرف الخمس في هذا القسم هو مصرف سائر أقسام الخمس.

(مسألة 17): إذا تميز الحرام لم يشرع الخمس، بل لا بدّ من التصدق بالحرام بعد اليأس من الوصول لصاحبه، كما هو الحال في سائر الأموال المجهولة المالك.

(مسألة 18): الظاهر أن التصدق بمجهول المالك لا يتوقف علي استئذان الحاكم الشرعي و إن كان هو الأحوط استحبابا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 405

(مسألة 19): لا بدّ من كون المتصدّق عليه في المقام فقيرا، كما هو الحال في جميع موارد الصدقة.

(مسألة 20): لا فرق في محلّلية الخمس للمال المختلط بالحرام بين العلم بكون الحرام أكثر من الخمس و العلم بكونه أقل من الخمس، و الجهل بالأمرين.

نعم مع العلم بنسبة الحرام للحلال يمكن الرجوع للحاكم الشرعي و المصالحة معه من أجل القسمة و تمييز الحرام من الحلال ثم التصدق بالحرام عن صاحبه الذي هو حكم مجهول المالك، و لا يحتاج مع ذلك للخمس.

(مسألة 21): إذا

تبيّن المالك قبل دفع الخمس وجب دفع حقه له و لا يشرع الخمس. بل هو الأحوط وجوبا لو ظهر بعد دفع الخمس.

(مسألة 22): إذا كان في ذمته مال للغير و قد يئس من معرفة صاحبه أو الوصول إليه وجب عليه نية الوفاء لو قدر عليه. قيل: و يجب عليه التصدق بمقدار المال المذكور، و هو المعروف في عصورنا بردّ المظالم. لكن الظاهر عدم وجوب ذلك عليه، بل لا يجزئ في فراغ الذمة من المال، نعم لا بأس في التصدق المذكور بإذن الحاكم الشرعي برجاء فراغ الذمة به، مع نية الوفاء لو قدر علي المالك.

(مسألة 23): إذا كان المال الحرام المختلط بالحلال غير مملوك لشخص خاص، بل متعين لجهة معينة معلومة كالحقوق الشرعية و نماء الوقف المعلوم المصرف لم يشرع الخمس، بل يجب مراجعة ولي المال المذكور و التصالح معه لتخليص المال من الحرام المذكور. بل لو تردد المال بين جهتين أو أكثر وجب الاحتياط مع عدم لزوم الضرر منه، و مع لزوم الضرر فالظاهر الرجوع للقرعة.

(مسألة 24): يحرم التصرف بالمال المختلط بالحرام قبل إخراج الخمس،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 406

فإن فعل و صادف إن أتلف الحرام انتقل للذمة و جري عليه ما تقدم في المسألة الثانية و العشرين.

السابع: ما يفضل عن مؤنة سنته له و لعياله من فوائد الصناعات و الزراعات و التجارات و الإجارات و حيازة المباحات، بل جميع الفوائد حتي مثل الهبة و المال الموصي به و نماء الوقف و المهر و عوض الخلع و الميراث الذي لا يحتسب، لبعد المورّث عن الوارث سببا أو نسبا، بخلاف الميراث المحتسب، لقرب المورّث، فإنّه لا خمس فيه.

(مسألة 25): لا بدّ في صدق الفائدة

علي المال من كونه مملوكا للإنسان، فإذا كان مباحا له من دون أن يكون مملوكا له فلا خمس فيه، كبعض صور نماء الوقف، و مثل سهم الإمام الذي كثيرا مّا يدفعه الولي للشخص ليصرفه في حوائجه من دون أن يملّكه إياه. نعم لو ملّكه إياه وجب فيه الخمس كما يجب في سائر الحقوق الشرعية كسهم السادة و الزكاة و الكفارات و نحوها.

(مسألة 26): لا يكفي في صدق الفائدة التمليك القانوني، بل لا بدّ فيه من التملك الشرعي بتحقق سببه، فالأراضي المباحة المملّكة من قبل الدولة بعوض أو مجانا لا تكون من الفوائد التي يجب فيها الخمس إلا أن تملك شرعا بالإحياء، و كذا المباحات الأصلية كالحصي و الحجر و الجص و نحوها فإنها لا تكون من الفوائد التي يجب فيها الخمس إلا أن تملك شرعا بالحيازة.

(مسألة 27): لا فرق في الفوائد التي يجب فيها الخمس بين الأعيان الخارجية أو الذمية- كالديون علي الغير- و المنافع المملوكة بإجارة و نحوها، و الحقوق المجعولة بمعاوضة مالية، كحق السرقفلية، إذا كان بذل المال في مقابل حق في العين المستأجرة للدافع علي المالك يقتضي أولويته باستئجارها من غيره، و أما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 407

إذا كان هدية من الدافع للاستئجار من دون أن يستحق في قباله شيئا فلا يعدّ مالا. نعم يكون بذل المال من مقدمات تحصيل الربح التي تستثني من الربح كما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 28): إذا باع ثمرة بستانه سنين متعددة كان الثمن من أرباح سنة البيع و وجب الخمس في ما يفضل منه عن المؤنة، و كذا إذا آجر داره سنين، فإن الأجرة تكون من أرباح سنة الإجارة، أما إذا آجر نفسه

علي عمل مدة طويلة أو قصيرة، فإن الأجرة و إن كانت من أرباح سنة الإجارة، إلا أنه إذا مضت السنة و لم يؤدّ بعض العمل أو لم يؤدّه بتمامه كان العمل الذي بقي في ذمته مستثني بقيمته من أرباحه كالدين. فإذا آجر نفسه لصلاة عشر سنين فصلي سنة واحدة ثم انتهت السنة، كان قيمة التسع سنين كسائر الديون مستثناة من مجموع ربحه، و لا يجب الخمس إلا في الباقي من ربحه بعد استثنائها.

(مسألة 29): الأموال التي أدي خمسها أو التي لم يتعلق بها الخمس- كالميراث الذي يحتسب- إذا زادت زيادة متصلة متحدة معها عرفا لم تعدّ تلك الزيادة من الفوائد فلا يجب فيها الخمس، كما إذا نمت الشجرة أو سمنت الدابة أو كبرت. و لو بيعت العين مع الزيادة المذكورة لم يجب الخمس في الثمن أيضا.

(مسألة 30): الأموال التي أدّي خمسها أو التي لم يتعلق بها الخمس إذا زادت زيادة مباينة لها عرفا وجب الخمس في الزيادة، كالولد و الصوف و اللبن من الحيوان، و كالثمر من الشجر. بل لا يبعد عموم ذلك لما إذا لم ينفصل إذا كان له وجود معتدّ به عرفا مقدّرا بالمال، كالصوف إذا حان جزّه، و الثمر إذا كان صالحا للقطف.

(مسألة 31): الأموال التي أدّي خمسها أو التي لم يتعلق بها الخمس إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 408

ارتفعت قيمتها السوقية لم يجب الخمس في زيادة السعر من دون فرق بين ما اتّخذ للتجارة و ما اتّخذ للادخار و ما اتخذ للانتفاع و المؤنة. نعم إذا بيعت و كانت قد ملكت بالشراء كان الربح الحاصل بارتفاع السعر من فوائد سنة البيع و يجب فيه الخمس. أما لو ملكت بغير

الشراء- كالهدية و الميراث الذي لا يحتسب- فلا يجب شي ء ببيعها و إن ارتفع سعرها.

(مسألة 32): الأموال التي تعلق بها الخمس و لم يؤدّ خمسها إذا زادت زيادة متصلة أو منفصلة يجب الخمس في الزيادة تبعا لها. و كذا إذا ارتفعت قيمتها السوقية فإذا أريد دفع الخمس لزم إخراج خمس المجموع- من الأصل و الزيادة- من العين، أو بقيمته حين إخراج الخمس.

(مسألة 33): إذا نقص الخمس بسبب نزول القيمة السوقية لم يضمنه المالك و إن فرّط في عدم بيع العين حين ارتفاع سعرها أو في دفع الخمس عند رأس السنة، فإذا كان ربحه متاعا قيمته ألف دينار مثلا فلم يبعه و لم يدفع خمسه عامدا عاصيا حتي صار سعره خمسمائة دينار لم يجب عليه إلا خمسه فيدفعه من العين أو بقيمته و هي مائة دينار، و لا يجب عليه- مع ذلك- ضمان خمس فرق السعر، و هو ما يعادل مائة دينار اخري.

(مسألة 34): إذا اشتري أو استبدل متاعا بمال قد تعلق به الخمس و لم يؤدّه، فإن كان الشراء بعين المال المذكور، لم ينفذ الشراء في مقدار الخمس إلا بتنفيذ الحاكم الشرعي، فإذا أنفذه انتقل الخمس للمتاع، فيجب إخراج خمسه من العين، أو بقيمته حين دفع الخمس، و لم يكن دفع خمس الثمن الذي دفعه، فإذا أبدل سيارة قد تعلّق بها الخمس بسيارة اخري، فأجاز الحاكم الشرعي وجب أداء خمس السيارة الثانية- و لو بقيمته- لا أداء خمس السيارة الأولي. هذا إذا لم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 409

يكن المشتري مؤمنا، أما إذا كان مؤمنا فينفذ البيع بلا حاجة إلي إمضاء الحاكم الشرعي و ينتقل خمس الثمن للذمة و لا يجب خمس المثمن، كالسيارة

الثانية في المثال المتقدم.

أما إذا كان الشراء بالذمة و الوفاء بالمال الذي تعلق به الخمس- كما هو الغالب- انتقل خمس الثمن المدفوع للذمة و لم يجب الخمس في المثمن مطلقا، سواء كان المشتري مؤمنا أم غير مؤمن، و لم يتعلق الخمس بالمتاع الذي اشتراه. نعم إذا باع المتاع المذكور بربح كان الربح من فوائد سنة البيع، و وجب فيه الخمس إذا زاد عن مؤنة تلك السنة، فإذا اشتري سيارة- شخصية أو لعمله أو للتجارة- و دفع مائة ألف دينار قد تعلق بها الخمس وفاء لثمنها فإذا أجاز الحاكم الشرعي وجب دفع عشرين ألف دينار خمسا عمّا دفعه من الثمن، و لا يجب دفع خمس السيارة، إلا أن يبيعها بربح، فيجب دفع خمس الربح إذا زاد عن مؤنة سنة البيع.

(مسألة 35): المراد من مؤنة السنة التي يجب الخمس في الزائد عليها كل ما يتكلّف صاحب الربح صرفه لغرض عقلائي من سد حاجة له و لعياله- من مطعم أو ملبس أو مسكن أو علاج أو نحوها- أو تحقيق رغبة أو قيام بحق شرعي أو عرفي أو مواساة الغير و الإحسان إليه- ابتداء أو ردا للجميل- إلي غير ذلك مما يعدّ من نفقاته عرفا.

(مسألة 36): من جملة المؤن المصارف المستحبة- من حج أو زيارة أو صدقة أو غير ذلك- مهما كثرت و عظمت سواء تعارف قيام صاحب الربح بها و كانت مناسبة لشأنه أم لا.

(مسألة 37): لا يعتبر في المؤنة الرجحان، بل تعمّ المباحات و المكروهات،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 410

بل المحرّمات، فإن مرجوحيتها أو حرمتها لا تنافي استثناء ما ينفق فيها من الربح.

(مسألة 38): المعيار في المؤنة علي فعلية الصرف لا إلي الحاجة إليه، فمن

احتاج للإنفاق فلم ينفق- اقتصادا أو تقتيرا أو لتبرّع الغير عنه بالإنفاق- لم يستثن مقدار الحاجة من الربح، و من لم يحتج للإنفاق في مورد فأنفق كانت نفقته مستثناة من الربح. نعم لا بدّ من كون الإنفاق من الشخص لغرض عقلائي، بحيث يكون الإنفاق في شؤونه و لا يستثني المال الذي يتلفه من دون أن يصرفه في شؤونه، إلا أن يكون الإتلاف تبعا للإنفاق في المؤنة، كما لو صنع الطعام الكثير لعياله أو لضيوفه فتلف منه مقدار لكثرته من دون أن يصرف في حاجة، فإنّه يستثني أيضا.

(مسألة 39): لا فرق في المؤنة بين ما ينتفع به بإتلاف عينه- كالأكل و الشرب و الدواء- و ما ينتفع به مع بقاء عينه كدار السكن و الثياب و الأثاث- كالثلاجة و الغسالة و أجهزة التبريد و غيرها- حتي السيارة الشخصية التي هي من شؤون حياة الإنسان الخاصة، دون مثل سيارة العمل كما يأتي.

(مسألة 40): من جملة المؤن ما يتزين به الشخص أو يتزين به عياله من الحلي كالقلادة و السوار و الخاتم و نحوها.

(مسألة 41): ليس من المؤن المستثناة رأس مال التجارة، و لا آلات العمل الذي يتكسّب به، كالمعمل، و سيارة النقل و ديكور المحل و أجهزته، و كذا الحيوانات التي يعمل عليها أو ينقل عليها و غير ذلك، فإنها من جملة الأرباح التي يجب الخمس فيها، سواء احتاج إليها لتحصيل مؤنة سنته أم زادت عن ذلك و كان الغرض منها زيادة الربح.

(مسألة 42): من جملة المؤن المستثناة مصارف الحج و العمرة الواجبين في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 411

سنة الربح أو من سنين سابقه. لكن لو لم يحج- و لو عصيانا- لم تستثن مقدار المصارف

المذكورة. و كذا الحال في جميع ما وجب بنذر و نحوه من زيارة أو غيرها مما يقتضي صرف المال من دون أن يكون مالا بنفسه.

(مسألة 43): إذا وجب عليه بنذر أو غيره إنفاق مال في وجه خاص، فإن قام بذلك كان من المؤنة و استثني من الربح و إن لم يقم بذلك فالأحوط وجوبا عدم استثناء مقداره في النذر و الشرط، بل هو الأظهر في اليمين و العهد.

(مسألة 44): أداء الدين من المؤن المستثناة سواء كانت الاستدانة في سنة الربح أم قبلها. و إذا لم يؤدّ الدين كان مستثني أيضا إذا كان دينا لمؤنة السنة، كما لو استدان لشراء طعام لعياله. و كذا إذا كان الدين نفسه معدودا من المؤنة، كما لو ضمن في تلك السنة دين مؤمن معسر مثلا بلا إذنه. و أما في غير ذلك فلا يستثني مع عدم أدائه، كما لو تحمل دية بسبب القتل العمدي أو غيره أو ضمن مالا بسبب اليد أو الإتلاف، أو كان مدينا من سنين سابقه لمؤنة تلك السنين أو لغيرها، فإن الديون المذكورة لا تستثني من الربح إذا لم يؤدّها.

(مسألة 45): إذا كان حصول الربح موقوفا علي صرف مال كان ذلك المال مستثني من الربح كاجرة المحل و الحارس و الحمّال و صيانة البضاعة من التلف، و مصانعات السلطان المتعلقة بالمال و غير ذلك، فمن كان عنده مال مخمّس في أول السنة كعشرة آلاف دينار مثلا فأنفقه كله في مقدمات التجارة و تحصيل الربح لم يجب الخمس في الربح الحاصل بعد ذلك إلا أن يزيد علي المال المذكور، فإذا نقص الربح في السنة الأولي عن المال المذكور كما لو كان الحاصل خمسة آلاف دينار في المثال

السابق فإن عدّ النقص خسارة بعد ملاحظة الوضع الطبيعي في اكتساب المال كان رأس المال المخمس هو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 412

الناقص- و هو خمسة آلاف- و يجب الخمس في الزائد عليه في السنة الثانية، فإذا حصل له خمسة عشر ألف دينار كان ربحه منها عشرة آلاف دينار و وجب خمسها، و هو ألفان.

و إن لم يعدّ النقص خسارة لأن من شأن المقدمات المذكورة تأخّر ربحها- كما قد يكثر ذلك في الزراعة- فلا يجب الخمس في السنة الثانية إلا بعد استثناء تمام المال المصروف، فلو حصل له خمسة عشر ألف دينار كان ربحه منها خمسة آلاف لا غير و وجب خمسها و هو ألف فقط.

(مسألة 46): إذا كان حصول الربح مستتبعا لخسارة مال، كان مستثني من الربح، كضرائب السلطان، فتستثني من الربح و إن لم يبادر لدفعها إذا لم يمكن التخلص منها. و من ذلك ما إذا وجب عليه شرعا- بنذر أو يمين أو شرط أو غيرها- إنفاق مال علي تقدير حصول الربح، كما لو نذر أن يتصدق ببعض ربحه أو أن يتصدق بمقدار من المال إن ربح في معاملة خاصة أو نحو ذلك. نعم إذا لم يجب شرعا القيام بذلك- كما في الوعد المجرد أو النذر و اليمين غير الشرعيين- فلا يستثني إلا أن يبادر إلي القيام به في أثناء السنة، حيث يكون من المؤن المصروفة التي تقدم استثناؤها في المسألة الخامسة و الثلاثين.

(مسألة 47): المراد من المؤنة المستثناة هي مؤنة السنة، و مبدأ السنة هو ظهور أول ربح للإنسان مهما كان سبب حصوله. و لا يختلف مبدأ السنة باختلاف المكاسب و الأرباح، بل للإنسان سنة واحدة سواء ربح فيها أم لا،

اتحد مكسبه أم تعدد، اتحد نوعه أم تعدد. و علي المبدأ المذكور تتعاقب السنين.

(مسألة 48): المعيار في السنة علي السنة القمرية العربية. نعم إذا ضاق علي شخص الجري عليها لعدم مناسبته لوضعه أمكن مراجعة الحاكم الشرعي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 413

و المصالحة معه لنقلها للسنة الشمسية.

(مسألة 49): إذا كان رأس السنة غير مناسب لوضع الشخص أمكن الرجوع للحاكم الشرعي و المصالحة معه لتبديله.

(مسألة 50): إذا جهل الشخص مبدأ سنته بالمعني المتقدم أمكن الرجوع للحاكم الشرعي و المصالحة معه لتعيين مبدأ السنة.

(مسألة 51): يجب علي المكلّف أن ينظر في مبدأ سنته إلي ما زاد عن مؤنته من الأعيان التي ينتفع بها بإتلاف عينها- كالمطعوم و المشروب و الدواء و غيرها- فتكون من جملة أرباحه التي تخمّس. و كذا الأعيان التي ينتفع بها مع بقاء عينها إذا لم يستعملها و ينتفع بها انتفاع المؤنة، كالثياب غير المخيطة أو المخيطة غير الملبوسة، و الكتب التي لم ينتفع بها، و جميع الأثاث و المتاع الذي لم يستعمله بالوجه المناسب له. و أما إذا استعمله مدة معتدا بها بحيث يعدّ مستغلّا له عرفا، فإنّه يكون من المؤنة المستثناة و لا يجب الخمس فيه.

(مسألة 52): المؤنة التي ينتفع بها مع بقاء عينها- كالحلي و الثياب- إذا استعملها الشخص مدة معتدّا بها ثم استغني عنها لم يجب فيها الخمس، كالحلي التي تتركها المرأة بعد ما يتقدم بها السن. نعم إذا كان قد اشتراه فإذا باعه بربح كان الربح من جملة أرباح سنة البيع التي يجب فيها الخمس بعد استثناء مؤنة السنة، و أما إذا لم يكن قد اشتراه، بل كان هدية أو ميراثا فلا خمس فيه، و إن باعه بعد

ارتفاع سعره.

(مسألة 53): إذا مات صاحب الربح في أثناء السنة فالمستثني من الربح هو المؤنة إلي حين الموت لا مؤنة تمام السنة.

(مسألة 54): لا يشترط في استثناء مؤنة السنة من ربحها الإنفاق علي المؤنة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 414

المذكورة من ذلك الربح، بل إذا أنفق عليها من الدين أو من مال آخر كان له استثناء مقدار ما أنفق فيها من الربح.

(مسألة 55): إذا ادّخر من أرباح سنين متعددة مالا للمؤنة و لم ينفقه عليها إلا في سنين لاحقة كان عليه خمس ذلك المال المدّخر، كما لو ادخر من ربح سنين متعددة مالا لزواج أو شراء دار أو أثاث، أو غيرها، فإنّه يجب عليه خمس المال الذي يدخره من ربح كل سنة لا ينفقه في مؤنتها. و كذا إذا شرع في أعداد المؤنة تدريجا و لم يستغلها إلا في سنة لاحقة. فإذا اشتري مثلا في سنة أرضا للدار و شرع في بنائها في الثانية، و أكمل البناء في السنة الثالثة و لم يسكن الدار إلا في السنة الرابعة كان عليه في السنين الثلاث الأول خمس الدار لأنه لم ينتفع بها و لم تكن من مؤنته في تلك السنين.

و هذا بخلاف ما لو استدان للمؤنة و استغلها ثم وفّي دينه من أرباح السنين اللاحقة، كما لو استدان في سنة و اشتري دارا و سكنها أو تزوج، ثم و في دينه في السنين اللاحقة فإنّه لا خمس عليه لا في سنة الشراء أو الزواج، لعدم وفاء ربحه لمؤنته، و لا في السنين اللاحقة لصرف أرباحها في وفاء الدين الذي تقدم أنه من المؤن.

و كذا لو أنفق ربح سنته في بناء دار ناقصة و سكنها في نفس

السنة، ثم استمرّ في بنائها تدريجا في السنين اللاحقة و انتفع في كل سنة بما يحدثه فيها من أرباحها، حتي أكملها، فإنّه لا يجب عليه خمس شي ء من هذه الأرباح، لصرفها في مؤنة سنة تحصيلها.

(مسألة 56): لا فرق في استثناء مؤنة السنة من ربحها بين أن تكون سابقه علي حصول الربح و أن تكون لاحقة له، فمن لا يظهر ربحه إلا في آخر السنة يستثني

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 415

مؤنة تمام السنة منه.

(مسألة 57): الظاهر جبر ربح السنة للخسران الحاصل فيها سواء كانا في أبعاض فرد واحد، كما لو اشتري بضاعة فباع بعضها بربح و آخر بخسارة، أم في أفراد نوع واحد، كما لو اتجر تجارتين فربح في إحداهما و خسر في الأخري، أم في نوعين كما لو ربح في الزراعة و خسر في التجارة.

(مسألة 58): الظاهر جبر الربح للتلف الحاصل فيه أو في رأس المال، كما لو ربح في تجارته و سرق بعض بضاعته أو نقوده. بل الظاهر جبر الربح للخسارة الخارجة عن المكسب، كما لو ربح في تجارته و احترق بعض أثاث بيته أو هدمت داره، و إن كان الأحوط استحبابا في ذلك عدم الجبر.

(مسألة 59): يترتب علي المسائل الثلاث السابقة أن الربح الذي يخمّس في آخر السنة هو الزائد علي الموجود عند صاحبه في آخر السنة السابقة بعد إخراج تمام مؤنة سنة الربح و خسارتها و التلف الحاصل فيها.

(مسألة 60): إذا كان الشخص لا يحاسب نفسه سنين عديدة و لا يخرج خمسة فإذا أراد أداء الحق لزم عليه أداء الخمس في أمور:

الأول: المال الموجود عنده مما فضل علي مؤنته من نقود أو عقار أو آلات العمل و النقد التابع له،

و غير ذلك مما يملكه.

الثاني: كل خسارة أو تلف حصل له بالمقدار الزائد علي ربح سنة حصوله، إلا أن تكون خسارة أو تلفا في مال لا يجب فيه الخمس- و هو الميراث الذي يحتسب- أو في مال مخمّس.

الثالث: ما أنفقه علي مؤنته من أرباح سنين سابقه لم تخمّس، كما لو مضت عليه مدة لا يربح فيها أو ينقص ربحه عن مؤنته فكان ينفق من المال الذي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 416

اكتسبه في السنين السابقة و لم يؤدّ خمسة، إلا أن يكون ذلك المال الذي أنفقه لا خمس فيه- و هو الميراث الذي يحتسب- أو كان قد أخرج خمسه.

(مسألة 61): إذا اشتري عقارا مثلا ليس من المؤنة بدين، استثني الدين في آخر السنة من العقار، فلا يجب الخمس في العقار إلا في المقدار الزائد علي الدين، فإذا بقي العقار للسنة الثانية و قد برئت ذمته من بعض الدين أو جميعه فيها وجب الخمس في ما يقابل المقدار الذي برئت ذمته منه من الدين، و هكذا حتي يتم تخميس العقار بتمامه. و هكذا كل دين له مال مقابل عند المدين، فإن الدين يستثني من ذلك المال و لا يجب الخمس في ذلك المال مهما تعاقبت السنوات إلا بالمقدار الذي يزيد علي الدين و لا يقابل به.

(مسألة 62): إذا انتهت سنة الربح فلم يدفع الخمس و دفعه من أرباح السنة الآتية فإن كان ربح السنة الأولي باقيا لم يكن وفاء الخمس من مؤن السنة الثانية، بل يجب خمس المقدار الذي وفي به الخمس كبقية ربح تلك السنة، و إن كان تالفا كان وفاء الخمس من مؤن السنة الثانية فلا يجب الخمس في مقداره.

(مسألة 63): إذا انتهت

السنة و كان بعض أرباحها دينا حالّا في ذمة الناس ثبت في ذمة المدين خمس ما في ذمته فيجب عليه أداؤه بأداء الدين لصاحبه، و لا يجوز لصاحب الدين الإذن في تأخير الوفاء، إلا أن يبادر إلي أداء خمس الدين بنفسه. و لو أذن فإن كان المدين مؤمنا حلّ له التأخير و تحمّل الدائن تبعة تأخير الدين.

(مسألة 64): يتعلق الخمس بالربح بمجرد ظهوره إذا كان أكثر من مؤنة السنة، و يجوز للمالك تأخير دفعه إلي آخر السنة حتي لو علم بزيادته عن المؤنة.

(مسألة 65): يجوز للمالك تعجيل دفع الخمس بعد ثبوته قبل انتهاء السنة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 417

نعم لا يكفي في ذلك العلم بحصول الربح بما يزيد علي المؤنة في مجموع السنة و لو في أواخرها بعد دفع الخمس، بل لا بدّ من حصوله قبل دفع الخمس، إذ مع عدم حصوله لا خمس حتي يدفع، فمن احتاج إلي تعجيل الدفع قبل العلم بحصول الربح يتعين عليه الدفع بعنوان القرض ثم وفاء القرض من الخمس بعد ظهور الربح.

(مسألة 66): يجب المبادرة لأداء الخمس بعد انتهاء سنة الربح إذا كانت العين تحت يده، و لا يجوز تأخيره إلا بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 67): لا يجوز التصرف في العين التي تعلق بها الخمس بعد انتهاء سنة الربح من دون فرق بين التصرف الخارجي بالأكل و اللبس و نحوهما و التصرف الاعتباري بالبيع و الشراء و الإجارة و نحوها، و الأحوط وجوبا العموم في ذلك للتصرف بالبيع و الشراء و نحوهما من أجل تصفية المال و دفع الخمس، فلا بدّ من استئذان الحاكم الشرعي في ذلك، و قد أذنت في ذلك إذنا عامّا لكل من يريد به

المبادرة للأداء.

(مسألة 68): يتعلق الخمس بالعين و يتخيّر المالك بين دفع العين و دفع القيمة من النقود دون الأعيان الأخري. نعم في غنائم الحرب تكون الولاية في التعيين للإمام، و في الأرض التي يشتريها الذمي لا يبعد إلزام الذمي بدفع القيمة إذا لم يكن خمس العين صالحا للانتفاع. بل يحتمل ذلك مطلقا. و الأمر سهل لعدم الابتلاء بذلك في عصورنا هذه.

(مسألة 69): إذا تصرف المالك في المال الذي تعلق به الخمس قبل إخراج الخمس بالبيع أو الشراء أو الهبة أو الإبراء أو الإجارة أو الإذن في التصرف لم ينفذ تصرفه بدون إذن الحاكم الشرعي، فلا يجوز للغير ترتيب الأثر علي ذلك،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 418

نعم يجوز للمؤمن ترتيب الأثر علي ذلك لأن الأئمة عليهم أفضل الصلاة و السلام قد أباحوا لشيعتهم ذلك فينتقل خمس العين لذمة صاحب الحق إن أخذ المؤمن العين، كما ينتقل خمس منفعتها لذمة صاحب الحق إن تصرف المؤمن في المنفعة بإذنه. بل يكفي أخذ المؤمن للعين بوجه شرعي و لو من دون تصرف من صاحب المال، كما في موارد المقاصّة و استيفاء الدين عند امتناع المدين من أدائه و نحوها و كذا في ميراث المال إذا لم يكن المورث بانيا علي أداء الخمس، و أما إذا كان بانيا علي أدائه و قد غلبه الموت فالأحوط وجوبا عدم سقوط الخمس عن العين خصوصا إذا أوصي به، فيلزم إخراجه.

الفصل الثاني في مستحق الخمس

يقسم الخمس في زماننا- زمان الغيبة- نصفين، نصف لإمام العصر الحجة المنتظر عجّل اللّه فرجه و جعل أرواحنا فداه، و نصف لبني هاشم زادهم اللّه شرفا.

(مسألة 70): المراد من بني هاشم من انتسب لهاشم بالأب من دون فرق بين بطونهم، نعم

الأولي تقديم العلوي بل الفاطمي.

(مسألة 71): يعتبر في بني هاشم الإيمان، و الفقر بالنحو المتقدم تفصيله في الزكاة. نعم في ابن السبيل يكفي الفقر في بلد التسليم و إذا لم يتمكن من الاستدانة بالنحو الذي يقدر معه علي الوفاء من ماله و الذي لا يلزم منه الإهانة و الحرج عليه. و الأحوط وجوبا أن لا يكون عاصيا بسفره.

(مسألة 72): لا يعطي الفقير أكثر مما يتمّ له به مؤنة سنته، و أما ابن السبيل فلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 419

يدفع له أكثر مما يوصله لبلده، إلا أن يحتاج للاستمرار في سفره فيدفع له ما يسدّ حاجته فيه.

(مسألة 73): لا يصدّق من ادعي النسب إلا بالبيّنة، أو الشياع الموجب للاطمئنان، و قد تقدم في الزكاة ما ينفع في المقام.

(مسألة 74): لا يجوز للشخص إعطاء الخمس الذي في ماله لمن تجب نفقته عليه، إلا إذا كانت عليه نفقة غير لازمة عليه علي التفصيل المتقدم في الزكاة.

(مسألة 75): لا بدّ في دفع نصف الحق لبني هاشم من تمليكهم له بقبض المستحق أو وليه، و لا يكفي بذله لهم أو صرفه عليهم من دون تمليك.

(مسألة 76): لا يشرع اشتراط مصرف خاص علي من يملك الحق من بني هاشم.

(مسألة 77): لا يستقلّ من عليه الحق في توزيع نصف الخمس علي مستحقيه من بني هاشم، بل لا بدّ من استئذانه الحاكم الشرعي في ذلك، و قد أذنت لمن عليه الحق في دفع الحق المذكور لهم، و ينبغي له ملاحظة المرجحات الشرعية.

(مسألة 78): لا يجوز صرف النصف الراجع للإمام في عصر غيبته إلا في مورد يحرز رضاه بصرفه فيه، للعلم باهتمامه صلوات اللّه عليه به بمقتضي منصبه الرفيع و ولايته العامة

و رعايته للدين و أبوته علي المؤمنين و كفالته لهم و لا نحرز ذلك إلا في موردين:

الأول: خدمة الدين الحنيف برفع دعائمه و إقامة شعائره و الحفاظ علي حرماته، و دفع عادية المعتدين عليه و ردّ كيد الظالمين عنه و ترويج الشرع الشريف و نشر أحكامه، و من أهم مصاديق ذلك خدمة أهل العلم المخلصين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 420

الصحيحين المهتمين بأداء وظيفتهم الذين يصرفون أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية و تحقيق حقائقها، و الباذلين أنفسهم في تعليم الجاهلين و إرشاد الضالين و نصح المؤمنين و وعظهم و إصلاح ذات بينهم و نحو ذلك مما يرجع إلي تقوية دينهم و تكميل نفوسهم و تقريبهم من ربهم، فإنهم من أحسن مصارف هذا الحق فلهم أن يأخذوا منه ما يكفيهم و يحفظ لهم عزتهم و كرامتهم و يستغنون به عن غيرهم ليتفرّغوا لأداء واجبهم، و القيام بوظيفتهم، بعيدا عن التوسع و الجمع و السرف و الترف.

و أما من تزيّي بزيّهم و انتسب لهم من دون أن يؤدي خدمة أو يقوم بواجب فلا يستحق من هذا الحق شيئا، و لو أخذ منه كان سارقا، و أولي بذلك من اتخذ من زيّه و نسبته لهم سلّما للدنيا المحرّمة لا يهمه من أين أتته و أي طريق يركبه إليها، فصار أداة للشيطان سببا لطمس الحقائق و تضليل الغافلين و تحريف أحكام الشرع المبين. أعاذنا اللّه تعالي من ذلك و كفانا شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا و أعاننا علي أنفسنا بما يعين به الصالحين علي أنفسهم. و هو حسبنا و نعم الوكيل.

الثاني: دفع ضرورات المؤمنين المتديّنين و مدّ يد العون إليهم، و إغاثة لهفتهم و تنفيس كربتهم، فإنّهم عيال

صاحب هذا الحق صلوات اللّه عليه اللازمون له الذين يجب عليه نفقتهم و كشف ضرّهم و الذين يحزنه حزنهم و يؤلمه ألمهم، لأنه الأب الرؤوف و الوالد العطوف، ففي تفريج كربتهم و إغاثة لهفتهم تفريج لكربته و أداء لوظيفته في غيبته و تحقيق لرغبته في محنته.

و اللازم وراء هذين المصرفين شدة الاهتمام بإحراز رضاه عليه السّلام و بذل الوسع في ذلك بملاحظة المرجّحات و الأولويات بعيدا عن الأغراض الشخصية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 421

و المغانم الفردية، فإنّ الحق حقّه و المال ماله، و كل من قدّم مصلحته علي مصلحة الحق خائن له صلوات اللّه عليه و لمنصبه الرفيع مهما كان مقام ذلك الشخص و إن خدعته نفسه بالأماني الكاذبة و الأوهام الباطلة.

(مسألة 79): لا يجوز للمالك الاستقلال في التصرف بنصف الخمس الراجع للإمام و صرفه في مصارفه المتقدمة، بل لا بدّ من الرجوع للحاكم الشرعي المستوعب للجهات العامة و الخاصة و العارف بجهات الصرف، الذي يتيسر له القيام بها و لو بالاستعانة بأهل المعرفة و الأمانة فيكون صرف الحق المذكور برأي كلّ من المالك و الحاكم، إما بإيكال أحدهما الأمر للآخر أو إعمال نظرهما معا في كيفية الصرف، فاللازم علي المالك الرجوع لمن هو الأوثق في نفسه في الأمانة و المعرفة و حسن التصرف و بعد النظر بعد التثبت و بذل الجهد، و الحذر ثم الحذر من المؤثرات الخارجة عن مقتضي الوظيفة الشرعية، فإنّ هذا الحق أمانة بيده و بيد الحاكم الشرعي المذكور و بيد كل من تقع يده عليه، فاللازم علي الكلّ تحرّي الأقرب فالأقرب من رضاه صلوات اللّه عليه، لتؤدي الأمانة فيه علي أفضل الوجوه و أحوطها، مع صدق النية و

الإخلاص في أداء الواجب و البعد عن الرغبات الشخصية و المغانم الفردية و محاباة الآخرين.

فلعلّ اللّه سبحانه و تعالي إذا علم ذلك من القائمين به سدّدهم في عملهم و وفقهم في مسعاهم و أجري الخير علي أيديهم و بارك لهم في أمرهم، و إن أخطأوا مع ذلك قبل منهم و عفي عنهم، لأن نية المرء خير من عمله و لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا، و إلا خذلهم في أمرهم و أوكلهم إلي أنفسهم، يتورّطون في الشبهات و يرتطمون بالمحرمات، فإن صادف أن ترتب النفع علي عملهم لم يكونوا مشكورين و لا مأجورين، و إن ضاع الحق بتصرّفهم و صرف في غير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 422

مورده كانوا محاسبين علي تفريطهم، مؤاخذين بخيانتهم يوم لا يغني مولي عن مولي شيئا و لا هم ينصرون، و هذا هو الواجب في جميع موارد أداء الوظائف الشرعية و القيام بها، لأن المطالب بها عالم بالسرائر و مطلع علي الضمائر قد أوضح معالم الحق و استكمل الحجة علي الخلق.

(مسألة 80): إذا أذن الحاكم الشرعي في أخذ الحق لشخص يعلم من نفسه أنه ليس أهلا له- إما دفعا لشرّه أو ضرره، أو لخطئه في تشخيص حاله بعد استكمال الفحص حسب طاقته- لم يحلّ المال لذلك الشخص، لأن الحاكم الشرعي و إن كان معذورا قد أدي وظيفته حسب طاقته و اجتهاده إلا أنه لا يحلّل حراما و لا يحرّم حلالا، و لا يغيّر حقّا و لا باطلا، فالمال المدفوع كالرشوة التي يدفعها صاحبها عند الضرورة دفعا للشر، يحلّ له دفعها و يحرم علي آخذها أخذها و أكلها، أو كالمال المأخوذ بشهادة الزور الذي هو قطعة من النار و إن

كان الحاكم به نبيّا أو وصيّا.

(مسألة 81): ليس من مصارف هذا الحق العاملون عليه الذين يتولّون أخذه من صاحب المال و إيصاله للحاكم الشرعي، فإن ذلك مختص بالزكاة فقد جعل اللّه تعالي للعالمين عليها سهما فيها من ثمانية أسهم- علي تفصيل تقدم في كتاب الزكاة- و لم يجعله في بقية الواجبات المالية من الخمس و غيره.

نعم إذا كان الموصل للحق من مصارفه- في نفعه الديني أو حاجته و تديّنه- جاز دفع شي ء له مما أوصل أو من غيره، بل قد يستحقّ أكثر مما أوصل، علي نحو ما تقدم في المسألة التاسعة كما أنه إذا كان عارفا بجهات صرفه مطلعا عليها مأمونا علي الحق يطيق أداء الوظيفة فيه حسن التعاون معه و مع أمثاله في إيصال الحق لأهله و صرفه في مصارفه و أداء الأمانة فيه، بل قد يحسن أن يوكل إليه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 423

صرف تمام ما حمل أو أكثر منه حسبما يراه الحاكم الشرعي الذي هو مأمون عليه و ناظر فيه.

و قد خرجنا في تحرير هذه المسائل عن الوضع التقليدي رغبة في إيضاح بعض الحقائق المسلّمة التي قد تتعرض في زماننا هذا للتشويه و التحريف.

و نسأله سبحانه و تعالي أن يسدّد القائمين علي هذا الحق المتولّين لصرفه و يوفقهم لأداء وظيفتهم علي أكمل وجوهها و أرضاها لصاحب هذا الحق إمام العصر و ولي الأمر عجل اللّه تعالي فرجه، ليكونوا بذلك مرضيين لديه، مقبولين عنده، معدودين في خدامه و أعوانه في غيبته، مستحقين دعاءه و شفاعته، ليفوزوا بأعلي منازل المقربين و أرفع درجات العاملين. و ما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت و إليه أنيب، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

(مسألة 82): يجوز

نقل الخمس من بلد المال الذي وجب فيه إلي غيره مع عدم وجود المستحق فيه أو عدم معرفته، بل مع وجوده و معرفته إذا لم يكن النقل منافيا للفورية، و أما إذا كان منافيا لها فلا يجوز إلا بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 83): يجوز عزل الخمس في مال مخصوص بإذن الحاكم الشرعي فيتعين الخمس في المال المعزول و يتخلص المال من الحق. و حينئذ لا يجوز تبديل المال المعزول بغيره. كما أن المال المعزول يكون أمانة في يد صاحبه لا يضمنه إلا مع التعدّي و التفريط و لو بتأخير الدفع للمستحق. و أما استقلال صاحب المال بعزل الخمس من دون إذن الحاكم الشرعي فالظاهر عدم ترتب الأثر عليه.

(مسألة 84): إذا كان له دين في ذمة المستحق ففي كفاية احتسابه عليه من النصف الراجع للسادة إشكال. و الأحوط وجوبا الاستئذان من الفقير ليقبض عنه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 424

مقدار الحق الذي يراد دفعه إليه ليملكه ثم يؤخذ وفاء عن ذمته. و أما النصف الراجع للإمام فالظاهر جواز احتسابه بإذن الحاكم الشرعي.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 425

كتاب الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 427

اشارة

و هما من أعظم الواجبات الدينية و بهما يصلح المجتمع و يقمع الفساد و يستدفع الشر. قال تعالي كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ و قال عزّ من قائل وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «إذا أمّتي تواكلت [تواكلوا] الأمر بالمعروف و النهي

عن المنكر فليأذنوا بوقاع من اللّه» و عن الإمام الرضا عليه السّلام أنه قال: «لتأمرنّ بالمعروف و لتنهنّ عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم» و عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال: «إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل الأنبياء و منهاج الصلحاء، فريضة عظيمة تقام بها الفرائض و تأمن المذاهب و تحلّ المكاسب و تردّ المظالم و تعمر الأرض و ينتصف من الأعداء و يستقيم الأمر» و في حديث: «قال النبي صلّي اللّه عليه و آله كيف بكم إذا فسدت نساؤكم و فسق شبابكم و لم تأمروا بالمعروف و لم تنهوا عن المنكر فقيل له: و يكون ذلك يا رسول اللّه قال:

نعم، و شرّ من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر و نهيتم عن المعروف فقيل له:

يا رسول اللّه و يكون ذلك قال: نعم، و شرّ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا و المنكر معروفا».

و الكلام فيه يقع في ضمن فصول.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 428

الفصل الأول في حقيقتهما

يجب علي المؤمن بالنسبة للمعروف و المنكر موقفان مترتبان طبعا:

الأول: الموقف النفسي و هو: الانس بالمعروف و الانسجام معه و الانزعاج من المنكر و الرفض له نفسيا. و هو المراد بإنكار المنكر بالقلب.

الثاني: الموقف العملي، و هو محاولة التغيير بالحث علي المعروف عند تركه بالأمر به و التشجيع عليه و الردع عن المنكر عند فعله بالنهي عنه و التبكيت عليه.

و هو المراد بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و له مراتب الاولي: التغيير الصامت بظهور الغضب و التألم من العاصي و الإعراض بالوجه عنه و الهجر له في المعاشرة و قطع الإحسان عنه و نحو ذلك.

الثاني: التغيير بالقول بالأمر

و النهي و الوعظ و التذكير بثواب اللّه تعالي و عقابه و نحو ذلك.

الثالثة: التغيير العملي بالعقاب علي المعصية عند القيام بها بالضرب و الحبس و الجرح و نحوها.

الفصل الثاني في شروط وجوبهما
اشارة

و الكلام في ذلك في مقامين:

المقام الأول: في الموقف النفسي الذي تقدم أنه المراد بإنكار المنكر في القلب. و هو واجب علي كل أحد، و لا يتوقف وجوبه علي شي ء إلا العلم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 429

بالمعروف و المنكر حيث لا يحتاج إلي مؤنة بعد ذلك و من ثم كان من لوازم كمال الإيمان التي لا تفارقه، بل هو روح الإيمان بالدين و جوهره.

و يترتب عليه أن المؤمن إن صدرت منه الحسنة سرّته و أنس بها، و إن صدرت منه السيئة سائته و ندم عليها، و أنّب نفسه، و علي هذا ورد عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام قولهم: «من سرّته حسنته و ساءته سيئته فهو مؤمن». و كذا إذا صدرت الحسنة من غيره فهو يأنس بها و يبارك له، و إن صدرت السيئة من غيره أنكرها في نفسه و أنكر عمله، و علي هذا ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام قوله: «إنما يجمع الناس الرضا و السخط، فمن رضي أمرا فقد دخل فيه و من سخطه فقد خرج منه».

و اللازم علي المؤمن شدة الاهتمام بهذه الجهة و الحذر من التفريط فيها. فإنّ كثرة وقوع المعاصي و ألفتها و التعوّد عليها قد توجب خفّة الاستياء منها و الغضب لها، حتي يغفل المؤمن عن قبحها، و يأنس بها تدريجا كما أن قلة المعروف و ندرته قد توجب إنكاره و النفرة منه، فيصير المعروف منكرا و المنكر معروفا كما تقدم في

الحديث الشريف. و بذلك تنسلخ روح الإيمان و تنطفئ جذوته نعوذ باللّه تعالي من خذلانه.

المقام الثاني: في الموقف العملي الذي تقدم أنه المراد بالأمر المعروف و النهي عن المنكر. و الظاهر أنه يجب بشرطين:

الأول: احتمال ترتب الفائدة عليه إما في حق القائم به عن المعصية أو في حقّ غيره ممن قد يتأسي به و يتشجع عليها بفعله، بحيث يحتمل كون القيام بالموقف المذكور سببا في تقليل المعصية و مانعا من انتشارها.

الثاني: أن لا يخاف منه ضرر علي النفس أو المال أو العرض علي من يقوم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 430

بذلك أو علي غيره من المؤمنين.

(مسألة 1): إذا تحقق الشرطان المذكوران وجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بالمرتبة الاولي و الثانية، و يختار المكلّف منهما ما هو الأجدي بنظره مع الحذر من العنف إذا كان موجبا للتنفير من الدعوة للخير، و قد تكرّر الحث في الكتاب الكريم و السنة الشريفة علي الدعوة للّه تعالي بالحكمة و الموعظة الحسنة و علي الرفق في الأمور. و أما المرتبة الثالثة فلا يجوز الإقدام عليها إلا بالرجوع للحاكم الشرعي و مع عدم تيسره لا بدّ من اليقين بأهمية دفع المنكر من الإيقاع بفاعله و لا بدّ مع ذلك من الاقتصار علي الأخف عند تأدّي الغرض به.

(مسألة 2): إذا علم أو احتمل كون قيام الشخص بترك الواجب أو فعل الحرام غير مبني علي التمرد، بل للجهل بكونه معصية وجب إنكار ذلك في موارد:

الأول: ما إذا احتمل كون وقوع ذلك منه سببا لتشجيع غيره عليه و لشيوع المعصية.

الثاني: ما إذا كان جهله راجعا إلي الجهل بالحكم الشرعي حيث يجب حينئذ بيانه علي من يعلم به إذا كان من شأنه

القيام بذلك، بحيث يكون تركه له إغراء بالجهل عرفا.

الثالث: ما إذا تكرر ذلك منه بسبب جهله و كان الأمر الواقع من المحرّمات المهمة التي يعلم من حال الشارع الأقدس الإلزام بالاحتياط و التحفظ في وقوعها حتي جهلا، نعم لا يجوز في جميع الصور الإنكار علي الفاعل و تأنيبه و عذله و النيل منه، بل يقتصر علي تنبيهه لخطئه أو إنكار فعله من دون نيل منه و تعدّ عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 431

(مسألة 3): لا بدّ في من يقوم بالأمر بالمعروف و إنكار المنكر من أن يكون علي بصيرة من أمره يعلم بأن المعروف معروف و المنكر منكر، لكن ذلك ليس شرطا في وجوب الوظيفة المذكورة عليه، بل مقدّمة لها. فيجب علي الجاهل التعلم مقدمة للقيام بوظيفته عند العلم بتحقق الحاجة إليها.

(مسألة 4): يجب تحمّل الضرر مقدمة للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في موارد العلم بأهمية محذور انتشار الفساد من الضرر الحاصل، و لا ضابط لذلك.

(مسألة 5): لا يختص وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بصنف دون صنف، فالكل عباد اللّه عليهم القيام بواجبهم إزاءة و إزاء دينه.

(مسألة 6): يتأكد وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في حق المكلّف بالنسبة إلي أهله، قال اللّه تعالي قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً فإذا رأي منهم التهاون بالتكاليف الشرعية يجب عليه إنكار ذلك عليهم بالوجوه المتقدمة. و لا ينبغي له أن تمنعه العاطفة عن أداء واجبة نحوهم، بل هي ادعي لردعهم عن المنكر و تجنيبهم غضب اللّه تعالي و عقابه الذي هو أشدّ من بلاء الدنيا الذي يحذر عليهم منه. و لو فرّط في أداء واجبة إهمالا له أو من أجل عاطفته العمياء

انقلبوا وبالا عليه حيث يكون سبب شقائه و استحقاقه عذاب اللّه تعالي، قال تعالي يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوٰاجِكُمْ وَ أَوْلٰادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. إِنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَ أَوْلٰادُكُمْ فِتْنَةٌ وَ اللّٰهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ.

(مسألة 7): إذا كان المعروف مستحبا حسن الحثّ عليه من دون إلزام. لكنّه ليس من الأمر بالمعروف لأن المراد به الإلزام بالمعروف و هو يختص بما كان تركه معصية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 432

تتميم.

يجب علي الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر اختيار الوجه الأكمل في التأثير، و الطريق الأوصل للغرض و السبب الأوثق في بلوغ المراد. و إن من أهم أسباب تأثير الأمر و النهي في الناس شعورهم بصدق الآمر و الناهي في دعوته و إخلاصه في أداء رسالته، و لذا قيل: إن الموعظة إذا خرجت من القلب دخلت إلي القلب، و إذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان.

و من هنا كان لأئمتنا عليهم السّلام من التأثير ما ليس لغيرهم. فاللازم علي شيعتهم التأسي بهم و الاهتداء بهديهم و التأدب بآدابهم، فإنّ لكل مأموم إماما يقتدي به و يتبع أثره. و إن من أهم دواعي تصديق الناس للآمر و الناهي و شعورهم بإخلاصه اتعاظه بما وعظ فلا يأمر بمعروف إلا فعله و لا ينهي عن منكر إلا و قد اجتنبه، فهو يعظهم بعمله قبل قوله و بسيرته قبل دعوته، علي أن من دعي للحق بلسانه و خالفه بعمله إن كان دعوته رياء و نفاقا كانت وبالا عليه و سببا لشقائه.

و إن كانت صادقة و قد خالفها تسامحا و تفريطا فيا لها حسرة يوم القيامة حين يري

أنه قد أسعد الناس و أنقذهم و أشقي نفسه و أهلكها. قال تعالي أَ تَأْمُرُونَ النّٰاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتٰابَ أَ فَلٰا تَعْقِلُونَ و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله في وصيته لأبي ذر: «يا أبا ذر يطّلع قوم من أهل الجنة إلي قوم من أهل النار فيقولون: ما أدخلكم في النار، و إنما دخلنا الجنة بفضل تعليمكم و تأديبكم فيقولون: إنّا كنا نأمركم بالخير و لا نفعله». و عن خيثمة: «قال أبو جعفر عليه السّلام: أبلغ شيعتنا أنه لن ينال ما عند اللّه إلا بعمل. و أبلغ شيعتنا أن أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم يخالفه إلي غيره». نسأله سبحانه أن يعيذنا و جميع المؤمنين من ذلك و يسددنا لما يحب و يرضي. و هو أرحم الراحمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 433

الفصل الثالث في جملة من المحرّمات

و نقتصر هنا علي الكبائر منها التي يكون تركها معيارا في العدالة المعتبرة في كثير من الموارد و التي ورد أن باجتنابها تكفّر الصغائر. و الظاهر أن الكبائر هي الذنوب التي ثبت الوعيد عليها بالنار أو التي ورد عدّها من الكبائر في الأخبار، أو ما ثبت أنه أهمّ من بعض تلك الذنوب و هي- بعد الشرك باللّه تعالي و الكفر بما أنزل- أمور:

الأول: اليأس من روح اللّه تعالي و القنوط من رحمته، و إن كان الرّوح و الرحمة دنيويين، كشفاء مريض و كشف كربة، فإنّه علي كل شي ء قدير و رحمته وسعت كل شي ء.

الثاني: الأمن من مكر اللّه تعالي، و المتيقن منه الأمن مع المعصية المناسب لعدم الارتداع عنها. أما الأمن لاعتقاد عدم تحقق المعصية أو غفران الذنب بتوبة أو شفاعة أو

عمل فلم يثبت كونه كبيرة. نعم لا إشكال في أن ذلك مرجوح شرعا، بل قد يكون محرّما فقد ورد الأمر بأن يكون المؤمن بين الخوف من اللّه تعالي و الرجاء له. و في الحديث عن الصادق عليه السّلام أنه قال: «ارج اللّه رجاء لا يجرئك علي معصية (معاصيه) و خف اللّه خوفا لا يؤيسك من رحمته».

الثالث: عقوق الوالدين. و المتيقن منه الإسائه إليهما بمرتبة عالية تناسب القطيعة بهما و لا تناسب الصلة معهما. و أما غير ذلك فلم يثبت كونه من الكبائر و إن كان مرجوحا شرعا. بل قد يكون محرّما.

(مسألة 8): تجب إطاعة الوالدين و الإحسان إليهما إذا كان تركها موجبا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 434

للعقوق و القطيعة عرفا، و لا يجبان في غير ذلك.

الرابع: قتل المؤمن و من يلحق به كالطفل و المجنون حتي السقط.

و كذا الإعانة علي ذلك و لو بكلمة. بل من الكبائر التعدّي علي المؤمن بالضرب بلا حق.

(مسألة 9): يحرم قتل الإنسان نفسه، و هو من الكبائر.

الخامس: قذف المحصن و المحصنة، و المراد بالإحصان العفة و الستر و لو لعدم ثبوت الفاحشة عليه.

(مسألة 10): المراد بالقذف هنا و إن كان هو الفاحشة كالزنا و اللواط، إلا أن الحكم يعمّ كل قبيح، فإنّ نسبته للبري ء منه من البهتان الذي هو من الكبائر.

السادس: أكل مال اليتيم ظلما، بل مطلق المؤمن.

السابع: الفرار من الزحف في حرب واجبة شرعا.

الثامن: أكل الربا: و هو الفائدة المشروطة في الدّين، و فاضل ما بين الثمن و المثمن عند بيع المكيل أو الموزون من جنس واحد، علي ما يذكر مفصلا في كتاب البيع.

(مسألة 11): كما يحرم الربا علي الآكل يحرم علي المعطي و الكاتب و الشاهد،

و الظاهر أنه من الكبائر في حق الكل.

التاسع و العاشر و الحادي عشر: الزنا و اللواط و السحق.

الثاني عشر: القيادة: و هي السعي بين اثنين لجمعهما علي الوطء المحرّم.

الثالث عشر و الرابع عشر: السحر و الكهانة.

(مسألة 12): الظاهر جواز حلّ السحر بالسحر. و الأحوط وجوبا الاقتصار علي صورة لزوم الضرر من السحر و انحصار حلّه بالسحر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 435

(مسألة 13): الظاهر عدم جواز تصديق الساحر و الكاهن و غيرهما ممن يخبر بالغيب، بل هو من الكبائر. و لا بأس بالسماع منهم لمجرد الاطّلاع علي ما عندهم في الواقعة و احتمال صدق خبرهم من دون تصديق و جزم بما أخبروا، و هكذا الحال في أخبارهم بالحوادث فإن كان إخبارا جازما كان محرّما، و إلا كان حلالا.

الخامس عشر: الكذب، و خصوصا علي اللّه و رسوله و الأئمة، و منه الفتوي بغير علم و شهادة الزور و البهتان علي المؤمن بنسبة ما يشينه إليه كذبا.

فإن أضيف للكذب اليمين كانت كبيرة أخري، و لا سيما إذا كانت علي أخذ مال مسلم ظلما، حيث تضمنت بعض الأخبار أنها اليمين الغموس الفاجرة التي ورد في كثير من الأخبار عدّها من الكبائر.

(مسألة 14): اليمين المذكورة و إن كانت محرّمة، بل كبيرة إلا أنه لا كفارة عليها بل الخلاص من تبعتها بالتوبة و الاستغفار.

(مسألة 15): لا يفرق في حرمة الكذب و اليمين عليه و كونها من الكبائر بين الإخبار عن أمر سابق و حاضر و مستقبل، نعم إذا رجعت اليمين إلي تعهّد صاحبها بفعل شي ء أو تركه وجب الوفاء بها بالشروط المذكورة في كتاب الأيمان، فإن خالفها مع تمامية الشروط وجبت الكفارة. و إن لم تتم الشروط جاز مخالفتها

من دون كفارة.

(مسألة 16): الكذب لدفع الضرر عن النفس و المال و الأخ المؤمن. و الظاهر توقفه علي تعذر التورية و لو للخوف من ظهور الحال لعدم سيطرة المتكلم عليها.

(مسألة 17): يجوز الكذب للإصلاح و رفع الشحناء و التباغض بين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 436

المؤمنين، و لا يتوقف علي تعذر التورية.

(مسألة 18): ذكر بعضهم أنه يجوز الوعد الكاذب علي الأهل، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما إذا كان لدفع الشرّ و الفساد و لإصلاح الحال معهم أو بينهم نظير ما تقدم.

السادس عشر: منع الزكاة المفروضة، بل حبس كل حق للّه تعالي- كالخمس- أو للناس كالمماطلة في أداء الدين مع القدرة علي الأداء.

السابع عشر: شرب الخمر و كل مسكر.

الثامن عشر: ترك الصلاة و غيرها من فرائض الإسلام و هي الزكاة و الصوم و الحج.

التاسع عشر: نقض العهد.

العشرون: قطيعة الرحم، و هي ترك الإحسان إليه من كل وجه في مقام يتعارف فيه ذلك، فلا تصدق مع عدم تعارف الوصل، و كذا مع تعارفه و القيام ببعض وجوه الصلة و لو بمثل السلام.

الواحد و العشرون: التعرّب بعد الهجرة، و هو الانتقال للبلاد التي تنقص فيها معارف المكلّف الدينية و يزداد جهله بدينه.

الثاني و العشرون: السرقة.

الثالث و العشرون: أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهلّ به لغير اللّه، و هو ما ذكر عليه عند الذبح اسم غير اللّه تعالي من صنم أو نحوه.

الرابع و العشرون: القمار و لو من دون رهن: و هو كل لعبة ابتنت علي المغالبة و اخترعت لكسب المال كلعب الورق و الطاولي و الدوملة و الشطرنج.

(مسألة 19): كما يحرم اللعب بالشطرنج يحرم بيع آلاته و أكل ثمنه و اتخاذ

منهاج الصالحين

(للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 437

آلاته و الاحتفاظ بها- و لو بغير الشراء- من أجل اللعب بها كما يحرم التفرج علي اللاعب بها و السّلام عليه حال لعبة بها، و كل ذلك من الكبائر.

الخامس و العشرون: أكل السحت: و هو المال الحرام بوجه مؤكّد كثمن الميتة و الخمر و كل مسكر، و أجر الزانية و الكاهن، و ثمن آلات الشطرنج و الجارية المغنّية و الكلب الذي لا يصطاد، و مال اليتيم، و الربا بعد العلم، و ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، و ما أصيب بحكم قضاة الجور و إن كان الآخذ محقا، و الرشوة في الحكم و لو بالحق.

السادس و العشرون: البخس في المكيال و الميزان.

السابع و العشرون: الولاية للظالمين، بل مطلق معونتهم سواء كانت بالعمل لهم و الانتساب لأجهزتهم أم بالقيام بعمل خاص بأجرة أو جعالة أو نحوهما.

نعم لا بدّ في الحرمة من تبعية العمل لهم بما هم ظلمة بحيث يكون من شؤون ظلمهم و إن كان في نفسه محلّلا لو لم ينتسب لهم. أما إذا لم يكن كذلك بل كان في شؤونهم الشخصية من دون أن يبتني علي الانتساب لهم بما هم ظلمة، و لا علي الدخول في كيانهم فلا بأس به. و يستثني من ذلك ما إذا استكره علي العمل أو كان الغرض منه نفع المؤمنين علي تفصيل لا يسعه المقام.

الثامن و العشرون: كون الإنسان ممن يتقي شرّه و يخاف لسانه.

التاسع و العشرون: التكبر بالتعالي عن الناس و التّرفع عليهم للبناء علي أنه أرفع منهم.

الثلاثون: الإسراف و التبذير، و هو تجاوز الحد في الإنفاق بنحو يوجب إفساد المال من دون غرض عقلائي.

الواحد و الثلاثون: المحاربة لأولياء اللّه و الموادّة لأعدائه.

منهاج الصالحين

(للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 438

الثاني و الثلاثون: الاشتغال بالملاهي، كضرب الأوتار و الطبول و النفخ في المزامير و غير ذلك من الآلات الموسيقية، بالنحو المبني علي التلذذ و الطرب، علي ما هو المعهود عند أهل الفسوق.

الثالث و الثلاثون: الغناء و هو الصوت المشتمل علي المدّ بنسق خاص من شأنه أن يوجب الطرب مع قصد اللهو به، علي النحو المعهود عند أهل الفسوق أيضا.

(مسألة 20): كما يحرم الاشتغال بالملاهي و الغناء يحرم الاستماع إليها بالنحو المناسب لمحاولة الانفعال بها دون السماع العابر من دون انفعال.

الرابع و الثلاثون: الإصرار علي الصغائر، و هو فعلها استهوانا بها بحيث لا يستنكر الفاعل من نفسه فعلها.

الخامس و الثلاثون: سبّ المؤمن و إذلاله و إهانته.

السادس و الثلاثون: النميمة، و هي أن يحكي لشخص انتقاص غيره له.

السابع و الثلاثون: الرياء. و قد تقدم بعض الكلام فيه في مسائل الوضوء.

الثامن و الثلاثون: الغشّ للمؤمن، و هو إيهامه بالشي ء علي خلاف واقعه بنحو يقتضي وقوعه في ما لا يقدم عليه تجنّبا لضرره الديني أو الدنيوي، من دون فرق بين الغش و في البيع و الشراء و غيره، حتي مثل مدح الخائن أمام شخص من أجل إيهامه بأمانته ليتورّط معه و يستأمنه. أما مجرد إظهار الشي ء علي خلاف واقعه من دون أن يراد به ذلك فليس من الغشّ في شي ء، أو هو غش غير محرم.

التاسع و الثلاثون: كتمان الشهادة، إذا كان المكلّف قد طلب منه تحمل الشهادة. بل مطلقا علي الأحوط وجوبا.

الأربعون: الهجر، و هو الفحش من القول و البذاء فيه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 439

الواحد و الأربعون: غيبة المؤمن، و هي انتقاصه و الوقوع فيه و إعابته في غيبته. و إن

كان في حضوره لم يكن غيبة و إن كان محرّما.

(مسألة 21): ليس من الغيبة ذكر الغيب لا بقصد الانتقاص و الإعابة و لا كشفه إذا كان مستورا و إن كان ذلك محرّما.

(مسألة 22): الظاهر اختصاص الغيبة بصورة سامع يقصد إفهامه، فمع ترديد ذلك وحده، أو مع من لا يفهم كلامه لا تصدق الغيبة. نعم إذا كان المقصود من الذكر الإفهام مع عدم وجود سامع- كما في تسجيل الكلام ليسمعه الآخرون- كان محرّما أيضا و ملحقا بالغيبة.

(مسألة 23): لا بدّ في صدق الغيبة من تعيين المغتاب الذي يعاب، فلو كان مبهما غير معين لم تكن غيبة له، كما لو قال: بعض أهل البلد جبان أو أحد أولاد زيد بخيل. نعم قد يحرم من جهة أخري، كما لو لزم من ذلك توهين مؤمن.

(مسألة 24): تجوز الغيبة في موارد:

الأول: ما إذا كان العيب ظاهرا كالحدة و العجلة. لكن لا بدّ من الاقتصار في الإعابة علي ما يقتضيه العيب المذكور من دون تبشيع و تهويل، فضلا عن إبداء ما ليس عيبا بصورة العيب، كالانتقاص بالهزال و الفقر و السمرة و نحوها.

الثاني: غيبة المتجاهر بالفسق الخالع جلباب الحياء و لو في ما لم يتجاهر فيه، أو إمام من هو متستّر معه، و المراد بالتجاهر بالفسق التجاهر به أمام العامة، و لا يكفي التجاهر أمام خواصه الذين يفضي لهم بسرّه و يعرفون بواطن أمره.

الثالث: غيبة المظلوم للظالم. و الظاهر اختصاصها بذكر ظلامته، دون بقية العيوب المستورة.

الرابع: غيبة المبدع في الدين، لإسقاطه عند الناس دفعا لضرره. بل كل من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 440

يخاف ضرره علي الدين إذا كان الخوف بنحو معتدّ به. لكن يقتصر في الثاني علي مقدار الحاجة

لدفع ضرره.

الخامس: غيبة الشخص لدفع الضرر عنه أو عن المتكلم أو عن مؤمن ثالث.

نعم لا بدّ من كون الضرر الذي يراد دفعه أهم من الغيبة بمقدار معتدّ به.

السادس: كل مورد تزاحم حرمة الغيبة فيه بتكليف مساو لها في الأهمية أو أهم منها.

(مسألة 25): ذكروا من مستثنيات الغيبة نصح المستشير، بل مطلق النصح، و أداء الشهادة. لكن الأمرين لا يستلزمان الغيبة، و هي ذكر العيب بقصد الانتقاص، إذ لا يتوقف الأمران علي الانتقاص، بل يكفي فيهما بيان الواقع لا بقصد الانتقاص و الإعابة. نعم هما قد يلازمان كشف ستر الشخص و هو محرّم كالغيبة.

و من هنا يشكل جوازه في النصيحة، لإمكان تأدّي الغرض ببيان رأي الناصح من دون تعرض للعيب الذي هو سبب ذلك الرأي. نعم لو توقف علي بيان العيب عند النصيحة دفع ضرر مهم يعلم برضا الشارع بكشف ستر الشخص من أجله جاز، و لا ضابط لذلك. و أما أداء الشهادة فالظاهر جوازه إذا ترتب عليه إثبات حق اللّه تعالي أو حقّ الناس، كما في باب الحدود و الضمانات و المعاملات، دون ما عدا ذلك، كالشهادة بفسق شخص مستور لمنع الناس من الصلاة خلفه.

(مسألة 26): يحرم سماع الغيبة إذا ابتني علي التجاوب مع المغتاب و تحقيق غرضه، لأن ذكر العيب لا يوجب انتقاص المقول فيه ما لم يكن هناك سامع يوجه الخطاب إليه، أما سماع الشخص لها من دون أن يوجه الخطاب إليه فلا بأس به. إلا أن يبتني علي الرضا بها، لأن الراضي بعمل قوم يشركهم في تبعة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 441

عملهم.

(مسألة 27): يجب ردّ الغيبة و الدفاع عن المقول فيه، إما بمحاولة بيان عدم كون الأمر المقول في الشخص

الغائب نقصا يعاب به، أو ببيان عذره في ما نسب إليه، و لا أقل من الردع عن الغيبة و النهي عنها، نعم لا بدّ من عدم لزوم محذور شرعي أو عرفي في الرد المذكور. و من أهم المحاذير خوف إغراق القائل في الغيبة و الاستشهاد لصحة كلامه و لبيان أهلية الشخص لما قيل فيه دفاعا عن موقفه و تعصّبا له.

(مسألة 28): لا بدّ في خروج المكلّف من تبعة الغيبة- مضافا إلي التوبة- من أن يحلله الشخص الذي اغتابه، فإن تعذر ذلك- و لو لخوف ترتب فساد علي ذلك- فلا بدّ من الاستغفار له، و هذا يجري في جميع موارد التعدّي و الظلم للعباد. و لنكتف بهذا المقدار من الكلام في الكبائر التي تقدم بيان الضابط فيها حيث يضيق الوقت عن استقصائها كما يضيق عن استقصاء المحرمات غير الكبائر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 442

تتميم
اشارة

و فيه مطالب.

المطلب الأول في بعض مكارم الأخلاق

منها: الاعتصام باللّه تعالي، قال اللّه تعالي وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللّٰهِ فَقَدْ هُدِيَ إِليٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: «أوحي اللّٰه عز و جل إلي داود ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيّته ثم تكيده السموات و الأرض و من فيهن إلا جعلت له المخرج من بينهن».

و منها: التوكل علي اللّٰه سبحانه، الرؤوف الرحيم بخلقه العالم بمصالحه و القادر علي قضاء حوائجهم. و إذا لم يتوكل عليه تعالي فعلي من يتوكل أعلي نفسه أم علي غيره مع عجزه و جهله قال اللّٰه تعالي وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَي اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: «إن الغني و العزّ يجولان فإذا ظفرا بموضع من التوكل أوطنا».

و منها: حسن الظن باللّٰه تعالي، قال أمير المؤمنين عليه السّلام في ما قال: «و الذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن باللّٰه إلا كان اللّٰه عند ظن عبده المؤمن، لأن اللّٰه كريم بيده الخير يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه و رجاءه فأحسنوا باللّٰه الظن و ارغبوا إليه».

و منها: الصبر عند البلاء، و الصبر عن محارم اللّٰه تعالي، قال اللّٰه تعالي إِنَّمٰا يُوَفَّي الصّٰابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ، و قال رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله في حديث: «فاصبر فإن في الصبر علي ما تكره خيرا كثيرا، و اعلم أن النصر مع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 443

الصبر، و أن الفرج مع الكرب، فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا»، و قال أمير المؤمنين عليه السّلام «لا يعدم الصبر الظفر و إن

طال به الزمان»، و قال: «الصبر صبران:

صبر عند المصيبة حسن جميل و أحسن من ذلك الصبر عند ما حرّم اللّٰه تعالي عليك».

و منها: العفة، قال أبو جعفر عليه السّلام: «ما عبادة أفضل عند اللّٰه من عفة بطن و فرج»، و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: «إنما شيعة جعفر من عفّ بطنه و فرجه، و اشتد جهاده، و عمل لخالقه، و رجا ثوابه، و خاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر».

و منها: الحلم، قال رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله: «ما أعز اللّٰه بجهل قط، و لا أذل بحلم قط»، و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «أول عوض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره علي الجاهل»، و قال الرضا عليه السّلام: «لا يكون الرجل عابدا حتي يكون حليما».

و منها: التواضع، قال رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله: «من تواضع للّٰه رفعه اللّٰه و من تكبّر خفضه اللّٰه، و من اقتصد في معيشته رزقه اللّٰه، و من بذر حرمه اللّٰه، و من أكثر ذكر الموت أحبه اللّٰه تعالي».

و منها: إنصاف الناس، و لو من النفس، قال رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله «سيد الأعمال إنصاف الناس من نفسك، و مواساة الأخ في اللّٰه تعالي علي كل حال».

و منها: اشتغال الإنسان بعيبه عن عيوب الناس، قال رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله «طوبي لمن شغله خوف اللّٰه عز و جل عن خوف الناس، طوبي لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين» و قال صلّي اللّٰه عليه و آله: «إن أسرع الخير ثوابا البر، و إن أسرع الشرّ عقابا البغي، و كفي بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمي عنه من نفسه، و

أن يعيّر الناس بما لا يستطيع تركه، و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه».

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 444

و منها: إصلاح النفس عند ميلها إلي الشر، قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «من أصلح سريرته أصلح اللّٰه تعالي علانيته، و من عمل لدينه كفاه اللّٰه دنياه، و من أحسن في ما بينه و بين اللّٰه أصلح اللّٰه ما بينه و بين الناس».

و منها: الزهد في الدنيا و ترك الرغبة فيها، قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام:

«من زهد في الدنيا أثبت اللّٰه الحكمة في قلبه، و أنطق بها لسانه، و بصره عيوب الدنيا داءها و دواءها و أخرجه منها سالما إلي دار السّلام»، و قال رجل قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام إني لا ألقاك إلا في السنين فأوصني بشي ء حتي آخذ به، فقال:

أوصيك بتقوي اللّٰه، و الورع و الاجتهاد، و إياك أن تطمع إلي من فوقك، و كفي بما قال اللّٰه عز و جل لرسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله وَ لٰا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِليٰ مٰا مَتَّعْنٰا بِهِ أَزْوٰاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا و قال تعالي فَلٰا تُعْجِبْكَ أَمْوٰالُهُمْ وَ لٰا أَوْلٰادُهُمْ فإن خفت ذلك فاذكر عيش رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله فإنما كان قوته من الشعير، و حلواه من التمر و وقوده من السعف إذا وجده، و إذا أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط».

المطلب الثاني في بعض مساوئ الأخلاق

منها: الغضب، قال رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله: «الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخلّ العسل»، و قال أبو عبد اللّٰه: «الغضب مفتاح كل شر»، و قال أبو

جعفر: «إن الرجل ليغضب فما يرضي أبدا حتي يدخل النار فأيما رجل غضب علي قومه و هو قائم فليجلس من فوره ذلك فإنّه سيذهب عنه رجس الشيطان، و أيما رجل غضب علي ذي رحم فليدن منه فليمسّه فإن الرحم إذا مسّت سكنت».

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 445

و منها: الحسد، قال أبو جعفر و أبو عبد اللّٰه عليهما السّلام: «إن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب»، و قال رسول اللّٰه صلّي اللّٰه عليه و آله ذات يوم لأصحابه: «إنه قد دبّ إليكم داء الأمم ممن قبلكم و هو الحسد ليس بحالق الشعر و لكنه حالق الدين، و ينجي فيه أن يكفّ الإنسان يده و يخزن لسانه و لا يكون ذا غمز علي أخيه المؤمن».

و منها: الظلم، و أشد أنواعه ظلم من لا يجد ناصرا إلا اللّٰه فعن أبي جعفر عليه السّلام قال لما حضر علي بن الحسين عليهما السّلام الوفاة ضمّني إلي صدره ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، و بما ذكر أن أباه أوصاه به قال:

يا بني إياك و ظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا اللّٰه. و قد ورد النهي عن كل ظلم في كثير من الروايات فقد قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: «ما ظفر بخير من ظفر بالظلم أما أن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم». و قال: «من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده».

المطلب الثالث في التوبة

و هي التي منّ اللّٰه بها علي عباده رأفة منه بهم و رحمة لهم. و قد ورد الحث عليها في آيات كثيرة و أحاديث من النبي

و أوصيائه (عليهم أفضل الصلاة و السّلام) و قد ورد أن العبد إذا اقترف سيئة أنظره اللّٰه تعالي سبع ساعات فإن تاب لم تكتب عليه، و إن لم يتب كتبت عليه سيئة، ثم هو في فسحة من أمره تقبل منه التوبة ما دام فيه الروح- كما تظافرت به النصوص و أكدت عليه- فالواجب علي المؤمن عقلا و نقلا المبادرة إليها و انتهاز الفرصة قبل أن يفجأه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 1، ص: 446

الأجل أو يسودّ قلبه من الذنوب و يطبع عليه، فلا يفيق من سكرته و لا يصحو من غشيته أولئك الذين نسوا اللّٰه فأنساهم أنفسهم، و ما ربك بظلام للعبيد.

و لا بدّ في التوبة من أمرين: الندم علي الذنب و العزم علي ترك العود فيه أبدا، و بذلك تتحقق التوبة النصوح التي ورد ذكرها في الكتاب الكريم و السنة الشريفة فإن غلبته نفسه و سوّل له الشيطان فعاد في الذنب كان عليه المبادرة للتوبة أيضا، و هكذا كلما عاد تاب حتي تقوي توبته و تستحكم حيث لا تغلق التوبة في وجهه أبدا مهما عاد رأفة من اللّٰه و رحمة به، فإنّه عزّ اسمه يحب من عبده أن لا تقعد به المعصية عن التوبة مهما كثرت ذنوبه و عظمت عيوبه، و ليحذر العبد من القنوط و اليأس من رحمة اللّٰه تعالي، فقد تقدم أن ذلك من الكبائر، و هو من أعظم وسائل الشيطان و أقوي حبائله ليسيطر علي العبد و يجرّه إلي الهلكة أعاذنا اللّٰه تعالي منه و من مكره و كيده، و نسأله أن يعصمنا من الزلل في القول و العمل و أن يختم لنا بالتوبة و المغفرة و السعادة و حسن العاقبة، إنه

أرحم الراحمين و ولي المؤمنين، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

انتهي الكلام في العبادات ليلة الأربعاء، التاسع عشر من شهر رمضان المبارك، عام ألف و أربعمائة و أربعة عشر للهجرة النبوية علي صاحبها و آله أفضل الصلوات و أزكي التحيات.

و الحمد للّٰه رب العالمين.

كتاب الخمس

كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

الجزء الثاني

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام علي سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين، و لعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين، إلي يوم الدين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 7

كتاب التجارة

اشارة

و فيه مقدمة، و فصول، و خاتمة.

مقدمة في المكاسب

اشارة

التكسّب و طلب الرزق من المستحبات المؤكّدة، فعن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال:

«العبادة سبعون جزء أفضلها طلب الحلال». و عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال: «من طلب الدنيا استعفافا عن الناس و سعيا علي أهله و تعطفا علي جاره لقي اللّه عزّ و جل يوم القيامة و وجهه مثل القمر ليلة البدر». و عن الإمام الكاظم عليه السّلام أنه قال: «من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به علي نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه». و الأخبار في ذلك كثيرة لا يسع المقام استقصاءها.

لكن يجب التحفظ من وجوه الحرام و الحذر منها، فعن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنّه خطب في حجّة الوداع فقال: «ألا إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتّي تستكمل رزقها فاتّقوا اللّه و أجملوا في الطلب، و لا يحملنكم استبطاء شي ء من الرزق أن تطلبوه بمعصية اللّه، فإن اللّه تبارك و تعالي قسّم الأرزاق بين خلقه حلالا و لم يقسّمها حراما، فمن اتقي اللّه و صبر أتاه اللّه برزقه من حله، و من هتك حجاب الستر و عجّل فأخذه من غير حلّه قصّ به من رزقه الحلال و حوسب عليه يوم القيامة». و الأخبار في ذلك كثيرة لا تحصي.

و لا يتيسر التحفظ من الحرام في المكاسب و غيرها إلا بالتفقه في الدين و تعلم أحكام الشرع المبين، فعلي المؤمنين أعزّهم اللّه تعالي شدّة الاهتمام بذلك و عدم التساهل و التسامح فيه، لتحفظ حدود اللّه تعالي و تقام أحكامه و تطيب المكاسب و تهنأ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 8

فعن الأصبغ بن نباتة

أنّه قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول علي المنبر: «يا معشر التجار الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر. و اللّه للربا في هذه الأمّة أخفي من دبيب النمل علي الصفا، شوبوا أيمانكم بالصدق، التاجر فاجر، و الفاجر في النار، إلّا من أخذ الحق و أعطي الحق».

و عنه عليه السّلام أنّه قال: «من اتّجر بغير علم ارتطم في الربا ثمّ ارتطم». و من المؤسف أن نري اليوم كثيرا من المتديّنين يوقع المعاملة ثمّ يسأل عن حكمها، و إذا به قد تورّط في مشكلة شرعيّة يصعب حلّها و التخلّص من تبعتها، و كان بوسعه أن يتجنب ذلك بالسؤال قبل العمل و التفقه قبل التورّط. و نسأله سبحانه التوفيق و التسديد و هو حسبنا و نعم الوكيل.

و يقع الكلام في هذه المقدّمة في مقامين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 9

المقام الأول في المكاسب المحرمة
اشارة

و فيه مسائل.

(مسألة 1): يحرم بيع الخمر و كل مسكر، و ثمنه حرام، بل هو من السحت الذي يكون أكله من الكبائر، كما تقدّم في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و يستثني من ذلك التخمير الحاصل عند صناعة الخل، فإنّ تصنيع الخل مستلزم لمرور المائع بحالة يشتمل فيها علي العنصر المسكر. و الظاهر جواز بيعه في هذه الحال.

(مسألة 2): لا يجوز بيع الخنزير و ثمنه حرام.

(مسألة 3): إذا باع الكافر الخمر أو الخنزير ثمّ أسلم جاز له أكل الثمن.

(مسألة 4): إذا باع المسلم أو الكافر خمرا أو خنزيرا كان الثمن حراما عليه. لكن لو دفعه لمسلم هبة أو وفاء لدين أو ثمنا في بيع أو غير ذلك حلّ للآخذ.

(مسألة 5): يحرم بيع الميتة، و ثمنها حرام، بل هو من السحت، كما

تقدّم أيضا. و الأحوط وجوبا عموم ذلك للميتة الطاهرة، كميتة السمك و الجراد.

(مسألة 6): يجوز بيع ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة.

(مسألة 7): إذا اختلط الميت بالمذكّي و تعذّر تمييز أحدهما من الآخر جاز بيع الجميع ممّن يستحل الميتة من ذوي الأديان و المذاهب الأخري، و يحلّ الثمن. و في جواز ذلك في غير الميتة ممّا يحرم أكله إذا اختلط بالحلال إشكال.

(مسألة 8): يحرم بيع الكلب و ثمنه حرام، بل هو من السحت كما تقدّم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 10

إلّا كلب الصيد، و هو الكلب المعلّم الذي يحسن الاصطياد فإنّه يجوز بيعه و إن لم يكن سلوقيّا. و لا يجوز بيع ما لم يتعلم و إن كان سلوقيّا. كما لا يجوز بيع كلب الحراسة.

(مسألة 9): يجوز بيع السباع و غيرها من الحيوانات المحرمّة الأكل إذا لم ينحصر الغرض الظاهر منها بالوجه المحرّم من الأكل أو غيره.

نعم، الأحوط وجوبا عدم بيع القرد.

(مسألة 10): يجوز بيع الأعيان النجسة غير ما تقدّم إذا كانت لها منفعة محللة معتدّ بها بحيث تقصد منها نوعا، كالعذرة و الدم للتسميد و التزريق. و أمّا إذا لم تكن لها منفعة محللة بالنحو المذكور إمّا لانحصار منفعتها بالحرام، أو لكون منفعتها المحللة غير معتدّ بها و لا مقصودة منها فلا يجوز بيعها. و كذا الحال في الأعيان الطاهرة، فلا يجوز بيع السمك المحرّم الأكل إذا انحصر الغرض المعتدّ به و المقصود منه نوعا بالأكل. و لا عبرة بالفوائد المحلّلة النادرة المغفول عنها نوعا.

(مسألة 11): إذا كان الشي ء مما تنحصر منفعته نوعا بالحرام كالأكل للميتة و الجرّي و الشرب للفقاع و كان هناك من يستحله من أهل الأديان و المذاهب الأخري

ففي جواز بيعه علي المستحل نفسه أو علي من يبيعه عليه إشكال، فالأحوط وجوبا عدم بيعه و عدم تسليمه له.

نعم، إذا أقدم المكلف تسامحا علي بيعه ممن يستحله و علي تسليمه جاز له أخذ الثمن منه، و يملكه بأخذه من باب الإلزام، كما يأتي في آخر الكلام في المكاسب المحرمة إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 12): كما يحرم بيع الأمور المتقدّمة يحرم شراؤها و جعلها اجرة في الإجارة و عوضا عن العمل في الجعالة و في الطلاق الخلعي و جعلها مهرا في النكاح و دفعها وفاء عن الدين و غير ذلك من وجوه الكسب.

نعم، إذا أمكن تحويل الخمر خلا جاز أخذها وفاء عن الدين، و لا بدّ حينئذ من تحويلها، و لا يجوز بيعها قبل ذلك.

(مسألة 13): الأمور المتقدّمة و إن حرم التكسب بها و التعامل عليها إلّا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 11

أنّها تملك في أنفسها بحيازتها أو بملكيّة أصولها المحلّلة، كما لو حاز الإنسان كلبا سائبا أو حيوانا محرّم الأكل، أو مات له حيوان مملوك، أو صنع خمرا من أعيان مملوكة، كما أنّها تملك بأسباب الملك القهريّة كالميراث.

و حينئذ يختصّ المالك بالسلطنة عليها و يجوز له الانتفاع بها بوجه محلّل كالتسميد بالميتة و بما يحرم أكله، و تدريب الكلب علي الحراسة، و تحويل الخمر خلا و غير ذلك. و لا يحلّ لأحد مزاحمته فيه و أخذه منه أو التصرّف فيه بغير إذنه. و يجوز لغيره بذل المال له في مقابل رفع يده عنه أو الانتفاع به من دون أن يكون المال عوضا عنه. لكن الأحوط وجوبا الاقتصار في ذلك علي ما إذا لم يكن الغرض من ذلك الانتفاع بالوجه المحرّم.

(مسألة 14): الأعيان المتنجسة

إن لم تكن قابلة للتطهير، كالزيت و العسل، و لم يكن لها منفعة محلّلة معتدّ بها لم يجز بيعها، كما تقدّم في الأعيان النجسة.

و إن كانت قابلة للتطهير، أو كان لها في حال نجاستها منفعة محلّلة معتدّ بها، كالزيت و النفط اللذين يوقد بهما، جاز بيعهما. و يجب إعلام المشتري بنجاستهما إذا كانت ممّا يؤكل أو يشرب، و كذا إذا كانت عيبا يكون إخفاؤه تدليسا، بل مطلقا علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 15): يحرم التكسّب بالآلات و الأشياء المعدّة بهيئاتها للحرام، كهياكل العبادة المحرّمة مثل الأصنام و الصلبان و الشعارات المتّخذة لتقوية الباطل و الضلال، و آلات القمار، و آلات اللّهو المحرّمة كالآلات الموسيقيّة، و كتب الضلال، و نحو ذلك.

و لا بأس ببيعها إذا لم يبتن البيع علي احترام الهيئة المذكورة، كبيع صنم الذهب أو الخشب بما هو ذهب أو خشب لا يهتمّ بحفظ هيئته، و بيع الكتاب بما هو ورق لا يهتمّ بكتابته. و كذا إذا كان مبنيّا علي احترام الهيئة، لكن لا بلحاظ الجهة المحرّمة له، لإغفالها عرفا بل لجهة أخري يهتمّ بها من لا يهتمّ بالجهة المحرّمة، ككونها من الآثار القديمة، أو التحفيات الفنيّة، أو لكون بقاء الهيئة موجبا لزيادة قيمة المادة، كما لو كانت من الأحجار الكريمة التي تزيد قيمتها كلّما كبر حجمها، أو لترتّب نفع عليها غير الجهة المحرّمة كبعض الآلات

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 12

الزراعيّة و الصناعيّة التي هي بهيئة الصليب مثلا، و كبعض المصوغات التي يقصد التزيّن بها من دون نظر للجهة المحرّمة، و ككتب الضلال التي يراد بها الاطّلاع علي ما يقوله أصحابها أو نقضه أو نحو ذلك.

لكن الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما إذا لم يعلم بترتّب

الاستعمال المحرّم علي البيع حينئذ، و علي ما إذا لم يلزم من البيع بالهيئة المذكورة ترويج الباطل و تقويته لكونه شعارا له و لو مع عدم ترتّب الاستعمال المحرّم. بل لا إشكال في حرمة البيع تكليفا حينئذ في الثاني، و إنّما الإشكال في البطلان.

(مسألة 16): كما يحرم بيع الآلات المذكورة يحرم صنعها إذا ابتني علي تحقيق الغرض المحرّم بها، بل قد يجب إتلافها بإتلاف هيئاتها إذا كان بقاؤها موجبا لترويج الباطل و تقوية الحرام. و لا يجب فيما عدا ذلك، كما إذا كان الغرض من حفظها حفظ آثار الشخص الذي كان يستغلها كسائر متروكاته المختصة به، بل قد يجوز صنعها حينئذ، كما لو كان الغرض منه عرض نمط حياة شخص خاص أو مجتمع خاص و تصوير ذلك، من دون أن يبتني علي ترتّب الحرام عليه. إلّا أن يلزم من ذلك ترويج الباطل و تقويته، فيحرم، نظير ما سبق.

(مسألة 17): غش المسلم حرام يستحق به العقاب، بل هو من المحرمات المؤكدة، و قد تظافرت النصوص بأن من غشّ المسلمين فليس منهم. و هو إظهار خلاف الواقع له بنحو يحمله علي الإقدام علي فعل مرجوح لا يقدم عليه لو لا ذلك. و لا بدّ فيه من أمور:

الأوّل: علم الغاشّ بالواقع و قصده إظهار خلافه.

الثاني: جهل المغشوش بالواقع و توهّمه خلافه بسبب تدليس المدلّس، فلو علم بالواقع لم يصدق الغشّ، و كذا لو جهله لكن لم يستند خطاؤه فيه لفعل المدلّس بل لأمر آخر لا دخل له فيه، كما لو تظاهر المريض بالعافية لإخفاء مرضه فلم يعتمد الطرف الآخر علي ظهور حاله، بل فحصه فأخطأ في فحصه.

الثالث: أن يترتّب علي ذلك وقوع المغشوش في أمر يكرهه و لا

يقدم عليه لو لا الغشّ، كتزوّج المرأة المريضة، و شراء المتاع المعيب، و استعمال الماء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 13

النجس، و نحو ذلك. أمّا لو لم يترتب شي ء من ذلك و لم تكن فائدة إخفاء الواقع إلّا التجمل، أو دفع عدوان الغير، أو نحو ذلك فليس إظهار خلاف الواقع من الغشّ المحرّم.

(مسألة 18): الغشّ في المعاملة إن أوجب الإخلال بركن من أركانها، كالعوض أو المعوّض، كان مبطلا لها، كما لو غشّ الدبس فأوهم أنه عسل و اشتراه المشتري علي ذلك. و إن لم يوجب ذلك لكن أوجب إخفاء عيب كانت المعاملة صحيحة، و ثبت خيار العيب الذي يأتي الكلام فيه في مبحث الخيار من كتاب البيع. و إن لم يوجب ذلك أيضا و إنّما أوجب إظهار صفة كمالية، أو صنف خاص يرغب فيه المشتري، و قد ابتنت المعاملة عليه صحت المعاملة أيضا، و ثبت خيار تخلف الوصف لا خيار العيب.

(مسألة 19): لا يجب إتلاف النقود المغشوشة. نعم لا يجوز التعامل بها مع جهل الطرف الآخر، للزوم الغشّ المحرّم، و يجري فيها ما تقدم، سواء كان حصولها عند الشخص عن علم بها أم كان مغشوشا فيها، فإنه لا يحلّ للمغشوش بشي ء أن يغشّ به غيره، كما لا يحلّ للمظلوم أن يظلم غير ظالمه.

(مسألة 20): الظاهر جواز بيع المصحف الشريف و شرائه علي كراهة، خصوصا في البيع. فالأولي إيقاع المعاملة علي الغلاف و نحوه مما هو خارج عن المصحف مع بذل المصحف تبعا، أو دفع المصحف بعنوان الهبة المشروطة بعوض.

(مسألة 21): يحرم بيع المصحف الشريف علي الكافر إذا استلزم إهانته و هتكه، أمّا إذا لم يلزم منه ذلك فلا بأس به، بل قد يرجح، كما

إذا كان مظنّة للاهتداء به و سببا لعلوّ الإسلام و ظهور حجته.

(مسألة 22): لا بأس ببيع ما يتّخذ منه الحرام و الحلال ممّن يعلم أنه يتّخذ منه الحرام، كبيع العنب و التمر و العصير ممّن يعلم أنه يصنعه خمرا، و بيع الخشب ممّن يعلم أنه يصنعه عودا أو آلة قمار و نحوها من الآلات المحرّمة.

و يستثني من ذلك بيع الخشب و نحوه ممّن يتخذه أصناما أو صلبانا، فإنه يحرم و يبطل، بل الأحوط وجوبا العموم لجميع أنواع آلات العبادة المبتدعة في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 14

الأديان غير الصحيحة. كما يستثني من ذلك أيضا ما إذا لزم من البيع التشجيع علي الحرام، أو كان في تركه ردع عن الحرام و نهي عن المنكر، فإنه يحرم ذلك حتي في مثل بيع العنب ممّن يصنعه خمرا.

(مسألة 23): إذا باع ما يتّخذ منه الحلال و الحرام و اشترط في البيع اتخاذ الحرام منه كان الشرط حراما باطلا و لم يجب الوفاء به، من دون أن يبطل البيع.

(مسألة 24): تحرم و تبطل إجارة الأعيان للمنافع المحرّمة، كإجارة الدار لشرب الخمر أو الدعارة، و إجارة الحانوت لبيع الخمر، و إجارة السيارة للنقل المحرم. و تجوز إجارتها بوجه مطلق ممّن يستغلها في الحرام من دون أن يؤخذ ذلك في عقد الإجارة و إن علم حين العقد بحصول ذلك منه.

نعم، إذا لزم من الإجارة التشجيع علي الحرام حرمت، و كذا إذا كان في تركها ردع عن الحرام و نهي عن المنكر.

(مسألة 25): تحرم الرشوة في الحكم من الراشي و المرتشي، و لا يحل أكلها للمرتشي، و المراد بها ما يبذل للقاضي من أجل الحكم لأحد الخصمين، حقا كان أو باطلا.

نعم، إذا

توقف استنقاذ الحق علي ذلك جاز دفعها من الراشي و حرمت علي المرتشي.

(مسألة 26): تحرم الرشوة من الراشي و المرتشي في غير الحكم و القضاء في مقابل أخذ حق الغير ظلما، و لا تحرم علي الدافع من أجل استنقاذ الحق أو دفع الظلم.

(مسألة 27): يحرم التكسب بالمراهنة في القمار و غيره، و المال المأخوذ به حرام لا يملكه الفائز، سواء ابتني علي عمل من المتراهنين أو من أحدهما، كالرهن علي حمل الحجر الثقيل، و علي المسابقة في الشعر أو في السباحة أو في الركض، أم لم يبتن علي ذلك، كالرهن علي مطر السماء، و قدوم المسافر، و سبق غير المتراهنين، و منه (الرايسز) المعروف في هذه العصور. و يستثني من حرمة الرهن السبق و الرماية علي ما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 28): اليانصيب إن كان لشركة تابعة لحكومة لا تقوم علي أساس

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 15

ديني و لا تدعي لنفسها الولاية الدينية جري علي أوراقه و علي الجائزة المستحصلة به ما يجري علي جميع ما يؤخذ من الجهات الحكومية المذكورة علي ما يأتي في المسألة (59). و إن كان لشركة أو جهة أهلية أو لشركة تابعة لحكومة تقوم علي أساس ديني فله صور.

الاولي: أن ترجع إلي التراهن بين المشتركين لكسب الغالب منهم بالقرعة، بحيث يبقي المال المدفوع كله أو بعضه موقوفا غير مملوك لأحد حتي يملكه الفائز بالقرعة. و لا تكون ورقة اليانصيب إلّا وثيقة لإثبات الدخول في المسابقة من دون أن تكون مقابلة بالمال المدفوع. و هذه الصورة داخلة في المراهنة المحرمة التي سبق الكلام فيها.

الثانية: أن ترجع إلي بذل المال للجهة الخاصة أو العامة و تعيينه لها

بشرط أن تقوم تلك الجهة بالإقراع بين المشتركين و تمليك الجائزة للفائز، بحيث يتعين المال بتمامه لتلك الجهة بمجرد دفعه، و يكون الإقراع شرطا زائدا علي التمليك يلزم الوفاء به و لا يوجب تخلّفه إلّا الخيار. و الظاهر حلية المعاملة في هذه الصورة و تملك الأطراف للمال المأخوذ بموجبها، سواء كانت ورقة اليانصيب مبذولة للمشارك من الجهة التي تقوم باليانصيب لمجرد التوثيق لإثبات مشاركته من دون أن تكون مقابلة بالمال المدفوع، بل يكون المال هبة للجهة مشروطة بالإقراع، أم كانت الورقة مبيعة من قبل الجهة المذكورة، بحيث يكون المال المدفوع ثمنا لها و يكون بيعها هو المشروط بالإقراع.

الثالثة: أن ترجع إلي بذل المال للجهة الخاصة أو العامة بنحو الهبة أو الشراء من دون شرط للإقراع و لا للجائزة. و يكون الإقراع و الجائزة إحسانا ابتدائيا من الجهة القائمة به للتشجيع علي البذل المذكور من دون أن تكون ملزمة به بعقد أو شرط لازمين، سواء سبق منها الوعد بهما قبل البذل أم لم يسبق، و لا إشكال في صحة المعاملة في هذه الصورة و تملك الأطراف للمال المأخوذ بموجبها.

و تجري هذه الصور الثلاث و تترتّب أحكامها السابقة في جميع المسابقات العلمية و الفنية و العملية، التي تبذل فيها الجوائز للسابقين، فإن ابتنت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 16

علي استحقاق السابق للجائزة بمجرد سبقه كانت من الصورة الاولي، و إن ابتنت علي قيام كل مشارك بالعمل المطلوب منه و بذله للجهة القائمة بالمسابقة بشرط بذل الجائزة له إن سبق كانت من الصورة الثانية، و إن ابتنت علي قيام كل مشارك بالعمل المطلوب منه بلا شرط مع كون بذل الجائزة للسابق إحسانا ابتدائيا للتشجيع علي المشاركة من

دون شرط كانت من الصورة الثالثة.

(مسألة 29): لا بأس بعقود التأمين علي الحياة و علي الحياة و علي الحوادث من غرق و حرق و سرقة و غيرها إذا ابتنت علي التعاقد بين الطرفين علي أن يدفع المؤمّن علي حياته أو داره أو محله أو سيارته أو غيرها مبلغا من المال معينا مقطوعا، أو أن يدفع في كل سنة مثلا مبلغا من المال و في قبال ذلك يتعهد الطرف الآخر المؤمّن عنده بتدارك الضرر الواقع بقيمته حين حدوثه أو بمبلغ معيّن.

(مسألة 30): لا يجوز التكسّب بالأذان و أخذ الأجرة عليه، سواء كان بإجارة أم جعالة، و كذا الحال في الصلاة و الصوم و الحج واجبة أو مندوبة، بل جميع العبادات التي لم يثبت مشروعية النيابة فيها علي الأحوط وجوبا.

نعم، ما يقبل النيابة يجوز أخذ الأجرة عليه و يقع امتثالا عن المنوب عنه.

(مسألة 31): لا يجوز أخذ الأجرة علي القضاء، و الأحوط وجوبا عدم أخذها علي بيان الحكم الشرعي الذي يحتاج الجاهل لمعرفته و لو لكونه في معرض الحاجة للعمل به، و أمّا ما لا يحتاج إليه للعمل بل يكون تعلمه لمجرد التفقّه أو لنفع الغير فالظاهر جواز أخذ الأجرة علي تعليمه.

نعم، لا يجوز امتناع العالم بالحكم الشرعي عن تعليمه عند السؤال عنه من دون أجر، إلا أن يكون قضاء الوقت في بيانه حرجا لكونه شاغلا عن طلب المعاش، أو لغير ذلك.

(مسألة 32): لا بأس بارتزاق القاضي و الفقيه من الأموال العامة مع عدم التمكن من الجمع بين التكسب و القيام بوظيفتهما، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي صورة حاجتهما للمال بالمقدار اللائق بشأنهما.

نعم، يجوز دفع المال لهما تشجيعا لا بعنوان الارتزاق مع وجود المصلحة في ذلك. و

تشخيص ذلك موكول لولي الأموال المذكورة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 17

(مسألة 33): الظاهر جواز أخذ الأجرة علي تعليم القرآن، و إن كان الأولي عدم المشارطة في تعيين الأجر، بل يرضي بما يدفع له. و أولي منه عدم أخذ شي ء عليه حتي الهدية.

(مسألة 34): لا بأس بالتكسب بالأمور الراجحة التي لم يثبت وجوب إيقاعها مجانا، كقراءة المواعظ و مصائب أهل البيت عليهم السّلام و فضائلهم و غير ذلك.

و إن كان الأولي عدم المشارطة في ذلك، بل عدم أخذ الأجرة، و يكون الدفع و الأخذ بعنوان الهدية.

(مسألة 35): يجوز أخذ الأجرة علي إيقاع عقد النكاح و صيغة الطلاق و جميع العقود و الإيقاعات. و أما تعليم الصيغ المذكورة فيجري فيه ما تقدم في المسألة (31).

(مسألة 36): تحرم و لا تصح الإجارة علي المنافع و الأعمال المحرّمة كما يحرم التكسب بها بغير الإجارة كالجعالة، فلا يستحق فاعلها الجعل و لا الأجر.

نعم إذا كان العامل بها جاهلا بالحرمة استحق الأقل من الأجر المبذول و الأجر المقابل عرفا للجهد الذي بذله العامل من دون خصوصية الفعل الخاص.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 18

تتميم:
اشارة

فيه أمران.

الأمر الأول في بعض الأعمال المحرمة

قد جري الفقهاء قدّس اللّه أسرارهم علي ذكر جملة من المحرمات هنا لبيان حرمة أخذ الأجرة عليها، لكنّا ذكرنا جملة منها في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر عند التعرّض للكبائر. و ينبغي التعرّض هنا لغيرها مما يناسب المقام، و ذلك في ضمن مسائل.

(مسألة 37): يحرم تدليس الماشطة و نحوها كالحلّاق، و ذلك بإخفاء عيب موجود، أو إظهار حسن لا واقع له، و لا بدّ فيه من أن يكون الغرض منه إيقاع الغير فيما لا يقدم عليه لو لا العمل المذكور، كالتزويج من الشخص الذي يفعل به ذلك، حيث يدخل في الغشّ الذي سبق حرمته. أما إذا لم يكن الغرض منه ذلك فلا بأس به، كما لو تزوج الشخص المعيب فأراد إخفاء عيبه عن صاحبه بعد الزواج من دون أن يستلزم ذلك إقدام صاحبه علي محذور لا يقدم عليه لو علم بالحال، و لا تكون فائدة إخفاء الواقع إلّا تجنب النفرة و حصول الألفة و حسن المعاشرة. و كذا لو أراد الشخص التجمل لصاحبه مع علمه بالعيب، أو التجمّل لغيره من الناس ممّن لا علاقة له به و لو مع جهلهم بالعيب و نحو ذلك، لخروج ذلك كله عن الغشّ المحرّم كما يظهر ممّا سبق في المسألة (17).

(مسألة 38): لا بأس بما تزيّنت به المرأة. نعم يكره وصل شعرها بشعر امرأة غيرها، بل الأحوط استحبابا تركه.

(مسألة 39): يحرم علي الرجل حلق اللحية إلّا أن يخشي الضرر المعتدّ به من بقائها، و أمّا سخرية الآخرين فاهتمام المؤمن بها يبتني غالبا علي ضعف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 19

النفس و الشعور بالنقص و عدم الاعتزاز بدينه و مبدئه، و إلّا فمن قويت نفسه

و اعتزّ بدينه و مبدئه يردّ كما ردّ النبي نوح عليه السّلام قومه إذ قال إِنْ تَسْخَرُوا مِنّٰا فَإِنّٰا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمٰا تَسْخَرُونَ.

نعم، مع الخوف و عدم القدرة علي الجواب و التغيير قد تبلغ السخرية حدّ الضرر المعتد به فيجوز لأجله حلق اللحية. و ذلك كله من فساد الزمان بفساد أهله، و لا حول و لا قوة إلّا باللّه العلي العظيم.

(مسألة 40): يكفي في مسوّغ حلق اللحية خوف الضرر في خصوص حال يتعلق الغرض العقلائي بالوقوع فيه و إن لم يضطر إليه شرعا أو عرفا، فمن خاف من بقاء لحيته عند ملاقاة جائر جاز له حلقها عند ملاقاته إذا كان له غرض شرعي أو عرفي معتد به في ملاقاته، و إن لم يبلغ الغرض في ملاقاته حدّ الوجوب الشرعي أو الضرورة العرفية.

(مسألة 41): الحدّ اللازم في طول اللحية ما يصدق معه عرفا عدم كون الشخص حالقا لحيته. و يكره الزيادة في طولها علي قبضة الكف.

(مسألة 42): يجوز حلق العارضين و إبقاء الذقن إذا كان الباقي مقدارا معتدّا به، كما يجوز تحديد اللحية و أخذ الشعر عند التحديد بأيّ وجه، كالحلق و النتف و الحف بخيط و غير ذلك. و إن كان الأولي للرجل الحفاظ علي ما هو الأنسب برجولته.

(مسألة 43): لا يجوز تشبّه الرجال بالنساء بقصد التخنث، و لا تشبّه النساء بالرجال بقصد التذكر و الاسترجال، سواء كان باللباس أم الزينة أم الكلام أم بغير ذلك. و لا بأس بفعل كل من الصنفين ما يناسب الآخر لغرض آخر، كالمعاونة في بعض الأعمال و التنكر لغرض ما، و كذا مثل لبس الرجل ثوب المرأة أو العكس للتستر أو التدفئة أو غيرهما.

(مسألة 44): يحرم تصوير ذي الروح

من الإنسان و الحيوان، سواء كان مجسما أم لا. و لا بأس بتصوير بعض ذي الروح و عضو منه كالرأس و الرجل، أمّا إذا صدق عليه أنه تصوير حيوان ناقص فهو حرام، كتصوير حيوان مقطوع اليد أو الرجل. و أظهر من ذلك تصوير حيوان علي هيئة خاصة تقتضي عدم ظهور

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 20

بعض أعضائه، كتصوير شخص جالس، أو بارز من نافذة قد اختفي أسفل جسده خلف الجدار، و منه تصوير الشخص إلي صدره مثلا. نعم الظاهر جواز تصوير الجسد المقطوع الرأس.

(مسألة 45): الظاهر أن المحرّم ليس هو إيجاد الصورة بأيّ وجه اتفق، بل تصوير الصورة، بحيث يكون الإنسان مصوّرا لها بأن تستند إليه هندستها و تنظيم أبعادها، فلا يحرم التصوير الفوتوغرافي، و لا طبع الصور و لا استنساخها، و لا جمع الأجزاء المتفرقة للصورة بنحو تتمّ بها الصورة كما في تركيب المكعبات المتعارف في زماننا.

نعم، إذا كانت الأجزاء دقيقة جدا فالأحوط وجوبا اجتناب تركيبها بنحو تتمّ بها الصورة.

(مسألة 46): الأحوط وجوبا اجتناب تصوير الصور الوهمية لذوات الأرواح، كتصوير حيوان مركب من حيوانين و تصوير حيوان و همي كالعنقاء و الغول و تصوير الملائكة و الجن.

(مسألة 47): تصوير الكاريكاتير المتعارف في عصورنا إن كان عرفا تصويرا لحيوان مشوّه كان حراما و إلّا كان حلالا و إن اشتمل علي ملامح الحيوان العامة.

(مسألة 48): يجوز علي كراهية اقتناء الصور، كما يجوز بيعها و شراؤها من دون أن يقتضي صنعها. أمّا إذا اقتضي البيع صنعها فهو باطل، كما لو باع الصور بنحو بيع الكلي في الذمة و لم يمكن تسليمها إلّا بصنعها.

(مسألة 49): يحرم سبّ المؤمن و ذمّه و هجاؤه و إهانته و هتكه و

نحو ذلك من أنحاء التعدي عليه. نعم قد يجوز ذلك لدفع الضرر الأهم عنه أو عن غيره من المؤمنين. و كذا يجوز ذلك لتنفير الناس عنه دفعا لضرره علي الدين، كما لو ابتدع بدعة أو دعا إلي ضلالة.

(مسألة 50): مدح من لا يستحق المدح إن كان بنحو الخبر الكاذب حرم مطلقا، و إن كان بوجه آخر كالبيان المبني علي المبالغة و التخييل و المدح بنحو الإنشاء لا الإخبار فلا بأس به، إلّا أن يترتب عليه محرم آخر كترويج الباطل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 21

و التشجيع عليه.

(مسألة 51): المشهور حرمة الشعبذة، و هي إراءة غير الواقع واقعا بسبب خفة الحركة و سرعتها بنحو يخرج عن المتعارف. لكن المتيقن من حرمته ما إذا لزم منه أمر آخر محرم كالإضرار بالمؤمن. كما أن الأحوط وجوبا تركها إذا كانت بداعي بيان قدرة المشعوذ علي الأمر الخارق للعادة. أمّا إذا لم يكن بداعي بيان ذلك، بل ابتني علي أن ما يقع إيهام لا واقع له من دون أن يلزم منه أمر آخر محرم فالظاهر جوازه.

(مسألة 52): يحرم طبع كتب الضلال و الفساد و نشرها و حفظها و الدعاية لها و سائر وجوه ترويجها إذا خيف ترتّب الضلال أو الفساد علي ذلك، أو كان فيه تقوية للباطل و ترويج له. و لا بأس بما لا يخاف منه علي شي ء من ذلك، بل يرجع لو ترتّب عليه أمر راجح، كاقتنائها للاطلاع علي مضامينها الباطلة من أجل ردّها و دفع شبهها.

(مسألة 53): تحرم القيافة، و هي إلحاق الناس بعضهم ببعض استنادا إلي علامات خاصة، إذا كان الإلحاق بنحو الجزم، كما يحرم تصديق القائف حينئذ، و يحرم التكسب بذلك. و لا يحرم

شي ء من ذلك إذا لم يكن الإلحاق بنحو الجزم و اليقين من دون ترتّب أثر مخالف لمقتضي الطرق و الموازين الشرعية. نعم يكره إتيانهم و الرجوع إليهم حينئذ.

(مسألة 54): تعارف في عصورنا إخبار بعض الناس عن أمور مجهولة اعتمادا علي طرق خاصة غير مبتنية علي الحس أو التجربة أو نحوهما من الطرق العقلائية، كالإخبار من طريق نشر بعض الأشياء المختلفة من خرز و حصي و غيرها، و من طريق قراءة الفنجان، أو غيرهما. و الظاهر حرمة الإخبار بطريق الجزم و حرمة التصديق به كذلك و حرمة التكسب بذلك.

نعم، لا يحرم شي ء منها إذا لم يكن الإخبار أو التصديق بنحو الجزم، نظير ما تقدم في القيافة.

(مسألة 55): يدعي بعض الناس القدرة علي تحضير الجن، و لا يسعنا إنكار ذلك، فإن صدقوا فتحضيرهم إن كان بطريق السحر كان محرما و إن لم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 22

يكن بطريق السحر فهو حلال إذا لم يستتبع إيذاء مؤمن، و لا بأس بالاستعانة بهم في الأمور المحللة. و يجري علي الإخبار عن الأمور الغيبية من طريقهم ما تقدم في حكم المسألتين السابقتين.

(مسألة 56): اشتهرت في هذه الأيام دعوي تحضير أرواح الموتي و أخذ المعلومات منهم، و يجري علي الإخبار اعتمادا عليهم ما تقدم في حكم المسائل السابقة. و أما نفس التحضير فهو حلال إذا لم يستلزم إيذاء مؤمن، و إن كانت قناعتنا الشخصية علي أنه لا أصل لذلك، و أن من يدعي هذه الأمور بين دجال كاذب و متخيل واهم قد لبست عليه نفسه و شبهت عليه، و إن فرض أن هناك بعض الأمور الحقيقية فهي أمور شيطانية، فالحضور للشياطين لا للأرواح التي زعم إحضارها، كما قد يناسبه

أن كل فئة و أهل دين توحي إليهم الأرواح التي يزعمون تحضيرها ما يناسب عقائدهم، حقة كانت أو باطلة، مع أن الحقيقة التي تنكشف بعد الموت واحدة لا لبس فيها.

و من ثمّ ينبغي الاحتياط و الحذر من التصديق نتيجة تجربة صدق الخبر في بعض المرات، فإن ذلك قد يكون من الشيطان، استدراجا حتي يستحكم حسن الظن بهذه الأمور و يستسلم السامع لها و يؤخذ بها و لا يستطيع الإفلات منها، فإذا تمّ له ذلك سيطر عليه و قاده إلي ما يريد من ضلالات و محرمات، و شغله عن نفسه و دينه كما يشاء فخسر الدنيا و الآخرة، ذلك هو الخسران المبين.

و الأخطر من ذلك و الأكذب ما شاع في زماننا هذا من دعوي إفاضة بعض الأئمة عليهم السّلام و الأولياء علي بعض الناس من أنوارهم، أو حلول أرواحهم فيهم متلبسين بهم فينطقون عنهم مخبرين كما يزعمون ببعض الأمور المجهولة أو آمرين أو ناهين، بنحو يثير الانتباه و يلفت النظر و يستجلب بعض المغفلين السذّج فيعملون علي ذلك مطيعين مصدقين و كأنهم يطيعون الإمام أو الولي و يصدقونه. و قد رأينا من قاده ذلك للسرقة و انتهاك الحرمات عن حسن نية، و لو تأمل قليلا لأدرك التخليط في ذلك، و إلا فما بال هذه الذوات الطاهرة تفيض أنوارها علي النساء و ضعاف البصيرة و تتجسد فيهم و تترك ذوي النفوس العالية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 23

و الشخصية القوية من علماء الدين و رجال الفكر المتدينين.

علي أن تجسد أرواحهم عليهم السلام في أشخاص غيرهم أمر مرفوض دينيا و عقيديا أشد الرفض، و ليس ذلك إلا من عمل الشيطان و كيده و وساوسه و تخييلاته، و

لذا شاع في الأوساط التي يضعف فيها الدين، و تجهل تعاليمه، و تخفي معالمه، و يقل المرشدون، حيث يكون ذلك مرتعا خصبا للشيطان، و بيئة صالحة لكيده في تضليل الناس و العبث بهم، نعوذ باللّه تعالي من كيده و مكره، و نسأله العصمة و السداد إنه أرحم الراحمين، و وليّ المؤمنين، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

(مسألة 57): المشهور حرمة النجش. قيل: و هو أن يزيد الشخص في ثمن السلعة و هو لا يريد شراءها، بل ليسمعه غيره فيزيد لزيادته، أو هو مدح سلعة الغير للترغيب في شرائها. و الظاهر أن المعيار في الحرمة علي تحقق الغش بذلك، بأن يكون الغرض من أحد الأمرين إيهام الغير جودة السلعة ليشتريها بأكثر من ثمنها. أما إذا كان الغرض من ذلك إنفاق السلعة الكاسدة و بيعها بثمنها أو بما دونه فلا يحرم، لعدم تحقق الغش، كما يظهر مما تقدم في المسألة (17).

(مسألة 58): لا بأس بالنياحة و بالتكسب بها. و إن كان الأولي عدم المشارطة في ذلك و الرضا بما يدفع له، نعم قد تحرم النياحة لاشتمالها علي خصوصية محرمة، كالنياحة بالكذب أو بالمدح بصفات مذمومة شرعا، كالسلب و النهب و حسن الغناء و نحو ذلك مما يستلزم المدح به الترويج للحرام و التشجيع عليه، و كذا إذا كان المرثي ممن يلزم من مدحه ترويج الباطل و تقويته، لكونه علما للضلال أو مشهورا بالفسق و انتهاك الحرمات أو نحو ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 24

الأمر الثاني في حكم التعامل مع من يتعرض في كسبه للحرام

(مسألة 59): ما تأخذه الحكومة التي تقوم علي أساس ديني و تدّعي لنفسها الولاية الدينية من الضرائب الشرعية المجعولة علي الأراضي الخراجيّة و الأموال يقع عما عيّنته و تبرأ ذمة من

عليه تلك الضريبة بأخذ الحكومة لها، سواء كانت تلك الدولة محقّة في دعواها الولاية أم مبطلة و ظالمة. و يكون الوزر في الصورة الثانية علي الحاكم لا غير. كما يجوز للغير أخذه من الحكومة المذكورة، سواء دفعته الحكومة له جائزة و هديّة مجانية أم بمعاملة معاوضية. بل إذا قاطعت الحكومة المذكورة شخصا آخر عن تلك الضريبة بمبلغ معين من المال يدفعه لها صحت المقاطعة، و كان لذلك الشخص أخذ الضريبة من الشخص الذي وجبت عليه. و وجب علي من عليه تلك الضريبة دفعها له. و تبرأ ذمته أيضا بذلك.

و أما إذا لم تدّع الحكومة لنفسها الولاية الدينية، بل ابتنت سلطتها علي القوانين الوضعية فالظاهر عدم براءة الذمة من الضريبة بدفعها إليها. و أظهر من ذلك ما إذا لم تؤخذ الضريبة بعنوان كونها الضريبة الشرعية المعهودة، بل بعنوان آخر تقتضيه القوانين الوضعية، فإنها لا تجزي عن الضريبة الشرعية، حتي لو كان الآخذ حكومة تدّعي الخلافة أو الولاية الدينية. و لا تخرج الضريبة المأخوذة عن ملك الدافع، فيحرم التصرف فيها إذا كان محترم المال مع العلم بها و تعيينها.

(مسألة 60): المراد بالضريبة الشرعية في المسألة السابقة هي الزكاة و ضريبة الأرض الخراجية الزراعية، سواء كانت نقدية بمقدار معيّن من المال،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 25

كما لو جعل علي كل دونم عشرة دنانير مثلا، و هي المسماة بالخراج، أم حصة من الثمرة كالربع و الثلث و هي المسماة بالمقاسمة. و أما بقية الحقوق و الضرائب الشرعية كالخمس و الكفارات فلا يجري عليها الحكم السابق، بل لا بدّ من أدائها بالوجه المقرّر شرعا.

(مسألة 61): يصح التعامل مع من يبتلي في أمواله بالحرام كالمرابي و المقامر و السارق

و بائع الخمر و غيرهم، كما يجوز الانتفاع بماله و التصرف فيه بإذنه بمثل الدخول في داره أو محله و الركوب في سيارته و الأكل من طعامه و غيرها، و يجوز أيضا أخذ المال منه و تملّكه بهبة أو معاوضة أو غيرهما، إلّا أن يعلم بحرمة المال بعينه فلا يجوز التصرف فيه و لا أخذه إلّا بمراجعة مالكه الحقيقي أو وليه مع معرفته و لو جهل المالك فإن أمكن الفحص عنه وجب، و مع اليأس من معرفته و الوصول إليه يجب علي من يقع المال تحت يده التصدق به عن صاحبه علي الفقراء. و لو صادف أن عرف المالك بعد ذلك و لم يرض بالتصدق فالأحوط وجوبا الضمان له. و هذا هو الحكم في كل مال مجهول المالك يقع تحت يد المكلف. و أما التصرف بالمال المجهول المالك من دون أن يتصدق به كالدور و المحلّات و غيرها فلا بدّ في جوازه من الرجوع للحاكم الشرعي.

(مسألة 62): لا فرق في حكم المسألة السابقة بين كون من يبتلي في أمواله بالحرام شخصا خاصا و كونه جهة عامة، كالدولة. نعم الدولة التي لا تقوم علي أساس ديني و لا تدّعي لنفسها الولاية الدينية، بل تبتني سلطتها علي القوانين الوضعية فالمال المأخوذ منها إن كان ملكا لها من دون أن يكون مسبوقا بملك مسلم جاز تملكه منها بالوجه القانوني، كالنقود غير المستعملة (البلوك) و المواد التي تستوردها من الحكومات أو الشعوب غير المسلمة. و إن كان مسبوقا بملك مسلم مجهول جري عليه حكم مجهول المالك الذي تقدم في المسألة السابقة، كالنقود المستعملة التي تعاقبت عليها أيدي المسلمين بوجوه لا يعلم الحرام منها من الحلال، و كالمواد المشتراة من

المسلمين من دون ضبط للمالك أو الغاصب أو المختلس أو نحوهما ممّن لا يبالي كيف يكتسب المال.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 26

نعم، إذا كانت مشتراة ممن يري نفوذ المعاملة مع تلك الدولة من فرق المسلمين أو الأديان الأخري جاز أخذه منها و تملّكه بمقتضي قاعدة الإلزام.

(مسألة 63): المال المأخوذ من الدولة التي لا تدعي لنفسها الخلافة أو الولاية الدينية و إن جري عليه حكم مجهول المالك فيجب التصدق به علي الفقير إلا أن الأحوط وجوبا صرفه في الجهة التي تملكه قانونا إذا كانت محترمة بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه، فإذا طلب شخص من آخر قبض مبلغ عنه من البنك مثلا فقبضه فاللازم علي القابض بعد إجراء وظيفة مجهول المالك علي المبلغ دفعه للشخص الذي طلب منه قبض المبلغ، و إذا كان قد عيّن صرف المبلغ المذكور في وفاء دينه أو الإنفاق علي أهله صرفه فيما عيّنه، إلا في موارد خاصة لا يتيسر ضبطها يراجع فيها الحاكم الشرعي.

(مسألة 64): مما سبق يظهر أن من أجري معاملة صحيحة أو باطلة تقتضي استحقاق المال عليه فدفع المال بالتحويل علي البنك التابع للدولة التي لا تبتني علي كيان ديني و لا تدّعي لنفسها الولاية الدينية لم يبرأ بأخذ المستحق للمال من البنك المذكور، لكون المال مجهول المالك.

نعم، إذا أخذه المستحق للمال و أجري عليه وظيفة مجهول المالك ثم احتسبه بعد ذلك وفاء عمن عليه الحق الذي أجري المعاملة معه برئت ذمة من عليه الحق بذلك. و لعل الأولي في دفع المحذور المذكور أن يتصالح الطرفان علي براءة ذمة من عليه الحق في مقابل تسليطه لمن له الحق علي أخذ المال من البنك بدفعه الصك له مثلا،

فيكون دفعه للصك بنفسه سببا لبراءة ذمته من الحق الذي عليه، بلا حاجة إلي احتسابه عليه بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه، و إنما يحتاج آخذ المال لإجراء وظيفة مجهول المالك من أجل تحليل المال له لا غير.

(مسألة 65): إذا كان المال مشتركا بين الجهة غير المالكة و الجهة المالكة، كأموال الشركات المختلطة، جري عليه حكم مجهول المالك في حصة الجهة غير المالكة و حكم معلوم المالك في حصة الجهة المالكة.

نعم، إذا حوّلت الشركة المذكورة المال المستحق عليها علي جهة غير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 27

مالكة فأخذ المال من تلك الجهة جري عليه حكم مجهول المالك بتمامه.

(مسألة 66): إذا اكتسب المؤمن المال بأحد الوجوه المحرمة السابقة و غيرها من مخالف في الدين يري بمقتضي دينه صحة المعاملة و استحقاق المال عليه بموجبها حلّ للمؤمن أخذ المال إلزاما للمخالف بحكم دينه و إن كان إيقاع المعاملة محرما، فإذا باع المؤمن الخمر و الخنزير مثلا ممّن يري جواز البيع المذكور كان إيقاع المعاملة محرما و تسليم المبيع حراما، لكن لو فعل المؤمن ذلك عصيانا أو جهلا حلّ له أخذ الثمن و تملّكه من الشخص المذكور.

و إذا وقع في يد المؤمن مال لمخالف له في الدين بوجه غير مشروع و كان صاحب المال يراه مشروعا بمقتضي دينه حلّ للمؤمن أخذه و تملكه منه أو التصرف فيه. كما أنه إذا اكتسب المال بمعاملة غير مشروعة من مخالف في الدين غير محترم المال جاز أخذ المال منه من باب الاستنقاذ و إن لم يكن حلالا في دين الشخص المذكور.

(مسألة 67): إذا دفع إنسان مالا إلي آخر لينفقه في طائفة من الناس، كالسادة أو الفقراء، و كان المدفوع له

منهم، فإن ظهر من الدافع أن مراده صرف المال فيهم كيف اتفق بنحو يشمل أخذه لنفسه معهم جاز له الأخذ منه، و إن لم يظهر منه ذلك بل اشتبه المراد، أو كان ظاهر الحال إرادة صرفه في غيره بحيث يكون واسطة في الإيصال لا غير لم يحل له الأخذ من المال. و كذا الحال فيما لو دفع له بضاعة ليبيعها أو مالا ليشتري به، حيث لا يجوز له شراء البضاعة لنفسه، و لا الشراء بالمال من نفسه إلّا مع فهم العموم له و ظهور حال الدافع في ذلك.

و يجري ذلك في جميع النظائر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 28

المقام الثاني في آداب التجارة

(مسألة 68): يستحب ذكر اللّه تعالي في الأسواق، و طلب الخيرة منه، و الدعاء بالمأثور، و منه الشهادتان. كما يستحب عند الشراء التكبير ثلاثا، و الدعاء بالمأثور أيضا، و أن يستدرّ الرزق بالدعاء، و أن يرجو في نفسه الرزق من حيث لا يحتسب، و لا يعتمد علي حذقه و كدّه و لا يطمئن إليهما.

(مسألة 69): ينبغي للمتكسّب أن يقصد بكسبه الاستعفاف عن الناس، و التوسعة علي العيال، و القيام بأعمال الخير و البر، فإن ذلك من طلب الآخرة. و لا ينبغي له أن يكون همّه الجمع و الادّخار.

(مسألة 70): يستحب الإجمال في الطلب، فإنه لن تموت نفس حتي تستكمل رزقها، و في حديث الإمام الصادق عليه السّلام: «ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيّع و دون طلب الحريص».

(مسألة 71): يستحب التعامل مع من نشأ في الخير. و يكره التعامل مع مستجدّ النعمة، و مخالطة السفلة.

(مسألة 72): يستحب التوثّق بالكتابة عند المعاملة.

(مسألة 73): يستحب الإحسان في البيع و التسامح فيه، و أن يعطي زائدا، و أن يبادر

للبيع عند حصول الربح، و أن لا يزهد في الربح و الاسترزاق به و إن قلّ.

(مسألة 74): يستحب إقالة النادم. و هي رفع اليد عن البيع و فسخه عند طلب أحد المتبايعين. ففي الحديث: «أيّما عبد أقال مسلما في بيع أقاله اللّه عثرته يوم القيامة». و يأتي الكلام في أحكامها في الفصل الرابع عشر إن شاء اللّه تعالي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 29

(مسألة 75): يستحب للمشتري المماكسة و التحفظ من الغبن، إلا في شراء الأضحيّة، و الكفن، و العبيد، و مصارف الحج فإنه يكره المماكسة فيها.

(مسألة 76): صاحب السلعة أولي بالسوم بأن يبدأ ببيان الثمن الذي يطلبه، و لا يكون المشتري هو البادي ببيان الثمن الذي يدفعه.

(مسألة 77): ينبغي للتاجر أن لا يشتغل بتجارته عن أداء الصلاة في أول وقتها، بل ينبغي ذلك لجميع أهل الأعمال، فعن أمير المؤمنين عليه السّلام: «ليس عمل أحب إلي اللّه عزّ و جلّ من الصلاة فلا يشغلنّكم عن أوقاتها شي ء من أمور الدنيا، فإن اللّه عزّ و جلّ ذمّ أقواما فقال الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلٰاتِهِمْ سٰاهُونَ يعني: أنهم غافلون، استهانوا بأوقاتها».

(مسألة 78): يكره للإنسان أن يكون أول داخل للسوق و آخر خارج منه، كما يكره السوم ما بين طلوع الفجر و طلوع الشمس.

(مسألة 79): يكره للبائع أن يمدح سلعته، و للمشتري أن يذمّها، و كذا كتمان العيب إذا لم يؤدّ إلي الغشّ، و الّا حرم، و الحلف في البيع و الشراء صدقا، و إن كان كذبا حرم.

(مسألة 80): يكره للبائع الربح بمثل الثمن فما زاد، و يستحب الرفق في الربح علي المؤمن إذا اشتري للتجارة، و يكره الربح عليه فيما يشتريه لغيرها إلّا بمقدار الحاجة، كما يكره

ربح البائع علي من يعده بالإحسان إن اشتري منه، و يكره أيضا التفريق بين المشتري المماكس و غيره في الربح.

(مسألة 81): يكره للمشتري طلب الوضيعة من الثمن بعد العقد، و قبولها إذا ردّها عليه البائع.

(مسألة 82): يكره الشكوي من عدم الربح و من الإنفاق من رأس المال، ففي الحديث: «إن من شكي من ذلك فقد شكي اللّه تعالي». و لا بأس ببيانه كحقيقة واقعة من دون أن يتضمن الشكوي، خصوصا مع استدراك ذلك بحمده تعالي و شكره علي ما رزق و يسّر، فإن نعمه لا تحصي و لا ينبغي أن تنسي.

(مسألة 83): يكره الدخول في سوم المؤمن. و المراد به أن يري اثنين يتساومان في بيع و شراء فيدخل قبل أن ينتهي الأمر بينهما بالقبول أو الرد،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 30

و يطلب أن يكون هو المشتري أو البائع بدلا من أحدهما. و لا بأس به إذا ابتني بيع المتاع علي طلب الزيادة، و هو البيع في المزاد.

(مسألة 84): يكره أن يتوكّل أحد من أهل المدينة للأعراب و أهل البوادي في بيع ما يأتون به للمدينة من البضائع. بل يتركون ليبيعوها بأنفسهم.

(مسألة 85): يكره تلقي الركبان، و هم الذين يجلبون البضائع للبلد، و المراد بتلقيهم الخروج لاستقبالهم، و مبادرتهم بالشراء منهم قبل دخول البلد.

و لا يكره ذلك لو صادف لقاءهم خارج البلد من دون قصد. و حدّ التلقي أربعة فراسخ، فإن زاد علي ذلك كان من جلب البضاعة المستحب.

(مسألة 86): يكره الاحتكار، و هو حبس الطعام لطلب الزيادة في الخصب أربعين يوما و في الشدة و البلاء ثلاثة أيام، بل يحرم حبس الطعام مطلقا مع حاجة الناس له و عدم الباذل، بحيث يوجب

الضيق علي الناس، و المراد بالطعام الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الزيت و السمن.

(مسألة 87): في مورد الاحتكار المحرّم يجبر المحتكر علي البيع من دون أن يحدّد السعر عليه، إلّا أن يكون السعر الذي يطلبه مجحفا بالعامة، فيحدّد السعر عليه بنحو لا يجحف به و لا بهم.

(مسألة 88): الذي يجبر المحتكر و يحدّد السعر عليه في مورد الإجحاف هو الحاكم الشرعي مع تيسر الرجوع إليه، و مع عدم تيسر الرجوع إليه يقوم بذلك عدول المؤمنين.

(مسألة 89): يحرم الاحتكار إذا كان موجبا لتلف النفوس المحترمة، أو الضرر المهم بهم الذي يجب دفعه، كالأمراض الصعبة و تعطيل بعض الأعضاء، أو كان موجبا للهرج و المرج و اختلال النظام. من دون فرق بين الطعام و غيره كالدواء و اللباس و غيرهما. بل حتي الأعمال، كعلاج الأمراض و النقل و غيرهما، فيحرم الامتناع عنها إذا أوجب ذلك. و لا بدّ في الثمن حينئذ من أن يكون بنحو لا يلزم منه أحد المحذورين المذكورين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 31

الفصل الأول في عقد البيع

لا بد في تحقق البيع من التزام الطرفين به و إبرازهما الالتزام المذكور بما يدلّ علي جعل المضمون و إيجاده في الخارج ادعاء، المعبر عنه بالإنشاء. و هذا هو اللازم في جميع العقود.

(مسألة 1): يقع البيع بكل ما يدلّ علي الالتزام المذكور من الطرفين من لفظ أو إشارة أو كتابة كالتوقيع من الطرفين علي ورقة البيع أو فعل آخر، كتسليم أحد العوضين من الثمن أو المثمن و تسلّمه، المسمّي بالمعاطاة، و نحو ذلك.

(مسألة 2): لا يشترط في اللفظ العربية، فيقع بأيّة لغة كانت، كما يقع بالملحون و الكنايات و غيرها ممّا يتضمن إبراز الالتزام النفسي بالبيع

و جعل مضمونه.

(مسألة 3): إذا طلب أحد الطرفين من الآخر أن يبيعه شيئا فقال: بعتك هذا الشي ء، لم يكف في تحقق البيع ما لم يظهر من الطالب القبول و الرضا بالبيع.

أما لو لم يظهر منه ذلك أو صرّح رأسا بالرد فلا بيع.

(مسألة 4): إذا كان أحد الطرفين وكيلا عن الآخر كفي التزامه بالبيع عن نفسه و عن موكله و إنشاؤه له، بلا حاجة إلي إنشاء القبول عن الآخر.

نعم، إذا غفل عن وكالته فالتزم بالبيع و أنشأه عن نفسه بانتظار قبول الآخر فلا يقع البيع ما لم يتحقق القبول عن الآخر أو منه. و هكذا الحال في الوكيل عن الطرفين، و الوليّ عليهما، و نحوهما من موارد تولّي الشخص الواحد لطرفي العقد.

(مسألة 5): يشترط في عقد البيع ابتناء التزام الطرفين بالمضمون علي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 32

التزام الآخر به، فلو التزم كل منهما بالمضمون ابتداء بانتظار قبول الآخر لم يقع العقد إلّا أن يطّلع أحدهما علي التزام الآخر و يرضي به. مثلا إذا كتب الوسيط ورقة البيع و وقّعها أحد الطرفين بانتظار توقيع صاحبه، و صادف أن وسيطا آخر كتب ورقة أخري للبيع و وقّعها الطرف الثاني بانتظار توقيع صاحبه من دون أن يعلم بتوقيعه لم يقع البيع حتي يعلم أحد الطرفين بتوقيع الآخر و يرضي بالمعاملة. و هكذا الحال في جميع العقود.

(مسألة 6): لا يشترط في البيع التخاطب بين الطرفين و لا وحدة المجلس، و لا الموالاة بين الالتزام من الطرفين. فيقع البيع مثلا بكتابة مضمونه في ورقة و توقيع أحد الطرفين فيها ثمّ إرسالها للآخر فيوقع فيها.

نعم، لا بدّ من بقاء الطرف الأول علي التزامه حتي يقبل الآخر، فلو عدل الطرف الأول

عن التزامه قبل صدور القبول من الآخر لم يقع البيع حتي لو لم يعلم الطرف الثاني حين قبوله بعدول الأول. و لو ادعي العدول قبل منه إلّا أن يعلم بكذبه. و لو شك في زمان العدول و أنه قبل قبول الثاني أو بعده بني علي عدم صحة البيع. و هكذا الحال في جميع العقود.

(مسألة 7): لا بدّ في صحة البيع من اتفاق المتبايعين علي مضمون واحد، بحيث يتطابق ما يلتزم به أحدهما مع ما يلتزم به الآخر في الثمن و المثمن و غيرهما من الخصوصيات المأخوذة في البيع، كالشرط و الوصف و الأجل و غيرها، فإذا اختلفا في شي ء من المضمون بطل البيع. و لو اختلفا في الإجمال و التفصيل، كما لو قال: بعتك الثوب بدينار، فقال: اشتريت كل ربع منه بربع دينار، فإن ابتني التفصيل علي الارتباطية بحيث يرجع إلي وحدة البيع في مجموع الأجزاء صحّ البيع، و إن رجع إلي الانحلال و إلي تعدد البيع بتعدد الأجزاء بطل. و هكذا الحال في جميع العقود.

(مسألة 8): يشترط في البيع التنجيز، فلا يصح البيع معلّقا علي أمر غير حاصل حين العقد، سواء علم حصوله كالبيع معلقا علي طلوع الهلال أم لم يعلم، كالبيع معلّقا علي قدوم المسافر. بل الأحوط وجوبا عدم البيع معلقا علي أمر حاصل مجهول الحصول، كما لو قال: بعتك إن كان ما ولد لي ذكرا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 33

نعم، يصح البيع معلّقا علي مجهول إذا كان المجهول شرطا في صحة البيع، كما لو قال: بعتك هذا الثوب إن كان لي. و كذا يصح إذا كان معلقا علي أمر معلوم الحصول حين العقد، و إن لم يكن شرطا في صحة

العقد. و هكذا الحال في جميع العقود و الإيقاعات، عدا الوصية التمليكية و هي التمليك معلّقا علي الموت و التدبير، و هو عتق العبد معلّقا علي الموت و النذر المعلّق علي حصول شي ء غير حاصل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 34

الفصل الثاني في شروط المتبايعين

اشارة

يعتبر في المتبايعين أمور.

الأول: البلوغ بأحد الأمور المتقدمة في أول مباحث الاجتهاد و التقليد، فلا يصح بيع الصبي و شراؤه لنفسه و إن كان مميزا يفهم معني البيع و الشراء، و يدرك موارد النفع و الضرر الماليين. بل لا بد في ذلك من إذن الولي، و يأتي في كتاب الحجر بعض الفروع المتعلقة بذلك إن شاء اللّه تعالي.

الثاني: العقل فلا يصح عقد المجنون. و يأتي في كتاب الحجر بعض الفروع المتعلقة بذلك إن شاء اللّه تعالي.

الثالث: الاختيار، فلا يصح بيع المكره و شراؤه، و هو الذي يأمره غيره بالبيع أو الشراء المكروه له علي نحو يخاف من ترتّب الضرر بمخالفته. نعم إذا كان الإكراه بحقّ لم يمنع من صحة البيع.

(مسألة 1): المراد من الضرر الذي يتوقف صدق الإكراه معه ما يعمّ الضرر الواقع علي نفسه و ماله و شأنه و بعض من يتعلق به ممن يهمّه أمره كولده و أبويه و إخوته، بل الظاهر أنه يعمّ من يجب عليه دفع الضرر المعتد به عنه شرعا، كما لو هدّده بقتل مؤمن لا يعرفه، بل يعمّ من يحسن منه شرعا دفع الضرر عنه، كما لو هدّده بنهب مال مؤمن لا يعرفه.

(مسألة 2): لو قدر علي دفع ضرر المكره بالاستعانة بالغير من دون محذور و التفت لذلك، و لكنه لم يفعل و أوقع البيع فالظاهر عدم صدق الإكراه، و صحة البيع حينئذ. و كذا إذا قدر

علي إيهام المكره أنه فعل ما أكرهه عليه و التفت لذلك و لم يفعل، بل أوقع البيع. و منه إذا قدر علي التورية كما لو قصد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 35

بقوله: (بعت) الإخبار دون الإنشاء و التفت إليها، و لم يخش ظهور الحال و الوقوع في الضرر، فإنه إذا لم يورّ حينئذ و باع قاصدا البيع صحّ لعدم صدق الإكراه.

(مسألة 3): إذا أمره الغير بالبيع و خاف من ترتّب الضرر بمخالفته، لكنه باع برضاه من دون أن يستند البيع لأمر الغير صحّ البيع. و كذا إذا استند في بيعه لأمر الغير دفعا للضرر المترتب علي مخالفته، لكنه التفت إلي أنه لا يصح شرعا فأوقع البيع راضيا به دفعا للمشاكل الشرعية المترتبة علي بطلان المعاملة.

(مسألة 4): إذا أكره علي بعض الخصوصيات في البيع كالثمن و الزمان و المكان من دون أن يكره علي أصل البيع، بل كان له تركه، فباع بالخصوصية التي أكره عليها صحّ البيع. كما لو حدد له الثمن من دون أن يلزم بالبيع به، بل كان له ترك البيع رأسا، فإنه لو اختار البيع بالثمن المحدد صحّ البيع.

(مسألة 5): الإكراه إنما يبطل البيع إذا وقع علي من له البيع أو علي وليه أو وكيله مع عدم رضا الموكّل بالبيع، أما إذا وقع علي الوكيل مع رضا الموكّل بالبيع فالبيع صحيح. و كذا إذا أكره صاحب المال أو وليه أو وكيله شخصا في أن يبيع عنه فباع، فإن البيع يصح حينئذ، و لا يبطله الإكراه.

(مسألة 6): يصح بيع المكره بالإجازة اللاحقة منه أو من وكيله أو وليه.

(مسألة 7): لما كان البيع مع إكراه أحد الطرفين فاسدا فكما يبقي المكره مالكا لما يؤخذ

منه من ثمن أو مثمن يبقي الطرف الآخر مالكا لما يدفعه للمكره، و حينئذ إن كان الطرف الآخر عالما بالإكراه و بفساد العقد، و تعمد أخذ ما أخذ غصبا كان للمكره تملك ما أخذه منه من باب المقاصة، فإن كان ما أخذه مساويا لما أخذه الطرف الآخر في القيمة فقد استكمل حقه و لا شي ء عليه، و إن كان ما أخذه أقل قيمة بقي له عند الطرف الآخر فرق ما بينهما، و إن كان ما أخذه أكثر قيمة استحق مقدار ما أخذ منه بالمقاصة، و بقي الزائد ملكا لصاحبه، لكن لا يضمنه الآخذ لو تلف لعدم تعدّيه في أخذه. و بوسع المكره تملك تمام الثمن بتصحيح البيع بإجازته له لاحقا، كما تقدم في المسألة السابقة.

و إن كان الطرف الآخر جاهلا بالإكراه، أو بفساد البيع بقي ما دفعه للمكره في ملكه و لم يكن للمكره تملكه من باب المقاصة، بل يجب عليه إرجاعه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 36

لصاحبه و مراجعته فيه. و مع تعذر مراجعته لعدم معرفته أو لانقطاع خبره أو لغير ذلك فاللازم مراجعة الحاكم الشرعي فيه، لأنه ولي الغائب، و بوسع المكره حينئذ تجنب ذلك بتصحيح البيع بإجازته اللاحقة، كما تقدم.

(مسألة 8): إذا اضطر للبيع من غير جهة الإكراه لم يبطل البيع، كما لو اضطر لبيع داره لمعالجة مريضة أو تحصيل قوت عياله. و كذا لو كان من جهة الإكراه علي أمر غير البيع، كما لو أكرهه الجائر علي دفع مال، و لم يمكنه دفعه إلّا ببيع داره.

(مسألة 9): يجوز الشراء ممن يقبل بالثمن القليل لاضطراره للبيع. و كذا البيع ممن يقبل بالثمن الكثير لاضطراره للشراء. نعم يكره استغلال اضطراره بحيث يكون

تقليل الثمن في الأول و زيادته في الثاني لأجل اضطراره، أمّا إذا كان بداع آخر، كعدم الرغبة في الشراء أو البيع فلا كراهة. و كذا إذا كان الاضطرار للبيع أو الشراء موجبين لهبوط السعر السوقي أو ارتفاعه.

الرابع: السلطنة علي التصرف في المبيع أو الثمن، لكونه مملوكا له أو في ذمته من دون أن يكون محجورا عليه أو لكونه وكيلا علي المال أو مأذونا في التصرف فيه ممن له التوكيل و الإذن أو لكونه وليا عليه. فلو لم يكن كذلك لم ينفذ البيع، كما لو باع الأجنبي أو المالك المحجور عليه لصغر أو سفه أو غيرهما. و هو المسمي عندهم ببيع الفضولي و شرائه.

(مسألة 10): لا يكفي في خروج البيع أو الشراء عن كونه فضوليا العلم برضا من له السلطنة عليه به، بحيث لو التفت إليه لإذن فيه، بل لا بدّ من إعمال سلطنته فيه، بإذنه في البيع أو توكيله علي إيقاعه، و لو كان مستفادا من شاهد الحال كما لو رأي صاحب المحل ولده يبيع له و يشتري و تكرر ذلك منه و لم ينكر عليه مع قدرته علي الإنكار، حيث يظهر منه إذنه له في القيام مقامه في إدارة المحل.

(مسألة 11): بيع الفضولي و شراؤه و إن كان موقوفا غير نافذ إلّا أنه لا يبطل رأسا بحيث يبطل التنفيذ و التصحيح، بل ينفذ بإجازة من له السلطنة، من مالك أو وكيل أو ولي أو غيرهم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 37

(مسألة 12): لا بدّ في تصحيح عقد الفضولي بالإجازة من بقاء الطرف الآخر علي التزامه بالبيع إلي حين الإجازة، فلو أعرض عنه لم تنفع الإجازة في تصحيحه، فإذا باع الفضولي دار زيد علي

عمرو فأعرض عمرو عن البيع قبل إجازة زيد للبيع لم تنفع إجازة زيد بعد إعراض عمرو في صحة البيع.

(مسألة 13): يكفي في الإجازة كل ما يصلح لبيان إمضاء من له السلطنة للعقد من قول أو فعل، كقبض الثمن، و تسليم المبيع، و غيرهما. بل يكفي سكوته عنه و عدم ردّه بعد علمه به إذا كان كاشفا عن إقراره و تنفيذه له. أما مجرد الرضا الباطني بالعقد مع عدم المبرز لإقرار العقد و الرضا به فلا يكفي في إجازة العقد و نفوذه.

(مسألة 14): ينفذ عقد الفضولي بإجازة من له السلطنة، سواء سبق منه أو من غيره من ذوي السلطنة المنع عن إيقاعه أو الرد له بعد وقوعه، أم لم يسبق شي ء منهما.

(مسألة 15): إجازة عقد الفضولي تقتضي نفوذه و ترتّب جميع أثار صحته من حين وقوعه، لا من حين إجازته فقط، فإذا باع الفضولي الدابة مثلا و حصلت الإجازة بعد مدة من الزمن حكم بملكية المشتري لها من حين العقد، فتكون نماءاتها كالولد و اللبن و منافعها من حين العقد للمشتري، و لو اعتدي عليها شخص بعد العقد و قبل الإجازة فأتلف منها شيئا كان ضامنا للمشتري لا للمالك الأول، و هكذا الحال في بقية الآثار. كما أنه يحكم بملكية البائع للثمن من حين وقوع العقد و تترتّب آثار ذلك.

(مسألة 16): إذا باع الفضولي العين من شخص ثمّ أخرجها المالك أو من يقوم مقامه عن ملكه ببيع أو هبة أو غيرهما قبل إجازة بيع الفضولي فلا مجال لإجازته بعد ذلك. أما إذا آجر المالك أو من يقوم مقامه العين من دون أن تخرج عن ملكه فالظاهر أن له إجازة العقد الفضولي، فإذا أجازه صحّ، غايته أن

يكون للمشتري حينئذ الخيار، و له فسخ البيع للعيب. و كذا الحال في كل تصرف من المالك في العين يوجب نقصا فيها من دون أن يوجب سلب سلطنته علي بيعها كالرهن، بل حتي التصرف الخارجي فيها منه أو من غيره، كهدم الدار، أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 38

تغيير صورتها، و خياطة الثوب، و نحوها.

(مسألة 17): إذا باع شخص فضولا و قبل الإجازة ملك المبيع بالشراء أو بغيره لم يصح بيعه الفضولي، حتي لو أجازه. و كذا لو ملكه غير البائع الفضولي، فإنه لا يصح منه إجازة بيع الفضولي السابق علي ملكيته للعين.

نعم، إذا كان انتقال العين من المالك الأول للبائع الفضولي أو غيره بالميراث فلصحة بيع الفضولي بالإجازة من المالك الثاني وجه، إلّا أن الأحوط وجوبا التوقف و الرجوع للصلح و نحوه مما يكون مرجعا عند اشتباه الحقوق.

(مسألة 18): إذا باع الشخص باعتقاد كونه مالكا أو وكيلا أو وليا فتبين عدم كونه كذلك كان البيع فضوليا، و توقف علي الإجازة، كما سبق. و إن باع باعتقاد عدم كونه مسلّطا فتبين كونه وليا أو وكيلا و كان البيع مناسبا لولايته أو وكالته نفذ البيع و لم يحتج للإجازة. و إن تبيّن كونه مالكا، فإن ابتني بيعه علي إعمال سلطنته و لو ادعاء، نظير بيع الغاصب نفذ البيع، و إن لم يبتن علي ذلك، بل علي مجرد إيقاع العقد بانتظار تنفيذ من له السلطنة فالظاهر عدم نفوذ البيع و توقفه علي إجازته، أو إجازة غيره ممن له السلطنة.

(مسألة 19): إذا باع الغاصب المال المغصوب لنفسه لم ينفذ البيع إلّا بإجازة صاحب المال، فإن أجاز وقع البيع له و دخل الثمن في ملكه، و لا يقع

للغاصب و لا يدخل الثمن في ملكه. و كذا الحال في غير الغاصب ممن يبيع مال غيره لنفسه، كالذي يعتقد ملكية مال الغير خطأ أو تشريعا.

(مسألة 20): من كان عنده مال للغير فاشتري به من دون إذن صاحب المال، فإن نوي الشراء لصاحب المال كان من بيع الفضولي، و توقف نفوذه علي إجازة صاحب المال، و إن نوي الشراء لنفسه، فله صورتان.

الاولي: أن يشتري بشخص ذلك المال، كما لو قال: اشتريت منك هذا الثوب بهذا الدينار، و في هذه الصورة يلحقه حكم بيع الفضولي، فيتوقف نفوذه علي إجازة صاحب المال.

الثانية: أن يشتري بالذمة و يدفع مال الغير، كما لو قال: اشتريت منك هذا الثوب بدينار، ثمّ دفع له الدينار الذي هو ملك غيره. و هذه الصورة هي الشائعة،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 39

و البيع فيها نافذ بلا حاجة إلي إجازة من صاحب المال، و يكون المبيع للمشتري لا لصاحب المال، غاية الأمر أن ذمة المشتري لا تبرأ من الثمن، بل يبقي في ذمته للبائع حتي يجيز صاحب المال، أو يعوض المشتري صاحب المال عنه، أو يدفع المشتري الثمن من ملكه.

(مسألة 21): إذا لم ينفذ بيع الفضولي لعدم الإجازة، فقبض المشتري المبيع كان قبضه بلا حق، و جري عليه حكم المغصوب، من حيثية ضمانه و ضمان منافعه و غير ذلك، مما يأتي في كتاب الغصب إن شاء اللّه تعالي، من دون فرق بين العالم بكون البائع فضوليا و الجاهل بذلك، و إنما يفترقان في الإثم و عدمه.

نعم، إذا علم المشتري رضا المالك بقبضه للمبيع و بتصرفه فيه جاز له ذلك، و إن لم ينفذ البيع و لم يملكه لعدم الإجازة. بل يكفي الرضا التقديري

من الغافل، و ذلك بأن يكون بحيث لو علم لرضي، فإنه يجوز التصرف مع ذلك لكل أحد. و حينئذ إن علم أنه يرضي بالتصرف من دون ضمان فلا ضمان، إلّا أن ينكشف الخطأ فيضمن بالمثل أو القيمة، كما في الغصب، و إن علم أنه يرضي بالتصرف مع الضمان بالمثل أو القيمة تعيّن الضمان بأحد الأمرين، إلا أن ينكشف الخطأ فلا ضمان، و إن علم أنه يرضي بالضمان بالأقل من اجرة المثل أو بالأكثر منها فالأحوط وجوبا التراضي بينهما في الفرق بين اجرة المثل و أحد الأمرين.

(مسألة 22): لو باع الإنسان ما له السلطنة علي بيعه و ما ليس له السلطنة علي بيعه صفقة واحدة نفذ البيع فيما له السلطنة عليه، و توقف نفوذه فيما لا سلطنة عليه علي إجازة من له السلطنة، و مع عدم الإجازة يكون للمشتري خيار تبعض الصفقة مع جهله بعدم السلطنة علي بيع البعض، و كذا مع علمه بذلك إذا كان البيع مشروطا و لو ضمنا بتمامية المبيع للمشتري، و أما إذا لم يكن مشروطا بذلك فلا خيار له. و أما طريق معرفة حصة كل منهما من الثمن، فيأتي الكلام فيه في خيار تبعض الصفقة إن شاء اللّه تعالي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 40

تتميم: في أولياء العقد

للإنسان أن يتصرف بنفسه أو بوكيله في نفسه و ماله، ما لم يكن محجورا عليه لصغر أو جنون أو سفه. و الكلام هنا في الأولياء الذين لهم التصرف في شؤون المحجور عليه الراجعة لنفسه و ماله.

(مسألة 23): للأب و الجد للأب التصرف في مال الصغير بالبيع و الشراء و غيرهما، كما أن لهم التصرف في نفسه بمثل الإطعام و الاستخدام و العلاج و الاستئجار للقيام

ببعض الأعمال، و النكاح علي تفصيل يأتي في كتاب النكاح إن شاء اللّه تعالي و غير ذلك.

نعم، لا يجوز لهما طلاق زوجته، و لا يلحق به فسخ النكاح بأحد الأسباب المسوّغة له، و هبة المدة في النكاح المنقطع، بل يجوز لهما القيام بهما بالشرط الآتي.

(مسألة 24): لا يعتبر في تصرف الأب و الجد لزوم المصلحة للصغير، فيجوز مثلا بيع ماله بقيمة المثل مع عدم الحاجة للبيع، نعم لا بدّ من عدم لزوم المفسدة من التصرف و عدم كونه تفريطا في حق الصغير عرفا، فلا يجوز التصرف مع المفسدة، كالبيع بأقل من قيمة المثل من دون حاجة، كما لا يجوز التصرف بدون مفسدة مع تيسر التصرف الأصلح و الأنفع، كالبيع بقيمة المثل أو بأزيد منها مع تيسر البيع بأكثر من ذلك، لأنه تفريط حينئذ.

بل الأحوط وجوبا في مثل إعمال الحقوق و إسقاطها كهبة المدة في النكاح المنقطع، و الفسخ في مورد الخيار، و الإقالة، و إسقاط حق الخيار الاقتصار مع الأمرين السابقين علي صورة الحاجة العرفية لذلك، بأن يكون عدم القيام بها معرضا لحدوث مشكلة للصغير أو لغيره ممن يتعلق به الحق، أو حصول مصلحة معتد بها للصغير، و لو بأن يبذل له مال معتد به بإزاء التصرف المذكور.

(مسألة 25): يجوز للأب و الجد نصب القيّم علي اليتيم بعد موتهما، و هو الوصي فيكون له الولاية علي التصرف في مال الطفل علي النحو المتقدم،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 41

من عدم المفسدة و عدم لزوم التفريط.

نعم، الأحوط وجوبا له عدم الاتجار بمال الطفل بضاعة أو مضاربة أو نحوهما إلّا إذا أجاز له الموصي ذلك بالخصوص، أو مع ضمان الخسران لو وقع و كان العامل مليّا

قادرا علي التدارك. و يكون الربح بتمامه لليتيم إلّا إذا نصّ الموصي علي الإذن في المضاربة.

(مسألة 26): ليس للقيّم الوصي من قبل الأب أو الجد نصب القيّم علي اليتيم بعد موته و الوصية بذلك لغيره. إلّا إذا نصّ الأب أو الجد علي الإذن له في ذلك.

(مسألة 27): إذا بلغ الصغير مجنونا استمرت ولاية الأب و الجد و الوصي منهما عليه، و كذا إذا بلغ غير رشيد في بعض الجهات من الماليات أو غيرها، فإن و لا يتهم تبقي عليه في تلك الجهة. و أما إذا بلغ رشيدا ثمّ جنّ فالظاهر انحصار الولاية عليه بالأب و الجد، فلا يتولي غيرهما التصرف إلّا بإذنهما. و الظاهر عدم توقف التصرف علي مراجعة الحاكم الشرعي، و إن كان هو الأحوط استحبابا.

(مسألة 28): إذا فقد الصغير أو المجنون الأب و الجد من قبل الأب و الوصي من قبل أحدهما فولايته لمن هو الأولي بميراثه، لكن لا بنحو يجب عليه تولي أمره، بل بمعني أنه لا يجوز لغيره مزاحمته في ذلك، و لو تولي أمره تعين علي غيره استئذانه إذا أراد تولي شي ء من أمره. أما إذا لم يتول أمره فلا يجب علي غيره استئذانه في إدارة أمره.

نعم، الأحوط وجوبا في التصرفات المهمة إشراك العادل بها نظير ما يأتي في المسألة اللاحقة.

(مسألة 29): إذا لم يتولّ الأولي بالميراث أمر اليتيم أو المجنون في المسألة السابقة جاز بل استحب لكل أحد كفالته و مخالطته بالمعروف و بالنحو الذي يصلح له، كالنفقة عليه من ماله- مع وجوده- أو من غيره، و حمله علي التكسب بعمل أو غيره، و المحافظة عليه، و مداواته، و تأديبه، و نحو ذلك مما يحتاج إليه، و تقتضيه طبيعة

المعاشرة و المخالطة، من دون إفساد أو تفريط بالنحو المتقدم في ولاية الأب و الجد. و الإنسان علي نفسه بصيرة، و الرقيب علي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 42

ذلك هو اللّه تعالي، فإنه يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.

نعم، الأحوط وجوبا في التصرفات المهمة الخارجة عن ذلك مراجعة العادل فيها إن لم يكن المتولي عادلا مثل قسمة الميراث، و تصفية الأموال ببيع ما لا صلاح في بقائه، و لا يحتاج في جميع ذلك إلي مراجعة الحاكم الشرعي، و إن كان هو الأحوط استحبابا. و إذا بلغ اليتيم غير رشيد بقي الحكم السابق عليه.

و كذا الحال في المجنون الذي لا ولي له.

نعم، لا يجوز تزويجهما عند احتياجهما للزواج إلّا بمراجعة الحاكم الشرعي مع إمكان ذلك، و مع تعذره يكفي الرجوع للعادل، نظير ما تقدم.

(مسألة 30): يجب الرجوع للحاكم الشرعي و تثبت له الولاية في أمور.

الأول: مال الغائب الذي لا يمكن الوصول إليه، و لا لوليّه عند الحاجة إلي التصرف فيه، و مثله المال الذي يتعذر الرجوع لوليه، لغيبة أو خوف أو غيرهما.

نعم، يجوز التصرف الخارجي في الجميع بمثل النقل و الأكل و غيرهما إذا أحرز رضا المالك أو الوليّ به و لو تقديرا، بأن يكون بحيث لو التفت لرضي بالتصرف.

الثاني: الأموال العامة التي ليس لها مالك خاص، كأموال الخراج.

الثالث: الخمس، علي تفصيل تقدم في كتاب الخمس.

الرابع: الأوقاف التي لا ولي لها و الأموال التابعة لها، علي تفصيل يأتي في كتاب الوقف إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 31): إذا تعذر الرجوع إلي الحاكم الشرعي في الموارد المتقدمة وجب الرجوع إلي عدول المؤمنين، و مع تعذره يجوز القيام بالتصرف لكل أحد، و الأحوط وجوبا الاقتصار فيهما علي مقدار الضرورة بحيث

يقطع بأهمية التصرف و رضا الشارع الأقدس به، إلي أن يتيسر الرجوع إلي الحاكم الشرعي.

(مسألة 32): لا بدّ في الولي في جميع الطبقات المتقدمة من أن يكون نظره علي طبق الموازين العقلائية، فإذا كان شاذا في اختياره خارجا عن طريقة العقلاء في نظره سقط عن مقام الولاية، إلّا أن تكون مخالفته لما عليه عموم العقلاء لاطلاعه علي ما خفي عنهم، بحيث لو اطلعوا علي ما اطلع عليه لأقروه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 43

علي تصرفه و وافقوه في اختياره.

(مسألة 33): المعيار في تشخيص المصلحة و عدم المفسدة علي نظر الولي حين إيقاع التصرف، لا علي نظر الغير، فإذا باع الولي باعتقاد كون التصرف مصلحة جاز الشراء منه و إن اعتقد المشتري عدم المصلحة أو وجود المفسدة.

بل إن ظهر للولي الخطأ بعد إيقاع التصرف لم ينكشف بطلان التصرف، إلا أن يرجع ذلك للتقصير منه في النظر للمولي عليه، فيبطل التصرف لقصور ولايته حينئذ. كما أنه لو تصرف معتقدا ترتّب المفسدة علي التصرف لم ينفذ تصرفه و إن كان التصرف صلاحا في الواقع، و كان موقوفا علي الإجازة، كتصرف غير الولي.

(مسألة 34): إذا وقع التصرف من غير الولي أو من الولي الخارج عن مقتضي ولايته لحقه حكم تصرف الفضولي، فيتوقف نفوذه إذا كان عقدا علي تنفيذ من له السلطنة عليه، علي النحو السابق في العقد الفضولي، سواء كان هو المولي عليه إذا ارتفع الحجر عنه كالصبي إذا بلغ، و المجنون إذا أفاق أم وليّه حين إيقاع العقد، أم وليّا آخر حصلت له الولاية بعد إيقاع العقد، كما لو انعزل من كان وليا حين العقد بالخيانة فصارت الولاية للحاكم الشرعي فرأي مصلحة المولي عليه في تنفيذ العقد،

فمثلا إذا بيع مال الصغير بدون قيمة المثل تفريطا، ثمّ نزل سعر المبيع إلي ما دون الثمن الذي وقع به البيع أمكن للولي تنفيذ البيع المذكور، لكون التنفيذ حينئذ مصلحة للصغير.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 44

الفصل الثالث في شروط العوضين

تمهيد.

لمّا كان البيع من المعاوضات فهو موقوف بطبعه علي أن يتعين المبيع لجهة خاصة كي يكون موردا للمعاوضة، و يترتب علي ذلك أمران.

الأول: امتناع بيع المباحات الأصلية، كالسمك في الماء، و الطير في الهواء قبل اصطيادهما.

نعم، لا يعتبر أن يكون ملكا لإنسان خاص بل يكفي تعيّنه لجهة عامة أو خاصة، كالأموال الزكوية، و كالأموال المعينة لجمعيات و هيئات خيرية، و نماء الوقف غير المملوك، و غيرها.

(مسألة 1): لا بدّ في التعين للشخص أو للجهة- المصحح لكون المال موضوعا للبيع- من كونه شرعيا بتحقق سببه الشرعي، من حيازة أو أحياء أو غيرهما. و لا يكفي التعيّن بمقتضي القانون الوضعي، فمثلا لا يجوز بيع الأراضي الموات المشتراة أو الممنوحة من الدولة و إن تمّ تسجيلها باسم شخص خاص، لعدم كفاية ذلك في ملكها شرعا.

نعم، يجوز أخذ المال في مقابل التنازل القانوني عنها للآخرين و الاعتراف بها لدافع المال و نقلها له رسميّا و قانونيّا، و تتوقف ملكيته لها شرعا علي حصول سببها الشرعي و هو الإحياء.

الثاني: أن يدخل الثمن في ملك من خرج منه المبيع، فلا يقع البيع علي أن يدخل الثمن في ملك غير البائع، و علي ذلك فلو دفع الأب مثلا لولده شيئا علي أن يبيعه الولد و يأخذ ثمنه لنفسه فلا يصح ذلك، إلّا بأحد وجهين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 45

أحدهما: أن يرجع إلي هبة الأب لولده ذلك الشي ء الذي دفعه له، أو الإذن

له بتملكه بحيث يملكه قبل البيع، فيبيعه لنفسه و يدخل ثمنه في ملكه.

و يترتب علي ذلك أنه لو فسخ البيع بإقالة أو خيار رجع المبيع للولد.

ثانيهما: أن يرجع إلي إذن الأب لولده في تملك الثمن بعد البيع، فيقع البيع للأب و يدخل الثمن في ملكه بدلا عن المبيع، ثم يتملكه الولد هبة من أبيه.

و يترتّب علي ذلك أنه لو فسخ البيع يبقي الثمن في ملك الولد، و يجب علي الأب ضمانه بمثله أو قيمته للمشتري، إلا أن تكون هبة الأب للثمن مشروطة و لو ضمنا بتحمله تبعات المعاملة. و لا يمكن أن يبقي المبيع علي ملك الأب إلي حين البيع ثمّ يدخل الثمن بالبيع في ملك الولد رأسا.

أما المبيع فمقتضي الوضع الطبيعي للبيع دخوله في ملك من خرج منه الثمن، فإذا باع زيد لعمرو ثوبا بعشرة دنانير لعمرو أو في ذمته كان مقتضي إطلاق العقد بطبعه صيرورة الثوب لعمرو بالبيع، لكن يمكن قصد البيع علي وجه آخر، بحيث يكون البيع لشخص آخر غير من خرج منه الثمن، و علي ذلك يمكن أن يدفع الأب مثلا لولده مالا ليشتري به الولد شيئا له من دون أن يملك الولد ذلك المال، بل ينتقل المال من الأب للبائع رأسا في مقابل المبيع الذي ينتقل من البائع للولد. و يترتّب علي ذلك أنه لو فسخ البيع رجع المبيع من الولد للبائع، و رجع الثمن من البائع للأب دون الولد، و في مثل هذا البيع يكون أطراف العقد ثلاثة، البائع و المشتري و دافع الثمن، و لا بد في صحته من إذنهم أو إجازتهم.

إذا عرفت هذا فالكلام في شروط العوضين يقع في ضمن مسائل.

(مسألة 2): الظاهر أنه لا يعتبر في

العوضين أن يكونا مالا، و هو ما يتنافس العقلاء علي تحصيله، فيجوز بيع ما لا ماليّة له كالماء علي الشاطئ، و بعض الحشرات و الفضلات غير المرغوب في اقتنائها عند عموم العقلاء إذا تعلّق الغرض الشخصي بتملكها من مالكها. و يترتّب عليه جميع آثار البيع.

(مسألة 3): الظاهر عدم وقوع البيع علي المنفعة و العمل، فلا تكون مبيعا، بل تكون موضوعا للإجارة، نعم يجوز أن تكون ثمنا في البيع. و يجوز بيع بقية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 46

الأشياء القابلة للانتقال، كالأعيان مثل الثوب و الدار و الحقوق، كحق الاستثمار في الأراضي الخراجية، و حق أولوية الاستئجار و هو المعروف ب (السرقفلية).

(مسألة 4): لا يصح بيع الحق غير القابل للانتقال، كحق الشفعة، نعم يمكن بذل المال في مقابل إسقاطه بنحو من الصلح، و لا يصدق عليه البيع، و لا تجري أحكامه، فلا يثبت فيه الخيار مثلا. و كذا الحال في جميع موارد إسقاط الحق بالعوض، كإسقاط الحق الثابت بالشرط، و مثله الصلح علي عدم إعمال السلطنة الشرعية التي هي نحو من الحكم الشرعي، كالصلح علي عدم حيازة بعض المباحات الأصلية، و علي عدم الدخول في المزايدة في بعض المعاملات، فإن ذلك كله ليس من البيع و لا تترتّب عليه أحكامه.

(مسألة 5): العين التي يصح معاوضتها علي أقسام:

الأول: أن تكون خارجية شخصية، كالثوب الخاص و الدرهم الخاص.

الثاني: أن تكون كلية في ضمن موجود خارجي، كما لو كان عنده كيس فيه مائة كيلو من الدقيق فباع كيلو منها بدينار.

الثالث: أن تكون ذمية قبل البيع، كما لو كان له في ذمة زيد كيلو من الدقيق فباعه علي عمرو بدينار، أو كان له علي زيد دينار فاشتري به منه

كيلو من الدقيق.

الرابع: أن تكون ذمية بالبيع، كما لو باع الثوب علي زيد بعشرة دنانير في ذمته. نعم لا يجوز بيع الدين بالدين إذا كانا ثابتين قبل البيع، علي ما يأتي تفصيل الكلام فيه في كتاب الدين.

(مسألة 6): لا يجوز بيع الأرض الخراجية، و هي التي افتتحها المسلمون بالقتال مع الكفار و كانت عامرة حين الفتح، لأنها متروكة مختصة بعامة المسلمين ما تعاقبوا جيلا بعد جيل باستمرار الزمان، و ليست هي ملكا لمن هي في يده، بل له حق أعمارها بدفع الخراج للمسلمين بالنحو الذي لا يجحف به، من دون فرق في عدم جواز البيع بين أن تكون فيها آثار مملوكة للبائع من بناء أو شجر أو غيرهما و أن لا تكون فيها آثار مملوكة له.

نعم، للذي هي في يده أولوية التصرف فيها بعمارتها و استغلالها، و هي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 47

نحو من الحق له في الأرض لا يجوز مزاحمته فيه. و حينئذ يجوز شراء هذا الحق منه، و يحلّ للمشتري القيام بعمارتها و استغلالها مع دفع الخراج، و هو حصة مما ينتج منها أو اجرة معينة.

(مسألة 7): يجزي في حلية التصرف في الأراضي الخراجية و استغلالها التعامل عليها مع السلطان المدعي للخلافة أو الولاية الدينية و إن كان ظالما إذا كان واضعا يده علي الأرض مسيطرا عليها، كما يرجع إليه في تحديد الخراج، و يجزي دفعه له، و يحل أخذه منه مجانا بنحو الجائزة أو بمعاملة معاوضة، بل يجوز للمكلف أن يتقبّل الخراج من السلطان المذكور بمال معين يدفعه إليه، ثمّ يأخذ الخراج ممن يعمر الأرض بدلا من السلطان بالمقدار الذي عيّنه السلطان عليه، و لا يجوز لمن عليه الخراج منع

الشخص المذكور من الخراج إذا كان محترم المال.

نعم، إذا كان السلطان ظالما، و أمكن منع الخراج منه وجبت مراجعة الحاكم الشرعي فيه. كما أنه إذا لم تكن الأرض تحت يد السلطان المدعي للخلافة أو الولاية الدينية، أو أمكن عدم مراجعته فيها لجهله بأنها خراجية أو نحو ذلك وجب التعامل علي الأرض مع الحاكم الشرعي، و الاتفاق معه علي مقدار خراجها، و الرجوع إليه في مصرفه.

(مسألة 8): من كان بيده أرض خراجية، فتركها و أعرض عن عمارتها و استغلالها إعراضا منه عنها أو لعجزه عن عمارتها سقط حقه فيها، و جاز لغيره عمارتها و التعامل عليها مع السلطان أو مع الحاكم الشرعي.

نعم، إذا كان تركه لها بسبب مضارة السلطان له، بتثقيل الخراج عليه و إجحافه فيه بقي حقه فيها، و وجب لمن يريد عمارتها إرضاؤه، إلّا أن تكون مضارة السلطان له سببا في إعراضه عنها بحيث لا تتعلق نفسه بها.

(مسألة 9): إذا تركت الأرض الخراجيّة مدة طويلة حتي خربت و ماتت- و لو بسبب ضعف السلطان أو جوره- فالظاهر أنه يجري عليها ما يأتي في حكم الأرض الموات.

(مسألة 10): الظاهر أن إحياء الأرض الموات موجب لجريان حكم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 48

الملك عليها في ثبوت حق للمحيي قابل للبيع و الشراء و غيرهما من أنحاء التصرفات المبنية علي السلطنة، و لا يوجب ملكية الأرض حقيقة، بل هي ملك للإمام عليه السّلام، و ليس ثبوت الحق فيها لمن عمّرها إلّا تفضلا منهم (عليهم السلام).

(مسألة 11): لو ترك صاحب الأرض عمارتها مدة معتدا بها حتي ماتت، بحيث صدق عليها أنها من الأرض الموات سقط حقه فيها، سواء كان ذلك للإعراض عن نفس الأرض أو عن عمارتها،

أم كان للعجز عن عمارتها، أم لداع آخر، كالانشغال بما هو أهم. و حينئذ يجوز لغيره عمارتها، و يثبت حقه فيها، و لا يجب عليه استئذان الأول، و لا دفع الأجرة له عن استغلالها و الانتفاع بها، و إن كان الأحوط استحبابا دفع الأجرة له، و أحوط منه استحبابا أيضا إرضاؤه عن نفس الأرض، أو دفعها له لو أرادها. بل الأحوط وجوبا عدم مزاحمته لو أراد عمارتها بعد خرابها قبل أن يعمرها الغير، فلا يسبقه الغير لعمارتها و إحيائها.

(مسألة 12): الظاهر عدم سقوط حق صاحب الأرض فيها لو كان خرابها بسبب منع ظالم له من عمارتها، فلا يجوز لغيره التصرف فيها حينئذ إلّا بإذنه، إلّا أن يكون منع الظالم له من عمارتها موجبا لإعراضه عن الأرض و عن عمارتها، و انصرافه عن ذلك، بحيث لا يستند بقاء الخراب لمنع الظالم وحده، بل للإعراض المذكور أيضا، فلا يبقي حقه فيها حينئذ، و يجوز للغير عمارتها.

(مسألة 13): لا بدّ في كل من العوضين أن يكون معينا، و لا يجوز أن يكون مرددا، فإذا قال: بعتك المتاع بدينار أو عشرة دراهم، أو قال: بعتك الثوب أو الطعام بدينار، فقبل، لم يصح البيع، إلّا أن يرجع إلي توكيل أحد المتبايعين للآخر في إيقاع العقد بالنحو الذي يراه مناسبا، و حينئذ لا يتم العقد إلا بعد إيقاعه بالوجه الذي يراه.

(مسألة 14): إذا باعه بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا فقبل، صحّ البيع بالثمن الأقل مع الأجل، فإذا قال مثلا: بعتك هذا الثوب بدينار حالا و بدينارين إلي شهر، فقبل المشتري، وقع البيع بالدينار مؤجلا إلي شهر، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي ذلك و عدم التعدي إلي ما يشبهه، كالبيع مؤجلا

بأجلين بثمنين، كما لو قال: بعتك بدينارين إلي شهر و بثلاثة دنانير إلي شهرين، أو البيع بأكثر من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 49

ثمنين، كما لو قال: بعتك بدينار حالا و بدينارين إلي شهر و بثلاثة دنانير إلي شهرين، و غير ذلك. بل يشكل صحة البيع في الجميع لما تقدم في المسألة السابقة.

نعم، لا بأس بالمساومة بنحو الترديد لتعيين الثمن المطلوب علي كل تقدير يفرض، ثمّ إيقاع العقد بنحو محدد يتفقان عليه.

(مسألة 15): يجب في المبيع إذا كان من المكيل أو الموزون معرفة كيله أو وزنه عند العقد، و لا يجوز بيعه جزافا، و الأحوط وجوبا ذلك في الثمن أيضا.

بل الأحوط وجوبا عموم اشتراط العلم بمقدار كل من العوضين بالنحو الذي يتعارف تقديره به عند البيع، من كيل أو وزن أو عدّ أو مساحة أو مشاهدة، فلا بيع مع الجهل المطلق بأحد العوضين أو كليهما، مثل البيع بما في الصّرة، و البيع بقيمة الشراء، و بيع ما في الخزانة، كما لا بيع مع التقدير بما لا يتعارف التقدير به، كالاكتفاء بالمشاهدة في المكيل أو الموزون أو المعدود، و الاكتفاء بالكيل في الموزون أو المعدود أو غير ذلك.

نعم، إذا تعارف بيع الشي ء في بعض الأحوال مجازفة صح بيعه كذلك، كبيع ثمرة البستان لسنة أو سنتين، و بيع اللبن في الضرع، علي ما يأتي التعرض له إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 16): يترتّب علي ما سبق الإشكال فيما قد يجري عليه بعض الناس من البيع بانتظار قائمة الشراء، بأن يوقع الطرفان البيع من دون تعيين للثمن و ينتظران في تعيينه وصول قائمة الشراء و الاطلاع عليها.

(مسألة 17): يمكن التخلص من الإشكال المتقدم بأحد وجهين:

الأول: إيقاع المعاملة بثمن

معين مع اشتراط الفسخ لأحد الطرفين أو لكليهما لو ظهر أن الثمن غير مناسب للقائمة.

الثاني: إيقاع المعاملة بثمن معين مع اشتراط التدارك ببذل الفرق من البائع أو المشتري لو ظهر أن الثمن غير مناسب للقائمة.

(مسألة 18): إذا اختلف تقدير الشي ء الواحد باختلاف الأحوال لزم تقديره في كل حال بما يتعارف تقديره به في ذلك الحال، كالثمر يباع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 50

بالمشاهدة علي الشجر أو عند البيع جملة، و يباع بالوزن عند البيع مفردا، كما أنه قد يباع الشي ء في حال كيلا في صناديق أو أكياس، و في حال بالوزن، و غير ذلك. و كذا الحال في اختلاف البلدان و الأزمنة، فيراعي في كل بلد و زمان ما يناسبه.

(مسألة 19): يكفي في معرفة المقدار إخبار البائع به، كيلا أو وزنا أو عدا أو مساحة. نعم إذا اشتري الشي ء اعتمادا علي إخبار البائع لم يصح منه الاكتفاء بذلك في التعهد بالمقدار لمن يبيعه عليه، إلّا أن يعلم صدقه. و كذا يجوز الاعتماد علي ظهور حال المبيع لو تعارف كونه بقدر خاص، كما قد يتعارف بلوغ كيس الحبوب مائة كيلو، و الطاقة من القماش ثلاثين مترا، و الصندوق من الأمتعة بعدد خاص، و نحو ذلك.

(مسألة 20): إذا ظهر الخطأ بالنحو الخارج عن المتعارف في الكيل أو الوزن أو غيرهما من جهات معرفة المبيع أو الثمن، فإن كان موضوع المعاملة هو الكلي المقدر بالمقدار الخاص كعشرة كيلوات من الدقيق و مائة دينار وجب إتمام ما نقص و إرجاع ما زاد، و إن كان شخصيا فإن كان الخطأ في المبيع بالزيادة وجب علي المشتري إرجاع الزائد للبائع، و إن كان بالنقيصة وجب علي البائع إرجاع ما قابلها

من الثمن علي المشتري، و إن كان الخطأ في الثمن بالزيادة وجب إرجاع الزائد، و ان كان بالنقيصة وجب إرجاع ما قابله من المبيع.

نعم، إذا كان الاجتماع موردا لغرض عقلائي كان لهما الفسخ في مورد وجوب الإرجاع.

(مسألة 21): يجوز مع التراضي جعل الكيل طريقا إلي معرفة العدد، بأن يعدّ ما في مكيال خاص ثم يكيل بحسابه، و كذا يجوز جعله طريقا إلي معرفة الوزن، بأن يوزن ما في مكيال خاص ثم يكال بحسابه، أو يوزن بعض الأكياس ثم يؤخذ باقيها بحسابه، و لا رجوع مع ذلك لو ظهر الخلاف.

نعم، لا بد من كون الفرق المتوقع قليلا لا ينافي صدق معلومية المقدار عرفا، و أن يقع التراضي بذلك من الطرفين، و إلا فلا مجال للاكتفاء بذلك في معرفة المقدار.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 51

(مسألة 22): يجوز مع التراضي استثناء مقدار معين من الوزن للظروف، كالصناديق و الأكياس و القرب و نحوها، إذا كانت مجهولة المقدار و تردد المستثني بين الزيادة و النقصان، و لا رجوع حينئذ لو ظهر الخلاف كما في المسألة السابقة. و أما إذا علم أن المستثني أكثر من مقدار الظرف فإن كان قصدهما بيع تمام الباقي علي جهالته أشكل صحته، و يدخل فيما تقدم من بيع المجهول، و إن كان قصدهما بيع المقدار الأقل، و هبة الباقي من البائع للمشتري صح البيع.

(مسألة 23): إذا اشتري جملة بكيل أو وزن فزاد أو نقص، فإن كان بالمقدار الذي يتعارف فيه الخطأ و كان البناء من المتبايعين علي الرضا بالزيادة و النقصان صح البيع، و كفي الوزن و الكيل المذكوران، و لا يرجع بالزيادة و النقصان، و إن كان بالنحو الخارج عن المتعارف المبتني

علي التعمد و الاختلاس، أو علي الغلط في الحساب، أو نحو ذلك لم يكف في التقدير، و لزم الرجوع بالزيادة و النقصان علي نحو ما تقدم في المسألة (20).

(مسألة 24): يجوز بيع مقدار معين في ضمن مقدار مجهول بلا حاجة إلي عزل المقدار المبيع و تعيينه بأحد الوجوه المتقدمة، بل يدفع الكل علي أن يكون المقدار المعيّن منه مبيعا و الزائد هبة من البائع للمشتري، فإذا كان عنده مقدار من الطعام مردد بين العشرة كيلوات فما زاد جاز دفعه بتمامه من دون وزن علي أن يكون عشرة كيلوات منه مبيعا و الزائد هبة، لا علي أن يكون بتمامه مبيعا علي جهالة مقداره.

(مسألة 25): إنما يلزم معرفة المقدار بالنحو المتقدم في الثمن و المثمن اللذين يقع عليهما البيع، سواء كانا شخصيين كبيع الطعام الخاص، و البيع بالدرهم الخاص أم كليين، كبيع مائة كيلو من الطعام، أو البيع بعشرة مثاقيل من الفضة، أمّا بعد تعين الثمن و المثمن في الذمة فلا يلزم التعيين في مقام الوفاء، فيجوز دفع مقدار مجهول وفاء عما انشغلت به الذمة إذا تراضي به الطرفان علي جهالته، كما يجوز الوفاء من غير الجنس مع التراضي، و يرجع إلي نحو من الصلح خارج عن البيع و مترتب عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 52

(مسألة 26): الذي يلزم أن يعرف مقدار العوضين بالنحو المتقدم هو المتولي للمعاملة، سواء كان أصيلا، أم وكيلا مفوضا في المعاملة، دون الأصيل غير المتولي للمعاملة، و دون الوكيل علي إجراء الصيغة فقط.

(مسألة 27): يجوز إيكال أحد الطرفين للآخر تعيين المثمن أو الثمن، فيدفع المشتري للبائع عشرة دنانير مثلا ليدفع له ما يقابلها من المكيل أو الموزون بالقدر الذي يراه

البائع مناسبا، و إن جهله المشتري، أو يأخذ به المشتري القدر الذي يراه مناسبا، و إن جهله البائع، كما يجوز أن يدفع البائع للمشتري عشرة كيلوات من الطعام بالثمن الذي يراه المشتري مناسبا، و إن جهله البائع، أو يراه البائع مناسبا، و إن جهله المشتري.

(مسألة 28): يجوز بيع جملة مشاهدة مجهولة المقدار علي أن كل مقدار منها بثمن معين، فيبيع بيدرا من الطعام مجهول المقدار مثلا علي أن كل طنّ منه بألف دينار، و يبيع طاقة من القماش علي أن كل متر منه بعشرة دنانير، و نحو ذلك، و لا تضرّ جهالة مجموع المقدار و الثمن.

(مسألة 29): قد يؤخذ الوزن أو الكيل أو العدد أو المساحة شرطا زائدا علي المبيع من دون أن يكون به قوام التقدير و الكمية المقابلة بالمال، بل لتعلق الغرض بها زائدا علي الكمية المأخوذة في البيع، كما لو باعه عشرة كيلوات من الفاكهة علي أن يكون عددها مائة، أو باعه مائة بيضة علي أن يكون وزنها عشرة كيلوات، أو باعه عشرين مترا من القماش علي أن يكون وزنها خمسة كيلوات، أو باعه حيوانا مشاهدا علي أن يكون وزنه خمسين كيلو، و نحو ذلك. و حينئذ لو تخلف الشرط المذكور لم يبطل البيع، و لم ينقص شي ء من الثمن، بل يثبت به خيار تخلف الوصف فيتخير المشترط بين الفسخ و الرضا بالعقد بتمام الثمن.

هذا إذا كان المبيع شخصيا، و إن كان كليا قد أخذت فيه إحدي الخصوصيات المذكورة و كان المدفوع للمشتري فاقدا لها فلا خيار حينئذ، بل يتعين الإبدال بالواجد للخصوصية المشروطة.

(مسألة 30): لا يعتبر رؤية العوضين إذا لم تتوقف عليها معرفة مقدارهما و صفاتهما الدخيلة في الرغبة فيهما لانضباطها،

كبعض المصنوعات في زماننا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 53

مما له ماركة معينة عرف بها، بل الظاهر عدم اعتبار الرؤية أيضا فيما إذا لم يتوقف عليها معرفة المقدار بأحد الوجوه المتقدمة حتي لو توقف عليها معرفة الصفات التي تختلف فيها الرغبات من اللون و الطعم و غيرها. غاية الأمر أنه لو اشترطت صفات خاصة و لو ضمنا فتخلفها موجب للخيار في حق المشترط لها، و أما بالإضافة إلي الصفات الأخري غير المشترطة و التي تختلف فيها الرغبات فالظاهر ثبوت خيار الرؤية في حق المشتري إذا لم ير المبيع، و هو الأحوط وجوبا في حق البائع إذا لم ير الثمن، فلا بد في الخروج عن الاحتياط المذكور بالتراضي بينهما في فسخ العقد أو إقراره. و يأتي الكلام في خيار الرؤية عند الكلام في الخيارات إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 31): الظاهر عدم اشتراط معرفة جنس العوضين و صفاتهما، كاللون و الطعم و الجودة و الرداءة و الرقة و الغلظة و الرطوبة و اليبوسة و غيرها إذا اختلفت القيمة باختلافها، فضلا عمّا لا أثر له في اختلاف القيمة، و إن اختلفت فيه الرغبات الشخصية.

نعم، إذا اشترط وصف خاص في أحد العوضين صريحا أو ضمنا كان تخلفه موجبا للخيار للمشترط. كما أنه إذا ظهر أن أحد العوضين معيب جري عليه حكم العيب الذي يأتي عند الكلام في الخيارات إن شاء اللّه تعالي. هذا كله مع رؤية العوضين، أما مع عدم رؤيتهما فقد تقدم الحكم في المسألة السابقة.

(مسألة 32): ما يتعارف بيعه مع جهالة مقداره و تعذر معرفته حتي بالمشاهدة كاللبن في الضرع، و الجنين في بطن الحيوان، و السمك في الماء المملوك إن علم بسلامة شي ء منه جاز

بيعه، و إلا وجب ضم شي ء إليه معلوم الحصول، و يكون البيع للمجموع، و لا يضر فيه الجهالة حينئذ. كما لا يجب حينئذ وجود المبيع عند البيع، بل يكفي وجوده بعد ذلك، كبيع صوف قطيع غنم قبل ظهوره، و بيع أولادها قبل أن تحمل بها. و يستثني من ذلك الزرع و الثمر، حيث يأتي الكلام فيهما في فصل بيع الثمار إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 33): يعتبر في المبيع أن يكون بحيث يقدر المشتري علي تحصيله، فلو لم يكن كذلك لم يجز بيعه، كالعبد الآبق و الجمل الشارد و المال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 54

الضائع.

نعم، إذا كان المال محفوظا في نفسه إلا أن عدم تحصيله لقصور في البائع كالسجين الذي لا يعلم بإطلاق سراحه قبل تلف المال فالظاهر جواز بيعه و صحته، غاية الأمر أن المال لو تلف قبل قبض المشتري كان علي البائع، و رجع الثمن للمشتري، كما يأتي في أحكام القبض إن شاء اللّه تعالي.

كما أنه يجوز في القسم الأول بيعه مع الضميمة المضمونة الحصول نظير ما تقدم في المسألة السابقة، و حينئذ لو تلف المال غير المضمون حين البيع لم يكن علي البائع، و لم يرجع المشتري بشي ء من الثمن، بل يكفي أخذه للضميمة.

(مسألة 34): الأحوط وجوبا جريان ذلك في الثمن أيضا، فلا بد من كونه بحيث يقدر البائع علي تحصيله، علي التفصيل المتقدم.

(مسألة 35): يعتبر في كل من العوضين أن يكون طلقا و يترتب علي ذلك أمور.

الأول: أنه لا يجوز بيع ما تعلّق به حق الغير، و لا جعله ثمنا في البيع إذا كان البيع منافيا للحق، كبيع العين المرهونة، و العين المشروط عدم بيعها، و نحو ذلك. و لو

وقع البيع في ذلك كان من بيع الفضولي الموقوف نفوذه علي إجازة صاحب الحق، نظير ما تقدم في شروط المتبايعين.

الثاني: أنه لا يجوز بيع العين المنذورة لجهة خاصة ينافيها البيع، مثل نذر التصدق بها، أو صرفها في جهة خاصة راجحة. و كذا نذر عدم بيعها إذا كان نافذا لكون البيع مرجوحا شرعا، فإن البيع يبطل في الجميع. و أما اليمين و العهد اللذان يجب الوفاء بهما فهما يوجبان حرمة البيع و وجوب الكفارة به من دون أن يكون باطلا.

الثالث: أنه لا يجوز بيع الوقف، علي تفصيل يأتي في كتاب الوقف إن شاء اللّه تعالي، و لا بيع أمّ الولد و هي الجارية التي يستولدها المالك، علي تفصيل لا مجال لاستقصائه لندرة الابتلاء بذلك في عصورنا هذه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 55

الفصل الرابع في الخيارات

اشارة

البيع من العقود اللازمة سواء كان إنشاؤه باللفظ، أم بغيره، كالمعاطاة.

و حينئذ لا يصح فسخه إلّا بالتقايل برضا الطرفين، أو بثبوت الخيار لهما أو لأحدهما، و الخيار حق يقتضي السلطنة علي فسخ العقد برفع مضمونه أو إقراره و الرضا به و إلزامه بحيث يمتنع بعده الرد، و الخيارات عشرة.

الأول: ما يسمي بخيار المجلس

و المدار فيه علي بقاء المتبايعين مجتمعين بأجسامهما من حين إيقاع عقد البيع، سواء بقيا في مكانهما، أم انتقلا عنه مصطحبين، ماشيين أو راكبين أو غير ذلك، فإذا افترقا سقط هذا الخيار.

(مسألة 1): الظاهر أن الموت بحكم الافتراق، فيسقط به الخيار.

(مسألة 2): إذا أوقع المتبايعان العقد و هما متفرقان فلا خيار لهما، كما لو أوقعاه و هما في مكانين متباعدين باتصال هاتفي، أو بالمراسلة بأن وقّع أحدهما علي ورقة البيع فأرسلت للآخر فوقّعها، أو غير ذلك.

(مسألة 3): إذا كان المباشر للعقد الوكيل أو الولي فالخيار للموكّل أو المولّي عليه، و قيام الوكيل و الولي بإعمال الخيار إنما يكون بدلا عمن له الخيار، لا لأن الخيار له، فيجب عليه ملاحظة مصلحة الأصيل في إعمال حق الخيار لا مصلحة نفسه، و لذا إذا كانت وكالة الوكيل تقصر عن إعمال حق الخيار لم يكن له إعماله، و لا ينفذ فسخه.

(مسألة 4): المدار في الاجتماع و الافتراق علي المباشر للبيع، أصيلا كان أو وليا أو وكيلا. نعم إذا كان الوكيل وكيلا علي إجراء الصيغة فقط من دون أن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 56

تكون المعاملة منوطة به فلا أثر لاجتماعه و افتراقه، بل المدار علي اجتماع و افتراق المتولي، أصيلا كان أو غيره. و حينئذ إذا كان المتوليان للمعاملة مفترقين حين إيقاع البيع فلا خيار من أول الأمر، نظير

ما تقدم في المسألة (2).

(مسألة 5): إذا أوقع الوكيل أو الولي البيع فمات المالك قبل افتراق المباشرين للبيع ففي انتقال حق الخيار لوارثه و قيام وكيل المورث أو وليّه مقامه إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي بين الأصيلين في الفسخ و عدمه، أما إذا افترق المباشران فلا خيار قطعا، كما أنه لو كان المباشر هو الأصيل فمات فقد سبق أنّ موته بمنزلة الافتراق مسقط للخيار.

(مسألة 6): إذا كان المتولي للعقد شخصا واحدا أصالة عن نفسه و نيابة عن الطرف الآخر، أو نيابة عن الطرفين فلا خيار من أول الأمر.

(مسألة 7): يسقط هذا الخيار بأمور:

الأول: اشتراط عدمه في ضمن العقد أو في ضمن عقد آخر.

الثاني: إسقاطه بعد العقد قبل التفرق.

الثالث: إقرار العقد و الرضا به، و لو بفعل ما يدل علي ذلك مما لا يصدر ممن هو متردد في الإمضاء و الفسخ كتقطيع الثوب، و طبخ الطعام، و عرض ما اشتراه للبيع، و نحو ذلك.

(مسألة 8): إذا تلف أحد العوضين أو كلاهما قبل التفرق أو خرج عن ملك صاحبه بوجه لا يظهر في إمضائه للعقد و إقراره له فالظاهر سقوط الخيار.

أما إذا تعيّب أو نقص ففي بقاء الخيار إشكال، و علي تقدير بقائه ففي ضمانه علي من وقع النقص أو التعيّب عنده إشكال. بل الظاهر عدم ضمانه إذا كان الفاسخ هو الطرف الآخر.

نعم، إذا كان العوض فرديا و دفع فرد منه فتلف أو تعيّب أو خرج عن الملك قبل التفرق فالظاهر عدم سقوط الخيار، بل يجب علي صاحبه عند الفسخ دفع فرد آخر.

(مسألة 9): يختص هذا الخيار بالبيع، و لا يجري في غيره من العقود المعاوضية كالإجارة فضلا عن غيرها كالهبة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 57

الثاني: خيار الحيوان

و هو يثبت لمن انتقل اليه الحيوان بالبيع، سواء كان الحيوان مبيعا أم ثمنا، فلو بيع الحيوان بالحيوان كان الخيار للمتبايعين معا.

(مسألة 10): المراد بالحيوان هو الحي دون الميت المذكي، فلا يثبت في بيعه هذا الخيار، بل الظاهر عدم ثبوته في الحيوان الحي غير مستقر الحياة الذي يباع للحمه، كالمذبوح، و الصيد المجروح جرحا قاتلا، و السمك الذي اخرج من الماء إذا كانت فيها الحياة حين البيع. بل يشكل ثبوته في مستقر الحياة إذا ابتني البيع علي عدم إبقاء الحيوان علي حياته، بل علي المبادرة بإزهاق روحه، كالسمك المصيد المجعول في الماء للحفاظ علي حياته ليؤكل طازجا، إذا بيع للأكل لا للحفظ، و الهدي الذي يشتري ليذبح حين الشراء، و نحوهما. فالأحوط وجوبا في مثل ذلك التراضي من المتبايعين معا في فسخ البيع و عدمه في مدة الخيار.

(مسألة 11): مدة هذا الخيار ثلاثة أيام من حين إيقاع عقد البيع، و لو ملفقة، كما لو وقع البيع في أثناء اليوم، حيث لا ينتهي إلّا في نفس الوقت من اليوم الرابع و الليلتان المتوسطتان داخلتان في مدة الخيار، و كذا الليلة الثالثة المتوسطة لو وقع البيع في أثناء النهار، و كذا الليلة المتطرفة الاولي لو وقع البيع في أول الليل أو أثنائه. و أما الليلة المتطرفة الأخيرة أو أبعاضها لو وقع البيع في أول النهار أو في أثناء الليل فالأحوط وجوبا التراضي من المتبايعين معا في فسخ البيع و عدمه فيها.

(مسألة 12): يسقط هذا الخيار بما يسقط به خيار المجلس الذي تقدم في المسألة (7).

(مسألة 13): إذا بيع الحيوان فتلف قبل القبض جري عليه ما يأتي في تلف المبيع قبل قبضه، و إذا تعيّب قبل القبض جري

عليه ما يأتي في خيار العيب، و أما إذا تلف أو تعيّب بعد القبض فله صور.

الاولي: أن يكون بمقتضي الوضع الطبيعي للحيوان، كما لو مرض فمات أو عثر فانكسر. فمع التلف يرجع المشتري علي البائع بالثمن، و مع التعيّب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 58

يكون للمشتري الفسخ من دون أن يدفع أرش النقص، و ليس له مطالبة البائع بالأرش مع عدم الفسخ.

الثانية: أن يكون بفعل البائع، و يتخير المشتري حينئذ بين الفسخ و أخذ الثمن و عدمه مع مطالبة البائع بضمان ما حدث بمثله أو قيمته السوقية.

الثالثة: أن يكون بفعل المشتري، فإن كان فعله ظاهرا في رضاه بالعقد و إقراره له فليس له الفسخ و لا المطالبة بالأرش، و إن لم يكن ظاهرا فيه، لصدوره منه غفلة أو ذلك ففي جواز الفسخ له و رجوعه بالثمن و ضمانه لما حدث بالمثل أو القيمة السوقية أو عدم جواز الفسخ إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي منهما معا بالفسخ أو عدمه.

الرابعة: أن يكون بفعل أجنبي، و حينئذ يكون للمشتري الرجوع علي الأجنبي و مطالبته بضمان ما حدث بمثله أو قيمته السوقية، و في جواز الفسخ له و رجوعه علي البائع بالثمن، ثمّ مطالبة البائع الأجنبي بضمان ما حدث بمثله أو قيمته السوقية إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي من البائع و المشتري معا بالفسخ أو عدمه، كما سبق في الصورة الثالثة.

الخامسة: أن يكون بآفة سماوية، كما لو أخذ السيل الحيوان، أو سقط عليه جدار فهلك أو تعيّب ففي جواز الفسخ للمشتري و رجوعه بالثمن و ضمانه لما حدث بالمثل أو القيمة السوقية أو عدم جواز الفسخ له إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي منهما معا بالفسخ أو عدمه.

ثمّ إن هذه الصور الخمس

تجري فيما إذا كان الحيوان ثمنا، غاية الأمر أنه يجري علي البائع هنا حكم المشتري هناك و علي المشتري حكم البائع.

(مسألة 14): يختص هذا الخيار بالبيع و لا يجري في غيره من العقود، نظير ما تقدم في خيار المجلس.

(مسألة 15): إذا مات صاحب الحيوان قبل مضي ثلاثة أيام من البيع انتقل الخيار لوارثه، و مع تعدد الورثة لا بدّ من اتفاقهم علي فسخ البيع أو إقراره و الرضا به، و مع اختلافهم لا يترتب الأثر علي فعل كل منهم و يبقي البيع نافذا ما لم يتفقوا علي الفسخ، فإذا اتفقوا عليه انفسخ البيع، و إن سبق من بعضهم إقرار

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 59

البيع و الرضا به.

(مسألة 16): إذا باع في عقد واحد الحيوان مع غيره صفقة واحدة، فإن ابتني البيع علي اشتراط عدم الخيار فهو، و إلّا ثبت الخيار لصاحب الحيوان فيه فإن فسخ ثبت لهما معا في غير الحيوان خيار تبعض الصفقة الذي يأتي الكلام فيه في التاسع من الخيارات إن شاء اللّه تعالي.

الثالث: خيار الشرط

و هو الخيار المجعول من قبل المتعاقدين باشتراطه في ضمن العقد لكل منهما، أو لأحدهما بعينه دون الآخر.

(مسألة 17): إذا جعل الخيار لأحد الطرفين، فكما يمكن جعله بنحو يكون هو المباشر للفسخ الصادر عن نظره كذلك يمكن جعله بنحو يقوم شخص آخر في الفسخ عنه، بحيث يصدر الفسخ من الشخص الآخر بنظره بدلا عنه، و أما جعل حق الخيار للشخص الآخر استقلالا بحيث يكون له، من دون أن يقوم به عن أحد المتعاقدين، بل يكون قهرا عليهما فلا يخلو عن إشكال.

(مسألة 18): ليس لهذا الخيار مدة معينة، بل لهما أن يشترطا ما شاءا من مدة طويلة أو

قصيرة، متصلة بالعقد أو منفصلة عنه، فكما يجوز أن يجعلا الخيار إلي سنة من العقد مثلا لهما أن يجعلاه علي رأس سنة من العقد.

(مسألة 19): لا يجوز جعل الخيار مدة مرددة لا تعيّن لها في الواقع، بل لا بدّ من تعيّن المدة، سواء كانت مستمرة باستمرار أثر العقد، أم محددة بحد معلوم كشهر، أم مجهول قابل للضبط، كموسم الحصاد، و أيام نزول المطر، و إلي مجي ء الحاج، و وضع المرأة الحمل، و نحو ذلك.

(مسألة 20): من أفراد هذا الخيار خيار ردّ الثمن بعينه أو بمثله، بأن يشترط البائع علي المشتري أنه له الفسخ متي جاء بالثمن، أو إن جاء به في وقت خاص معلوم المقدار، أو مجهول المقدار قابل للضبط علي ما تقدم، بحيث لو جاء الوقت المذكور و لم يأت بالثمن فلا خيار له، و يسمي ببيع الخيار.

و لعل بيع خيار الشرط بإطلاقه ينصرف إلي ذلك، و لا يعمّ صورة عدم ردّ الثمن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 60

في الوقت المشروط فيه الخيار إلّا بالتنصيص علي ذلك.

(مسألة 21): المنصرف من إطلاق البيع مع خيار ردّ الثمن هو تهيئة البائع للثمن، بحيث لو كان المشتري قابلا لأخذه و أراد أخذه لأخذه، فالمعيار فيه علي الإقدار من جانب البائع و رفع المانع من قبله، لا علي فعلة أخذ المشتري للثمن، فلا يخلّ به امتناع المشتري عن أخذ الثمن، و لا عجزه عن أخذه لمرض أو غيبة، أو عدم سلطنته عليه بجنون أو سفه أو غيرهما، بل يكفي مع امتناعه من قبضه التخلية بينه و بين الثمن، و مع عجزه أو عدم سلطنته يكفي تسليمه لوكيله أو وليه و لو كان هو الحاكم الشرعي. بل لو

تعذر قبض الولي حينئذ كان للبائع الفسخ إذا كان قادرا علي التسليم.

نعم، إذا صرّحا في عقد البيع بما يخرج عن الإطلاق المذكور كان العمل عليه عملا بالشرط.

(مسألة 22): المنصرف من إطلاق بيع خيار الشرط للبائع اشتراط بقاء المبيع، و عدم إخراج المشتري له عن ملكه أو إتلافه و عدم تصرفه فيه تصرفا مغيّرا لصورته، كهدم الدار و تقطيع الثوب و كسر المصاغ و نحو ذلك، و مقتضي ذلك عدم نفوذ التصرف المخرج عن الملك، و حرمة الإتلاف و التصرف المغيّر للصورة، فلو أتلف المشتري المبيع أو غيّر صورته كان ضامنا له أو للأرش علي تقدير إعمال البائع للخيار بفسخ البيع.

نعم، لو صرّحا في عقد البيع بجواز التغيّر المذكور فلا حرمة، و لو صرّحا بعدم الضمان فلا ضمان، كما أنه لو صرّحا فيه بجواز إخراج المشتري له عن ملكه نفذ إخراجه له، و كان عليه ضمانه بالمثل أو القيمة لو أعمل البائع حق الخيار و فسخ البيع.

(مسألة 23): لو تلف المبيع أو تغيّرت صورته قهرا علي المشتري فالظاهر عدم ضمانه، فلا يبقي موضوع للفسخ مع التلف، و لا ضمان مع تغيّر الصورة، بل ليس للبائع إلّا العين علي ما هي عليه من غير أرش، إلّا مع التصريح أو قيام القرينة علي الضمان حينئذ، فيتعين بقاء الخيار مع الضمان في التلف و تغيّر الصورة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 61

(مسألة 24): المنصرف من إطلاق بيع خيار الشرط العموم لصورة موت المشروط عليه الخيار، فيقوم وارثه مقامه في جواز رجوع من له الخيار عليه، فإذا اشترط البائع الخيار علي المشتري مثلا فمات المشتري لم يسقط خيار البائع، و يقوم وارث المشتري مقامه في ثبوت الخيار عليه، و

أما بالإضافة إلي من له الخيار فلا يقتضي الإطلاق قيام وارثه مقامه، فإذا مات سقط خياره.

نعم، مع التصريح بخلاف ذلك أو قيام القرينة عليه يتعين العمل علي النحو المصرح به، أو الذي اقتضته القرينة.

(مسألة 25): إذا ابتني الشرط علي كون حق الخيار مطلقا غير مقيد بحياة صاحبه كان موروثا، و مع تعدد الورثة يجري ما تقدم في خيار الحيوان في المسألة (15) كما أن الظاهر حينئذ عدم اختصاص الإرث بمن يرث أحد العوضين، بل يعم غيره، فمن باع أرضا بخيار أو اشتري أرضا بخيار فمات كانت زوجته شريكة في الخيار و ان كانت لا ترث من الأرض. و كذا من باع أو اشتري شيئا من الحبوة بخيار، فإن جميع الورثة يشتركون في الخيار، و لا يختص به من يرث الحبوة.

(مسألة 26): إذا كان أحد العوضين من سنخ الأثمان التي يهتم بماليتها لا بخصوصياتهما كالنقود و الذهب الموزون و نحوهما و كان الخيار لمن دخل ذلك العوض في ملكه فمقتضي إطلاق البيع المشتمل علي خيار الشرط بقاء الخيار مع خروج العين عن ملكه أو تلفها عنده، فله الفسخ مع إرجاع البدل.

و إذا لم يكن من سنخ الأثمان فيشكل شمول الإطلاق لصورة خروجه عن ملك من له الخيار أو تلفه عنده، بل يشكل شموله لصورة تغير العين، كتقطيع الثوب و انهدام الدار، فيحتاج بقاء الخيار في الجميع إلي عناية من تصريح أو قرينة علي العموم لذلك، و معهما يتعين ثبوت الخيار له، و إرجاع البدل من المثل أو القيمة مع التلف، و ضمان الأرش مع التغير، إلا مع التصريح بعدم الأرش حينئذ.

(مسألة 27): يجوز اشتراط الفسخ بالإضافة إلي خصوص بعض المبيع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص:

62

إذا كان ورود البيع علي الأبعاض بنحو الانحلال عرفا، كما لو تضمن العقد مقابلة كل جزء من المبيع بجزء من الثمن، كما لو باعه مثلا في عقد واحد الثوب بدينار و الحصير بدينار، أو باعه الثوبين كل منهما بدينار. و أما إذا كان ورود البيع علي تمام المبيع بنحو المجموعية ففي صحة اشتراط الخيار في البعض إشكال.

(مسألة 28): يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد، و بإقرار العقد و الرضا به، و لو بفعل ما يدل علي ذلك، نظير ما تقدم في خيار المجلس.

(مسألة 29): يصح اشتراط الخيار في جميع العقود اللازمة عدا النكاح، و كذا الصدقة علي الأحوط وجوبا. و الظاهر صحة اشتراطه في الهبة اللازمة، و كذا في عقد الضمان إن كان برضا المدين. و لا يصح اشتراطه في العقود الجائزة، و لا في الإيقاعات حتي الوقف، و يبطل الوقف باشتراطه فيه. و أما بقية الإيقاعات ففي بطلانها باشتراطه إشكال، فاللازم الاحتياط بإعادتها من دون شرط.

(مسألة 30): المنصرف من إطلاق العقد عدم أخذ خصوصية البائع في إعمال الخيار و دفع الثمن مقدمة للفسخ، فيقوم وكيله و وليه مقامه في إعمال الخيار و في دفع الثمن مع عموم الولاية و الوكالة لذلك سواء كان موقع المعاملة هو الأصيل أم الوكيل أم الولي. و لو خرجا عن الولاية و الوكالة كان للأصيل إعمال الخيار، و لو تبدل الوكيل أو الولي كان للبديل القيام بذلك.

نعم، لو صرح في العقد المتضمن للشرط المذكور بخصوصية الأصيل أو الوكيل أو الولي، أو بخصوصية وكيل خاص أو ولي خاص تعين العمل علي مقتضي الشرط. بل لو أخذت خصوصية الشخص الخاص حتي لو خرج عن الوكالة أو الولاية تعين العمل علي ذلك،

غاية الأمر أنه ليس له إعمال حق الخيار بالفسخ رغما علي من جعل له الخيار في العقد، نظير ما تقدم في المسألة (17).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 63

الرابع: خيار الغبن

و هو يثبت للمشتري مع الشراء بأكثر من القيمة السوقية، و للبائع مع البيع بأقل منها.

(مسألة 31): إنما يثبت هذا الخيار مع غفلة الموقع للمعاملة عن التفاوت بين المسمي و القيمة السوقية، فلا خيار لو علم بالفرق أو احتمله و أقدم علي المعاملة علي كل حال، لاهتمامه بتحصيل المبيع أو الثمن من دون اهتمام بالحفاظ علي المالية.

(مسألة 32): إنما يثبت هذا الخيار إذا ابتنت المعاملة علي عدم الخروج عن القيمة السوقية، كما هو الغالب في نوع المعاملات. و لا يثبت إذا لم تبتن علي ذلك، كما هو الغالب في مثل بيع المزاد المبتني علي إعمال النظر الشخصي من أطراف المزايدة، و كذا مثل بيع التحفيات و النوادر التي يكون المعيار فيها علي الرغبة الشخصية من دون نظر للقيمة السوقية.

(مسألة 33): إذا كانت القيمة السوقية مرددة بين الأقل و الأكثر تبعا لاختلاف البائعين من حيثية الصعوبة و السهولة، أو المشترين من حيثية المماكسة و عدمها فلا يكون الغبن إلا بالزيادة علي أعلي القيم، أو النقص عن أدني القيم، و لو كانت القيمة محددة بالدقة كما في موارد التسعيرة الرسمية إذا كان مبني الناس علي العمل بها و عدم الخروج عنها صدق الغبن بالزيادة عليها أو النقص عنها و إن كان الفرق قليلا.

(مسألة 34): لو اختلفت القيم باختلاف البلدان أو المناطق أو الأسواق، كما يتعارف كثيرا في زماننا، كان المعيار في القيمة التي يكون الغبن بلحاظها، علي الموضع الذي يقع فيه البيع، و لا عبرة بغيره من

المواضع.

(مسألة 35): المعيار في هذا الخيار علي حصول الغبن واقعا، لا علي العلم به، فإذا فسخ المغبون البيع و هو جاهل بحصول الغبن ثم علم به انكشف صحة فسخه.

(مسألة 36): المعيار في الغبن علي اختلاف السعر حين البيع، و لا أثر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 64

لارتفاع السعر أو نزوله بعد البيع و لو بزمان قليل.

(مسألة 37): يتخير المغبون بين الفسخ و القبول بتمام الثمن، و ليس له ترك الفسخ و المطالبة بالتفاوت. و لو بذل له الغابن التفاوت، علي أن لا يفسخ لم يجب عليه القبول.

نعم، لو تصالحا علي بذل التفاوت في مقابل عدم الفسخ أو إسقاط الخيار صحّ منهما ذلك، و لزمهما العمل عليه.

(مسألة 38): إذا ظهر الغبن كان للمغبون الخيار و الفسخ مع بقاء العوضين علي حالهما و في ملك من صارا له بالبيع و أما مع تلف أحدهما أو خروجه عن ملك من صار له بالبيع بعتق أو هبة أو بيع أو غيرها فإن كان العوض المذكور من سنخ الأثمان التي لا يهتم إلّا بماليتها عرفا فالظاهر بقاء الخيار، و مع الفسخ يتعيّن إرجاع البدل، و إن كان من سنخ العروض الذي يهتمّ بتحصيله زائدا علي ماليته أشكل بقاء الخيار و نفوذ الفسخ. و كذا الحال في تغير الصورة، كتقطيع الثوب و خياطته، و كسر المصاغ، و بناء الدار و إجارتها، و مزج الشي ء بغيره بنحو لا يتيسر تصفيته، و نحو ذلك، فالأحوط وجوبا التراضي من المتبايعين بالفسخ أو عدمه، أو إسقاط الخيار و لو بالمصالحة ببذل شي ء من المال. نعم لا يرتفع الخيار باشتباه العين بغيرها من دون امتزاج، فيتعين بعد الفسخ تعيين العين المسترجعة بالقرعة أو بالمصالحة.

(مسألة 39):

الظاهر أن خيار الغبن ليس فوريا، سواء علم المغبون بالغبن و بثبوت الخيار له أم لم يعلم، فله تأخير الفسخ بانتظار استيضاح الأصلح باستشارة أو استخارة أو تفكر، أو بانتظار العثور علي البائع، أو غير ذلك.

(مسألة 40): إذا اشتري شيئين في عقد واحد كل منهما بثمن يخصه، و حصل الغبن في أحد البيعين دون الآخر فله صورتان.

الاولي: أن يبتني العقد علي الارتباط بين البيعين، و حينئذ إن ابتنت المعاملة علي عدم الخروج عن القيمة السوقية في كل من البيعين كان للمغبون الخيار في البيع الغبني، فإن فسخ ثبت خيار تبعض الصفقة لمن أخذ الارتباطية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 65

شرطا له في المعاملة. و إن ابتنت المعاملة علي عدم ملاحظة القيمة السوقية في كل من البيعين كما لعله الغالب فلا خيار للمغبون، علي ما تقدم.

الثانية: أن يبتني العقد علي الانحلال بين البيعين، و حينئذ لو ثبت الخيار للمغبون في البيع الغبني لابتناء المعاملة علي عدم الخروج عن القيمة السوقية، فلا يثبت خيار تبعض الصفقة.

(مسألة 41): يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد، و بإسقاطه بعد العقد و إن كان قبل ظهور الغبن، كما يسقط بإقرار العقد و الرضا به، و لو بفعل ما يدل علي ذلك مع العلم بالغبن أو احتماله، نظير ما تقدم في خيار المجلس.

(مسألة 42): الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة مبنية علي ملاحظة القيمة السوقية من صلح أو إجارة أو غيرهما. نعم في ثبوتها في الإجارة و نحوها بعد استيفاء المنفعة إشكال، نظير الإشكال المتقدم في البيع مع تلف أحد العوضين إذا لم يكن من سنخ الأثمان.

(مسألة 43): الظاهر أن خيار الغبن يورث علي النهج المتقدم في خياري

الحيوان و الشرط.

الخامس: خيار التأخير

إطلاق العقد يقتضي تعجيل كل من المتبايعين تسليم العوض الذي استحقه الآخر بالبيع مع تسليم صاحبه له ما استحقّه هو بالبيع، فالعقد مبني علي التسليم و التسلم.

نعم، إذا لم يسلم أحدهما ما عليه عصيانا أو عجزا لم يجب علي الآخر التسليم. و لو امتنع أحد المتبايعين من التسليم مع حضور الآخر له كان للآخر إجباره عليه. و مع عدم تسليم أحد الطرفين لما عنده عصيانا أو عن عذر، يثبت للطرف الآخر الخيار في فسخ العقد، و لا يختص ذلك بالبيع، بل يجري في جميع المعاوضات، و هو داخل في خيار تخلف الشرط الذي يأتي التعرض له في الخيار الثامن إن شاء اللّه تعالي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 66

نعم، يختص البيع بأنه مع عدم تسليم المبيع و عدم تسليم الثمن لا يثبت الخيار إلا بعد ثلاثة أيام، فإن جاء المشتري بالثمن و قبض المبيع فهو و إلا كان للبائع الخيار و الفسخ بعد الثلاثة، و لو تلف المبيع قبل تسليمه ضمنه البائع و كان من ماله علي ما يأتي في أحكام القبض إن شاء اللّه تعالي. و المتيقن من ذلك ما إذا رضي البائع بالتأخير في الجملة، و إن كان الأحوط وجوبا العموم لما إذا لم يرض بالتأخير من أول الأمر، من دون أن يشترط التعجيل صريحا في العقد.

هذا و الظاهر جريان ذلك بالإضافة إلي عدم قبض المبيع وحده، فلو قبض البائع الثمن و لم يقبض المشتري المبيع مع بذل البائع له يكون البيع لازما إلي ثلاثة أيام، و يثبت الخيار بعدها للبائع.

نعم، لو ابتني عدم قبض المشتري للمبيع علي إيداعه عند البائع، بحيث يكون البائع وكيلا عن المشتري في القبض،

و يبقي المبيع عنده وديعة فلا خيار، و ليس له الفسخ. و لو تلف المبيع عنده من دون تفريط منه لم يضمنه حينئذ، و كان من مال المشتري. بل الأحوط وجوبا ذلك في الثمن أيضا فلو لم يقبضه البائع لم يكن له الفسخ إلا بعد ثلاثة أيام، فإن لم يدفعه المشتري كان للبائع الفسخ بعد الثلاثة، و إن كان المشتري قد قبض المبيع.

هذا كله مع عدم التصريح باشتراط التعجيل قبل الثلاثة أو التأخير عنها. أما معه فاللازم العمل عليه، و يثبت الخيار مع مخالفة شرط التعجيل و لو قبل الثلاثة، كما لا خيار بعد الثلاثة مع اشتراط التأخير أكثر من ذلك.

(مسألة 44): المراد من الأيام الثلاثة هنا هو المراد منها في خيار الحيوان، و قد تقدم توضيحه.

(مسألة 45): لا فرق في المبيع بين أن يكون شخصيا مثل كيس خاص من الحنطة و أن يكون كليا، كمائة كيلو من الحنطة غير معينة، و كذا الحال في الثمن.

(مسألة 46): ما يفسده أو يضر به المبيت كبعض الخضر و البقول و اللحم إذا لم يقبضه المشتري و لم يسلّم الثمن يلزم البيع فيه إلي دخول الليل، فإذا لم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 67

يجي ء المشتري حتي دخل الليل كان للبائع الخيار، فإذا فسخ جاز له أن يتصرف في المبيع كيف يشاء. و يختص هذا الحكم بالمبيع الشخصي، و أما في غيره فالمرجع فيه ما سبق.

(مسألة 47): لو لم يفسخ البيع بدخول الليل فيما يفسده أو يضره المبيت، فإن تلف أو تضرر كان عليه ضمانه للمشتري، لما أشرنا إليه و يأتي من أن تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه. نعم له بيعه عن المشتري عند خوف تلفه

أو تضرره إذا كان بيعه أنفع لصاحبه من الفسخ، و لا بد من الاستئذان من الحاكم الشرعي مع إمكانه.

(مسألة 48): يجري ما سبق في كل ما يكون تحت يد المكلف لغيره و يتعرض للتلف مما ثبت له فيه الخيار له و لم يفسخ. أما إذا لم يثبت له فيه الخيار إما لكونه أمانة ابتدائية أو لكونه مبيعا ببيع لازم فاللازم الحفاظ علي ماليته مهما أمكن، ببيعه أو بغير ذلك، و اللازم مراجعة الحاكم الشرعي فيه مع الإمكان.

و إن كان مضمونا عليه كالمغصوب كان عليه ضمان الفرق بين قيمته الأصلية و ما أمكن الحفاظ عليه بالبيع أو غيره من ماليته.

(مسألة 49): يسقط خيار التأخير بأمور:

الأول: إسقاطه بعد ثبوته، و لا يسقط بإسقاطه قبل ذلك، و علي هذا يسقط في غير البيع بإسقاطه بعد العقد، و لا يسقط في البيع إلا بإسقاطه بعد الأيام الثلاثة أو بعد الليل فيما يفسد ليومه.

الثاني: إقرار البيع و الرضا به من قبل من له الخيار إذا كان بعد ثبوت الخيار أيضا.

الثالث: اشتراط سقوطه في ضمن العقد. و أما بذل المشتري للثمن و حضوره لأخذ المبيع بعد ثبوت الخيار فهو لا يسقط الخيار.

(مسألة 50): الظاهر أن هذا الخيار ليس فوريا، فلو لم يعجل صاحب الخيار بالفسخ لم يسقط خياره إلا بأحد المسقطات المتقدمة.

(مسألة 51): يقوم الوارث مقام المورث في استحقاق هذا الخيار، علي النهج المتقدم في الخيارات السابقة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 68

السادس: خيار الرؤية

تقدم عند الكلام في شروط العوضين الكلام في اشتراط العلم بمقدار العوضين. و تقدم في المسألة (30) من الفصل السابق أنه لا يعتبر رؤية العوضين إذا لم يتوقف عليها العلم بمقدارهما.

نعم، إذا توقف عليها العلم بصفات المبيع

التي تختلف باختلافها القيمة أو الرغبة الشخصية فالبيع و إن كان صحيحا إلا أنه يثبت للمشتري فيه الخيار.

و أما الصفات التي لا تظهر بالرؤية فلا تتوقف صحة البيع علي العلم بها، كما لا يكون تخلفها موجبا للخيار، إلا أن يكون عيبا، أو تكون مشروطة في البيع و لو ضمنا، فيثبت في الأول خيار العيب، و في الثاني خيار تخلف الشرط، و يأتي الكلام فيهما إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 52): الأحوط وجوبا ثبوت خيار الرؤية للبائع بالإضافة إلي الثمن إذا كان شخصيا، فلا بد من التراضي بين المتبايعين بالفسخ أو عدمه.

(مسألة 53): يسقط هذا الخيار بما يسقط به خيار المجلس.

(مسألة 54): يقوم الوارث مقام المورّث في استحقاق هذا الخيار علي النهج المتقدم.

(مسألة 55): الظاهر أن هذا الخيار ليس فوريا، نظير ما تقدم في غيره من الخيارات.

السابع: خيار العيب

و يثبت للمشتري فيما إذا اشتري شيئا فظهر به عيب، فإنه يتخير بين الرضا بالبيع بتمام الثمن و الفسخ، و ليس له الرضا بالبيع مع الأرش إلا أن يتعذر الرد، و ذلك بأمور.

الأول: تلف العين، و بحكمه تعذر إرجاعها للبائع بضياع أو غصب أو غرق أو نحوها، و لو ارتفع التعذر قبل أخذ الأرش فليس له المطالبة بالأرش، بل ليس له إلا الفسخ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 69

الثاني: خروجها عن الملك ببيع أو هبة أو عتق أو نحو ذلك، و لو عاد للملك ففي امتناع الفسخ و لزوم الأرش إشكال، فاللازم الاحتياط بالتراضي بينهما في الفسخ أو الأرش.

الثالث: التصرف الاعتباري اللازم الذي يوجب اختلاف الرغبة فيه، كإجارة العين و رهنها. و لو فسخ التصرف المذكور أو انتهت مدته قبل أخذ الأرش جري فيه ما تقدم فيما لو عاد

للملك.

الرابع: تغير صورة المبيع بما يوجب اختلاف الرغبة فيه، كتقطيع الثوب و صبغه و خياطته و بناء الدار و التغيير فيها و انهدامها و نحو ذلك.

نعم، لو كان التغير مضمونا علي البائع كمرض الحيوان قبل مضي ثلاثة أيام لم يمنع من الرد، و كذا إذا كان بفعل البائع من دون إذن من المشتري.

الخامس: وطء الجارية، فإنه يمنع من ردها بالعيب إلا أن تكون حبلي، فعليه حينئذ ردها إن كان الحبل من المولي و يرد معها نصف عشر قيمتها، و إن كان الحبل من غير المولي فالأمر لا يخلو عن إشكال، و هو غير معهم لندرة الابتلاء بالمسألة أو عدمه.

(مسألة 56): لو رضي البائع برجوع العين في الأخيرين، فإن أضر الرد بالمشتري كما لو صبغ الثوب لم يسقط الأرش، و إلّا فالأحوط وجوبا التراضي بينهما في الفسخ أو الأرش.

(مسألة 57): إذا تعذر الرد كان للمشتري الأرش، و هو فرق ما بين الصحيح و المعيب، و نسبته للثمن كنسبة الفرق بين الصحيح و المعيب في القيمة السوقية، فإذا كان قيمة المعيب ثلثي قيمة الصحيح مثلا، كان نسبة الأرش للثمن الثلث، و إذا لم يكن بين الصحيح و المعيب فرق في القيمة السوقية كما قد يدّعي في الخصاء في الحيوانات فلا أرش و إن تعذر الرد.

(مسألة 58): المرجع في معرفة نسبة المعيب للصحيح أهل الخبرة من أهل الأمانة و الثقة، و مع اختلافهم يتعين الأخذ بمن هو أخبر و أعرف بالنحو المعتد به عند العقلاء، و مع عدم الترجيح يجزي البائع دفع الأقل.

(مسألة 59): يجب علي البائع إخراج الأرش من الثمن مع وجوده، لكن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 70

لا بنحو يكون المشتري شريكا معه فيه بالنسبة،

بحيث لا يتصرف فيه كل منهما إلا برضا الآخر، بل يكون للبائع وحده التصرف فيه، غايته أنه يجب عليه أن يدفع مقدار الأرش للمشتري، و عليه لا يجوز له بعد امتناع الرد إتلاف الثمن أو إخراجه عن ملكه بتمامه، بل لا ينفذ تصرفه فيه حينئذ إلّا بإذن المشتري، نعم له ذلك فيما عدا مقدار الأرش. و لو لم يكن الثمن قابلا للقسمة كان عليه دفع قيمته، و لو تلف الثمن أو خرج عن ملك البائع أو نحو ذلك مما يتعذر معه إخراج الأرش منه لزمه ضمان مقدار الأرش بمثله إن كان مثليا و بقيمته إن كان قيميا.

(مسألة 60): إذا كان المبيع المعيب ربويا و ثمنه من جنسه و بقدره لم يمنع ذلك من استحقاق الأرش من الثمن، و لا يلزم منه الربا، و إنما يلزم الربا إذا نقص الثمن أو المبيع حين البيع.

(مسألة 61): الظاهر أن العيب الحادث بعد البيع قبل القبض بحكم العيب الحاصل قبل البيع، فيثبت للمشتري فيه الرد، فإذا قبضه و حدث عنده ما يمنع من الرد كان له الأرش، و إن كان الأحوط استحبابا التراضي بين الطرفين في الجميع.

(مسألة 62): لا فرق في حكم المسألة السابقة بين العيب الحادث بأمر سماوي و الحادث بفعل البائع و الحادث بفعل الغير، غايته أنه في الأخير للبائع بعد دفع الأرش الرجوع علي ذلك الغير بأرش العيب، و الأحوط وجوبا له الاقتصار علي الأقل في الفرق بين الصحيح المعيب مما دفعه للمشتري و من القيمة السوقية، كما أن للمشتري عدم الرجوع بالأرش علي البائع و الرجوع به علي ذلك الغير، فيأخذ منه فرق ما بين الصحيح و المعيب بحسب القيمة السوقية، لا بنسبته من الثمن.

و أما إذا كان العيب بفعل المشتري فلا ردّ و لا أرش.

(مسألة 63): إذا اشتري شيئين بثمنين صفقة، فظهر عيب في أحدهما دون الآخر فإن حصل ما يمنع من الرد استحق الأرش لا غير، و إن لم يحصل ما يمنع من الرد ثبت له خيار العيب، فإن لم يبتن بيعهما علي الارتباطية كان له رد المعيب وحده، و إن ابتني بيعهما علي الارتباطية بين المبيعين ثبت خيار تبعض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 71

الصفقة الذي يأتي الكلام فيه في التاسع من الخيارات لمن أخذت الارتباطية شرطا له في المعاملة، فله الرجوع في الآخر أيضا و إن لم يكن معيبا.

نعم، إذا حدث في الآخر نقص أو زيادة أو تبدل حال يوجب اختلاف الرغبات فالأحوط وجوبا التصالح بينهما في الفسخ و عدمه و لو ببذل مال.

(مسألة 64): يجري التفصيل المتقدم لو كانا معا معيبين فرد أحدهما و لم يرد الآخر لرضاه به علي عيبه، أو لحدوث ما يمنع من الرد فيه.

(مسألة 65): إذا اشتري شيئين بثمن واحد و كان أحدهما معيبا دون الآخر كان له الخيار في المعيب، فإن فسخ فيه ثبت في الثاني لهما خيار تبعض الصفقة كما تقدم.

(مسألة 66): العيب هو الخروج عن الوضع المتعارف للشي ء بما يعد نقصا فيه عرفا، لإخلاله بالغرض المقصود منه نوعا كالمرارة في المطعوم أو لكونه سببا في مؤنة زائدة كشرود الحيوان المقتضي للالتزام بربطه أو لترتب ضرر عليه، أو لتشوه صورته، أو لكونه ناشئا عن نقص في طبيعته و مزاجه- كعدم نبات الشعر في المواضع المعهود فيها نباتة- أو لغير ذلك. أما إذا كان الخروج عن الوضع المتعارف فيه راجعا إلي كماله عرفا فلا خيار فيه، كحدة ذكاء

الحيوان و قوة بصره، و كثرة رواء الفاكهة و نحو ذلك، إلا أن يستلزم أمرا يرغب عنه نوعا، كما إذا كانت قوة الذكاء مستلزمة لقصر العمر، أو كانت قوة البصر بنحو تقتضي اختراق النظر لما وراء الثياب كما يحكي في زماننا عن بعض الشواذ أو نحو ذلك، فتكون عيبا يثبت به الخيار.

(مسألة 67): إذا تعارف وجود العيب في صنف المبيع، أو في زمان البيع، أو مكانه، بحيث لا يبتني البيع علي السلامة من العيب ارتكازا فلا يقتضي الخيار. و كذا إذا قامت القرينة الخاصة في البيع علي عدم ابتنائه علي السلامة من العيب، كما قد يكون فيما إذا ابتني شراء الطعام أو الخضر و الفاكهة علي أن تجعل علفا للحيوان، أو شراء الذهب المصوغ علي الإذابة و التصفية، حيث لا يكون العيب المغير للطعم في الأول، و الكسر في المصوغ في الثاني سببا للخيار.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 72

(مسألة 68): إنما يثبت خيار العيب فيما إذا كان المبيع عينا شخصية معيبة، أما إذا كان المبيع كليا و دفع البائع معيبا وفاء له فلا خيار، بل للبائع حينئذ إبدال المعيب بالصحيح، فلو باعه طنا من الحنطة، فدفع إليه حنطة معيبة استرجعها و أخذ حنطة غير معيبة، و إذا امتنع كان له خيار عدم تسليم المبيع الذي تقدم الكلام فيه في الخامس من الخيارات، و كذا الحال في الثمن الكلي لو سلم المشتري معيبا وفاء له.

(مسألة 69): يسقط خيار العيب بأمور:

الأول: علم المشتري بالعيب حين البيع.

الثاني: براءة البائع من العيب حين البيع الراجعة لاشتراط عدم ثبوت الخيار به إما صريحا، أو ضمنا لابتناء المعاملة علي ذلك، كما يكون كثيرا في بيع الأشياء المستعملة المعروضة بالمزاد.

الثالث:

إسقاط الخيار المذكور بعد البيع.

الرابع: إقرار البيع و الرضا به بعد العلم بالعيب، و لو بالتصرف في المبيع تصرفا ظاهرا في عدم إرادة الفسخ و الرد، سواء كان تصرفا مانعا من الرد، أم لم يكن، و في جميع ذلك لا يجب الأرش، فإنه إنما يجب بحصول ما يمنع من الرد حال ثبوت الخيار، لا مع سقوطه بأحد هذه المسقطات.

(مسألة 70): إذا زال العيب قبل علم المشتري به، فإن كان زواله بفعل البائع من دون إذن من المشتري لم يمنع من الرد، و إلا منع من الرد و استحق المشتري الأرش. نعم إذا كان زواله لعدم استحكامه كالمرض الطارئ في الحيوان الذي يزول من قبل نفسه فقد يكشف ارتفاعه عن عدم كونه عيبا أو كونه عيبا لا أرش له، و لا ضابط لذلك، بل المرجع فيه العرف.

(مسألة 71): الظاهر أن هذا الخيار ليس علي الفور، فلو لم يبادر المشتري بعد اطلاعه علي العيب للفسخ لم يسقط حقه فيه، كما أنه لو لم يبادر لطلب الأرش بعد امتناع الرد لم يسقط حقه فيه.

(مسألة 72): الظاهر جريان جميع ما تقدم فيما لو كان العيب في الثمن، إلا أن الخيار في الرد و ثبوت الأرش هنا للبائع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 73

(مسألة 73): يقوم الوارث مقام المورّث في استحقاق هذا الخيار علي النهج المتقدم في الخيارات السابقة. أما لو سقط الرد فإن كان سقوطه في حياة المورّث اشترك جميع الورثة في الأرش، و إن كان سقوطه بعده ففي اشتراك جميع الورثة في الأرش أو اختصاصه بمن يرث المبيع المعيب إشكال، فاللازم الاحتياط بالتراضي بين جميع الورثة.

الثامن: خيار تخلف الوصف

العنوان المأخوذ في أحد العوضين إن كان مقوّما له بحسب وضع

المعاملة كان تخلفه موجبا لبطلان البيع، و إن لم يكن مقوما له، بل كان وصفا زائدا فيه فتخلفه موجب للخيار. و الأحوط وجوبا الاقتصار في الخيار علي ما إذا ابتني البيع علي الوصف لاهتمام أحد المتبايعين به، حتي لو كان اهتمامه شخصيا من دون أن يهتم به عامة الناس.

(مسألة 74): المرجع في تمييز العنوان المقوّم من الوصف الزائد هو العرف، و هو يختلف باختلاف المعاملات، فالشي ء الواحد قد يكون عنوانا مقوّما للمبيع في حال و وصفا زائدا عليه في حال آخر، فالجنس مثلا كالصوف و الذهب و الحنطة و نحوها قد يكون مقوما للمبيع، بحيث يكون تخلفه موجبا لبطلان البيع، و قد يكون وصفا زائدا عليه لا يلزم من تخلفه إلا الخيار مع كون العنوان المقوّم للمبيع هو العنوان المنتزع من الهيئة الخاصة، كالثوب و البساط و المصاغ و الخبز و نحوها، كما قد يكون المقوم للمبيع كلا الأمرين من الجنس و الهيئة، فيكون تخلف كل منهما موجبا للبطلان و لا ضابط لذلك.

(مسألة 75): لا يعتبر في الوصف الذي يكون تخلفه موجبا للخيار أن يكون مصرحا به في العقد، بل يكفي أخذه ضمنا اعتمادا علي قرينة عامة ارتكازية نظير وصف السلامة في المبيع أو خاصة، لظهور الحال المستفاد من خصوصية السوق أو خصوصية العين المبيعة، و منه الغش المظهر للمبيع علي خلاف حاله، كترطيب الخضر الموهم لجدتها أو جودتها، كتجليل المبيع بالجيد منه و إخفاء الردي ء تحته و نحو ذلك، فإن ذلك كله موجب للخيار، و إن لم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 74

يصدق العيب علي الواقع المخفي، كما لو أخفي نوعا من التمر لا عيب فيه في نوع آخر أجود منه.

(مسألة 76): إذا

حدث في المبيع عند المشتري أحد الموانع الرد المتقدمة في خيار العيب ففي بقاء خيار تخلف الوصف إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي بين المتبايعين في الفسخ مع الأرش أو بدونه و عدمه. و أمّا رجوع المشتري بالأرش حينئذ فلا مجال له إذا لم يرجع تخلف الوصف للعيب، و كذا الحال لو حدث أحد موانع الرد المذكورة في الثمن.

(مسألة 77): يختص هذا الخيار بما إذا كان العوض الموصوف شخصيا، أما إذا كان كليا و كان المدفوع فاقد الوصف فلا خيار، بل يجب إبدال الفاقد للوصف بالواجد له، نظير ما تقدم في خيار العيب.

(مسألة 78): يسقط هذا الخيار بإسقاط المشتري له بعد البيع، و بإقرار البيع و الرضا به بعد العلم بتخلف الوصف، كما أنه ينتقل للوارث، نظير ما تقدم في الخيارات السابقة.

التاسع: خيار تبعض الصفقة

و يثبت فيما إذا لم يتم البيع في بعض المبيع، إما لعدم كونه مما يصح بيعه، كالوقف و الحر و الخمر أو لعدم سلطان البائع علي بيعه فيكون البيع فيه فضوليا، من دون أن يجيزه من له السلطنة عليه، أو لثبوت الخيار فيه كالمعيب و الحيوان في الأيام الثلاثة مع فسخ صاحب الخيار، فإنه يصح لكل من المتبايعين الفسخ في تمام المبيع.

(مسألة 79): إذا لم يفسخ من له خيار تبعض الصفقة و رضي بالبيع في البعض أخذه بحصته من الثمن. و حينئذ فله صورتان.

الاولي: أن لا يكون للاجتماع دخل في زيادة قيمة الأجزاء و لا في نقصها، و حينئذ يقوم ما تمّ البيع فيه و ما لم يتمّ البيع فيه، و يبقي للبائع من الثمن بنسبة قيمة ما تمّ البيع فيه البيع لمجموع القيمتين، فإذا كانت قيمة ما تمّ فيه البيع نصف مجموع القيمتين أخذ

البائع نصف الثمن، و إذا كانت قيمته ربع مجموع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 75

القيمتين أخذ ربع الثمن، و هكذا.

الثانية: أن يكون للاجتماع دخل في زيادة قيمة الأجزاء، أو في نقصها، و حينئذ قد تتفق الأجزاء في نسبة الدخل المذكور فيكون الحكم كما في الصورة الأولي، كنسبة قيمة كل من النصفين المشاعين لقيمة المجموع، و قد تختلف، كما لو كان الاجتماع موجبا لزيادة قيمة بعض الأجزاء و نقص قيمة بعضها، مثل الجارية و بنتها الرضيعة، حيث تنقص قيمة الأم إذا كانت معها ابنتها، و ترتفع قيمة البنت إذا كانت مع أمها، أو كان الاجتماع موجبا لزيادة قيمة بعض الأجزاء أو نقصها من دون أن يكون دخيلا في بعضها، أو كان الاجتماع موجبا لزيادة قيمة بعض الأجزاء بنسبة تختلف عن نسبة الزيادة في الأجزاء الأخر. إلي غير ذلك من الصور.

و يتردد الأمر هنا بين وجهين:

الأول: ملاحظة نسبة قيمة ما تمّ فيه البيع منفردا لقيمة المجموع و يأخذ البائع من مجموع الثمن بتلك النسبة. فإذا كان الثمن عشرين، و كانت قيمة ما تمّ فيه البيع منفردا ثلاثة، و قيمة المجموع اثني عشر أخذ البائع خمسة من العشرين.

الثاني: ملاحظة نسبة قيمة ما تمّ فيه البيع في حال انضمامه للمجموع لقيمة المجموع، و يأخذ البائع من مجموع الثمن بتلك النسبة، ففي المثال السابق إذا كانت قيمة ما تمّ فيه البيع في حال انضمامه للمجموع ستة أخذ البائع عشرة من العشرين، فاللازم علي المتبايعين الاحتياط و التصالح بين الوجهين.

(مسألة 80): كما يثبت خيار تبعض الصفقة مع عدم تمامية البيع في بعض المبيع يثبت مع عدم تماميته في أحد المبيعين كما إذا باع شيئين بثمنين لكل منهما ثمن يخصه فلم

يتمّ بيع أحدهما لكن بشرط أن يبتني بيعهما معا علي الارتباطية، لا علي الانحلال. و حينئذ لو اختيار عدم الفسخ فيما تمّ فيه البيع لزم الثمن الذي عيّن في البيع، و لا تلحظ نسبة قيمة أحدهما لقيمة المجموع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 76

العاشر: خيار تخلف الشرط

علي تفصيل يأتي عند الكلام في الشروط إن شاء اللّه تعالي.

تذنيب:

ينفذ العقد و يترتب أثره بوقوعه، و لا يتوقف علي مضي زمن الخيار، فالمبيع في مدة الخيار في ملك المشتري و الثمن في ملك البائع. و يترتب علي ذلك أمران.

الأول: أن ضمان المبيع لو تلف بعد قبضه في مدة الخيار علي المشتري و ضمان الثمن علي البائع. لا بمعني لزوم دفعهما المثل أو القيمة مطلقا و لو مع عدم فسخ البيع، بل بمعني أنه مع عدم فسخ البيع تكون خسارة التالف علي من تلف في ملكه و لا يرجع علي الآخر، كما يرجع المشتري علي البائع لو تلف المبيع قبل القبض. أما مع فسخ البيع في فرض بقاء الخيار مع التلف فيتعين علي من تلف أو نقص عنده أحد العوضين دفع بدل العين أو أرش النقص إلي الآخر.

نعم، في خيار الحيوان يكون ضمان الحيوان إلي من انتقل عنه، علي تفصيل تقدم، كما تقدمت بعض التفصيلات عند الكلام في بعض الخيارات الأخر.

الثاني: أن نماء العين و منفعتها يكونان لمالك العين، نعم إذا ردّت العين بالفسخ ردّ معها من النماء ما كان ملحقا بها عرفا، كاللبن في الضرع. بل يستحب أن يرد المشتري بدل اللبن الذي يشربه في الأيام الثلاثة التي هي مدة خيار الحيوان ثلاثة أمداد من الطعام.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 77

الفصل الخامس في الشرط

و هو التزام في ضمن العقد تابع له، كما إذا باعه البستان و اشترط أنّ له ثمرتها إلي سنة، أو باعه الدار و اشترط أن عليه دفع ضريبتها، أو أنّ له الخيار فيها إلي سنة، أو اشترط عليه أن يخدمه عشرة أيام، أو نحو ذلك، مما يتضمّن استحقاقا لعين أو منفعة أو حق أو عمل. و يعتبر في نفوذ الشرط و

ترتّب الأثر عليه أمور.

الأول: أن يبتني عليه العقد، إمّا لذكره فيه صريحا، أو لأخذه فيه ضمنا لقرينة من بناء عرفي عامّ أو خاص، مثل اشتراط التسليم للعوضين، و اشتراط الاعتراف في بيع العقار بدائرة الطابو الذي تعارف في زماننا أو نحو ذلك. أمّا إذا ذكر قبل العقد أو بعده من دون أن يبتني عليه العقد فهو وعد لا يجب الوفاء به، بل يستحب.

الثاني: أن لا يكون مخالفا للكتاب و السنّة، و ذلك بأمرين:

أحدهما: أن يكون مضمونه مخالفا للحكم الشرعي، مثل أن يكون الطلاق بيد غير الزوج، و أن لا يرث الورثة من المال، و أن يكون ولد الحر رقا، و أن لا يثبت الخمس في المال الخاص، و نحو ذلك.

ثانيهما: أن يقتضي الإلزام بترك واجب أو فعل حرام، كما لو اشترط أحدهما علي الآخر أن يصنع له الخمر، أو أن يحلق لحيته، أو أن يغش له في بيعه، أو أن يترك الصلاة، أو يفطر في شهر رمضان. إلي غير ذلك. و يلحق به ما إذا اشترط عملا محللا في نفسه إلّا أنّه مستلزم لترك واجب أو فعل حرام، مثل العمل في تمام نهار شهر رمضان بنحو يضطرّ معه لترك الصوم أو الصلاة. و أمّا الالتزام بفعل مباح أو مكروه أو ترك مباح أو مستحب فلا مانع منه، إلّا أن يدل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 78

الدليل علي المنع منه بالخصوص، علي ما قد ننبّه عليه في المواضع المناسبة.

الثالث: أن لا يكون منافيا لمقتضي العقد، و هو علي قسمين:

الأول: أن يكون منافيا لمقتضي العقد الذي أخذ فيه الشرط، مثل أن يبيعه بشرط أن لا يستحق الثمن.

الثاني: أن يكون منافيا لمقتضي عقد آخر، مثل أن يشتري

المتاع بشرط أن لا يتحمّل خسارته، أو بشرط أن يشاركه في الربح، إذا رجع ذلك إلي وقوع الخسارة عليه أو شركته في الربح إذا رجع ذلك إلي وقوع الخسارة عليه أو شركته في الربح عند بيعه ابتداء، فإنّه و إن لم يناف عقد شراء المتاع الذي أخذ فيه الشرط، إلّا أنّه ينافي عقد بيعه بعد ذلك الذي تقع فيه الخسارة أو الربح، لأنّ مقتضي البيع دخول الثمن بتمامه في ملك مالك المثمن المستلزم لوقوع الربح له و الخسارة عليه، و أمّا لو رجع إلي تدارك البائع الأول لخسارة المشتري، أو استحقاق البائع الأول من الربح بعد دخوله بتمامه في ملك المشتري الذي باعه بعد ذلك فهو لا ينافي مقتضي العقد، و لا يكون باطلا.

(مسألة 1): ليس من الشرط المنافي لمقتضي العقد بيع الشي ء بشرط أن يبيعه المشتري علي البائع، نعم لا يصح البيع مع الشرط المذكور في بعض صوره، علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي عند الكلام في بيع النقد و النسيئة.

الرابع: أن يكون الشرط مقدورا للمشروط عليه، فلو كان متعذرا في تمام أزمنة اشتراطه كان باطلا، و لو اعتقد القدرة عليه ثم انكشف عدمها انكشف البطلان من أوّل الأمر. نعم إذا كان مقدورا في بعض الأزمنة ثمّ تعذّر كان صحيحا، غايته أنه يسقط الوفاء به في زمن التعذر.

(مسألة 2): لا يبطل الشرط بالتعليق، كما لو اشترط عليه أن يصلي عنه إن مات قبله. و لا يبطل أيضا بالجهالة، كما لو اشترط عليه أن يسكنه في داره حتي يشفي مريضة أو يقدم مسافرة.

(مسألة 3): إذا بطل الشرط لفقد أحد الشرطين الأولين لم يبطل العقد به.

(مسألة 4): إذا بطل الشرط لفقد الشرط الثالث، فإن كان

لمنافاته لمقتضي العقد الذي أخذ فيه بطل العقد بتبعه، و إن كان لمنافاته لمقتضي عقد آخر لم يبطل العقد الذي أخذ فيه، و لا العقد الآخر.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 2، ص: 78

(مسألة 5): إذا صحّ الشرط و كان المشروط هو استحقاق عين أو منفعة أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 79

حق ترتّب أثره و لم يمكن خروج المشروط عليه عنه، فإذا باعه البستان و اشترط عليه أنّ له ثمرتها إلي سنة، أو باعه الدار و اشترط عليه أنّ له منفعتها إلي شهر، أو أنّ له الخيار في البيع إلي سنتين مثلا ملك البائع الثمرة و المنفعة و الخيار، و لم يقدر المشتري علي التخلف عن الشرط المذكور. و يلزم العقد علي كل حال، فلو امتنع المشتري عن تسليم الثمرة مثلا أو المنفعة كان غاصبا لها من دون أن يستحق البائع فسخ البيع، إلّا أن يرجع الشرط المذكور إلي اشتراط التسليم و التمكين من الثمرة و المنفعة فيدخل في المسألة الآتية.

(مسألة 6): إذا صحّ الشرط و كان المشروط عملا كما لو اشترط عليه أن يخدمه أو يخيط ثوبه أو نحو ذلك استحق صاحب الشرط علي المشروط عليه ما اشترطه، فيجب علي المشروط عليه القيام به علي النحو الذي يلزم به الشرط، فإن امتنع كان للمشروط له إجباره، و إن قصّر في القيام به أو تعذّر عليه ذلك كان للمشروط له فسخ العقد، سواء تمكّن من إجباره فلم يفعل، أم لم يتمكن من إجباره، و ليس له المطالبة بقيمة الشرط لو كان له قيمة.

(مسألة

7): لصاحب الشرط إسقاط شرطه، فإن رجع إسقاطه إلي رفع اليد عن الالتزام به في العقد رأسا لم يجب علي المشروط عليه القيام به، و لم يستحق المشروط له الخيار بتخلفه، و إن رجع إسقاطه إلي رفع اليد عن استحقاقه لا غير لم يجب علي المشروط عليه القيام به، لكن يستحق المشروط له الفسخ مع تخلفه.

(مسألة 8): إذا فسخ العقد الذي تضمن الشرط بخيار أو تقايل سقط الشرط تبعا له. نعم إذا كان الشرط مترتبا علي فسخ العقد من أحد الطرفين، كالشرط الجزائي المتعارف في هذه الأيام لم يسقط الشرط و وجب علي الفاسخ القيام بما تضمنه، و لا يسقط الشرط المذكور إلا بالتقابل بين الطرفين في تمام المعاملة و رفع اليد عنها رأسا.

(مسألة 9): الظاهر نفوذ الشرط في ضمن العقود الجائزة، كالعارية و الوكالة و بعض أقسام الهبة.

(مسألة 10): لا ينفذ الشرط في الإيقاع، إلّا في موارد خاصّة تذكر في مواضعها إن شاء اللّه تعالي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 80

الفصل السادس في التسليم و القبض

يجب علي كل من المتبايعين بعد تمامية البيع بذل كل من العوضين لصاحبه الذي صار له بالبيع، و تمكينه منه عند بذل الآخر و تمكينه مما عنده، و لا يجوز لأحدهما الامتناع من ذلك عند بذل الآخر، و لو امتنع من ذلك حينئذ أجبر عليه.

(مسألة 1): لو اشترط أحدهما أو كلاهما عدم بذل العوض الذي تحت يده مدة من الزمن صح الشرط. كما يجوز له اشتراط الانتفاع مدة من الزمن بما تحت يده، كسكني الدار و لبس الثوب و زرع الأرض و غيرها.

(مسألة 2): لا يجوز في المدة المشترط فيها تأخير التمكين أو الانتفاع بالعين أن تكون مردّدة لا تعيّن لها في

الواقع، بل لا بد من تعيينها، سواء كانت مستمرة باستمرار بقاء العين، أم محدودة بحد معلوم كشهر أو مجهول قابل للضبط، كموسم الحصاد، و رجوع الحاج، و وضع المرأة حملها، و نحو ذلك. و لا يجري فيه ما يأتي فيما إذا كان المبيع كليّا مؤجّلا من أنّه لا بد من ضبط الأجل بحد معلوم.

(مسألة 3): لا يجب علي أحد المتبايعين إقباض الآخر، و تسليم ما تحت يده له، بل يكفي بذله له و تمكينه منه، كما سبق.

(مسألة 4): لو بذل البائع المبيع فامتنع المشتري من أخذه كفاه في خروجه عن عهدته إخراجه من حوزته بحيث يستطيع المشتري أخذه، نعم إذا كان المشتري عاجزا عن أخذه وجب عليه حفظه حسبة، كما أنه تقدم أن له بعد ثلاثة أيام فسخ العقد لخيار التأخير. و هكذا الحال في الثمن لو بذله المشتري و امتنع البائع عن قبضه. هذا إذا كان شخصيا، أما إذا كان كليا فسيأتي الكلام فيه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 81

(مسألة 5): إذا تلف المبيع بآفة سماوية أو أرضية و هو في حوزة البائع كان للمشتري أخذ الثمن، سواء كان قد امتنع من تسليمه للمشتري، أم رضي هو و المشتري ببقائه عنده. بل هو الأحوط وجوبا إذا لم يكون راضيا هو بذلك، لكن كان المشتري عاجزا عن أخذ المبيع، فلا بدّ من التراضي بينهما في ذلك.

أمّا إذا طلب من المشتري أخذه فامتنع المشتري، مع قدرته علي ذلك فالظاهر خروجه عن عهدة البائع و عدم ضمانه له، و وقوع الخسارة علي المشتري من دون أن يسقط حق البائع في الثمن. و كذا إذا قبضه المشتري أو قبضه وكيله، بل و كذا لو وكّل المشتري البائع

في قبضه عنه و جعله عنده وديعة، أو طلب منه إرساله إليه بيد شخص معين، أو غير معين فأرسله و تلف بعد خروجه عن حوزته.

(مسألة 6): يلحق بتلف المبيع تعذر الوصول إليه و لبدله، كما لو سرقه شخص مجهول، أو غرق، أو كان حيوانا وحشيا فأفلت.

(مسألة 7): إذا أتلف البائع المبيع قبل أن يخرج عن عهدته كان المشتري مخيرا بين فسخ البيع و الرجوع علي البائع بالثمن المسمي، و عدم فسخه فيضمن البائع المبيع بمثله إن كان مثليا و قيمته إن كان قيميا، علي التفصيل الآتي في كتاب الغصب إن شاء اللّه تعالي. أما إذا أتلفه بعد أن خرج عن عهدته بما سبق في المسألة (4) فالمتعين الثاني و هو عدم الفسخ، و الضمان بالمثل أو القيمة. و كذا الحال لو فرط فيه إذا كان وديعة عنده.

(مسألة 8): إذا أتلف المبيع أجنبي قبل أن يخرج عن عهدة البائع تخير المشتري بين الفسخ و عدمه، فإن فسخ رجع علي البائع بالثمن، و رجع البائع علي الأجنبي بالمثل أو القيمة، و إن لم يفسخ لم يرجع علي البائع بشي ء، بل يرجع علي الأجنبي بالمثل أو القيمة. و أما إذا أتلفه الأجنبي بعد أن خرج عن عهدة البائع فالمتعين الثاني، و هو الرجوع علي الأجنبي بالمثل أو القيمة. و يلحق بإتلاف الأجنبي ما إذا وضع يده عليه و لم يقدر البائع علي استنقاذه منه، غايته أنه مع رجوع البائع أو المشتري علي الأجنبي يجب علي ذلك الأجنبي إرجاع العين مع قدرته علي ذلك، و لا يجزيه دفع المثل أو القيمة إلا مع تعذر إرجاعها عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 82

(مسألة 9): إذا أتلف المشتري المبيع لم

يستحق شيئا علي البائع، سواء كان إتلافه له قبل خروجه عن عهدة البائع، أم بعد خروجه عنها. و يلحق بذلك ما إذا أذن بإتلافه للبائع أو لغيره.

(مسألة 10): إذا تعيب المبيع قبل خروجه عن عهدة البائع فقد تقدم حكمه في المسألة (60) من الفصل الرابع المعقودة لحكم التعيب قبل القبض، لأنّ المراد من القبض ما يعم الخروج عن عهدة البائع. و إذا تعيّب بعد خروجه عن عهدته في زمن الخيار فقد تقدم الكلام فيه في تذنيب الفصل المذكور. و إذا تعيب بعد الخروج عن عهدة البائع و انقضاء زمن الخيار كان من المشتري.

(مسألة 11): ما تقدم إنما هو فيما إذا كان المبيع أو الثمن شخصيا، كالثوب الخاص و الدينار الخاص. أما إذا كان كليا كما لو باعه مائة كيلو حنطة في الذمة بألف دينار فلا يتعين حق كل منهما في الفرد الشخصي إلا برضاهما معا، فإن اتفقا علي تعيينه في فرد خاص و لم يأخذه صاحبه كان أمانة في يد الآخر لا يضمنه، و لا يضمن العيب الذي يحصل فيه إلا مع تفريطه، و له إلزامه بقبضه منه، فإن امتنع خلّي بين المال و صاحبه مع قدرته علي أخذه، و خرج عن عهدته. و إن أبي أحدهما من تعيين حقه الكلي في فرد مع حلول وقت أدائه كان للآخر الرجوع للحاكم الشرعي في تعيينه، ثم يجري عليه ما سبق فيما لو رضي صاحبه بتعيينه و لم يأخذه.

(مسألة 12): إذا حصل للمبيع نماء قبل خروجه عن عهدة البائع كان للمشتري، فإذا تلف المبيع قبل الخروج عن عهدة البائع و رجع المشتري بالثمن بقي النماء له.

(مسألة 13): لو باع جملة فتلف بعضها قبل الخروج عن عهدة البائع

انفسخ البيع بالنسبة إلي التالف، و رجع ما يخصّه من الثمن، و كان له في الباقي خيار تبعض الصفقة الذي تقدم في التاسع من الخيارات.

(مسألة 14): يجب علي البائع مع إطلاق عقد البيع المبادرة لتفريغ المبيع عما فيه، من أثاث أو بضاعة أو غيرهما. و لو توقف التفريغ علي التصرف في العين بهدم بناء، أو قلع باب، أو فتق وعاء، أو غير ذلك، فإن ابتني البيع علي ذلك لزم من دون حاجة فيه لاستئذان المشتري، إلا أن يبتني البيع علي استئذانه،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 83

لاختيار التصرف الأصلح. و لا يجب علي البائع إصلاح الخلل إلا إذا استفيد اشتراط ذلك عليه عند البيع صريحا، أو ضمنا لتعارف ذلك في أمثاله، أو لنحو ذلك من القرائن.

و إن لم يبتن البيع علي التصرف المذكور للغفلة عن انشغال المبيع، أو لتخيل عدم احتياج التفريغ لذلك التصرف، أو نحو ذلك لزم استئذان المشتري فيه. و حينئذ لو عدّ ذلك نقصا عرفا جري فيه ما تقدم في خيار العيب، و إن لم يعد عيبا لم يجز للمشتري الفسخ. ثم أنه إذا لزم من التفريغ خلل في المبيع بهدم أو نحوه وجب علي البائع إصلاحه، إلا أن يتفقا علي حلّ آخر، كدفع عوض خاص، أو شراء المشتري لما انشغل به المبيع، أو غير ذلك. و كذا الحال فيما لو عدّ عيبا و لم يفسخ المشتري.

هذا و لو اشترط البائع صريحا أو ضمنا عدم التفريغ أبدا أو إلي مدة نفذ الشرط و وجب العمل عليه، و جاز للبائع تعاهد ما يشتغل به المبيع و إن لزم التصرف في المبيع بالمقدار المتعارف، أو المتفق عليه بينهما عند البيع.

(مسألة 15): من اشتري

شيئا و لم يقبضه، فإن كان مما لا يكال و لا يوزن جاز بيعه قبل قبضه علي كراهة، و كذا إذا كان مما يكال أو يوزن و كان البيع برأس المال، أما إذا كان البيع بربح أو وضيعة فالأحوط وجوبا عدم بيعه ذلك الشي ء حتي يقبضه.

نعم، يستثني من ذلك بيع أحد الشركاء في المبيع حصته لشريكه، فإنه يجوز مطلقا و إن لم يقبض المبيع و لم يكن البيع برأس المال. و كذا يجوز بيع ما يملك بغير الشراء كالميراث و الصداق قبل قبضه، و تمليك المبيع و غيره مما يملك بغير البيع كجعله صداقا أو اجرة قبل قبضه. و في جريان حكم المبيع علي الثمن في البيع إشكال، فاللازم الاحتياط.

(مسألة 16): المراد بالقبض في المسألة السابقة معناه العرفي، و هو الاستيلاء علي المبيع و كونه في حوزة المشتري، و لا يكفي خروجه عن عهدة البائع، الذي عليه المدار فيما سبقها من المسائل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 84

الفصل السابع في النقد و النسيئة

و المراد بالنقد هو البيع المبتني علي استحقاق تعجيل تسليم الثمن.

و المراد بالنسيئة هو البيع المبتني علي جواز تأجيل الثمن، نعم لا بد في النسيئة من كون الثمن كليا في ذمة المشتري. أما إذا كان شخصيا و قد اشترط تأخير تسليمه، فالشرط المذكور و إن كان نافذا إلا أن البيع لا يكون نسيئة حينئذ.

(مسألة 1): بيع النسيئة يتوقف علي اشتراط التأجيل في ضمن العقد، أما بيع النقد فلا يحتاج إلي شرط، بل هو مقتضي إطلاق العقد، و يجب فيه المبادرة بتسليم الثمن، كما يظهر ذلك كله ممّا تقدّم في خيار التأخير. و قد تقدّم في الفصل السابق حكم ما لو امتنع البائع من قبض الثمن المستحق

له.

(مسألة 2): الأحوط وجوبا في بيع النسيئة أن يكون الأجل معلوما، مضبوطا بنحو لا يقبل الزيادة و النقصان، و لا يكفي تعيّنه واقعا مع الجهل به حين العقد، كقدوم المسافر، و وضع المرأة حملها، بل حتي مثل الشهور العربية أو الرومية أو الفارسية ممّا هو منضبط في نفسه إذا لم يألفه المتبايعان، بحيث يحتاج معرفة المدة بها إلي الحساب أو الرجوع للغير.

نعم، لا يضرّ التحديد بأول الشهر إذا تردد الشهر السابق عليه بين الزيادة و النقصان.

(مسألة 3): لا حدّ للأجل في النسيئة، و إن كان الأحوط استحبابا أن لا يبلغ ثلاث سنين.

(مسألة 4): كما لا يجب علي المشتري في بيع النسيئة دفع الثمن قبل الأجل لا يجب علي البائع أخذه لو دفعه المشتري قبل الأجل، و لا يجري فيه ما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 85

تقدم في الفصل السابق إلّا بعد حلول الأجل.

نعم، لو قامت القرينة علي أن التأجيل شرط للمشتري دون البائع كان للمشتري التنازل عن شرطه فيكون الثمن حالّا، لكن لا يكفي في ذلك انتفاع المشتري بالشرط غالبا دون البائع، لإمكان أن يكون طلب المشتري للتأجيل يوجب ترتيب البائع لاموره بنحو يلائمه الشرط المذكور، فيجعلان الشرط لهما معا و لا يسقط إلّا برضاهما معا، فلا بدّ من قيام القرينة الخاصة علي خلاف ذلك، و علي أن الشرط للمشتري فقط.

(مسألة 5): يصح بيع الشي ء بثمن حالا، و بأكثر منه مؤجلا من دون تعيين أحدهما، كما لو قال: بعتك هذا الثوب بعشرة دنانير نقدا، و باثني عشر إلي شهر، لكن يقع البيع بأقلّ الثمنين و أبعد الأجلين، كما تقدم تفصيل ذلك في المسألة (14) من الفصل الثالث.

(مسألة 6): يجوز في بيع النسيئة أن يزيد

في الثمن من أجل الأجل كما يتعارف كثيرا، فإذا كانت قيمة الشي ء عشرة مثلا جاز بيعه نسيئة باثني عشر، و لا محذور في ذلك.

نعم بعد تعيين الثمن في العقد بقدر خاص إذا حلّ وقت دفعه لا يجوز تأجيله بزيادة عليه، كما لا يجوز أن يزيد في أجل المؤجل بزيادة عليه، فإذا باعه السلعة بخمسة عشر إلي شهر مثلا و تمّ البيع ثم بدا لهما أن يزيدا في الأجل بزيادة في الثمن بأن يجعلا الثمن عشرين مثلا إلي شهرين لم يصح ذلك.

و هكذا الحال في كل دين حالّ أو مؤجّل، للزوم الربا منه.

نعم، يمكن التخلص من ذلك ببعض الطرق:

منها: أن يبيع المدين الدائن شيئا منه بدينه ثم يشتريه نسيئة بأكثر منه، مثلا إذا كان زيد مدينا لعمرو ألف دينار فحلّ دينه و لم يكن عند زيد ما يفي به جاز له أن يبيع عمرا ثوبا بألف دينار فإذا تمّ البيع اشتراه منه بألف و مائتي دينار نسيئة إلي أجل معين.

و منها: أن يبيع عليه شيئا بأكثر من قيمته و يعتبر عليه في البيع تأجيل الدين، أو الزيادة في أجله، مثل أن يبيعه في المثال السابق ما قيمته عشرة بمائة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 86

بشرط أن يؤجل دينه الحال عليه، إلي غير ذلك ممّا يذكر في التخلص من الربا.

(مسألة 7): يجوز تعجيل الثمن المؤجل بل كل دين بنقصان منه، بأن يعجل له بعضه و يبرئه من الباقي، كما يجوز أن يبيع الدين عليه بأقل منه معجلا، أو يصالحه عنه بأقل منه معجلا أيضا، إلا أن يكون من المكيل أو الموزون فلا يجوز البيع و لا الصلح، بل يتعين الإبراء.

(مسألة 8): لا يصح بيع الشي ء نسيئة

بثمن بشرط أن يبيعه المشتري علي البائع نقدا بثمن أقل. و الأحوط وجوبا المنع في عكسه أيضا، و هو بيع الشي ء نقدا بثمن بشرط أن يبيعه المشتري علي البائع نسيئة بثمن أكثر. بل الأحوط وجوبا أيضا عدم البيع بشرط أن يبيعه المشتري علي البائع مطلقا، كان البيعان معا نقدا أو نسيئة أو مختلفين. بل الأحوط استحبابا عدم البيع إذا كان من قصدهما الشراء بعده بحيث لو لم يقع لردّ أحدهما البيع حتي لو لم يشترطا ذلك في البيع، بل لا يوقعان البيع الثاني مع قصده من أول الأمر إلا بعد لزوم البيع الأول، بسقوط خيار المجلس و نحوه ممّا يسوّغ لأحدهما الردّ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 87

الفصل الثامن في المساومة و المرابحة و المواضعة و التولية

التعاقد بين البائع و المشتري و تعيينهما الثمن عند البيع.

تارة: لا يبتني علي ملاحظة رأس المال الذي اشتري به البائع السلعة، بأن يتفقا علي الثمن ابتداء.

و اخري: يبتني علي ملاحظة رأس المال المذكور.

و البيع في الأول يسمي مساومة و هو الأفضل. و أما في الثاني، فإن كان البيع برأس المال سمي تولية، و إن كان بربح عليه سمي مرابحة، و إن كان بنقصان عنه سمي مواضعة.

(مسألة 1): لا بدّ في القسم الثاني بصورة الثلاث من ذكر مقدار رأس المال ليعلم مجموع الثمن، بناء علي ما سبق من لزوم العلم بالثمن، فلا يكفي ذكر رأس المال من دون بيان مقداره، بأن يقول مثلا: بعتك الثوب برأس ماله فقط، أو مع ربح كذا، أو و ضيعة كذا. بل يقول: بعتك الثوب برأس ماله و هو عشرة فقط، أو مع ربح كذا، أو وضعية كذا.

(مسألة 2): الظاهر كفاية نسبة الربح أو الوضيعة لرأس المال المعلوم و إن جهل مجموع

الثمن حين إيقاع البيع و توقفت معرفته علي الحساب، فيصح- مثلا- أن يقول: بعتك هذا المتاع برأس ماله و هو مائتان مع ربح واحد لكل عشرة، و إن لم يعرف أحدهما أو كلاهما حين البيع أن الثمن يكون مائتين و عشرين و احتاج ذلك إلي الحساب.

(مسألة 3): في بيع المرابحة و المواضعة و التولية إذا أخبر البائع برأس

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 88

المال علي خلاف الواقع صح البيع و كان للمشتري الخيار في البيع، نظير خيار تخلف الوصف.

(مسألة 4): إذا كان الشراء بثمن مؤجل وجب علي البائع في المرابحة و المواضعة و التولية أن يخبر بالأجل، فإن أطلق و لم يبين كان للمشتري الخيار بين الفسخ و الإمساك بذلك الأجل.

(مسألة 5): إذا اشتري شخص جملة أشياء بثمن واحد صفقة لم يجز له بيع أجزائها مرابحة أو مواضعة أو تولية علي تقويمه من دون إعلام المشتري بالحال، إلا أن يكون توزيع الثمن علي الأجزاء معلوما من غير حاجة للتقويم، بأن كانت الصفقة جملة متماثلة الأجزاء، كما لو اشتري عشرة أقلام من ماركة خاصة بمائة دينار.

(مسألة 6): إذا اشتري شيئا بثمن معين و عمل فيه بنفسه عملا له اجرة كما لو خاط الثوب لم يحل له أن يضم الأجرة للثمن، في بيع المرابحة و المواضعة و التولية، بل لا بدّ أن يخبر بالحال، و كذا لو عمل له الغير ذلك العمل تبرعا، و كذا إذا عمله له بأجرة، إلا أن تقوم القرينة علي أن المراد بالثمن مطلق الكلفة، لا ثمن الشراء فقط. و هكذا الحال في كلّ ما ينفقه علي المتاع من اجرة النقل و الحفظ و غيرهما، فإنه لا يجوز إضافتها للثمن و عدّها

منه، إلا مع قيام القرينة علي أن المراد بالثمن ما يعمها، و بدونها لا بدّ من إعلام المشتري بالحال، و إلا ثبت له الخيار.

(مسألة 7): إذا حدّد صاحب المال للدلال سعرا، و قال له: ما زاد فهو لك، جاز ذلك و يكون الزائد للدلال، إلا أنه لا يجوز للدلال أن يبيعه مرابحة، بأن يفرض القدر المحدّد عليه رأس المال و ما زاد هو الربح، لأنه لم يشتره بالمقدار الذي حدده عليه.

(مسألة 8): إذا اشتري معيبا و رجع علي البائع بالأرش فليس له البيع مرابحة أو وضيعة أو تولية بثمن الشراء، بل لا بد من بيان الحال. و كذا لو لم يرجع أو رجع و لم يدفع له البائع الأرش، فإن اللازم بيان أن الشراء بذلك الثمن إنما كان بتخيل السلامة، لا مع العلم بالعيب. و كذا الحال لو اشتراه بالثمن الخاص

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 89

سالما فتعيب عنده أو تغير تغيرا قد ينقص قيمته أو يوجب اختلاف الرغبة فيه، فإن اللازم بيان أن الشراء بالثمن الخاص إنما كان قبل التعيب أو التغير.

(مسألة 9): لو اشتري شيئا بثمن خاص ثم أسقط البائع بعض الثمن تفضّلا أو مجازاة علي إحسان سابق جاز للمشتري بيعه مرابحة أو وضيعة أو تولية بثمن الشراء و لا يستثني منه ما أسقطه البائع. بخلاف ما لو كان الشراء بالثمن مع إسقاط بعضه للتحايل في زيادة الثمن، فإنه لا بد من بيان الحال، و إلا ثبت للمشتري الخيار بين الفسخ و الإمساك بتمام الثمن بل الأحوط وجوبا البيان فيما لو عدّ الإسقاط عرفا من توابع المعاملة و لواحقها، بحيث يري العرف أن الثمن هو الباقي بعد الاسقاط. و هكذا الحال في

جميع موارد الانصرافات العرفية التي لو انكشف الأمر فيها علي حقيقته لعدّ البائع متحايلا، مثل ما لو سبق منه المواطاة مع ولده علي أن يبيع المتاع عليه ثم يشتريه منه بأكثر من ثمنه المتعارف فإنه لا يجوز ملاحظة ثمن الشراء من ولده في بيعه بعد ذلك، بل لا بدّ من بيان الحال، و إلا كان تدليسا و ثبت الخيار للمشتري.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 90

الفصل التاسع في الربا

و هو من المحرمات الشديدة و الذنوب الموبقة التي أكّد الكتاب المجيد و السنة الشريفة علي الردع عنها، حتي عدّ في النصوص الكثيرة من الكبائر الخمس أو السبع التي يظهر من النصوص أنها أكبر الكبائر، و في الصحيح عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «درهم ربا أشدّ من سبعين زنية كلها بذات محرم في بيت اللّه الحرام»، و في بعض النصوص أنه: سبعون جزء أيسرها مثل أن ينكح الرجل امه في بيت اللّه الحرام، و أنه أخبث المكاسب، و أن صاحبه لا يزال في لعنة اللّه تعالي و الملائكة ما كان عنده منه قيراط، و أنه إذا أراد اللّه بقوم هلاكا ظهر فيهم الربا، إلي غير ذلك.

و قد تقدم في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أنه يشترك في إثمه الآكل و المعطي و الكاتب و الشاهد.

إذا عرفت هذا، فاعلم أن الربا علي قسمين:

الأول: ما يكون في الدين.

الثاني: ما يكون في المعاوضة.

أمّا الأول فيأتي الكلام فيه في كتاب القرض و الدين إن شاء اللّه تعالي.

و أمّا الثاني فهو عبارة عن المعاوضة مع زيادة أحد العوضين عن الآخر في المقدار. و لا فرق فيه بين المعاوضة بالبيع و غيره، كالمقاطعة مع الطحّان عن مقدار من الحنطة بمقدار

من الدقيق أكثر منه، و المصالحة عن الشي ء بالشي ء الأكثر منه، و وفاء الدين بأكثر منه، كما لو كان له علي رجل مقدار من الحنطة الجيدة فلا تكون عنده فيدفع إليه بدله أكثر منه من الحنطة الرديئة، و هكذا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 91

نعم، لا بد من تضمن المعاملة المعاوضة بين العينين، أمّا إذا لم تبتن علي ذلك فلا يلزم الربا المحرم، كما إذا وهبه مقدارا من الحنطة علي أن يهبه أكثر منها، أو تصالحا علي إبراء ذمة كل منهما ممّا انشغلت به للآخر مع التفاضل بين الحقين. و منه الصلح علي القسمة في المشاع، و المشتبه، لعدم ابتنائه علي المعاوضة بين ما يستحقه كل من المتصالحين و ما يأخذه، بل علي تعيين حقه بما يأخذه.

و يعتبر فيه أو في حرمته أمران:

الأول: أن يكون كل من العوضين من المكيل أو الموزون. فإذا كان أحدهما أو كلاهما ممّا يباع عدّا، أو جزافا، أو يقدر بالمساحة كالثياب فلا بأس بالتفاضل بينهما.

(مسألة 1): يجوز بيع غير المكيل و الموزون بما يماثله في الجنس مع عدم التفاضل في المقدار مطلقا نقدا و نسيئة. و أمّا مع التفاضل كبيع بيضة ببيضتين و شاة بشاتين وثوب بثوبين فيجوز بيعه نقدا بلا إشكال. بل الظاهر جواز بيعه نسيئة أيضا. و إن كان الأحوط استحبابا تركه.

نعم، إذا كان أحد العوضين مؤجلا و كان أكثر من المعجل و لم يكن بينهما فرق في القيود و الأوصاف فالأحوط وجوبا الاجتناب عن المعاوضة بينهما.

(مسألة 2): لا بأس ببيع الحنطة أو دقيقها بالخبز و نحوه منها مع التفاضل إذا لم يكن الخبز موزونا، و كذا بيع القطن أو غزله بالثوب المنسوج منه مع التفاضل إذا

لم يكن الثوب موزونا. أمّا إذا كان الخبز أو الثوب موزونا فلا يجوز ذلك. و كذا الحال في أمثال ذلك مما كان فيه أحد العوضين مكيلا أو موزونا و الآخر غير مكيل أو موزون.

(مسألة 3): إذا كان الشي ء في حال يباع موزونا أو مكيلا و في حال يباع جزافا، لم يجز بيعه بمثله متفاضلا في الحال الأول و جاز بيعه متفاضلا في الحال الثاني. و كذا إذا اختلف حاله باختلاف البلدان.

(مسألة 4): الأوراق النقدية كالدينار و الدولار و الريال و التومان لما لم تكن من المكيل و الموزون فلا بأس ببيعها من جنسها مع التفاضل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 92

الثاني: أن يكون العوضان متحدين في الجنس و إن اختلفا في الصفات، كالجودة و الرداءة و الجفاف و الرطوبة و اللون و الطعم. بل و إن اختلف الصنف كالعنب الرازقي و غيره، و التمر البرني و غيره، و الرز العنبر و غيره إلي غير ذلك.

و المرجع في وحدة الجنس و اختلافه العرف عدا ما دلت عليه النصوص بالخصوص و هو الحنطة و الشعير، فإنهما و إن كانا جنسين عرفا إلا أنهما بحكم الجنس الواحد في المقام، فلا يجوز التفاضل بينهما.

(مسألة 5): المدار في اتحاد جنس ما يؤخذ من الحيوان من اللحوم و الألبان و الأدهان و الأصواف و غيرها و تعدده علي اتحاد جنس الحيوان المأخوذ منه و تعدده. فما يؤخذ من حيوان متحد الجنس متحد جنسا، و ما يؤخذ من حيوان مختلف الجنس مختلف جنسا.

نعم، الظاهر أن اللحم و الشحم مختلفان جنسا و إن كانا لحيوان واحد كالعظم و اللحم. كما أن الظاهر أن صوف الغنم مخالف لشعر المعز عرفا، و إن قيل

أن الحيوانين من جنس واحد.

(مسألة 6): لمّا كان العظم و اللحم و الشحم أجناسا مختلفة كما سبق فإذا بيع قسم من الحيوان مشتمل علي الأمور المذكورة بقسم منه كذلك لا يلزم الربا مع التفاضل لما يأتي من عدم لزوم الربا مع الضميمة. نعم لا بد من كون كل منهما بمقدار معتد به بحيث يكون موضوعا للمعاوضة.

(مسألة 7): الأحوط وجوبا عدم بيع اللحم بالحيوان، و لا بيع الحيوان باللحم من غير فرق بين اتحاد جنس الحيوان ذي اللحم مع الحيوان العوض أو المعوض عنه و عدمه. بل الأحوط وجوبا العموم للحيوان المذبوح.

(مسألة 8): التمر بأنواعه جنس واحد، و الحبوب كل منها جنس، فالحنطة و الأرز و الماش و الذرة و العدس و الفاصوليا و الباقلاء و الحمص و غيرها كل واحد منها جنس برأسه. و الفلزات كل نوع منها جنس، فالذهب و الفضة و الصفر و الألمنيوم و الحديد و الرصاص كل واحد منها جنس برأسه.

(مسألة 9): تفرع الشي ء أو الأشياء عن الأصل إن رجع إلي تبدل الصفة مع حفظ الذات عرفا فهو جنس واحد، كالحنطة مع الدقيق و الخبز بأنواعه،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 93

و حتي مثل الحلوي المتخذة منها إذا كان الدقيق هو المقوّم لها عرفا. و كالحليب مع اللبن الرائب و الجبن، و كالزبد مع السمن، و كالبسر مع الرطب و التمر، و كالسمسم مع ما يسمي بالراشي أو الطحينة. نعم لا بدّ من انحفاظ الجزء المقوّم له عرفا، كالحليب و الجبن، أمّا مع انحفاظ الجزء غير المقوّم كالماء المنفصل من الحليب عند صيرورته جبنا فالظاهر مباينته عرفا للأصل.

و إن كان من قبيل تولد شي ء من شي ء فهما جنسان كالزبد أو

السمن مع الحليب، و الزيوت النباتية مع أصولها كالجوز و اللوز و الزيتون و نحوها. و نظير ذلك ما يستخرج بالتفاعل مع الأصل كالخل من التمر و العنب و نحوهما. و أمّا مثل الدبس المعتصر أو المطبوخ من التمر، و العصير من العنب و الزبيب و الرمان و غيرها فالأحوط وجوبا العمل معه بالإضافة إلي أصله معاملة الجنس الواحد.

(مسألة 10): يجوز بيع أحد الفرعين بالآخر مع التفاضل إذا لم يكونا متحدين عرفا، كالزبد و اللبن المخيض المستخرجين من الحليب. دون مثل الجبن و اللبن المخيض.

(مسألة 11): يجوز علي كراهة بيع الجاف بالرطب من جنس واحد مع التساوي في المقدار، كالرطب بالتمر، و العنب بالزبيب، و اللحم بالقديد، و جميع أنواع الفواكه الطرية باليابس منها و إن كان الأحوط استحبابا تركه. و أمّا مع التفاضل في المقدار فلا يجوز البيع بلا إشكال حتي لو كانت الزيادة في جانب الرطب بحيث لو جفّ ساوي الجاف.

(مسألة 12): لا فرق في حرمة الزيادة في بيع الأجناس الربوية بين أن تكون من جنس العوضين، كما لو باعه تسعة كيلوات من الحنطة بعشرة كيلوات منها و أن تكون من غير جنسها، كما لو باعه عشرة كيلوات حنطة بعشرة كيلوات منها مع أكياسها. بل الأحوط وجوبا ترك الزيادة غير العينية، كما لو اختص أحد المتبايعين بشرط، كالأجل و غيره، فلا يباع مثل بمثل بشرط تأجيل أحدهما دون الآخر، أو زيادة أجل أحدهما علي أجل الآخر، أو بشرط أن يعمل البائع دون المشتري أو المشتري دون البائع عملا، أو نحو ذلك مما يوجب لأحد المتبايعين حقا لا يثبت للآخر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 94

(مسألة 13): لا ربا بين الوالد و ولده،

فيجوز لكل منهما أخذ الزيادة من الآخر. من دون فرق في الولد بين الذكر و الأنثي، و لا بين الولد الصلبي و ولد الولد. و لا تلحق الأم بالأب في ذلك.

(مسألة 14): لا ربا بين المولي و مملوكه فيجوز لكل منهما أخذ الزيادة من الآخر، من دون فرق فيهما بين الذكر و الأنثي، و من دون فرق في المملوك بين القن و المدبر و أم الولد. و في العموم للمكاتب إشكال.

(مسألة 15): لا ربا بين الزوج و زوجته. و في العموم للمتمتع بها إشكال، كالإشكال في جريان هذا الحكم علي المطلقة رجعيا.

(مسألة 16): لا ربا بين المسلم و الحربي لكن علي أن يكون آخذ الزيادة هو المسلم دون الحربي. أما الذمي فلا يجوز الربا معه و إن كان آخذ الزيادة هو المسلم. نعم لو فرض العصيان بإيقاع المعاملة معه جاز أخذ الزيادة منه من باب الإلزام إذا كان مقتضي دينه صحة الربا و نفوذه عليه.

(مسألة 17): المراد بالحربي من لا يقوم بشرائط الذمة و إن كان كتابيا.

(مسألة 18): لا فرق في الربا المحلل في المسائل السابقة بين ربا المعاوضة و ربا القرض، و يترتب علي ذلك أنه يجوز الإيداع في البنوك الأهلية الكافرة مع الفائدة، و لا يجوز ذلك في البنوك الأهلية المسلمة، و حبّذا لو أعلنت إدارة البنوك الأهلية المسلمة عن أن من يمتنع شرعا من الإيداع فيها بالفائدة له أن يودع فيها لا بشرط الفائدة و يأخذ الفائدة بنية الهدية التبرعيّة من دون أن تكون مستحقة بالشرط. لئلا يمتنع المسلمون المتدينون عن الإيداع فيها و يودعوا في البنوك الكافرة التي يحل أخذ الفائدة منها.

(مسألة 19): يجوز الإيداع في البنوك الحكومية في الحكومات التي

لا تبتني علي الولاية الدينية لا بنيّة اشتراط الفائدة ثم يجوز أخذ الفائدة بنيّة كونها منحة مجانية من الدولة، لكن يجري عليها حكم مجهول المالك، كما يجري الحكم المذكور في جميع ما يؤخذ منها إذا كان المال مما تعاقبت عليه أيدي المسلمين، نظير ما تقدم في المسألة (59) من مقدمة كتاب التجارة.

(مسألة 20): من أخذ مالا بوجه ربوي جاهلا بحرمته ثم علم بعد ذلك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 95

فإن تاب و انتهي عنه حل له ما أخذ، و وجب عليه ترك ما لم يأخذ. من دون فرق بين الجهل بحرمة الربا رأسا و الجهل ببعض الخصوصيات و الفروع المتعلقة به مع العلم بحرمة أصل الربا. كما لا فرق أيضا بين ربا المعاوضة و ربا القرض.

(مسألة 21): من أخذ الربا عالما بحرمته لم تنفعه التوبة في تحليله له، بل إن بقي عين المال فإن كان متميزا وجب إرجاعه لصاحبه مع معرفته، و مع الجهل به يجري عليه حكم مجهول المالك، و إن كان مختلطا بماله جري علي الكل حكم المال المختلط بالحرام، و إن تلف أو خرج عن يده انشغلت به ذمته. و قد تقدمت أحكام ذلك كله في حكم المال المختلط بالحرام من كتاب الخمس.

(مسألة 22): من ورث ما لا من شخص يأخذ الربا، و علم أن فيه الربا، فان عرف الربا بعينه أرجعه لصاحبه، و إن لم يعرفه جري عليه حكم مجهول المالك، و إن كان الربا مختلطا بغيره من مال المورث حل له المال كله، فله المهنأ و الوزر علي المورث. و لا فرق في ذلك بين ربا المعاوضة و ربا المعاوضة و ربا القرض.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص:

97

الفصل العاشر في بيع الصرف

و هو بيع الذهب بالفضة و بيع الفضة بالذهب، من دون فرق بين المسكوك منها و هو الدراهم و الدنانير و نحوها و غيره. و من ثم كان موردا للابتلاء، و إن لم يكن شائعا نحو شيوعه فيما سبق يوم كانت النقود التي عليها مدار التعامل من الذهب و الفضة المسكوكين.

(مسألة 1): يجب في بيع الصرف نقدا التقابض بين المتبايعين قبل التفرق، فلو أوقعا العقد متفرقين لم يصح. و في صحة البيع نسيئة المستلزم لعدم قبض أحد العوضين إشكال و الأحوط وجوبا اجتنابه.

(مسألة 2): لا يعتبر القبض في مجلس العقد، فلو فارقا المجلس مصطحبين ثم تقابضا قبل التفرق صح العقد.

(مسألة 3): لو تقابضا في بعض المبيع أو الثمن و لم يتقابضا في الباقي حتي افترقا صح بالإضافة إلي ما تقابضا بالنسبة، و كان لهما خيار تبعض الصفقة.

إذا لم يكن افتراقهما مبنيا علي الرضا منهما بالتبعيض. و كذا الحال لو كان بعض المبيع من غير الذهب و الفضة، فإنه لو لم يحصل التقابض صح في ذلك الغير بالنسبة و بطل في الذهب أو الفضة غير المقبوضين، و ثبت خيار تبعض الصفقة بالشرط المتقدم.

(مسألة 4): يختص اشتراط التقابض بالبيع و لا يجري في الصلح و غيره من العقود.

(مسألة 5): إذا كان له في ذمة غيره دين من الذهب فباعه عليه بفضة لم يحتج إلي قبض المشتري بأن يعين ما في ذمته من الذهب في ذهب خاص

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 98

و يقبضه، بل يكفي انشغال ذمته به عن قبضه. نعم لا بد من قبض البائع و هو الدائن للثمن و هو الفضة قبل التفرق. أما لو قال الدائن للمدين: حوّل الذهب الذي في ذمتك

إلي فضة بسعر خاص، فقبل صح التحويل بلا حاجة أيضا إلي قبض الدائن للفضة. و كذا الحال في عكس ذلك، و هو ما إذا كان له في ذمة الغير فضة و أراد بيعها بذهب أو تحويلها إلي ذهب.

(مسألة 6): لا يجب علي المتبايعين في الصرف الإقباض من أجل تصحيح البيع، بل لكل منهما الامتناع منه و إن لزم البطلان.

(مسألة 7): يكفي في قبض كل من العوضين في الصرف قبض أكثر من الحق من دون تمييز للحق في ضمنه، فإذا باعه مائة غرام ذهبا مثلا كفي قبض مائتي غرام، علي أن يرجع الزائد، و لا يجب قبل التفرق تعيين المائة التي هي له.

(مسألة 8): لا يجري حكم الصرف علي الأوراق النقدية التي تعارف التعامل بها في عصورنا، سواء رصدت لها الحكومات ذهبا أم لا. فيصح بيع بعضها ببعض و صرفه من دون تقابض، سواء كانت لدولة واحدة كالدينار بالدينار، أم لدولتين كالدولار بالدينار.

(مسألة 9): إذا انشغلت ذمة الإنسان بنقد معين كالدينار العراقي وجب عليه في مقام الوفاء الدفع منه مهما طال الزمان و إن تغيرت قيمته السوقية، زيادة أو نقيصة. و لا يجب ملاحظة قيمته حين انشغال الذمة به. سواء كان انشغال الذمة به لاقتراضه، أم لإتلافه، أم لجعله ثمنا في بيع أو مهرا في نكاح، أو نحو ذلك. و هكذا الحال في كل ما تنشغل به الذمة من الأعيان المثلية.

(مسألة 10): إذا كان النقد الذي تنشغل به الذمة بدلا عن مضمون قيمي عينا كان أو منفعة فاختلف سعر المضمون وجب دفع الثابت حين انشغال الذمة من دون زيادة و لا نقيصة إذا كان اختلاف السعر لاختلاف مالية المضمون، كما لو كان عزيز الوجود فابتذل أو

مبتذل الوجود فعزّ. أما إذا كان لاختلاف مالية النقد فالأمر لا يخلو عن إشكال، و الأحوط وجوبا التصالح بين الطرفين.

(مسألة 11): إذا اقترض نقدا معينا و كان المدفوع فئة خاصة منه كفئة الخمسة و عشرين دينارا أو طبعة خاصة منه، لم يجب حفظ الخصوصية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 99

المذكورة في مقام الوفاء، بل يكفي دفع أي فرد شاء يصدق عليه النقد المذكور، و إن اختلف سعر الخصوصيتين بعد ذلك. إلا أن يشترط في القرض حفظ الخصوصية المذكورة عند الوفاء. و كذا الحال في إتلاف بعض الأفراد منه، فإنه لا يجب حفظ الخصوصية التي يمتاز بها المتلف إذا لم يكن لها حين الإتلاف فرق في المالية، و إن اختلفت قيمتها بعد ذلك. و كذا إذا ضمنها بسبب آخر غير الإتلاف، فإنه لا يجب الوفاء بواجد الخصوصية الموجودة أو الشائعة الوجود حين الضمان، نعم إذا كان الاقتراض أو الإتلاف بعد اختلاف الخصوصيات في السعر وجب الوفاء بواجد الخصوصية المقترضة أو المتلفة.

(مسألة 12): إذا انشغلت ذمة الشخص بنقد خاص ثم أسقطت الدولة الطبعة الشائعة منه و استبدلتها بطبعة اخري وجب الوفاء من الطبعة الثانية. و أما إذا أسقطت العملة رأسا أو سقطت العملة بنفسها عن المالية لسقوط الدولة فلا يجب الوفاء بغيرها مما كان بسعرها من النقود أو الأعيان الأخري.

(مسألة 13): إذا انشغلت الذمة بنقد معين ثم منعت الدولة من التعامل به من دون أن تسقط ماليته وجب الوفاء به مهما بلغت قيمته.

(مسألة 14): تراب الصاغة إذا علم بأن فيه ذهبا فقط و جهل قدره لم يجز بيعه بالذهب، بل يتعين بيعه بالفضة نقدا أو بغير الذهب و الفضة نسيئة أو نقدا.

و ينعكس الحال لو علم

باشتماله علي الفضة فقط. أما لو علم باشتماله علي الذهب و الفضة فقط أو مع غيرهما مما له قيمة جاز بيعه بالذهب فقط أو بالفضة فقط لكن بشرط العلم بزيادة الثمن إذا كان من الفضة عما فيه من الفضة. و إذا كان من الذهب عما فيه من الذهب. كما يجوز بيعه بالذهب و الفضة معا. و يجب فيه و فيما قبله التقابض. و يجوز بيعه بجنس ثالث كالأوراق النقدية و الطعام، و لا يجب حينئذ التقابض. و هذا هو الحال في كل ما اشتمل علي الفضة أو الذهب من الأمتعة كالأواني و السيوف المحلاة و غيرها.

(مسألة 15): تراب الصاغة المشتمل علي الذهب و الفضة و غيرهما من الفلزات إن كان ما فيه منها باقيا علي ملك أصحابه الأول من دون أن يعرضوا عنه فمع معرفتهم بأعيانهم يجب مراجعتهم فيه، و مع ترددهم بين جماعة معينة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 100

يجب مراجعة الكل و الصلح معهم، و مع التشاح يقرع بينهم بعد مراجعة الحاكم الشرعي. و مع ترددهم بين جماعة غير معينة يتصدق به عن أصحابه علي الفقراء. أما إذا كان ملكا للصائغ فثمنه له، كما هو الغالب، للبناء علي إعراض أصحابه الأول عنه، لعدم أهميته، أو للصلح معهم عنه بضمان الصائغ لنقص ما يأتون به و تعويضهم عنه. و يجري التفصيل المذكور في أمثال الصاغة ممن تجتمع عندهم فضلات ما يعملون به، كالحديد عند الحدادين و القماش عند الخياطين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 101

الفصل الحادي عشر في السلف

اشارة

و فيه مباحث.

المبحث الأول في حقيقة السلف

و يقال له السَّلم أيضا، و هو ابتياع كلي مؤجل بثمن حالّ عكس النسيئة.

و قد تقدم في خيار التأخير أن إطلاق العقد يقتضي تعجيل تسليم كل من الثمن و المثمن، و حينئذ فاستحقاق تأجيل المبيع الذي يبتني عليه السلف يحتاج إلي شرط مخرج عن مقتضي الإطلاق المذكور، نظير ما تقدم في النسيئة من أن استحقاق تأجيل الثمن يحتاج إلي شرط مخرج عن ذلك الإطلاق.

(مسألة 1): الظاهر أنه لا بد في السلف من أن يكون المبيع كليا بحيث تنشغل به ذمة البائع، فإذا كان المبيع شخصيا قد اشترط تأجيل تسليمه إلي أجل لم يكن من السلف و إن كان البيع صحيحا. و كذا إذا كان كليا في معين خارجي كما إذا باعه مائة كيلو حنطة من بيدر خاص. و حينئذ لو تلف المبيع قبل قبضه أو تعذر تسليمه بطل البيع و استحق المشتري الثمن لا غير. و كذا لو تلف تمام المعين المشتمل علي المبيع، كالبيدر في المثال المتقدم. نعم لو تلف بعضه لم يبطل البيع، بل يجب علي البائع تسليم تمام المبيع من الباقي، إلا أن يكون الباقي أقل من المبيع فيبطل البيع فيما لا يمكن تسليمه.

(مسألة 2): يجوز بيع الكلي حالا بحيث يستحق المشتري المطالبة به فعلا و إن لم يكن عند البائع حين البيع فرد منه إذا كان يقدر علي تحصيله و تسليمه للمشتري و لو بشرائه من غيره أو استيهابه أو اقتراضه. نعم يجب المبادرة لذلك فإن تأخير علي خلاف المتعارف في مثله كان للمشتري الخيار.

(مسألة 3): لا يجوز للإنسان أن يبيع أمرا شخصيا لا يملكه فعلا علي أن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 102

يشتريه أو يستوهبه من

مالكه ثم يسلمه للمشتري، فلو فعل ذلك بطل البيع، و لو اشتري البائع المبيع حينئذ من مالكه الأول لم يستحقه المشتري. نعم لا بأس بأن يساوم شخصا علي ما لا يملك من دون أن يبيعه إياه، ثم يشتريه بعد ذلك من مالكه و يبيعه لذلك الشخص بعد أن يشتريه و يصير في ملكه، لكن علي أن يبقي لكل منهما حرية الاختيار بالبيع و عدمه إلي أن يتحقق منهما البيع بعد شرائه من مالكه الأول، و كل منهما لا يلزم بالبيع قبل ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 103

المبحث الثاني في شروط السلف

و هي أمور.

الأول: ضبط أوصاف المبيع في الجملة بالنحو الرافع للاختلاف الفاحش، كضبط الحيوان بالأسنان، و ضبط الطعام بالجنس و الكيل و الوزن، و كذا جميع ما يكال أو يوزن، و ضبط القماش بالطول و العرض، و نحو ذلك. و لا يجب استيعاب الصفات التي تختلف القيمة باختلافها و التدقيق فيها، فضلا عن الأوصاف التي تختلف الرغبة باختلافها من دون أن يكون لها دخل في القيمة.

الثاني: قبض الثمن قبل التفرق، و إلا لم يقع سلفا، و في صحته بيعا من غير أن يكون سلفا إشكال، فاللازم الاحتياط. و لو قبض بعض الثمن صح فيما يقابله. لكن لو قلنا بكون القبض شرطا في صحة العقد المستلزم لبطلان العقد في الباقي كان لهما خيار تبعض الصفقة، إذا لم يكن افتراقهما مبنيّا علي الرضا منهما بالتبعيض.

(مسألة 4): إذا كان للمشتري دين في ذمة البائع كان له جعله ثمنا في السلف، و لا يحتاج إلي القبض حينئذ.

الثالث: تعيين الأجل المضبوط للمبيع بالأيام أو الشهور أو السنين، من دون فرق بين الطويل و القصير. و لا يكفي الأجل المردد كتسليمه عند

المطالبة، و لا المعين واقعا المجهول حين العقد، كقدوم المسافر و وضع المرأة حملها، بل حتي مثل الشهور العربية أو الرومية أو الفارسية إذا لم يألفها المتبايعان و لم يعرفا الوقت بها.

الرابع: قدرة البائع علي تسليمه في وقته علي حسب ما تضمنه العقد،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 104

سواء كان عامّ الوجود أم نادرة، فلو انكشف عدم قدرته عليه حينئذ انكشف بطلان البيع. و يكفي في قدرته عليه المعتبرة في صحة العقد القدرة الحقيقية، و لو بالقدرة علي تحصيله قبل الأجل و حفظه إلي حين حلوله، سواء كان تحصيله بصنعه أم بشرائه أم باستيهابه أم بغير ذلك. و لا يبطل العقد إلا مع انكشاف العجز عن تحصيله رأسا، فلو كان قادرا علي تحصيله قبل الأجل فلم يفعل عمدا أو لتخيل قدرته علي تحصيله بعد ذلك فاتفق عجزه حينئذ فالعقد صحيح.

الخامس: عدم الإخلال بشروط الصرف و عدم لزوم الربا، فلا يجوز إسلاف الذهب بالفضة، و لا الفضة بالذهب، لما تقدم من وجوب التقابض في بيع الذهب بالفضة و بيع الفضة بالذهب.

كما أن الأحوط وجوبا عدم الإسلاف مع اتحاد جنس المبيع و الثمن إذا كانا من المكيل أو الموزون لئلا يلزم الربا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 105

المبحث الثالث في أحكام السلف

(مسألة 5): إطلاق العقد يقتضي وجوب تسليم المبيع إذا حلّ أجله في بلد العقد، ما لم تقم قرينة علي إرادة غيره، فيتعين تسليمه فيه حينئذ.

(مسألة 6): إذا اشتري شيئا سلفا و صحّ الشراء لقدرة البائع علي تسليمه في وقته بالمعني المتقدم جاز بيعه علي من اشتراه منه قبل حلول الأجل و بعده بغير جنس الثمن الذي اشتراه به، و بجنسه من دون زيادة. بل مع الزيادة أيضا

علي كراهية، و إن كان الأحوط استحبابا تركه. أما بيعه علي غير البائع فلا يجوز حالّا قبل حلول الأجل، و لا مؤجلا إلي أجل لا يبلغ الأجل الذي له، كما يشكل بيعه قبل قبضه مرابحة، أو بوضيعة إذا كان ممّا يكال أو يوزن، علي ما تقدم في المسألة (15) من الفصل السادس. و لا بدّ في بيعه في جميع الصور من ملاحظة الضوابط المتقدمة للربا و بيع الصرف.

و أما إذا انكشف بطلان السلف لتعذر المبيع في وقته كما لو اشتري مقدارا من طعام قرية فتلف فاحترق زرعها قبل بلوغه فلا يصح بيعه في جميع الصور، و لو بيع بتخيل صحة السلف انكشف بطلانه بانكشاف بطلان السلف.

(مسألة 7): إذا دفع البائع المبيع في السلف قبل وقت الأجل لم يجب علي المشتري القبول، إلّا أن يكون التأجيل شرطا للبائع دون المشتري، نظير ما تقدم في المسألة (4) من الفصل السابع.

(مسألة 8): إذا دفع البائع المبيع في السلف فاقدا للصفة المشترطة لم يجب القبول علي المشتري و كان له طلب واجد الصفة، و كذا لو دفع له المعيب، فإن له طلب التبديل. لكن لو رضي بالمدفوع بعد العلم بفقد الصفة أو بالعيب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 106

صحّ و برئت ذمة البائع منه.

(مسألة 9): إذا دفع البائع المبيع علي الصفة المطلوبة من دون عيب وجب علي المشتري القبول، فإن امتنع جري ما تقدم في المسألة (4) من الفصل السادس.

(مسألة 10): إذا دفع البائع من المبيع ما هو فوق الصفة المشترطة في السلف، فإن كان شرط الصفة راجعا إلي التقييد بخصوص الموصوف كان للمشتري عدم القبول، نظير ما تقدم في المسألة (8) و إن كان شرط الصفة راجعا

إلي التقييد بعدم دفع ما دون الموصوف فقط، مع العموم للموصوف و ما فوقه وجب عليه القبول.

(مسألة 11): إذا حلّ الأجل في السلف و تعذر علي البائع دفع المبيع تخير المشتري بين الفسخ و الرجوع بالثمن بلا زيادة و لا نقيصة و انتظار المشتري إلي أن يتمكن البائع من دفع المبيع إليه في وقت آخر، و للمشتري بيع حقه علي البائع بما يتفقان عليه من الثمن و إن زاد علي ثمن شرائه كما تقدم في المسألة (6).

هذا، إذا كان التعذر بعد القدرة علي تسليم المبيع، و أمّا إذا كان التعذر في تمام الأزمنة فينكشف بطلان العقد رأسا كما تقدم و لم يستحق المشتري إلا الثمن.

(مسألة 12): إذا قدر البائع علي تسليم بعض المبيع دون بعض وجب عليه تسليم ما قدر علي تسليمه، و يجري علي الباقي ما تقدم.

(مسألة 13): لو كان المبيع موجودا في غير البلد الذي يجب فيه التسليم، فإن تراضيا بتسليمه في موضع وجوده أجزأ. و مع عدم تراضيهما يجب علي البائع نقله إلي البلد الذي اشترطا تسليمه فيه، و مع تعذر ذلك عليه يجري حكم المسألة (11).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 107

الفصل الثاني عشر في بيع الثمار و الزرع و الخضر

الأحوط وجوبا عدم بيع الثمرة قبل ظهورها عاما واحدا بلا ضميمة.

و يجوز بيعها أكثر من عام واحد و إن لم تظهر، و كذا بيعها مع الضميمة و لو كانت عاما واحدا و لم تظهر، و كذا بيعها بلا ضميمة و لو عاما واحدا إن ظهرت. نعم يكره ذلك قبل بدو صلاحها، بل الأحوط استحبابا تركه. بل الأفضل أن ينتظر بثمرتها حتي تأمن من الآفة.

(مسألة 1): بدوّ الصلاح في التمر احمراره و اصفراره، و في العنب أن يصير له

عنقود ينعقد فيه الحب. و فيما له ورد أن ينعقد بعد سقوط ورده، لكن الأحوط وجوبا أن ينتظر به حتي يصلح للأكل. و كذا الحال في بقية الثمار غير التمر و العنب.

(مسألة 2): يعتبر في الضميمة التي تقدم جواز بيع الثمرة معها أن تكون مما يجوز بيعها منفردة، و كون الثمن لها و لما انضمت له بنحو الإشاعة، من دون تخصيص كل منهما بجزء معيّن من الثمن. و لا يعتبر فيها أن تكون مقصودة بالأصل، بل يكفي كونها تابعة للثمرة، كورق العنب. و كذا يكفي مثل الشجر اليابس و السعف و الكرب و الحطب و الحشيش الذي في البستان و غير ذلك.

(مسألة 3): يكفي في الضميمة ظهور بعض ثمر البستان، فيصح بيع تمام ثمرته حتي ما لم يظهر منه، بل يجوز ضمه لبستان أو بساتين أخر لم تظهر ثمرتها بعد.

(مسألة 4): إذا كان الشجر يثمر في السنة مرتين فلا يجري علي بيع تمام ثمرة السنة الواحدة حكم بيع ثمرة السنتين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 108

(مسألة 5): إذا باع مالك الأصول الثمرة الظاهرة أو التي لم تظهر بنحو يصح البيع، ثم باع الأصول من شخص آخر، فإن كان المقصود ببيع الأصول بيعها مع الثمرة لكون الأصول كالضميمة للثمرة صح البيع في الأصول و توقف في الثمرة علي إجازة مشتريها، و لم يستحق البائع من الثمن إلّا ما يقابل الأصول، و إذا لم يجز مشتري الثمرة الأول بيع الثمرة كان للمشتري الثاني خيار تبعّض الصفقة إذا لم يبتن شراؤه علي الرضا بالتبعيض. و إن كان المقصود ببيع الأصول بيعها وحدها مع كون الثمرة من سنخ المنفعة المملوكة تبعا صح البيع و استحق البائع تمام الثمن

مقابل الأصول وحدها، و كان لمشتري الأصول خيار تخلّف الوصف إذا كان جاهلا بالحال حين البيع.

(مسألة 6): لا يبطل بيع الثمرة بموت المشتري قبل أخذ لها، بل تنقل لورثته، كما لا يبطل بموت البائع، بل تنتقل الأصول لورثته من دون أن يستحقوا بتبعها الثمرة المبيعة.

(مسألة 7): إذا بيعت الثمرة لم يجز للبائع أو لمن يشتري الأرض أو الأصول منه أن يتصرّف في الأرض أو في الأصول بما يضرّ بخروج الثمرة و صلاحها، فليس له قلع الأصول، و لا منعها من السقي، و لا أن يضع في الأرض من المواد ما يضرّ بالثمرة، و لا غير ذلك.

(مسألة 8): مسئولية خدمة الأرض و الأصول بالنحو الذي يتوقف عليه صلاح الثمرة تابعة لما يتّفق عليه الطرفان من كونها علي البائع أو علي المشتري أو عليهما.

(مسألة 9): إذا بيعت الثمرة بعد وجودها و صلوحها للقطف، بحيث كان مقتضي البيع أخذها رأسا فإن تلفت بعد قبض المشتري لها و لو بقبض أصولها و الاستيلاء علي الأرض التي هي فيها كانت من مال المشتري، و إن تلفت قبل ذلك لحقها حكم تلف المبيع قبل قبضه الذي تقدم في مسائل التسليم و القبض.

و كذا إذا بيعت قبل صلوحها للقطف و كان البيع مبتنيا علي تعهّد البائع بتسليمها صالحة للأكل. و أما إذا ابتني البيع علي عدم تعهد البائع بتسليمها صالحة للأكل كما هو الغالب فالظاهر عدم ضمان البائع بتلفها قبل القبض إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 109

كان مستندا لسبب داخلي فيها كالمرض أو خارجي طبيعي كالزوابع و الأمطار المتلفة للثمرة و نحو ذلك مما يتعارف تعرض الثمرة له، و كما لا ضمان بعدم ظهور الثمرة حينئذ أو بعدم بلوغها و

نضجها بعد ظهورها حتي تتلف، و كذا إذا كان التلف مستندا للمشتري. و أما إذا كان ذلك مستندا للبائع أو لأجنبي، فإن كان بنحو يقتضي تلف الثمرة بعد نضجها لحقه ما تقدم في حكم تلف المبيع قبل قبضه من مسائل التسليم و القبض، و إن كان بنحو يمنع من نضج الثمرة و صلوحها للأكل أو يوجب نقصها أو عيبها اقتضي الخيار للمشتري، إلّا أن يبتني البيع علي براءة البائع من ذلك و عدم مسئوليته به، فلا خيار حينئذ.

(مسألة 10): لما كانت الثمرة قبل قطفها ليست من المكيل و الموزون فكما يجوز بيعها بغير جنسها يجوز بيعها بجنسها. و إن كان الظاهر كراهة ذلك.

(مسألة 11): لا يجوز بيع حمل النخل بسرا كان أو رطبا أو تمرا بتمر منه، و لا بيع زرع الحنطة بحنطة منه. و الظاهر العموم لجميع أنواع الثمار، فلا يجوز بيعها بشي ء من ثمرتها. نعم لا بأس ببيع الكل حتي التمر و الحنطة بمقدار من جنسه ثم الوفاء من ثمرته من دون أن يختص الثمن بذلك، كما لا بأس بأن يؤخذ ذلك شرطا في البيع.

و لا يفرق في المنع بين العريّة و غيرها، و العريّة هي النخلة للإنسان في دار غيره أو بستانه أو نحو ذلك، فلا يجوز بيع ثمرتها أو حملها بتمر منها.

نعم قد يرجع البيع المذكور إلي الصلح بين صاحب الشجر و غيره علي أن يكون الزائد من الثمرة علي المقدار المتفق عليه لغير صاحب الشجر في مقابل خدمته أو خدمة الثمرة أو علي تسليمه لصاحب الشجر من دون أن يتكلف هو الدخول لأخذها، أو نحو ذلك. و حينئذ يصح ذلك في العريّة و غيرها و النخل و غيره، و الثمار

و غيرها من أنواع الزرع، بل حتي غير الزرع كالحيوان يصالح صاحبه غيره علي أنّ له مقدارا من نمائه كصوفه و لبنه و الزائد للغير في مقابل خدمة الحيوان أو نحوها.

(مسألة 12): يجوز لمن يشتري الثمرة أن يبيعها قبل قبضها بربح أو بدونه، كما يجوز ذلك بعد القبض، و لا يجري فيه ما سبق في المسألة (15) من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 110

الفصل السادس.

(مسألة 13): لا يجوز بيع الحب قبل ظهوره. نعم يجوز شراء أصوله، و هو الزرع الأخضر علي أن يحصده قصيلا أو بعد أن يسنبل، فيملك الحب تبعا له.

(مسألة 14): إذا اشتري الأصول و هي الزرع الأخضر علي أن يحصده قصيلا فتركه حتي سنبل كان الحب له، و عليه أجرة الأرض لصاحبها إذا لم يأذن ببقائه بعد ذلك.

(مسألة 15): إذا لم يشتر الأصول بتمامها، بل اشتري الظاهر منها علي أن يحصده، فلم يحصده حتي سنبل كان السنبل بينهما، و يرجعان في تعيين حصة كل منهما للصلح و علي المشتري أجرة الأرض لصاحبها. و كذا إذا اشتري الظاهر فقط قبل أن يصير قصيلا علي أن يتركه حتي يصير قصيلا فيحصده، فإنه لو تركه و لم يحصده حتي سنبل كان السنبل بينهما و علي المشتري لمالك الأرض أجرة بقائه بعد صيرورته قصيلا.

(مسألة 16): لا يجوز بيع الخضر كالخيار و الباذنجان قبل ظهورها، و يجوز بعد ظهورها لقطة واحدة و لقطات.

(مسألة 17): إذا كانت الخضرة مما يجز كالكراث و النعناع لم يجز بيعه قبل ظهوره، و يجوز بيعه بعد ذلك جزّة أو جزّات. و كذا الحكم فيما يخرط كورق الحنّاء و التوت، فإنه يجوز بيعه بعد ظهوره خرطة و خرطات، بخلاف ما إذا لم

يظهر.

(مسألة 18): المرجع في تعيين وقت اللقطة و اللقطات، و الجزّة و الجزّات، و الخرطة و الخرطات هو عرف المزارعين.

(مسألة 19): إنما يعتبر الظهور في الخضر و نحوها إذا بيعت الثمرة أو الورق. أما إذا بيعت الأصول فلا يعتبر ذلك، بل يجوز بيعها قبل ظهور الثمرة المقصودة منها، و تملك الثمرة المقصودة منها إذا ظهرت تبعا لملك الأصول.

(مسألة 20): ما لا يظهر من الثمر كالبطاطا و الجزر إن علم انعقاد شي ء منه جاز بيعه، و إن كان الأحوط استحبابا المصالحة عليه. و أما بيع أصوله فيجوز مطلقا و إن لم يعلم انعقاد شي ء من الثمرة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 111

(مسألة 21): إذا اشترك اثنان في نخل أو شجر أو زرع جاز أن يتقبل أحدهما حصة صاحبه من الثمرة و نحوها بمقدار معين، فإذا اتفقا علي ذلك استحق الشريك علي صاحبه ذلك المقدار بدلا عن حصته، زادت عليه أو نقصت عنه أو ساوته. و يجري ذلك فيما إذا زاد الشركاء عن اثنين لو تراضي واحد منهم أو أكثر مع البقية في تقبل حصته.

(مسألة 22): إذا كان المقدار المتقبل به كليا وجب دفعه مطلقا، سواء تلفت الثمرة أم لا. أما إذا كان المقدار المتقبل به من الثمرة المشتركة، فإن تلفت بتمامها من غير تفريط منه لم يجب عليه التعويض. نعم لو بقي منها شي ء وجب عليه الدفع منه، و لا يتحمل الشريك النقص حينئذ.

(مسألة 23): إذا مرّ الإنسان بشي ء من النخل أو الشجر أو الزرع جاز له أن يأكل من ثمرة بلا إفساد للثمر من كثرة الأكل، و لا إضرار بالأغصان أو الشجر أو غيرها، سواء التفت لذلك حين العبور و رؤية الثمر، أم كان

قاصدا لذلك من أول الأمر. بل لو كان له طريقان فرجح الطريق المار بالثمر من أجل الأكل جاز له الأكل أيضا. و لو لم يكن له غرض في العبور إلّا الأكل فالأحوط له وجوبا عدم الأكل. نعم لا بأس بالخروج عن الطريق السالك لأخذ الثمرة إذا كانت منحرفة عن الطريق بالنحو المتعارف، بحيث لا ينافي صدق المرور بالثمرة عرفا.

(مسألة 24): لا فرق في جواز الأكل بين العلم بكراهة المالك و عدمه. بل لو نهاه المالك جاز له الأكل، و إن كان الأحوط استحبابا الترك فيه و فيما لو علم بكراهة المالك.

(مسألة 25): لا يمنع من جواز الأكل حجز البستان بحائط أو شباك أو شجر غير مثمر أو نحو ذلك. نعم لو كان تخطي الحاجز مفسدا له حرم.

(مسألة 26): يحرم أن يحمل معه شيئا من الثمر، و لو حمله كان سارقا و ضامنا له.

(مسألة 27): لا يجوز الأكل مما لا يتعارف أكله إلّا بعد الطبخ، كما لا يجوز أخذه و الانتظار به حتي يطبخ ثم يؤكل. نعم لا بأس بأكل ما يحتاج إلي إزالة قشرة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 112

الفصل الثالث عشر في بيع الحيوان

و المهم من مسائله يتعلق ببيع الإنسان المملوك، و بخيار الحيوان، و الأول ليس موردا للابتلاء أو يندر الابتلاء به فلا ينبغي إطالة الكلام في فروعه، و الثاني تقدم في مباحث الخيار. فلنقتصر علي بعض المسائل.

(مسألة 1): يجوز بيع بعض الحيوان مشاعا، كنصفه و ربعه.

(مسألة 2): الأحوط وجوبا عدم شراء بعض معين من الحيوان كالرأس و الجلد و القلب و غيرها، من دون فرق بين ما يقصد منه الذبح و ما يقصد منه الإبقاء للركوب و الحرث و غيرهما.

(مسألة 3): يستثني مما تقدم ما

إذا باع بعيرا و استثني الرأس و الجلد، فإنه يكون شريكا في البعير بنسبة قيمة الرأس و الجلد لقيمة البعير، فله من البعير جزء مشاع بالنسبة المذكورة، و ما إذا اشترك اثنان في شراء بعير علي أن يكون لأحدهما الرأس و الجلد. فإنه يكون شريكا في البعير بنسبة الثمن الذي دفعه مقابلهما للثمن الذي دفعه الآخر، فله من البعير جزء مشاع بالنسبة المذكورة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 113

الفصل الرابع عشر في الإقالة

و هي إجابة أحد المتعاقدين الآخر في طلب فسخ العقد، و هي ترجع إلي فسخ العقد برضاهما معا. و قد تقدم في آداب التجارة أنها من المستحبات المؤكدة.

(مسألة 1): لا تختص الإقالة بالبيع، بل تجري في جميع العقود حتي الجائزة عدا النكاح، و كذا الصدقة علي الأحوط وجوبا. و الظاهر جريانها في الهبة اللازمة، و كذا الضمان إذا رضي المدين. و لا تجري في الإيقاعات.

(مسألة 2): إقالة البيع ليست بيعا، فلا تجري فيها أحكامه و شروطه و لواحقه، بل هي فسخ للبيع و حلّ له.

(مسألة 3): تقع الإقالة بكل ما يدل علي فسخ العقد و رفع اليد عنه، من قول أو فعل.

(مسألة 4): لا تجوز الإقالة بزيادة علي الثمن أو المثمن أو وضيعة منهما.

فإن فعل بطلت الإقالة، و بقي كل من العوضين علي ملك مالكه بالبيع.

(مسألة 5): لو بذل له علي الإقالة جعلا صحت الإقالة و لزم الجعل، فلو قال: إن أقلتني فلك كذا، فأقاله صحت الإقالة و لزمه المال المذكور. و كذا لو تصالحا علي أن يقيله و يدفع له شيئا من المال فأقاله عملا بالمصالحة المذكورة. أما الإقالة بشرط مال أو عمل ففي صحتها إشكال، فلو قال له: أقلتك علي أن تدفع لي

كذا أو علي أن تخيط ثوبي، فقبل ففي صحة الإقالة و استحقاق الشرط إشكال.

(مسألة 6): لا يجري في الإقالة خيار و لا فسخ و لا إقالة.

(مسألة 7): في صحة الإقالة في العقد مع موت أحد المتعاقدين و قيام

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 114

وارثه مقامه إشكال، و الأحوط وجوبا العدم.

(مسألة 8): تصح الإقالة في بعض مضمون العقد إذا كان مبنيا علي الانحلال، بحيث يرجع عرفا إلي عقدين، أما مع الارتباطية في المضمون الواحد، بحيث يكون العقد واحدا عرفا ففي صحة الإقالة إشكال، و الأحوط وجوبا العدم.

(مسألة 9): في صحة الإقالة مع تلف أحد العوضين أو كليهما إشكال، و الأحوط وجوبا العدم. نعم إذا كان التالف من سنخ الأثمان التي يقصد ماليتها من دون نظر إلي خصوصيتها كالنقود فلا يمنع تلفه من الإقالة. و في حكم التلف خروج العوض عن ملك صاحبه ببيع أو هبة أو غيرهما، بحيث لا يمكن رجوعه إلي مالكه الأول بالإقالة.

(مسألة 10): إذا تغيّر أحد العوضين أو تعيّب لم يمنع ذلك من الإقالة، لكن لا يستحق مالكه الأول الأرش إلّا بمصالحة و نحوها مما تقدم في المسألة (5). و لو حصلت الإقالة جهلا من المقيل أو المستقيل بحصول التغير أو العيب بطلت الإقالة.

(مسألة 11): يتحقق الغرض المهم من الإقالة بالبيع ثانيا، فيمكن اختياره مع عدم تيسر الإقالة بالوجه المشروع، أو مع عدم كون الوجه المشروع ملائما لأحد الطرفين، فبدلا من الإقالة بوضيعة من الثمن مثلا يمكن للمشتري بيع المبيع علي البائع بأقل من الثمن الذي اشتراه به. و هكذا في جميع موارد الإشكال المتقدمة في صحة الإقالة. نعم يجري عليه حينئذ أحكام البيع من الخيار و الفسخ و الإقالة و غيرها.

و

الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 115

تتميم: في الشفعة

اشارة

و هي حق الشريك في أخذ حصة شريكه إذا أراد بيعها من ثالث بالثمن.

فإذا كانت الدار مثلا مشتركة بين زيد و عمرو، فأراد زيد بيع حصة منها علي بكر، كان لزيد أخذ الحصة المذكورة بالثمن الذي يقع الشراء به، فإذا وقع الشراء كان منافيا للحق المذكور، فللشريك إعمال حقه بأخذ المبيع سواء كان قابلا للقسمة أم لا، و سواء كان منقولا أم لا. نعم لا تثبت في السفينة، و النهر، و الطريق، و الرحي و الحمام. و بقية الكلام فيها في ضمن مقامات.

المقام الأول في تحديد الحق المذكور

المشهور أن حق الشفعة يثبت ببيع الشريك حصته، فقبل البيع لا موضوع للحق المذكور، و إنما يثبت بعد البيع، فهو حق للشريك علي المشتري، يقتضي سلطنة الشريك علي أخذ الحصة التي اشتراها من شريكه بالثمن الذي دفعه له.

لكن الظاهر أن الحق المذكور سابق علي البيع يثبت عند إرادة الشريك بيع حصته من ثالث بثمن معين، فهو حق للشريك علي شريكه يقتضي أولوية الشريك بالشراء من غيره. فإن أقدم الشريك علي بيع حصته من ثالث كان له انتزاعها منه بالثمن الذي دفعه. و علي ذلك فإعمال الشريك الحق المذكور يكون بأحد أمرين مترتبين.

الأول: السبق إلي شراء الحصة من شريكه بالثمن الذي يريد بيعه به علي الثالث. و ذلك من أفراد البيع الذي هو من العقود، و يعتبر فيه ما تقدم في البيع من رضا الطرفين و غيره.

الثاني: انتزاع الحصة من المشتري بالثمن الذي دفعه قهرا عليه، و هو من سنخ الإيقاع الذي يكفي فيه إنشاء المضمون من طرف واحد، و هو الشريك في المقام. و يقع بكل ما يدل علي ذلك من قول أو فعل، فيقع بمثل قوله: أخذت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)،

ج 2، ص: 116

المبيع بالثمن، و قوله: شفعت في البيع، كما يقع بمثل دفع الثمن للمشتري، أو الاستقلال بالمبيع مع بذل الثمن، إذا قصد بهما إنشاء المضمون المذكور. و لا يعتبر فيه العلم بقدر الثمن الذي وقع عليه البيع.

(مسألة 1): لما كانت الشفعة من الحقوق فهي تسقط بالإسقاط عند إرادة الشريك البيع، أو بعد تحقق البيع، فإذا أراد الشريك بيع الحصة بثمن خاص و عرض ذلك علي شريكه فأسقط حقه كان للشريك البيع علي الثالث فإن باع لزم البيع، و لم يكن للشريك بعد ذلك حق الشفعة و انتزاع المبيع بالثمن.

و كذلك إذا أسقط الحق المذكور بعد البيع فإنه ليس له الرجوع و انتزاع المبيع.

(مسألة 2): يكفي في إسقاط الحق المذكور كل ما يدل عليه و لو بأن يحضر البيع أو يشهد عليه بنحو يظهر منه إقراره و الرضا به.

(مسألة 3): إذا كان المال مشتركا بين الولي و المولّي عليه، فباع الولي حصته من ثالث لم يكن له المطالبة بحق الشفعة في حق المولّي عليه، لظهور حاله في إسقاط الحق المذكور. إلّا أن يكون غافلا عن ذلك، أو كان مفرطا في حق المولّي عليه و خارجا عن مقتضي ولايته، فلا أثر لإسقاطه.

(مسألة 4): الظاهر ابتناء حق الشفعة علي الفور العرفي بعد علم الشريك بإرادة شريكه للبيع، أو بإيقاعه له بخصوصياته من الثمن و المشتري و نحوهما مما له دخل في الرغبة في إعمال الحق، و بعد علمه أيضا بثبوت الحق المذكور له، فإذا لم يبادر مع ذلك للأخذ بالشفعة سقط حقه فيها. نعم إذا كان عاجزا عن الأخذ بها لحبس أو غيبة أو نحوهما فلا يكون عدم المبادرة مسقطا لحقه، إلّا مع طول المدة بحيث يضر

بالشريك أو بمن يشتري منه.

(مسألة 5): تختص الشفعة بالبيع، و لا تجزي في غيره من أسباب التمليك لحصة الشريك المشاعة، كما لو جعلت مهرا في النكاح أو ملكت للغير بهبة أو صلح أو غيرهما.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 117

المقام الثاني في الشفيع

و هو الشريك الذي له حق الشفعة. و يعتبر فيه أمور.

الأول: الإسلام، فلا شفعة للكافر إذا كان كل من البائع و المشتري مسلما، بل الأحوط وجوبا ذلك إذا كان أحدهما مسلما. نعم تثبت الشفعة للكافر إذا كان البائع و المشتري معا كافرين.

الثاني: أن يكون أحد شريكين لا أكثر، فإذا كان الشركاء أكثر من واحد لم يكن لأحدهم شفعة، سواء باع الكلّ و بقي واحد أم باع البعض و بقي أكثر من واحد. و يستثني من ذلك ما يأتي فيما لو اشترك جماعة في الطريق.

(مسألة 6): إذا باع أحد الشريكين بعض حصته ففي ثبوت الشفعة للشريك إشكال. و كذا إذا باع تمام حصته من شخصين علي نحو التعاقب. نعم إذا باع تمام حصته من شخصين أو أكثر دفعة واحدة كان للشريك الأخذ بالشفعة. و كذا إذا باعه من شخص واحد و لو تدريجا.

(مسألة 7): إذا كانت العين مشتركة بين الوقف و الملك فلا شفعة فيها، سواء كان المبيع هو الملك أم الوقف في مورد جواز بيعه.

(مسألة 8): لا تثبت الشفعة بالجوار من دون شركة، فإذا باع أحد الجارين داره أو محل عمله المختص به فليس لجاره حق الشفعة، من دون فرق بين اختصاص كل منهما بماله من أول الأمر و سبق الشركة بينهما إذا وقع البيع من الجار بعد القسمة و تعيين حصة كل منهما.

(مسألة 9): إذا كانت داران أو أكثر كل منها مختصة بشخص،

و كان لها جميعا طريق واحد يشترك فيه كلهم ففي المقام صورتان.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 118

الاولي: أن يبيع أحدهم داره دون حصته من الطريق المشترك. و لا شفعة للآخرين حينئذ، لا في الدار و لا في الطريق، نعم يبقي للبائع حصته من الطريق، فله الانتفاع به بالمرور فيه و الجلوس علي باب الدار التي باعها، و علي المشتري أن يتجنب المرور في الطريق بغير إذنهم، بل يفتح بابا أخري في طريق آخر أو تبقي داره بلا باب. و في جواز دخوله لداره في الطريق بإذن البائع بلحاظ حصته منه إشكال، و كذا الإشكال في جواز تصرفه فيه لو ملكه من قبله بغير البيع. نعم ليس لهم الشفعة في الطريق حينئذ.

الثانية: أن يبيع أحدهم داره مع حصته من الطريق. و حينئذ تثبت لهم الشفعة في مجموع الدار و الطريق. و لكل منهم الأخذ بها، و مع تشاحهم إذا كانوا أكثر من واحد يتعين اشتراكهم في حق الشفعة المذكور، فتكون الدار و الحصة التابعة لها من الطريق لهم جميعا.

(مسألة 10): الظاهر اختصاص الحكم المذكور بالدور و لا يجري في غيرها كالمحلات التجارية و نحوها. إلّا إذا صدق عليها أنها دور.

(مسألة 11): الظاهر اختصاص الحكم المذكور بالاشتراك في الطريق، و لا يعم غيره كالنهر و البئر و نحوها. نعم للشريك الشفعة في الأمر المشترك فقط إذا كان بين شريكين لا أكثر، علي نحو ما تقدم. فيأخذه بحصته من الثمن بعد توزيع الثمن عليه و علي الدار.

(مسألة 12): إذا اشترك شخصان أو أكثر في طريق دور فباع أحدهم حصته منه دون الدار كان للآخرين الشفعة. و أما إذا كان الطريق لغير الدور فتختص الشفعة بالشريكين، و

لا تعمّ الأكثر، نظير ما تقدم في المسألة السابقة.

الثالث: أداء الثمن، فلا تثبت للعاجز عن الثمن و لا للمماطل به. و إذا بذل الرهن أو أتي بضامن يضمنه عنه من دون أن يؤديه لم تجب إجابته.

(مسألة 13): إذا ادعي حضور الثمن في البلد و احتياج تهيئته إلي مدة أجّل ثلاثة أيام من حين إرادة الشريك البيع بعد إعلانه بذلك، فإن جاء بالثمن، و إلّا فلا شفعة له. و المراد بالأيام الثلاثة ما سبق في الأيام الثلاثة التي يثبت فيها خيار الحيوان.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 119

(مسألة 14): إذا ادّعي الشفيع أن الثمن في بلد آخر انتظر به مدة ذهابه لذلك البلد و رجوعه و زيادة ثلاثة أيام، فإن جاء بالثمن و إلّا فلا شفعة له. و المراد بمدة الذهاب و الرجوع مدة قطع الطريق فقط، لا ما يعمّ مدة تهيئة جواز السفر و الحصول علي بطاقته و نحو ذلك مما تعارف في عصورنا.

(مسألة 15): إذا كان الشريك غائبا عن البلد وقت البيع ثبت له حق الشفعة إذا علم بإرادة الشريك للبيع أو بإيقاعه و له في غيبته، مع قدرته علي الأخذ بها بالتوكيل أو بالاتصال المباشر بالمشتري، و له تأجيل الثمن إن كان الثمن في البلد ثلاثة أيام، و إن كان في غيره كان له التأجيل بمقدار وصوله للبلد مع زيادة ثلاثة أيام، علي نحو ما تقدم. و لو تعذر عليه الأخذ بها في غيبته كان له الأخذ إذا رجع. و كذا إذا لم يعلم بالبيع حتي رجع.

(مسألة 16): تثبت الشفعة للمحجور عليه و يأخذ بها عنه وليه، أو يأذن له في الأخذ بها إن كان يحسن معناها و الأخذ بها. فإن أسقطها

الولي أو لم يبادر للأخذ بها سقط حق المولّي عليه فيها، إلّا أن يكون ذلك من الولي للتفريط في حق المولي عليه و الخروج عن مقتضي ولايته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 120

المقام الثالث في الأخذ بالشفعة

(مسألة 17): ليس للشفيع التبعيض في المبيع، بل إما أن يأخذه بتمامه أو يدع.

(مسألة 18): الشفيع يأخذ بقدر الثمن لا بأقل منه و لا بأكثر، سواء كان البيع غبنيا للبائع أو المشتري أم لم يكن. و إذا تنازل البائع للمشتري عن بعض الثمن لم يكن للشفيع تنقيصه.

(مسألة 19): إذا غرم المشتري شيئا زائدا علي الثمن كاجرة الدلّال و مصارف التسجيل لم يجب علي الشفيع تداركه. نعم ليس للشفيع إلزام المشتري بالاعتراف له رسميا.

(مسألة 20): لا بدّ في ثبوت الشفعة من كون الثمن مثليا، و لا تثبت إذا كان قيميا.

(مسألة 21): يشكل ثبوت الشفعة إذا اشتمل البيع علي شرط للبائع علي المشتري، كما لو باع الشريك حصته بألف دينار و اشترط علي المشتري أن يخيط ثوبه.

(مسألة 22): إذا اشترط المشتري علي البائع شيئا لم يجب مثله علي المشتري للشفيع، فإذا باع الشريك حصته بألف دينار و اشترط المشتري علي البائع أن يخيط ثوبه فأخذ الشفيع بالشفعة لم يجب علي المشتري أن يخيط له ثوبا و لا أن يعوضه بأجرته.

(مسألة 23): إذا تصرّف المشتري في الحصة مع ثبوت حق الشفعة تصرفا منافيا للحق المذكور كما لو أوقفها أو وهبها أو جعلها صداقا لم يبطل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 121

حق الشفيع بالشفعة، بل له الأخذ بها فيبطل التصرف المذكور.

(مسألة 24): إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط، بل جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول فيبطل الثاني، و له

الأخذ من المشتري الثاني بالثمن الثاني فيسقط حقه من الشفعة في الأول. و هكذا لو تعاقبت البيوع، فإنه يكون له الأخذ بالشفعة في السابق فيبطل ما بعده و له الأخذ بها في اللاحق فيسقط حقه في الشفعة من السابق. هذا و لو وقع بعضها بإذنه سقط حقه من الشفعة فيها و فيما قبلها إذا كان يعلم به.

(مسألة 25): إذا باع أحد الشريكين نصيبه و كان للآخر الشفعة، فإذا باع الآخر حصته قبل أن يأخذ بالشفعة سقط حقه فيها، و إن كان جاهلا بالبيع الأول.

(مسألة 26): إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت، و إذا تلف بعضه أو تعيّب لم تسقط و جاز للشفيع الأخذ لكن بتمام الثمن من دون أرش النقص، و لا ضمان علي المشتري.

(مسألة 27): إذا كان الثمن مؤجلا جاز للشفيع الأخذ بالشفعة مع تأجيل الثمن للأجل الذي أخذ في البيع. و ليس للمشتري إلزامه بالرهن أو الكفيل أو نحوهما مما يوجب التوثق علي الثمن. نعم لو لم يكن مقدما علي الضرر المذكور لجهله بثبوت حق الشفعة للشبهة الحكمية أو الموضوعية كان له خيار تخلف الوصف في البيع، كما تثبت سائر الخيارات، و مع الفسخ ترجع العين للبائع بالثمن، و يبطل حق الشفعة.

(مسألة 28): الظاهر أن حق الشفعة لا يورث، فإذا باع أحد الشريكين حصته من ثالث، فمات الشريك قبل أن يأخذ بالشفعة لم يكن لوارثه واحدا كان أو متعددا أن يأخذ بالشفعة. نعم لو مات قبل البيع و كان وارثه واحدا كان له الأخذ بالشفعة لو بقي الشريك علي إرادة البيع أو باع، لكنه حينئذ يكون شفيعا بالأصل لا وارثا للشفعة. كما أنه لو مات الشريك بعد الأخذ بالشفعة كانت الحصة

لورثته و إن تعدّدوا، لكنه من إرث المال، لا من إرث حق الشفعة.

(مسألة 29): إذا تقايل الشريك البائع و المشتري قبل أخذ الشريك الآخر بالشفعة ففي بقاء حق الشفعة بحيث يكون للشريك الآخر الأخذ بها المستلزم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 122

لبطلان الإقالة إشكال، فالأحوط وجوبا التصالح.

(مسألة 30): الظاهر عدم ثبوت خيار العيب للشفيع إذا أخذ المبيع من المشتري. و في ثبوت الأرش له إذا أخذه المشتري من الشريك إشكال، فالأحوط وجوبا التصالح.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 123

كتاب الإجارة

اشارة

و فيه فصول.

الفصل الأول في حقيقة الإجارة و شروط العقد و المتعاقدين

الإجارة هي المعاوضة علي منافع الأعيان، سواء كانت المنفعة عملا- كالإجارة علي الخياطة- أم غير ذلك، كإجارة المساكن و الملابس و الدواب و المعامل و غيرها.

(مسألة 1): لا بدّ في الإجارة من كون المنفعة ملحوظة بالأصل و معوضة بالثمن، أما إذا كانت عوضا عن تمليك شي ء أو شرطا في تمليكه فلا تكون المعاملة إجارة، بل بيعا أو هبة مشروطة أو صلحا، و خرجت عن محل الكلام.

(مسألة 2): تبتني الإجارة علي تمليك المنفعة بالعوض، من دون أن تخرج العين ذات المنفعة عمّا كانت عليه من كونها ملكا للمؤجر أو غيره، أو وقفا، أو غير ذلك، فيجب إرجاعها بنفسها بعد استيفاء المنفعة. و علي ذلك لا يجوز إجارة الأرض- مثلا- علي أن توقف مسجدا أو مصلّي أو غير ذلك. نعم لا بأس بإجارتها لتكون مصلّي أو نحوه مدة معينة.

(مسألة 3): لا يجوز استئجار العين ذات النماء بنحو يقتضي ملكية النماء، كاستئجار الشجر للثمر و الشاة للّبن، و البئر للماء، إلّا أن يرجع إلي بيع النماء قبل ظهوره، فيجوز علي ما تقدم في المسألة (32) من الفصل الثالث من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 124

كتاب البيع. نعم لا بأس باستئجار العين المذكورة للانتفاع بنمائها بمثل الأكل و الشرب من دون أن يملك.

(مسألة 4): تكرر علي ألسنة بعض الناس إطلاق إجارة النقد أو الذهب أو نحوهما علي دفع الأمور المذكورة ليتعامل بها بالبيع و الشراء و نحوهما أو ليعمل فيها بمثل الصياغة و نحوها ثم إرجاع مثلها بعد مضي المدة المضروبة.

و لا يخفي أن الإطلاق المذكور تسامحي، لخروج المعاملة المذكورة عن الإجارة في الحقيقة من وجهين:

الأول: ابتناؤها علي تملك الأعيان بأنفسها، و ترتيب آثار الملك

عليها كالبيع و الاستهلاك و غيرهما.

الثاني: عدم رجوعها بأعيانها بعد انقضاء المدة و إنما يسترجع مثلها.

و ليست هذه المعاملة في الحقيقة إلّا اقتراضا للأمور المذكورة فيتملكها المقترض و يتصرف بها تصرف المالك، و تنشغل ذمته بمثلها، فيجب عليه إرجاعه لا إرجاعها بأعيانها. و علي ذلك تكون الأجرة في الحقيقة فائدة في مقابل القرض المذكور، و تدخل المعاملة في القرض الربوي المحرم. نعم تصدق الإجارة حقيقة في مثل إجارة الذهب المصوغ للبسه و التزيّن به مدة بأجرة، علي أن يبقي علي ملك صاحبه و يرجع إليه بعينه بعد انقضاء المدة.

(مسألة 5): الإجارة تبتني علي ملكية المستأجر للمنفعة و المؤجر للثمن بمجرد وقوعها قبل استيفاء المنفعة، حيث يلزم كل من المتعاقدين بملكية المنفعة في مقابل الثمن، و لذا كانت من العقود التي يجب الوفاء بها بتسليم كل من العوضين لصاحبه. و هناك طرق اخري لاستحقاق الأجر علي المنفعة لا تبتني علي الإلزام و الالتزام، كالجعالة و الاستيفاء بالضمان و الإباحة بالضمان.

و يأتي الكلام فيها في خاتمة كتاب الإجارة إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 6): حيث كانت الإجارة من العقود، فلا بدّ في تحققها من التزام المؤجر و المستأجر بها و إبرازهما للالتزام المذكور بالعقد المتضمن لذلك باللفظ أو بغيره، علي النحو المتقدم في عقد البيع و بالشروط المتقدمة فيه، و تجري هنا جميع الفروع الجارية هناك، فلتراجع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 125

(مسألة 7): يعتبر في المتعاقدين هنا ما يعتبر في المتعاقدين في البيع، و تجري هنا جميع الفروع المتقدمة هناك للفضولي و المكره و غيرهما.

(مسألة 8): يكفي في صحة الإجارة ملكية المؤجر للمنفعة أو ولايته عليها، و إن لم يملك العين كالموقوف عليه و المستأجر، علي

تفصيل يأتي في محله.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 126

الفصل الثاني في شروط العوضين

حيث سبق أن موضوع الإجارة هو المنفعة دون العين، فلا بدّ.

أولا: من استقلال المنفعة عن العين، بحيث يمكن استيفاؤها مع بقاء العين، فلا يصح مثل إجارة الخبز لأن يؤكل و المال لأن يباع، نظير ما تقدم.

و ثانيا: أن تكون العين صالحة للمنفعة الخاصة، فلا يصح إجارة الأرض للزراعة إذا كانت غير قابلة لأن تزرع، و لو خرجت بعد الإجارة عن القابلية المذكورة في الوقت المطلوب انكشف بطلانها من أول الأمر.

إذا عرفت هذا فيعتبر في المنفعة- مضافا إلي ذلك- أمور.

الأول: التعيين، فلو كانت مرددة لا تعيّن لها في الواقع بطلت الإجارة، كما لو آجره علي أن يخيط أحد الثوبين أو استأجر منه إحدي السيارتين. إلّا أن يرجع إلي إرادة القدر المشترك بين المنفعتين، نظير الواجب التخييري، فتصح حينئذ.

(مسألة 1): كما يعتبر التعيين في المنفعة يعتبر في الثمن، فلا تصح الإجارة مع تردده و عدم تعيينه بحدود واقعية، كما لو تردد الثمن بين دينار ذهبي و عشرة دراهم فضيّة. إلّا أن يرجع إلي إرادة القدر المشترك، نظير ما تقدم في المنفعة.

(مسألة 2): إذا تردد الثمن تبعا لتردد المنفعة كما لو قال: إن نقلت المتاع يوم الجمعة كان لك عشرة دراهم و إن نقلته يوم السبت كان لك خمسة دراهم، صح جعالة. و أما صحته إجارة، بحيث يلزم كل منهما بالمضمون، فتتوقف علي رجوع كل من الثمنين و المنفعتين إلي قدر مشترك يكون هو اللازم بالعقد،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 127

و تكون الخصوصية الأخري زائدة ملحوظة بنحو الشرط، كما قد يوجّه في المثال السابق بأن يراد إجارته علي أصل النقل في أحد اليومين بخمسة دراهم

مع اشتراط زيادة خمسة دراهم لو عجل بالنقل يوم الجمعة. و لا تصح إجارة بدون ذلك، كما لو قال: إن نقلت المتاع يوم الجمعة كان لك ديناران و إن نقلته يوم السبت كان لك عشرة دراهم. بل لا يصح حينئذ إلّا جعالة لا يلزم بها أحد الطرفين.

(مسألة 3): ليس من الترديد ما إذا استؤجر علي العمل بوجه خاص مع اشتراط زيادة الأجرة أو نقصها لو جي ء به بوجه آخر، بل تصح الإجارة و يلزم الشرط حينئذ، كما لو قال: آجرتك علي نقل المتاع يوم السبت بعشرة دراهم علي أنك إن نقلته يوم الجمعة كان لك عشرون أو إن نقلته يوم الأحد كان لك خمسة. أو قال: آجرتك علي أن تصبغ الثوب بالسواد بعشرة دراهم علي أنك إن صبغته بالخضرة كان لك خمسة عشر درهما، أو إن صبغته بالحمرة كان لك ثمانية دراهم. نعم لا يصح الشرط إن كان موجبا لسقوط الثمن بتمامه.

الثاني: أن تكون محلّلة فلا تصح إجارة الأماكن لإحراز ما يحرم إحرازه- كالخمر- أو للقيام فيها بأعمال محرمة كالغناء، و لا تصح الإجارة علي الأعمال المحرمة، كقتل النفس المحترمة و الغناء و صنع الخمر و سقيها و غير ذلك، بل لا يستحق الأجر بها حتي مع الجعالة و نحوها. و قد تقدم في المكاسب المحرمة ما ينفع في المقام.

الثالث: أن لا يتوقف تسليمها علي فعل الحرام، كاستئجار الحائض لكنس المسجد، فإنّ كنس المسجد و إن لم يكن محرما عليها إلّا أنه موقوف علي دخولها للمسجد و هو محرم. و أما لو توقف تسلم المنفعة علي فعل الحرام فالظاهر عدم بطلان الإجارة، كما لو استأجر الدار و توقفت سكناها علي المرور بالأرض المغصوبة. نعم لو

كان المستأجر جاهلا بذلك كان له الفسخ بخيار العيب.

الرابع: القدرة الخارجية علي استلام المنفعة علي الأحوط وجوبا، فلا تصح الإجارة بدون ذلك و إن احتمل القدرة عليه في وقته كإجارة الجمل الشارد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 128

و العبد الآبق. بل لو جهل المستأجر تعذر الاستلام كان له الفسخ قطعا لو فرض صحة الإجارة.

الخامس: أن لا تكون المنفعة منافية لحق الغير، كحق الزوج و المولي و المستأجر السابق، و إلّا توقف نفوذها علي إذن صاحب الحق. نعم لو آجرت المرأة نفسها قبل التزويج لم يمنع التزويج من نفوذ الإجارة و إن كانت المنفعة منافية لحق الزوج.

(مسألة 4): الظاهر جواز الإجارة علي المنفعة- التي يتعذر علي المؤجر تسليمها- مع الضميمة المعلومة الحصول، عينا كانت تلك الضميمة أو منفعة، كما لو باعه ثوبا تحت يده و آجره عبدا آبقا بألف دينار، و كما لو آجره جملين أحدهما شارد و الآخر غير شارد بمائة دينار.

(مسألة 5): الأحوط وجوبا جريان ذلك في الثمن أيضا، و قد تقدم نظير ذلك في البيع.

(مسألة 6): الأحوط وجوبا العلم بمقدار المنفعة في الجملة، و لا ملزم بالمداقة في ذلك، فلا تضر الجهالة بالنحو الذي لا يوجب التغرير بالمال عرفا، كاستئجار الدابة و السيارة إلي بلد معهود و إن لم تعرف المسافة دقة، أو لحمل ما تطيقه و إن لم يعلم بمقدار طاقتها دقة، و استئجار المنزل في موسم خاص و إن لم يعلم عدد الأيام، و استئجار العامل لتصليح الآلة المعيبة و إن لم يعلم مقدار العيب و لا مقدار الجهد المبذول لإصلاحه دقة، و استئجار المضخة لسحب المياه مدة معينة و إن لم تعرف المدة التي يمكن الانتفاع بها فيها لعدم

تحديد أيام تواجد الماء القابل للسحب، و لا أيام اتصال التيار الكهربائي الذي يتوقف عليه عملها، و نحو ذلك مما يتسامح فيه العقلاء و يتعارف بينهم الإقدام علي الإجارة مع الجهل به.

(مسألة 7): الأحوط وجوبا اعتبار العلم بمقدار الثمن، علي التفصيل المتقدم في ثمن المبيع.

(مسألة 8): إذا قال: آجرتك الدار كل شهر بكذا، فالظاهر رجوعه للإجارة في الشهر الأول، و الإذن باستيفاء المنفعة بأجر مخصوص في بقية الشهور، الذي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 129

تقدمت الإشارة إليه في المسألة (5) من الفصل الأول.

(مسألة 9): لا يعتبر اتصال مدة الإجارة بالعقد، فيجوز أن يؤجر في شوال داره علي أن يسكنها في ذي الحجة. نعم إذا أطلقت الإجارة كان ظاهرها إرادة الزمان المتصل بالعقد.

(مسألة 10): يجوز إجارة الحصة المشاعة من العين، فيجوز لمالك نصف الدار إجارة النصف الراجع إليه، فيقتسم الشريك المنفعة مع المستأجر كما كان يقتسمها مع شريكه. نعم لا يجوز للشريك المؤجر تسليم العين للمستأجر إلّا بإذن شريكه.

(مسألة 11): يجوز أن يستأجر أكثر من واحد عينا واحدة، و تكون منفعتها مشتركة بينهم بالنسبة. كما يجوز أن يستأجر أكثر من واحد لعمل واحد يشتركون بالقيام به.

(مسألة 12): لا تجوز إجارة الأرض للزرع بمقدار معين مما يحصل منها، حنطة كان أو شعيرا أو غيرهما من الطعام، بل الأحوط وجوبا العموم لغير الطعام من أنواع الزرع. كما أن الأحوط وجوبا أيضا العموم لما يحصل من أرض خاصة غيرها، بل العموم لكل ما لا وجود له في الخارج، مما سيوجد من دون أن يكون ذميا. نعم تجوز إجارتها بحصة مشاعة مما يحصل منها، كالثلث و الربع فتشبه المزارعة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 130

الفصل الثالث في لزوم الإجارة

الإجارة من العقود

اللازمة، فلا يصح فسخها إلّا بالتقايل برضا الطرفين أو بثبوت الخيار لهما أو لأحدهما.

(مسألة 1): يجري في الإجارة خيار الغبن و خيار الشرط و خيار العيب و خيار تخلّف الوصف و خيار تبعّض الصفقة و خيار تخلّف الشرط، و قد تقدم تفصيل الكلام فيها في البيع. كما يجري خيار عدم تسليم العوضين، دون خيار التأخير علي ما يتضح بمراجعة ما تقدم في البيع. و لا يجري فيها خيار المجلس و لا خيار الحيوان و لا خيار الرؤية.

(مسألة 2): إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيبا و كان جاهلا به حين العقد، فإن كان موجبا لفوات بعض المنفعة- كخراب بعض بيوت الدار- قسطت الأجرة و رجع علي المؤجر من الأجرة بما يقابل المنفعة الفائتة، و كان له مع ذلك خيار تبعض الصفقة، و إن لم يوجب فوت بعض المنفعة لكن كان موجبا لعيب في المنفعة- مثل عرج الدابة- كان له الفسخ بخيار العيب، و إن لم يوجب ذلك أيضا إلّا أنه كان موجبا لنقص الأجرة كان له الفسخ أيضا لكن بخيار تخلف الوصف، و هو وصف السلامة الذي يبتني عليه العقد ضمنا و إن لم يصرح به في متن العقد. أما إذا لم يوجب شيئا من ذلك فلا خيار.

(مسألة 3): إذا كان موضوع الإجارة عينا كلية فدفع المؤجر عينا معيبة لم يكن للمستأجر الفسخ في جميع الصور المتقدمة، بل له المطالبة بالصحيح، و مع تعذره أو امتناع المؤجر من إبدال العين يكون له الخيار في أصل العقد.

(مسألة 4): إذا وجد المؤجر عيبا في الأجرة، فإن كانت أمرا كليا كان له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 131

المطالبة بالبدل، و إن كانت أمرا شخصيا كان له الفسخ.

و إن تصرف فيها تصرفا موجبا لاختلاف الرغبة فيها فالأحوط وجوبا التراضي بينهما.

(مسألة 5): يجوز للمالك أن يبيع العين المستأجرة قبل انقضاء مدة الإجارة علي المستأجر و غيره، و لا تبطل الإجارة بذلك، بل تنتقل إلي المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة، نعم علي البائع أن يعلم المشتري بأنها مستأجرة للأجل الخاص، فإن جهل المشتري بأنها مستأجرة، أو اعتقد قلّة المدة كان له فسخ البيع، و ليس له المطالبة بالأرش أو الأجرة التي تخص المدة الباقية.

(مسألة 6): إذا فسخت الإجارة بعد البيع بخيار أو تقايل رجعت المنفعة إلي البائع دون المشتري.

(مسألة 7): لا تبطل الإجارة بموت المؤجر و لا المستأجر، إلّا إذا أخذت خصوصية أحدهما في المنفعة التي هي موضوع الإجارة، كما إذا آجر نفسه للعمل بنفسه، أو استأجر الدار ليسكنها بنفسه، حيث يتعذر استيفاء المنفعة حينئذ. و ذلك مبطل للإجارة علي ما يأتي بتفصيل في الفصل الرابع إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 8): في ولاية وليّ الصبي- كالأب و الجد- علي إجارة الصبي بنفسه، أو إجارة ماله مدة تزيد علي صباه إشكال، فالأحوط وجوبا الاقتصار في ذلك علي مقدار الضرورة العرفية اللازمة من تعرض النفس أو المال أو العرض للضرر المهم.

(مسألة 9): لا أثر لموت الوليّ و الوكيل الذي يتولّي الإجارة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 132

الفصل الرابع في أحكام التسليم في الإجارة

إذا وقع عقد الإجارة ملك المستأجر المنفعة و ملك المؤجر الأجرة، كما هو مقتضي المعاوضة، و وجب علي كل منهما تسليم ما عليه للآخر. لكن حيث كانت المنفعة تدريجية الحصول فلا مجال للتقارن بينهما في التسليم و التسلّم- كما هو الواجب في المعاوضة بين الأعيان- بل لا بدّ من تقديم أحدهما، و هو تابع لما يتفقان عليه في

العقد صريحا، أو ارتكازا تبعا للعرف و العادة، أو تقتضيه القرائن الخاصة.

(مسألة 1): إذا امتنع أحد المتعاقدين من التسليم في الوقت المستحق عصي و كان للآخر إجباره. و لو ظهر عليه الامتناع من التسليم في وقته كان للآخر التوقف عن التسليم و طلب الاستيثاق لنفسه.

(مسألة 2): إذا امتنع المؤجر من تسليم المنفعة في الوقت المستحق مع بذل المستأجر الأجرة كان للمستأجر الفسخ و الرجوع بالأجرة و له الانتظار حتي ينتهي أمد الإجارة فتنفسخ قهرا، و لا مجال للبناء- حينئذ- علي صحة الإجارة و ضمان المؤجر للمنفعة بنحو يقتضي دفع اجرة المثل لها.

(مسألة 3): إذا امتنع المستأجر من تسليم الأجرة في الوقت المستحق، فإن لم يكن استوفي المنفعة كان للمؤجر الفسخ فترجع المنفعة له. و إن كان قد استوفاها ففي جواز الفسخ للمؤجر و الرجوع لاجرة المثل إشكال، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي المطالبة بالأجرة المسماة.

(مسألة 4): تقدم أن المؤجر يملك الأجرة بالإجارة، إلّا أن ملكيته لها لا تستقر إلّا بتسليمه المنفعة، و مع عدم تسليمه لها يكون للمستأجر الرجوع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 133

بالأجرة. و يأتي الكلام في المسائل الآتية في معيار التسليم الذي تستقر به الأجرة.

(مسألة 5): إذا كانت المنفعة التي هي موضوع الإجارة محددة بوقت خاص مساو لها كفي في تسليمها- الموجب لاستقرار الأجرة للمؤجر علي المستأجر- بذل المؤجر للعين، سواء استوفي المستأجر المنفعة منها مع ذلك أم لم يستوفها و فرط فيها، فإذا استأجر الدار علي أن يسكنها في شهر شعبان، أو السيارة علي أن يستغلّها يوم العيد فسلّمه المؤجر الدار في الشهر المذكور و السيارة في اليوم المذكور استحق عليه الأجرة و إن لم ينتفع بهما عنده.

(مسألة 6): قد

تكون المنفعة محددة بوقت أوسع منها، كما إذا استأجر الدار علي أن يسكنها أسبوعا من شهر شعبان، و السيارة علي أن ينتقل متاعه بها يوما في ضمن الأسبوع، فالظاهر أنه لا مجال لإطلاق المنفعة في مثل ذلك، بل لا بدّ من تقييدها بإناطة تعيين وقت المنفعة بإرادة المؤجر فقط أو المستأجر فقط أو إرادتهما معا أو إرادة أيّ منهما حسبما تقتضيه قرائن المقام المختلفة. و حينئذ يجري مع تعيين من بيده التعيين حكم المسألة السابقة من الاكتفاء في استقرار الأجرة بالبذل في المدة المعينة.

(مسألة 7): إذا لم تحدّد المنفعة- صريحا أو ضمنا- بوقت خاص فمقتضي إطلاق العقد التعجيل، لكن لا بمعني تقييد المنفعة به بحيث ينتهي أمدها لو لم يعجل، بل بمعني استحقاق المطالبة بها فورا ففورا، و الاكتفاء بالبذل فيها كذلك، فإذا تحقق البذل من المؤجر في أيّ وقت استحق الأجرة، إلّا أن تقوم القرينة علي التقييد بحال خاص كاستئذان المستأجر أو طلبه أو غير ذلك.

(مسألة 8): في الإجارة علي الأعمال يكفي في استقرار الأجرة حضور العامل و بذل نفسه للعمل و مضي المدة المطلوبة للعمل، فإذا استأجره علي أن يبني في داره أو يخيط ثيابه أو غير ذلك فحضر للعمل في الوقت المناسب- حسبما تقدم في المسائل الثلاث السابقة- و بذل نفسه في تمام المدة استقرت الأجرة علي المستأجر، سواء استوفي عمله أم لم يستوفه. بل لو انشغل الأجير في الوقت المذكور بعمل آخر لنفسه غير مناف لبذل نفسه للعمل المستأجر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 134

عليه لم يمنع من استقرار الأجرة.

(مسألة 9): إذا كانت العين المستأجرة كلية كفي في التسليم و استقرار الأجرة تسليم فرد منها، و بذله لاستيفاء المنفعة منه

في الوقت المناسب للإجارة- حسبما تقدم- و كذا إذا كان الأجير كليا، كما لو استأجره علي أن يبني داره بنفسه أو بشخص آخر بدلا عنه، فإنه يكفي في استقرار الأجرة حينئذ تهيئة عامل خاص للبناء و حضوره للعمل في الوقت المناسب، حسبما تقدم.

(مسألة 10): إذا كان العمل قائما بعين مملوكة للمستأجر تحت يد الأجير كفي في تسليمه و استقرار الأجرة إنجاز العمل فيه، فلو دفع له ثوبه ليخيطه أو سيارته ليصلحها استقرت له الأجرة بخياطة الثوب و تصليح السيارة، و لا يتوقف مع ذلك علي إرجاع العين التي يقوم بها العمل- كالثوب و السيارة في المثال- للمستأجر. و علي ذلك لو تلفت عنده لم تسقط الأجرة، غاية الأمر أن تلفها إذا كان بفعله أو بتفريط منه كان ضامنا لها بما لها من الصفة الحاصلة بسبب العمل.

(مسألة 11): لو امتنع المستأجر في المسألة السابقة من تسليم الأجرة غاصبا لها و متعديا كان للمؤجر حبس العين استيثاقا لحقّه، كما له حبس غيرها من أمواله. كما أنه لو امتنع المؤجر من تسليم العين غاصبا لها كان للمستأجر حبس الأجرة عليه استيثاقا لحقّه، كما له حبس غيرها من أمواله. و هذا بخلاف ما إذا لم يسلّم المستأجر الأجرة أو لم يسلم الأجير العين لعذر من دون تعد منهما، حيث لا يجوز معه للآخر الحبس.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 135

الفصل الخامس في تعذر استيفاء المنفعة

تعذر استيفاء المنفعة من العين المستأجرة.

تارة: يكون لتلفها و لو بمثل الموت.

و اخري: يكون لخروجها عن قابلية الانتفاع مع وجودها، كتداعي الدار و مرض الدابة.

و ثالثة: يكون لمانع خارجي، كمنع السلطان، و كما لو استأجر الدابة أو السيارة للسفر فمرض بنحو لا يستطيع السفر، أو غصب العين المستأجرة

غاصب، أو غير ذلك.

و جميع ذلك موجب لبطلان الإجارة و عدم استحقاق الأجرة إذا وقع قبل بذل المؤجر العين و تسليمها للمستأجر ليستوفي المنفعة منها، سواء استند للمؤجر أم للمستأجر أم لأجنبي أم لسبب قهري بتفريط من أحد أو لا. و كذا إذا وقع بعد تسليم العين و لم يكن بتفريط من المستأجر.

أما إذا كان بتفريط منه ففي الأول- و هو التلف- تبطل الإجارة، و يكون ضامنا للعين غير مسلوبة المنفعة. كما أن الأجنبي لو ضمن العين بإتلاف أو نحوه يضمنها غير مسلوبة المنفعة أيضا. و في الثالث لا تبطل الإجارة و تلزمه الأجرة، نظير ما تقدم في المسألة (5) من الفصل السابق.

و أما الثاني فالأمر فيه لا يخلو عن إشكال، و الأحوط وجوبا فيه التراضي بين المؤجر و المستأجر.

(مسألة 1): إذا استؤجر علي عمل في عين- كبناء الدار و خياطة الثوب- فتعذر العمل، فإن كان تعذره لقصور في الأجير- بموت أو مرض أو نحوهما-

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 136

بطلت الإجارة مطلقا، و إن كان لأمر آخر- كتلف العين و ضياعها و منع السلطان و غير ذلك- فإن لم يكن بتفريط من المستأجر بطلت الإجارة أيضا، و إن كانت بتفريط منه ففي بطلان الإجارة و عدم استحقاق الأجير الأجرة إذا كان مستعدا للعمل إشكال، و الأحوط وجوبا التراضي بينهما.

(مسألة 2): تعذر استيفاء المنفعة بجميع أقسامه إنما يبطل الإجارة إذا لم تستقر الأجرة ببذل العين و مضي مدة يمكن استيفاء المنفعة منها علي التفصيل المتقدم في المسألة (5) من الفصل السابق. و كذا الحال في تعذر العمل من الأجير الذي تقدم حكمه في المسألة السابقة، فإنه إنما يبطل الإجارة إذا لم تستقر الأجرة ببذل

الأجير نفسه للعمل في تمام المدة المطلوبة بالنحو المتقدم في المسألة (8) من الفصل السابق.

(مسألة 3): إذا غصب العين غاصب، فإن لم يستوف المنفعة جري التفصيل المتقدم، و إن استوفي المنفعة المستأجر عليها فإن كان قبل تسليم العين للمستأجر كان المستأجر مخيرا بين فسخ الإجارة، فترجع له الأجرة المسماة و يرجع المؤجر علي الغاصب بالمثل، و عدم الفسخ، فتستقر الأجرة المسماة للمؤجر و يرجع هو علي الغاصب بأجرة المثل. و كذا إذا كان الغصب بعد تسليم العين من دون تفريط من المستأجر. أما إذا كان بتفريط منه فليس له فسخ الإجارة، بل تستقر الأجرة عليه و له الرجوع علي الغاصب بأجرة المثل.

(مسألة 4): إذا تعذرت المنفعة- بنحو يقتضي بطلان الإجارة- في بعض المدة دون بعض، فإن كان التعذر قبل تسليم العين لاستيفاء المنفعة- كما إذا استأجر الدابة شهرا فمرضت في النصف الأول من الشهر و برئت في النصف الثاني- كان كل من المؤجر و المستأجر مخيرا بين فسخ الإجارة، فترجع الأجرة بتمامها للمستأجر و ليس له من المنفعة شي ء، و عدم الفسخ فتصح الإجارة في المقدار القابل للاستيفاء بما يقابله من الأجرة.

و إن كان بعد تسليم العين لاستيفاء المنفعة منها- كما إذا مرضت الدابة في المثال السابق بعد مضي نصف شهر من تسليمها- فلا مجال لفسخ الإجارة رأسا، بل تبطل من حين سقوط العين عن الانتفاع، و تصح في الزمن السابق بما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 137

يقابله من الأجرة. و يجري التفصيل المذكور في تعذر بعض العمل المستأجر عليه. و يأتي في آخر الفصل السابع ما يتعلق بذلك.

(مسألة 5): إذا تعذر استيفاء المنفعة لمانع خاص بالمستأجر- كما لو استأجر سيارة ليسافر بها فمنع

من السفر بمرض، أو من قبل السلطان- فإن اشترط و أخذ في الإجارة مباشرته كان من تعذر استيفاء المنفعة، و إلا فلم تتعذر، بل كان له بذل العين لغيره مجانا أو بأجرة ليستوفي منفعتها.

(مسألة 6): إذا استأجره للمداواة فبرئ بطلت الإجارة، لارتفاع موضوع المنفعة، من دون فرق بين أن يستند الشفاء للمؤجر أو يكون قهرا عليه.

(مسألة 7): إذا استأجر الطبيب لقلع ضرسه أو لإجراء عملية جراحية له أو نحو ذلك فالظاهر أخذ الحاجة الصحيحة في موضوع ذلك، فإذا ارتفعت الحاجة له بالشفاء قبل وقت الإجارة دخل في تعذر استيفاء المنفعة، نظير ما تقدم في المسألة السابقة، بخلاف ما إذا استأجره لخياطة ثوبه و بناء داره فارتفعت الحاجة لذلك بأن رزق ثوبا آخر أو دارا أخري، فإن الإجارة لا تبطل بذلك.

(مسألة 8): إذا كانت العين المستأجرة كليّة فسلّم فردا منها لتستوفي منه المنفعة و بعد تسليمه تعذر استيفاء المنفعة منه لم تبطل الإجارة، بل يجب علي المؤجر تبديل ذلك الفرد بفرد آخر. و ما سبق من بطلان الإجارة بذلك في بعض الصور يختص بما إذا كان موضوع الإجارة العين الشخصية.

(مسألة 9): إذا استأجر أجيرا لعمل خاص فقام به غيره بنحو لا يبقي موضوع لعمله، كما لو استأجره علي أن يخيط ثوبه، أو يداوي مريضه، فإن ابتنت الإجارة علي مباشرة الأجير العمل بنفسه، بطلت الإجارة، و إن لم تبتن علي ذلك بل علي انشغال ذمته بالعمل مع إمكان قيام غيره مقامه فيه، فإن كان عمل الغير بدلا عن الأجير- تبرعا أو بأجرة- صحت الإجارة و استحق الأجير الأجرة، و إلا بطلت أيضا و لم يستحق الأجير شيئا، و لا العامل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 138

الفصل السادس في الضمان و عدمه

(مسألة 1): العين المستأجرة إذا كانت تحت يد المستأجر فهي أمانة في يده يجري عليها حكم الأمانات، فلا تكون مضمونة إلا بأمرين.

الأول: التعدي عليها علي خلاف مقتضي الاستئمان، باستعمالها في غير ما يقتضيه العقد، كما لو استأجر الدابة مدة فأخرها عنها، أو إلي مكان فركبها إلي غيره، أو استأجر الثوب ليلبسه عند التجمل فلبسه حال التبذل، أو جعله فراشا يوطأ، و كما لو ترك الدابة بلا طعام و لا شراب أو أجهدها أو عرّضها للبرد حتي مرضت أو نفقت، و كما لو ابتلّ الثوب فلم ينشره و يجففه حتي تعفّن و تعيّب.

الثاني: التفريط، و هو عدم التحفظ علي العين بالنحو المتعارف، كما لو لم يوثق الدابة فشردت أو تردّت في حفرة، أو لم يقفل البيت فسرق ما فيه، أو نحو ذلك.

(مسألة 2): المشهور أن التعدي و التفريط في الأمانات موجبان لضمان تلفها و ضررها المتأخرين عنهما و إن لم يستندا إليهما، فلو ركب الدابة إلي غير المكان المأذون فيه بمقتضي الاستئمان فلم يضرّ بها ثم تلفت بسبب غير مضمّن كان عليه الضمان، و كذا إذا لم يوثق الدابة فلم تشرد ثم مرضت، إلي غير ذلك. فالتعدي و التفريط عندهم مخرج لها عن حكم الأمانة إلي حكم الغصب.

لكن الظاهر اختصاص الضمان بما إذا استند سبب التلف أو العطب إلي التعدي أو التفريط، و لا يجري عليها حكم الغصب إلا إذا كان وضع اليد عليها عدوانيا، كما لو انتهت مدة الإجارة أو بطلت أو فسخت بخيار فأبقي العين عنده بدون رضا المالك مع قدرته علي تسليمها له.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 139

(مسألة 3): في مورد الضمان إذا تعيّبت العين و لم تتلف، بل بقيت لها

قيمة عرفا يلزم الأرش و هو الفرق ما بين قيمتها قبل طروء العيب و قيمتها بعده.

و إن تلفت أو صارت بحكم التالف عرفا لعدم المالية لها، فإن كانت مثلية لزم مثلها، و إن كانت قيمية لزمت قيمتها يوم التلف، إلا أن يجري عليها حكم الغصب- علي ما تقدم في المسألة السابقة- فحينئذ تلزم قيمتها يوم الغصب.

(مسألة 4): إذا كانت مثليّة و تعذر المثل لزم دفع قيمته يوم الأداء.

(مسألة 5): المثلي هو الذي تنسب القيمة فيه عرفا لنوعه لا لشخصه، كالذهب و أنواع الطعام و منتوجات المعامل الحديثة ذات الماركات الخاصة.

و القيمي هو الذي تنسب القيمة عرفا له بشخصه، ككثير من المصنوعات اليدوية و الحيوانات و الأشياء المستعملة و غيرها.

(مسألة 6): للمؤجر أن يشترط علي المستأجر الضمان، بحيث تنشغل ذمته بالمثل أو القيمة، و أظهر من ذلك ما إذا اشترط عليه أن يعطيه عوض العين أو أرش النقص. و لا يفرق في ذلك بين الإجارة الصحيحة و الفاسدة.

(مسألة 7): كما أن العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر، كذلك العين التي يدفعها المستأجر للأجير ليعمل فيها، كالثوب الذي يدفع للأجير ليخيطه أو يصبغه، و الجهاز الذي يدفع له ليصلحه، و الدقيق الذي يدفع له ليخبزه، و غير ذلك، فإن جميع ذلك أمانة في يد الأجير، و يجري عليها الحكم المتقدم من عدم الضمان إلا بالتعدي و التفريط و الشرط.

(مسألة 8): لا يجب علي المستأجر تدارك ما يحصل للأجير في مدة الإجارة أو العمل من ضرر في نفسه، سواء كان عمل الأجير في حوزة المستأجر و تحت يده- كما لو حفر بئرا في داره- أم لا، كما لو دفع إليه الثوب ليخيطه، و سواء كان الأجير عبدا أم

حرا، كبيرا أم صغيرا، و سواء كان الضرر بسبب العمل أم بسبب آخر، إلا مع الشرط، أو كون المستأجر هو السبب في الضرر، أو كونه غارا أو خادعا، فيضمن حينئذ.

(مسألة 9): إذا دفع إليه عينا ليعمل فيها عملا- كخياطة أو صبغ أو غيرهما- فعمله، ثم تلفت مضمونة عليه وجب عليه ضمانها بما أنها واجدة للصفة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 140

الحاصلة من العمل، كما سبق. نعم يستحق الأجير اجرة العامل حينئذ.

(مسألة 10): كل من آجر نفسه لعمل في مال الغير أو في نفسه- كالخياط و النجار و الحداد و القصاب و الختان و غيرهم- إذا استؤجر علي أن يعمل بوجه صالح من دون تحديد العمل الذي يعمله فهو ضامن إذا أفسد. و كذا إذا حدد له العمل فتجاوزه فأفسد، أما إذا لم يتجاوز ما حدد له فلا ضمان عليه، و تجري ذلك في كل من يعمل للغير و إن لم يكن مستأجرا حين التبرع.

(مسألة 11): يضمن الطبيب و البيطري المباشران للعلاج- بمثل حقن الدواء في بدن المريض و طلي جسمه به و تدليكه و شقه و جبر كسره و نحوها- مطلقا، و كذا الطبيب المشرف علي العلاج- بحيث تكون فعلية العلاج بتوجيهه، فلا يستعمل المريض الدواء في كل مرة إلا بأمره- إذا كان المريض قاصرا لا يستقل بالتصرف لصغر أو جنون أو نحوهما، بل مطلقا علي الأحوط وجوبا. بل الأحوط وجوبا ضمانه بوصفه للعلاج عند الرجوع إليه من أجل أن يتعالج به و إن لم يكن مشرفا علي العلاج، حتي لو كان المريض أو المباشر للعلاج مستقلا بالتصرف. نعم لا يضمن بمجرد وصفه للدواء إذا كان لمجرد الاعلام برأيه من دون أن يكون من

أجل ترتب العلاج عليه.

(مسألة 12): يسقط ضمان الطبيب و البيطري بأخذه البراءة من المريض أو المالك أو وليهما. و يكفي في البراءة حضورهم للعلاج مع علمهم بعدم ابتناء العلاج علي اليقين، و تعرضه للخطر. و الظاهر جريان ذلك في كل من يعمل للغير و يتبرأ من الضمان.

(مسألة 13): الممرض التابع للطبيب و المنفذ تعاليمه في حق المريض يضمن مع مباشرته للعلاج أو أمره للمريض القاصر باستعمال العلاج في حالتين.

الاولي: أن لا يكون مأذونا من قبل المريض أو وليه بتنفيذ أمر الطبيب أو إرشاده.

الثانية: أن يتجاوز إرشاد الطبيب و توجيهه من دون إذن المريض أو وليه.

(مسألة 14): إذا عثر الحمال فسقط ما علي رأسه فتلف لم يضمنه إلا أن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 141

يكون مقصرا، لإقدامه علي الحمل مع علمه من نفسه أنه يتعثر كثيرا، أو لسلوكه طريقا غير مستو، أو لإسراعه في السير علي خلاف المتعارف، أو نحو ذلك.

(مسألة 15): إذا حمل الأجير علي الدابة شيئا فسقط منها و تلف أو تعيّب، فإن استند ذلك إليه ضمن، كما إذا لم يحكم شد المتاع و أرسلها فسقط المتاع، أو نخس الدابة أو ضربها فنفرت و ألقت ما عليها، إلا أن يتعارف فعل ذلك، بحيث تبتني الإجارة علي عدم الضمان معه. و إن لم يستند إليه لم يضمن، كما لو طار طائر فنفرت، أو مطرت السماء فزلقت، إلا أن يكون مقصرا، كما لو تعارف إحكام شد المتاع في أيام المطر، فلم يفعل. و يجري هذا التفصيل في جميع وسائط النقل و نحوها.

(مسألة 16): إذا قال للخياط: خط هذا الثوب قميصا لي، فقطعه فلم يكف قميصا له، كان عليه ضمان النقص، لعدم تحقق ما أذن له

فيه. أما إذا قال:

أصبغ هذا الثوب لأجعله قميصا لي فصبغه فلم يكف فلا ضمان عليه، إلا أن يكون الإذن مقيدا بكفايته، كما لو قال: إن كان هذا الثوب يكفيني قميصا فاصبغه أو نحو ذلك.

(مسألة 17): حيث تقدم أن العين التي يدفعها المؤجر للأجير أمانة في يد الأجير لا يضمنها إلا بالتعدي و التفريط، فإن ادعي تلفها بسبب لا يقتضي الضمان- كالسرقة و الحرق و الغرق من دون تفريط- فإن كان هناك ما يناسب ذلك- كسرقة محله كله و نحو ذلك مما يرفع الشبهة عنه- صدّق، و كذا إذا كان ثقة مأمونا أو جاء بالبينة، بل الأحوط وجوبا عدم تضمينه إذا حلف، أما إذا لم يحلف فيجوز تضمينه.

(مسألة 18): إذا استؤجر لحراسة محل تجاري أو نحوه من دون أن يجعل تحت يده أمانة عنده، فسرق المحل فإن لم يكن بتقصير منه فلا ضمان، و يستحق الأجرة، و إن كان بتقصير منه لم يستحق الأجرة لكن لا يضمن أيضا، إلا أن يتضمن عقد الإجارة اشتراط الضمان علي تقدير التفريط أو مطلقا، فيضمن حسب الشرط.

(مسألة 19): إذا استؤجر لحفظ متاع و جعل تحت يده أمانة عنده فسرق،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 142

كان ضامنا له مع التقصير. و لا ضمان مع عدمه إلا مع الشرط، كما تقدم في المسألة السابقة. و لا يستحق الأجرة علي كل حال، إلا أن يكون الحفظ المستأجر عليه استمراريا إلي مدة معينة- كشهر- فحفظه في بعض المدة، فإنه يستحق من الأجرة بنسبة المدة التي حفظه فيها إلي المدة المستأجر عليها.

(مسألة 20): إذا استأجر عينا فآجرها لغيره و سلمها له- في مورد صحة الإجارة الثانية- فتلفت عند الثاني، أو تعيّبت بتقصير من الثاني

كان الثاني ضامنا، و أما الأول فلا يضمن إلا إذا كان الثاني الذي سلمها له غير مأمون عنده.

و كذا الحال إذا استؤجر علي عمل في عين يأخذها عنده فاستأجر آخر علي العمل فيها و سلمها له.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 143

الفصل السابع في أحكام الإجارة

اشارة

(مسألة 1): إذا استوفي المستأجر من العين أكثر من المنفعة المستأجر عليها كان عليه للمؤجر مع الأجرة المسماة قيمة مثل المنفعة الزائدة، كما إذا سار بالدابة أطول من المسافة المقررة، أو حملها أكثر من الحمل المتفق عليه، أو أسكن في الدار أكثر من العدد المقرر، أو استعمل الأجير مدة أطول، و هكذا.

و كذا إذا استوفي منها منفعة أخري مع المنفعة المستأجر عليها، كما لو استأجر الدابة لجر العربة فحمل عليها مع ذلك، أو استأجر الجارية للخدمة فاسترضعها لولده، فإن عليه مع الأجرة المسماة أجرة المثل للمنفعة الأخري.

(مسألة 2): إذا استلم المستأجر العين و لم يستوف منها المنفعة المستأجر عليها بل استوفي غيرها مع إمكان استيفاء المنفعتين معا وجب عليه الأجرة المسماة للمنفعة المستأجر عليها التي فوّتها علي نفسه و اجرة المثل للمنفعة الأخري التي استوفاها، سواء كان ذلك لعدم التضاد بين المنفعتين- كما لو استأجر الأمة للخدمة فاسترضعها و لم يستخدمها- أم لسعة الوقت للمنفعتين معا مع التضاد بينهما، كما لو استأجر السيارة يوما للذهاب لكربلاء، فلم يذهب لكربلاء بل ذهب للنجف. نعم يستحق في الثاني مع بقاء الوقت استيفاء المنفعة المستأجر عليها، إلا أن يبتني عقد الإجارة علي اشتراط عدم الجمع بين المنفعتين تجنبا لإجهاد العين، و حينئذ يلحقه حكم تعذر الجمع بين المنفعتين.

(مسألة 3): إذا استلم المستأجر العين و لم يستوف منها المنفعة المستأجر عليها، بل استوفي غيرها مما يتعذر

جمعه معها- كما إذا استأجر الدار للسكن فصيرها محلا تجاريا، أو استأجر السيارة يوما للسفر شرقا فسافر بها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 144

غربا- فالظاهر أن للمؤجر مع الأجرة المسماة قيمة المثل لفرق ما بين المنفعتين، فإذا كانت قيمة منفعة المحل التجاري ضعف قيمة منفعة دار السكن في المثال السابق استحق مع الأجرة المسماة نصف اجرة المثل للمحل التجاري. و إذا كانت المنفعتان متساويتين قيمة أو كانت المنفعة المستوفاة أقل لم يستحق شيئا زائدا علي الأجرة المسماة. نعم له في جميع الصور فسخ الإجارة، لمخالفة المستأجر الشرط باستعمال العين في غير المنفعة المستأجر عليها، و حينئذ يستحق اجرة المثل للمنفعة المستوفاة بتمامها، دون الأجرة المسماة.

(مسألة 4): إذا استأجر أجيرا لعمل خاص فحضر الأجير للعمل فطلب منه عملا آخر فعمله- كما إذا استأجر عاملا يوما للخياطة، فكلفه بالحراسة أو الكتابة- فإن رجع ذلك منهما إلي التراضي علي إبدال العمل المستأجر عليه بالعمل الآخر فلا إشكال في لزوم الإجارة و استحقاق الأجرة المسماة لا غير، و إن لم يرجع إلي ذلك- كما لو كانا غافلين عن مقتضي الإجارة، أو كان الأجير مجبورا علي العمل الآخر، أو قاصرا لا ينفذ تصرفه، أو غير ذلك- جري فيه التفصيل المتقدم في المسألتين السابقتين.

(مسألة 5): إذا استأجر عينا علي أن يستوفي منفعتها بنفسه فمكّن غيره من استيفائها و أذن له في ذلك لم ينفذ ذلك منه، و يحرم علي ذلك الغير استيفاؤها، فلو استوفاها كان المورد من صغريات ما تقدم في المسألة (3) من استيفاء المنفعة المضادة للمنفعة المستأجر عليها، فيكون للمؤجر فسخ الإجارة، فإن فسخ لم يستحق الأجرة المسماة علي المستأجر، بل يستحق اجرة المثل للمنفعة المستوفاة علي من

استوفاها، و إن لم يفسخ كان له الأجرة المسماة علي المستأجر، و كان للمستأجر علي المستوفي اجرة المثل للمنفعة إذا لم يكن قد أذن له في استيفائها مجانا. نعم لو فرض- حينئذ- زيادة أجرة المنفعة إذا استوفاها الشخص المذكور عن أجرتها إذا استوفاها المستأجر كان للمؤجر قيمة المثل لفرق ما بين المنفعتين، نظير ما تقدم في المسألة (3).

(مسألة 6): إذا استأجر عينا علي أن يستوفي منفعتها بنفسه فآجرها من غيره ليستوفيها لم تنفذ الإجارة منه، بل تتوقف علي إجازة المؤجر الأول، فإن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 145

أجاز نفذت الإجارة و وقعت للمستأجر الأول، لرجوعها عرفا إلي إسقاط شرط مباشرته في الاستيفاء، فيلحقها حكم المسألة الآتية. و إن لم يجز حرم علي المؤجر الثاني استيفاء المنفعة، و إن استوفاها حينئذ جري حكم المسألة السابقة.

(مسألة 7): إذا استأجر عينا علي منفعة خاصة فاستوفي غيره منفعتها من دون إذن منه، فإن كان ذلك مع استيفاء المستأجر للمنفعة المستأجر عليها- لعدم التضادّ بين المنفعتين- استحق المؤجر علي المستأجر الأجرة المسماة، و علي الثاني أجرة المثل للمنفعة التي استوفاها. و ان لم يستوف المستأجر المنفعة المستأجر عليها فله صورتان.

الاولي: أن يكون عدم استيفاء المستأجر للمنفعة بسبب منع ذلك الغير له من دون تقصير منه، و حينئذ تبطل الإجارة و يجب علي المؤجر إرجاع الأجرة المسماة للمستأجر، و يستحق هو اجرة المثل للمنفعة المستوفاة علي من استوفاها.

الثانية: أن يكون عدم استيفاء المستأجر للمنفعة تسامحا منه في ذلك مع قدرته عليه، و حينئذ لم تكن المنفعة المستوفاة مضادة للمنفعة المستأجر عليها صحت الإجارة و وجب للمؤجر الأجرة المسماة علي المستأجر، و اجرة المثل للمنفعة المستوفاة علي من استوفاها. و إن

كانت مضادة لها صحت الإجارة أيضا و وجبت للمؤجر الأجرة المسماة.

و أما بالإضافة إلي أجرة المثل للمنفعة المستوفاة، فإن زادت قيمة المثل للمنفعة المستوفاة عن قيمة المثل للمنفعة المستأجر عليها كان للمؤجر نسبة ما بين القيمتين منها و الباقي للمستأجر، فإذا كانت قيمة المنفعة المستوفاة ضعف قيمة المنفعة المستأجر عليها كان للمؤجر نصف قيمة المنفعة المستوفاة و النصف الثاني للمستأجر، و إن لم تزد عليها كانت بتمامها للمستأجر. نعم إذا كان استيفاء الغير للمنفعة بالوجه المذكور منافيا لشرط صريح أو ضمني في عقد الإجارة بأن تبتني الإجارة علي عدم تمكين الغير من العين و كان الاستيفاء مبنيا علي التسامح من المستأجر في ذلك كان للمؤجر فسخ الإجارة فلا يستحق معه الأجرة المسماة، بل يستحق تمام اجرة المثل للمنفعة المستوفاة علي من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 146

استوفاها.

(مسألة 8): يجوز لمستأجر العين أن يؤجرها من غيره، فمن استأجر مقعدا في سيارة مثلا جاز له أن يؤجره من غيره، إلا مع اشتراط المباشرة صريحا أو ضمنا و لو لانصراف الإجارة إليها. نعم إذا كانت الإجارة في مثل المنفعة المذكورة مبنية علي تسليم العين للمستأجر فلا يجوز للمستأجر الأول تسليمها للثاني إذا لم يكن أمينا بنظره، و إلا كان ضامنا، كما سبق. و هكذا الحال إذا استؤجر لعمل في عين لغيره كخياطة ثوبه و بناء داره، فإنه يجوز مع عدم اشتراط المباشرة أن يستأجر غيره لذلك، و لا يجوز له تسليمه العين إلا إذا كان أمينا بنظره.

(مسألة 9): من استأجر عينا لم يشترط فيها المباشرة جاز له أن يؤجرها لغيره بأقل مما استأجرها به و بقدره، و كذا بالأكثر إذا أحدث فيها حدثا- كصبغ بيوت الدار و

إصلاح بابها و غير ذلك- أو غرم فيها شيئا. و أما بدون ذلك فلا يجوز في البيت و الدار و الدكان، بل و لا في الرحي و الأرض علي الأظهر، بل الأحوط وجوبا عموم المنع لكل عين مستأجرة.

(مسألة 10): قيل: يجوز لمن استأجر عينا أن يؤجرها بغير جنس الأجرة التي استأجرها بها، و إن كانت أكثر قيمة منها بحيث يكون له الربح في ذلك. لكنه لا يخلو عن إشكال، بل الأظهر المنع في الأرض، و الأحوط وجوبا المنع في غيرها أيضا.

(مسألة 11): يجوز للمستأجر أن يؤجر بعض العين المستأجرة بأكثر من نسبته من اجرة الكل، بل يجوز بتمام اجرة الكل من دون زيادة، فمن استأجر دارا بألف دينار- مثلا- جاز له أن ينتفع بثلثيها بنفسه، و يؤجر ثلثها بألف دينار، لا بأكثر.

(مسألة 12): يجوز لمن تقبّل أرضا للزراعة أن يقبّلها لغيره بأكثر مما تقبّلها به و إن لم يحدث فيها شيئا و لم يغرم، إذا كان ذلك بحصة مشاعة من ثمرها، لا بمقدار معين، فمن تقبل أرضا مثلا علي أن يدفع ربع حاصلها لمالكها جاز له أن يقبلها لغيره بنصف حاصلها، فإذا أخذ النصف دفع منه ربعا للمالك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 147

و يكون الربع الثاني ربحا له. و لا يجوز ذلك مع تحديد الأجرة بشي ء معين، كألف دينار.

(مسألة 13): من استؤجر لعمل- كخياطة ثوب و بناء دار- بأجر معين من دون شرط المباشرة لا يجوز له أن يستأجر غيره عليه بأقل من ذلك الأجر، إلا أن يعمل فيه شيئا، كتقطيع الثوب للخياطة و شق الأسس للبناء و نحو ذلك. و في كفاية الغرم من غير عمل إشكال، كما إذا دفع اجرة لنقل

العين التي فيها العمل أو لحراستها، إلّا أن يكون العمل الذي يغرم لأجله من جملة العمل المستأجر عليه، فيجوز حينئذ و إن حصل له ربح من ذلك.

و كذا يجوز إذا كان الثمن الأول مدفوعا بإزاء عين مع العمل و الثاني مدفوعا بإزاء العمل فقط، كما إذا استؤجر علي الخياطة أو البناء أو غيرهما بثمن معين علي أن عليه المواد اللازمة لإنجاز العمل، فإنه يجوز له أن يستأجر غيره علي إنجاز العمل وحده بأقل من ذلك الثمن علي أن تكون المواد عليه لا علي ذلك الغير.

(مسألة 14): إذا استأجر عينا لمنفعة ما مدة معينة لا يحق له أن يشغلها بما من شأنه إشغاله فيها أكثر من تلك المدة، فمن استأجر أرضا للزرع لا يحق له أن يزرع فيها ما يبقي أكثر من مدة الإجارة، و من استأجر بيتا لا يحق له أن يعمل فيه أو يحرز فيه ما لا يمكن تفريغه منه عند انقضاء مدة الإجارة، و لو فعل عامدا كان متعديا في إبقاء ذلك الشي ء، فيحق للمالك إجباره علي أن يسلّمه العين المستأجرة غير مشغولة به، و إن استلزم الضرر عليه، و لا يجوز له الامتناع من ذلك، إلا أن يرضي المالك بإشغال العين به و لو بثمن يتفقان عليه.

أما لو فعل ذلك غير عامد، فإن أمكن إزالته من دون لزوم ضرر علي صاحبه لزم مع عدم رضا المالك بالإبقاء و لو بثمن، و إن لزم عليه الضرر وجب علي المالك الرضا بالإبقاء بأجرة ما لم يلزم الضرر علي المالك أيضا، فيجب علي المستأجر إزالته مع عدم رضا المالك، كما إذا كان موجبا لنقص قيمة العين و تعيبها عرفا.

و كذا الحال لو أشغل المستأجر العين

بما من شأنه أن يفرّغ منها عند

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 148

انقضاء مدة الإجارة فاتفق خلاف ذلك لطوارئ غير محتسبة، كما لو لم ينضج الزرع لبرودة الهواء أو لقلة الماء.

(مسألة 15): إذا استأجر أرضا للزراعة فحصد الزرع عند انقضاء المدة و بقيت أصوله فنبتت بعد ذلك، فإن كان قد أعرض عنها فهي لمن سبق إليها، بلا فرق بين مالك الأرض و غيره، غاية الأمر أنه يحرم علي الغير الدخول إلا بإذنه.

بل لو كان مرجع إعراض المستأجر عن أصول الزرع إلي تركها لمالك الأرض- كما لعله الغالب- لم يجز لغيره تملكها.

هذا كله إذا كان الإعراض منه مع الالتفات لاحتمال نباتها بعد ذلك، أو مع الغفلة عنه و سبق صاحب الأرض أو غيره لتملكها قبل النبات. أما إذا كان غافلا عن احتمال نباتها فنبتت قبل أن يسبق شخص لتملكها فلا يجوز لأحد تملكها بل يجري عليها حكم المسألة الآتية.

(مسألة 16): إذا حصد مستأجر الأرض الزرع عند انقضاء مدة الإجارة و أبقي الأصول له غير معرض عنها- عصيانا أو للبناء علي قلعها فانشغل عن ذلك- كان النبات له. نعم للمالك المطالبة بقلعها علي التفصيل المتقدم في المسألة (14). كما أن له المطالبة بأجرة المثل في جميع الصور المتقدمة إذا لم تدخل في ملكه، و كان من شأنها أن تزال عند انتهاء مدة الإجارة.

(مسألة 17): إذا استأجره علي عمل مقيد بقيد خاص- من زمان أو مكان أو آلة أو غيرها- فجاء به علي خلاف الوجه الذي وقع الاتفاق عليه فله صورتان.

الاولي: أن يتعذر العمل المستأجر عليه و لو لمضي المدة التي قيدت بها الإجارة، و حينئذ تبطل الإجارة و لا يستحق الأجير شيئا، ثمّ إنه إذا كان

العمل في مادة خاصة- كما إذا استأجره علي أن يخيط ثوبه قميصا فخاطه قباء فإن نقصت قيمتها بالعمل المذكور كان ضامنا للأرش، و إن زادت فإن كان قد تعمد ذلك فلا شي ء له في مقابل عمله، و إن كان قد أخطأ فالظاهر استحقاقه لنتيجة عمله في العين فله الزيادة الحاصلة بسببه.

الثانية: أن لا يتعذر العمل المستأجر عليه، كالذهب يستأجر علي صياغته بوجه فيصوغه بوجه آخر مع بقاء مدة الإجارة، و حينئذ إن كان قد تعمد العمل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 149

بالوجه الآخر لم تبطل الإجارة و وجب إعادة العمل علي الوجه المستأجر عليه.

و كذا إذا كان قد أخطأ في ذلك و لم يكن العمل موجبا لزيادة القيمة، أما إذا كان موجبا لزيادة القيمة فإعادة العمل جريا علي مقتضي الإجارة مضرّ بالأجير، لأنه يستلزم إتلاف نتيجة عمله فيكون المورد من تزاحم الحقوق و لا بدّ من التراضي بينهما. و مع تشاحهما لا بدّ من الرجوع للحاكم الشرعي.

(مسألة 18): إذا استأجره علي عمل و اشترط عليه شرطا زائدا علي العمل المستأجر عليه فجاء بالعمل و تخلف عن الشرط صحت الإجارة و استحق الأجرة، و كان للمستأجر الفسخ و الرجوع بالأجرة المسماة و دفع اجرة المثل بدلها. و هكذا الحال في كل شرط في الإجارة، فإنّ تخلّفه لا يوجب بطلان الإجارة، بل يوجب الخيار لصاحب الشرط، فإذا فسخ لزم الرجوع لاجرة المثل.

(مسألة 19): الفرق بين القيد و الشرط أن القيد يكون مضيقا للعمل المستأجر عليه فلا ينطبق علي فاقد القيد، ليقع به الوفاء بالإجارة، و الشرط التزام خارج عن العمل المستأجر عليه لا يقتضي قصوره عن صورة فقد الشرط، سواء كان الشرط خارجا عن العمل المستأجر

عليه، كما لو استأجره علي الصلاة عن الميت و اشترط عليه أن يخيط ثوبه، أم متعلقا به، كما لو استأجره علي الصلاة عن الميت و اشترط عليه التعجيل به زائدا علي أصل العمل. غايته أن تمييز الأول عن القيد أيسر من تمييز الثاني، بل يحتاج تمييز الثاني عن القيد إلي عناية لفظية أو قرينة عرفية.

(مسألة 20): إذا استأجره علي عمل خاص، فعجز و لم يكمله، كان له من الأجرة بقدر ما أتي به من العمل. أما إذا استأجره علي نتيجة العمل غير القابلة للتبعيض، كحضور موسم خاص- من حج أو عمرة أو زيارة أو سوق أو غيرها- فأتمّ له العمل من دون أن تترتب النتيجة المذكورة- بأن حضر بعد ذهاب الوقت مثلا لزمهما الصلح و التراضي علي دفع بعض الأجرة بنسبة قيمة العمل خاليا عن النتيجة المذكورة لقيمة إذا كان واجدا لها، فإذا كانت قيمة السفر مثلا للمكان المذكور من دون حصول النتيجة المذكورة نصف قيمته مع حصولها استحق نصف الأجرة المسماة. نعم إذا لم يكن للعمل الفاقد للنتيجة قيمة لم يستحق الأجير شيئا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 150

تتميم:

ليس لمستأجر العين أولوية الإجارة من غيره بعد انقضاء مدة الإجارة، فإذا استأجر زيد من عمرو دارا أو محلا تجاريا أو سيارة سنة واحدة مثلا فانقضت السنة كان لعمرو أخذ هذه الأعيان من زيد و إيجارها من غيره، و له أن يعطله أو ينتفع به بنفسه، و يجب علي المستأجر تسليمه. و ما تعارف من أولوية مستأجر المسكن أو المحل التجاري ليس أمرا شرعيا، بل أولوية عرفية، و قد أكدها صعوبة الانتقال خصوصا من المحل التجاري.

(مسألة 1): نظرا للأولوية العرفية المتقدمة فقد تعارف سابقا

بذل شي ء من المال للمستأجر من أجل أن يخلي المحل التجاري و يفسح المجال لدافع المال كي يستأجره من المالك، و هذا المال المدفوع هو الذي كان يسمي (سر قفلية) و هو في الحقيقة هدية مشروطة بالإخلاء لا يوجب حقا لدافعة في الاستئجار لا في السنة الاولي و لا بعدها، بل لا بد في ذلك من مراجعة المالك، و لا يكفي مراجعة المستأجر المدفوع له المال بعدم عدم ثبوت حق له في العين شرعا.

نعم لو رضي المالك بأن يكون لدافع المال المذكور الأولوية في الاستئجار في مقابل ما دفع ثبت له الحق في ذلك، لكن لا يكفي في ذلك رضا المالك باستئجار الثاني بعد بذله المال للمستأجر الأول، بل لا بدّ فيه من عناية خاصة و اتفاق خاص يرجع إلي عقد أطرافه ثلاثة أشخاص المالك و المستأجر و دافع المال، و يتضمن العقد المذكور التزام المالك بأنّ للدافع حقا في العين يقتضي أولويته باستئجارها في مقابل دفعه المال المذكور للمستأجر الأول من أجل إخلائها.

(مسألة 2): تعارف في عصورنا أن يبذل من يريد استئجار المحل التجاري أو المسكن مقدارا من المال مقدمة للاستئجار يسمي (سر قفلية) أيضا. و يمكن أن يقع ذلك علي وجهين.

الأول: أن يكون بذل المال من أجل تقديم الباذل علي غيره ممن يريد الاستئجار من دون أن يكون للدافع في مقابل المال المدفوع الأولوية و الحق في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 151

الاستئجار بعد ذلك، و حينئذ لا يكون للمستأجر المذكور في العين المستأجرة حق شرعي، بل لا يكون له إلا الأولوية العرفية التي تقدم التعرض لها.

الثاني: أن يكون بذل المال في مقابل حق للباذل في العين المستأجرة يقتضي أن يكون له

الحق في استئجارها، و حينئذ لا يكون للمالك حق أخذ العين منه، إلا أن يتنازل عن الحق المذكور مجانا أو بعوض.

(مسألة 3): الحقّ في الصورة الثانية من جملة المكاسب التي يملكها المؤجر التي تكون موضوعا للخمس، كما سبق في كتاب الخمس. كما أنه يورث، إلا أن يكون مقيدا عند العقد بمباشرة خصوص دافع المال، بخلاف الحال في الصورة الأولي حيث لا موضوع فيها للإرث و الخمس. نعم سبق في كتاب الخمس أن المال المدفوع فيها يكون من مؤن التجارة المستثناة من الأرباح.

(مسألة 4): لما كان الحق المذكور في الصورة الثانية مجعولا للمتعاقدين فعمومه و خصوصه تابع لنحو الاتفاق بينهما، فإذا اتفقا علي أن للمستأجر بذله لغيره بعوض أو مجانا جاز ذلك له و نفذ قهرا علي المالك، و إلا لم يجز له بذله إلا بإذن المالك.

(مسألة 5): الحق المذكور في الصورة الثانية يختص بما إذا حضر المستأجر- الباذل للمال- للاستئجار في السنين اللاحقة و بذل الأجرة، و لا يعم ما إذا لم يفعل ذلك، و لو قهرا لحبس أو تشريد، بل يجوز للمالك حينئذ الانتفاع بالمحل بنفسه و إيجاره علي غيره من دون بذل شي ء للمستأجر الباذل للمال، إلا أن يتفقا علي ثبوت الحق المذكور بنحو يقتضي ضمانه بالقيمة المدفوعة أو بقيمة المثل عند إرادة استيفاء منفعة العين و تعذّر مراجعة صاحب الحق. و هو يحتاج إلي عناية خاصة و تنبيه لا يبتني عليه طبيعة الحق ارتكازا.

(مسألة 6): للمالك عند انتهاء مدة الإجارة و إرادة تجديدها أن يزيد علي الأجرة السابقة، سواء كان للمستأجر حق السرقفلية المتقدم أم لم يكن، إلا أن يتفق المؤجر و المستأجر و يشترطا في عقد الإجارة أو في عقد آخر

تحديد الأجرة أو تبعيتها للقوانين الوضعية المفروضة في البلد، فيلزم الشرط و يجب العمل عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 152

خاتمة: في بقية وجوه استيفاء المنفعة بالأجر

اشارة

استيفاء المنفعة بالأجر لا يختص بالإجارة، بل له وجوه أخري جري العرف و العقلاء علي العمل عليها، و هي تشارك الإجارة في اشتراط حلية المنفعة و الأجرة، علي الضوابط المتقدمة في المكاسب المحرمة. و تختص الإجارة من بينها بأنها من العقود، حيث تتضمن المعاوضة و تمليك المنفعة بالأجر بمجرد وقوع المعاملة قبل استيفاء المنفعة، كما تقدم في الفصل الأول.

و لذا كان لكل من الطرفين المطالبة بما ملك، و علي كل منهما تسليم ما ملّك وفاء بالعقد اللازم، كما تقدم أيضا.

و هذا بخلاف الوجوه الأخر، فإنها إنما تقتضي ملكية الأجر بعد استيفاء المنفعة من دون أن تقتضي ملكية المنفعة، و لا ملكية الأجرة قبل استيفائها، و لذا لا يكون لكل من الطرفين المطالبة بشي ء قبل الاستيفاء، و إنما يحق لمن استوفيت المنفعة منه المطالبة بعد استيفائها بالأجر.

إذا عرفت هذا، فالمناسب التعرض لتلك الوجوه في ضمن مبحثين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 153

المبحث الأول في الاستيفاء و الإباحة بالضمان

كل من طلب من غيره عملا أو منفعة لهما مالية عرفا فوفّاه ما طلب كان عليه لمن استوفي منه أجر تلك المنفعة أو العمل، كما إذا قال المريض للطبيب:

داوني، أو قال الماشي لصاحب الدابة أو السيارة: احملني، أو قال صاحب الثوب للخياط: خط لي هذا الثوب، أو قال طالب المتاع للدلال: اشتر لي المتاع الفلاني، أو قال الطارق لصاحب البيت: دعني أنام فيه إلي غير ذلك، فإنه إذا استجاب المطلوب منه للطالب فاستوفي الطالب منه ما طلب كان عليه اجرة العمل أو المنفعة التي استوفاها.

(مسألة 1): لا بد في لزوم الأجر من كون الطالب للعمل نافذ التصرف، فلو كان محجورا عليه بصغير أو جنون أو سفه فلا أجر عليه إن علم العامل بحاله،

و إلا فلا يخلو الأمر عن إشكال، و يحتمل لزوم أقل الأمرين من الأجر المعين و اجرة المثل، فالأحوط وجوبا التصالح مع الولي.

(مسألة 2): إذا علم المطلوب منه أن الطالب يريد العمل أو المنفعة مجانا فأدّي له ما طلب لم يكن له أجر، و كذا إذا ظهر له من حاله ذلك بقرائن حالية أو مقالية. نعم لو غفل عنها استحق الأجر واقعا، و توقف استحقاقه له ظاهرا علي إثبات غفلته.

(مسألة 3): قد يعلم المطلوب منه من حال الطالب أنه يريد منه العمل تبرعا و بلا أجر، فلا يرضي في نفسه بذلك، و لا يهون عليه تنبيه إلي ذلك خجلا منه، أو خوفا من أن يترك التعامل معه فيكون أضر عليه، فيكتم ما في نفسه و يعمل له بقصد الأجير، و يعمد للتحايل في تحصيل الأجر له، فمثلا يقول

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 154

زيد لعمرو: اشتر لي البضاعة الفلانية، قاصدا الشراء له مجانا من دون أن يدفع له دلالية، فإذا لم يعجب عمرا ذلك تحايل في أخذ الدلالية منه بأحد وجهين.

الأول: أن يأخذ منه الدلالية بإضافتها للثمن مع إيهام أن الثمن هو المجموع.

الثاني: أن يتفق مع البائع علي زيادة الثمن من أجل أن يدفع الدلالية له.

لكن الأول سرقة محرمة، و الثاني مخالف لقصد المشتري الذي وكّله، لأن مطلوبه منه تحرّي أرخص الأثمان، ثقة به و اعتقادا بأنه لا يأخذ لنفسه شيئا، فلا يكون الشراء بالثمن المذكور مأذونا فيه و يخرج عن شرط وكالته فيبطل الشراء، و لا يستحق البائع الثمن كما لا يستحق هو الدلالية.

و قد يلجأ بعضهم إلي أن يأخذ المشتري للبائع مع اتفاق مسبق مع البائع أن يزيد في الثمن من أجل

الدلالية، فيخبر البائع المشتري بالثمن الأكثر، فيرضي به ثقة بصاحبه الذي أرشده للبائع المذكور، لتخيل أنه أرشده لصاحب الثمن الأقل. و هذا الطريق و إن لم يستلزم بطلان البيع، إلا أنه يبتني علي خيانة صاحبه- الذي ائتمنه و استرشده- و غشّه، و ذلك من أعظم المحرمات، فاللازم اجتناب هذه الطرق الملتوية و أمثالها، و سلوك الطرق الواضحة الصريحة تجنبا للحرام و ليطيب المكسب و يهنأ.

(مسألة 4): إذا تعارف دفع البائع الدلالية في المسألة السابقة من دون حاجة إلي اتفاق خاص بينه و بين الوسيط، بحيث يكون السعر الذي يطلبه هو السعر الطبيعي، و لم يكن هناك بايع آخر بدون الثمن الذي يطلبه جاز للوسيط الشراء لمن طلب منه بالثمن الذي يعينه البائع المذكور، و حلّ له أخذ الدلالية، و لا يجب عليه حينئذ تنبيه المشتري الذي طلب منه التوسط و لا إعطاء الدلالية له، كما لا يجب عليه التنازل عن الدلالية و عدم أخذها من البائع من أجل أن ينقص الثمن لصالح المشتري الذي استعان به و استنصحه، لعدم كونه غاشا له حينئذ بعد جريه علي النحو المتعارف من دون التواء و تحايل.

(مسألة 5): إذا أدّي المطلوب منه ما طلب بقصد التبرع و المجانية لم يستحق شيئا. و لو دفع له الأجر لم يستحقه، فليس له أخذه إلا إذا قصد الدافع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 155

الهدية لا الأجر، و لو أعلمه بالحال فأصر علي دفع الأجر فالظاهر جواز أخذه له، لظهور حاله عرفا في إجازته له أن يأخذه بعنوان الهدية.

(مسألة 6): إذا كان المطلوب منه محجورا عليه بصغر أو جنون أو سفه لم ينفع قصد التبرع منه أو من الطالب في سقوط الأجر،

بل يتعين ثبوت أجر المثل له. نعم إذا رأي وليه صلاحه في العمل تبرعا جاز له أن يأذن في ذلك فلا يثبت الأجر. و يكفي استفادة إذنه من شاهد الحال.

(مسألة 7): إذا ابتني طلب المنفعة و أداؤها علي أجر معين بين الطرفين لزم، كما إذا اتفقا بوجه خاص علي مقدار الأجر مسبقا، و كما إذا أعلن العامل بوجه عام أجرا خاصا لعمله، كالطبيب يكتب أجر المعاينة في عيادته، و صاحب الفندق يكتب أجر المبيت، و سائق السيارة يكتب أو يعلن عن اجرة السيارة.

(مسألة 8): لا يعتبر علم كلا الطرفين بمقدار الأجر، بل يكفي رضاهما بالأجر المعلن المعين إجمالا و إن جهله أحدهما أو كلاهما تفصيلا.

(مسألة 9): إذا علم أحدهما بقصد الآخر أجرا معينا و لم يعرف مقداره فليس له قصد غيره، بل لا بدّ إمّا من الرضا به علي إجماله فيلزم به، أو التوقف عن بذل المنفعة أو استيفائها. و لو أقدم حينئذ من دون أن ينبه صاحبه علي عدم الرضا به الزم بما قصده صاحبه. و كذا الحال إذا علم بما قصده صاحبه تفصيلا، فإنه ليس له إلا الرضا به فيلزمه، أو التوقف.

(مسألة 10): إذا قصد كل منهما غير ما قصده الآخر بتخيل أن ذلك هو الأجر المطلوب فهناك صور:

الاولي: أن يقصد صاحب المنفعة أو العمل أجرة المثل أو ما زاد عليها و يقصد المستوفي ما نقص عنها.

الثانية: أن يقصد المستوفي اجرة المثل و يقصد صاحب العمل أو المنفعة ما زاد عليها.

و اللازم في هاتين الصورتين اجرة المثل.

الثالثة: أن يقصد صاحب المنفعة أو العمل ما نقص عن اجرة المثل و يقصد المستوفي ما دونه أو ما فوقه، مساويا لاجرة المثل أو زائدا عليها. و

في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 156

وجوب ما قصده صاحب المنفعة أو العمل أو وجوب اجرة المثل حينئذ إشكال، و الأحوط وجوبا التصالح بينهما.

الرابعة: أن يقصد كل منهما ما زاد علي اجرة المثل. و في وجوب أقل الأمرين مما قصده كل منهما أو وجوب اجرة المثل حينئذ إشكال أيضا، و الأحوط وجوبا التصالح.

(مسألة 11): إذا لم يبتن طلب المنفعة و أداؤها علي التبرع لكن لم يعين الطرفان أجرا خاصا وجبت اجرة المثل. نعم يكره استعمال الأجير من دون تحديد أجرته.

(مسألة 12): إذا كان أحد الطرفين محجورا عليه لصغر أو غيره فلا عبرة بتعيينه، إلا أن يحرز إذن وليه له في ذلك. فلو استوفيت المنفعة من دون ذلك، فإن كان المحجور عليه هو المستوفي للمنفعة لم يكن عليه أجر، و إن كان هو صاحبها فهل اللازم اجرة المثل، أو أكثر الأمرين منها و ممّا أقدم عليه المستوفي؟

وجهان، و الأحوط وجوبا التصالح و التراضي بينهما.

(مسألة 13): المعاملة المذكورة ليست عقدا، فيجوز الرجوع فيها ما لم تستوف المنفعة و يثبت الضمان. نعم إذا تعارف عدم الرجوع في أثناء استيفاء المنفعة كان الشروع في استيفائها برضاهما معا راجعا إلي التزام كل منهما للآخر بالمضي فيما شرعا فيه، فيلتزم صاحب المنفعة للمستوفي بالاستمرار في بذل المنفعة حتي تكمل في مقابل تمام الأجر، و يلتزم المستوفي لصاحب المنفعة بتمام الأجر لو بقي علي بذله، فتكون المعاملة نحوا من الصلح، و عقدا خاصا اتفق عليه الطرفان ضمنا و إن لم يصرح به لفظا.

(مسألة 14): كما أنه قد يطلب الشخص استيفاء المنفعة فيجري فيه ما تقدم، كذلك قد يبيح صاحب المنفعة استيفاءها بثمن معين، فيلزم الثمن المذكور علي كل من استوفاها، كأن

يأذن صاحب الكراج بجعل السيارة فيه، و صاحب الخان بالمبيت فيه، و صاحب الحمام بالغسل فيه، و صاحب السيارة العامة بالركوب فيها، و غير ذلك. و ليس ذلك من الإجارة في شي ء، كما أنه ليس من العقود ما لم يبتن علي الإلزام و الالتزام بأن يتعارف عدم الرجوع في الأثناء،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 157

بحيث لا يحق لأحدهما العدول عما شرعا فيه، نظير ما تقدم في المسألة السابقة (مسألة 15): الظاهر جريان نظير ما سبق في الأعيان المملوكة، فمن طلب من أحد طعاما فأكله كان عليه مع عدم قصد المجانية من الطرفين قيمة المثل، إلا مع تعيين قيمة خاصة فتلزم، و إن لم تكن معلومة تفصيلا. و كذا من بذل طعامه و أباحه بالضمان كان له قيمة المثل، أو القيمة التي عينها علي من يأكل الطعام أو يتصرف فيه التصرف المانع من الانتفاع به علي الوجه المطلوب، كما هو الشائع في المطاعم العامة و نحوها. و لا يكون ذلك بيعا ليكون مشروطا بشروطه، بل هو استيفاء بالضمان أو إباحة بالضمان. و تجري فيه الفروع المتقدمة في العمل و المنفعة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 158

المبحث الثاني في الجعالة

و هي عبارة عن التزام الإنسان بجعل مال لغيره علي عمل يقوم به بحيث يكون المال جعلا علي العمل و عوضا عنه. أما الوعد بدفع المال هدية لمن يقوم بالعمل، من دون أن يكون عوضا عنه و جعلا عليه فهو و عد مجرد لا يجب الوفاء به.

(مسألة 16): الجعالة من الإيقاعات، فيكفي فيها الإيجاب ممن يريد العمل و يحثّ عليه، و لا تحتاج إلي القبول. و إيجابها علي نحوين: خاص و عام، فالأول كما إذا قال لشخص:

إن خطت ثوبي فلك درهم، و إن كنست المسجد فلك دينار، و الثاني كما إذا أعلن صاحب الضالة عن جعل شي ء من المال لمن ردها عليه، أو أعلن من يهمه أمر البلد عن جعل شي ء من المال لمن يرد عن البلد عادية حيوان أو سيل أو عدو أو نحو ذلك.

(مسألة 17): يعتبر في الجاعل أن يكون نافذ التصرف غير محجور عليه لصغير أو جنون أو سفه، و إلا احتاج نفوذ الجعالة منه لإذن الولي. و بدون ذلك تبطل الجعالة، و لا يستحق العامل شيئا. نعم إذا أمر بالعمل و لم يقتصر علي جعل الجعل جري ما تقدم في المبحث الأول.

(مسألة 18): لا يعتبر في العامل نفوذ التصرف، فإذا لم يكن نافذ التصرف و جاء بالعمل استحق الجعل. بل إذا كان الجاعل قد أمره بالعمل و لم يقتصر علي جعل الجعل و اندفع في العمل عن أمره استحق أكثر الأمرين من الجعل و اجرة المثل.

(مسألة 19): لا يعتبر انتفاع الجاعل بالعمل، بل يكفي رغبته في تحصيله لمصلحة غيره، كما إذا قال: من خاط ثوب زيد فله كذا. بل حتي لو كان لمصلحة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 159

العامل نفسه، كما إذا قال: إن غسلت ثوبك فلك كذا.

(مسألة 20): لا يعتبر في العمل أن يكون معلوما من حيثية الكثرة و القلة و المشقة و السهولة و غير ذلك مما يوجب اختلاف المالية أو الرغبة، بل يكفي تحديده بنحو ينضبط. و كذا الحال في الجعل فتصح مع جهالته، كما لو قال: من ردّ دابتي فله ما في هذه الصرة. بل تصح مع تردد الجعل بين أمرين، كما لو قال:

من ردّ دابتي فله أحد هذين الثوبين، لكن لا

بد من انضباطه في الجملة بجعل طريق لتعيين أحدهما، كالقرعة أو اختيار الجاعل أو المجعول له أو نحو ذلك.

(مسألة 21): لا بدّ في استحقاق العامل للجعل من ابتناء عمله علي الجعالة، بحيث يقصد به استحقاق الجعل، فلو قام بالعمل جاهلا بها أو غافلا عنها لم يستحق شيئا، و إن كان بأمل إحسان الجاعل. و كذا لو كان عالما بها إلا أنه قصد التبرع بعمله.

(مسألة 22): يجوز للجاعل الرجوع بالجعالة قبل شروع العامل في العمل و في مقدماته. و في جواز رجوعه بعد شروعه في المقدمات قبل البدء بالعمل إشكال، كما لو قال: من ردّ دابتي فله كذا، فسافر العامل من أجل العثور عليها. و كذا بعد الشروع في العمل قبل إكماله إذا كان الجعل مبنيا علي الارتباطية، و أما إذا كان مبنيا علي الانحلال فله الرجوع، و يستحق العامل من الأجر بنسبة عمله.

(مسألة 23): يجوز للمجعول له الرجوع بعد الشروع في مقدمات العمل، بل بعد الشروع في العمل نفسه، إلا أن يتعارف عدم الرجوع حينئذ، فيجري ما تقدم في المسألة (13).

(مسألة 24): إذا اشترك في العمل المجعول عليه الجعل أكثر من واحد اشتركوا في الجعل بالنسبة. و إن قام به كل منهم بنحو الاستقلال- كما لو قال: من صلي عن أبي صلاة الظاهر فله كذا، فصلاها جماعة- فإن كان الجعل علي الوجود الواحد كان الجعل لمن سبق في إكمال العمل، و إن تقارنوا في ذلك اشتركوا في الجعل، و إن كان الجعل علي كل وجود بنحو الانحلال بأن كان المراد تعدد الجعل بتعدد العمل استحق كل منهم جعلا.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 161

كتاب المضاربة

المضاربة عبارة عن معاملة خاصة بين

صاحب المال و شخص آخر تبتني علي اتجار ذلك الشخص بالمال علي أن يكون له شي ء من الربح.

(مسألة 1): لا بدّ في المضاربة من بقاء المال علي ملك صاحبه و عدم تملك العامل له من المالك، فيكون العامل بمنزلة الوكيل علي المال يبيع به و يشتري لصاحبه، بحيث يكون من شأن الربح أن يكون بتمامه لصاحب المال، لأنه ربح ماله، لو لا أن العامل بسبب عمله يستحق بعضه.

و ليس من المضاربة ما إذا دفع المالك المال للتاجر علي أن يخرج عن ملكه و يصير للتاجر مع انشغال ذمته بمثله، و حينئذ يعمل التاجر به كما يعمل بماله يبيع و يشتري به لنفسه، و يربح لنفسه، غايته أنه يجعل لمن أخذ منه المال بعضا من الربح لأنه انتفع بماله، بل المعاملة المذكورة قرض ربوي محرم.

و لا يكفي في جعلها مضاربة- مع خروج المال عن ملك الدافع- اشتراط تحمل دافع المال للخسارة، بل لا بد مع ذلك من بقاء المال علي ملك مالكه الأول و كون التاجر بمنزلة الوكيل، كما ذكرنا.

و قد شاع في عصرنا دفع الإنسان ماله لمن يعمل به علي أن يعطيه شيئا من الربح باسم المضاربة، و الظاهر رجوعه للقرض الربوي، و ليس له من المضاربة إلا الاسم، غفلة عن الضابط المتقدم للمعاملتين، فاللازم التنبه لذلك و الحذر من التورط في الحرام.

(مسألة 2): المضاربة من العقود، فلا بد فيها من الإيجاب و القبول، و لا يعتبر فيها اللفظ، بل يكفي كل ما يدل علي ذلك، و لو مثل دفع المال للشخص و أخذه له بعنوان المضاربة.

(مسألة 3): يعتبر في المتعاقدين- و هما صاحب المال و العامل- نفوذ التصرف و عدم الحجر لصغر أو جنون

أو سفه، و لا تصح بدون ذلك إلا بإذن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 162

الولي.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 2، ص: 162

و لو وقع العقد بدون ذلك و عمل العامل، فإن كان المحجور عليه هو المالك كان له تمام الربح و ليس للعامل شي ء إن علم بالحال، و إن جهله أو جهل عدم نفوذ المضاربة حينئذ فلا يخلو الأمر عن إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي بينهما. و إن كان المحجور عليه هو العامل كان له اجرة المثل.

(مسألة 4): لا يعتبر في مال المضاربة أن يكون من الدنانير و الدراهم التي هي عبارة عن الذهب و الفضة المسكوكين بسكة المعاملة، بل تصح بجميع النقود و إن كانت و رقية. بل تصح حتي بالأعيان إذا ابتنت المعاملة علي حفظ رأس المال بمثله، كما لو دفع إليه ألف مثقال من الذهب- مثلا- ليتّجر بها بالبيع و الشراء بنسبة من الربح علي أن يحسب الربح بعد حفظ الألف مثقال من الذهب بمثلها، بل تصح بالأعيان حتي لو ابتنت علي أن يكون رأس المال هو الثمن الخاص لها أو ثمن بيعها، كما لو دفع إليه بضاعة خاصة و اتفقا علي أن ثمنها ألف دينار تكون هي رأس المال، أو علي أنها تباع و ما يحصل من ثمنها هو رأس المال.

(مسألة 5): الظاهر صحة المعاملة علي المنفعة و إن لم تكن مضاربة بأن يجعل لها قسطا من الربح، كما لو دفع لشخص شبكة ليصيد بها و يكون الصيد بينهما، أو سيارة لينقل بها و يكون الوارد بينهما. بل قد تكون

المعاملة علي المنفعة و المال معا، كما لو دفع شخص معملا و آخر مالا لشخص ثالث علي أن يستغل المال لإنتاج المعمل و يكون الربح بينهم.

(مسألة 6): إذا كان المال دينا في ذمة شخص لم يصح لمالكه المضاربة عليه معه قبل قبضه، و لو ضاربه عليه بطل العقد، فلو عمل به حينئذ كان الربح بتمامه للعامل و بقي الدين في ذمته.

نعم، لو كان وكيلا في تعيينه و عزله و قبضه عن المالك، ففعل ذلك ثمّ عمل به كان الربح بتمامه للمالك، و عليه للعامل اجرة المثل لعمله، و برئ العامل من الدين.

و لا تقع المضاربة إلا أن يوكله في إيقاع عقد المضاربة في المال بعد عزله و قبضه عنه، بأن يتولي طرفي العقد معا، فإنه لو فعل ذلك حينئذ صحت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 163

المضاربة و كان الربح بينهما علي النحو الذي يتفقان عليه.

(مسألة 7): إذا كان المال دينا في ذمة شخص فضارب الدائن به شخصا آخر فالظاهر صحة المضاربة به معه و إن لم يقبض ممن عليه.

(مسألة 8): الأحوط وجوبا في مال المضاربة أن يكون معينا، فلا يضارب بأحد مالين مرددا من دون تعيين. نعم لا يعتبر فيه أن يكون معلوما حين العقد، فتصح المضاربة علي المال المعين و إن كان مجهولا جنسا أو قدرا، نعم لا بدّ من معرفة مقداره قبل الاسترباح به ليعلم مقدار الربح.

(مسألة 9): الظاهر توقف صدق المضاربة علي المعاملة علي ما إذا كان الربح بينهما بنحو الإشاعة بنسبة معينة كالنصف أو الثلث أو الربع. أما لو اشترط العامل مقدارا معينا كألف دينار، فإن رجع إلي استحقاق ذلك علي كل حال في ذمة المالك و إن لم يف

الربح به صحت المعاملة بلا إشكال مع تعيين مدة العمل، لكن لا تكون مضاربة، بل إجارة علي العمل بالمال وكالة عن المالك، و إن رجع إلي استحقاقه من الربح علي تقدير وفائه به، بحيث لو لم يف به كان اجره دون ذلك أو لا أجر له، فالظاهر صحتها أيضا، لكن لا تكون مضاربة و لا إجارة، بل معاملة خاصة خارجة عنهما. و أما لو اشترط المالك مقدارا معينا فلا تصح مضاربة، بل إن رجع ذلك إلي استحقاقه المقدار المعين علي كل حال و إن لم يف به الربح بطلت المعاملة، و حينئذ لو عمل العامل بالمال كان له علي المالك اجرة المثل و الربح بتمامه للمالك، و إن رجع إلي استحقاقه ذلك من الربح علي تقدير وفائه به صحت المعاملة، و لم تكن مضاربة.

(مسألة 10): لا بد في صحة المضاربة من قدرة العامل علي الاتجار بالوجه المجعول فيها، فلا تصح مع عجزه، و لو تجدد العجز بطلت.

(مسألة 11): يجوز في المضاربة الواحدة تعدد العامل علي أن تكون الحصة بين العامل بالسوية أو بالتفاضل، كما يجوز فيها تعدد المالك، بأن يكون المال مشتركا بين مالكين أو أكثر و يعمل فيه غيرهما بحصة من ربحه و للمالكين الباقي منه بالسوية أو بالتفاضل أيضا.

(مسألة 12): يجوز مع تعدد المضاربة ابتناء كل مضاربة علي الشركة بين المالين، بأن يأخذ العامل المال من كل شخص علي أن له أن يخلطه بالمال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 164

المأخوذ من الآخر، و يعمل فيهما معا بنحو الشركة.

(مسألة 13): مقتضي إطلاق عقد المضاربة دفع المال للعامل بحيث يكون تحت يده، لكن يمكن الخروج عن ذلك بأن يشترطا بقاء المال تحت يد المالك.

(مسألة

14): مقتضي إطلاق المضاربة جواز فسخ كل من المالك و العامل لها متي شاء، و حينئذ تبطل بموت أحدهما، و بطروء ما يمنع من استقلاله بالتصرف كالجنون و السفه.

(مسألة 15): إذا حددت المضاربة بأجل خاص، فإن كان المراد بذلك مجرد عدم جواز الاتجار بالمال بعد الأجل بقي لكل منهما حق الفسخ قبل الأجل، و إن كان المراد به- زائدا علي ذلك- لزوم البقاء عليها في الأجل المذكور لزمت في ذلك الأجل، و لم يكن لأحدهما أن يستقل بالفسخ قبله، إلا أن يتفقا معا عليه، من دون فرق بين التصريح بالأجل، و ابتناء المضاربة عليه ضمنا لقرينة حالية من عرف أو عادة أو غيرهما، حيث كثيرا ما يتعارف إرادة موسم خاص أو سوق خاص. و إن لم ينضبط مدة بالشهور و الأيام، و حينئذ لا تبطل بموت المالك و لا بطروء ما يمنع من استقلاله بالتصرف قبل الأجل، و تبطل بموت العامل و بطروء ما يمنع من استقلاله بالتصرف إذا أوجب عجزه عن الاتجار بالمال.

(مسألة 16): يجب علي العامل أن يقتصر علي التصرف المأذون فيه، فإذا عين المالك نوعا من البضاعة أو وقتا للعمل أو مكانا خاصا أو سعرا معينا أو نحو ذلك لزم العمل به، فإن خالف ضمن رأس المال، و إن كانت المعاملة الواقعة منه صحيحة و يكون الربح بينهما.

(مسألة 17): الظاهر من إطلاق المضاربة إيكال التصرف فيها لنظر العامل، من حيثية السفر بالمال و عدمه، و البيع بالنقد و النسيئة، و كيفية حفظ المال، و كيفية الاسترباح به، و غير ذلك. فاللازم عليه تحري الأقرب لحفظ المال و حصول الربح بالنحو المتعارف، و إلا كان مفرطا معتديا ضامنا، كما يأتي.

(مسألة 18): الظاهر أنه

ليس للمالك بعد تمامية عقد المضاربة أن يشترط شيئا خارجا عن مقتضي العقد، إلا أن يرجع إلي فسخ العقد و تجديده

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 165

علي طبق الشرط فيتوقف علي أن يكون له الفسخ.

(مسألة 19): مقتضي ظاهر إطلاق المضاربة أن جميع النفقات التي يحتاج إليها لحفظ المال و صلاحه و للاسترباح به علي مال المضاربة، و لا يتحمله العامل و لا المالك من غير مال المضاربة. نعم لو اشترط خلاف ذلك كان العمل علي الشرط.

(مسألة 20): إذا احتاجت المضاربة لسفر العامل كانت نفقته من رأس المال. و إذا فسخت المضاربة في أثناء السفر، فمع اشتراطهما و لو ضمنا وقوع نفقة الرجوع علي مال المضاربة أو عدمه يعمل بالشرط، و مع عدم الشرط ففي التحمل و عدمه إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي بين الطرفين.

(مسألة 21): لا إشكال في انجبار الخسارة بالربح الحاصل في المضاربة، فلا يثبت للعامل شي ء من الربح إلا بعد تدارك الخسارة، سواء كانت سابقه علي الربح أم لاحقة له، فإذا خسرت المضاربة في بعض المعاملات مائة، و ربحت في أخري مائتين فحصة العامل تثبت في خصوص مائة من الربح المذكور، لا في تمامه. كما أن الظاهر جبر الربح للتلف الحاصل في مال المضاربة بعد دورانه في التجارة إذا كان من توابع التجارة و شؤونها- كخطإ الحساب و عدم وفاء بعض الغرماء و تلف البضاعة بسبب النقل و نحو ذلك- و عدم جبره للتلف و نحوه إذا كان قبل الشروع في التجارة و لم يكن من شؤونها و توابعها، كما إذا سرق بعض المال أو عطب. و أما إذا وقع التلف المذكور بعد الشروع في التجارة ففي جبر الربح له إشكال، فالأحوط وجوبا

التراضي بينهما. نعم لو اشترط أحد الأمرين صريحا أو ضمنا كان العمل عليه.

(مسألة 22): يملك العامل الحصة بظهور الربح، و لا يتوقف علي إنضاض البضاعة الذي هو عبارة عن بيعها بالنقد، و حينئذ يملك العامل من تمام الموجود من البضاعة و النقد بالنسبة، لكن الملك المذكور لا يستقر، إلا مع عدم تجدد الخسارة أو التلف، و إلا كان الربح جابرا لهما، علي ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 23): الربح و إن كان جابرا للخسارة كما سبق، إلا أن أمد الانجبار تابع لما يتفقان عليه حين العقد صريحا أو ضمنا و لو بسبب عرف أو عادة، فإذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 166

اتفقا علي تمييز حق كل منهما كل سنة- مثلا- كان الانجبار مختصا بما يقع في السنة الواحدة، و إذا اتفقا علي تمييز حق كل منهما لكل بضاعة كان الانجبار مختصا بما يقع فيها. و إذا أغفلا هذه الجهة كان ظاهرهما الانجبار في تمام مدة بقاء المضاربة، فمع عدم تحديد أمدها يجوز لكل منهما فسخها في أي وقت شاء- كما سبق- فيستقر الربح بفسخها، و مع أخذ أجل خاص فيها لا يستقر الربح إلا بمضي الأجل، إلا أن يتفقا معا بعد ذلك علي الفسخ قبله فيستقر الربح بذلك.

(مسألة 24): لا يضمن العامل تلف مال المضاربة و لا يتحمل الخسارة الطارية عليه، إلا أن يخالف ما عينه له المالك، أو يكون معتديا خارجا عن مقتضي وظيفته المتقدمة في المسألة (17) إذا كان التلف و الخسارة مسببين عن مخالفة المالك أن عن التعدي، و أما إذا لم يكونا مسببين عنهما فالظاهر عدم الضمان مع التعدي. و في الضمان مع المخالفة إشكال، فالأحوط وجوبا التراضي بينهما.

(مسألة 25):

ليس للمالك أن يشترط علي العامل المضارب الضمان عند تلف رأس المال أو طروء الخسارة عليه من دون تفريط، و لو اشترط ذلك كانت المضاربة بحكم القرض، فليس له إلا رأس ماله و لا يستحق من الربح شيئا، بل يختص به العامل، من دون فرق بين اشتراط الضمان رأسا و اشتراط تدارك الخسارة إن حصلت.

(مسألة 26): إذا أخذ العامل مال المضاربة و لم يتجر به تسامحا و خروجا عن مقتضي وظيفته كان ضامنا له إن تلف، إلا أن يكون ذلك بإذن المالك. نعم إذا لم يبتن الاتفاق بينهما علي إلزام العامل بالعمل، بل علي مجرد جعل الحصة من الربح له علي تقدير العمل إن أراده لم يكن مفرطا بترك العمل، و الظاهر خروج ذلك عن المضاربة و دخوله في الجعالة، لكنه يشارك المضاربة في حكم اشتراط الضمان المتقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 27): لا يصح للمالك أن يشتري من مال المضاربة، لأن بعضه أو تمامه ملك له، و لا يشتري الإنسان من نفسه، إلا أن يريد بالشراء محض تبديل مال المضاربة بالثمن، ليكون الثمن مالا للمضاربة بدلا عنه، فيصح حينئذ،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 167

و يترتب علي الثمن آثار مال المضاربة.

(مسألة 28): إذا مات العامل قبل تسليم مال المضاربة فهنا صور.

الصورة الاولي: أن يعلم بعدم وجود مال المضاربة، فإن علم بضمانه له- لتعديه عليه- كان المالك كسائر الغرماء يضرب معهم بحيث لو قصرت التركة لحقه النقص مثلهم، و يكون مثلهم مقدما علي الورثة، و إن لم يعلم بضمان العامل فلا شي ء للمالك.

الصورة الثانية: أن يعلم بوجود مال المضاربة، و حينئذ.

تارة: يعلم بوجوده في ضمن التركة الظاهرة التي تصل إليها يد الوارث.

و اخري: يعلم بخروجه

عنها.

و ثالثة: يشك في وجوده فيها أو خروجه عنها.

ففي الأولي يستحق المالك عين المال مع تميزه، و أما مع عدم تميزه ففي استحقاقه تمام مقدار المال من التركة مقدما علي الغرماء، أو كونه كبقية الغرماء وجهان، فالأحوط وجوبا التراضي بينه و بينهم. و في الثانية إن علم بضمان العامل للمال- لتفريطه فيه، و لو بعدم إخباره عنه- يكون المالك أسوة الغرماء، و إن علم بعدم ضمان العامل للمال فلا شي ء للمالك، بل تكون التركة بتمامها للورثة بعد وفاء الديون، و إن شك في ضمانه له ففي كونه أسوة الغرماء في التركة أو عدم استحقاقه شيئا وجهان، فالأحوط وجوبا التراضي بينه و بين الورثة و الغرماء. و في الثالثة إن علم بضمان العامل للمال كان المالك أسوة للغرماء، و إن لم يعلم بضمان العامل ففي عدم استحقاق المالك شيئا، أو كونه أسوة الغرماء وجهان، و الأحوط وجوبا التراضي بينه و بين الغرماء و الورثة.

الصورة الثالثة: أن يشك في وجود مال المضاربة، فحكمها حكم الفرض الثالث من الصورة الثانية.

(مسألة 29): يكره مضاربة الذمي، بل مطلق الكافر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 169

كتاب المزارعة و المساقاة

اشارة

و الكلام فيه في ضمن مباحث.

المبحث الأول في المزارعة

و هي معاملة خاصة بين صاحب الأرض و شخص آخر تبتني علي قيام ذلك الشخص بزراعة الأرض في مقابل حصة من حاصلها. و يعتبر فيها أمور.

الأول: أن يكون الحاصل بينهما و لا يختص به أحدهما.

(مسألة 1): لو اتفقا علي أن يكون الحاصل بتمامه لأحدهما صح العقد و لم يقع مزارعة، كما إذا كان غرض مالك الأرض أن يزرع أرضه بنوع من الزرع لسحب أملاحها مثلا لا من أجل أن ينتفع بحاصلها فلم يجد من يرضي بذلك إلا بتمام الحاصل مع كون البذر منه أو من مالك الأرض، أو كان غرض العامل أن يتمرن علي الزراعة فلم يجد من يأذن له في العمل في أرضه إلا مجانا علي أن لا يترك العمل قبل بلوغ الزرع.

الثاني: أن تكون شركتهما في تمام الحاصل بنحو الإشاعة، كما إذا كانت حصة العامل الربع أو النصف أو الثلث أو نحو ذلك، و الباقي للمالك. فلو اشترط أحدهما مقدارا معينا- كعشرة أطنان- و الباقي للآخر لم يصح العقد مزارعة و لا غيرها. و كذا إذا اشترط لأحدهما نوع من النماء و للآخر نوع آخر، كما لو زارعه علي أن له الحنطة و للعامل الشعير، أو علي أن له حاصل بعض معين من الأرض و للعامل حاصل بعض آخر منها. نعم لا بأس بإجارة العامل الأرض بشي ء معلوم من النقد أو غيره، لكن تقدم في مسألة (12) من الفصل الثاني من كتاب الإجارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 170

أنه لا يجوز إجارتها بشي ء من حاصلها علي تفصيل و كلام، فراجع.

(مسألة 2): يجوز أن يشترط أحدهما علي الآخر شيئا معينا من النقد و غيره حتي الثمر. نعم

يشكل اشتراط مقدار معين من الحاصل الذي تقع المزارعة عليه، فالأحوط وجوبا عدم اشتراطه.

الثالث: تعيين المدة بالنحو المناسب لتعيين الزرع المستحق، سواء كان بالشهور و الأعوام، أم بالفصول، أم بدفعات الزرع، إلي غير ذلك مما يرتفع معه إبهام الزرع المستحق.

الرابع: تعيين الأرض بالنحو الرافع للإبهام، و يكفي تعيين مقدار خاص من كلي أو خارجي، كما إذا قال: زارعتك علي عشرين دونما من أرض صفتها كذا، أو من هذه الأرض. و لا يجوز المزارعة علي إحدي أرضين من دون تعيين لها، نعم لو ابتني علي الرجوع في تعيينها لاختيار أحدهما المعين أو اختيار ثالث كفي.

الخامس: تعيين ما علي كل منهما من البذر و الآلات و العوامل و حفر النهر و غير ذلك، إما صريحا، أو ضمنا لقرينة خاصة، أو عامة كالتعارف.

السادس: إمكان الزرع، لكون الأرض صالحة له، مع القدرة علي مقدماته الأخري. و إذا كان المانع موجودا في بعض الأرض بطلت المزارعة فيه خاصة، و كان لكل منهما خيار تبعض الصفقة في الباقي إن ابتنت المزارعة علي المجموعية و الارتباطية.

(مسألة 3): لا يعتبر في المزارعة أن يكون المزارع مالكا للأرض، بل يكفي أن يكون مالكا للمنفعة، كالمستأجر و الموقوف عليه إذا كان مقتضي الوقف ملكية المنفعة. بل يكفي اختصاص المنفعة بجهة معينة، كما في الأرض الموقوفة للجهات العامة، أو علي أناس خاصين علي أن تكون لهم ثمرتها لا منفعتها، فإنه يجوز لوليها إجراء عقد المزارعة عليها. و كذا الحال في أرض الخراج التي هي مختصة بالمسلمين. و أما المزارعة ممن له حق الاختصاص بالأرض من دون أن يختص بمنفعتها- مثل من حجّر أرضا أو سبق إليها من دون أن ينوي حيازتها له- فلا يخلو عن إشكال،

و الأحوط وجوبا عدم صحته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 171

(مسألة 4): الظاهر جواز استعارة الأرض للمزارعة عليها، و مرجع ذلك إلي إذن المالك في المزارعة بنحو يكون أجر الأرض للمستعير، نظير إذن المالك لغيره في بيع ما يملكه علي أن يكون الثمن للمأذون لا للمالك، فقد تقدم في أول كتاب البيع أنه يمكن البيع مع كون الثمن لثالث و أنه يرجع إلي عقد بين ثلاثة أطراف البائع و المشتري و الثالث الذي يكون الثمن له، و كذا إذن المالك في إجارة العين علي أن يكون الثمن للمأذون لا لمالك العين، حيث لا مانع من صحة هذه المعاملات، نعم لا بد من شمول الإذن في العارية لإيقاع المزارعة، و هو يحتاج إلي عناية، لا تقتضيها العارية بطبعها.

(مسألة 5): يجوز للعامل أن يباشر الزرع بنفسه و أن يستنيب غيره في تمام العمل أو في بعضه، إلا أن تشترط المباشرة في ضمن عقد المزارعة.

(مسألة 6): إذا اتفقا في العقد علي زرع خاص، أو زمان خاص، أو حال خاص، أو غير ذلك من شؤون العمل تعيّن، و لا يجوز الخروج عنه إلا برضا الآخر، و ليس للمالك أو العامل فرض شي ء بعد العقد.

(مسألة 7): إذا خرج الزارع عما اتفقا عليه في العقد فيما هو قوام العقد- كما لو زرع أرضا أخري، أو نوعا آخر من الزرع- فإن كان البذر من المالك كان الحاصل بتمامه له و ليس للعامل شي ء، و عليه ضمان النقص الحاصل في الأرض أو البذر أو غيرهما مما يعود للمالك. و إن كان البذر من العامل فإن كان متعمدا كان متعديا و كان للمالك قلعه، و له القبول ببقائه مع أجرة الأرض، و يكون

الحاصل للعامل، و إن لم يكن متعمدا كان علي المالك القبول ببقائه و لو بأجرة ما لم يتضرر، و يكون الحاصل للعامل.

(مسألة 8): إذا خالف الزارع شرط المالك غير المقوّم للعقد كان للمالك الفسخ، فإن كان البذر منه كان تمام الحاصل له و عليه اجرة المثل لعمل العامل، و إن كان البذر من العامل كان تمام الحاصل له و عليه اجرة المثل للأرض.

(مسألة 9): مقتضي إطلاق العقد تحمل المالك لضريبة الدولة التي تجعلها علي الأرض، و خروج ضريبة الدولة التي تجعلها علي الحاصل من المجموع قبل القسمة، و كذا الخراج الذي كان يضعه السلطان علي الأرض في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 172

العصور السابقة، لأنه مجعول علي حاصلها حقيقة، و إذا اشترط خلاف ذلك كان العمل علي الشرط.

(مسألة 10): يجوز لكل من صاحب الأرض و الزارع أن يخرص الزرع علي الآخر بعد إدراكه بمقدار معين، فإذا تراضيا نفذ ذلك عليهما، و ليس لهما الرجوع بعد ذلك لو ظهرت الزيادة أو النقيصة.

(مسألة 11): إذا تلف شي ء من الزرع و بعد تراضيهما بالخرص كان التلف منهما معا و لحق من خرص عليه من حقه بنسبة التالف للمجموع، فإذا تراضيا بخرص مجموع الزرع بعشرة أطنان مثلا و رضي المالك بخمسة أطنان عن حصته و كان الزرع في الواقع اثني عشر طنا، فتلف نصفه- و هو ستة أطنان- كان التلف الذي علي المالك طنين و نصفا، و الذي علي الزارع ثلاثة أطنان و نصفا، من دون فرق في ذلك كله بين أن يكون التلف بوجه مضمّن و أن لا يكون كذلك. نعم إذا كان التلف بوجه مضمّن كان علي الضامن لكل منهما بمقدار ما وقع عليه من التلف.

(مسألة

12): إذا ظهر أن الأرض مغصوبة ففي المقام صور.

الاولي: أن يعلما بذلك قبل العمل، و اللازم عليهما هنا التوقف عن التصرف فيها و مراجعة المالك، فإن استمرا في عملهما جري عليهما ما يأتي في حكم الصور الآتية.

الثانية: أن يعلما بذلك بعد إكمال العمل مع كون البذر للمزارع الغاصب للأرض، و حينئذ إن أجاز المالك سلمت للعامل حصته، و كانت حصة المزارع بين المالك و الغاصب بنسبة قيمة منفعة الأرض لمنفعة البذر، فإذا كان المتعارف أن يجعل للبذر الثلث و للأرض الثلث و للعمل الثلث مثلا كان للمزارع نصف الحصة المجعولة له بالعقد، و للمالك نصفها، نعم لمالك البذر حينئذ خيار تبعض الصفقة فله الفسخ، فيكون كما لو لم يجز المالك علي ما يأتي.

و إن لم يجز المالك كان الزرع كله للمزارع الغاصب و استحق مالك الأرض علي المباشر للعمل اجرة المثل لمنفعة الأرض التي استوفاها، فإن كان مغرورا من قبل الغاصب أو غيره كان له الرجوع علي من غرّه، و له أيضا الرجوع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 173

علي الغاصب بأجرة المثل لعمله في بذره حتي أنتج، أما إذا كان عالما بالحال فلا رجوع له عليه بشي ء، أما ما دفعه للمالك فلعدم الغرور، و أما عمله في البذر حتي أنتج فلحرمته و لا اجرة لحرام.

الثالثة: أن يعلما بذلك بعد إكمال العمل مع كون البذر للعامل الزارع، و حينئذ إن أجاز المالك سلمت للعامل حصته و كان الباقي لمالك الأرض، و ليس للمزارع الغاصب شي ء، و إن لم يجز كان الزرع بتمامه للزارع و عليه اجرة المثل للأرض يدفعها لمالكها.

الرابعة: أن يعلما بالحال في الأثناء، و يجب عليهما التوقف عن العمل و مراجعة المالك، فإن

أجاز المعاملة جري حكم الصورة الثانية إن كان البذر للمزارع الغاصب، و حكم الصورة الثالثة إن كان البذر للزارع العامل، و إن لم يجزها كان له علي المباشر للعمل اجرة المثل لما استوفاه من منفعة الأرض، و وجب عليه الرضا ببقاء الزرع في أرضه بالأجرة إلا أن يتضرر بذلك، فيكون له الحق في القلع. و أما حكم الزرع و غيره مما يستحقه أحدهما علي الآخر فيظهر مما تقدم في الصورتين الثانية و الثالثة.

(مسألة 13): إذا كان البذر مغصوبا كان الزرع بتمامه لمالكه المغصوب منه، و إن تلف شي ء من البذر أو نقصت قيمته كان له الرجوع علي الزارع المباشر لذلك، و للزارع الرجوع بما يغرم للمالك علي صاحب الأرض إن كان مغرورا من قبله.

ثم إنه إن كان الغاصب هو صاحب الأرض المزارع لم يستحق شيئا علي العامل، و استحق عليه العامل اجرة المثل لعمله إن لم يعلم بالحال، و إن كان قد علم لم يستحق شيئا، و إن كان الغاصب هو الزارع استحق عليه صاحب الأرض أجرة الأرض إلي أن يعلم بالحال، و إن علم بالحال قبل بلوغ الزرع فإن تضرر صاحب البذر كان علي صاحب الأرض إبقاؤه بالأجرة، إلا أن يتضرر صاحب الأرض بذلك فله المطالبة بالقلع.

(مسألة 14): إذا ظهر بعد الشروع في العمل عدم إمكان بلوغ الزرع بالنحو المقصود من المزارعة بطلت، و لا يضمن صاحب الأرض عمل العامل،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 174

كما لا يضمن العامل ضرر الأرض لو حصل بسبب عمله. و كذا لا يضمن كل منهما البذر لصاحبه، نعم لا يشرع الاستمرار في العمل بعد ذلك و لو استمر العامل في العمل كان عمله هدرا لا عوض له،

بل لو أضر بالأرض من دون رضا مالكها كان ضامنا لما حصل، كما أنه لو طلب صاحب الأرض من العامل الاستمرار في العمل مع علمه بالحال و جهل العامل به كان عليه اجرة المثل لعمله.

و كذا الحال إذا حصل موجب التعذر بسبب قهري عليهما، أو بسبب اختياري لهما، أو لأحدهما من دون أن يعلم بترتب ذلك عليه و لم يشترط في عقد المزارعة تجنبه، كما لو أخطأ العامل في كيفية الحرث أو السقي، أو أخطأ المالك في تعقيب معاملة الأرض من الناحية الرسمية. و أما إذا كان بسبب اختياري يعلم بترتب ذلك عليه، أو مخالف لشرط المزارعة، فإن كان من صاحب الأرض كان عليه للعامل اجرة المثل لعمله، و ضمان البذر- إن كان له- إذا تلف أو نقص، و إن كان من العامل كان عليه لصاحب الأرض ضمان ما حصل بسبب عمله من ضرر في الأرض أو البذر إن كان له.

(مسألة 15): إذا بطلت المزارعة أثناء العمل بأحد الوجوه المتقدمة، فإن كان البذر لصاحب الأرض و كان البطلان قبل ظهور ما تقتضي المزارعة الاشتراك فيه- كما لو كان مقتضاها الاشتراك في الثمرة و كان البطلان قبل ظهورها- فلا شي ء للعامل من الزرع لو كان قد طلع، و إن كان بعد ظهور ما تقتضي المزارعة الاشتراك فيه كان للعامل نصيبه منه.

(مسألة 16): إذا بطلت المزارعة بعد ثبوت حصة العامل في الزرع فإن لم يتضرر بقلعه كان لصاحب الأرض المطالبة بذلك، و ليس للعامل إلزامه ببقائه طلبا لزيادة النفع، و إن تضرر به وجب علي صاحب الأرض تدارك ضرره، أو الرضا ببقائه في أرضه بأجرة المثل، أو بوجه آخر يتفقان عليه، إلا أن يتضرر هو أيضا بذلك

فله المطالبة بقلعه مجانا. و كذا الحال إذا انتهت مدة المزارعة قبل بلوغ الحاصل بالنحو المطلوب في المزارعة. نعم إذا اشترط في عقد المزارعة القلع أو الإبقاء مجانا أو بأجرة كان العمل علي الشرط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 175

المبحث الثاني في المساقاة

و هي معاملة خاصة بين صاحب الأصول المغروسة- كالنخل و الشجر و الكرم- و شخص آخر، تبتني علي قيام ذلك الشخص بخدمة تلك الأصول- بسقيها و تقليمها و تلقيحها و غير ذلك- في مقابل حصة من ثمرتها. و يعتبر فيها أمور.

الأول: أن يكون الثمر مشتركا بينهما، فلو اختص به أحدهما لم تصح مساقاة، و إنما تصح معاملة أخري، علي نحو ما تقدم في المزارعة.

الثاني: أن تكون شركتهما في تمام الحاصل بنحو الإشاعة علي الأحوط وجوبا. و لو شرط أحدهما لنفسه أمرا زائدا علي الحصة جري فيه التفصيل المتقدم في المزارعة أيضا.

الثالث: تعيين المدة و الأصول المساقي عليها و ما علي كل منهما من الأعمال و الآلات و غيرها، علي النحو المتقدم في المزارعة.

الرابع: كون الأصول ثابتة في الأرض، فلو كان موضع العقد وديا أو شتلا خاصا علي أن يشتل و ما خرج منه كان بينهما أو لأحدهما صح، و لم يقع مساقاة و لم يجر عليه حكمها و لا يشترط فيه شروطها، بل كان معاملة أخري. و كذا الحال لو كان موضوع العقد أصلا مزروعا في الأرض من دون أن يبتني علي الثبات فيها كالبطيخ و الباذنجان و نحوهما.

الخامس: أن يكون ذلك قبل ظهور الثمرة، أو بعده قبل بلوغها إذا كان بلوغها يحتاج إلي عمل من سقي أو غيره، أما إذا لم يحتج لذلك، أو كان العقد بعد بلوغ الثمرة، و كان التعامل بلحاظ

الحفظ أو القطف أو النقل أو نحو ذلك فلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 176

تصح المعاملة مساقاة، و إنما تصح علي أنها معاملة خاصة خارجة عن المساقاة، كما يتعارف في عصورنا جعل حصة من الحاصل لمن يحصد بالآلة.

السادس: القدرة علي خدمة الأصول بالنحو الذي تقتضيه الثمرة المطلوبة، علي نحو ما تقدم في المزارعة، و تجري فيه الفروع المتقدمة.

(مسألة 17): الظاهر جواز المساقاة علي الشجر الذي لا ثمر له و ينتفع بورقه كالحناء، أو الذي له ثمر لا ينتفع به و إنما ينتفع بورقه، فيكون الورق هو الملحوظ في التعامل، و كذا الذي ينتفع بثمره و ورقه معا- كالسدر- و الذي ينتفع بخشبه، و غير ذلك مما يكون الانتفاع فيه بغير الثمر.

(مسألة 18): لا يعتبر فيمن يساقي علي الأصول أن يكون مالكا لها، بل يكفي استحقاقه لثمرتها، كالموقوف عليه، و من يشتري الثمرة قبل ظهورها أو بعده.

(مسألة 19): يملك العامل في المساقاة الحصة من الثمر حين ظهوره، و إذا وقع عقد المساقاة بعد ظهور الثمر ملك الحصة منه بالعقد.

(مسألة 20): إذا ظهر عدم إمكان بلوغ الثمرة بالنحو المطلوب في المساقاة بطلت، و جري في المقام ما يناسب ما تقدم في المسألة (14).

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 177

المبحث الثالث في بعض الأحكام المشتركة بين المزارعة و المساقاة

المزارعة و المساقاة من العقود المبنية علي الإلزام و الالتزام، و مقتضاهما استحقاق صاحب الأرض أو الأصول علي العامل العمل، و استحقاق العامل عليه الحصة من الزرع و الثمر قبل العمل، فيجب علي كل منهما الجري علي مقتضي الالتزام المذكور.

أما إذا لم يبتن الاتفاق بينهما علي الإلزام و الالتزام، بل علي مجرد التزام صاحب الأرض أو الأصول بجعل الحصة لمن يعمل، من دون التزام من الطرف

الآخر بشي ء لم يكن ذلك مزارعة و لا مساقاة، بل يصح جعالة، و جرت عليه أحكام الجعالة المتقدمة.

(مسألة 21): يقع عقد المزارعة و المساقاة بكل ما يدل علي الإلزام و الالتزام من قول أو فعل، علي النحو المتقدم في سائر العقود.

(مسألة 22): لما كانت المزارعة و المساقاة من العقود المالية فاللازم فيهما أهلية المتعاقدين و عدم الحجر عليهما، لصغر أو جنون أو رقّ أو سفه أو فلس.

(مسألة 23): المزارعة و المساقاة من العقود اللازمة، فلا تنفسخ إلا بالتقايل من الطرفين، أو بفسخ من له الخيار منهما. و يثبت فيهما الخيارات الثابتة في الإجارة بالشروط المذكورة فيها، علي ما تقدم.

(مسألة 24): إذا لم يكن صاحب الأرض أو الأصول نافذ التصرف فأوقع عقد المزارعة أو المساقاة توقف نفوذ العقد علي إجازة وليه، و مع عدمها لا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 178

يترتب أثر علي العقد و لم يستحق العامل شيئا، و لو عمل كان عمله هدرا، عالما كان بالحال أو جاهلا.

نعم في المزارعة إذا كان العامل جاهلا بعدم نفوذ تصرف مالك الأرض و كان البذر منه جري ما تقدم في المسألة (12). أما إذا لم يكن العامل نافذ التصرف فإن العقد و إن لم ينفذ إلا أن صاحب الأرض أو الأصول لو مكنه منها فعمل جريا علي مقتضي العقد استحق عليه اجرة المثل لعمله. و إذا كان البذر في المزارعة من العامل كان له الزرع و استحق عليه مالك الأرض أجرة المثل للأرض مع جهله بعدم نفوذ تصرفه، و أما مع علمه بذلك ففيه تفصيل لا يسعه المقام.

(مسألة 25): إذا امتنع العامل من العمل كان لصاحب الأرض أو الأصول إجباره، و إذا تأخر عنه علي خلاف

مقتضي العقد كان له الفسخ.

(مسألة 26): إذا لم يؤد العامل العمل المطلوب منه، أو قصر في عمله بنحو يضرّ بالزرع و الثمر ففي ضمانه اجرة المثل لما لم يؤده من العمل و عدمه وجهان، و الأحوط وجوبا التراضي بينهما. نعم إذا كان التقصير في المزارعة موجبا لتلف بعض البذر كان ضامنا له، و كذا يضمن ضرر الأرض أو الأصول في المزارعة و المساقاة.

(مسألة 27): إذا تعذر إتمام العمل من العامل- لمرض أو موت أو حبس أو غيرها- فإن لم تؤخذ المباشرة شرطا في العقد وجب عليه استئجار من يتم العمل، و إن مات وجب الاستئجار من تركته، فإن لم يفعل ذلك دخل في المسألة (25). أما إذا تعذر ذلك- لعجزه عن الاستئجار في حياته، و عدم التركة مع الموت- بطل عقد المزارعة أو المساقاة، و حينئذ يستحق من الحصة المجعولة له بنسبة عمله الذي وقع منه للعمل المطلوب منه، فإذا كانت حصته من الحاصل الثلث، و كان قد أدي نصف العمل المطلوب منه بمقتضي العقد استحق من الحاصل نصف الثلث، و نصفه الآخر في مقابل العمل الذي لم يؤده.

هذا إذا قام غيره بالعمل الباقي و أتي الحاصل بالنحو المتعارف، أو لم يقم غيره بالعمل الباقي و قلّ الحاصل، أو أتي معيبا. و أما إذا لم يأت الحاصل فلا شي ء له.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 179

هذا في المساقاة، و كذا في المزارعة إذا كان البذر من المالك، و أما إذا كان البذر من العامل ففي صورة نقص الحاصل أو تعيبه إشكال، و الأحوط وجوبا التراضي بين المالك و بينه أو بن ورثته. و في حكم التعذر ما إذا أخذت المباشرة شرطا في المساقاة.

(مسألة 28):

يجوز التعدد في كلا الطرفين في عقد المزارعة و عقد المساقاة، علي نحو يشترك في الحصة المجعولة لأحدهما أكثر من واحد، كما إذا كانت الأرض أو الأصول مشتركة بين أكثر من واحد، أو تعدد العامل بحيث يشترك الكل في العمل بتمامه في الحصة المجعولة في مقابل العمل.

(مسألة 29): الظاهر جواز التعاقد بين أكثر من شخصين علي أن يختص كل شخص بشي ء في مقابل حصة من الثمرة تخصه، كما إذا كانت الأرض من شخص و البذر من آخر و العوامل من ثالث و الماء من رابع و العمل من خامس، علي أن يكون لكل منهم حصة من الحاصل، و كما إذا كانت الأصول من شخص و العوامل من آخر و الماء من ثالث و العمل من رابع علي أن يكون لكل منهم حصة من الثمرة، لكن الظاهر خروج المعاملة المذكورة عن المزارعة و المساقاة، و إن كانت قد تؤدي مؤداهما.

(مسألة 30): إذا تعاقد صاحب الأرض مع شخص آخر علي أن يعمرها و يغرس فيها شجرا و نحوه علي أن يكون الحاصل بتمامه للعامل مدة معينة، ثم ترجع لصاحبها عامرة صح العقد و إن لم يقع مساقاة. و كذا إذا تعاقدا علي أن يعمرها و يغرس فيها شجرا و نحوه علي أن يكون الشجر المغروس بنفسه بينهما، سواء كان الأصل المغروس من صاحب الأرض، أم من العامل. و كذا إذا تعاقدا علي أن يغرس الأرض و يعمرها علي نحو معين علي أن تكون الأرض بما فيها بينهما. فإن هذه العقود تصح جميعا و إن لم تكن من المساقاة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 181

كتاب العارية

و هي عقد ثمرته التسليط علي العين المملوكة منفعتها للانتفاع بها مجانا.

و

صاحب العين هو المعير و آخذها هو المستعير أو المعار. و تقع بكل ما يدل علي التسليط المذكور و الرضا به، من قول أو فعل.

(مسألة 1): يعتبر في المعير الاستقلال في التصرف و الاختيار، فإن كان محجورا عليه- لجنون أو صغر أو غيرهما- لم تنفذ إلا بإذن وليه، و مع عدمه يحرم وضع اليد علي العين و التصرف فيها، و تكون مضمونة بذلك، كما تكون المنفعة مضمونة بأجرة المثل. و كذا مع الإكراه.

(مسألة 2): تصح الإعارة من مالك المنفعة و إن لم يملك العين، كالمستأجر إذا لم تؤخذ المباشرة شرطا في عقد الإجارة.

(مسألة 3): لا تصح الإعارة من غاصب المنفعة و إن كان مالكا، فإذا أعار الغاصب، فإن كان غاصبا للعين و المنفعة كان علي المستعير ضمان العين و المنفعة التي استوفاها، و إن كان غاصبا للمنفعة مالكا للعين لم يضمن المستعير العين و ضمن المنفعة التي استوفاها لا غير، و له الرجوع علي الغاصب بما ضمن إن كان مخدوعا و مغرورا من قبله.

(مسألة 4): يعتبر في المستعير العقل الذي يتوقف عليه القصد للمعاملة، و بدونه لا تصح العارية، و إن لم يكن التصرف محرما في حقه، كما لا يكون ضامنا للعين و لا للمنفعة.

(مسألة 5): لا يعتبر في المستعير البلوغ، فتصح العارية للصبي المميز، إلا أن تتضمن التزاما عليه بأمر- كالضمان- فلا يصح الالتزام المذكور منه. و كذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 182

الحال في المكره، و أما السفيه و المفلس فلا ينفذ الالتزام المالي منهما و ينفذ غيره.

(مسألة 6): كل عين مملوكة يصح الانتفاع بها مع بقائها تصح إعارتها.

(مسألة 7): ينتفع المستعير بالعين بالنحو المأذون له فيه، و مع إطلاق العارية تنصرف

للمنافع المتعارف استغلال العين لها، و لما يكون الإضرار بالعين أقل.

(مسألة 8): مع تعدي المستعير عن الاستعمال المأذون فيه يضمن العين إن أضرّ بها التعدي المذكور، و عليه اجرة المثل للمنفعة التي تعدي فيها، دون المنافع المأذون فيها.

(مسألة 9): لا يجوز للمستعير أن يعير العين لغيره بدون إذن المعير، و إلا كان متعديا و جري علي إعارته حكم إعارة الغاصب.

(مسألة 10): العين المستعارة أمانة في يد المستعير فيلحقها حكم الأمانات في الضمان، و قد تقدم في أول الفصل السادس من كتاب الإجارة.

(مسألة 11): الظاهر جواز اشتراط الضمان في عقد العارية، فتكون العين مضمونة و لو مع عدم التعدي و التفريط.

(مسألة 12): عارية الذهب و الفضة مضمونة مطلقا و لو مع عدم الشرط، نعم إذا اشترط فيها عدم الضمان لزم الشرط.

(مسألة 13): عقد العارية مع إطلاقه جائز، لكل منهما الرجوع فيه متي شاء، إلا أن يشترط فيه الأجل فيلزم الشرط. و كذا إذا كان التصرف المقصود لهما من شأنه الاستمرار مدة معينة بحيث تبتني العارية علي الاستمرار في تلك المدة، و يكون مشروطا فيها ضمنا، كاستعارة الأرض لزرعها و استعارة الدابة للسفر بها، و القدر لطبخ الطعام، فإنه لا يجوز الرجوع فيها قبل بلوغ الزرع و انتهاء السفر و مضي الوقت الذي يتعارف تفريغ القدر فيه من الطعام. لكن يجوز مع الإطلاق الرجوع قبل الشروع في هذه الأمور، لأن المتيقن من اشتراط الاستمرار ضمنا صورة الشروع. نعم لو اشترط عدم الرجوع حتي قبل الشروع لزم الشرط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 183

كتاب الاستيداع

و هو عقد ثمرته الائتمان للحفظ. و صاحب العين هو المودع، و المؤتمن عليها هو الودعي، و المال المودع هو الوديعة. و تقع

بكل ما يدل علي الاستئمان المذكور و الالتزام به، من قول أو فعل، و لا يعتبر فيه فعل خاص أو لفظ خاص.

(مسألة 1): لا تصح الوديعة من المجنون، و لو أخذها المكلف منه كان ضامنا لها، إلا أن يكون بإذن وليه.

(مسألة 2): لا تصح الوديعة من الصبي إلا بإذن وليه، فإن لم يأذن كان علي آخذها منه الضمان.

(مسألة 3): لا يصح من المكلف أن يودع الصبي و المجنون، و لو دفع المال لهما لم يكن وديعة عندهما، و لا ضمان عليهما حينئذ بالتفريط و الإهمال، كما لا ضمان بالتعدي إذا لم يستند له الضرر أو التلف، بل حتي إذا استندا له. و أما مع تمييزهما ففي الضمان و عدمه إشكال، و اللازم الاحتياط.

(مسألة 4): لا يجوز التعدي علي الوديعة بالتصرف فيها تصرفا منقصا لها، أو معرضا لها للخطر، كما لو أكل منها أو لبسها أو فك حرزها أو نحو ذلك، مما يبتني علي مخالفة الوضع الذي يريده المودع لها في مقام التحفظ عليها، و إن فعل الودعي ذلك كان متعديا عليها. و هذا بخلاف التصرف الذي لا يأذن به المالك إذا لم يكن منافيا للتحفظ عليها، كالاتكاء علي القاصة، أو الكتابة عليها كتابة تسهل إزالتها، أو نحو ذلك، فإنه- و إن كان محرما إذا لم يحرز به رضا المالك- لا يصدق به التعدي من حيثية الاستيداع.

(مسألة 5): إطلاق الوديعة يقتضي وجوب حفظ الوديعة علي الودعي بالنحو المتعارف، بنحو لا يعتبر عرفا مفرطا. و إذا علم المودع كيفية حفظ الودعي للوديعة فأطلق كان للودعي الاجتزاء بالكيفية التي يعمل عليها، و إن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 184

كانت علي خلاف المتعارف، و استلزمت التفريط عرفا.

(مسألة 6):

إذا عين المودع وجها خاصا للحفظ تعيّن و لا يجوز الخروج عنه. نعم إذا ابتني تعيين المودع علي بيان أدني مراتب الحفظ كان للودعي اختيار الأحسن و الأوثق بنظره.

(مسألة 7): إذا عين المودع وجها للحفظ لتخيّل إحكامه و كان الودعي يعلم بخلل فيه مغفول عنه وجب عليه تنبيهه، و لو أبقاه علي غفلته و عمل عليه كان مفرطا.

(مسألة 8): إذا عين المودع وجها للحفظ فطرأ ما يمنع من التوثق به، فإن كان ذلك متوقعا للمودع لم يجز للودعي تبديله، و إن لم يكن متوقعا فإن أمكن مراجعة المالك وجبت و إلا كان علي الودعي مع القدرة تبديله بما هو بمرتبته في التوثق أو الأحسن منه. و كذا يجب التبديل بالوجه المذكور إذا تعذر استعماله، كما لو عيّن له صندوقا خاصا فتلف أو سرق أو منع من وضع الوديعة فيه.

(مسألة 9): يجب علي الودعي تعاهد الوديعة بالنحو المتعارف، و القيام بما تحتاج إليه من طعام أو شراب أو تعريض للهواء أو الشمس أو لف أو نشر أو تجفيف أو غير ذلك، حسب اختلاف الودائع و الأوقات و الأحوال، و لو قصر في ذلك كان مفرطا. هذا كله مع الإطلاق، أما مع اشتراط عدم ذلك فلا يجب.

(مسألة 10): إذا احتاج حفظ الوديعة و القيام بما تحتاج إليه إلي بذل مال، فإن كان ذلك متوقعا لها حين الإيداع وجب علي الودعي بذله و الرجوع ببدله علي المودع، إلا أن يشترط عليه صريحا أو ضمنا عدم رجوعه به، و إن لم يكن متوقعا، فإن رضي الودعي ببذله له من دون رجوع فهو، و إلا فإن أمكن إعلام المودع بالحال و العمل علي ما يتفقان عليه وجب، و إن تعذر

كان علي الودعي أن يختار الأصلح للوديعة و المودع، من بيعها و حفظ ثمنها للمودع، أو بيع بعضها للإنفاق علي الباقي، أو الإنفاق عليها و الرجوع علي المودع، أو غير ذلك.

و يجب مراجعة الحاكم الشرعي مع الإمكان للاتفاق معه علي أحد الوجوه، إلا أن يبتني عقد الوديعة علي إيكال الاختيار عند الطوارئ للودعي نفسه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 185

(مسألة 11): إذا توقف دفع تعدّي الظالم علي الوديعة علي الكذب في أمرها، أو الحلف كاذبا وجب علي الودعي ذلك، و إن لم يفعل مع علمه بوجوب ذلك عليه كان مفرطا ضامنا، أما مع جهله و تخيله الحرمة فالظاهر عدم التفريط، إلا أن يكون مفرطا عرفا في جهله.

(مسألة 12): لا يضمن الودعي الوديعة إلا بالتعدي و التفريط، علي التفصيل المتقدم في أول الفصل السادس من كتاب الإجارة. و إن اشترط في عقد الاستيداع ضمانها مطلقا فالظاهر نفوذ الشرط.

(مسألة 13): عقد الاستيداع مع إطلاقه جائز، لكل منهما الرجوع فيه متي شاء، إلا أن يشترط فيه الأجل صريحا أو ضمنا، فيلزم الشرط.

(مسألة 14): تحرم خيانة الوديعة بالتعدي عليها، أو التفريط بها، أو اختلاسها، سواء كان المودع مؤمنا أم مخالفا، بل و إن كان ناصبا أو كافرا. و يجري ذلك في كل أمانة دفعت بناء علي الاستئمان و قبلت علي ذلك، حتي الدين، بل يجري ذلك حتي في مثل نصيحة المستنصح، ففي حديث عمار بن مروان عن الامام الصادق عليه السّلام عليهم السّلام «اعلم أن ضارب عليّ بالسيف و قاتله لو ائتمنني و استنصحني و استشارني ثم قبلت ذلك منه لأديت إليه الأمانة».

فعلي المؤمنين- وفقهم اللّه تعالي- الاهتمام بذلك و عدم التسامح و التساهل، لشدة الأمر فيه، ففي

حديث الحسين بن مصعب عنه عليه السّلام: «ثلاث [ثلاثة] لا عذر لأحد فيها: أداء الأمانة إلي البر و الفاجر، و الوفاء بالعهد للبر و الفاجر، و بر الوالدين برين كانا أو فاجرين».

(مسألة 15): يجب علي الودعي رد الوديعة للمالك أو وكيله مع مطالبته بها أو تعرضها للخطر، و لو لتخوف الموت و عدم قيام وارثه بالأداء. و لو مات المالك وجب دفعها لوارثه، و لا يجزي دفعها لبعض الورثة إلا مع العلم بإيصاله لكل ذي حق فيها حقه، نعم يجزي دفعها لوصي الميت أو لوكيل الورثة. و لو تعذر الوصول للمالك وجب الانتظار حتي يسلمه له أو لوارثه.

(مسألة 16): إذا جهل المودع أو وارثه و احتمل العثور عليه بالفحص وجب الفحص عنه حتي يحصل اليأس من العثور عليه بالفحص، فإن حصل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 186

اليأس فلا فحص، و كذا لو تعذر الفحص، أو لزم منه محذور مهم، و حينئذ إن احتمل- و لو بعيدا- العثور عليه أو علي وارثه صدفة من دون فحص فالأحوط وجوبا الانتظار مهما طال الزمان، نعم إذا قطع بعدم العثور عليه أو علي وارثه وجب التصدق بالوديعة عن مالكها.

(مسألة 17): من استولي علي عين بلا حق- عمدا أو جهلا- فأودعها غيره فلا أثر لايداعه، و لا تترتب علي العين أحكام الوديعة، و لا علي الآخذ لها حكم الودعي، بل تكون مضمونة عليه لمالكها، و يجب عليه تسليمها له، و يحرم عليه إرجاعها للمودع، فإن جهل مالكها جري ما تقدم في المسألة السابقة من وجوب الفحص أو الانتظار، غايته أنه مع اليأس عن العثور علي المالك- بالفحص أو بدونه- إذا احتمل بعيدا العثور عليه صدفة لا يجب الانتظار- كما

وجب في المسألة السابقة- بل تجوز المبادرة للتصدق، كما يجوز الانتظار أيضا.

(مسألة 18): إذا أجبر المودع في المسألة السابقة الودعي علي استرجاع الوديعة و أخذها منه فالظاهر ضمان الودعي لها، لكن لا يجب عليه التصدق ببدلها، بل يجب عليه نية الوفاء للمالك لو طالبه، فإن ظهر المالك- مع الفحص أو بدونه- و رجع عليه دفع له البدل، و رجع هو علي المودع إن قدر عليه، و إن رجع المالك علي المودع رأسا و أخذ منه البدل فلا شي ء علي الودعي.

(مسألة 19): إذا تصدق بالوديعة في مورد عدم الوصول للمالك ثم ظهر المالك فالأحوط وجوبا مراجعته و إخباره بذلك، فإن رضي به كان له أجر الصدقة، و إن أبي ضمن المتصدق له المال، و كان أجر الصدقة للمتصدق، و يجري ذلك في جميع موارد التصدق بمجهول المالك.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 187

كتاب الشركة

و هي اشتراك أكثر من شخص واحد في ملكية مال واحد، بأن يكون ملكا للكل بنحو الإشاعة، الراجع لملكية كل واحد حصة منه مشاعة. أما لو كان كل واحد منهم مالكا لجزء منه معين فليس هو من الشركة في شي ء.

(مسألة 1): الشركة كما تكون في الأعيان الخارجية- كالدار و الثوب- تكون في الأعيان الذمية كالديون، كما لو باع الشركاء المال المشترك بثمن في الذمة، أو اقترض الرجل من أموال الشركة أو أتلفها. بل تكون في الحقوق أيضا، كحق الخيار و الشرط و حق السر قفلية الذي تعارف في عصورنا و غير ذلك.

(مسألة 2): الشركة.

تارة: تكون قهرية، كشركة الورثة في المال الموروث، و كما لو أوصي الميت بمال لأكثر من واحد.

و اخري: تكون اختيارية، و هي علي قسمين.

الأول: الحكمية،

و تكون بسبب الاشتراك في سبب الملك، كما لو اشترك أكثر من واحد في حيازة مال واحد، أو في إحياء أرض واحدة، أو في حفر بئر واحدة، أو في عمل واحد له جعل معين. و منه اشتراك أكثر من واحد في شراء شي ء واحد بثمن من الكل.

الثاني: العقدية، و هي تكون.

تارة: بتشريك شخص في مال آخر، كما لو قال أحد الشخصين لصاحبه:

أشركني في بضاعتك أو دارك أو غير ذلك بثمن كذا، فقبل الآخر. و كذا لو باع أحدهما نصف داره أو بضاعته المشاع لآخر.

و اخري: بتشريك كل من المالكين الآخر في ماله، بأن يكون لكل من الشخصين مال يختص به، فيتعاقدا علي أن يشتركا في المالين بنحو الإشاعة،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 188

و لا يعتبر فيها حينئذ مزج أحد المالين بالآخر. و الشركة العقدية بقسميها كما تقع بين اثنين تقع بين أكثر.

(مسألة 3): إذا امتزج المالان المملوك كل منهما لشخص امتزاجا رافعا للتمييز بينهما عرفا جري عليهما حكم الشركة، سواء اتفقا جنسا و وصفا- كما لو امتزج الزيت الجيد بالزيت الجيد- أم اتفقا جنسا و اختلفا وصفا- كما لو امتزج الزيت الجيد بالزيت الردي ء- أم اختلفا جنسا- كما لو امتزج زيت الزيتون بزيت الذرة- بل يجري ذلك مع امتياز أحد المالين و صعوبة الفصل بينهما لصغر الأجزاء، كامتزاج الحنطة بالحنطة أو بالشعير. و أما اشتباه أحد المالين بالآخر من دون امتزاج- كما لو كان لزيد كيس من الحنطة و لعمرو كيس آخر فاشتبه أحدهما بالآخر- فلا يجري عليه حكم الشركة، بل يتعين الرجوع في رفع الاشتباه للقرعة أو الصلح.

(مسألة 4): الشركة العقدية و إن كانت عبارة عن التعاقد علي الشركة في المال، إلا

أنها كثيرا ما تبتني- زائدا علي ذلك- علي التكسب بالمال بالاتجار به، أو استنمائه أو غيرهما من وجوه الاسترباح. و ذلك علي نحوين.

الأول: أن يتفق الأطراف عليه ابتداء من غير أن يؤخذ في عقد الشركة، و حينئذ يعمل علي ذلك- ما دامت الأطراف آذنة به- علي النحو المأذون فيه، و متي عدل بعضهم عن إذنه لزم التوقف عن العمل، و كذا لو سقط إذن بعضهم عن الأثر بموت أو جنون أو نحوهما.

الثاني: أن يؤخذ ذلك في ضمن عقد الشركة، كما جرت عليه الشركات ذات الأنظمة الخاصة المتعارفة في عصورنا، و منها الجمعيات التعاونية، و حينئذ يجب العمل عليه علي طبق ما أخذ في العقد سعة و ضيقا، كما يؤخذ بسائر ما تضمنه العقد من تعيين المباشر للتكسب بالمال، و الأجر الذي يستحقه، و المدة التي تبقي فيها الشركة، و غيرها من الشروط المشروعة التي تقدم تحديدها في مبحث الشروط من كتاب البيع.

و بلحاظ هذين النحوين يتجه منا تقسيم الشركة إلي جائزة و لازمة. و أما بلحاظ أصل الاشتراك في المال مع قطع النظر عن التصرف فيه و التكسب به

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 189

فالشركة لازمة لا تنحلّ إلا بالقسمة.

و يجري ذلك لو كان الشرط في ضمن عقد لازم غير عقد الشركة، كما يمكن جريانه حينئذ في الشركة غير العقدية، فإنه يمكن اشتراط التكسب بمال الشركة في ضمن عقد لازم.

(مسألة 5): تشرع المضاربة بالمال المشترك، سواء كان العامل من الشركاء أم من غيرهم، و تجري علي المضاربة به أحكام المضاربة المتقدمة.

(مسألة 6): يجوز شراء بعض الشركاء من مال الشركة، إلّا أن الشراء يلغو بالإضافة إلي حصة الشريك المذكور، لعدم صحة البيع مع وحدة مالك

الثمن و المثمن، لكن لا أثر لذلك فإن الثمن المقابل لحصته يقوم مقام حصته في الدخول في الشركة. نعم قد يشكل الحال لو كان للعامل في الشركة حصة من الربح، لأن ما يقابل الحصة من الربح ليس ربحا في الحقيقة بعد أن كان البيع لاغيا في الحصة، بل هو ربح صوري فلا يستحق العامل حصة منه، إلا أن يكون المراد من الربح- الذي يجعل للعامل في الشركة حصة منه- ما يعم مثل هذا الربح الصوري، كما هو الظاهر.

(مسألة 7): يجوز للشريك الاقتراض من مال الشركة، إلا أن الاقتراض يلغو في حصته، لامتناع اقتراض الإنسان من ماله، فإن أرجع المقدار الذي استدانه دخل في الشركة مجددا، نظير ما إذا زاد الشركاء في مال الشركة، و حينئذ إن كانت الشركة جائزة لم يكن ملزما بذلك، بل ليس عليه إلا إرجاع حصة الشركاء لهم، و إن كانت لازمة كان ملزما بذلك، لابتناء رضاهم بالاقتراض- مع لزوم الشركة- علي لزوم إرجاع مقدار المبلغ الذي اقترضه للشركة و تجديد الشركة فيه.

(مسألة 8): يجوز شراء أسهم الشركات ذات الأنظمة المحددة، و حينئذ يجري علي المشتري نظام الشركة و يلزم به. نعم لو كانت بعض مكاسب الشركة محرمة لم يجز شراء ما يقابل أرباح تلك المكاسب، كما لا ينفذ نظام الشركة المتعلق بالجهة المحرمة، و لا يجوز العمل عليه و لا التكسب بالوجه المحرم.

(مسألة 9): لا إشكال في أن الدين يقع موردا للشركة القهرية، كما لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 190

مات شخص عن دين له فاشترك فيه ورثته. بل الظاهر جريان الشركة العقدية فيه، فإذا أراد جماعة تأسيس شركة بمبلغ معين فكما يجوز لكل منهم أن يعيّن ما يقابل أسهمه

في الشركة في النقود الموجودة عنده فيدفعها للشركة، له أن يعينه في الدين الذي له في ذمة الغير من أفراد أو مؤسسات أهلية، فيدفع للشركة صكا مقابلا للدين المذكور ليسجل في حساب الشركة. و إن لم تستوف الشركة الدين، فإن كان قبول الشركاء بالدين مبنيا علي اشتراط تحصيله ضمنا، أو كان من شأن الدين أن يتحصل كان لهم فسخ الشركة فيه، و إلا لزمهم القبول به، و يكون من سنخ الخسارات الواردة علي الشركة التي يتحملها جميع الشركاء.

هذا و لو كان دفع الصك راجعا إلي التوكيل في قبض المبلغ و تسجيله في حساب الشركة بعد القبض خرج عن الشركة في الدين، و تعين عدم دخول المبلغ في الشركة قبل قبضه، و إن تلف قبله كانت خسارته علي صاحبه فقط.

(مسألة 10): الظاهر أن المنافع كالدين، فكما تقع موردا للشركة القهرية تقع موردا للشركة العقدية، بأن تجعل منفعة الدار مثلا التي هي ملك أحد شخصين أو أشخاص موضوعا للشركة بينهم مع أعيان أو منافع يدفعها الأطراف الأخر.

و أظهر من ذلك ما إذا صالح صاحب المنفعة الطرف الآخر علي حصة من تلك المنفعة بنقد منه، مثلا: إذا كان لزيد دار و لعمرو عشرة آلاف دينار، فيصالح عمرو زيدا عن نصف منفعة الدار إلي سنة بخمسة آلاف دينار، و تتم الشركة بعد ذلك بينهما في منفعة الدار بتمامها إلي سنة و العشرة آلاف دينار. و هناك وجه ثالث، و هو أن يتصالحا علي أن يدفع صاحب المنفعة أجرة منفعته التي تأتيه منها للشركة في مقابل تشريكه في مال الطرف الآخر. و لا يفرق في جميع ذلك بين منفعة عمل الشريك و منفعة مملوكاته، كداره و دابته و غيرهما.

(مسألة 11):

لا تصح شركة الوجوه، و هي أن يشتري كل من الطرفين مثلا مالا بثمن في ذمته ثم يبيعانه، و ما كان من ربح أو خسارة فهو بينهما. و مثلها كل ما كان موضوع الشركة تكسّب كل منهما لنفسه- من تجارة أو إجارة أو زراعة أو حيازة أو غيرها، و لا يكون فائدة الشركة إلا الاشتراك فيما يرد عليهما من ربح

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 191

أو خسارة من دون اشتراك في الأصل، و كذا لو عم ذلك ما يحصل لكل منهما من غير تكسب، كهبة أو ميراث أو غيرهما، و هي المسماة بشركة المفاوضة. نعم يمكن في الجميع تصالح الأطراف فيما بينهم علي أن يشرك كل منهم جماعته فيما يتحصل له، فإذا حصل له شي ء و ملكه جعله في صندوق الشركة، أو قبضه عن الكل بنحو الشركة.

(مسألة 12): لا بد في الشركة العقدية من اتفاق الأطراف علي الشركة أو ما يقوم مقامها، بحيث يتعاقدون علي ذلك بعد تعيينه و توضيح حدوده، و يكفي في تحقق العقد كل ما يدل علي إنشاء التعاقد من قول أو كتابة أو عمل، كخلط الأموال بعضها ببعض، أو جمعها في محل الشركة، أو نحوهما، ثم الجري علي ذلك في عملهم.

و لا ينبغي للأطراف المعنية التهاون في ذلك إغفالا له، أو اعتمادا علي الثقة المتبادلة بينهم، أو لمنع الخجل منه، أو غير ذلك، فكم من أفراد عائلة واحدة متحابين متآلفين عملوا مع كبيرهم و هم لا يعرفون من عملهم إلا أن الكل يعملون و يكسبون و ينفقون من مجموع الوارد، من دون أن يحددوا وجه عملهم و يتفقوا عليه، فهم لا يعرفون أنهم شركاء مع كبيرهم، أو أنهم أعوانه في

عمله يعملون له و ينفق عليهم، حتي إذا تقلبت بهم الأحوال و أرادوا هم أو ورثتهم تصفية الأمور، لم يرجعوا إلي شي ء محدد واضح المعالم، و صعب الحل الشرعي، بل العرفي أيضا، و حصلت المشاكسة و المنافرة، و مهما يكن الحل بعد ذلك فهو لا يصادف رضا الكل، بل يشعر بعضهم أو كل منهم بأنه مغبون مهضوم، و قد يترتب علي ذلك الشقاق و التعادي و التقاطع و التدابر بعد ذلك التحابب الشديد و التآلف الطويل.

(مسألة 13): يلحق كلا من الشركاء من الربح و الخسران بنسبة ماله، إلا أن يشترط في ضمن عقد الشركة أو في ضمن عقد آخر تحمل بعض الشركاء الخسران، فيلزم الشرط المذكور. كما يجوز اتفاقهم علي اختصاص بعضهم برأس المال مع كون الربح و الخسران للآخر، سواء تمّ هذا الاتفاق بعقد مستقل به، أم كان شرطا في ضمن عقد الشركة أو عقد آخر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 192

(مسألة 14): يجوز لبعض الشركاء اشتراط الزيادة في الربح علي نسبة ماله إذا كانت في مقابل عمل يقوم به، فإن كانت الزيادة حصة مشاعة من الربح دخل في المضاربة و جري حكمها، و إن كانت مالا معينا- كألف دينار- دخل في الإجارة و جري حكمها. و كذا يجوز له أخذ الزيادة في مقابل منفعة يبذلها- كمنفعة المحل التجاري، أو سيارة العمل- و يكون من الإجارة إن كان مالا معينا، أما إذا كان حصة مشاعة فهو معاملة مستقلة و ليست إجارة و لا مضاربة.

(مسألة 15): لا يجوز زيادة بعض الشركاء في الربح علي نسبة ماله من دون عمل أو منفعة يبذلها. نعم يجوز لبعضهم أن يشترط علي الآخرين في ضمن عقد الشركة أو

عقد آخر أن يعطوه من حصتهم التي يستحقونها بمقتضي الشركة بعد تملكهم لها.

(مسألة 16): يجوز أن يستأجر شخصان لعمل واحد بأجرة واحدة، فيستحق المستأجر علي كل منهما نصف العمل مشاعا، و يستحق كل منهما نصف الأجرة مشاعا، و حينئذ إن اشتركا في العمل بنية الوفاء عنهما معا لم يستحق أحدهما علي الآخر شيئا، حتي لو صادف أن كان عمل أحدهما أكثر، لأنه يكون متبرعا عن صاحبه بالزيادة، و كذا لو اقتسما العمل بينهما من دون أن يجعلا لكل منهما قسما من الأجرة، أما لو اقتسما العمل و جعلا لعمل كل منهما أجرة خاصة فيستحق كل منهما من صاحبه ما يتفقان عليه، سواء ساوي مجموع الأجرتين الأجرة المجعولة علي تمام العمل، أم نقص عنها، أم زاد عليها.

كذا الحال لو استأجرا شخصا آخر للقيام بالعمل عنهما، أو استأجر أحدهما أو كل منهما من يقوم مقامه في حصته من العمل. نعم إذا كان العمل المستأجر عليه في الأجرة الثانية تمام العمل المستأجر عليه في الأجرة الاولي من دون تقسيم أو تنقيص فلا يجوز أن تنقص الأجرة الثانية عن الأجرة الأولي، علي ما سبق في كتاب الإجارة.

(مسألة 17): لا يجوز لأحد الشريكين التصرف في العين المشتركة بدون إذن شريكه، إلا أن يكون لازما عليه بشرط أو نحوه. و منه ما إذا ابتني الاشتراك في العين علي ذلك ضمنا، كما في الطريق غير النافذ للدور أو المحال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 193

التجارية المتعددة، و الساحة الخارجة عنها المجعولة فضاء بينها للتهوية و الإنارة و التنزه و نحوها من الشؤون المشتركة، و البئر بين الدور المتعددة للاستقاء، و نحوها من الأمور التابعة للأعيان المختصة، فإن إنشاءها أو شراءها لتكون

تابعة لها يبتني عرفا علي كون الغرض هو انتفاع الأطراف بها من دون حاجة للاستئذان.

و هذا بخلاف ما إذا لم تبتن الشركة بها علي ذلك، كما إذا اشتري المتجاورون أرضا ليجعلوها محلا تجاريا ثم عدلوا عن ذلك و تركوها للانتفاع المشترك بين دورهم كطريق أو ساحة تابعة لها، و كما لو حفروا بئرا ليبيعوا ماءها ثم بدا لهم تركها ليستقوا منها لأنفسهم في دورهم، أو ورثوا شيئا من ذلك فاختاروا تركه للانتفاع المشترك، فإن الانتفاع في جميع ذلك يحتاج لإذن الشركاء.

نعم إذا لم يبتن جعلها تابعة علي مجرد الإذن في الانتفاع المشترك، بل علي الإلزام و الالتزام بين الأطراف بتبعيتها و تعيينها منهم لذلك لزمهم الجري عليه و لم يحتج التصرف للإذن حينئذ، نظير ما سبق فيما لو ابتني الاشتراك علي التبعية. و قد تشهد القرائن بذلك، كما لو اتفقوا علي أن يغوروا آبارهم المختصة و يستبدلوها بالبئر المشتركة، و غير ذلك مما يختلف باختلاف المقامات.

(مسألة 18): تقدم أن الشركة العقدية قد تبتني علي التصرف في مال الشركة و التكسب به، و أن ذلك قد يكون بنحو اللزوم لاشتراطه في ضمن عقد لازم، و حينئذ يجوز العمل عليه بلا حاجة إلي إذن بقية الشركاء. و أما في غير ذلك فلا بدّ في التصرف في المال المشترك من إذن جميع الشركاء، و لا يجوز استقلال بعضهم بالتصرف من دون رضا الباقين، و إذا رضي الشركاء بتصرف خاص وجب الاقتصار عليه، و إذا تعاسر الشركاء، أو عيّن كلّ منهم ما يراه الآخر مضرا، أو منع مما يري الآخر تركه مضرا للمال تعين الرجوع للحاكم الشرعي، و الأحوط وجوبا ذلك حتي لو علم أن الشريك لم يعين ما

عيّن و لم يمنع مما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 194

منع إلا مضارة للآخرين من دون أن يراه صلاحا. نعم إذا تعذر حينئذ الرجوع للحاكم جاز مخالفة الشريك و العمل بما يراه الآخر لازما لصلاح المال مقتصرا مهما أمكن علي أقل وجوه مخالفته.

(مسألة 19): إذا طلب بعض الشركاء القسمة وجب إجابته، إلا إذا كان ذلك علي خلاف شرط لازم في عقد الشركة أو عقد لازم آخر، أو كانت القسمة مضرة بالمال المشترك، أو كانت موقوفة علي الرد بأن يتعذر قسمة المال علي نسبة السهام بل يتوقف علي دفع بعض الشركاء للباقين شيئا من المال يتدارك به الفرق.

(مسألة 20): تصح قسمة الوقف مع الملك الطلق إذا كان عدمها مضرا بأحدهما.

(مسألة 21): لا تصح قسمة الوقف بين الموقوف عليهم. نعم تصح قسمته موقتا بالنحو الذي لا ينافي مقتضي الوقف، كما لو تساوي نماء القسمين فيتصالح الشريكان علي اختصاص كل منهما بأحدهما ما دام الأمر كذلك، و لا بدّ في نفوذها حينئذ من إذن الولي.

(مسألة 22): مع تراضي الشركاء في كيفية القسمة يقسمون كيف شاؤوا، و لا حاجة للقرعة، و لعل الأولي أن يقسم بعضهم و يخيّر الباقين.

(مسألة 23): مع تشاحّ الشركاء في كيفية القسمة يرجعون إلي الحاكم الشرعي، و عليه تعديل السهام و تقسيم العين المشتركة بما يناسب سهام كل شريك ثم القرعة لتعيين ما يختص به كل منهم من أقسام العين المشتركة.

(مسألة 24): إذا وقعت القسمة و انكشف أن ما تعين لبعض الشركاء معيب كان له الفسخ إلا أن تبتني القسمة علي الرضا به علي كل حال، أو أسقط خيار العيب بعد القسمة.

(مسألة 25): إذا كان بعض أموال الشركة ديونا علي الناس، فوقعت القسمة و

شملت الديون فتلف الدين الذي صار لبعض الشركاء كان تلفه من الكل، و بطلت القسمة فيه. نعم إذا اتّفق الشركاء علي توزيع أموال الشركة بينهم بنحو خاص و لو مع توقع الخسارة من دون أن يرجع ذلك إلي القسمة نفذ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 195

الصلح المذكور.

(مسألة 26): إذا كان بعض أموال الشركة دينا في ذمة الناس فقبض بعض الشركاء حصته من الدين علي أنها حصته التي يختص بها صح قبضه و بطلت الشركة في الدين المذكور، و كذا إذا اشتري به شيئا من المدين أو صالحه عليه بشي ء أو ابرأ ذمته منه. نعم إذا كانت الشركة لازمة لم يصح منه القبض لنفسه، بل لا يمكن التصرف في الدين إلا للشركة.

(مسألة 27): الشريك المأذون في التصرف، أو الذي له حق التصرف بمقتضي عقد أو شرط لازم أمين لا يضمن ما تحت يده من المال المشترك إلا بالتعدي أو التفريط.

(مسألة 28): إذا اشتري بعض الشركاء لنفسه فليس له أن يدفع الثمن من مال الشركة إلا مع إذن الشركاء الراجع لإذنهم له في الاقتراض من مال الشركة الذي تقدم بيان حكمه في المسألة (7)، و إذا دفع من دون إذنهم كان خائنا، لكن ذلك لا يوجب بطلان الشراء، و لا وقوعه للشركة.

(مسألة 29): يكره مشاركة الكافر الكتابي فضلا عن غيره. نعم إذا شاركه غيره و صار أمينا علي المال من قبله حرم خيانته.

(مسألة 30): إذا كان لأحد عين قيمتها عشرون دينارا مثلا و للآخر عين قيمتها ثلاثون دينارا و اشتبهت إحدي العينين بالأخري فلا تعرف ذات العشرين من ذات الثلاثين، فإن خيّر أحدهما الآخر فاختار إحداهما فلا إشكال، و هو راجع إلي الصلح بينهما علي تعيين

ما يملكه كل منهما أو تبديله، و إلا فإن كان الغرض لكل منهما الحفاظ علي مالية ماله بيعا معا و قسم الثمن بين المالكين بنسبة قيمة إحدي العينين لقيمة الأخري، فيعطي في المثال المذكور صاحب العين التي قيمتها عشرون خمسي الثمن و الآخر ثلاثة أخماسه، و إن كان الغرض لكل منهما الحفاظ علي خصوصية العين التي له فالمرجع القرعة.

هذا إذا كان الاشتباه في العينين أما إذا كان الاشتباه في المالكين، كما إذا تميزت العين ذات العشرين دينارا عن الأخري في المثال المتقدم و تردد المالك لكل منهما فلا بد إما من الصلح بينهما أو الرجوع للقرعة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 197

كتاب السبق و الرماية

السبق عقد يقتضي استحقاق السابق لجعل معين، و الرماية عقد يقتضي استحقاق الأجود رميا لجعل معين. و أطراف العقدين جميع المشتركين في التسابق و المغالبة، و يضاف إليهم باذل الجعل إذا لم يكن منهم. و لا بدّ فيهما من أمرين.

الأول: كون أطراف العقد نافذي التصرف بالبلوغ و العقل و عدم الحجر.

الثاني: الإيجاب من بعضهم و القبول من الباقي، و يكفي كل ما يدل علي الإلزام و الالتزام بذلك من قول أو فعل كسائر العقود، و إذا تم لزم العقد و وجب التسابق، و لا يجوز الامتناع عنه مع المطالبة إلا بعروض المبطل للعقد، كعجز بعض الأطراف أو موته، أو بالتقايل الراجع لحل العقد.

هذا إذا ابتني السبق و الرماية علي الالتزام بالتسابق ثم استحقاق الجعل للسابق، نظير الإجارة. أما إذا ابتنيا علي استحقاق السابق الجعل من دون إلزام بالتسابق كانا من الإيقاعات، و كفي فيهما الالتزام من باذل الجعل بجعله للسابق من دون حاجة لالتزام الباقين، و لم يقتضيا وجوب التسابق، و جاز

العدول عنهما قبل العمل، كالجعالة و جري عليهما حكمها.

(مسألة 1): يجوز السبق بكل ذي خف، و هو الإبل و الفيلة، و بكل ذي حافر، و هو الخيل و البغال و الحمير. و تجوز الرماية بكل ذي نصل، و هو الحديدة المحددة الموضوعة في طرف السلاح، كالسيف و الرمح و السهم و الحربة و نحوها. و لا يجوز التسابق مع الرهن في غير ذلك، حتي الحمام علي الأحوط وجوبا، نعم يجوز اللعب و التسابق فيه بلا رهن، إلا أن يكون قمارا فيحرم، علي ما تقدم عند ذكر الكبائر من كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

(مسألة 2): يجوز أن يكون العوض عينا خارجية، و أن يكون ذميا كألف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 198

دينار في ذمة الجاعل.

(مسألة 3): يجوز أن يكون العوض من أحد المتسابقين، و من جميعهم، كما لو بذل كل منهم مائة دينار للسابق بحيث يكون للسابق مجموع ما يبذله الكل، كما يجوز أن يبذل العوض من غير المتسابقين.

(مسألة 4): لا يجوز جعل الرهان لغير السابق من المتسابقين، كما تعارف في عصورنا مراهنة بعض المشاهدين علي سبق أحد المتسابقين، بحيث لا يكون سبق السابق سببا لاستحقاقه الرهان بنفسه، بل لاستحقاق أحد المتراهنين له، فإن ذلك من الرهن المحرم، و هو المعروف في عصورنا بالرايسز.

(مسألة 5): لا بد في المسابقة من تحديد الجهات الدخلية فيها، كالزمان و المكان و مقدار الرمي و نحو ذلك، بنحو تنضبط به المسابقة و يحدد معيار السبق و استحقاق الجعل، و لا يجب ما زاد علي ذلك.

(مسألة 6): في المسابقات المحللة التي لا يجوز فيها الرهن إذا بذلت آلة اللعب للمتسابقين مجانا فلا إشكال، و إن كانت بأجرة فلا

يجوز الاتفاق علي أن يتحملها المغلوب وحده، و يجوز اشتراك المتسابقين فيها، أو تحمل بعضهم المعين لها.

(مسألة 7): ينبغي للمؤمن أن يترفع عن اللهو و اللعب و إن كان حلالا، فعن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاثة: تأديبه فرسه و رميه عن قوسه و ملاعبته امرأته، فإنهن حق». و يتأكد ذلك فيما يبتني علي المغالبة و التسابق، فإنه يجرّ للتباهي و التفاخر و الأشر و البطر، و هي من وسائل الشيطان المهلكة. و كثيرا ما تكون عاقبة ذلك التنافر و التباغض و العدوان و التحاسد، و لا أقل من كون ذلك مضيعة للوقت الثمين الذي هو رصيد الإنسان في دنياه، و الذي يستطيع أن يكتسب به أربح المكاسب و ينال به أسمي المطالب و أسني المراتب. و منه سبحانه نستمد التوفيق و التسديد.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 199

كتاب القرض و الدين

اشارة

القرض عقد يتضمن تمليك المال للغير مضمونا عليه. أما الدين فهو كل ما انشغلت به الذمة، سواء كان بعقد- كبدل القرض في المقام، و المبيع في السلم، و المهر المؤجل، و ثمن المبيع و اجرة الإجارة إذا لم يكونا عينا خارجية- أم بدونه كبدل المضمون باليد و الإتلاف.

(مسألة 1): يعتبر في القرض ما يعتبر في سائر العقود من استقلال المتعاقدين في التصرف بالبلوغ و العقل و عدم الحجر و السلطنة علي المال، و بدون ذلك لا ينفذ العقد و لا يترتب عليه الأثر. نعم إذا أخذ المقترض المال كان ضامنا له و إن لم يملكه، إلا أن يكون المقترض غير مميز فإنه لا يضمن المال إذا كان الدافع له مميزا، بل يكون الدافع مفرطا في دفع

المال و لا ضمان له.

(مسألة 2): لا بدّ في نفوذ عقد القرض و ترتب الأثر عليه من قبض المقترض المال، فلا يملك المقترض المال قبل ذلك. بل لا يبعد توقف صدق القرض علي القبض المبني علي الضمان العقدي، و لا يكفي في صدقه العقد بدون القبض.

(مسألة 3): إذا تمّ عقد القرض و حصل القبض لزم العقد و لا يجوز الرجوع فيه من أحدهما، فلو طلب المقرض إرجاع عين المال لم تجب إجابته، و كذا لو طلب المقترض إرجاعه و فسخ العقد. نعم له الوفاء بعين المال الذي أخذه.

(مسألة 4): يقع القرض في المثليات، و هي الأمور التي تقوم ماليتها بنوعها أو صنفها دون خصوصياتها الفردية، كالنقود و الذهب و الفضة و الحبوب و منتوجات المعامل ذات الماركات الخاصة و غيرها. و أما القيميات- و هي الأمور التي تقوم مالياتها بخصوصياتها الفردية ككثير من المنتوجات اليدوية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 200

و الحيوانات- فالظاهر وقوع القرض فيها إذا كانت مماثلاتها في الصفات الدخيلة في المالية عرفا ميسورة، و قصد ضمانها بمثلها حينئذ.

و أما إذا لم تكن مماثلاتها ميسورة أو لم يقصد ضمانها بمماثلاتها، بل بقيمتها فلا يقع القرض بها. نعم تقدم في خاتمة كتاب الإجارة جواز بذل العين مضمونة بقيمتها أو بعوض خاص، لكنه ليس من القرض، و لا يكون مملكا للعين المبذولة.

(مسألة 5): يكره القرض، بل مطلق الدين مع إمكان الاستغناء عنه.

(مسألة 6): يجب نية الأداء عند الاقتراض، و في أخبار أهل البيت عليهم السّلام:

أنها سبب- بعون اللّه تعالي- علي الأداء، و أن من اقترض مالا و في نيته أن لا يؤديه فهو بمنزلة السارق.

(مسألة 7): يستحب إقراض المؤمن، و فيه أجر عظيم، و

قد ورد أنه أفضل من الصدقة.

(مسألة 8): يحرم اشتراط الزيادة للمقرض، و هو من الربا في الدين الذي تقدم في التاسع من كتاب التجارة أنه القسم الثاني من الربا المحرم. و لو اشترط الزيادة بطل الشرط و لا يبطل عقد القرض، فيملك المقترض المال و ليس عليه الزيادة.

(مسألة 9): لا فرق في الزيادة المحرمة بين العين و المنفعة- كسكني الدار و ركوب الدابة- و الصفة، كما لو أقرضه حنطة رديئة علي أن يعطيه حنطة جيدة، أو أقرضه نقودا من فئة خاصة علي أن يعطيه من فئة اخري خير منها، و قد تكون نفعا خارجيا، كما لو أقرضه ألف دينار و شرط عليه أن يبيعه ثوبا بأقل من قيمة المثل، بل مطلق البيع علي الأحوط وجوبا، بل الأحوط وجوبا العموم لكل شرط للمقترض علي المقرض، سواء عاد نفعه له أم لا، كما لو اشترط أن يعطي مالا لشخص ثالث أو أن يبني المسجد، و سواء كان الملحوظ فيه المال أم لا، كما لو اشترط أن يدعو له أو لأبيه أو للمؤمنين، نعم يجوز اشتراط الوفاء في غير بلد القرض.

(مسألة 10): يجوز أن يشترط المقترض علي المقرض شيئا له، سواء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 201

كان عينا أم منفعة أم صفة أم غيرها، كما يجوز له اشتراط الأداء بأقل مما أخذ.

(مسألة 11): المحرم هو اشتراط الفائدة في القرض، و لا يحرم العكس، و هو اشتراط القرض في الفائدة، كما لو وهب زيد عمرا عشرة دنانير علي أن يقرضه عمرو مائة دينار، أو آجره داره بأقل من ثمن المثل علي أن يقرضه مبلغا من المال، و غير ذلك.

(مسألة 12): يجوز للمقرض قبول الهبة و كل فائدة من

المقترض إذا لم تكن مشروطة في القرض، نعم هو مكروه، و الأولي له أن يحتسب الهبة من دينه، كما يجوز الوفاء بالأجود و الأكثر من دون شرط، بل يستحب ذلك للمقترض.

(مسألة 13): لا يجوز تأجيل القرض الحالّ بل مطلق الدين بزيادة فيه، و كذا إطالة أجل الدين المؤجل، بل هو من الربا المحرم. نعم يمكن التخلص من الحرمة بإيقاع معاملة تثمر ذلك، مثلا: يبيع المدين متاعا من الدائن بدينه ثم يشتريه منه بأكثر منه إلي أجل، أو يهب المدين للدائن شيئا و يشترط عليه أن يؤجل دينه، أو غير ذلك مما يتضح بملاحظة ضوابط الربا المحرم.

(مسألة 14): يجوز تعجيل القرض المؤجل بل مطلق الدين المؤجل بإسقاط بعضه.

(مسألة 15): لا يختص الربا في الدين بالمكيل و الموزون، بل يجري في غيرهما أيضا، و ليس هو كالربا المعاملي.

(مسألة 16): ما تقدم في الربا المعاملي من حكم أكل الربا عمدا أو بجهالة، و ميراث المال ممن يأخذ الربا جار في ربا القرض فراجع.

(مسألة 17): يجوز أن يشترط في عقد القرض جعل رهن علي المال المقترض، كما يجوز اشتراط التوثق منه بغير الرهن، كالإقرار و الاشهاد و نحوهما. كما يجوز أن يشترط في عقد آخر التوثق من القرض بل مطلق الدين بالرهن أو غيره.

(مسألة 18): إطلاق القرض يقتضي عدم التأجيل، لكن ظاهر حال المقرض حينئذ الإذن بتأخير وفائه، فلا يجب علي المقترض المبادرة لوفائه إلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 202

مع ظهور أمارة عدم الرضا بالتأخير من المقرض، فيجب الوفاء حينئذ فضلا عما إذا طلب الوفاء.

(مسألة 19): يجوز اشتراط الأجل في عقد القرض، كما يجوز اشتراط تأجيل القرض بل مطلق الدين في عقد آخر، و له حينئذ صور

ثلاث.

الاولي: أن يكون المشترط هو المقترض، فيكون مفاد الشرط أن التأخير حق له وحده، و حينئذ لا يجوز للمقرض الإلزام بالوفاء قبل الأجل، و لا يجب علي المقترض الوفاء لو طالبه قبله، نعم يجوز له المبادرة للوفاء قبل الأجل و إن لم يطالبه المقرض و يجب علي المقرض القبول.

الثانية: أن يكون المشترط هو المقرض دون المقترض، كما لو كان عاجزا عن حفظ المال قبل الأجل فاشترط الأجل كي لا يتعرض ماله للخطر لو حصل الوفاء قبله و أجابه المقترض لذلك مع استعداده للتعجيل لو قدر عليه و قبل به المقرض، و حينئذ لا يجب علي المقرض القبول لو أراد المقترض الوفاء قبل الأجل. أما لو طالب المقرض بالوفاء قبل الأجل فاللازم علي المقترض المبادرة مع القدرة.

الثالثة: أن يكون الشرط لهما معا، و حينئذ لا يجوز للمقرض الإلزام بالوفاء قبل الأجل، و لا يجب علي المقترض المبادرة لو طالب به، كما أنه لا يجب علي المقرض القبول لو أراد المقترض المبادرة بالوفاء قبل الأجل.

و الشائع هو الصورة الاولي، و هي المفهومة من إطلاق اشتراط الأجل، و بعدها الثالثة، و أما الثانية فهي أبعد الصور عن ظاهر الاشتراط، و يحتاج الحمل عليها إلي عناية خاصة.

(مسألة 20): لا يتأجل الدين الحالّ برضا الدائن بالتأجيل إذا لم يشترط الأجل في عقد القرض أو عقد آخر، نعم لا يجب علي المدين المبادرة للأداء ما دام الدائن راضيا، أما لو عدل و طالب بالأداء فإنه يجب علي المدين المبادرة له و لا ينتظر الأجل.

(مسألة 21): يجب علي المدين- إذا كان واجدا- المبادرة لأداء الدين غير المؤجل إذا ظهرت علي الدائن أمارة عدم الرضا بتأخير الأداء، كما يجب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)،

ج 2، ص: 203

عليه المبادرة لأداء الدين المؤجل إذا حلّ أجله، و لا يحل له حبسه في المقامين، بل هو من الكبائر. أما لو كان عاجزا فالأحري به ملاطفة الدائن و حسن الاعتذار منه، و إرضاؤه مهما أمكن.

(مسألة 22): إذا لم يؤد المدين الدين الحالّ مع قدرته علي أدائه جاز للدائن أو وليه أو وكيله مطالبته، و إذا امتنع جاز إجباره، و إذا انحصر الأمر باللجوء لحاكم الجور جاز. نعم مع التنازع و إمكان الرجوع للحاكم الشرعي لا يجوز الترافع لحاكم الجور، كما تقدم في مسائل التقليد.

(مسألة 23): إذا أراد المدين وفاء الدين وجب علي الدائن القبول، إلا إذا كان الدين مؤجلا لم يحل أجله و كان الأجل شرطا للدائن وحده أو مع المدين، كما سبق في المسألة (19).

و إذا امتنع الدائن من القبول مع وجوبه عليه جاز إجباره، و إذا تعذر جاز التسليم للحاكم الشرعي بدلا عنه، و إن امتنع الحاكم الشرعي من قبض المال كفي في فراغ ذمة المدين تمكينه للدائن من المال و التخلية بينه و بينه، و الأحوط وجوبا عدم الاكتفاء بذلك إلا بعد مراجعة الحاكم الشرعي إن أمكن.

(مسألة 24): يكفي في وجدان المدين الملزم له بالوفاء و المسوّغ لإلزامه به أن يكون له ما يقدر علي وفاء دينه به من نقد أو دين أو عروض أو عقار أو ضياع، فيجب عليه الوفاء مع القدرة علي ذلك، و بيع ما يتوقف الوفاء به علي البيع، و غير ذلك.

(مسألة 25): لا يجب علي المدين بيع دار سكناه و ثياب تجمله و نحو ذلك من ضرورياته العرفية لوفاء دينه، كما لا يجب بذل ما يحتاج إليه لمعاشه من رأس مال أو آلة عمل أو

عقار يدرّ عليه قوت سنته، فإن ذلك كله مستثني من وجوب وفاء الدين. نعم إذا كان له فضل في ذلك وجب بذله، كما لو كان في داره سعة و أمكنه بيع بعضها أو استبدالها بأصغر منها، و كذا لو أمكنه الاقتصار في آلة العمل أو العقار أو رأس المال علي البعض، أو استبداله بالأقل بحيث يكفيه للمعاش، فإنه يجب بذل الزائد.

(مسألة 26): إذا أمكنه الاستغناء عن دار السكن بدار موقوفة و لم يكن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 204

الانتقال إليها حرجا عليه فالظاهر عدم استثنائها، بل يجب بذلها لوفاء الدين، و كذا الحال في غيرها من المستثنيات. بل هو الظاهر في رأس المال و آلة العمل و العقار إذا أمكن الاستعاضة عنها في المعاش بعمل يكفيه و يناسب حاله من دون مهانة أو حرج، فإنه يجب حينئذ بذلها لوفاء الدين.

(مسألة 27): إذا لم يكن عنده بعض المستثنيات لا يجوز استثناء مقدارها مما عنده، بل يجب وفاء الدين بما عنده و إن بقي فاقدا لذلك الشي ء.

(مسألة 28): إذا رضي ببيع بعض المستثنيات و وفاء الدين بثمنه فالأولي للدائن أن لا يقبل ذلك، فضلا عن أن يحمله عليه و يشجعه، لكن لو فعل و وفي الدين به جاز القبول، بل وجب مع إصراره علي ذلك.

(مسألة 29): المستثنيات المذكورة إنما تستثني في حياة المدين، أما إذا مات فيتعلق الدين بها و لا يجوز للورثة التصرف فيها إلا بعد وفاء الدين أو مراجعة الدائن.

(مسألة 30): إذا اشترط الدائن علي المدين في عقد القرض أو في عقد آخر بيع المستثنيات أو بعضها لوفاء الدين صح الشرط، و وجب العمل عليه.

(مسألة 31): إذا قدر المدين علي التكسب لوفاء دينه بنحو

يليق بحاله وجب عليه ذلك.

(مسألة 32): لا يجب علي المدين الاسترفاد و الاستيهاب و طلب الحق الشرعي- كالخمس و الزكاة- و التعرض للصدقات و نحوها، نعم الأحوط وجوبا له قبول ذلك مع بذله إذا لم يكن فيه مهانة عليه.

(مسألة 33): إذا كان عنده ما يجب وفاء الدين به لكن لم يتيسر بيعه إلا بدون قيمة المثل وجب بيعه، إلا أن يكون الفرق كثيرا بحيث يكون إقدامه عليه في مثل حاله تضييعا للمال عرفا، ففي وجوب البيع عليه حينئذ إشكال، خصوصا إذا كان ذلك مؤقتا، و لا يلزم منه الانتظار طويلا. نعم إذا أمكن الاقتراض علي المال المذكور و المبادرة لوفاء الدين فالظاهر وجوب الوفاء حينئذ.

(مسألة 34): إذا عين المدين مالا لوفاء الدين لم يتعين له و لم يتحقق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 205

الوفاء به إلا مع رضا الدائن بذلك، سواء قبضه أم لا، و منه ما لو عيّن له موضعا خاصا فوضعه المدين فيه، كما لو قال له: ضعه في صندوقي، أو علي باب الدار، أو ادفعه لزيد، أو نحو ذلك. أما إذا لم يرض الدائن بتعيين المدين فإن المال يبقي علي ملك المدين، و تبقي ذمته مشغولة بالدين فله الوفاء بغيره، و لو حصل منه نماء كان له، و لو تلف كان من ماله. نعم يسقط اعتبار رضاه بامتناعه من استيفاء الدين، كما سبق في المسألة (23).

(مسألة 35): إذا دفع المدين لشخص مالا ليوصله للدائن وفاء عن دينه، فتصرف الوسيط في المال- عمدا أو غفلة- تصرفا غير مأذون فيه فإنه يضمن المال للمدين لا للدائن، فلا يكفيه مراجعة الدائن أو دفع دينه له في براءة ذمته، بل لا بدّ فيها من مراجعة

المدين. و كذلك الحال في كل من دفع ماله لشخص ليوصله لآخر هدية أو ثمن مبيع أو حقا شرعيا أو غير ذلك، فإن الوسيط لو ضمن المال- بأحد موجبات الضمان- لم يبرأ من الضمان إلا بمراجعة الدافع، و لا يكفيه مراجعة الشخص المطلوب منه إيصال المال إليه، و لا دفع بدل المال له. و هذا أمر يغفل عنه كثير من الناس فاللازم التنبه له.

نعم إذا كان الوسيط وكيلا عن الشخص الذي يوصل المال إليه في قبض المال عنه، فقبضه عنه و صار المال في يده ملكا له فإنه إذا ضمن المال بأحد أسباب الضمان يتعين مراجعة موكله في براءة ذمته، و لا يحتاج إلي مراجعة الدافع.

(مسألة 36): إذا مات المدين تعلق الدين بتركته و كان مقدما علي الوصية. نعم يتقدم عليه الكفن الواجب، كما يتقدم عليه حج الإسلام إذا انشغلت به ذمته في حياته.

(مسألة 37): إذا اشتري متاعا و لم يؤد ثمنه حتي مات، فإن وجد البائع متاعه بعينه كان له أخذه إلا أن تقصر تركة الميت عن ديونه فليس للبائع أن يأخذ متاعه، بل يأخذ من التركة بنسبة دينه، و لا فرق في المقامين بين أن يكون عدم دفع الثمن لكونه مؤجلا و أن لا يكون كذلك.

(مسألة 38): إذا مات الشخص و عليه دين مؤجل حلّ دينه و سقط

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 206

الأجل، فليس للورثة تأخير الوفاء من تركته، أما إذا كان له دين مؤجل علي الغير ففي سقوط الأجل إشكال، و الأحوط وجوبا الصلح و التراضي.

(مسألة 39): إذا كان الدين نقدا تابعا لدولة معينة وجب الوفاء من نقد تلك الدولة- و إن اختلفت طبعاته أو فئاته- بشرط أن لا تسقط

الدولة الطبعة أو الفئة عن الاعتبار، فإذا اقترض من فئة العشرات مثلا جاز الوفاء بفئة المئات. نعم إذا اشترط في عقد القرض الوفاء من الفئة التي وقع القرض بها لزم الشرط، أما إذا اشترط الوفاء من غيرها، فإن كان المشترط هو المقترض صح الشرط، و إن كان المشترط هو المقرض بطل. و إذا صح الشرط لم يجب دفع غيرها إذا أسقطتها الدولة. إلا أن يرجع الشرط إلي اشتراط ترجيحها مع إقرار الدولة لها من دون أن ينحصر الوفاء بها، كما لعله الأظهر من حال المشترط، خصوصا إذا كان هو المقرض.

(مسألة 40): إذا اختلفت قيمة الشي ء المدين لم يختلف مقداره في مقام الوفاء، فإذا كان الدين طنا من الحنطة وجب الوفاء بالطنّ، و لا ينقص بارتفاع قيمة الحنطة و لا يزيد بنقص قيمتها، و يترتب علي ذلك عدم اختلاف الوفاء إذا كان الدين نقدا ورقيا عملة لدولة معينة باختلاف قيمة النقد المذكور بالإضافة إلي عملة دولة أخري، أو بالإضافة إلي الذهب، أو غيره من أنواع العروض.

(مسألة 41): إذا اشترط الدائن الوفاء علي ما يناسب قيمة الدين في وقته لعملة أخري أو لعروض خاص من ذهب أو غيره، كما إذا كان مقدار الدين من النقد يعادل مائة غرام من الذهب فاشترط الوفاء بما يعادل مائة غرام منه سواء ارتفعت قيمة العملة أم هبطت، فله صور.

الاولي: أن يكون الدين قرضا و يقع الشرط في عقد القرض.

الثانية: أن يكون الدين قرضا و يقع الشرط في ضمن عقد آخر.

الثالثة: أن لا يكون الدين قرضا، بل بسبب عقد آخر- كثمن مبيع أو مهر نكاح أو غيرهما- و يقع الشرط في ضمن العقد الذي استحق به، أو في ضمن عقد آخر. و

يصح الشرط في الصورتين الأخيرتين، و لا يصح في الصورة الاولي.

أما لو كان المشترط هو المدين فيصح الشرط حتي في الصورة الأولي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 207

هذا، و للمشترط في جميع الصور التي يصح فيها الشرط إسقاط شرطه، فيكون كالعدم.

(مسألة 42): لا يجوز بيع الدين بالدين، و المراد أنه يكون لشخص دين في ذمة غيره و لآخر دين في ذمة غيره أيضا، فيتبايعان علي الدينين بحيث يكون أحد الدينين ثمنا للآخر، سواء كانا حالّين أم مؤجلين أم مختلفين، و سواء كان الدينان علي غيرهما- كما لو كان لمحمد دين في ذمة علي و لحسن دين في ذمة حسين، فيبيع محمد دينه في ذمة علي علي حسن بدينه في ذمة حسين، و تكون النتيجة أن يصير حسين مدينا لمحمد و عليّ مدينا لحسن- أم كانا عليهما- كما لو كان لمحمد دين من حنطة علي علي، و لعلي دين من دنانير علي محمد، فيبيع محمد حنطته علي علي بدنانيره- و تكون النتيجة براءة ذمتهما معا. نعم يمكن الاستعاضة عن الثاني بإبراء كل منهما الآخر من دينه أو المصالحة بينهما علي براءة ذمة كل منهما مما عليه.

و الظاهر جواز ما عدا ذلك، سواء كان أحد العوضين خارجيا و الآخر ذميا- دينا قبل البيع أو دينا بعد البيع- أم كانا معا ذميين. و إن كان الأحوط استحبابا عدم بيع الذمي بالذمي و لا سيما إذا كانا معا مؤجلين. نعم لا بد من مراعاة ما تقدم في البيع قبل القبض من أحكام القبض و في بيع السلف.

(مسألة 43): إذا بيع الدين بأقل منه من جنسه، أو بأقل قيمة منه من غير جنسه ففي استحقاق المشتري علي المدين من

الدين ما زاد علي مقدار الثمن الذي اشتري به الدين إشكال، و الأحوط وجوبا التصالح بينهما.

(مسألة 44): إذا بيع الدين الذي في ذمة الغير، فإن تعذر تحصيله جري عليه حكم تلف المبيع قبل قبضه من تلفه من مال البائع و استحقاق المشتري الثمن الذي دفعه لا غير. و إذا تعهد البائع، فإن رجع إلي اشتراط استحقاق فسخ البيع عند تعذر تحصيله لم يستحق المشتري إلا الثمن الذي دفعه، و إن رجع إلي اشتراط دفعه بدلا عن المدين استحق المشتري تمام الدين الذي اشتراه. إلا أن رجوع البائع علي المدين بما دفع موقوف علي استئذانه في دفع الدين عنه للمشتري، و لا يستحق ذلك مع عدمه بعد عدم كونه مدينا له بل للمشتري. نعم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 208

إذا كان الدين معرضا للتلف حين بيعه جاز بيعه مع الضميمة، و لا رجوع حينئذ.

(مسألة 45): تعارف في عصورنا تنزيل الكمبيالات، و ذلك بأن يكون لشخص دين علي آخر إلي أجل فيدفع له به كمبيالة عليه، فإذا أراد تعجيل المال نزل الكمبيالة المذكورة لصالح شخص ثالث بمبلغ أقل يدفعه له نقدا، و هو مشكل شرعا، لأنه إن رجع إلي اقتراض المبلغ المذكور من الثالث علي أن يستلم بدله الدين الذي تضمنته الكمبيالة في وقته كان قرضا ربويا محرما، و إن رجع إلي بيع الدين المذكور بالمبلغ المعجل- كما لعله الأظهر- فهو و إن لم يستلزم الربا المحرم، لأن نقود هذه الأيام ليست من المكيل و الموزون ليلزم من الزيادة في أحد العوضين الربا المحرم، إلا أنه يجري فيه ما تقدم في المسألة (43) من الإشكال في استحقاق مشتري الدين بأقل منه علي المدين ما زاد علي

مقدار الثمن الذي اشتري به الدين، مع أنه عند عدم دفع من عليه الكمبيالة للدين يجري ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 46): تعارف في عصورنا أيضا تنزيل كمبيالة المجاملة، و ذلك بأن يحتاج شخص لمقدار من المال، فيدفع له شخص آخر كمبيالة تتضمن دينا مؤجلا عليه من دون أن يكون مدينا له حقيقة، فيأخذ الأول الكمبيالة منه و ينزلها لحساب شخص ثالث مع خصم مبلغ منها في مقابل تعجيل المال، و لا إشكال في بطلان المعاملة مع جهل الشخص الثالث بالحال، لترددها بين القرض الربوي و البيع من دون مبيع. أما مع علمه بالحال فقد توجه بأحد وجهين.

الأول: رجوعها إلي توكيل موقّع الكمبيالة الأول بأن يبيع في ذمته المبلغ المذكور في الكمبيالة بالثمن الأقل معجلا، ثم يقترض الثمن المذكور منه. لكن لازم ذلك دفع موقّع الكمبيالة تمام المبلغ المذكور فيها لأنه مملوك عليه، و عدم رجوعه علي الشخص الأول إلا بالمقدار الذي اقترضه منه و هو الذي أخذه بعد التنزيل و الخصم.

الثاني: رجوعها إلي بيع من له الكمبيالة المقدار الذي تضمنته في ذمته مؤجلا بالثمن الأقل معجلا، و يكون مرجع توقيع الكمبيالة من قبل الشخص الأول إلي كفالته للبائع كفالة عرفية- التي يأتي الكلام فيها في الكفالة- فهو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 209

متعهد بدفع المبلغ الذي باعه عنه إن لم يدفعه هو. لكنه يشكل بالزيادة بين العوضين من دون فرق بينهما إلا بالزمان الذي تقدم في المسألة (1) من بيع الربا الإشكال في جوازه، و من هنا يصعب تصحيح هذه المعاملة إلا بتدارك جهات الإشكال التي أشرنا إليها.

(مسألة 47): لما كانت الصكوك المصرفية حوالة بالمال الذي تتضمنه من دون أن تكون بنفسها مالا

فإن دفعها علي أحد وجهين.

الأول: أن يقصد دافع الصك تمليك مبلغ له علي البنك بقدر المبلغ الذي تضمنه الصك، إما ببيعه أو بجعله ثمنا في مبيع أو نحوهما، و حينئذ يجري عليه حكم بيع ما في ذمة الغير أو نحوه، فلا يجوز بيعه إذا لم يكن له في ذمة صاحب البنك مال، كما يتعارف كثيرا دفع الصك قبل رصد ما يقابله في البنك علي أن يكون سحبه بعد ذلك أو لأن دفعه علي حسابه المكشوف، كما لا يجوز لدافع الصك سحب تمام رصيده في البنك حتي إذا كان من عزمه إرجاع المبلغ الذي تضمنه الصك قبل حلول وقت قبضه المتفق عليه. و إذا امتنع البنك من الدفع تبطل المعاملة و يرجع آخذ الصك بما دفعه فقط، لأن كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه. إلي غير ذلك.

الثاني: أن يقصد بدفع الصك الحوالة العرفية- التي يأتي الكلام فيها في الحوالة- علي البنك بالمبلغ المذكور من دون تمليك لشي ء في ذمة البنك، بل إذا كانت هناك معاملة تتضمن التمليك فالتمليك يكون في ذمة دافع الصك نفسه، و حينئذ يجري علي المعاملة المذكورة حكم المعاملة علي شي ء في ذمة المتعامل نفسه، فيشكل بيع المبلغ بأقل منه إذا كان الفارق بينهما الزمن لا غير، كما تقدم في المسألة (1) من بيع الربا. و أما التحويل و دفع الصك فهو خارج عن صلب المعاملة، نعم قد يكون شرطا فيها زائدا عليها، فيلحقه حكم الشرط.

(مسألة 48): الظاهر أن سندات القرض- بمقتضي وضعها القانوني- وثيقة علي المال الذي تضمنته فصاحبها مالك لذلك المال، و ليست هي بأنفسها مالا بلحاظ إمكان تحصيل المال بسببها من دون أن يكون مملوكا بنفسه قبل

تحصيله بها، فهي نظير الكمبيالة بمبلغ معين، لا نظير النقود ذات المالية بلحاظ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 210

تعهد الدولة بها و جعلها الرصيد لها، و لا نظير الطوابع البريدية، و لا نظير الشبكة التي يمكن بها تحصيل الصيد. و دفع المال بإزاء تحصيل السندات المذكورة أو المحافظة عليها ليس لتقوّم المالية بها من دون نظير للمبلغ الذي تضمنته، بل هو نظير دفعه بإزاء الكمبيالة التي يتوثق بها للمبلغ الذي تضمنه.

و علي ذلك يكون دفع المال و تحصيل السندات المذكورة من الجهة التي جعلتها علي نفسها إقراضا للمال المدفوع لتلك الجهة، و يجري عليه حكم القرض من حرمة الزيادة فيه، لأنها ربا محرم، كما أن بيعها ثانيا يجري عليه حكم بيع الدين، و إذا كان بعضه فائدة ربوية بطل البيع فيه بالنسبة، كما لا يستحق المشتري الزيادة المتجددة، لأنها ربا محرم. نعم لو كانت بنفسها مالا لصح شراؤها من الجهة التي تصدرها كما يصح بيعها من المشتري لها و شراؤها منه، و إن اختلف ثمنها و زاد.

(مسألة 49): ما تقدم في أحكام المسائل الأربع يختص بما إذا كانت الجهة التي تكون طرفا للمعاملة و يتحصل منها المال جهة مالكة، و حينئذ إن كانت محترمة المال لزم التوقف عن التعامل معها في مورد بطلان المعاملة و حرم المال المأخوذ منها بسبب المعاملة المذكورة، إلّا بتحليل خاص منها بعد الالتفات لبطلان المعاملة، أو تكون تلك الجهة مخالفة في الدين و تري صحة المعاملة فيجوز أخذ المال حينئذ من باب الإلزام، و إن لم تكن محترمة المال أمكن استنقاذ المال منها من طريق المعاملات المذكورة و إن كانت باطلة، بل قد ترتفع بعض جهات بطلان المعاملة فيها،

كالزيادة الربوية التي يحل أخذها من الكافر الحربي.

أما إذا لم تكن مالكة شرعا و كان المال المأخوذ منها مجهول المالك، فالمعاملة معها باطلة علي كل حال. نعم يحل إيقاع صورة المعاملة و دفع المال للجهة المذكورة بداعي التسلط علي المال المجهول المالك، فيؤخذ المال و يحلّ بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه.

هذا، و أما إذا كانت الجهة التي يتعامل معها مالكة محترمة المال إلّا أنها تدفع المال بالتحويل علي الجهات غير المالكة و التي يكون المال المأخوذ منها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 211

مجهول المالك- كبعض البنوك الحكومية- فالأحكام المذكورة سابقا تجري علي التعامل معها، لكن يمكن قبض المال بسبب التعامل معها و تحليله بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه. و هكذا الحال في جميع المعاملات غير الصحيحة إذا أجريت مع جهة مالكة محترمة و كان دفعها للمال بالتحويل علي جهة غير مالكة يكون المال المأخوذ منها مجهول المالك.

و أولي من ذلك أن تستبدل المعاملات المتقدمة- في مورد الإشكال فيها- بنحو من الصلح بين تلك الجهة و الطرف الآخر، علي أن يدفع الطرف المذكور لتلك الجهة المال في مقابل تسليطه- بدفع الكمبيالة أو الصك أو السند- علي أخذ المال من الجهة المحوّل عليها من أجل تحليله بعد إجراء وظيفة مجهول المالك عليه. و هذا جار في جميع المعاملات- صحيحة كانت أو باطلة- التي يكون طرفها محترم المال لكن يدفع المال بالتحويل علي الجهة غير المالكة التي يكون المال المأخوذ منها مجهول المالك، كما سبق في المسألة (64) من مقدمة المكاسب، فراجع.

(مسألة 50): إذا باع الكافر شيئا من المحرمات- كالخمر و الخنزير- علي كافر مثله حرم عليه ثمنه، لكن لو قبض الثمن جاز للمسلم أخذه

منه وفاء عن دين له عليه، أو ثمنا في معاوضة بينهما. بل لو أسلم الكافر قبل قبض الثمن جاز له أخذه من المشتري، كما تقدم في المكاسب المحرمة.

(مسألة 51): إذا اقتسم الشريكان الدين بينهما فتلفت حصة أحدهما كان التلف من المجموع و بطلت القسمة، كما تقدم في المسألة (25) من كتاب الشركة.

(مسألة 52): إذا لم يقدر المدين علي الوصول للدائن أو من يقوم مقامه ليوفيه دينه وجب عليه العزم علي الوفاء لو قدر عليه و الوصية بالدين توثقا له و السعي للوصول إليه مع الإمكان، و كفاه ذلك مهما طال الزمان، حتي مع اليأس من معرفته و الوصول إليه. و لا يجب عليه حينئذ التصدق عنه بقدر الدين، بل لا يجزيه التصدق في براءة ذمته من الدين، و ليس هو كالمال الخارجي المجهول المالك في وجوب التصدق به عن صاحبه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 212

و أما ما ذهب إليه جمع من فقهائنا- رفع اللّه تعالي شأنهم- في العصور القريبة من وجوب التصدق و الاجتزاء به و اشتهر بين المتشرعة باسم (رد المظالم) فإنه لم يثبت عندنا، نعم لا بأس بالعمل عليه احتياطا و برجاء المطلوبية و الوفاء، من دون بناء علي براءة الذمة من الدين بذلك.

(مسألة 53): إذا غاب صاحب الدين و انقطع خبره فإن علم بموته وجب دفع الدين لورثته و إن علم بحياته جري ما تقدم في المسألة السابقة، و إن احتمل موته في غيبته جاز بل وجب دفعه إلي ورثته بعد أربع سنين من الفحص عنه في الأرض، كما يجب دفعه لهم بعد عشر سنين من غيبته و انقطاع خبره، و إن لم يفحص عنه في الأرض. أما لو كان

انقطاع خبر صاحب الدين و العجز عن الوصول إليه لأمر طارئ علي المدين نفسه- من غيبة أو سجن أو نحوهما- فلا يجوز له دفع الدين للوارث حتي إذا لم يعلم بموت صاحب الدين أو تقوم عليه حجة شرعية مهما طال الزمان، و جري عليه ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 54): إذا وجب دفع الدين للورثة- للعلم بموت صاحب الدين أو الحكم به شرعا- فلا يكفي الدفع لبعضهم، أو لمن يتولي إدارة أمورهم ما لم تثبت ولايته، أو وكالته عنهم جميعا، بل يلزم مع عدم ثبوت ذلك إحراز وصول حصة كل واحد منهم من الدين له و التوثق من ذلك. و إذا ادعي بعض الورثة عدم وصول حقه له وجب علي المدين تصديقه ما لم يثبت كذبه. و كذا الحال في جميع ما يجب إيصاله لورثة الميت من أمواله التي في أيدي الناس.

(مسألة 55): إذا وجب دفع الدين للوارث و لم يعرف الوارث، فإن علم بوجود وارث لصاحب الدين غير الامام عليه السّلام إلا أنه مجهول الشخص أو المكان جري عليه ما تقدم في المسألة (52) من حكم تعذر الوصول لصاحب الدين، و إن لم يعلم بوجود وارث له غير الامام كان الدين من الأنفال التي هي ملك الامام عليه السّلام و وجب مراجعة الحاكم الشرعي فيه، و الأحوط وجوبا حينئذ تقديم فقراء بلد الميت إذا كان له بلد معروف، فيصرف فيهم بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 56): إذا حلّ الدين وجب علي المدين وفاؤه في أي مكان يصل فيه المال للدائن، إلا مع تعيين مكان التسليم في عقد لازم فيجب الاقتصار عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 213

(مسألة 57): إطلاق القرض يقتضي استحقاق المقرض علي المقترض

التسليم في بلد القرض، بمعني وجوب ذلك عليه و إن استلزم ضررا عليه أو صرف مال زائد علي الدين، و لا يجب عليه التسليم في غيره إذا طالبه المقرض إلا إذا لم يستلزم شيئا من ذلك، فالأحوط وجوبا حينئذ الوفاء.

(مسألة 58): يجب إنظار المعسر و لا يجوز التضييق عليه و إلزامه بالوفاء، كما يستحب ترك الحق له أو بعضه و إبراؤه منه.

(مسألة 59): يستحب الرفق في طلب الدين حتي مع يسار المدين.

و يكره المداقة و الاستقصاء في الاستيفاء.

(مسألة 60): يستحب قضاء دين الأبوين، خصوصا بعد وفاتهما، كما يستحب تحليل المؤمن الحي فضلا عن الميت من الدين الذي عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 214

تتميم: في المقاصة

من كان له عند غيره مال- عينا كان أو دينا- بنحو يمتنع من دفعه إليه ثم قدر صاحب المال علي مال للشخص الذي أخذ ماله كان له أن يقاصه من دون أن يعلمه، بأن يأخذ من ماله الذي قدر عليه بمقدار ما أخذ هو منه، سواء كان امتناع آخذ المال الأول من إرجاعه لتعمد غصبه، أم لجهله باستحقاق صاحبه له.

نعم هو مكروه، خصوصا في موارد:

الأول: إذا كان مال الممتنع قد وقع بيد صاحب الحق الأول علي وجه الأمانة.

الثاني: إذا كان صاحب المال الأول قد احتسب المال المأخوذ منه عند اللّه تعالي.

الثالث: إذا حلف آخذ المال الأول علي عدم استحقاقه عليه. بل الأحوط وجوبا ترك المقاصة إذا كان حلفه بطلب من صاحب المال الأول، بأن استحلفه فحلف.

(مسألة 61): يستحب لمن يريد أخذ المقاصة أن يقول حين أخذه:

«اللهم إني آخذ هذا المال مكان مالي الذي أخذه مني، و إني لم آخذ الذي أخذته خيانة و لا ظلما» و روي الدعاء بوجوه أخر

لا يسعنا استقصاؤها.

(مسألة 62): الأحوط وجوبا عدم المقاصة مع عدم امتناع آخذ المال الأول، بل كان أخذه جهلا به مع تعذر مراجعته، نعم لو تعذرت مراجعته في المال الثاني أيضا و هو المال الذي له عند صاحب المال الأول فقد يتسني أخذ المال المذكور مقاصة، لكن بعد مراجعة الحاكم الشرعي، فإنه قد يري بمقتضي ولايته علي الغائب تفريغ ذمته من الحق الذي عليه بذلك المال.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 215

كتاب الرهن و الكفالة و الضمان و الحوالة

اشارة

و فيه أربعة فصول.

الفصل الأول في الرهن

اشارة

و هو اتفاق يتضمن جعل مال وثيقة علي دين ليستوفي منه صاحب الدين دينه، فهو يتضمن جعل حق لصاحب الدين في الوثيقة المذكورة يقتضي حجرها لذلك. و الشي ء المجعول وثيقة هو المرهون و قد يطلق عليه لفظ الرهن أيضا، و المدين هو الراهن، و صاحب الدين هو المرتهن. و الكلام في ذلك يقع في ضمن مباحث.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 216

المبحث الأول في إنشاء الرهن

لا بدّ في تحقّق الرهن من التزام الراهن بمضمونه و قبول المرتهن به.

و يكفي فيه كل ما يدلّ علي ذلك من قول أو فعل، و يقع علي وجهين.

الأول: أن يلتزم به استقلالا، إمّا ابتداء أو جريا علي اشتراطه في ضمن عقد لازم، كعقد القرض فيقول المدين للدائن مثلا: رهنتك هذا الثوب علي دينك، فيقبل الدائن بذلك.

الثاني: أن يلتزم به في ضمن عقد لازم، كعقد القرض أو غيره، فيقول المقرض مثلا: أقرضتك هذه المائة دينار علي أن يكون هذا الثوب رهنا عليها، فيقبل المقترض بذلك، أو يقول الدائن: بعتك هذا الدفتر بهذا الدينار علي أن يكون ثوبك هذا رهنا علي دينك، فيقبل المدين.

(مسألة 1): الرهن من الإنشاءات اللازمة بالأصل، و لا يجوز الرجوع فيها لأحد الطرفين إلا بالتقايل أو بطروء أحد أسباب الخيار العامة، كتخلّف الشرط الصريح أو الضمني. نعم يجوز للمرتهن إسقاط حقه من المال المرهون متي شاء، فينفذ عليه، و لا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك، لكنّه ليس فسخا للرهن، بل هو نظير الإبراء من الدين لا يكون فسخا للعقد الذي أوجبه.

(مسألة 2): يصح الرهن و يلزم بمجرّد اتّفاق الطرفين عليه، و لا يتوقّف صحّته و لا لزومه علي قبض المرتهن للمال المرهون.

(مسألة 3): يسقط حقّ الرهن ببراءة ذمّة من

عليه الدين من الدين الذي وقع الرهن له بتمامه، و لا يكفي براءته من بعضه في سقوط حقّ الرهن عن بعض المال بنسبته، فضلا عن سقوطه عنه بتمامه.

(مسألة 4): إذا كان للمرتهن علي الراهن دينان و كان الرهن علي أحدهما دون الآخر، فإذا برئت ذمة الراهن من الدين الذي عليه الرهن لم يكن للمرتهن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 217

إمساك المال المرهون ليكون رهنا علي الدين الآخر، بل يجب تسليمه للراهن مع مطالبته به.

(مسألة 5): إذا تلف المال المرهون أو سقط عن قابلية استيفاء الحق منه، فإن كان بوجه مضمون قام بدله مقامه في كونه رهنا علي الحق، و إن لم يكن مضمونا بطل الرهن، و لا يجب علي الراهن إبداله بغيره إلا إذا سبق اشتراط ذلك عليه في الرهن أو في عقد آخر.

(مسألة 6): يعتبر في الراهن و المرتهن الكمال و البلوغ و العقل و عدم الإكراه، كما يعتبر في الراهن ملك المال المرهون و عدم الحجر بسفه أو فلس، و لا يعتبر ذلك في المرتهن، لعدم كون الرهن تصرفا في ماله. و إذا كان أحد الطرفين قاصرا قام وليه مقامه، كما يقوم الوكيل مقام الأصيل في ذلك.

(مسألة 7): إذا وقع الرهن مع قصور سلطنة أحد الطرفين كان فضوليا و توقف نفوذه علي إجازة من له السلطنة و جرت فيه فروع الفضولي، و يتّضح كثير منها ممّا تقدم في البيع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 218

المبحث الثاني في المال المرهون

و لا بدّ من كونه مالا قابلا لأن يستوفي منه الحق أو بعضه بلحاظ ماليّته، إمّا بنفسه- كما لو كان من سنخ الحق المرهون عليه أو ببدله- كالأعيان القابلة لأن تباع، فلا يصح رهن مالا مالية

له، كبعض الحشرات، و لا ماله ماليّة عرفيّة إلا أنّه لا يقابل بالمال شرعا، كالخمر و الخنزير، أو ما له ماليّة إلا أنه لا يمكن استيفاء الحق منه، مثل ما يسرع له الفساد إذا ابتني الرهن علي أن لا يباع بل يبقي بعينه إلي حين حلول الدين.

(مسألة 8): لا يصح رهن الخمر و الخنزير مع كون الراهن أو المرتهن مسلما، و إن كان الآخر كافرا.

(مسألة 9): لا إشكال في صحّة رهن الأعيان الخارجية. و أمّا منافع الأعيان قبل استيفائها و الديون غير المقبوضة فيشكل صحّة رهنها، نعم لا بأس بجعلها وثيقة علي الحق تبعا لشرط في ضمن عقد لازم، نظير ما تقدّم في الوجه الثاني لإنشاء الرهن و ذلك بأحد وجهين.

الأول: أن يشترط في العقد اللازم كونها بنفسها وثيقة علي الدين، فيقول المقرض مثلا للمقترض: أقرضتك هذه المائة دينار إلي سنة علي أن تكون منفعة دارك أو الدين الذي لك علي زيد وثيقة لديني هذا، فيقبل المقترض ذلك.

الثاني: أن يشترط في العقد اللازم جعل الوثيقة من دون تعيين، فيقول المقرض مثلا للمقترض: أقرضتك هذه المائة دينار إلي سنة علي أن تجعل لي وثيقة علي ديني هذا، فيقبل المقترض، ثم يتفقان اتفاقا آخر علي أنّ الدين الخاص أو المنفعة الخاصّة هي الوثيقة علي ذلك الدين عملا بمقتضي الشرط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 219

و علي كلا الوجهين يكون للمقرض في المنفعة أو الدين المذكورين حق نظير حقه في الرهن يقتضي حجرهما له و استحقاقه استيفاء دينه منهما، و لا يصح الالتزام بكونهما وثيقة علي نحو الاستقلال من دون شرط سابق، نظير ما تقدّم في الوجه الأول لإنشاء الرهن، فإن ذلك يختص برهن الأعيان. و بلحاظ

مشروعيّة الوجه السابق يصح تعميم الرهن للمنافع و الديون.

(مسألة 10): رهن المنافع بالوجه المتقدّم يبتني.

تارة: علي التعجيل باستيفائها بالأجر ثم حفظ الأجر ليستوفي منه الدين عند حلوله.

و اخري: علي عدم استيفائها إلا عند حلول الدين، فيستوفي منها حينئذ صاحب الدين بنفسه ما يقابل دينه، أو تستأجر العين و يستوفي الدين من أجرتها.

و كذلك الديون حيث يبتني رهنها.

تارة: علي التعجيل باستيفائها و حفظ المال ليستوفي منه الدين عند حلوله.

و اخري: علي عدم استيفائها إلا عند حلول الدين.

و تعيين أحد هذه الوجوه تابع لاتفاق الطرفين.

(مسألة 11): تعارف في عصورنا أن يشترط الدائن علي المدين استيفاء دينه من راتبة الشهري الذي يستحقه بعمله بقدر معين أو بنسبة معينة في كلّ شهر. و ذلك إن ابتني علي التزام المدين للدائن بالعمل الذي يستحصل به الراتب- بحيث ليس له التفرّغ و ترك العمل- كان مبتنيا علي ما سبق من رهن المنافع، لأنّ الأعمال من جملة المنافع، و إن لم يبتن علي ذلك بأن لم يكن ملزما من قبله بالعمل، فهو أجنبي عن الرهن، و راجع إلي اشتراط الوفاء من مال خاص، و هو شرط نافذ، و إن لم يكن ذلك المال مستحقا بعمل، بل كان من سنخ التبرع، كما لو اشترط الدائن علي المدين أن يوفي دينه مما يصل له من حقوق شرعية أو عادات علي الناس أو هبات مبتدأة خاصة، أو نحو ذلك. و منه الرواتب التي تبذل في عصورنا للمشتغلين بطلب العلوم الدينية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 220

و يترتّب علي ذلك أنه لا بدّ في صحّة العقد علي الوجه الأوّل من كون العمل الذي يستحق به الراتب محلّلا و الاستئجار عليه صحيحا. أما الثاني فيكفي في

صحّته ملكيّة المدين للراتب و لو بعد حصوله في يده، لكونه مباحا أصليا أو مالا مجهول المالك يصح له تملّكه بوجه شرعي.

(مسألة 12): ما سبق في رهن الدين و المنفعة جار في رهن الحق إذا كان مقابلا بالمال، كحق السرقفلية الذي تقدّم الكلام فيه في ذيل كتاب الإجارة، و حق الأولويّة للمزارع في الأراضي الخراجية الذي تقدّم الكم فيه في فصل شروط العوضين من كتاب البيع.

(مسألة 13): في جواز رهن الكليّ علي إطلاقه- كثوب أو بقرة- أو الكليّ في المعيّن- كثوب من رزمة معينة- إشكال. نعم يجوز التوثّق بهما للدين بالالتزام به في ضمن عقد لازم، نظير ما سبق في المنافع و الديون، و حينئذ يكون علي من عليه الدين دفع فرد من الكليّ ليكون هو الوثيقة.

(مسألة 14): لا يجوز رهن الأعيان غير المملوكة كالأوقاف و الأراضي الخراجيّة، إلا أن يرجع رهن الوقف إلي رهن منفعته إذا كانت ملكا للموقوف عليهم، و رهن الأرض الخراجيّة إلي رهن حق الأولويّة فيها، فيصح بالوجه الذي تقدم في المسألة (9).

(مسألة 15): المال المرهون علي دين يجوز رهنه علي دين آخر إمّا بنحو يزاحم مقتضي الرهن الأول، كما لو اقتضي كون الاستيفاء للدينين في عرض واحد أو ابتني علي شرط مخالف لمقتضي الأول، و إمّا بنحو لا يزاحمه، كما لو اقتضي الاستيفاء للدين الثاني بعد استيفاء الدين الأول من دون أن يبتني علي شرط مناف لمقتضي الرهن الأول، و لا فرق بين كون الدينين لشخص واحد و كونهما لشخصين. نعم لا بدّ في الصورة الثانية من رضا المرتهن الأول إذا كان الرهن الثاني مزاحما للرهن الأول، أما إذا لم يزاحمه فلا يعتبر رضاه. كما يمكن في المقام فسخ الرهن

الأول بالتقايل من الطرفين ثمّ رهن المال علي الدينين معا.

(مسألة 16): يجوز تعدّد الرهن علي الدين الواحد، فللمرتهن استيفاء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 221

دينه من كل من الرهنين مخيرا بينهما أو مع تقديم أحدهما، حسب ما يتفق عليه الطرفان.

(مسألة 17): لا يعتبر في المال المرهون أن يكون ملكا للمدين بل يجوز رهن مالا يملكه المدين، سواء كان ملكا لغيره أو لم يكن مملوكا لأحد كالصدقات العامة. نعم لا بدّ من إذن من له الولاية علي المال المرهون من مالك أو ولي، و إذا وقع الرهن بغير إذنه كان فضوليّا و توقّف نفوذه علي إذنه. بل يصح التبرّع لغير المدين برهن ماله علي دين غيره، فإذا كان زيد مدينا لعمرو جاز لبكر أن يرهن ماله علي الدين المذكور، و حينئذ لا يعتبر إذن زيد، بل يكفي اتفاق بكر و عمرو علي ذلك، و الراهن في الحقيقة في جميع ذلك هو صاحب المال المرهون.

(مسألة 18): من رهن ماله علي دين غيره، فإن لم يكن الرهن بطلب من المدين و لا بإذنه فلا يستحق الرجوع علي المدين إذا استوفي المرتهن دينه من المال المرهون، و إن كان بإذن المدين أو بطلب منه كان لصاحب المال المرهون الرجوع عليه إذا استوفي المرتهن دينه من المال. إلا أن يكون إذنه في الرهن أو طلبه له مبنيّا علي التبرع و عدم الضمان، فلا بدّ حينئذ من قيام القرينة علي ذلك.

(مسألة 19): لا يعتبر العلم بمقدار المال المرهون و لا بصفاته و لا بمقدار ماليته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 222

المبحث الثالث في الدين الذي يرهن له

يصح الرهن علي كلّ عين ثابتة في الذمّة، كالدراهم و الدنانير و الطعام و نحوها ممّا يكون دينا

في ذمّة الغير. و في عمومه للمنافع إشكال، كما لو استأجر إنسان علي عمل لم تؤخذ فيه المباشرة، فأراد المستأجر أن يستوثق لنفسه فيأخذ رهنا، ليكون له أن يستوفي منه العمل المستأجر عليه إذا لم يؤدّه الأجير، فيبيع الرهن المذكور و يستأجر بثمنه من يقوم بذلك العمل. نعم يجوز له التوثّق لذلك بالالتزام في ضمن عقد لازم بجعل شي ء وثيقة للعمل المطلوب، نظير ما تقدّم في رهن الديون و المنافع.

(مسألة 20): لا يصح الرهن علي ما يتوقّع ثبوته في الذمّة قبل أن يثبت فعلا، سواء تحقّق مقتضي ثبوته كالجعل في الجعالة قبل الإتيان بالعمل، و بدل المغصوب قبل التلف لأنّ يد الغاصب سبب للضمان، أم لم يتحقق المقتضي، كبدل الأمانات غير المضمونة إذا أراد صاحبها التوثّق بأخذ الرهن حذرا من التفريط فيها، و بدل المبيع الذي يقبضه المشتري إذا أراد البائع التوثّق بأخذ الرهن حذرا من حصول أحد أسباب الفسخ أو البطلان من دون أن يستطيع استرجاع المبيع كي يستطيع استيفاء بدله من الرهن، و نظيره بدل الثمن الذي يقبضه البائع إذا أراد المشتري التوثق بأخذ الرهن حذرا من حصول أحد أسباب الفسخ أو البطلان من دون أن يستطيع استرجاع الثمن.

و كذا الحال في الأعيان المملوكة إذا كانت في يد الغير- كالأمانة و المبيع الذي يعتبر تأجيل تسليمه- و أراد صاحبها التوثّق لنفسه بأخذ مال ممن هي في يده ليكون ملزما بتسليمها بأعيانها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 223

نعم يمكن اشتراط التوثّق في جميع ذلك في ضمن عقد لازم، نظير ما تقدّم في رهن المنافع و الديون، كما لو اشتري عمرو سيارة زيد نقدا و اشترط عليه أن تكون داره وثيقة للثمن الذي دفعه

ليستوفيه منها لو ظهرت السيارة معيبة أو مغصوبة ثم وقع تسليم الثمن مبنيا علي الشرط المذكور، بأن يكون دفعه مع احتمال بطلان البيع مبنيا علي جعل الدار وثيقة له، و كما لو اشتري زيد دار عمرو علي أن تسلّم إليه الدار بعد سنة و اشترط علي عمرو أن يدفع له سيارته لتكون وثيقة للدار من أجل أن يسلّمها بعد السنة و هكذا، فإن الشرط المذكور نافذ، كما تقدّم نظيره.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 224

المبحث الرابع في أحكام الرهن

(مسألة 21): إطلاق الرهن يقتضي استحقاق المرتهن أخذ المال المرهون، فيجب علي الراهن تسليمه له و إذا امتنع اجبر علي ذلك، و لا يجوز له استرجاعه منه بعد أخذه له. و قد يتأكّد مقتضي الإطلاق بالشرط، كما قد يخرج عنه باشتراط بقاء المال المرهون عند الراهن أو عند شخص ثالث، و يجب العمل بالشرط حينئذ.

(مسألة 22): المال المرهون و إن كان باقيا علي ملك الراهن إلا أن مقتضي الرهن ثبوت حق للمرتهن فيه، و هو حق استيفاء دينه منه، و قد سبق أن مقتضي إطلاقه أنّه يستحق وضع يده عليه و جعله في حوزته، و حينئذ يتعيّن منع الراهن من كل تصرف ينافي أحد هذين الحقين- و لو لكونه دخيلا في كيفيّة إعمالهما- إلا بإذن المرتهن، فلا يجوز له إتلافه، أو إخراجه عن ملكه ببيع أو وقف أو عتق أو نحوها، أو تغيير حاله بصبغ أو كسر أو نحوهما ممّا قد يعرضه لقلّة الرغبة فيه، و لا إجارته أو إعارته أو نحوهما ممّا يوجب خروجه عن حوزة المرتهن أو يجعله معرضا للتلف و الضرر، و لا أن يحدث فيه ما يصعب معه حفظه علي المرتهن و جعله في حوزته،

كحلّ شدّه الموجب لانفراط أجزائه و تفرّقها، و إحبال الدابة الموجب لزيادة الكلفة في حفظها مع ولدها، أو نحو ذلك.

و إذا فعل الراهن شيئا من ذلك من دون إذن المرتهن، فإن كان تصرفا خارجيا- كالإتلاف و الصبغ- كان حراما و معصية، و إن كان تصرفا اعتباريا- كالبيع و الإجارة- لم ينفذ إلا أن يجيزه المرتهن، كالعقد الفضولي.

(مسألة 23): يجوز للراهن التصرف في المال المرهون من غير إذن المرتهن إذا لم يكن منافيا لحقّه بالوجوه المتقدم، و من ذلك بيعه علي أن يبقي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 225

بعينه مرهونا مستحقا للمرتهن، بحيث لا يستقل المشتري به إلا بعد وفاء الحق المرهون عليه، نظير ما لو كان المال المرهون ملكا لغير من عليه الحق.

(مسألة 24): إذا أذن المرتهن في بيع المال المرهون أو أجاز بيعه بعد وقوعه قام الثمن مقام المبيع في كونه رهنا علي الدين، إلا أن يبتني الإذن أو الإجازة علي إسقاط حق الرهن، فحينئذ يستقلّ الراهن بالثمن.

(مسألة 25): المال المرهون إذا صار- بمقتضي إطلاق عقد الرهن أو بمقتضي الشرط تحت يد الراهن- فهو أمانة بيده لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط، علي النحو المتقدّم في أوائل الفصل السادس من كتاب الإجارة.

(مسألة 26): لا يجوز للمرتهن التصرّف في المال المرهون إلا بوجهين:

الأول: التصرّف الذي هو مقتضي أمانته، كإطعام الحيوان و نشر الثوب أو الطعام لو خيف عليهما من التلف.

الثاني: ما يأذن به المالك صريحا، أو يفهم من ظاهر حاله و لو بسبب التعارف.

(مسألة 27): إذا تعرّض المال المرهون للفساد بنحو يسقط قيمته، أو ينقصها نقصا معتدا به وجب مراجعة مالكه، فإن أذن ببيعه فذاك، و إلا فإن بلغ الضرر حدّا يمنع من استيفاء

الدين من الرهن كان للمرتهن بيعه بعد الاستئذان من الحاكم. و كذا إذا تعذّرت مراجعة المالك. و يجري ذلك فيما لو تعرّض المال المرهون للخطر من غير جهة الفساد، كما لو كان معرّضا للسرقة أو نحوها.

(مسألة 28): منافع المال المرهون- كركوب الدابة و سكني الدار- و نماءاته- كالبيض و الحليب- ملك للراهن، و ليس للمرتهن استيفاؤها و أخذها إلا بإذنه الصريح أو المستفاد من ظاهر الحال، فإن ابتني إذنه علي المجانية فهو، و إلا كان عليه بدلها و نقص مقداره من دينه. و كذا الحال إذا استوفاها من غير إذنه.

(مسألة 29): إذا اشترط المرتهن أن تكون منافع المال المرهون أو نماءاته له، أو أنّ له استيفاءها و أخذها مجانا فلذلك صور.

الاولي: أن يشترط ذلك في عقد القرض، كما إذا أقرض المال برهن و اشترط حين القرض أن تكون منافع المال المرهون أو نماءاته له، أو أقرض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 226

المال و اشترط علي المقترض أن يجعل عليه رهنا تكون منافعه و نماءاته له.

الثانية: أن يشترط ذلك في نفس الرهن- فيما إذا أنشئ استقلالا- أو في عقد آخر، كما لو طالب الدائن المدين بالرهن، فلمّا أراد أن يرهن عنده شيئا اشترط عليه في الرهن أن تكون منافعه و نماءاته له فقبل الراهن الشرط.

الثالثة: أن يشترط ذلك في عقد ثالث، كما إذا باع شيئا بثمن مؤجّل برهن و اشترط في عقد البيع أن تكون منافع المال المرهون أو نماءاته له، أو رهن المدين شيئا علي دينه ثم أوقع مع المرتهن عقدا- كالبيع- و شرط أن تكون منافع ذلك الشي ء المرهون أو نماءاته له.

أما في الصورة الأولي فيبطل الشرط المذكور، لأنه من الربا المحرم، فإذا

استوفي المرتهن المنافع و النماءات كان ضامنا لها و نقص من دينه بقدرها، و أما في الصورتين الأخيرتين فالظاهر جواز الشرط المذكور و نفوذه، فيملك به المرتهن منافع المال المرهون و نماءاته، فإذا استوفاها و أخذها لم يكن ضامنا لبدلها و لم تنقص من دينه.

(مسألة 30): تجري الصورتان السابقتان أيضا فيما إذا كان المشروط هو استيفاء الراهن المنافع و أخذه النماء بعوض.

(مسألة 31): إذا أراد الطرفان استيفاء الراهن منافع العين المرهونة و نماءاتها مجانا أمكنهما الاستعاضة عن الدين و الرهن ببيع الشرط الذي تقدّم التعرّض له في الخيار الثالث من الفصل الرابع من كتاب البيع، فمثلا إذا أراد زيد أن يقترض من عمرو بألف دينار إلي سنة و يرهن عليها داره، فبدلا من ذلك يبيع زيد داره من عمرو بألف دينار و يجعل له خيار ردّ الثمن إلي سنة، فإذا أرجع زيد لعمرو الألف دينار في آخر السنة يفسخ البيع و يسترجع داره، فإن الدار و منافعها في تلك السنة تكون ملكا لعمرو حينئذ، و له أن يستوفيها مجانا.

نعم لو تلفت الدار يكون تلفها عليه، بخلاف ما لو كانت مرهونة فإن تلفها يكون علي زيد و لا يضمنه عمرو إلا مع التفريط، كما أنه إذا لم يأت زيد بالثمن في الأجل المحدد فليس له الفسخ إلا أن يرضي عمرو.

(مسألة 32): حق الرهانة يورث، فإذا مات المرتهن انتقل حق الرهن في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 227

المال المرهون لورثته، و لا يسقط حق كل منهم إلا بإسقاطه، أو ببراءة ذمة المدين من حصّته من الدين الذي عليه الرهن.

(مسألة 33): لا يبطل الرهن بموت الراهن، بل يبقي المال المرهون معه موردا لحق الرهن و إن صار

للوارث.

(مسألة 34): إذا حلّ وقت استيفاء الدين لم يستقلّ المرتهن باستيفائه من المال المرهون، بل لا بدّ من مراجعة الراهن ليقوم بأدائه من عنده، أو من المال المرهون- إن كان من سنخ الدين- أو ببيع المال المرهون علي المرتهن أو غيره و يوفي الدين بثمنه. و إن امتنع جاز إجباره علي أحد الأمرين، و إن تعذر ذلك جاز للمرتهن أن يتولي البيع بنفسه. و الأحوط وجوبا مراجعة الحاكم الشرعي مع الإمكان. و يجري ذلك فيما إذا تعذّرت مراجعة المالك لغيبة أو جهالة أو نحوهما.

(مسألة 35): إذا اشترط المرتهن علي الراهن في عقد الرهن أو في عقد آخر أن يكون له بيع الرهن لاستيفاء الدين من دون مراجعته نفذ الشرط المذكور. و كذا إذا جعله الراهن وكيلا عنه في البيع و شرط عليه المرتهن في عقد الرهن أو في عقد آخر غير عقد الوكالة أن لا يعزله. نعم الأحوط وجوبا عدم اشتراط ذلك في عقد القرض.

(مسألة 36): إذا أفلس المرتهن أو مات مدينا دينا لا تفي به تركته ففي تقديم حق المرتهن في العين المرهونة علي بقية الغرماء إشكال، و الأحوط وجوبا التراضي و التصالح معهم.

(مسألة 37): إذا مات الراهن و لم يكن للمرتهن بينة علي دينه عليه، و خاف إن هو أقرّ بالمال المرهون أن يأخذه الورثة منه و ينكروا دينه، جاز له أن يستوفي دينه من المال المرهون بنفسه و يرجع ما زاد منه للورثة من دون أن يقر بالرهن.

(مسألة 38): إذا وجد المرتهن عنده رهنا علي دين و جهل صاحبه كان له استيفاء دينه منه، فإن كان الدين بقدر الرهن فذاك، و إن كان أكثر من الرهن بقي الزائد من دينه في ذمة

الراهن المجهول، و إن كان أقلّ من الرهن بقي الزائد من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 228

الرهن أمانة في يده للراهن المجهول، و جري عليه حكم الأمانة المجهول مالكها، و قد تقدم في المسألة (16) من كتاب الاستيداع. و إن جهل مقدار الدين و احتمل كونه بقدر الرهن جاز له احتسابه بدينه و يكون له.

(مسألة 39): إذا تردّد الدين الذي عليه الرهن بين الأقلّ و الأكثر بني علي الأقل.

(مسألة 40): إذا كان عند شخص عين لآخر، و تردّد بين كونها رهنا علي دين و كونها وديعة أو نحوها بني علي عدم كونها رهنا، سواء علم بأن صاحب العين مدين للشخص الذي عنده العين أم لم يعلم بذلك. نعم إذا اتّفقا علي كونه مدينا له، و ادّعي الدائن أن العين رهن علي ذلك الدين و ادّعي المدين أنها ليست برهن كان القول قول الدائن ما لم يقم المدين البينة علي عدم كونها رهنا، و يكفي أن يقيم البينة علي أنه تسلمها منه لا علي وجه الرهنية، و لا يسمع مع ذلك دعوي الدائن أنه رهنها عنده بعد ذلك، إلا ببينة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 229

الفصل الثاني في الكفالة

اشارة

و هي نظير الرهن في كونها استيثاقا للحق، لكن موضوعها النفس و الغرض منها الحضور. فهي عبارة عن تعهّد شخص لآخر بحضور شخص ثالث، بحيث يلزمه أن يحضره لو لم يحضر. و الأول الكفيل، و الثاني المكفول له، و الثالث المكفول. و محلّ الكلام ما إذا وجب الحضور علي المكفول، و كان المكفول له يستحق ذلك عليه. و يأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 1): لا إشكال في توقّف الكفالة علي رضا الكفيل و المكفول

له، و الظاهر توقّفها علي رضا المكفول أيضا، فمع عدم رضاه بها لا سلطان للكفيل عليه، و لا يترتب أثرها بالنسبة إليه. نعم المفروض وجوب الحضور عليه علي كل حال و لو مع عدم الكفالة، لكن ذلك لا يقتضي سلطنة الكفيل علي إحضاره و لا لزوم متابعته للكفيل بالحضور ما لم يرض بالكفالة.

(مسألة 2): لا بد من إنشاء مضمون الكفالة و التزام الأطراف المعينة به و إبراز الالتزام المذكور بكل ما يدل عليه من قول أو فعل، نظير ما سبق في بقية العقود.

(مسألة 3): يجوز اشتراط الكفالة علي الكفيل- من قبل المكفول أو المكفول له أو شخص ثالث- في ضمن عقد لازم، فينفذ مع رضا المكفول و المكفول له. و هو علي وجهين:

الأول: أن يشترط كونه كفيلا لزيد مثلا و مسئولا به.

الثاني: أن يشترط عليه أن يكفل زيدا. و في الأول يكون كفيلا بمجرد الشرط، و في الثاني لا يكون كفيلا إلا بعد إنشاء الكفالة، و لا يكون فائدة الشرط

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 230

إلا وجوب إنشائها.

(مسألة 4): لما كانت الكفالة متمحضة في التعهد من جانب الكفيل وحده فالأحوط وجوبا الاقتصار في نفوذها علي ما إذا ابتنت علي أن يترتب عليها شي ء من جانب المكفول له، كما إذا كان قد اشترط الكفالة فيرجع قبوله بها للقبول بكونها وفاء بشرطه، أو كان مستحقا الحضور علي المكفول أو حابسا له فعلا فيأذن بانصرافه أو يطلق سراحه اعتمادا علي الكفالة، أو كان طالبا- من المكفول أو من غيره ممن يتعلق به- التوثق لحقه ساعيا لذلك، فيترك الطلب و السعي المذكورين اكتفاء بالكفالة أو نحو ذلك. أما إذا كانت مبتدأة من دون ذلك نظير الوعد المجرد فيشكل

نفوذها إلا أن تكون مشروطة علي الكفيل من قبل المكفول له في ضمن عقد آخر فتنفذ تبعا لنفوذ العقد.

(مسألة 5): يعتبر في الكفيل أن يكون قابلا لأن يلزم بإحضار المكفول علي ما تقتضيه الكفالة لكماله بالبلوغ و العقل، فإذا كان مقتضي الكفالة إحضار المكفول بعد شهر من العقد- مثلا- لزم كمال الكفيل حينئذ و لا يجب كماله حين إجراء العقد، بل يمكن قيام وليه مقامه في إجراء العقد إن كانت الكفالة صلاحا له. أما المكفول و المكفول له فلا يعتبر كمالهما، فيمكن كفالة الصبي و المجنون و الكفالة لهما إذا رضي بها وليهما بدلا عنهما.

(مسألة 6): لا يعتبر قدرة الكفيل علي إحضار المكفول واقعا، بل يكفي زعمه القدرة علي ذلك، فإذا كفله بالزعم المذكور ثم تبين عجزه لم ينكشف بطلان الكفالة. و ليس المراد بالقدرة علي إحضاره القدرة علي مباشرة الإحضار بنفسه بحيث يأتي به معه، بل المراد ما يعم استجابة المكفول للكفيل لو أمره بالحضور.

(مسألة 7): تشرع الكفالة سواء كان طلب حضور المكفول لتعلق حق مالي به- كدين أو كفالة أو تسليم مبيع أو نحوها- من أجل أن يستوفي منه ذلك الحق، أم كان لأمر آخر، كحضوره لمرافعة أو لأداء شهادة أو دخول سجن بحق أو ليقتص منه أو غير ذلك. و يعتبر في القسم الأول أن لا يكون الكفيل و المكفول له محجورا عليهما بسفه أو فلس. و لا يعتبر ذلك في المكفول لثبوت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 231

الحق عليه علي كل حال.

(مسألة 8): تصح الكفالة في الماليات، سواء كان الحق ثابتا فعلا، كما لو كان المكفول مدينا للمكفول له، أم لم يكن ثابتا فعلا مع وجود سببه، كالجعل في عقد

الجعالة و العوض في عقد السبق و الرماية، بل تصح مع عدم وجود السبب فعلا، كثمن أو أجر في بيع أو إجارة متوقعي الحصول، كما لو قال: بعه الدار أو آجره الدكان و أنا كفيل بإحضاره ليؤدي الثمن أو الأجرة.

(مسألة 9): مع إطلاق الكفالة في الماليات يجب علي الكفيل إحضار المكفول، و مع تعذر ذلك يجب عليه دفع المال الذي عليه. أما لو صرح في عقد الكفالة باقتصاره علي إحضار المكفول فلا يجب عليه مع تعذر الإحضار دفع المال. نعم لو دفع المال انحلت الكفالة، لما يأتي من انحلالها ببراءة ذمة المكفول من الحق.

(مسألة 10): يمكن في الكفالة مطلقا جعل شرط جزائي علي تقدير عدم إحضار المكفول، لكن لا بد في نفوذه من تقديم الشرط، فإذا قال الكفيل:

عليّ كذا إن لم أحضره، لزمه الشرط. و إذا قال: إن لم أحضره فعلي كذا، لم يلزمه الشرط و لم يكلف إلا بإحضاره.

(مسألة 11): في الكفالة في الماليات إذا دفع الكفيل المال، فإن كان بإذن المكفول أو بطلب منه كان للكفيل الرجوع عليه بما دفع، و إن لم يكن باذنه لم يرجع عليه، إلا إذا كان آذنا في الكفالة المطلقة التي سبق ظهورها في دفع الحق عند تعذر الإحضار، فإن له الرجوع حينئذ إذا كان قد دفع المال مع تعذر الإحضار.

(مسألة 12): مع إطلاق الكفالة يلزم الكفيل إحضار المكفول في بلد عقد الكفالة، و لا يكفي إحضاره في غيره إلا مع القرينة الصارفة عن مقتضي الإطلاق.

(مسألة 13): يجب علي المكفول الاستجابة للكفيل و الحضور معه، فإن امتنع جاز له إجباره و لو بالاستعانة بالظالم. نعم نفقة الإحضار علي الكفيل و لا يتحملها المكفول إلا مع الشرط، و إن

كان ضمنيا مستفادا من شاهد الحال عند إذن المكفول في الكفالة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 232

(مسألة 14): يجوز أن يكفل الكفيل شخص ثان، يكون ملزما بإحضاره ليقوم بمقتضي كفالته، كما يجوز أن يكفل الثاني شخص ثالث، و هكذا تترامي الكفالات.

(مسألة 15): إذا أمسك صاحب الحق من عليه الحق لاستيفاء حقه منه من دون تعد عليه فجاء آخر فخلصه منه كان عليه تسليمه أو أداء الحق الذي عليه. و إذا كان قاتلا عمدا لزمه إحضاره ليقتص منه أولياء المقتول، و لهم حبسه لذلك، إلا أن يرضوا منه بالدية فيدفعها لهم. و كذا إذا مات القاتل فيجب علي من خلصه من أيدي أولياء المقتول دفع الدية لهم.

(مسألة 16): الكفالة عقد لازم لا يجوز فسخه من طرف الكفيل، إلا مع الخيار، أو بالتقايل منه و من المكفول له. نعم ينحل بأمور.

الأول: القيام بمؤداه و هو إحضار المكفول.

الثاني: براءة ذمة المكفول من الحق الذي عليه بأدائه، أو بارتفاع موضوعه، كما إذا كان كافلا لشخص فبطلت كفالته له.

الثالث: انتقال الحق من المكفول له لشخص آخر، ببيع أو صلح أو حوالة أو غيرها، فإن الشخص الآخر لا يقوم مقام المكفول له في استحقاق الكفالة، بل تنحل الكفالة. نعم إذا كان الانتقال بالإرث قام الوارث مقام المورّث في استحقاق الكفالة و لم تنحل.

الرابع: موت المدين أو سقوطه عن قابلية الإحضار لاستيفاء الحق بجنون أو نحوه. نعم إذا ابتنت الكفالة علي أداء الكفيل للحق عند تعذر الإحضار فلا تبطل الكفالة حينئذ، بل يجب عليه أداء الحق إن تعذر أداؤه من ماله أو تركته.

الخامس: إسقاط المكفول له حقه من الكفالة.

(مسألة 17): لا تصح الكفالة إذا لم يجب الحضور علي المكفول مع قطع

النظر عنها، كالمحبوس ظلما، و الشاهد في الترافع عند الظالم، و الملزم ظلما بدفع مال، و نحو ذلك، فلو وقعت الكفالة لم يحل للمكفول له إلزام الكفيل بإحضار المكفول. و لم يجب علي الكفيل إحضاره.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 233

نعم يمكن نفوذ الكفالة حينئذ في حق المكفول بالإضافة إلي الكفيل إذا ابتني رضاه بالكفالة علي تعهده بالاستجابة له في الحضور إن كفله، دفعا للضرر الوارد علي الكفيل لو لم يحضر، فالمسجون بظلم مثلا قد يرضي الظالم بخروجه من السجن موقتا إذا كفله شخص و تعهد برجوعه بعد الوقت، كما قد يتعارف في زماننا، و حينئذ إذا طلب من شخص أن يكفله عند الظالم متعهدا له بالرجوع للسجن بعد الوقت لئلا يقع الكفيل في الضرر فكفله ذلك الشخص بناء علي التعهد المذكور وجب عليه الحضور، و جاز للكفيل إحضاره و إجباره علي الحضور بمقتضي نفوذ التعهد المذكور، و إن لم يستحق المكفول له حضوره، بل كان ظالما في ذلك، إلا أن يكون الحضور محرما فيشكل الأمر، كما إذا كان يتعرض في رجوعه للسجن للهلكة أو لضرر يحرم تحمله.

تتميم:

المعروف من الكفالة هي كفالة النفس التي تبتني علي التعهد بحضور المكفول لاستيفاء الحق منه، و هي التي سبق الكلام فيها. و الظاهر مشروعية الكفالة المتمحضة في المال، المتعارفة في زماننا هذا، و هي تعهد الكفيل للمكفول له بأداء حقه الثابت له علي المكفول، لا بمعني جعل الحق المذكور في ذمة الكفيل و براءة المكفول منه- كما يأتي في الضمان- بل بمعني تعهد الكفيل للمكفول له بحصوله علي حقه بأن يؤديه له المكفول، فإن لم يفعل أداه هو عنه، من دون أن تقتضي الكفالة المذكورة براءة

ذمة المكفول من الحق.

و الظاهر عدم اشتراط إذن المكفول في هذا القسم من الكفالة، بل يكفي رضا الكفيل و المكفول له عليها و رضاهما بها.

(مسألة 18): كما تجري هذه الكفالة في الأمور الذمية تجري في الأعيان الخارجية، كما لو قال: لا تتعقب السارق و أنا كفيل بما أخذ، أو لا تخاصم الغاصب و أنا كفيل بما غصب، علي معني أنه مسئول بإرجاع عين المال و مع تعذره فهو مسئول ببدله، من دون أن تبرأ ذمة صاحب اليد مما أخذ.

(مسألة 19): لا يعتبر في هذه الكفالة ثبوت الحق و انشغال ذمة المكفول

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 234

فعلا، بل يكفي تحقق سبب ثبوته و انشغال الذمة به و إن لم تنشغل بعد، كما لو قال: بع زيدا أو آجره و أنا كفيل بالثمن أو الأجر، أو أدخله بيتك و أنا كفيل بما أتلف، أو أعره المتاع و أنا كفيل به، أو لا تغلق باب المنزل و أنا كفيل بما يسرق منه.

نعم، لا بدّ في جميع ذلك من أن تبتني علي أن يترتب عليها شي ء من جانب المكفول علي النحو المتقدم في المسألة (4) فلا تنفذ بدون ذلك، كما لو أيس المسروق من الظفر بما له فقال له: أنا كفيل بما سرق منك، أو أحكم الشخص غلق أبوابه أو قام بأقصي جهده في التحفظ علي ماله فقال له: إن سرق منك شي ء فأنا كفيل به، و نحو ذلك.

(مسألة 20): تصح كفالة درك الثمن لو ظهر المبيع مغصوبا أو غير ذلك مما يوجب بطلان البيع، فإذا باع شخص شيئا بثمن معين، و خشي المشتري أن يكون المبيع مغصوبا كان له طلب الكفيل بالثمن الذي دفعه، فإذا كفله

شخص كان له الرجوع عليه بالثمن الذي دفعه لو ظهر بطلان البيع لكون المبيع مغصوبا.

كما تصح كفالة الثمن علي تقدير فسخ البيع بخيار، أو بطلانه لتلف المبيع قبل القبض، أو نحو ذلك.

(مسألة 21): إذا لم تكن هذه الكفالة بإذن المكفول لم يكن للكفيل الرجوع عليه بما أدي عنه، و إن كانت بإذنه كان للكفيل الرجوع عليه بما أدي عنه من الحق في وقته علي حسب مقتضي الكفالة، إلا أن يبتني إذنه له في الكفالة علي عدم ضمانه له لو أدي عنه، و هو يحتاج إلي عناية و قرينة خاصة.

(مسألة 22): يجوز ترامي هذه الكفالة، نظير ما تقدم في كفالة النفس.

(مسألة 23): تجوز هذه الكفالة مع عدم ثبوت الحق علي المكفول شرعا، بل كان مؤاخذا به ظلما، فإنها و إن لم تنفذ في حق المكفول له لكونه ظالما، إلا أنها تنفذ في حق المكفول إذا أذن بها أو طلبها، فيجب عليه أداء المال للكفيل لو أداه عنه بمقتضي الكفالة، نظير ما تقدم في المسألة الأخيرة من كفالة النفس.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 235

الفصل الثالث في الضمان

و هو عبارة عن تحمل شخص دينا في ذمة آخر، بحيث تنشغل ذمته بالدين و تفرغ منه ذمة المدين. و المتحمل هو الضامن، و المدين الأول هو المضمون عنه، و صاحب الدين هو المضمون له. و يكفي في إنشائه كل ما يدل علي الالتزام بالمضمون المذكور من قول أو فعل، كما تقدم في غيره من العقود.

(مسألة 1): الضمان عقد بين الضامن و المضمون له، فلا بدّ من صدوره عن اختيارهما، و لا يقع مع الإكراه كسائر العقود، كما لا بد فيه من كونهما بالغين عاقلين غير محجور عليهما بسفه. و أما

عدم الحجر بالفلس فالظاهر اشتراطه في المضمون له إذا كان نفوذ الضمان منافيا لمقتضي الحجر، و لا يعتبر في الضامن، غايته أن المضمون له لا يشارك الغرماء في أمواله التي هي مورد الحجر، و يأتي التعرض لذلك في كتاب الحجر إن شاء اللّه تعالي. أما المضمون عنه فلا يعتبر رضاه، كما لا يعتبر فيه ما سبق، بل يصح الضمان عنه و إن كان ميتا.

(مسألة 2): إذا كان الضامن و المضمون له قاصرين لصغر أو جنون قام وليهما مقامهما، كما يقوم وكيلهما مقامهما لو كانا كاملين.

(مسألة 3): لا بد في الضمان من ثبوت الدين في ذمة المدين، سواء كان لازما- كالقرض- أم متزلزلا- كثمن المبيع في زمن الخيار- فمع عدم ثبوته لا يصح ضمانه، سواء تحقق سببه، كالجعل في الجعالة قبل العمل، أم لم يتحقق، كثمن المبيع قبل البيع. كما لا بدّ في الضمان أيضا من كون الحق ذميا، و لا يجري في الأعيان المضمونة كالمغصوب. نعم تصح الكفالة في جميع ذلك من دون أن تبرأ بها ذمة من عليه الحق، كما تقدم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 236

(مسألة 4): إذا لم يكن الضمان بإذن المضمون عنه لم يكن للضامن الرجوع عليه بما أدي من الحق، أما إذا كان بإذنه فله الرجوع عليه بما أدي، و لا يجوز الرجوع عليه بما لم يؤده لعجز أو إبراء، و كذا لو صالح علي الدين بما هو دونه، فإنه ليس له الرجوع إلا بما صالح به.

(مسألة 5): الضمان من العقود اللازمة، فلا يجوز الرجوع فيه للضامن و لا للمضمون له، بل لا يمكن حلّه حتي بالتقايل منهما، و لا يصح شرط الخيار فيه، كما لا يثبت فيه خيار

تخلف الشرط أو الوصف، فإذا رضي المضمون له بالضمان بشرط أن يفعل الضامن شيئا أو بشرط أن يكون موسرا، فلم يفعل الضامن ذلك الشي ء أو بان إعساره حين الضمان لم يكن للمضمون له الفسخ، سواء كان الشرط صريحا أم ضمنيا. نعم إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه فالظاهر صحة شرط الخيار فيه، و ثبوت خيار تخلف الشرط أو الوصف فيه إذا كان الاشتراط بإذنه أيضا. كما أن الظاهر إمكان التقايل فيه بإذن المضمون عنه، بحيث يرضي الثلاثة بحلّه و رفع اليد عنه.

(مسألة 6): يجوز ضمان الدين الحالّ مؤجلا، بحيث لا يستحق المضمون له المطالبة إلا بعد الأجل، كما يجوز العكس، و هو ضمان الدين المؤجل حالا.

(مسألة 7): إذا أمر شخص صاحب المال بإتلاف ماله، فإن كان الإتلاف محرما- لكونه تبذيرا- و علم صاحب المال بذلك لم يكن عليه ضمانه، حتي لو تعهد بضمانه علي تقدير الإتلاف، كما لو قال: أحرق ثوبك و عليّ قيمته، و إن لم يكن محرما- لوجود غرض عقلائي مخرج له عن التبذير- أو كان محرّما و لم يعلم صاحب المال بذلك، فإن فهم صاحب المال إرادة الآمر المجانية فلا ضمان أيضا. و كذا إذا وجب الإتلاف علي صاحب المال و كان الأمر به من باب الأمر بالمعروف.

و في غير ذلك يتعين الضمان، سواء صرح الآمر بالضمان أم لا، لكن ذلك ليس من الضمان الذي هو محل الكلام، بل هو نظير الضمان بالاستيفاء الذي تقدم في المبحث الأول من خاتمة كتاب الإجارة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 237

الفصل الرابع في الحوالة

اشارة

و المراد بها تحويل المدين للدائن بدينه علي غيره، بحيث تبرأ ذمة المدين من الدين و تنشغل به ذمة ذلك الغير. و المدين

الأول هو المحيل، و الدائن هو المحال، و قد يسمي بالمحتال، و الذي يحوّل عليه الدين هو المحال عليه. و يكفي في إنشائها كل ما دل علي الالتزام بالمضمون المذكور من قول أو فعل.

(مسألة 1): لا بدّ في الحوالة من رضا المحيل و المحال، أما المحال عليه فلا بدّ من رضاه أيضا إذا كان بريئا غير مدين للمحيل، و كذا إذا كان مدينا له و كانت الحوالة بغير الجنس، كما إذا كان مدينا له بدراهم فأحال عليه بدنانير، و أما إذا كان مدينا و كانت الحوالة بنفس الجنس، فإن أريد بالحوالة عليه الحوالة علي ذمته ابتداء- و لو لتخيل كونه بريئا- فلا بدّ من رضاه أيضا، و إن أريد بها الحوالة علي الدين الثابت في ذمته فلا يعتبر رضاه.

(مسألة 2): لا بدّ في المحيل و المحال من البلوغ و العقل و عدم الإكراه، كما يجب ذلك في المحال عليه في المورد الذي يعتبر فيه رضاه.

(مسألة 3): يعتبر عدم الحجر بسفه أو فلس في المحال و المحال عليه في كل مورد يكون نفوذ الحوالة منافيا لمقتضي الحجر. و لا يسعنا تفصيل ذلك، بل قد يظهر بالتأمل و بملاحظة ما يأتي في كتاب الحجر.

(مسألة 4): تجوز الحوالة علي البري ء- غير المدين للمحيل- بإذنه، كما أشرنا إليه، فإن ابتنت الحوالة علي رجوعه علي المحيل بما أحال عليه انشغلت ذمة المحيل له بمثل الذي أحال به، و إن ابتنت علي تبرع المحال عليه فلا تنشغل ذمة المحيل له بشي ء.

(مسألة 5): إذا تمّ عقد الحوالة بشروطه برئت ذمة المحيل من الدين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 238

الذي أحال به للمحال، و برئت ذمة المحال عليه إذا كان مدينا للمحيل

من مقدار الدين الذي أحال به عليه، و انشغلت ذمة المحيل للمحال عليه بمثل الدين الذي أحال به إذا كان المحال عليه بريئا و كان مبني الحوالة علي رجوعه علي المحيل بما أحال عليه، و لا يتوقف شي ء من ذلك علي أداء المحال عليه للمحال الدين الذي أحيل به.

(مسألة 6): لا بدّ في الحوالة من ثبوت الدين في ذمة المحيل حينها، و لا يكفي حصول سببه- كالجعل في الجعالة قبل العمل- فضلا عن توقع ثبوته من دون ذلك، كثمن المبيع قبل البيع.

(مسألة 7): الحوالة كالضمان في اللزوم، و عدم إمكان شرط الخيار و غيره إلا إذا كانت بإذن المحال عليه، فيمكن فيها شرط الخيار و غيره و التقايل، نظير ما تقدم في الضمان. نعم إذا كان المحال عليه معسرا حين الحوالة و لم يعلم المحال بإعساره كان له الخيار إذا علم بعد ذلك. و إذا زال إعساره قبل الفسخ ففي بقاء الخيار إشكال، كالإشكال في ثبوت الخيار إذا كان بناء المحال عليه علي الاقتراض أو الاستيهاب أو نحوهما و كان يمكنه ذلك، بل الأظهر هنا عدم الخيار.

تتميم

الحوالة المصطلحة للفقهاء و التي دلّت عليها النصوص هي الحوالة بالمعني المتقدم المبتني علي نقل الدين من ذمة المحيل إلي ذمة المحال عليه.

أما الحوالة المعروفة في زماننا هذا فهي عبارة عن طلب المحيل من المحال عليه دفع المال عنه للمحال من دون أن تنشغل ذمة المحال عليه للمحال بشي ء.

و يترتب علي ذلك أمور.

الأول: أنه لا يعتبر في المال المحال به أن يكون دينا ثابتا فعلا في ذمة المحيل، بل كما يكون كذلك يكون ثمنا في بيع حين الحوالة، كما إذا اشتري المحيل شيئا بثمن يأخذه المشتري من المحال

عليه، أو يكون دينا آئلا إلي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 239

الثبوت، كالجعل في الجعالة قبل العمل، و ثمن المبيع قبل البيع، بل يمكن أن يكون مالا متبرعا به.

الثاني: أنه لا يعتبر رضا المحال إلا حيث يكون له الامتناع عن أخذ المال المحال به، كما إذا كان ثمنا في بيع، حيث يجوز له الامتناع عن إطلاق الثمن بحيث يشمل المال المحال به، بخلاف ما إذا كان دينا في ذمة المحيل، فإنه حيث يكون تعيين الوفاء تابعا للمدين فإذا كان إطلاق الدين يشمل المال المحال به و عيّن المدين الوفاء به لم يكن للدائن الامتناع عن قبضه.

و أما المحال عليه فقد يكون ملزما بقبول الحوالة، كما إذا كان وكيلا للمحيل، أو كان بينهما عقد ملزم بالدفع عند التحويل.

الثالث: إذا دفع رجل إلي آخر مالا في بلد ليأخذ بدله في بلد آخر، فإن اختلف المالان في الجنس فلا إشكال، كما لو دفع في العراق دينارا عراقيا ليأخذ بدله في خارج العراق عملة اخري، لرجوعه إلي بيع إحدي العملتين بالأخري.

و إن اتفقا في الجنس، فله صور ثلاث.

الاولي: أن يكون المدفوع أولا أقل من المأخوذ بدلا عنه، كما لو دفع في العراق ألف دولار علي أن يأخذ في الخارج ألفا و خمسين دولارا، و حينئذ إن كان الدفع بعنوان القرض كانت الزيادة ربا محرما، و إن كان بعنوان البيع، بأن يبيعه ألف دولار في العراق بألف و خمسين دولارا في الخارج كان حلالا، لعدم حرمة الزيادة في العوضين في المعدود.

نعم الأحوط وجوبا عدم الزيادة المذكورة مع انحصار الفرق بالزمن، كما لو باعه ألف دولار معجلة بألف و خمسين دولارا مؤجلة إلي شهر مثلا من دون فارق من جهة

أخري كالمكان.

الثانية: أن يكونا متساويين، و الظاهر جريان التفصيل المتقدم بين القرض و البيع، فيحل في البيع و يحرم بالقرض، لأن شرط اختلاف المكان زيادة فيحرم بالقرض.

الثالثة: أن يكون المدفوع أولا أكثر من المأخوذ بدلا عنه، كما لو دفع في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 240

العراق ألف دولار علي أن يأخذ في الخارج تسعمائة و خمسين دولارا، و الظاهر جواز ذلك مطلقا، سواء كان بعنوان البيع أم بعنوان القرض، لأن أخذ الزيادة إنما يحرم علي الدائن لا علي المدين.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 241

كتاب الحجر

و هو منع الإنسان من التصرف في نفسه أو ماله لقصور في سلطنته، و أسبابه كثيرة، إلا أن بعضها يختص ببعض الموارد، كالرهن المانع للراهن من التصرف في المال المرهون، و التحبيس المانع للمحبّس من التصرف في العين المحبسة، و الدين و الوصية المانعين للوارث من التصرف في تركة المدين و إن كانت ملكا له، و الشرط المانع من التصرف علي خلاف مقتضاه، و غير ذلك مما يذكر في كتب الفقه المتفرقة، و قد استغني بذكره هناك عن ذكره هنا.

و قد خص الفقهاء (رضوان اللّه عليهم) الكلام هنا بأمور ستة: الصغر، و الجنون، و السفه، و الفلس، و الرق، و المرض. و حيث لم يكن الرق في عصورنا موردا للابتلاء بوجه معتد به، و كان التحجير بالمرض مبنيا علي القول بمنع الإنسان في مرض الموت من التصرف فيما زاد علي الثلث، و هو ضعيف عندنا، انحصر الكلام في الأربعة الأول.

الأول: الصغير، فلا يستقل الصغير بالتصرف و إن كان مميزا إلا مع البلوغ، و يستثني من ذلك بعض التصرفات، كالوصية علي ما يذكر في محله.

(مسألة

1): يصح تصرف الصبي في ماله و نفسه بإذن الولي، كما يصح تصرفه في مال غيره و نفسه بإذن من له التصرف أو بإذن وليه و إن لم يأذن ولي الصبي. و لا بد في الحالين من تمييز الصبي للتصرف الذي يوقعه و إدراكه لمعناه و قصده له، أما إذا لم يكن كذلك فلا يصح منه التصرف.

نعم يمكن أن يكون واسطة في إعلام الطرف الآخر للمعاملة بإذن الولي فيها، فيتولي الطرف المذكور الإيجاب و القبول معا، كما لو أرسل معه الثمن لصاحب المحل التجاري لاعلامه بأن المرسل يطلب من صاحب المحل بيع البضاعة عليه بالثمن المذكور و إرسالها معه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 242

(مسألة 2): إذا أقدم الصبي المميز علي إيقاع المعاملة لنفسه و شك في كونه مأذونا من الولي حكم ظاهرا بتحقق الإذن و صحة المعاملة التي أقدم عليها، خصوصا إذا ادّعي صريحا الإذن له. نعم إذا أنكر الولي بعد ذلك صدور الإذن منه فالقول قوله. و كذا الحال إذا كان تحت يده مال لغيره فأقدم علي التصرف فيه بالبيع أو الشراء أو غيرهما. أما إذا لم يكن تحت يده مال للغير و أراد التعامل عنه في ذمته فلا مجال للبناء علي صدور الإذن من ذلك الغير ما لم يثبت بوجه شرعي، و هكذا الحال في البالغ.

و أما إذا لم يكن الصبي مميزا لكن احتمل كونه واسطة في إيصال الثمن مثلا للإعلام بإذن الولي في إيقاع المعاملة من قبل الطرف الأخر فلا مجال للبناء علي ذلك ما لم يثبت بوجه شرعي. هذا و قد تقدم في كتاب البيع الكلام في أولياء العقد.

(مسألة 3): يثبت البلوغ بالعلم و بالبينة، و بإخبار الشخص عن

نفسه إذا لم يكن متّهما.

الثاني: الجنون، و هو في الشدة و الضعف علي مراتب. و يكفي في الحجر عليه كونه بمرتبة من ضعف العقل و نقص الإدراك بحيث لا يميز الصلاح من الفساد و الضرر من النفع، و لا يحسن الاختيار بالوجه العقلائي، و حينئذ إن كان يدرك معني المعاملة و يتحقق منه القصد إليها من دون أن يحسن الاختيار جري عليه حكم الصبي المميز، و إن كان فاقدا لذلك أيضا جري عليه حكم الصبي غير المميز.

(مسألة 4): إذا لم تظهر أمارات الجنون علي الشخص يبني علي عدم جنونه، إلا أن يعلم بأنه كان فيما مضي مجنونا فلا يبني حينئذ علي ارتفاع جنونه إلا بالعلم أو البينة.

الثالث: السفه، و الظاهر أنه صفة نفسية ترجع إلي قصور الإنسان عن أن يدرك- و لو بالتعلم- ما يحفظ ماله من التلف و الفساد و النقص، بحيث يقدم بسبب قصوره علي ما يعرضه لذلك، كإهمال التحرز عليه من السرقة، و ترك إطعامه و سقيه إن كان محتاجا لهما، و كبذله مجانا، و كإيقاع المعاملات الغبنية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 243

بالمقدار الفاحش عليه.

أما لو لم يكن إقدامه علي ذلك مسببا عن قصور في إدراكه، بل عن دواع أخر- و إن لم تكن مناسبة للحكمة- فالظاهر عدم صدق السفه به، كمن بذل ماله لمحبوب مشغوف به، أو إغراقا في مفاخرة أو ترف أو شهوة محللة أو محرمة، أو غير ذلك من الدواعي المقبولة شرعا أو عرفا أو المستهجنة. نعم إذا كانت الاستجابة للداعي المذكور مسببة عرفا عن النقص في الإدراك تحقق السفه أيضا.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان،

اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 2، ص: 243

(مسألة 5): إذا لم تظهر أمارات السفه بني علي عدمه. نعم لا يجوز لولي الصغير تمكينه من ماله إذا كبر حتي يتبين له رشده بالاختبار أو غيره، كما أنه إذا علم بأن الشخص كان سفيها فيما مضي فلا بدّ في التعامل معه من ثبوت رشده بالعلم، أو البينة، أو بالاعتماد علي معاملة الولي له معاملة الرشيد برفع يده عن ماله و تسليمه له.

(مسألة 6): من اتصل سفهه بصغره بقي تحت ولاية وليه حال الصغر، و من تجدد له السفه بعد أن بلغ رشيدا فالأحوط وجوبا اشتراك الولاية عليه بين أقرب الناس إليه- و هم ورثته- و الحاكم الشرعي. نعم لو ظهر للحاكم الشرعي عدم أهليتهم للولاية لعجزهم عن رعاية أمواله أو لخيانتهم استقل هو بالولاية.

(مسألة 7): لا يحتاج ثبوت السفه أو ثبوت ارتفاعه إلي حكم الحاكم، بل لكل شخص أن يعمل علي مقتضي الوظيفة السابقة. نعم مع التشاح و التنازع لا بدّ من الرجوع للحاكم في ثبوته و عدمه، كما لو ادعي الولي علي الشخص حال صغره أنه بلغ سفيها فوضع يده علي ماله و ادعي المولّي عليه أنه ليس بسفيه أو ادعي تجدد الرشد له بعد البلوغ بمدة، و كما لو أوقع الشخص معاملة مع شخص ثم ادعي أنه كان سفيها عند إيقاع المعاملة و ادعي طرف المعاملة أنه لم يكن سفيها، و كذا لو ادعي أهل الشخص أنه سفيه توصلا بإبطال المعاملة التي أوقعها و ادعي هو أو طرف المعاملة أنه ليس بسفيه توصلا لتصحيحها، أو ادعوا سفهه لطلب الحجر عليه فأنكر هو ذلك. إلي غير ذلك.

(مسألة 8): السفيه إنما يحجر عليه

في التصرفات المالية، مجانية كانت-

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 244

كالهبة و الصدقة- أو معاوضية- كالبيع و الإجارة- بل يمنع حتي عن اليمين و النذر و العهد المقتضية لصرف المال فلا تنفذ، دون التصرفات غير المالية كالطلاق و الظهار، نعم الظاهر منعه عن النكاح لابتنائه علي استحقاق المهر و إن لم يكن مقوما له.

(مسألة 9): كما يمنع السفيه من التصرفات المالية كذلك لا يقبل إقراره بها و بكل ما يرجع للمال كالإتلاف و السرقة. و لو أقر بنسب يستتبع الإنفاق من ماله فالظاهر ثبوته و عدم وجوب الإنفاق. نعم الظاهر قبول قوله من باب الشهادة لو كان عادلا، فيترتب عليه حكم الشاهد الواحد، دون حكم الإقرار.

(مسألة 10): لا يلغي إنشاء السفيه في الأمور المالية، بل يصح بإذن الولي، كما يصح تصرفه في مال غيره بإذنه، و لو أوقع العقد لنفسه من دون إذن الولي كان فضوليا موقوفا، فإذا أجازه الولي نفذ، و كذا إذا أوقع العقد علي مال غيره من دون إذنه، ثم أجازه صاحب المال، فهو كالصبي المميز في ذلك.

الرابع: الفلس، و هو أن تقصر أموال المدين عن ديونه التي عليه.

و المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) أنه يحجر علي المفلس بشروط ثلاثة: ثبوت ديونه عند الحاكم الشرعي بالمقدار الزائد علي أمواله، و حلولها، و مطالبة الغرماء بالتحجير عليه. فإن تمت الشروط المذكورة وجب علي الحاكم التحجير عليه، فإن حجر عليه منع من التصرف في أمواله، و ثبت حق الغرماء فيها، و كان علي الحاكم أن يتولي وفاء ديونهم منها.

لكن الأمر لا يخلو عن إشكال، و الذي تقتضيه الأدلة أنه مع امتناع المدين عن وفاء الدين و رفع الأمر للحاكم الشرعي فإن الحاكم

الشرعي يأمره بالوفاء إذا كان ذا مال، فإن امتنع تولّي الحاكم وفاء ديونهم من ماله، عدا مستثنيات الدين المتقدمة، فإن قصر المال عن الديون وقع النقص عليها جميعا بالنسبة، و كذا إذا لم يمتنع و كان ماله قاصرا عنها. و إن طالب الغرماء باستسعائه في وفاء دينه كان لهم ذلك إذا كان لائقا به.

و مقتضي ذلك أنه بأمر الحاكم له بالوفاء تسلب سلطنته علي ماله في خصوص التصرفات المانعة من وفاء ديونه به أو الموجبة لقصوره عن ذلك،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 245

و كذا عن المال الحاصل له بالاستسعاء حتي يتم الوفاء، و لا حجر عليه فيما عدا ذلك.

(مسألة 11): إذا قصرت أموال الشخص عن ديونه، فمن وجد من أصحاب الديون ماله الذي اشتراه منه المدين بعينه كان له أخذه بدل دينه، و لا يقسم مع بقية أمواله علي الغرماء بالنسبة. و هناك فروع كثرة تبتني علي مذهب المشهور لا يسعنا التعرض لها.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 247

كتاب الصلح

و هو عقد يحتاج اليه عند قصور العقود المعهودة عن تحقيق المطلوب للمتعاقدين أو حل مشكلتهما، و يجب فيه ما يجب في سائر العقود من أهلية المتعاقدين، و اختيارهما، و عدم الحجر عليهما، و إنشاء المضمون المتفق عليه بكل ما يدل عليه من قول أو فعل. نعم لا يصح إذا تضمن تحليل حرام أو تحريم حلال و مخالفة حكم شرعي، نظير ما تقدم في الشروط.

(مسألة 1): الصلح من العقود اللازمة، إلا أن يشترط فيه الخيار، فيصح فسخه لمن له الخيار، كما يصح فسخه من أحدهما، بتخلف الشرط أو الوصف أو بظهور العيب، علي النحو المتقدم في البيع، كما يصح

فسخه بالتقايل من الطرفين معا.

(مسألة 2): يصح الصلح عند التخاصم و التنازع أو عند خوف ذلك علي تبعيض الحق المتنازع عليه بين الطرفين، أو اختصاصه بأحدهما في قبال شي ء للآخر، أو غير ذلك مما يرفع به التنازع، أو يمنع من تحققه، و إن كان الحق في الواقع بتمامه لأحدهما، بل و إن كان كل منهما عالما بالأمر علي حقيقته إلا أنه يملك ما يمكنه من التخاصم فيه، و لو كان هو رفع صاحبه للحاكم، بل و إن لم يملك ذلك- لسبق إقرار منه أو نحوه- إلا أنه يستطيع الشكوي من صاحبه و التشنيع عليه حتي لو كان ظالما له في ذلك، و حينئذ يسقط حق الدعوي بالصلح المذكور و يحل المال المأخوذ به في الواقع، حتي لو انكشف بعد ذلك الأمر علي حقيقته بإقرار أو نحوه.

نعم إذا كان ترك العدوان المحرم أحد ركني العقد فالظاهر عدم صحته، كما إذا اتفق صاحب الحق مع الطرف الآخر علي أن يدفع صاحب الحق شيئا له في مقابل أن لا يعتدي عليه بشتم أو ضرب أو رفع لحاكم الجور أو غير ذلك،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 248

فيكون دفع المال في مقابل عدم العدوان، لا من باب الصلح بين الطرفين. و كذا لو كان صاحب الحق مكرها علي الصلح بالوجه المذكور لتهديد الطرف الآخر بالإضرار به إذا لم يصالحه و لو برفع أمره لحاكم الجور، لبطلان العقد مع الإكراه.

(مسألة 3): يجوز لصاحب الحق أن يصالح- تفاديا للنزاع- بما يشاء، و كذا لوكيله بإذنه. أما الولي فلا يصح منه الصلح المذكور إلا إذا كان بنظره صلاحا للمولّي عليه، كما إذا لم يأمن القدرة علي إثبات الحق له، أو كان

ما يبذله عند الصلح دون مؤنة إثبات الحق أو بقدرها، أو خاف علي المولّي عليه من بقاء النزاع و الخصومة، أو كان في الخصومة حرج علي الولي لا يجب عليه تحمله لصالح المولّي عليه. أما إذا كان لمصلحة الولي نفسه- تجنبا للخصومة أو غير ذلك- دون المولّي عليه فلا يجوز له أن يصالح علي بذل مال من المولّي عليه إلا أن يضمنه له.

(مسألة 4): يجوز الصلح بنحو يقتضي تمييز الحق المشاع، كما إذا اشترك شخصان في فرس و بقرة فاصطلحا علي أن تكون لأحدهما الفرس و للآخر البقرة، و لا يكون ذلك من القسمة.

(مسألة 5): يجوز الصلح عند اشتباه الحقوق بنحو يقتضي تعيين ما يستحقه كل طرف من أطراف الاشتباه، كما إذا كان لأحد شخصين كتاب و للآخر ثوب و اشتبه مالك الكتاب بمالك الثوب، فيتصالحان علي أن يكون لأحدهما المعين الثوب و للآخر الكتاب.

(مسألة 6): يجوز الصلح من صاحب الحق و من وليه عند الشك في ثبوت الحق بنحو يقتضي رفع الشك، كما لو شك في اقتراض زيد من عمرو مبلغا من المال أو في وفاء القرض المذكور بعد ثبوته، فيتصالحان علي ثبوت نصفه مثلا. و فائدة الصلح المذكور الحل واقعا في المقدار المتصالح عليه بحيث لو انكشف الحال بعد ذلك لم يخرج عن مقتضي الصلح، أما بدونه فالعمل لصالح أحد الشخصين في تمام الحق المشتبه و إن كان لازما بمقتضي الأصل إلا أنه يقتضي الحل ظاهرا ما دام الجهل باقيا، و لا يقتضي الحل واقعا.

و هذه جهة مهمة كما قد تدعو صاحب الحق للتنازل عن بعض حقه قد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 249

تكون مصححة للتنازل بنظر الولي في حق المولّي عليه.

و علي ذلك قد تجري المصالحة مع الحاكم الشرعي في تعيين الحق الشرعي الذي له الولاية عليه.

نعم، مقتضي الإنصاف و طبيعة الاشتباه الصلح بالتناصف مع تساوي الاحتمالين في القوة و الضعف، و مع اختلافهما يكون التفاضل لصالح من كان الاحتمال في جانبه أقوي بنسبة قوة الاحتمال المذكور، مثلا: إذا كان احتمال ثبوت الحق بنسبة خمسة و سبعين بالمائة و احتمال عدمه بنسبة خمسة و عشرين بالمائة يكون الصلح علي ثبوت ثلاثة أرباع الحق المشتبه. و ربما تكون هناك جهات ملحوظة لصاحب الحق أو وليه تقتضي الخروج عن ذلك.

(مسألة 7): يجوز الصلح عن الحق الثابت المعلوم ببعضه فتبرأ ذمة من عليه الحق من الباقي، لكن بشرطين.

الأول: علم من له الحق بمقداره، أما لو كان جاهلا به و لم يعلم به إلا من عليه الحق فلا يصح الصلح المذكور، نعم لو كان صاحب الحق راضيا بالصلح حتي مع علم من عليه الحق بالمقدار فيصح الصلح حينئذ.

الثاني: أن يكون الصلح حقيقيا راجعا إلي إبراء من له الحق لمن عليه الحق من بعضه بطيبة نفسه، أما إذا كان لمجرد استنقاذ من له الحق لبعض حقه لامتناع من عليه الحق من أدائه بتمامه فالصلح المذكور صوري و لا يصح حقيقة، بل يبقي من عليه الحق مشغول الذمة بالباقي، و كأنه إلي هذا يشير قول الامام الصادق عليه السّلام في الحديث الصحيح: «إذا كان لرجل علي رجل دين فمطله حتي مات، ثم صالح ورثته علي شي ء، فالذي أخذ الورثة لهم، و ما بقي فللميت حتي يستوفيه منه في الآخرة، و إن هو لم يصالحهم علي شي ء حتي مات و لم يقض عنه فهو كله للميت يأخذه به».

و لا يخفي أن الصلح

بالوجه الصحيح علي تبعيض الحق إنما يصح من صاحب الحق، لأنه مسلط علي ماله فله التنازل عنه كله فضلا عن بعضه. أما من الولي فلا يصح بمقتضي طبيعة ولايته، لأن وظيفته ملاحظة مصلحة المولّي عليه، و التنازل عن بعض حقه ليس من مصلحته.

نعم، قد يتجه منه الصلح بالنحو المذكور إذا أحرج، من باب استنقاذ الحق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 250

لامتناع من عليه من أدائه بتمامه. لكن الصلح المذكور صوري لا يصح حينئذ حقيقة و لا يترتب عليه براءة ذمته من بعض الحق، كما سبق. و علي ذلك يشكل المصالحة مع الحاكم الشرعي علي إسقاط بعض الحق الشرعي، كما قد يتردد علي ألسنة كثير من الناس، إلا أن يلحظ الولي المأمون جهات خاصة في صالح الحق مصححة للتنازل عن بعض الحق و يري أن ملاحظتها مقتضي ولايته، فيعمل علي ذلك، و هو أمر لا يتسني لنا فعلا استيضاحه. و منه سبحانه نستمد العون و التسديد.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 251

كتاب الوكالة

و هي عقد يقتضي قيام الوكيل مقام الموكل، نظير قيام الولي مقام المولّي عليه، فيترتب أثرها المذكور بمجرد العقد قبل وقوع التصرف، و هذا بخلاف الإذن في التصرف، فإنه لا يقتضي ذلك، بل هو إيقاع من الآذن يقتضي سلطنة المأذون علي التصرف المأذون فيه من دون أن يقتضي قيامه مقامه. و يظهر الأثر في الوكالة التفويضية علي الشي ء بنحو الإطلاق كتوكيل الشخص في الأمور المالية المتعلقة به و توكيل الولي فيما هو مولّي عليه، حيث يجب علي الوكيل القيام بما يجب علي الموكل القيام به، و لا يجب ذلك علي المأذون من دون توكيل، و إن جاز له الإتيان بالأمر المأذون فيه

و يصح منه.

(مسألة 1): الوكالة كسائر العقود لا بدّ من إنشائها، و يكفي فيها كل ما يدل علي الالتزام بها من الوكيل و الموكل من قول أو فعل. كما أن الأحوط وجوبا فيها التنجيز، فلا تصح مع تعليقها علي أمر غير معلوم الحصول، نعم لا بأس بتعليق الأمر الموكل فيه.

(مسألة 2): يعتبر في الوكالة كمال الوكيل و الموكل بالبلوغ و العقل أو إذن وليهما، و لا تصح بدون أحد الأمرين. نعم إذا وكل شخص طفلا مميزا أو مجنونا مميزا بحيث يتأتي منهما القصد للتصرف الموكّل فيه و إنشاؤه نفذ تصرفهما عليه و إن لم يأذن وليهما في توكيلهما، لكنه ليس لصحة الوكالة، بل لتحقق الاذن منه لهما بالتصرف تبعا لتوكيلهما، و لا يعتبر في نفوذ تصرف المأذون كماله و لا إذن وليه، بل يكفي التمييز الذي يتحقق معه القصد للتصرف المأذون فيه.

(مسألة 3): يعتبر في نفوذ تصرف الوكيل سلطنة الموكّل علي ذلك التصرف، فإذا وكلت البكر الرشيدة ذات الولي مثلا شخصا في تزويجها صحت وكالته، و لا ينفذ تزويجه لها إلا برضا وليها، و إذا وكل الراهن شخصا في بيع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 252

العين المرهونة صحت وكالته و لا ينفذ بيعه لها إلا بإذن المرتهن. نعم إذا كان قصور سلطنة الموكّل لعدم كماله- كالصبي و المجنون- كفي صدور الوكالة عن الولي في نفوذ تصرف الوكيل، و لا يحتاج إلي إذن الولي فيه.

(مسألة 4): يعتبر في الموكّل عدم الحجر بسفه إذا كانت الوكالة في الماليات، فإذا وكّل السفيه لم تصح الوكالة، و لا يصح من الوكيل التصرف حتي بعد ارتفاع سفه الموكّل. أما الحجر بالفلس أو نحوه مما تقدم في كتاب الحجر فالظاهر

أنه غير مانع من صحة الوكالة و إنما يمنع من نفوذ تصرف الوكيل في مورد عدم نفوذ تصرف الموكّل.

(مسألة 5): الوكالة من العقود الجائزة، بمعني أن لكل منهما متي شاء عزل الوكيل عن وكالته. نعم لا ينفذ عزل الموكّل للوكيل إلا بعد أن يعلم الوكيل بالعزل، أو يخبره به ثقة.

(مسألة 6): إذا اشترط أحدهما عدم عزل الوكيل أبدا، أو إلي أمد خاص في ضمن عقد آخر لزم و لم ينفذ العزل، بل الظاهر لزومه إذا اشترط ذلك في عقد الوكالة بنفسه.

(مسألة 7): تبطل الوكالة بموت الوكيل و لا تنتقل لورثته، كما تبطل بموت الموكّل، إلا أن تبتني علي العموم لما بعد الموت، فترجع إلي كون الشخص وكيلا حال الحياة وصيا بعد الموت، فيلحقه بعد موت الموكّل حكم الوصي.

(مسألة 8): المشهور بطلان الوكالة بجنون الموكّل و الإغماء عليه و إن كانا موقتين، لكن المتيقن من ذلك عدم جواز التصرف للوكيل حال الجنون، لقصور سلطنة الموكّل من دون ان تبطل الوكالة، فإذا ارتفع الجنون و عادت سلطنة الموكّل جاز للوكيل التصرف. بل إذا كان الموكّل ملتفتا لاحتمال طروء الجنون عليه، و عمم الوكالة له كان مرجعها إلي جعل الوكيل وليا علي التصرف حال الجنون، و الظاهر نفوذ الجعل المذكور و إغناؤه عن ولاية الولي الشرعي، فيجوز التصرف للوكيل حتي حال الجنون. و أما الإغماء فإن كان مستحكما طويل الأمد فهو بحكم الجنون، و إن كان طارئا موقتا فهو بحكم النوم لا ينافي سلطنة المغمي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 253

عليه عرفا، و لا يمنع الوكيل من التصرف، فضلا عن أن يبطل وكالته.

(مسألة 9): المشهور بطلان الوكالة بجنون الوكيل و الإغماء عليه و إن كانا موقتين، لكنه

ممنوع. نعم إذا كانا مستحكمين طويلي الأمد فقد يكون إطلاق الوكالة منصرفا عنهما، فيكون بطلان الوكالة معهما لقصورها عنهما ابتداء، لا لكونهما مبطلين لها.

(مسألة 10): يجوز للولي أن يوكل غيره، و له صورتان.

الاولي: أن يوكل عن نفسه، و حينئذ تبطل وكالة وكيله بخروجه عن الولاية.

الثانية: أن يوكل عن المولّي عليه، و حينئذ لا تبطل الوكالة بخروجه عن الولاية، بل لا بدّ في بطلانها من عزل الوكيل من قبل من بيده الأمر بعد خروج الولي عن الولاية، إلا أن يكون توكيله عن المولي عليه مختصا بحال ولايته عليه، فيكون خروجه عن الولاية موجبا لانتهاء أمد الوكالة.

و يجري نظير ذلك في توكيل الوكيل، حيث قد يوكل عن نفسه و قد يوكل عن الموكل. و لا بدّ في جميع ذلك من كون التوكيل داخلا في عموم الولاية و الوكالة الاولي، أما إذا كان خارجا عن مقتضاهما فهو لاغ و لا يترتب عليه الأثر حال الولاية و الوكالة الأولي، فضلا عما بعد الخروج عنهما.

(مسألة 11): يصح التوكيل في كل ما لا يتعلق غرض الشارع الأقدس بمباشرة الموكل له بنفسه، بل يكفي في انتسابه إليه وقوعه عن أمره نيابة عنه، بحيث يكون نسبته للمباشر في طول نسبته إليه، سواء كان أمرا اعتباريا، كإيقاع العقود و الإيقاعات، أم حقيقيا خارجيا، كقبض المبيع و الموهوب و إقباضهما، و أداء كثير من الواجبات و المستحبات. و مع عدم تنصيص الشارع الأقدس علي ذلك بالخصوص يكتفي فيه ببناء المتشرعة، و مع عدم وضوح بنائهم يكتفي فيه ببناء العرف.

و قد تعرضنا- تبعا للفقهاء (رضوان اللّه عليهم)- في أبواب الفقه المختلفة لكثير من الموضوعات الشرعية التي تقبل الوكالة و التي لا تقبلها.

(مسألة 12): لا يجب في

الأمر الموكّل عليه أن يكون متحقق الموضوع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 254

حين الوكالة، كما في التوكيل في الإنفاق علي الزوجة التي هي في حبال الموكل فعلا، أو في طلاقها، بل يجوز التوكيل فيما لم يتحقق موضوعه بعد علي تقدير تحقق موضوعه، سواء عمت الوكالة تحقيق الموضوع، كما لو وكله في شراء البضاعة ثم بيعها، أو في تزويج المرأة ثم الإنفاق عليها أو طلاقها، أم لا، كما لو وكله في بيع البضائع التي سيشتريها، أو في الإنفاق علي الزوجة التي سوف يتزوجها من دون أن يوكله في الشراء و التزويج.

(مسألة 13): يجوز للوكيل مع إطلاق الوكالة اختيار أي فرد شاء، و لا يجوز مع تقييدها الخروج عما عيّن له، و لو خرج عنه لم ينفذ تصرفه إلا بإجازة الموكّل. و المرجع في تحديد مفاد الوكالة سعة و ضيقا هو العرف حسبما يفهم من إطلاق الكلام بضميمة القرائن المقالية و الحالية المحيطة به، و منها التعارف و شاهد الحال و غير ذلك مما لا مجال لإعطاء الضابط له.

(مسألة 14): إذا كانت الوكالة متعلقة بعين للموكّل يسلمها للوكيل- كما لو دفع إليه مالا ليشتري به بضاعة، أو بضاعة ليبيعها أو يصلحها، أو حيوانا ليطعمه أو ليرعاه- فالعين المذكورة أمانة بيد الوكيل لا يضمنها إلا بالتعدي عما عينه الموكّل- و لو من دون تعمد- أو التفريط فيها، علي نحو ما سبق في جميع الأمانات. و إذا تعدّي فيها أو فرط كان ضامنا من دون أن ينعزل عن الوكالة فيما و كل فيه.

(مسألة 15): إذا طرأ ما لا يمكن معه العمل علي مقتضي الوكالة، و لم يمكن إرجاع العين للمالك أو حفظها له أو مراجعته فيها، وجب علي

الوكيل العمل بما تقتضيه مصلحة المالك بعد مراجعة الحاكم الشرعي مع تيسره، و لا ضمان عليه حينئذ، بل إذا لم يفعل تهاونا ضمن.

مثلا: إذا دفع الموكل للوكيل نقدا ليشتري به بضاعة معينة، فصار النقد في معرض النهب أو السقوط عن المالية بإسقاط الدولة له أو نحو ذلك مما لا يتيسر معه شراء البضاعة المعينة فاللازم علي الوكيل فعل ما يراه صلاحا، كإبدال النقد بنقد آخر أو إقراضه أو شراء بضاعة أخري أو غير ذلك.

(مسألة 16): إذا ادّعي شخص الوكالة عن شخص من أجل أن يوقع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 255

معاملة من عقد أو إيقاع عنه، فإن كان التصرف بما تحت يده من مال ذلك الشخص جاز تصديقه و ترتيب الأثر علي معاملته، فيجوز الشراء منه و البيع عليه بالثمن الذي تحت يده، و ترتيب أثر الوقف عليه إذا أوقفه و غير ذلك، بل يجوز إيقاع المعاملة في ذمة ذلك الشخص علي أن يقبض المال مما تحت يده، كما إذا كان عنده ألف دينار لذلك الشخص فاشتري بضاعة بألف دينار في ذمته و دفع تلك الألف وفاء عنها، بل يجوز في المثال إيقاع المعاملة معه و إن لم يكن تحت يده ألف دينار له، و إنما جاء بها و دفعها بعد ذلك.

بل لا حاجة في جميع ذلك إلي دعواه الوكالة صريحا في نفوذ تصرفه ظاهرا بعد كونه صاحب يد، فإن مقتضي يده سلطنته علي التصرف فيما تحت يده و نفوذ تصرفه فيه، فمن جلس في متجر غيره و أخذ يبيع و يشتري و يتصدق مما في المتجر جاز البناء علي صحة تصرفه و التعامل معه و إن لم يدّع الوكالة صريحا. نعم، إذا أنكر

المالك الوكالة بعد ذلك كان القول قوله حتي إذا كان صاحب اليد قد ادّعي الوكالة.

و أما إذا لم يكن تصرفه فيما تحت يده، بل فيما هو خارج عنها، فلا مجال لتصديقه و ترتيب الأثر علي تصرفه- بنحو يلزم به ذلك الشخص- من دون حجة شرعية، فمن مرّ علي متجر قد تركه صاحبه فجاء شخص آخر من جيران ذلك المتجر أو عابر عليه فأراد أن يبيعه شيئا مما في المتجر من دون أن يضع يده عليه لم يكن له أن يشتري منه و يبني علي صحة البيع بنحو يجوز له أخذ ذلك الشي ء الذي باعه له، و من اشتري لشخص في ذمته من دون أن يكون له مال عنده لم يكن للبائع البناء علي استحقاقه الثمن في ذمة ذلك الشخص، بحيث له مطالبته أو أخذ مقدار ذلك الثمن منه مقاصة أو من وارثه، بل لو قال ذلك الشخص: إن كنت مدينا لك فخذ من مالي ما يفي بدينك، لم يجز له أخذ شي ء منه، إذ لا حجة له علي كونه مدينا له. نعم يجوز ترتيب الأثر علي البيع في حق مدعي الوكالة نفسه كما يأتي.

(مسألة 17): إذا أجري الوكيل المعاملة كان مسئولا بها و بتبعاتها، فيجوز

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 256

مطالبته بالثمن إن امتنع الموكّل من تسليمه- عصيانا أو لإنكار الوكالة- فإن كان ذميا دفعه عن الموكّل، و إن كان عينا خارجية دفع بدلها، كما يجوز مطالبته بأرش العيب في المبيع، و بالثمن عند حصول سبب الفسخ، و بالمهر في النكاح، و غير ذلك. نعم إذا قامت قرينة علي عدم مسئوليته بالمعاملة فلا رجوع عليه، كما إذا كان وكيلا في إجراء الصيغة فقط، أو

صرّح بعدم مسئوليته بالمعاملة أو تبعاتها، أو أقام البينة أو نحوها من الشواهد علي الوكالة من أجل التنبيه علي أن المسؤول بالمعاملة هو الموكّل لا غير، أو نحو ذلك.

(مسألة 18): لا بأس بجعل الموكّل الأجر للوكيل، فإن كان الأجر علي نفس الوكالة استحقه بها و لم ينظر لخصوصيات العمل، كما إذا جعله وكيلا للقيام عنه بما يناسب عند الحاجة، و عين له في كل شهر مثلا مبلغا من المال، و إن كان الأجر علي العمل الموكل عليه استحقه به، كما إذا عين للوكيل عنه في إجراء المعاملات مبلغا من المال لكل معاملة يقوم بها.

(مسألة 19): إذا كان الأمر الموكّل فيه مما يمكن وقوعه للوكيل و الموكّل، كحيازة المباحات و إحياء الموات و الشراء في الذمة، فالقول قول الوكيل في تعيين من أوقع له ذلك الأمر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 257

كتاب الهبة

و هي عقد يتضمن تمليك عين لا علي نحو المعاوضة، بل مجانا، و لا علي نحو التصدق الذي هو نحو من العبادة المشروطة بالتقرب. و طرفا العقد هما الواهب و الموهوب، فلا بدّ من إنشاء المضمون منهما أو من وكيلهما أو من وليهما. و يكفي فيه كل ما يدل علي الالتزام بالمضمون المذكور من قول أو فعل، كما هو الحال في سائر العقود، فيكفي في الإيجاب مثلا من الواهب إرسال العين الموهوبة للموهوب بقصد الهبة، و في القبول من الموهوب أخذها علي ذلك.

(مسألة 1): إذا وقعت الهبة علي نحو القربة لم تكن صدقه، بل الصدقة ماهية خاصة لا بدّ في وقوعها من قصد عنوانها و لو إجمالا، و لا يكفي فيها قصد التمليك المجاني علي نحو القربة.

(مسألة 2): يعتبر في الواهب و الموهوب

الكمال بالبلوغ و العقل، و مع عدمه يقوم الولي مقامهما. كما لا بدّ في الواهب من عدم الحجر بسفه أو فلس، علي الكلام المتقدم في كتاب الحجر.

(مسألة 3): يعتبر في صحة الهبة قبض الموهوب للعين الموهوبة بإذن الواهب، فلو مات الواهب قبل القبض بطلت الهبة، و كانت العين الموهوبة ميراثا. و يكفي قبض وكيل الموهوب و وليه عنه.

(مسألة 4): لا يعتبر في القبض الفورية، و لا كونه في مجلس العقد.

(مسألة 5): إذا حصل القبض صحت الهبة و ملك الموهوب العين الموهوبة من حينه، لا من حين العقد، فإذا حصل لها نماء بعد العقد قبل القبض فهو للواهب.

(مسألة 6): إذا كانت العين الموهوبة حين الهبة في يد الموهوب أو يد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 258

وليه أو وكيله صحت الهبة، و لا تحتاج إلي قبض جديد. فإذا وهب الولي ما تحت يده للمولي عليه صحت الهبة، و لم يحتج لقبضه لها عنه بعد ذلك.

(مسألة 7): لا يكفي في القبض هنا التخلية بين الموهوب و العين الموهوبة، و لا التسجيل الرسمي، بل لا بدّ من خروجها عن حوزة الواهب و استيلاء الموهوب عليها خارجا بحيث يصدق أنها في حوزته عرفا.

(مسألة 8): لا بدّ في الموهوب من أن يكون عينا، و لا تصح هبة المنفعة.

(مسألة 9): تصح هبة الحصة المشاعة و يكون قبضها بقبض العين بتمامها.

(مسألة 10): تصح هبة ما في الذمة لغير من هو في ذمته، و يكون قبضه بقبض ما يتحقق به وفاؤه، فإذا كان لزيد علي عمرو مبلغ من المال كان له أن يهبه لبكر، فتصح الهبة بقبض بكر المال من عمرو. أما إذا وهبه لمن هو في ذمته فإنه يصح من دون حاجة

للقبض و يكون بحكم الإبراء.

(مسألة 11): إذا وقعت الهبة و صحت بالقبض لم تلزم، و كان للواهب الرجوع فيها، إلّا في موارد الأول: أن يكون الموهوب له رحما ذا قرابة، و المدار فيه علي الصدق العرفي.

الثاني: أن يعوض الواهب عن هبته.

الثالث: أن تتغير العين الموهوبة عن حالها التي كانت عليه حين الهبة، كما لو قطع الثوب أو خيط أو طحن الحب أو خبز الدقيق أو طبخ الطعام أو ذبح الحيوان أو انكسر الإناء أو نحو ذلك، سواء كان ذلك بفعل الموهوب أم لا.

(مسألة 12): الظاهر عدم إلحاق الزوج و الزوجة بذي الرحم، فيجوز لكل منهما الرجوع فيما يهبه للآخر.

(مسألة 13): لا يعتبر في العوض أن يكون عينا، بل يكفي كل ما يصدق به التعويض و الجزاء عن الهبة، عينا كان أو منفعة أو عملا، سواء كان تعويضه بتمليكه ذلك الشي ء، أم ببذله له حتي استوفاه من دون أن يتملكه، بل حتي مثل بيعه شيئا يرغب في شرائه أو شراء شي ء منه يرغب في بيعه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 259

نعم لا بدّ في الجميع من أن يصدر بعنوان التعويض و الجزاء، و الأحوط وجوبا توقف اللزوم علي أن يقبله الواهب بالعنوان المذكور أيضا، أما إذا دفع إليه بعنوان التعويض و قبله لا بالعنوان المذكور، للغفلة عن قصد الدافع ففي الاجتزاء به في لزوم الهبة إشكال.

(مسألة 14): الأحوط وجوبا أن يكون التعويض من الموهوب، و في الاجتزاء بالتعويض من غيره- كالأب و الأخ و الأجنبي- إشكال.

(مسألة 15): إذا مات الواهب قبل الرجوع بالهبة فليس لورثته الرجوع بها.

(مسألة 16): إذا مات الموهوب قبل الرجوع بالهبة انتقلت العين الموهوبة لورثته و ليس للواهب الرجوع بها عليهم. و

كذا إذا خرجت عن ملك الموهوب ببيع أو هبة أو غيرهما فإنه ليس للواهب الرجوع عليه لا بعينها و لا ببدلها، أما إذا رجعت إليه بفسخ أو شراء أو غيرهما ففي جواز رجوع الواهب بها إشكال.

(مسألة 17): إذا كانت الهبة مشروطة بشرط وجب علي المشروط عليه القيام بالشرط ما دامت الهبة باقية لم يرجع فيها، و مع عدم قيامه بالشرط يثبت للآخر خيار تخلف الشرط حتي مع أحد الملزمات المتقدمة. أما مع قيامه بالشرط فلا يثبت الخيار المذكور، و تبقي الهبة علي الحكم المتقدم.

(مسألة 18): يكره للشخص تفضيل بعض أولاده علي بعض في العطية إذا كان معسرا، بل قيل إنه مكروه مطلقا، لكن لا إشكال في جوازه، كما يجوز له ذلك في نسائه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 261

كتاب الوقوف و الصدقات

اشارة

تشترك الصدقات جميعا في ابتنائها علي خروج المالك عن ملكه و عدم انتفاعه به، إلا أنها علي قسمين:

الأول: ما يبتني علي حبس العين من أجل استيفاء منفعتها أو نمائها تدريجا في الجهة المتصدق عليها.

الثاني: ما لا يبتني علي ذلك، بل علي مجرد خروج المال عن ملك مالكه، مع بقائه علي ما هو عليه صالحا للتصرف في الوجوه المختلفة و التنقل بينها.

و الأول هو الوقف و ما الحق به، و الثاني بقية الصدقات.

فيقع الكلام في القسمين معا في ضمن مبحثين.

المبحث الأول في الوقف و ما الحق به

اشارة

الوقف عبارة عن إخراج العين عن ملك مالكها و تحبيسها من أجل استيفاء منفعتها أو نمائها مع تسبيل تلك المنفعة أو النماء و بذلهما لجهة معينة عامة أو خاصة. و يقع الكلام فيه ضمن فصول.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 262

الفصل الأول في أقسام الوقف

الوقف علي قسمين.

القسم الأول: ما كان متقوما بحفظ عنوان خاص من دون نظر إلي موقوف عليه تعود المنفعة إليه. و هو وقف المسجد، فإنه يتقوم بعنوانه من دون نظر إلي منفعة خاصة ترجع لموقوف عليه خاص، و الانتفاع به للمصلين و نحوهم من توابع العنوان المذكور لا من مقوماته.

و الظاهر أن مثله في ذلك وقف المشاهد المشرفة التابعة للمراقد المقدسة و نحوها، فإن المنظور فيها عنوان الحرم للمرقد المذكور أو نحوه، و انتفاع الزوار و غيرهم بها من توابع ذلك لا من مقوماته. و كذا ما تعارف في بعض البلاد النائية عنها من جعل شبيه للمرقد و الحرم الخاص، أو جعل مكان منسوب للنبي أو للإمام أو الولي نحو نسبة يقصد منها تشريف المكان بنسبته له إعلاء لذكره و شدا لقلوب الناس نحوه، فإن الوقف في جميع ذلك متقوم بحفظ العنوان الخاص، و ليس انتفاع من ينتفع بالمكان إلا تابعا لذلك من دون أن يكون مقوما له. و لا تملك المنفعة في مثل ذلك، و لا تقع موردا للمعاوضة، كما لا تقع موردا للضمان بالغصب أو الاستيفاء.

(مسألة 1): إذا وقف مكان للمصلين أو الزائرين أو الداعين أو المنشغلين بالثناء علي الله تعالي، أو علي صاحب المرقد لم يكن المكان المذكور مسجدا و لا حرما و لا نحوه مما تقدم ذكره، و لا يكون الوقف المذكور من هذا القسم، بل من القسم الآتي.

(مسألة 2):

لا يصح هذا القسم من الوقف مع عدم مشروعية العنوان،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 263

لكونه شعارا مشيدا بدعوة باطلة يعلم من الشارع الأقدس عدم الرضا بتشييدها، كالأماكن المختصة بالأديان الوثنية و المنسوخة و المبتدعة التي يكون اختصاصها بتلك الأديان كاختصاص المساجد بدين الإسلام، و كالمشاهد التابعة لمراقد أهل الكفر و الضلال و البدع، و نحو ذلك.

نعم لا بأس بما كان منها يمثل حقا قد استغله أهل الضلال، كالمساجد التي يستغلها المخالفون، و المساجد التابعة للأديان المنسوخة قبل نسخها التي هي في الحقيقة مساجد تابعة للإسلام الذي هو دين الفطرة و قد استغلها المنتسبون لتلك الأديان بعد نسخها، و كالمشاهد التابعة لمراقد المؤمنين التي يستغلها أهل البدع و الضلال، فإنه يصح وقفها، و إن كان استغلالها من أهل الدعوة الباطلة غير شرعي.

القسم الثاني: ما كان مبتنيا علي وجود موقوف عليه تعود المنفعة أو الثمرة إليه، و له صور ثلاث.

الاولي: أن يبتني علي بذل المنفعة أو الثمرة لهم ليستوفوها و ينتفعوا بها بأنفسهم من دون أن يتملكوها، كوقف المدارس علي طلاب العلم، و وقف الخانات و المنازل علي الزائرين أو المسافرين أو الفقراء، و وقف كتب العلم أو الأدعية أو الزيارات علي أهل العلم أو المؤمنين أو الزائرين، و وقف الأشجار و المياه علي العابرين، و نحو ذلك.

و منه بعض أنواع الوقف الذرّي كوقف الدار علي أولاده ليسكنوها.

و وقف البستان عليهم ليأكلوا ثمرتها. و لا تصح المعاوضة في ذلك علي المنفعة أو الثمرة من قبل الموقوف عليهم و لا من قبل الولي، كما أنهما لا يكونان مضمونين علي الغير بالغصب أو الاستيفاء أو الإتلاف.

الثانية: أن يبتني علي ملكية المنفعة أو الثمرة لهم، كما لو قال:

الدار وقف علي أولادي علي أن تكون منفعتها لهم، أو: البستان وقف علي أولادي علي أن تكون ثمرتها لهم، و حينئذ يترتب أثر ملكهم لها و إن لم يقبضوها، و تجب فيها الزكاة و الخمس بشروطهما، كما يجوز لهم المعاوضة عليها بأنفسهم أو بتوسط وليّ الوقف حسب شرط الواقف. و تكون مضمونة لهم علي الغير بالغصب أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 264

الاستيفاء أو الإتلاف.

(مسألة 3): الظاهر عدم إرادة هذه الصورة إذا كان الموقوف عليه عنوانا عاما غير منحصر الأفراد عرفا كالعلماء و السادة و الفقراء و الزوار و نحوهم. و إنما يمكن إرادة هذه الصورة مع انحصار الموقوف عليهم بعدد تنقسم عليه المنفعة أو الثمرة حسب السهام التي يعينها الواقف.

الثالثة: أن يبتني علي تمليك الولي المنفعة أو الثمرة لهم بنفسها أو ببدلها، بحيث لا يتحقق الملك و لا تترتب آثاره بمجرد وجوده المنفعة أو الثمرة، بل بعد تمليك الولي و قسمته لها عليهم. و الظاهر الضمان فيها حتي بطروء سببه قبل تمليكهم، فيجب علي الولي تمليكهم البدل كما كان يجب علي تمليكهم الأصل.

(مسألة 4): لا يصح الوقف في هذا القسم بصورة الثلاث مع حرمة المنفعة المعينة في الوقف، كوقف آلات اللهو و القمار، و كذا مع حرمة الصرف المقصود منه، كالوقف علي طبع كتب الضلال و علي إعانة الداعين إليه و علي ترويج الفسق و الفجور و إعانة الظالمين و نحو ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 265

الفصل الثاني في إنشاء الوقف و شروطه

لا يتحقق الوقف إلا بإنشاء الواقف له، و ذلك بفعل ما يدل عليه بداعي جعله له و إبراز التزامه به، كما هو الحال في سائر الأمور الإنشائية من العقود و الإيقاعات.

و الإنشاء المذكور يكون

بأحد أمرين:

الأول: القول بمثل: وقفت كذا، أو حبسته و سبلته، أو نحوهما بداعي جعل ذلك، لا الإخبار عنه نظير إخبار الأجنبي.

الثاني: الفعل، كالتوقيع علي ورقة الوقفية لبيان الالتزام بمضمونها، و دفع العين الموقوفة لمن يتولي استغلالها في الجهة التي وقفت عليها، كولي الوقف أو وليّ تلك الجهة، و مثل فرش الفراش في المسجد أو المشهد أو نحوهما، أو نصب السراج فيه بداعي جعله وقفا عليه، و مثل الإذن في الانتفاع بالوقف بالوجه المناسب له و لو بمثل فتح باب المسجد ليصلي الناس فيه، إلي غير ذلك مما يصدر من الواقف بداعي جعل الوقف و بيان الالتزام به.

(مسألة 1): يكفي في إنشاء الوقف قيام وكيل الواقف به، و لا يجب مباشرة المالك له.

(مسألة 2): الوقف من الإيقاعات، لا من العقود، فلا يحتاج إلي قبول الموقوف عليهم، سواء كان وقفا عاما- كالوقف علي الفقراء أو المسجد أو المشهد- أم خاصا، كالوقف علي ذرية شخص معين. نعم لا بد مع منافاته لحق الغير من إذن من له الولاية علي ذلك الحق، فإذا أراد أن يوقف فراشا علي أن يفرش في دار زيد، أو ثلاجة علي أن تنصب في المسجد، أو مشربة علي أن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 266

توضع في الطريق بنحو قد تزاحم المارة، فاللازم إذن مالك المكان أو وليه في ذلك. لكن الإذن المذكور ليس شرطا في صحة الوقف، بل شرط في جواز العمل بمقتضاه ما دام حاصلا، فإذا ارتفع الإذن تعذر العمل بمقتضي الوقف، و قد يستتبع ذلك بطلانه.

(مسألة 3): الأحوط وجوبا اشتراط الوقف بقصد القربة، لكن الظاهر أنه يكفي و إن صدر ممن لا تصح عبادته كالكافر.

(مسألة 4): يعتبر في صحة الوقف القبض

في حياة الواقف، فإذا مات قبله لم يصح الوقف، بل تصير العين الموقوفة ميراثا، و الأحوط وجوبا كون القبض بإذن الواقف، كما أن له الرجوع في الوقف قبل القبض.

(مسألة 5): إذا نصب الواقف قيما علي الوقف- و لو كان هو الواقف نفسه- كفي قبضه، بل الأحوط وجوبا عدم الاجتزاء بقبض الموقوف عليهم حينئذ.

(مسألة 6): إذا لم ينصب الواقف قيما علي الوقف كفي قبض الطبقة الاولي من الموقوف عليهم أن قبض وكيلهم أو وليهم عنهم، فإن كانوا تحت ولاية الواقف- كأولاده الصغار- كفي قبضه عن قبضهم. و حينئذ لو لم تكن العين الموقوفة تحت يد الواقف فلا بد في صحة الوقف من قبضه لها.

(مسألة 7): في الوقف علي الجهات العامة إذا لم ينصب الواقف قيما فالأحوط وجوبا عدم صحة الوقف إلا بحصول التصرف المناسب للوقف، كالصلاة في المسجد، و الدفن في المقبرة، و السكين من المسافرين في الخان الموقوف عليهم، و الصلاة أو إقامة المآتم في الحسينية، و نحو ذلك. أما إذا لم يبتن الوقف علي تصرف مناسب في العين الموقوفة، كما لو وقف بستانه علي أن تكون ثمرته للفقراء فالأحوط وجوبا عدم صحة الوقف إلا مع الجري علي مقتضي الوقف. نعم إذا رجع عدم نصب القيم إلي كون الواقف هو القيم كفي قبضه في الجميع. و علي كل حال لا يحتاج إلي قبض الحاكم الشرعي، بل لا أثر له.

(مسألة 8): في الوقف التابع لوقف آخر يكفي عن القبض جعله علي النحو الذي وقف عليه، كالمشهد يبني تبعا للمرقد، و توسعة المسجد بما يلحق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 267

به، و بناء حائط المكان الموقوف، و نصب الباب الموقوفة له فيه، و وضع الفراش في

المسجد الموقوف عليه، و نصب السراج و المروحة الموقوفين عليه فيه، إلي غير ذلك.

(مسألة 9): في الوقف علي جماعة مخصوصين لا يكفي قبض بعضهم من الطبقة الأولي إلا في حصته من الوقف.

(مسألة 10): لا يكفي في القبض في المقام رفع الواقف يده عن العين الموقوفة و التخلية بينها و بين الموقوف عليه، كما لا يكفي فيه التسجيل الرسمي، و لا بذل الثمرة أو المنفعة للموقوف عليهم و أخذهم أو استيفاؤهم لها، بل لا بد فيه من استيلاء القابض علي العين الموقوفة خارجا، بحيث تكون في حوزته عرفا.

(مسألة 11): لا يعتبر إمكان القبض حين الوقف، و لا كون العين الموقوفة تحت سيطرة الواقف، بل يكفي تحقق القبض أو ما هو بمنزلته بعد ذلك و إن كان متعذرا حين الوقف، فيصح وقف الحيوان الشارد و العين المغصوبة و نحوهما مما لا سيطرة للواقف عليه، و الوقف علي الغائب و السجين و نحوهما ممن لا يستطيع القبض. غاية الأمر أنه لا بد من تحقق القبض في جميع ذلك و لو بعد الوقف بزمان طويل إذا بقي الواقف و لم يرجع في وقفه.

(مسألة 12): يعتبر في الوقف التأبيد، فلو وقته بمدة لم يقع وقفا، بل يحمل علي التحبيس و يصح، إلا أن يعلم إرادة الوقف فيبطل. و يجري ذلك فيما يوقف علي من يتوقع انقراضه، و أما ما يوقف علي من لا يتوقع انقراضه فاتفق انقراضه فالظاهر أنه يكون وقفا، و يرجع بعد الانقراض صدقة.

(مسألة 13): إذا وقف عينا و شرط عودها إليه عند الحاجة فالظاهر البطلان، إلا أن يرجع ذلك إلي تحبيسها ما دام مستغنيا عنها، فيصح حبسا، و إذا احتاج إليها رجعت له منفعتها، و أما العين

فهي لا تخرج عن ملكه كي تعود إليه.

(مسألة 14): يعتبر في صحة الوقف التنجيز، فيبطل لو علقه علي أمر مستقبل معلوم الحصول، كقدوم المسافر و طلوع هلال شهر خاص، و كذا إذا علقه علي أمر حالي محتمل الحصول لا تتوقف عليه صحة الوقف، كما إذا قال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 268

داري وقف إن كان هذا الجنين ذكرا. إلا إذا كان ذلك الأمر مما يتوقف عليه صحة الوقف فإن الظاهر الصحة، كما إذا قال: إن كان هذا ملكي فهو وقف.

(مسألة 15): إذا قال: هذا وقف بعد وفاتي، كان من الوقف المعلق و بطل.

إلا أن يريد بذلك أنه يوصي بأن يوقف بعد وفاته، فتنفذ من الثلث، أو بإجازة الوارث، و حينئذ يجب أن يوقف بعد وفاته عملا بالوصية.

(مسألة 16): لا يصح الوقف علي النفس مستقلا و لا منضما للغير، و لو وقف كذلك بطل في الكل. بل الظاهر عدم صحة الوقف علي الغير إذا اشترط الواقف عليه القيام بمؤنته، أو بأداء الحقوق الواجبة عليه، أو وفاء ديونه من نماء الوقف الذي يصله أو من مال آخر له. و كذا إذا جعل لمتولي الوقف سهما من وارد الوقف و كان الواقف هو المتولي له في بعض الطبقات. نعم إذا كان الجعل في مقابل عمل يقوم به المتولي في إدارة الوقف و شؤونه فلا بأس به، و إن كان الأحوط وجوبا فيه الاقتصار علي ما إذا لم يكن الجعل أكثر من قيمة العمل.

(مسألة 17): إذا وقف عينا علي أن يوفي من نمائها عنه بعد موته ما عليه من ديون الناس، أو الحقوق الشرعية، أو يؤدّي عنه العبادات الواجبة أو المستحبة فالظاهر الصحة.

(مسألة 18): لا يجوز للواقف أن

يوقف العين مع استثناء منفعة خاصة منها- محددة بزمان معين أو نوع معين- لنفسه، بحيث تبقي ملكا له غير مشمولة بالوقف.

(مسألة 19): إذا آجر المالك العين أو صالح علي منفعتها مدة معينة ثم أوقفها قبل انقضاء المدة لم تدخل المنفعة في المدة المذكورة في الوقف، أما لو فسخ الإجارة أو المصالحة بخيار أو تقايل ففي عود المنفعة إليه أو دخولها في الوقف إشكال. و لا ينافي ذلك ما سبق في كتاب الإجارة من رجوع المنفعة للبائع، للفرق بين البيع و الوقف بإمكان استثناء المنفعة في البيع دون الوقف.

(مسألة 20): إذا أراد الواقف التخلص من محذور الوقف علي النفس أمكنه تمليك العين لغيره- بهبة أو بيع أو مصالحة أو غيرها- ثم يوقفها من تملكها علي النحو الذي يريده صاحبها الأول و إن كان بنحو يقتضي انتفاعه بها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 269

و له ان يتوثق لنفسه باشتراط الوقف بالنحو المذكور في ضمن عقد التمليك، ليكون له فسخ عقد التمليك لو امتنع الطرف المذكور أن يتوقف العين أو تعذر عليه ذلك.

(مسألة 21): يجوز لمن وقف مسجدا أو حرما أو نحوهما مما لم يؤخذ فيه موقوف عليه خاص أن يصلي فيه أو يزور أو ينتفع به بالنحو الذي يجوز لسائر المسلمين. و كذا يجوز انتفاع الواقف بالعين التي أوقفها علي العناوين العامة إذا ابتني وقفها علي بذل المنفعة أو النماء للموقوف عليهم ليستوفوها بأنفسهم من دون أن يتملكوها، و هي الصورة الاولي من الصور الثلاث للقسم الثاني من قسمي الوقف المتقدمين في الفصل الأول، و لا يجوز له الانتفاع في غير ذلك، إلا في طول انتفاع الموقوف عليهم، كنزوله ضيفا عليهم، أو استعارته العين منهم.

(مسألة 22):

يتعارف عند أهل البوادي و الريف الوقف علي وجهين:

أحدهما: أن يوقفوا شاة أو بقرة مثلا لتكون (منيحة) ينتفع بصوفها و لبنها علي أن يكون الذكر المتولد منها ذبيحة يذبح و يؤكل و الأنثي المتولدة منها (منيحة) كامها، و هكذا.

ثانيهما: الوقف لأحد المعصومين صلوات اللّه عليهم أو الأولياء، فيوقفون شاة خاصة مثلا أو حصة مشاعة من غنمهم لتبقي الأنثي للاستيلاد علي النحو المتقدم و يذبح الذكر في سبيل الموقوف له، أو يباع و يصرف ثمنه في سبيله. و الظاهر الصحة في الصورتين معا.

نعم، حيث تقدم عدم صحة الوقف المعلق فلا بد من تنجيز الوقف في الصورتين، فلو علق علي شفاء مريض أو فك أسير أو ورود مسافر أو سلامة غنمهم من المرض أو نحو ذلك بطل.

كما أنه حيث تقدم لزوم خروج الواقف عن الوقف فلا بد من عدم ابتناء الوقف علي تملك الواقف بنفسه للصوف أو اللبن أو اللحم أو أثمانها، بل تكون لغيره، أو تبذل لعنوان عام يدخل فيه- كالفقراء أو الآكلين في المضيف- فينتفع بها من دون أن يتملكها علي ما تقدم في المسألة (21)، أو تكون ملكا له في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 270

مقابل خدمته للوقف و ما يبذله عليه من علف أو نحوه لو احتاج إلي ذلك علي النحو المتقدم في المسألة (16).

(مسألة 23): إذا تمّ الوقف بشروطه المتقدمة كان لازما لا يجوز للواقف الرجوع فيه، و لا للورثة رده حتي إذا وقع في مرض الموت و زاد علي الثلث.

(مسألة 24): إذا اشترط الواقف علي الموقوف عليهم شرطا، فإن رجع إلي مجرد إلزامهم به لم ينفذ و لم يجب الأمر المشروط عليهم، و إن رجع إلي تقييد دخولهم في الوقف

بقيامهم به فالظاهر نفوذه، لكن لا يجب عليهم القيام به، غاية الأمر أنه مع عدم قيامهم به يخرجون عن الوقفية. و الظاهر أن المراد بشرط الواقف مع عدم القرينة هو الثاني، و أما الأول فهو يحتاج إلي قرينة و عناية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 271

الفصل الثالث في شروط الواقف

(مسألة 1): يعتبر في الواقف أن يكون مالكا للعين الموقوفة، مختارا، نافذ التصرف فيها بالعقل و عدم الحجر لسفه أو رق أو فلس، علي التفصيل المتقدم في كتاب الحجر.

(مسألة 2): الأحوط وجوبا عدم نفوذ الوقف من الصبي قبل البلوغ حتي لو بلغ عشر سنين و كان وقفه بالمعروف. نعم إذا كان الوقف صلاحا له فأوقف بإذن وليه نفذ.

(مسألة 3): يصح الوقف من ولي الصبي إذا كان صلاحا للصبي، كما يصح الوقف من ولي المال في الوقف من سهم الإمام عليه السّلام، و من المال الزكوي، و من المال الموصي به، و نحوها.

(مسألة 4): الظاهر عدم جريان حكم الفضولي في الوقف، فلو وقف غير المالك لم ينفذ وقفه بإمضاء المالك، و لو وقف المالك مكرها لم ينفذ وقفه برضاه بعد ذلك. و كذا لو وقف و هو غير نافذ التصرف، فإنه لا ينفذ برضا وليه أو رضاه بعد نفوذ تصرفه.

(مسألة 5): لا يعتبر في الواقف الإيمان، بل و لا الإسلام، فيصح الوقف من المخالف و الكافر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 272

الفصل الرابع في شروط العين الموقوفة

يعتبر في العين الموقوفة أمور.

الأول: أن تكون عينا، فلا يصح وقف المنفعة إلا أن يرجع إلي الحبس أو العمري أو الرقبي التي يأتي الكلام فيها.

الثاني: أن تكون موجودة، فلا يصح وقف المعدوم كوقف ولد الدابة قبل وجوده. و في جواز وقف الحمل قبل ولادته إشكال. نعم يجوز وقف المعدوم تبعا للموجود، كوقف الدابة علي أن يكون نسلها وقفا مثلها.

الثالث: أن تكون شخصية، فلا يصح وقف الكلي، سواء كان دينا في ذمة الغير- كما لو كان له في ذمة شخص شاة فأوقفها قبل قبضها- أم لم يكن، كما لو قال: وقفت شاة، قاصدا تعيينها

بعد ذلك. بل لا يصح وقف الكلي في المعين، كما لو كان عنده قطيع من الغنم، فقال: وقفت شاة من هذا القطيع.

الرابع: أن تكون معينة، فلا يصح وقف المردد، كما لو قال: وقفت إحدي هاتين الشاتين.

الخامس: أن تكون لها منفعة قابلة للتحصيل مع بقاء عينها، كالشجرة ينتفع بها في الاستظلال و الثمرة، و الشاة ينتفع بها في الولد و اللبن و الصوف، و البقرة ينتفع بها في اللبن و الولد و الحرث، و الثياب ينتفع بها في اللبس، و الدار ينتفع بها في السكن، و الأرض ينتفع بها في الزرع، و الحلي ينتفع بها في التزين، و هكذا. و لا يصح وقف ما يتوقف الانتفاع به علي تلف عينه، كالطعام و الفواكه و الصابون.

(مسألة 1): الظاهر عدم جواز وقف النقود لينتفع بها في الاقتراض، أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 273

وقفها لينتفع بها في الاستثمار، لعدم بقاء عينها معه، بل لا يتحقق الانتفاع إلا باستبدالها. نعم الظاهر جواز جعلها لذلك علي أن تكون نحوا من الصدقة غير الوقف، كما في التبرع لبعض المشاريع الخيرية، فيجعل قسم من المال لصندوق خيري من أجل إقراض المؤمنين، أو يتبرع به لمؤسسة خيرية من أجل الاتجار به أو غيره من وجوه الاستثمار لصالحها، أو يعين الحيوان للذبح في مناسبة خيرية.

(مسألة 2): لا يعتبر قابلية العين للانتفاع حين الوقف، بل يكفي صلوحها له و لو بعد ذلك، فيصح وقف الحيوان الصغير الذي لا يصلح للانتفاع بالحمل أو اللبن إلا بعد زمان طويل، كما يصح وقف الأرض للزرع و إن كانت سبخة لا تصلح للزرع إلا بعد العلاج.

السادس: أن تكون المنفعة المسبلة في الوقف محللة، فلا يصح وقف آلات القمار

و اللهو المحرم، ليستعملها الموقوف عليه أو لينتفع باجرتها.

السابع: أن تكون العين مملوكة، أو متعينة لجهة خاصة كالمال الزكوي، فلا يصح وقف المباحات الأصلية، و لا وقف الحر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 274

الفصل الخامس في شروط الموقوف عليه

يعتبر في الموقوف عليه أمور.

الأول: أن يكون موجودا، فلا يصح الوقف علي المعدوم، سواء كان موجودا قبل ذلك- كما لو وقف علي زيد بعد موته- أم سيوجد، كما لو وقف علي أولاده و لم يولد له بعد، حتي لو كان له حمل لم ينفصل.

و المتيقن من ذلك ما إذا كان مفاد الوقف أمرا يتوقف علي وجود الموقوف عليه، كما لو كان مفاده التملك أو الانتفاع فعلا.

أما إذا كان مفاده مجرد صرف وارد الوقف عليه أو تمليكه له حين وجوده فالظاهر صحة الوقف، كما لو وقف الدار علي أن يجمع المتولي واردها و يدفعه لمن سيولد له، أو ينفقه عليه، أو وقفها لينفق واردها في صالح الحمل الموجود فعلا و لم ينفصل.

كما أنه لو كان مفاده التمليك في المستقبل عند وجود الموقوف عليه فالظاهر الصحة أيضا، كما لو وقف شجرا لا يثمر إلا بعد سنين علي من سيولد له، فإنه يصح و إن كان مفاد الوقف ملكية الموقوف عليه للثمر بمجرد ظهوره.

نعم لا مجال لذلك فيمن وجد سابقا و مات قبل الوقف، بل يتعين البطلان مطلقا.

و كذا لو صادف عدم وجود الموقوف عليه في المستقبل علي خلاف ما كان يتوقعه الواقف، فإنه ينكشف بطلان الوقف عليه من أول الأمر مطلقا أيضا.

(مسألة 1): في صورة بطلان الوقف علي المعدوم إذا حصل الوقف المذكور بطل الوقف بتمامه إن كان في الطبقة الاولي، و كذا إن كان في الطبقات اللاحقة إذا كان انعدام الموقوف

عليه متوقعا. نعم إذا كان انعدامه مستمرا فقد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 275

تقدم في المسألة (12) من الفصل الثاني أنه يحمل حينئذ علي التحبيس. و أما إذا لم يكن انعدامه متوقعا فالظاهر صحة الوقف، و حينئذ إن كان الانعدام مستمرا انقلبت العين الموقوفة صدقة، و إن كان مؤقتا بقيت العين وقفا، و كانت الثمرة أو المنفعة عند انعدام الموقوف عليه صدقة مطلقة و ترجع إلي الموقوف عليهم بعد عودهم.

الثاني: أن يكون معينا، فلا يصح الوقف علي المردد، كالوقف علي العلماء أو الفقراء، و الوقف علي أحد المسجدين، أو أحد الوالدين، إلا أن يرجع إلي الوقف علي أحد الأمرين علي نحو التخيير في الصرف، أو إلي الصرف علي كل منهما عند احتياجه.

الثالث: أن لا يكون الوقف عليه ليصرفه في المعصية كالزنا و شرب الخمر و ترويج الباطل و نحوها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 276

الفصل السادس في الولاية علي الوقف

(مسألة 1): للمالك جعل الولاية و القيمومة علي الوقف لنفسه و لغيره، سواء كانت الولاية في استثمار الوقف، أم في صرف نمائه، أم في عمارة العين الموقوفة و إصلاحها و حفظها. و حينئذ لا يجوز لغير الولي التصرف من دون إذنه.

(مسألة 2): يجوز جعل الولاية لأكثر من واحد بنحو التشريك أو الترتيب أو بنحو يقتضي استقلال كل واحد عند سبقه للتصرف أو عند حضوره أو غير ذلك.

(مسألة 3): لا يعتبر في الولي المجعول أن يكون عادلا.

(مسألة 4): لا تتوقف ولاية الولي المجعول من قبل الواقف علي قبوله، كما لا تبطل برده، غاية الأمر أنه لا يجب عليه العمل بمقتضي الولاية، و له التخلف عنها، فيصير الوقف كما لو لم يجعل الواقف له وليا. نعم إذا كان الوقف تحت

يده لم يجز له التفريط به، بل لا يجوز له تسليمه إلا إلي من هو مأمون عليه كالولي الذي يجعله الحاكم الشرعي، كما هو الحال في كل من يكون الوقف تحت يده، كما أنه لو رضي بالقيام بمقتضي الولاية بعد الامتناع عنه كان هو المتعين لذلك، و لا تسقط ولايته بالامتناع المذكور.

(مسألة 5): للواقف ان يجعل للولي شيئا من نماء العين الموقوفة في مقابل قيامه بمقتضي الولاية، سواء كان بقدر اجرة المثل، أم أكثر، أم أقل. و لا يجوز للولي أن يأخذ أكثر مما جعل له، كما لا يجوز له أن يأخذ شيئا لو ابتني جعله وليا علي قيامه بمقتضي الولاية مجانا. نعم له الامتناع عن القيام بمقتضي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 277

الولاية في الحالين معا، فيلحقه ما يأتي في المسألة (11).

(مسألة 6): إذا لم يجعل الواقف وليا علي الوقف ففي الوقف الخاص ترجع الولاية للموقوف عليهم، و مع تشاحهم لا بد من الرجوع للحاكم الشرعي لحل المشكلة بينهم باختيار ما هو الأوفق بنظره بمصلحة الوقف، و في الوقف العام تكون الولاية للحاكم الشرعي، فلا ينفذ التصرف مع عدم مراجعته. نعم لا يحتاج لمراجعته في الانتفاع به بمقتضي الوفقية، و في خدمته و إصلاحه فيما لا يحتمل فيه فساد من جهة ما، أما مع احتمال الفساد فلا بد من الرجوع للحاكم الشرعي.

و كذا الحال إذا تردد العمل بمقتضي الوقف بين وجهين أو أكثر، فإنه لا بد من الرجوع للحاكم الشرعي في اختيار الأوفق و الأرفق بالوقف و الموقوف عليهم، كما إذا حصل التردد في وقت فتح المسجد أو الحرم، أو في وقت الإنارة أو التبريد أو غير ذلك.

(مسألة 7): إذا لم يقم الولي

المجعول من قبل الواقف بمقتضي ولايته خيانة أو عجزا أو امتناعا، فإن كان الواقف قد عين خلفا له فهو، و إلا جري علي الوقف حكم الوقف الذي لم يعين الواقف له وليا. و لو عاد و أراد القيام بمقتضي الولاية كان له ذلك، و لم يسقط عن الولاية بقصوره أو تقصيره السابق، إلا أن تتضمن الوقفية انعزاله بذلك.

(مسألة 8): إذا كانت الولاية للموقوف عليهم فلا بد من مراعاتهم مصلحة الوقف بالإضافة إلي جميع البطون، لا بالإضافة إلي خصوص الموجودين، و ليس لهم التصرف فيه تصرفا يلزم البطون اللاحقة إلا إذا كان صلاح الوقف في ذلك، فليس لهم إجارته مثلا مدة تزيد علي أعمارهم إلا إذا كانت صلاحا للوقف، و لا يكفي كونها صلاحا للبطن الموجود.

(مسألة 9): في مورد الرجوع للحاكم الشرعي تكون للحاكم الولاية علي التصرف بنفسه أو بوكيله الذي ينعزل بعزل الحاكم أو بموته، و ليس له نصب القيم عليه بحيث لا ينعزل بعزل الحاكم و لا بموته. و كذا الحال في الموقوف عليهم إذا صارت لهم ولاية الوقف، فإن لهم جعل الوكيل عنهم في إدارة أمر

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 278

الوقف، لا نصب القيم علي الوقف.

نعم، إذا تضمنت الوقفية ولاية الموقوف عليهم أو الحاكم أو غيره علي نصب القيم كان له نصبه، فتثبت له القيمومة و لا ينعزل حينئذ بعزل من نصبه أو بموته.

(مسألة 10): للحاكم الشرعي أن يجعل للوكيل الذي يقوم مقامه في إدارة الوقف شيئا من نماء الموقف إذا كان الوقف محتاجا له و امتنع من القيام بذلك مجانا، سواء عيّن الواقف لمن يقوم بأمر الوقف شيئا أم لم يعيّن. نعم مع التعيين لا يجوز الزيادة علي ما عيّن

إلا مع انحصار الأمر بمن يطلب الزيادة. و كذا الحال في وكيل الموقوف عليهم إذا صارت الولاية لهم.

(مسألة 11): إذا عيّن الواقف وليا للوقف علي أن يقوم بإدارته مجانا و امتنع الولي المذكور من إدارته إلا بأجرة، فإن وجد الحاكم الشرعي من يقوم بإدارته مجانا كان عليه ذلك، و إن لم يجده فالأحوط وجوبا ترجيح الولي الذي عيّنه الواقف و دفع الأجرة له، إلا أن يطلب أكثر من غيره فيجب اختيار الأقل.

(مسألة 12): مع تعذر الرجوع للحاكم الشرعي يتعين الرجوع لعدول المؤمنين من أهل المعرفة مع تيسرهم، و إلا تعيّن الرجوع للأكثر اهتماما بمصلحة الوقف الأقرب إلي صلاحه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 279

الفصل السابع في أحكام الوقف

(مسألة 1): إذا تم الوقف لا يجوز للواقف و لا لغيره التبديل و التغيير عما وقع عليه في كيفية الوقف، أو في الموقوف عليه، أو في كيفية الانتفاع بالوقف.

نعم يجوز للواقف أن يشترط لنفسه أو لغيره التبديل في الموقوف عليهم بإدخال غيرهم فيهم و إخراج بعضهم منهم، أو في كيفية الانتفاع بالوقف، و حينئذ يكون العمل علي مقتضي الشرط. أما إذا اشترط حق التغيير في كيفية الوقف ففي صحة الشرط إشكال، كما إذا وقف مسجدا علي أن له أن يجعله حسينية، أو متجرا ينفق واردة في جهة عامة أو خاصة، أو بالعكس.

(مسألة 2): إذا احتاج الوقف للتعمير أو الإصلاح لأجل بقائه و الانتفاع به بالوجه الذي تضمنته الوقفية، فإن كان الواقف قد عين ما ينفق منه عليه و كان ذلك كافيا فهو، و إن لم يعين أو لم يكن ما عينه كافيا، فإن كان هناك من يتبرع بما يحتاج إليه عمر به، و إلا فإن كان الوقف من القسم الأول

من القسمين المتقدمين في الفصل الأول فلا مجال لعمارته من الوقف، و إن كان من القسم الثاني منهما فله صورتان.

الاولي: أن يفهم من الوقف أن ذكر الانتفاع الخاص بالوقف ليس لخصوصيته، بل للاهتمام بانتفاع الجهة الموقوف عليها، كما هو الظاهر في الأوقاف التي يصرف ريعها و واردها في الجهات الخاصة أو العامة، كالأولاد و العشيرة و المساجد و المدارس و طلبة العلم و الفقراء و غيرهم، و الظاهر حينئذ لزوم عمارة الوقف من واردة لتوقف انتفاع الجهة الموقوف عليها بالوقف علي العمارة المذكورة، و ذلك بإجارته مدة طويلة و إنفاق الأجرة علي عمارته، أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 280

بالاتفاق مع المستأجر علي أن يقوم بعمارته في مقابل انتفاعه به مدة طويلة، ثم يعود للجهة الموقوف عليها المعروف في عصورنا بالمساطحة، أو نحو ذلك.

و لا يضر مع ذلك حرمان الطبقات السابقة، لأن الغرض نفع العنوان دون خصوص الأفراد.

الثانية: أن لا يفهم من الوقف ذلك، بل يعلم أو يحتمل خصوصية الانتفاع الخاص، و هو انتفاع الموقوف عليهم بالوقف مباشرة، كما هو الحال في مثل وقف المدارس و الحسينيات و منازل الزوار و المسافرين و مأوي الفقراء و المنقطعين، بل لعله الظاهر في مثل وقف الدار لسكني الذرية، و وقف الشجرة لاستظلال المارة بها و أكلهم من ثمرتها، و وقف جهاز التبريد للمسجد أو الحسينية، أو نحو ذلك. و في مثل ذلك لا تجب عمارة الوقف من واردة، بل لا يجوز ما دام الوقف صالحا لأن ينتفع به في الجهة التي وقف عليها نفعا معتدا به، و إن كان قليلا نسبيا.

أما إذا تعطل الوقف في مثل ذلك أو كان نفعه قليلا غير معتد به بسبب خرابه

فيأتي الكلام فيه في المسألة (5) إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 3): إذا أمكن تبديل الوقف من حاله الذي وقف عليه إلي حال آخر- كتبديل البستان بشقق سكينة، و تبديل الدار بمحلات تجارية، و تبديل المدرسة بمستشفي، و غير ذلك- فالظاهر التفصيل في جوازه بين الصورتين المتقدمتين، فيجوز في الصورة الاولي مع كونه أنفع للموقوف عليهم أو أصلح للوقف، بل قد يجب، و لا سيما مع تعذر الانتفاع به علي الوجه الأول الذي وقف عليه لفقده للوازم ذلك، كالبستان ينقطع عنها الماء، و الدار في محلة يعرض الناس عن السكني فيها، أو لمنع السلطان، أو نحو ذلك. و إن احتاج لبذل مال حينئذ فإن عيّن له الواقف أو حصل متبرع به فذاك، و إلا أنفق عليه من ريع الوقف و واردة، نظير ما تقدم في المسألة السابقة.

و أما في الصورة الثانية فلا يجوز مع إمكان الانتفاع به علي الوجه الذي وقف عليه، و أما مع تعذره فيأتي الكلام فيه في المسألة (5) إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 4): إذا احتاج الوقف لصرف مال في عمارته أو في إدارة شؤونه،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 281

فإن كان هناك مال معيّن للصرف- من نفس الوقف أو من التبرعات أو من الحقوق الشرعية المبذولة للصرف المذكور ممن له حق البذل- فكما يجوز لمتولي الصرف الإنفاق منه بعينه- فيشتري مثلا أو يستأجر به بشخصه- يجوز له الاقتراض عليه و الإقراض بنية الرجوع عليه، و كذا إذا كان هناك منفعة أو نماء متوقع مخصصان أو مبذولان له، كعقار أو بستان موقوفين أو مبذولين له.

أما مع عدم ذلك فلا يجوز لمتولي الصرف الاقتراض علي التبرع المتوقع أو الحق المتوقع بذله للصرف المذكور

و لا الإقراض بنية الرجوع عليه. و لو اقترض كان القرض في ذمته و عليه وفاؤه من ماله.

و لو أقرض و أنفق لم يتحقق القرض، بل كان ما ينفق تبرعا منه، و لم يجز له الوفاء و لا الاستيفاء من التبرع أو الحق المبذول بعد ذلك للصرف المذكور، إلا أن يكون التبرع أو البذل لخصوص الوفاء أو الاستيفاء المذكورين، أو يعلم بعمومه له، فلا بأس بالوفاء و الاستيفاء منه حينئذ. و هذا أمر قد يغفل عنه المتولون للصرف، فاللازم التنبّه له.

(مسألة 5): قد يتعطل الوقف عن الانتفاع به بالوجه الذي تضمنته الوقفية لخراب و نحوه، و قد سبق في المسألة (2) أنه يجب عمارته من المال الذي عيّنه الواقف أو من التبرع مع وجودهما، و مع عدمهما فيجب عمارته من ريع الوقف و واردة في الصورة الاولي من الصورتين المتقدمتين دون الثانية.

و حينئذ إذا تعذر تعميره في الصورة الأولي فالظاهر بقاء العين وقفا علي الموقوف عليهم إن كان لها غلة معتد بها، و إلا فهي صدقة عليهم، و الأحوط وجوبا حينئذ استبدالها بما يدرّ عليهم علي نهج الوقف الأول. و مع تعذر شراء شي ء أو خوف الضياع عليه بوجه معتد به فالأحوط وجوبا بذله للموقوف عليهم و توزيعه علي الموجودين منهم علي نحو توزيع وارد الوقف و ريعه.

و أما في الصورة الثانية، فإن أمكن تعمير الوقف من واردة أو من غيره بنحو يحفظ به عنوانه الذي أوقف عليه و يؤدي به الغرض المطلوب منه و لو في الزمن اللاحق فالأحوط وجوبا القيام بذلك. و أما ما تقدم في المسألة (2) من عدم جواز تعميره من واردة في الصورة المذكورة فيختص بما إذا كان خرابه

منهاج الصالحين

(للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 282

بنحو لا يمنع من الانتفاع به فيما أوقف عليه. و إن تعذر ذلك فالظاهر صيرورة العين صدقة مطلقة يجوز بيعها كما يجوز إبقاؤها و الانتفاع بها و لو بعمارتها علي وجه آخر غير ما أوقفت عليه. نعم لا تتعين حينئذ للوجه الآخر، بل تبقي صدقة مطلقة يجري عليها حكم الصدقات، فيجوز الانتفاع بها بعد خراب العمارة الثانية علي وجه آخر، و هكذا مهما تعاقبت عليها العمارات.

هذا، و لا بدّ في إجراء الأحكام المذكورة من أن يقوم بذلك ولي الوقف الخاص مع وجوده، و إلا فالحاكم الشرعي، و عليه ملاحظة القرائن العامة و الخاصة في تشخيص الصورة و الوجه الذي وقع عليه الوقف. و مع اشتباه الحال فاللازم الاحتياط.

(مسألة 6): إذا خرب الوقف و تعذرت عمارته من واردة أو من غيره جاز بيع بعضه لعمارة الباقي من غير فرق بين الصورتين المتقدمتين. و ما تقدم من صيرورة العين صدقة إنما هو مع تعذر ذلك.

(مسألة 7): في حكم تعطيل الوقف لخرابه تعطيله لسبب آخر غير الخراب، كما لو تعذر السكن في الدار لمنع السلطان، أو لعدم توفّر لوازم السكن، أو غير ذلك، فيجري حينئذ التفصيل المتقدم.

(مسألة 8): قد لا يتعطل الوقف بل يبقي صالحا للانتفاع الذي تضمنته الوقفية، إلا أنه يتعذر انتفاع الموقوف عليه به و استعماله في الوجه الذي أوقف عليه. و ذلك لأحد أمور:

الأول: ارتفاع موضوعه، كما لو وقف شيئا لعمارة مسجد أو إنارته أو وقف فراشا أو أثاثا له فخرب ذلك المسجد أو هجر، و كما لو وقف مدرسة في بلد لطلاب العلم، فترك الناس طلب العلم في ذلك البلد و هاجروا منه، و كما لو وقف شيئا لمصلحة

هيئة أو جمعية معينة فانحلت تلك الهيئة أو الجمعية.

الثاني: الاستغناء عنه، كالاستغناء بالحديث عن القديم في أدوات الانارة أو التبريد أو الفرش أو الكتب أو الأبواب أو الأخشاب أو غيرها.

الثالث: تعذر استعماله لمنع سلطان أو نحوه.

الرابع: الخوف علي العين الموقوفة من التلف أو السرقة أو نحوهما بنحو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 283

خارج عن المتعارف غير متوقع حين الوقف.

و حينئذ إن كان التعذر مؤقتا أو يتوقع زواله قريبا بحيث لا يستلزم تعطيل الوقف عرفا وجب الانتظار، و حرم الانتفاع بالعين الموقوفة في غير الوجه الذي وقفت له، و إلّا فالأحوط وجوبا أنه إن أمكن الانتفاع بالعين الموقوفة مع بقاء عينها بمثل الانتفاع الذي أخذ في الوقف تعين الانتفاع المذكور بها في مثل الجهة التي وقفت لها مع حاجتها، فيستعمل ما وقف لمسجد في مسجد، و ما وقف لحسينية في حسينية، و ما وقف لمدرسة في مدرسة، و ما وقف لجماعة من طلاب العلم- كالسادة مثلا- في طلاب العلم، مع مراعاة الأقرب فالأقرب في جميع ذلك. و مع تعذر استعماله في مثل تلك الجهة أو الاستغناء عنه فيها يستعمل فيما هو الأقرب فالأقرب لها عرفا كاستعمال ما وقف للمسجد في حسينية مثلا ثم في جهة عامة قربية ثم في جهة خاصة قربية أيضا.

نعم لا يختص الوقف بما يجعل له حينئذ، بل يجوز نقله لنظيره اختيارا، فإذا جعل في مسجد مثلا جاز نقله لمسجد آخر مع حاجته، بل إذا جعل في الأبعد لفقد الأقرب ثم وجد الأقرب فالأحوط وجوبا نقله إليه مع الحاجة.

أما إذا لم يمكن الانتفاع بالعين الموقوفة مع بقاء عينها بمثل الانتفاع الذي أخذ في الوقف في مثل الجهة التي وقفت لها أو الأقرب

إليها- لعدم صلوحها للاستعمال المذكور كالأخشاب التالفة و الفرش المستهلكة، أو للاستغناء عنها في الأمثال و النظائر- فالظاهر أنها تكون صدقة يجوز بيعها و صرف ثمنها في مصرف الصدقات.

بقي في المقام أمران:

الأول: أنه يستثني من ذلك ما إذا دار الأمر بين الانتفاع بالعين الموقوفة في غير الجهة التي وقفت عليها بنحو الانتفاع بها في الجهة التي وقفت عليها و بين الانتفاع ببدلها في نفس الجهة التي وقفت عليها، كما إذا هدم المسجد و دار الأمر بين استعمال آجره و أخشاب بنائه في بناء مسجد آخر و بين بيعها و صرف ثمنها في بنائه، و كما إذا قصرت أدوات إنارته أو تبريده عن الوفاء بحاجته و دار الأمر بين الانتفاع بها في مسجد آخر و بين بيعها و صرف ثمنها في إنارة نفس

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 284

المسجد أو تبريده. فإن الظاهر هنا لزوم اختيار الثاني، لأنه الأقرب عرفا للوقف.

الثاني: أن الأحوط وجوبا مع عدم وجود ولي خاص للوقف مراجعة الحاكم الشرعي، و استئذانه في التصرف في العين الموقوفة بالوجه المتقدم عند تعذر الانتفاع بها في الوجه الذي وقفت عليه.

(مسألة 9): إذا جهل مصرف نماء الوقف، فإن أمكن الاحتياط تعيّن، فإذا تردد مثلا بين العلماء مطلقا و خصوص الفقراء منهم، صرف في الفقراء منهم، و كذا إذا تردد بين العلماء مطلقا و الفقراء مطلقا، و إن تعذر الاحتياط، فإن كانت المحتملات محصورة تعين الرجوع للقرعة، كما إذا تردد بين أحد مسجدين أو بين مساجد معينة، أو تردد بين الدفع للفقراء و الصرف لعمارة المسجد، و إن لم تكن محصورة صرف في وجوه البر، و الأحوط وجوبا اختيار ما يحتمل كونه مصرفا للوقف عند التردد

بينه و بين ما يعلم بعدم كونه مصرفا له.

(مسألة 10): إذا آجر الوليّ العين الموقوفة في الوقف التشريكي أو الترتيبي مدة معينة- كسنة مثلا- و في أثنائها مات بعض الموقوف عليهم أو تمام البطن السابق، أو ولد بعض من يشارك الموقوف عليهم لم تبطل الإجارة بالإضافة إلي حصته في تلك المدة، غاية الأمر أنه ينكشف بطلان التوزيع للأجرة، و يتعين توزيع ما يخص المدة الباقية علي النحو المناسب للموت و الولاية الحادثين. علي أنه لا يبعد أن ينصرف الوقف- تبعا للتعارف- إلي توزيع اجرة تمام السنة مثلا علي الموجودين في رأس تلك السنة.

(مسألة 11): الفسيل الخارج بعد الوقف إذا نما و استطال حتي صار نخلا مثمرا، أو قلع من موضعه و غرس في موضع آخر فنما حتي صار نخلا مثمرا لا يكون وقفا، بل هو من نماء الوقف فيجوز بيعه و صرفه في مصارف منفعة الوقف و نمائه، و كذا الحال في الولد الذي يلده الحيوان الموقوف، إلا أن ينص الواقف علي وقف النماء المذكور تبعا للأصل، فيصح كما تقدم. و كذا إذا نص واقف البستان مثلا علي أن للولي أن يغرس في البستان فسيلا و يجعله وقفا، ففعل الولي ذلك، فإنه يصير حينئذ وقفا كالنخل الذي أوقفه الواقف بوقفه للبستان.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 285

(مسألة 12): لا يجوز بيع الوقف في القسم الأول من القسمين المتقدمين في الفصل الأول مطلقا. و كذا في القسم الثاني، إلا أنه يستثني منه موردان.

الأول: ما إذا بطلت الوقفية و صارت العين صدقة خاصة أو مطلقة، لتعذر الانتفاع بالوقف علي الوجه الذي وقف عليه، علي ما تقدم مفصّلا في المسائل (5) و (6) و (7) و (8).

الثاني:

ما إذا صرح الواقف في الوقف بالإذن في بيعه عند حدوث أمر- كاختلاف الموقوف عليهم و حاجتهم- بل مطلقا علي الأظهر، و حينئذ يصرف ثمنه فيما يذكره الواقف أو يفهم منه.

و قد يدعي جواز البيع أيضا فيما إذا احتاج الموقوف عليهم و كان البيع خيرا لهم و برضاهم، و فيما إذا وقع الاختلاف بينهم. لكن الأحوط وجوبا عدمه و الاقتصار علي ما سبق.

(مسألة 13): المخطوطات الأثرية و إن كانت تبطل وقفيتها إذا سقطت عن الانتفاع و تكون صدقة مطلقة أو خاصة إلا أنّ الاحتفاظ بها في المكتبات العامة الآمنة من أوضح مصارف الصدقات فلا ينبغي تضييعها ببيع أو نحوه.

و كذا الحال في جميع الأمور الأثرية التي يعتز بها و يهتم بحفظها إذا كان في حفظها إعزاز للدين و أهله.

(مسألة 14): إذا كان مفاد الوقفية تمليك المنفعة أو النماء أو ثمنهما للموقوف عليهم، فإن كان الموقوف عليهم محصورين يمكن الوصول إليهم جميعا في العادة كان الظاهر التوزيع بينهم جميعا، و يكون بنحو التساوي ما لم ينصّ الواقف علي التفاضل، و إن لم يكونوا محصورين و لا يمكن الوصول إليهم جميعا في العادة- كالفقراء و السادة- فالظاهر التوزيع بينهم في الجملة و لا يجب الاستيعاب.

(مسألة 15): إذا كان مفاد الوقفية إن للموقوف عليهم الانتفاع بالوقف بالمباشرة- كالسكني في الدار و المدرسة، و النزول في منازل المسافرين و الزوّار، و الصلاة أو الجلوس في الحسينية، و الأكل من ثمرة الشجرة- فإن كان

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 286

هناك قرينة عامة أو خاصة علي مقدار الانتفاع المبذول في الوقف كمّا و كيفا و زمانا عمل عليها، و إلا انصرف للمقدار المتعارف من الانتفاع، و هو يختلف باختلاف الأشياء

الموقوفة، فالانتفاع في دار السكن يختلف مساحة عن الانتفاع في سكني المدرسة، و هما يختلفان عن الانتفاع في منزل المسافرين، و لا يجوز لبعض الموقوف عليهم منع الآخرين.

نعم مع ضيق الوقف عن الاستيعاب و تشاح الموقوف عليهم و عدم تضمن الوقفية الترجيح بينهم، فإن كان مفاد الوقفية ثبوت الحق للكل مطلقا تعيّن التصالح بينهم في كيفية القسمة بلحاظ الزمان- كشهر فشهر أو سنة فسنة- أو بلحاظ المقدار بانتفاع كل منهم دون المقدار المجعول في الوقف، أو غير ذلك، و مع عدم التصالح يتعين الرجوع للحاكم الشرعي لفضّ النزاع، و إن كان مفاد الوقفية ثبوت الحق للكل ما وسعهم الوقف فالترجيح للسابق، و مع عدم السبق فاللازم التصالح في كيفية القسمة أو الرجوع للحاكم، علي النهج السابق. هذا كله إذا لم تتضمن الوقفية تحكيم الولي في تعيين من له الانتفاع، و إلا كان هو المرجع مع التشاح.

(مسألة 16): إذا كان مفاد الوقفية إن للموقوف عليهم الانتفاع بالمباشرة فليس لبعضهم أخذ شي ء من المال من الباقين بدلا عن الانتفاع المذكور، ليستقلّوا بالانتفاع و لا يشاركهم فيه. نعم له أن يصالحهم علي شي ء من المال في مقابل عدم إعمال حقه، فيكون أخذ المال في مقابل ترك إعمال الحق، لا في مقابل نفس الانتفاع المستحق.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 287

الفصل الثامن فيما يثبت به الوقف

لا إشكال في أن الوقف يحتاج إلي إثبات، و أنه لا يحكم به بمجرد الاحتمال، بل يحكم بعدمه حينئذ.

كما أنه بعد ثبوته و الشك في خصوصياته- من عموم و خصوص و غيرهما- لا مجال للبناء علي خصوصية ما من دون إثبات.

و لو شك المكلف في دخوله في الموقوف عليهم أو في عموم الوقف لبعض التصرفات لم يحل

له التصرف ما لم يحرز عموم الوقف له أو للتصرف المذكور، فإذا شك مثلا في أن حوض المدرسة أو بئرها أو مرافقها وقف علي خصوص طلاب العلم أو علي كل وارد لها لم يحل لغيرهم التصرف فيها، و كذا إذا شك في أن المرافق أو الميضاة الملحقين بالمسجد وقف علي خصوص من يصلي في المسجد أو علي ما يعم غيرهم لم يحل لغير من يصلي في المسجد استعمالها، و هكذا.

(مسألة 1): تثبت الوقفية بالعلم من أيّ سبب حصل، و بالبينة، و بإخبار ذي اليد، كما تثبت بها كيفية الوقف من كونه مسجدا أو حسينية أو وقفا تشريكيا أو ترتيبيا، علي نحو تمليك المنفعة أو النماء للموقوف عليهم أو بذلهما للانتفاع بهما بالمباشرة، إلي غير ذلك من الخصوصيات.

(مسألة 2): إذا كانت العين تحت يد أكثر من واحد، فإن أخبر الكل بوقفيتها أو بكيفية وقفيتها صدّقوا و ثبتت وقفيتها، و إن أخبر بعضهم فقط، فإن كان ظاهر يدهم ملكية العين تثبت الوقفية في حصته بالنسبة و لا تثبت في حصة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 288

الآخرين، و إن لم تكن يدهم كذلك- كما لو كانوا مستأجرين للعين، أو كانت عارية في أيديهم، أو غاصبين لها، أو غير ذلك- ثبتت الوقفية في تمام العين بإخبار بعضهم بها، إلا أن يكذبه الآخرون، فلا تثبت الوقفية في شي ء منها حينئذ. و إن اتفقوا علي الوقفية و اختلفوا في كيفيتها لم تثبت إحدي الكيفيتين.

(مسألة 3): لا فرق في إخبار صاحب اليد بين أن يكون بالقول، و أن يكون بالكتابة و نحوها من طرق الإخبار. بل يكفي تصرفه في العين و معاملته لها معاملة الوقف، أو معاملة وقف خاص، كمسجد أو

حسينية أو وقف تشريكي أو ترتيبي أو غير ذلك من كيفيات الوقف. نعم لا بد من ظهور حاله في التصرف في بنائه علي ما يناسب تصرفه و جزمه به، أما لو احتمل صدور التصرف منه لمجرد الاحتياط تبعا للاحتمال فلا يترتب عليه شي ء.

(مسألة 4): إذا كانت هناك عين صالحة للوقفية قد كتب عليها أنها وقف و احتمل أنها صادقة و أن العين وقف، فالكتابة المذكورة.

تارة: لا تصدر عادة إلا ممن يضع يده علي العين، بحيث تكون العين حين الكتابة تحت يده و في سيطرته، كما هو الظاهر في الأشياء الصغيرة كالإناء و الكتاب و نحوهما، و كذا في الأشياء الكبيرة- كالدار و العقار- إذا كانت الكتابة محتاجة لعناية كالكتابة بالكاشي المثبتة في البناء و نحوها.

و اخري: لا تكون الكتابة كذلك، كالكتابة علي الدار من الخارج بالفحم.

و لا عبرة بالثانية، أما الأولي فالظاهر أنها توجب الحكم بوقفية العين المذكورة.

نعم، إذا كانت العين بيد شخص و ادعي ملكيتها، و اعتذر عن الكتابة بعذر مقبول صدّق و حكم بملكيته، و ترتبت أحكامها. و كذا إذا ادعي أنه قد اشتراه لتحقق المبرر لبيع الوقف.

(مسألة 5): إذا وجدت ورقة بخط شخص تتضمن أن العين الفلانية وقف، و كانت العين المذكورة في ملكه أو تحت ولايته بحيث له وقفها، فإن ظهر من حال الكتابة أنها صادرة بداعي الإخبار بصدور الوقفية أو بداعي إنشائها ثبتت الوقفية بذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 289

و إن لم يظهر ذلك فلا تثبت بها الوقفية، كما إذا احتمل صدورها لمجرد تعلم الإنشاء، أو لكتابة مسودة الوقفية لعرضها علي بعض الناس و استشارتهم فيها، علي أن يتم إنشاؤها بعد ذلك عند اتضاح رجحانها أو حصول بعض

التعديلات عليها.

(مسألة 6): المتّبع في تعيين نوع الوقف و كيفيته و خصوصياته ظاهر كلام الواقف المتحصل منه بعد ملاحظة القرائن العامة و الخاصة المحيطة به، و قد تعرض فقهاؤنا رضي اللّه تعالي عنهم لمفاد جملة من العبارات، و قد أعرضنا عن ذلك لأن المعيار في مفاد العبارات المذكورة في كلامهم علي ما ذكرنا، و هو أمر لا ينضبط، لعدم انضباط القرائن.

(مسألة 7): تثبت الوقفية بتصرف الناس في العين علي أنها وقف لهم، يستحقون التصرف فيه جيلا بعد جيل من دون مزاحم و مانع و معارض، كما يثبت عموم الوقفية و خصوصها و جميع خصوصياتها بذلك أيضا، فالأماكن العامة التي يتصرف الناس فيها علي أنها وقف لهم من دون مزاحم يبني علي وقفيتها بما يناسب تصرفهم، و لا يحتاج إلي مثبت آخر من بينة أو إقرار أو غيرهما. و لا ترفع اليد عن ظاهر التصرف المذكور إلا بشواهد و قرائن تكشف عن عدم وقوعه في محله.

و الحمد للّه رب العالمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 290

الفصل التاسع في الحبس و السكني و العمري و الرقبي

و هي تشترك مع الوقف في تحبيس العين من أجل استيفاء المنفعة تدريجا، إلا أنها تخالفه في عدم ابتنائها علي إخراج العين عن ملك مالكها، بل تبقي في ملكه فتكون موروثة لورثته، و ليس لمن حبست له في التصرف بها في مدة الحبس تصرف المالك بالبيع و الشراء و نحوهما.

(مسألة 1): التحبيس عبارة عن التصدق بمنفعة العين وحدها و قصرها علي شخص أو أشخاص محصورين، أو علي جهة معينة عامة يصح الوقف عليها، كالفقراء و العلماء و الحجاج و الزوار و سبيل اللّه تعالي و خدمة المسجد و غيرها.

(مسألة 2): لا بد في التحبيس من إنشاء مضمونه بما يدل

عليه من قول أو فعل، علي نحو ما تقدم في الوقف و غيره، كما إذا قال: حبّست فرسي علي زيد، أو في سبيل اللّه تعالي، أو دفع فرسه لزيد بنيّة تحبيسها عليه، أو نحو ذلك.

(مسألة 3): لا بد في لزوم التحبيس من قصد القربة و القبض، علي النهج المتقدم هناك. و في اشتراط القبول فيه إشكال.

(مسألة 4): إذا حبس المالك ملكه مدة معينة لزم في المدة المذكورة، و ليس له الرجوع عنه قبل مضيها، و إذا مات قبل مضيها فليس لوارثه الرجوع فيه، فإذا مضت المدة عادت المنفعة له أو لوارثه.

(مسألة 5): إذا أطلق المالك التحبيس و لم يوقّته بمدة معينة و كانت الجهة التي حبسه لها محدودة لا دوام لها- كشخص معين- لم ينفذ بعد موت الحابس،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 291

بل يرجع ميراثا لورثته. و الظاهر لزومه عليه في حياته، و ليس له الرجوع فيه.

نعم، له الرجوع متي شاء إن اقتصر علي بذل ملكه للمنفعة الخاصة، كما لو أسكن شخصا الدار أو أخدمه عبده أو استخدم سيارته أو دابته في نقل الحجاج أو الزوّار، من دون أن ينشئ التحبيس و يلتزم به.

(مسألة 6): إذا أطلق المالك التحبيس و لم يوقّته بمدة معينة و لم تكن الجهة التي حبسه لها محدودة، بل كان من شأنها الدوام- كالعلماء و الفقراء و خدمة المسجد- فهل يبقي التحبيس مع إطلاقه نافذا ما دامت العين باقية، و لا يظهر الفرق بينه و بين الوقف عملا إذا سقطت العين عن الانتفاع المقصود، حيث تبقي صدقة في الوقف و تبقي ملكا لمن حبّسها في التحبيس، أو يبطل التحبيس بموت الحابس كما في الصورة السابقة وجهان أقواهما الثاني. و

كذا الحال إذا صرح الحابس بالدوام و التأبيد.

(مسألة 7): من أفراد الحبس السكني و هي تختص بالمسكن، و تتضمن جعل حق السكن لشخص معيّن، و تجري فيها الأحكام المتقدمة.

(مسألة 8): إذا قيّد الحبس- في المسكن و غيره- بمدة معينة- كعشر سنين مثلا- قيل له أيضا: رقبي، و إذا قيّده بعمر الحابس أو عمر المحبّس عليه قيل له: عمري. و يختص الجميع بما إذا كان المحبّس عليه شخصا معينا، أما إذا كان عنوانا عاما فلا يطلق عليه إلا الحبس.

(مسألة 9): حيث سبق عدم خروج العين في الحبس و ما الحق به عن ملك المالك فللمالك بيع العين مسلوبة المنفعة من دون أن يبطل التحبيس أو ينافيه. أما المحبّس عليه فليس له أن يبيع المنفعة، أو يصالح عليها أو علي إسقاطها، لعدم وضوح كونه مالكا لها، بل يشكل جواز المصالحة معه علي أن لا ينتفع بالعين بنحو يكون للمصالح معه الانتفاع بها بدلا عنه، لأن الظاهر أو المتيقن أن للمحبّس عليه الانتفاع بالمباشرة، فمع عدم انتفاعه بنفسه تكون المنفعة تحت سلطان المالك المحبّس تبعا للعين التي هي ملكه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 292

المبحث الثاني في بقية الصدقات مما لا يبتني علي التحبيس

و هي علي قسمين:

القسم الأول: ما يكون صدقة بنفسه من دون أن يضاف إلي متصدّق عليه، و يكون تمليكه للمستحق أو بذله له أو تسليطه علي الانتفاع به متأخرا رتبة و زمانا عن كونه صدقة بنفسه و متفرّعا علي ذلك، لا مقوّما و مقارنا له. و منه الزكاة الواجبة التي جعلها اللّه تعالي في النصاب المملوك، و زكاة الفطرة التي جعلها في ذمة المكلف، فإنهما متعيّنان بأنفسهما، بل يمكن تعيينهما بالعزل خارجا قبل أخذ المستحق لهما، و منه الوقف إذا بطلت وقفيته

كما تقدم.

(مسألة 1): الظاهر مشروعية التصدق بالنحو المذكور، فهو نحو من الإيقاع و يكفي فيه إخراج المالك المال عنه و تعيينه في جهة قربية، نظير الوقف، و ليس الاختلاف بينهما إلا في ابتناء الوقف علي تحبيس العين لاستيفاء النماء أو المنفعة، و عدم ابتناء التصدق المذكور علي ذلك، بل علي مجرد جعل العين صدقة مطلقة أو مقيدة بمصرف خاص من دون تحبيس أو تمليك، فيخرج المال بذلك عن ملك مالكه و يتعيّن للجهة التي عيّن لها، و لا يجوز للمالك الرجوع فيه بعد تعيينه.

(مسألة 2): من الصدقة المطلقة بالمعني المذكور ما تعارف في عصورنا من عزل مقدار من المال بعنوان الخيرات التي تصلح للصرف في جميع وجوه البر.

(مسألة 3): من الصدقة المقيدة بالمعني المذكور التبرعات للجهات

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 293

الخيرية المختلفة، كالمناسبات الحسينية و نحوها مما ينسب للنبي صلّي اللّه عليه و آله و آله عليهم السّلام من إطعام أو مجالس أو مواكب عزاء أو أفراح، و كذا ما يخصص لسائر المناسبات الدينية، و كذا التبرع لصنف من المؤمنين- كالعلماء و السادة- أو لسدّ حاجة شخص معين، كبناء داره أو زواجه أو علاجه أو نحوها إذا ابتني التبرع علي تعيين المال للجهة المذكورة من دون تمليك للشخص حينه، و إلّا دخل في القسم الثاني من الصدقة. هذا كله إذا ابتني التبرع علي قطع المالك علاقته بالمال و إخراجه عن ملكه، و إلّا كان وعدا بالبذل عند الحاجة من دون أن يكون المال صدقة قبل الصرف.

(مسألة 4): من الصدقة المذكورة التبرع للصناديق الخيرية التي تعارف استحداثها في عصورنا إذا ابتنت علي قطع المتبرع علاقته بالمال، أما لو بقي المال له و كان مبني

الصندوق علي بذله للتصرف فيه بالإقراض أو المعاوضة أو نحوهما فهو خارج عن ذلك، و راجع إلي التوكيل في التصرف الخاص.

(مسألة 5): من الصدقة المذكورة التبرع للجميعات أو الجهات العامة الخيرية كالمكتبات و المستشفيات و الجامعات و نحوها، فإن الظاهر كون المال في جميع ذلك صدقة تتعيّن فيما عيّنت له.

(مسألة 6): لا بد في لزوم التصدق المذكور من قبض المال الذي تصدق به من قبل من يتولي صرف الصدقة المذكورة أو جمعها، و إذا كان هو المتصدق نفسه كفي قبضه المال بما أنه متعيّن للجهة المتصدق لها و خارج عن ملكه.

(مسألة 7): إذا كانت الصدقة المذكورة مقيدة بمصرف خاص فتعذر أو ارتفع موضوعه صرف المال في مصارف الصدقات، و الأحوط استحبابا حينئذ تحري الأقرب فالأقرب للمصرف الخاص المقيّد به التصدق. و كذا الحال لو كان التعذر و ارتفاع الموضوع من أول الأمر قبل التصدق.

(مسألة 8): إذا جعل المتصدق الصدقة للّه تعالي، من دون نظر لمصرف خاص فالأحوط وجوبا صرف المال في الفقراء و المساكين و ابن السبيل.

القسم الثاني: ما يكون صدقة بإضافته لمتصدق عليه و جعله له، نظير الهبة. و هي بالمعني المذكور واجبة في موارد كثيرة، كما في الكفارات و فدية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 294

الصيام و غيرهما مما يذكر في أبواب الفقه المتفرقة، أما في غير ذلك فهي من المستحبات المؤكدة، و قد تواتر الترغيب فيها و الحث عليها في الكتاب المجيد و أحاديث النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة من إله عليهم السلام، و قد ورد أنها جنّة من النار، و أن من ختم له بها دخل الجنة، و أنها تفك من بين لحي سبعين شيطانا، بل سبعمائة-

كلهم يأمر الإنسان أن لا يفعل، و أنها تقع في يد اللّه تعالي قبل أن تقع في يد العبد، كما قال عزّ من قائل أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ و لعلّ المراد بذلك أن اللّه تعالي يحفظها للمتصدق في خزائن رحمته مباشرة، من دون أن يتوسط في إيصالها ملك يرفعها.

كما ورد أنها دواء للمريض، و بها تدفع ميتة السوء، و الداء و الدبيلة- و هي الطاعون و خراج و دمّل يظهر في الجوف و يقتل صاحبه غالبا- و الحرق و الغرق و الهدم و الجنون. إلي أن عدّ سبعين بابا من السوء، و أن بها يؤخر الأجل، و يقتضي الدين، و هي تزيد في المال، و تخلف البركة. إلي غير ذلك مما ورد فيها و في الحث عليها.

(مسألة 9): يستحب افتتاح اليوم بالصدقة، ليدفع بها شره و نحسه، و انفتاح الليل بها، ليدفع شره و نحسه، و في الحديث: «أن صدقة الليل تطفئ غضب الرب، و تمحو الذنب العظيم و تهون الحساب، و صدقة النهار تثمر المال و تزيد في العمر». و أفضلها صدقة السر، فقد ورد أنها تطفئ غضب الرب، و صاحبها أحد السبعة الذين يظلهم اللّه تعالي في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

(مسألة 10): الظاهر صحة الصدقة المذكورة من الصبي في ماله إذا بلغ عشر سنين و وضعها في موضعها، و لا يشترط فيها إذن الولي، و ذلك من جملة المستثنيات من الحجر علي الصبي.

(مسألة 11): الصدقة بحسب الأصل من سنخ الهبة مشروطة بالقربة، فهي من العقود تفتقر إلي الإيجاب و القبول، و تقع بكل ما يدلّ علي إنشاء ذلك و الالتزام به من

قول أو فعل، نظير ما تقدم في جميع العقود، كما أنها مشروطة بالقبض كالهبة. و يلحق بها كل إحسان مالي كإبراء المديون من دينه و إعارة المتاع و بذله لمن يطلبه، و كذا بذل الطعام و الشراب و نحوهما و إن لم يكن بنحو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 295

التمليك. و لا يلزم فيها حينئذ أن تكون عقدا، بل قد تكون إيقاعا، و لا يجري عليها حكم الهبة، بل يلحق بالصدقة كل إحسان و إن لم يكن ماليا، فقد ورد أن كل معروف صدقة، و أن تنحيه الأذي عن الطريق صدقة، و أن صنائع المعروف تدفع ميتة السوء و مصارع الهوان.

(مسألة 12): يعتبر في الصدقة قصد القربة، بمعني عدم ترتب أثر خصوصية الصدقة بدونه، و إن ترتب عليها أثر الهبة حينئذ. نعم ليس كل هبة بقصد القربة صدقة، بل الصدقة هبة خاصة يعرفها المتشرعة بمرتكزاتهم.

(مسألة 13): تحلّ صدقة الهاشمي علي الهاشمي، مستحبة كانت أو واجبة، حتي الزكاة المفروضة. و لا تحلّ زكاة غير الهاشمي علي الهاشمي علي ما تقدم في كتاب الزكاة، و تحلّ غيرها من أنواع الصدقة من غير الهاشمي علي الهاشمي، واجبة كانت- كالكفارات و فدية الصيام- أو مستحبة. نعم ما يتعارف من دفع المال القليل لدفع البلاء و نحوه، مما كان فيه نحو من الذل و الهوان علي الآخذ ففي جوازه إشكال، و الأولي دفعه بعنوان الهبة و الهدية و إن كانت قربية، تجنّبا لحرمانه و هوانه.

(مسألة 14): لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض و إن كانت لأجنبي، حتي قبل التصرف المغير للعين، و بذلك تمتاز عن الهبة.

(مسألة 15): لا تجوز الصدقة التي هي من سنخ الهبة علي الغني، و

إن دفعت له بعنوان كونها صدقة لم يملكها، و لم تبرأ بها ذمة الدافع إذا كانت واجبة.

نعم يستحب التصدق علي مجهول الحال إذا سأل، احتياطا لاحتمال حاجته، و إن لم يحلّ له المال إن كان غنيا.

(مسألة 16): لا تجوز الصدقة علي الناصب، و تجوز علي غيره من المخالفين و الكفار عند ضرورتهم كسدّ جوعه و ريّ عطشه، كما تجوز الصدقة علي مجهول الحال، و لا سيما من وقعت له الرحمة في القلب، و علي المستضعفين و الضعفاء من الشيوخ و النساء و الصبيان. و الأولي الاقتصار في الصدقة عليهم علي القليل.

(مسألة 17): من تصدق بصدقة علي شخص و أوصلها له فلم يقبلها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 296

و ردّها لم يحلّ للمتصدق أكلها و إرجاعها في ماله، بل عليه أن ينفقها في وجوه البر، و تكون من القسم الأول من الصدقة.

نعم حيث تقدم هناك توقف لزوم الصدقة علي قبضها فيكفي في القبض هنا قبض الرسول الذي كلّف بإيصالها، كما يكفي قبض من تصدق عليه بها فلم يقبلها و ردّها.

(مسألة 18): التوسعة علي العيال من غير سرف أفضل من الصدقة علي غيرهم، بل يكره لصاحب المال إنفاقه في وجوه البر و المعروف بحيث يبقي هو و عياله من غير شي ء، و في بعض الروايات أنه حينئذ ممن لا يستجاب له لو دعا بالرزق.

(مسألة 19): الصدقة علي الرحم أفضل من الصدقة علي غيره. بل في بعض الروايات: لا يقبل اللّه الصدقة و ذو رحم محتاج. و أفضلها الصدقة علي الرحم الكاشح، و هو الذي يضمر لك العداوة، أو الذي يعرض عنك لعداوته، و لعل الثاني أقرب.

(مسألة 20): يستحب التوسط في إيصال الصدقة للمسكين، ففي الخبر:

«لو جري

المعروف علي ثمانين كفّا لأجروا كلهم من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئا».

(مسألة 21): تكره المسألة مع الحاجة. و يظهر من جملة من النصوص حرمة السؤال مع عدم الحاجة. بل يظهر من بعضها أنه ليس المراد بالحاجة هو الفقر الشرعي، بل الحاجة العرفية القريبة ففي الحديث: «من سأل الناس و عنده قوت ثلاثة أيام لقي اللّه يوم يلقاه و ليس علي وجهه لحم».

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 297

كتاب الوصية

اشارة

و هي عهد الإنسان في حياته بما يريده بعد وفاته، و هي من المستحبات المؤكدة، و قد ورد أنها حق علي كل مسلم، و أنه لا ينبغي أن يبيت إلا و وصيته عند رأسه. و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته و عقله» و عنهم عليه السّلام: «إن اللّه تبارك و تعالي يقول: ابن آدم تطولت عليك بثلاثة: سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما و أروك، و أوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيرا، و جعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدم خيرا». و قد تقدم في مقدمة الكلام في غسل الأموات ما ينفع في المقام.

و يقع الكلام فيها في ضمن فصول.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 298

الفصل الأول فيما تتحقق به الوصية

الوصية قسمان.

القسم الأول: الوصية التمليكية، و هي عبارة عن أن يجعل شيئا من تركته لشخص خاص أو لجهة خاصة، و هي نحو من التمليك أو التخصيص المعلق علي الموت، و يترتب مضمونها بعد الموت بلا حاجة إلي سبب لإيقاعه، كما لو قال: الشي ء الفلاني لزيد بعد وفاتي، أو للفقراء أو للمسجد. فإن الشي ء المذكور يتعين فيما عيّن له بعد الوفاة بلا حاجة إلي جعل من الوصي أو الوارث، بل ليس وظيفتهما إلا بذله لمن جعل له أو فيما جعل له، لأنه مستحق بعد الموت بالوصية نفسها.

القسم الثاني: الوصية العهدية، و هي العهد لشخصي معيّن بالولاية علي أطفاله القاصرين أو علي ما له الحق فيه من تركته لينفذ فيه عهده، و كذا العهد بالتصرف في قسم من تركته بما يريده، سواء كان التصرف المذكور خارجيا- كما لو أوصي بتكفينه بكفن

خاص قد أعدّه- أم اعتباريا، كما لو أوصي بقسم من تركته أن يعطي لزيد، أو يجعل مسجدا، أو أن يباع و يوزع ثمنه علي الفقراء، أو نحو ذلك. و التصرف الاعتباري في هذا القسم لا ينفذ بنفس الموت، بل لا بد من إيقاعه من الوصي أو غيره ممن له ذلك، و لو لم يوقعه من له إيقاعه لم يقع، غاية الأمر أن الوصي يكون عاصيا في عدم إيقاعه.

(مسألة 1): تقدم في مباحث تجهيز الميت الإشكال في نفوذ الوصية بالتجهيز، و أن اللازم معها الجمع بين إذن الولي الشرعي و الوصي. نعم إذا أعدّ الإنسان كفنه وجب تكفينه به.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 299

(مسألة 2): يكفي في تحقق الوصية كل ما دلّ عليها، من لفظ صريح أو ظاهر، أو فعل من إشارة أو كتابة أو غيرهما. و إذا وجدت كتابة بخطه تتضمن وصية، فإن ظهر منها أنها صادرة بداعي إنشاء الوصية أو الإخبار بها كفي في ثبوت الوصية، و إلا لم تثبت الوصية بها، نظير ما تقدم في الوقف.

(مسألة 3): لا يعتبر القبول من الموصي له في الوصية التمليكية.

و المشهور بطلانها مع رد الموصي له إذا كان شخصا معينا أو أشخاصا معينين، و هو لا يخلو عن إشكال، فاللازم الاحتياط، بل لا إشكال في عدم بطلانها برده لها إذا سبق منه القبول بها في حياة الموصي أو بعد وفاته.

(مسألة 4): لو أوصي له بشيئين فردّ أحدهما جري الإشكال المتقدم فيما ردّ، و صح في الآخر. و كذا الحال فيما إذا أوصي له بشي ء واحد فردّ بعضه.

(مسألة 5): إذا تضمنت الوصية العهدية أمرا متعلقا بالغير لم يجب عليه تنفيذه، سواء كان في صالح الموصي له،

كما لو أوصي بأن يعطي قسما من تركته أو يلبس ثيابه، أم لم يكن في صالحه كما لو أوصي بأن يصلي عنه أو يحج عنه.

نعم لو أوصي بأن يصلي عليه أو نحوه من واجبات التجهيز فالأحوط وجوبا قيامه به بإذن الولي، إلا أن يلزم الحرج عليه.

(مسألة 6): لا يفرق في حكم المسألة السابقة بين الوصي و غيره، و ما يأتي من أن الوصي مكلف بتنفيذ وصايا الميت إنما يراد به وجوب السعي عليه لتحصيل من يقوم بها، لا أنه ملزم بتحقيقها مطلقا و لو بمباشرته للعمل الموصي به.

(مسألة 7): قد يجب علي الغير تنفيذ ما طلبه الموصي بالمباشرة من حيثية أخري غير الوصية، كما لو صالحه في حياته علي أن يصلي عنه بعد وفاته بمال معين، أو شرط عليه ذلك في ضمن عقد لازم، أو كان المكلف قد ألزم نفسه بالعمل بتنفيذ ما طلب منه بيمين أو نحوه، لكن ذلك خارج عما نحن فيه من لزوم العمل عليه من حيثية الوصية.

(مسألة 8): إذا قال: ليصلّ زيد بمائة دينار- مثلا- لم يجب علي زيد الصلاة عنه، كما تقدم، لكن لو صلي عنه استحق المال المجعول لا من حيثية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 300

الجعالة، بل من حيثية الوصية، لأن الطلب المذكور يرجع إلي الوصية بدفع ذلك المال لزيد علي تقدير صلاته عنه كاجرة للصلاة، و حينئذ لا بد من تحقق شروط نفوذ الوصية في الوصية المذكورة، و لذا تخرج من الثلث، لا من أصل التركة كالديون.

(مسألة 9): لا يتوقف نفوذ وصاية الوصي علي قبوله. و إذا ردّ لم ينفذ ردّه و وجب عليه أن يقوم بما أوصي له إلا أن يبلغ الموصي ردّه في حال

يمكنه أن يوصي إلي غيره.

(مسألة 10): إذا ردّ الوصي و أبلغ الموصي بردّه فإن أعرض الموصي عن وصيته إليه سقطت وصايته، و إن لم يعرض أو أصرّ علي وصيته إليه فالظاهر عدم سقوط وصايته، غاية الأمر أنه لا يجب عليه القيام بالوصية و له الامتناع من ذلك، فيكون الحال كما لو تعذر علي الوصي تنفيذ الوصية، و لو رضي بعد ذلك بالقيام بالوصية كان هو المقدّم علي غيره في تنفيذها.

(مسألة 11): الظاهر ترتب الأثر المتقدم علي الرد حتي لو كان قبل الوصية، فإذا قال زيد لعمرو: لا توص إلي، أو: لا أقبل وصيتك إلي، فلم يعتن عمرو و أوصي إليه، لم يكن زيد ملزما بالقيام بالوصية من دون حاجة إلي أن يبلغه بردّه مرة أخري بعد الوصية. و أظهر من ذلك ما إذا أوصي إليه فردّ و أبلغه بالرد فلم يعتن و جدّد الوصية له.

(مسألة 12): الظاهر أن قبول الوصي للوصية لا يمنعه من ردّها فينفذ ردّه بالشرط المتقدم.

(مسألة 13): إذا طلب الوالد من ولده قبول وصيته لم يكن للولد الامتناع و الرد. أما إذا أوصي إليه من دون أن يطلب منه القبول فله الرد، علي نحو ما تقدم في غيره.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 301

الفصل الثاني في الموصي

و يعتبر فيه أمور.

الأول: البلوغ، فلا تنفذ وصية غير البالغ علي نحو وصية البالغ. نعم تصح وصية ابن عشر سنين إذا كان قد عقل و كانت وصيته في وجوه الخير و المعروف. بل الأحوط وجوبا نفوذ وصيته باليسير في وجوه الخير و المعروف إذا كان ابن سبع سنين، فعلي الورثة إنفاذ وصيته حينئذ عملا علي الاحتياط المذكور.

الثاني: العقل، فلا تصح وصية المجنون و السكران و نحوهما حال

فقدهم للعقل. نعم لا تبطل الوصية بطروء شي ء من ذلك بعدها.

(مسألة 1): في اشتراط الرشد المالي في الوصية بالمال إشكال. بل الظاهر عدم اشتراطه إذا كانت الوصية في وجوه الخير و المعروف. كما أنه لا يعتبر الرشد المالي في الوصية بغير المال.

الثالث: الاختيار، فلا تصح وصية المكره.

الرابع: الحرية، فلا تصح وصية المملوك إلا بإذن مولاه. و لو أوصي ثمّ تحرر لم تنفذ وصيته إلا أن يجيزها، فتكون الإجازة وصية مستأنفة.

الخامس: أن لا يكون قاتل نفسه، فمن أحدث في نفسه حدثا برجاء أن يترتب عليه الموت و كان عاصيا بذلك ثمّ أوصي و مات لم تنفذ وصيته في ماله.

و تنفذ فيما عدا ذلك، كما إذا لم يتعمد ما أحدثه في نفسه، أو تعمده لا برجاء الموت، أو تعمده برجاء الموت بوجه يعذر فيه و لم يكن عاصيا، كما لو توقف عليه واجب أهم، أو كان عاصيا بذلك لكنه لم يمت به، بل عوفي منه ثمّ مات

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 302

بسبب آخر، أو أوصي قبل أن يحدث في نفسه الحدث المذكور ثمّ أحدثه و مات به. نعم في نفوذ وصيته بعد الحدث المذكور في غير المال- كالولاية علي أطفاله- إشكال، فاللازم الاحتياط.

(مسألة 2): لا يعتبر في الموصي الإيمان، فتصح الوصية من المخالف و الكافر. نعم للمؤمن إلزامهما بمقتضي دينهما في حكم الوصية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 303

الفصل الثالث في الموصي له

(مسألة 1): لا تصح الوصية التمليكية و لا العهدية للمعدوم إذا استلزمت تمليكا لمعدوم، كما إذا قال: إذا متّ فداري لأولاد زيد لكلّ منهم ربع منها، أو قال: إذا متّ فأعطوا داري بعد موتي لأولاد زيد لكلّ منهم ربع منها، و كان ذلك منه بتخيّل

أو توقع أن أولاد زيد حين موته أربعة، و كانوا في الواقع ثلاثة. و تصح فيما عدا ذلك، بأن كان الموصي له معدوما حين الوصية موجودا حين موت الموصي، كما لو قال: داري لأولاد زيد الموجودين حين موتي، أو: أعطوها لهم، و لم يكن لزيد أولاد حين الوصية، و إنما وجدوا بعدها، أو كان أولاده حين الوصية ثلاثة و حين موت الموصي أربعة، فإن الدار تقسم بين الأربعة أرباعا لا بين الثلاثة الكبار أثلاثا.

و مثل ذلك ما إذا كان الموصي له معدوما حين الوصية و حين موت الموصي، إلا أنه موجود حين تحقق التمليك الموصي به، كما لو قال: ثمرة البستان الفلاني في كل عام لمن يوجد في ذلك العام من ذريتي طبقة بعد طبقة، أو: ادفعوا الثمرة المذكورة لهم، فإن الثمرة المتجددة بعد وفاة الموصي تكون لمن هو موجود في عام حصولها، و إن لم يكن موجودا حين الوصية أو حين موت الموصي.

(مسألة 2): إذا أوصي للحمل وصية تمليكية فإن سقط حيا و استهل صحت الوصية، و إلا فإن لم تحلّه الحياة بطلت، و إن حلّته الحياة و مات قبل أن يستهل ففي صحتها إشكال، و اللازم الاحتياط.

(مسألة 3): تجوز الوصية للوارث، و تستحب الوصية لغيره.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 304

(مسألة 4): تجوز الوصية للمخالف و الكافر ذميا كان أو حربيا، إلا أن يكون في الوصية ترويج للباطل و تشجيع عليه، فتبطل.

(مسألة 5): لا تصح الوصية لمملوك غير الموصي، إلا أن يكون قد أعتق منه شي ء فتصح الوصية بنسبة ما أعتق منه، فإن كان هو الربع مثلا صحت الوصية في ربعها، و هكذا.

(مسألة 6): تصح الوصية لمملوك الموصي علي تفصيل غير مهم

بعد قلّة الابتلاء بالمسألة أو عدمه.

(مسألة 7): إذا مات الموصي له قبل الموصي، فإن رجع الموصي عن وصيته سقطت الوصية، و لو لم يرجع- و لو للجهل بموته- انتقل المال الموصي به لوارثه. و لا أثر لرد الوارث حينئذ، بل هو يملك قهرا علي نحو ملكه للميراث.

(مسألة 8): استحقاق وارث الموصي له للوصية علي نحو استحقاقه لميراثه منه، فيقسم بين الورثة علي نحو قسمة الميراث، و لا ترث الزوجة منه إن كان أرضا، و توفي منه ديون الموصي له للميت، و تنفذ منه وصاياه، و غير ذلك.

(مسألة 9): لا فرق في ذلك بين الوصية التمليكية- كما لو قال: هذا لزيد بعد وفاتي- و الوصية العهدية، كما لو قال: أعطوا هذا لزيد بعد وفاتي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 305

الفصل الرابع في الوصي

و هو الذي يجعله الموصي متوليا لتنفيذ وصاياه، سواء كان واحدا أم متعددا. و يعتبر فيه أمور.

الأول: البلوغ، فلا تصح الوصية إلي الصبي منفردا، و لا منضما للغير، إذا أريد بها تصرفه حال صباه. أما إذا أريد تصرفه بعد البلوغ فالظاهر صحتها. كما أنه مع إطلاق الوصية له تصح، لكن ليس له التصرف قبل البلوغ.

نعم، التصرفات الفورية- كقضاء الدين و قسمة المال علي الورثة، و دفع الغائلة عن المال لو تعرض للخطر- يقوم بها غيره من الأوصياء لو كان، و مع عدمه يقوم بها غير الوصي، كما لو لم يكن للميت وصي، أو كان و فقد، أو تعذرت مراجعته علي ما يأتي.

(مسألة 1): إذا أوصي إلي الصبي و البالغ، فإن نصّ علي عدم التصرف إلا بعد بلوغ الصبي وجب الانتظار، و إن أطلق استقل البالغ بالتصرف، و لا ينتظر بلوغ الصبي، فإن بلغ الصبي لم

يكن له الاعتراض و التبديل فيما أمضاه البالغ، إلا أن يكون البالغ قد خالف وصية الميت، فإنه يرده إلي ما أوصي به.

(مسألة 2): إذا أوصي إلي الصبي و البالغ فمات الصبي قبل البلوغ أو بلغ مجنونا، أو نحو ذلك مما يتعذر معه قيامه بالوصية، فإن نص علي عدم التصرف إلا بعد بلوغ الصبي جري ما يأتي في حكم تعذر قيام أحد الوصيين بالوصية، و إلا استقل البالغ بالتصرف كما يستقل به قبل بلوغ الصبي علي ما تقدم.

الثاني: العقل، فلا تصح الوصية للمجنون، علي النحو المتقدم في الصبي.

(مسألة 3): إذا أوصي إلي عاقل فجنّ، فإن ظهر من الموصي الإعراض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 306

عن الوصية إليه بطلت وصايته، و لم تعد لو عاد إليه عقله، و إلا بقيت وصايته و عمل عليها لو عاد إليه عقله. و أظهر من ذلك ما لو صرح الموصي ببقائه علي الوصاية إذا عاد إليه عقله.

الثالث: الحرية، فلا تصح الوصية للمملوك إلا بإذن سيده، و إذا أذن كان له الرجوع عن إذنه ما دام الموصي حيا. و الأحوط وجوبا الاقتصار في ذلك علي ما إذا أبلغ الموصي برجوعه في حال يسعه نصب غيره.

(مسألة 4): المشهور اشتراط الإسلام في الوصي إذا كان الموصي مسلما.

و لا يخلو عن إشكال، خصوصا إذا كانت متمحضة في الماليات الراجعة إليه، و لم تتضمن ولاية علي مسلم و لا علي ماله، بل الظاهر حينئذ صحتها.

(مسألة 5): لا تشترط العدالة في الوصي، بل و لا الوثوق، إلا إذا تضمنت الوصية الولاية علي الأطفال، فإنه لا يجوز للموصي جعلها لمن لا يثق به في مراعاة صلاحهم، و لو فعل كان خارجا عن مقتضي الولاية عليهم، فلا تصح

وصيته له، و يكون كما لو لم يوصّ بهم. أما إذا أوصي لمن يثق به فإنّ وصيته تنفذ، و لا ينعزل إلا بظهور تفريطه، علي ما يأتي في حكم تقصير الوصي.

(مسألة 6): تجوز الوصاية للمرأة علي كراهية.

(مسألة 7): يجوز للموصي أن يوصي إلي أكثر من واحد بنحو التشريك- بحيث لا ينفذ التصرف إلا باجتماعهم- أو بنحو الترتيب، أو بنحو يقتضي استقلال كل واحد عند سبقه للتصرف، أو عند حضوره، أو غير ذلك، أو بنحو يقتضي استقلال كل واحد في جهة خاصة أو قسم خاص من التركة. و المتبع في جميع ذلك تصريح الموصي أو ظهور كلامه، و لو بضميمة القرائن الحالية أو المقالية.

(مسألة 8): إذا أوصي لأكثر من واحد بنحو التشريك فسقط أحدهم عن مقام الولاية بموت أو مرض أو عجز أو غيرها، فإن استفيد من الوصية له مجرد تشريفه و تكريمه استقل الباقون بالولاية، و إن استفيد منها الاهتمام بإعمال نظره توثقا من الوصي لحسن التصرف و عدم اكتفائه برأي الوصي الآخر فالأحوط وجوبا الرجوع للحاكم الشرعي لتعيين من يقوم مقامه في ذلك. و كذا الحال لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 307

تردد الأمر بين الوجهين.

(مسألة 9): إذا أوصي لأكثر من واحد بنحو التشريك فتشاحّ الأوصياء لاختلاف نظرهم، فإن كان هناك شي ء يجتمعون علي صحته تعيّن، كما لو اختيار بعضهم إنفاق المال في وجوه البرّ علي الإطلاق و اختار الآخر إنفاقه علي خصوص الفقراء، و إن لم يكن هناك شي ء يجتمعون علي صحته- كما لو اختار بعضهم اتفاق المال علي الفقراء و اختار الآخر إنفاقه علي مجالس سيد الشهداء عليه السّلام- فالأحوط وجوبا الرجوع للحاكم الشرعي. و الأحوط وجوبا للحاكم- حينئذ- محاولة إقناع

الأطراف علي ما يجتمعون عليه، و مع تعذر ذلك يكون التصرف له، و لا يخرج عن أحد الوجوه التي اختلف الأوصياء فيها، فإن اتّضح له أولوية بعضها عمل عليه، و إلا فالأحوط وجوبا له الرجوع للقرعة في تعيين ما يعمل عليه منها.

(مسألة 10): إذا سقط الوصي عن مقام الولاية بموت أو عجز أو نحوهما فالأحوط وجوبا الاشتراك بين الورثة القابلين للولاية و الحاكم الشرعي في تنفيذ الوصية. و لا يشرع- حينئذ- نصب وصي يستقل بالتصرف نظير الوصي الذي عينه الموصي، بل لا بد من كون المتصرف وكيلا عنهم.

(مسألة 11): إذا قصّر الوصي في تنفيذ الوصية كان لكل أحد ردعه و خصوصا الورثة، فإن لم يرتدع أو تشاح مع الورثة كان لهم بالاشتراك مع الحاكم الشرعي الإشراف عليه، و مع تعذر إلزامه بتنفيذ الوصية فالحكم كما في المسألة السابقة.

(مسألة 12): الوصي أمين لا يضمن إلا بأمرين:

الأول: التعدي عما يجب عليه و الخروج عنه، سواء كان ذلك بالخروج عما اوصي إليه و تبديله- كما لو اوصي بالحج بالمال ففرقه في الفقراء- أم بالخروج عما يجب عليه بعد تعذر ما اوصي به- كما إذا نسي الوصي الأمر الذي عينه الموصي- فإنه يتعيّن عليه إنفاقه في وجوه البر- كما يأتي إن شاء اللّه تعالي- فإذا أنفقه في غيرها كان ضامنا.

الثاني: التفريط، سواء كان في الوصية- كما إذا أخر تنفيذها فتلف المال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 308

- أم في المال نفسه، كما إذا قصّر في حفظه فسرق.

(مسألة 13): إذا عيّن الموصي للوصي عملا خاصا وجب الاقتصار عليه، و إن أطلق فإن كان هناك انصراف إلي شي ء معين بسبب عرف أو عادة تعين، و إلا كان التصرف موكولا لنظر

الوصي، و كان عليه اختيار ما فيه صلاح الميت، و مع تعدد وجوه الصلاح يختار ما هو الأصلح له مع تيسر فعله بالنحو المتعارف، و ذلك يختلف باختلاف الأموات و الأوقات. نعم لا إشكال في تقديم الواجبات التي انشغلت بها ذمة الميت علي غيرها من وجوه البر.

(مسألة 14): إذا قيّد الوصاية بجهة معينة اقتصر الوصي عليها، و إن أطلق- كما لو اقتصر علي قوله: فلان وصيي- كان ظاهره في عرفنا قيام الوصي بإخراج الثلث، و صرفه في مصلحة الموصي، و أداء الحقوق التي عليه، و الأمانات المودعة عنده، و نحو ذلك. و في شموله للقيمومة علي القاصرين من أولاده إشكال، و الأحوط وجوبا لمن يدير شؤونهم الاستئذان منه.

(مسألة 15): لا يجوز للوصي تفويض الوصاية إلي غيره، بأن ينعزل هو عن الوصاية و يكون ذلك الغير هو الوصي مستقلا بالسلطنة، حتي لو كان ذلك الغير أعرف منه بنظره.

نعم له تفويض الأمر في الوصية إلي الغير ممن يراه مثله أو أعرف منه في تنفيذها أو تنفيذ بعض فقراتها، لكن مع بقائه هو علي الوصاية، و يكون ذلك الغير وكيلا عنه في إنفاذ الوصية مستمدا سلطنته من سلطنته.

و يترتب علي ذلك أن تسقط سلطنة المفوّض المذكور بموت الوصي أو نحوه مما يوجب بطلان توكيله، و حينئذ يجري ما تقدم في المسألة (10) من حكم موت الوصي.

نعم، إذا كان مراد الموصي من إيكال الأمر للوصي ليس خصوص تنفيذه، بل ما يعم تعيين من يتولي تنفيذه لم تسقط سلطنة الشخص المذكور بموت الوصي، لأنه ليس وكيلا محضا، بل متوليا من قبل الموصي بتوسط جعل الوصي.

و قد يفهم ذلك من الوصي بقرائن الأحوال، كما لعله كذلك في عصورنا حيث يتعارف عدم

معرفة الوصي بمواقع الصرف و عدم توليه ذلك بنفسه، بل يتعارف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 309

إيكاله لمن يثق به من أهل العلم و المعرفة، فيكون قد أدي وظيفته بذلك و حمّل الشخص الموكل إليه المسؤولية، فإن التعارف المذكور قد يكون قرينة علي عموم وصايته للتفويض بالنحو المذكور.

و كذا الحال إذا توفي الشخص الذي يوكل إليه الأمر، فإنه لو كان وكيلا محضا علي تفريغ ذمة الميت لزم بطلان وكالته بموته، فيلزم مراجعة دافع المال له، وصيا كان عن الميت أو متبرعا بتفريغ ذمته أو بدفع الخيرات عنه، إلا أن يفهم من دفع المال له تفويض الأمر إليه، بحيث له أن يوصي بتنفيذ ما كلّف به، كما لعله كذلك في عصورنا، حيث تعارف تكدس الأموال عند مراجع الدين و نحوهم ممن يتصدي للأمور العامة من أهل العلم، و بنحو يتوقع موتهم قبل تهيؤ صرف الأموال في مصارفها، مع بناء الدافع علي قطع علاقته بالمال عند دفعه، فإن ذلك قد يكون قرينة عامة علي عموم التفويض للإيصاء بالمال، و إن كان الأمر لا يخلو بعد عن الإشكال، فاللازم الاحتياط مهما أمكن.

(مسألة 16): تعارف في عصورنا أن يجعل الموصي ناظرا علي الوصي، فإن رجع ذلك إلي الوصية إليهما معا بحيث يوكل إليهما معا أمر تنفيذ الوصية مع تقديم أحدهما علي الآخر عند الاختلاف فالظاهر نفوذه، و إن رجع إلي قصر الوصاية علي أحدهما بحيث يكون هو المتولي لتنفيذ الوصية، و ليس للآخر إلا إعمال نظره ففي نفوذه إشكال، بل منع. نعم يمكن للموصي تكليف الوصي باستشارة شخص ما و العمل برأيه في تنفيذ الوصية، لكن لا يجب علي الشخص المذكور إبداء نظره حينئذ.

هذا، و لو مات المستشار

في هذا الفرض أو تعذر الرجوع إليه فإن استفيد من الأمر باستشارته مجرد الاهتمام بتكريمه استقل الوصي بالوصية، و إن استفيد منه الاهتمام برأيه توثقا لحسن التصرف و عدم الاكتفاء برأي الوصي فالأحوط وجوبا مراجعة الحاكم الشرعي، لتعيين من يقوم مقامه في ذلك، و كذا الحال مع التردد بين الوجهين. و يجري ذلك في صورة اشراكه في الوصية، علي ما يظهر مما تقدم في المسألة (8).

(مسألة 17): إذا تضمنت الوصية أن للوصي أخذ أجرة المثل في مقابل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 310

قيامه بتنفيذ الوصية فذاك، أما إذا ابتنت علي المجانية، أو تضمنت تعيين ما دون اجرة المثل فلذلك صورتان.

الاولي: أن لا يكون ذلك مجحفا بالوصي، لعدم كون تنفيذ الوصية مقابلا بالمال، أو كان مقابلا بمال لا يكون عدم أخذه مجحفا به، و حينئذ يجب علي الوصي تنفيذ الوصية مجانا.

الثانية: أن يكون ذلك مجحفا بالوصي و منشأ للحرج المعتد به عليه، لكثرة المال بنحو معتد به، أو لكون الوصي محتاجا للتفرغ لسدّ حاجاته المعاشية.

و حينئذ إن كان قد قبل بالوصية ملتفتا لذلك مقدما عليه كان عليه تنفيذ الوصية مجانا أيضا، و إن لم يكن قد قبل بالوصية أو كان قد قبل بها بتخيل عدم لزوم الإجحاف و الحرج منها كان له الامتناع عن تنفيذ الوصية، و حينئذ فالأحوط وجوبا الرجوع للورثة و الحاكم الشرعي معا من أجل تنفيذ الوصية، فإن وسعهم تنفيذها مجانا أو بأجرة دون اجرة المثل فذاك، و إلا كان عليهم بذل اجرة المثل للوصي، فيجب علي الوصي حينئذ تنفيذ الوصية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 311

الفصل الخامس في الموصي به

تقدم في الفصل الأول أن الوصية تمليكية و عهدية. و الموصي به في الوصية

التمليكية هو كل مال له نفع محلل معتد به، سواء كان عينا موجودة أو معدومة متوقعة الحصول- كحمل الدابة و ثمرة الشجرة- أم كان منفعة لعين موجودة أو معدومة متوقعة الوجود، أم كان حقا من الحقوق القابلة للنقل، كحق التحجير، دون ما لا يقبله، كحق الشفعة.

أما في الوصية العهدية فالموصي به في التركة كل تصرف محلل، سواء كان خارجيا- كما لو أوصي بعلف حمام الحرم من حبّ مملوك له- أم اعتباريا، كما لو أوصي بالصدقة بماله، أو باستئجار من يصلي عنه أو يحج عنه، أو غير ذلك من التصرفات الصحيحة شرعا. أما في غير التركة فقد سبق في أوائل الفصل الأول صحة الوصية بالولاية علي أطفاله القاصرين، و الإشكال في صحة الوصية بتجهيزه.

(مسألة 1): يصح لكل من الأب و الجد للأب الوصية بالولاية علي أولاده القاصرين، و لا يصح من غيرهم الوصية بها.

(مسألة 2): لا يصح لكل من الأب و الجد الوصية بالولاية علي القاصرين مع وجود الآخر بنحو يساويه في الولاية و يزاحمه فيها. أما مع عدم المزاحمة كما لو أوصاه بالولاية عليهم علي تقدير عجز الآخر أو موته فالظاهر جوازه، خصوصا إذا كانت من الأب، و كذا إذا كانت الوصية من أحدهما حال عجز الآخر، لغيبة أو مرض أو نحوهما. و قد تقدم في كتاب البيع ما ينفع في المقام.

(مسألة 3): لا تجوز و لا تنفذ الوصية بما تكون منفعته المقصودة منه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 312

نوعا محرمة، كالخمر و نحوها، و كذا إذا لزم منها الحرام، كترويج الباطل و التشجيع علي المنكر.

نعم، لا بأس بالوصية بالخمر القابلة للتخليل، و التي لها منفعة مقصودة نوعا غير الشرب محللة، و كذا الحال

في غيرها من المحرمات. و لا فرق في جميع ذلك بين الوصية التمليكية و العهدية.

(مسألة 4): ما كان المقصود منه نوعا محرما بهيئته، كآلات القمار و الموسيقي و هياكل العبادة المبتدعة، إذا كان لمادته منفعة مقصودة محللة تجوز الوصية به بلحاظ مادته، لكنها لا تقتضي احترام هيئته فيجوز تغييرها، بل قد يجب.

(مسألة 5): لا تصح الوصية بالمعصية، كترويج الباطل و معونة الظالمين و مجالس الغناء و غير ذلك.

(مسألة 6): ليس للميت من تركته إلا الثلث، فله أن يوصي فيه بما شاء، وصية تمليكية أو عهدية. و الأفضل الاقتصار علي الربع، و أفضل منه الاقتصار علي الخمس.

(مسألة 7): إذا لم يكن للميت وارث من طبقات الميراث غير الإمام فأوصي بماله كله في وجوه الخير نفذ في الثلث، و الأحوط وجوبا في الثلثين الباقيين الجمع في مصرفهما بين ما أوصي به و مصرف ميراث من لا وارث له.

(مسألة 8): لا فرق في نفوذ الوصية من الثلث بين الوصية بحصة مشاعة من التركة و الوصية بعين خاصة، كالدار و الفرس، و الوصية بكلي كمائة دينار.

(مسألة 9): لا يعتبر في نفوذ الوصية قصد الموصي أنها من الثلث الذي له الوصية به، فإذا غفل عن الثلث، أو جهل نفوذ الوصية فيه دون غيره فأوصي بشي ء فصادف عدم تجاوزه الثلث نفذت الوصية به.

(مسألة 10): المعيار في الثلث علي الثلث حين وفاة الموصي، فإذا أوصي بشي ء زائد علي الثلث حين الوصية نفذ إذا صار ذلك الشي ء حين الموت بقدر الثلث أو دونه، إما لنزول قيمته، أو لارتفاع قيمة بقية أموال الموصي، أو لزيادة أمواله. و إذا أوصي بشي ء لا يزيد علي الثلث حين الوصية إلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 313

أنه

تجاوزه حين الموت لارتفاع سعره مثلا لم تنفذ الوصية في الزائد علي الثلث.

(مسألة 11): إذا تجدد بعد الموت مال تابع لعمل الميت لحقه حكم مال الميت، فتنفذ الوصية من ثلث المجموع، كما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته، أو فتح طريقا للماء ليحوزه فصار الماء في حوزته بعد موته، فإن الصيد و الماء المذكورين يكونان بحكم ماله.

(مسألة 12): إذا قتل الموصي خطأ كانت ديته بحكم ماله، فتنفذ الوصية من ثلث المجموع، و كذا إذا قتل عمدا فصالح أولياؤه علي الدية. و أما ديات الجروح و نحوها، فإن كانت قبل موته كانت له في حياته كسائر تركته، و إن كانت بعد موته فليست بحكم ماله في الميراث و نحوه، بل تنفق عنه في وجوه البر، و توفي منها ديونه لأنه أفضل البر له، و لا تخرج منها وصاياه إلا أن تكون من وجوه البر فيجوز إنفاذها منه، بل هو الأحوط وجوبا.

(مسألة 13): إنما يحسب الثلث بعد استثناء ما يخرج من أصل التركة، من مؤن التجهيز الواجب- علي التفصيل المذكور في محله- و الديون المالية، و ما الحق بها.

(مسألة 14): إذا كان علي الموصي دين فأبرأه الدائن بعد وفاته، أو تبرع شخص بأدائه لم يكن مستثني من التركة و كان بمنزلة عدمه، و كذا إذا تبرع متبرع بمؤن التجهيز.

(مسألة 15): إذا كان بعض التركة ضائعا أو مغصوبا أو نحو ذلك مما لا يسلم للوارث كان المدار في الثلث علي الباقي، لا بمعني عدم تعلق الوصية بما لا يسلم للوارث، بل بمعني عدم تنفيذ الوصية فعلا إلا في ثلث ما يسلم للوارث، فإذا كانت التركة بمجموعها عشرة آلاف دينار- مثلا- قد غصب منها أربعة آلاف و

كان قد أوصي بما يساوي ثلاثة آلاف دينار وجب تنفيذ الوصية فعلا في ألفي دينار، و بقي ألف منها معلقة في المغصوب، فإذا استوفي الورثة بعد ذلك ثلاثة آلاف من المغصوب وجب تنفيذ الوصية في ألف منها.

(مسألة 16): إذا سلمت التركة للوارث بحيث صارت في قبضته، ثم طرأ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 314

عليها قبل القسمة و تنفيذ الوصية تلف أو سرقة أو نحوهما، فإن كانت الوصية في عين خارجية شخصية لا تزيد علي ثلث المجموع فالتلف يختص بمورده، فإن كان مورده العين المذكورة لم يلحق الميراث نقص، و إن كان مورده غيرها لم يلحق الوصية نقص، بل تنفذ في تمام العين، و إن كانت الوصية في حصة مشاعة- كالثلث و الربع- نقص من الوصية بنسبة التالف للتركة، فإن كان التالف ربع التركة نقص من الوصية الربع، و إن كان نصف التركة نقص من الوصية النصف، و هكذا. نعم إذا كان التالف مضمونا كان الضمان مشتركا بين الوصية و حصة الورثة. و إن كان الوارث مفرطا في عدم تنفيذ الوصية كان ضامنا للتلف الوارد عليها.

و هكذا الحال إذا كانت الوصية كليا في التركة- كألف دينار- و هي لا تزيد علي الثلث، فإنها و إن نفذت بموت الوصي إلا أن النقص يلحقها كما يلحق حصة الوارث، و يتعلق بالتالف، فإن كان التالف مضمونا لحق الوصية نصيبها من الضمان.

(مسألة 17): إذا أوصي بثلث ماله أو ربعه أو نصفه أو نحوها فالظاهر منه إرادة التركة التي تنفذ منها الوصية، و هي التي سبق تحديدها، إلا أن تقوم القرينة علي إرادة معني آخر، كالمال الموجود حال الوصية، أو النقود، أو ما يقابل الدين الذي له علي الناس، أو

مجموع التركة من غير إخراج المستثنيات المتقدمة، أو غير ذلك، و حينئذ لا تنفذ الوصية المذكورة إلا في مقدار ثلث التركة بالمعني الذي سبق تحديده.

(مسألة 18): الواجبات المالية التي تخرج من الأصل هي الأموال التي اشتغلت بها الذمة، كالمال المقترض، و المبيع الذي باعه سلفا، و ثمن ما اشتراه نسيئة، و عوض المضمونات، و أروش الجنايات، و العمل الذي اشتغلت به ذمته بإجارة أو نحوها، و الشرط الذي جعل عليه في ضمن العقد إذا لم تعتبر فيه مباشرته بنفسه.

(مسألة 19): من جملة الواجبات المالية الحقوق الشرعية التي في ذمته، كالزكاة و الخمس، إلا أن الظاهر عدم وجوب أداء الخمس من تركته إذا لم يكن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 315

بانيا علي أدائه، سواء كان متعلقا بعين التركة، أم لم يكن بل انشغلت ذمته به.

نعم، يبقي مطالبا به في الآخرة، فإذا أراد الوارث تفريغ ذمته و تفريج كربته و التخفيف عنه أدّاه. كما أنه إذا كان قد أوصي بمال يصرف في مصالحه علي نحو الإطلاق كان إخراج الخمس من أظهر مصاديق ذلك.

أما إذا كان بانيا علي أدائه فالأحوط وجوبا إخراجه من أصل التركة، علي ما تقدم في كتاب الخمس. و حينئذ يلزم مراعاة الاحتياط في حق القاصرين، فيخرج الخمس من غير حصتهم. نعم لو تسامح الوارث في أداء الخمس حينئذ جاز لغيره التصرف بإذنه في عين التركة التي ورثها. و الأحوط وجوبا ضمان الوارث للخمس حينئذ.

(مسألة 20): من جملة الواجبات المالية الديون التي لا يعلم صاحبها و لا يقدر عليه. و قيل: يجب التصدق بمقدار تلك الديون عن صاحبها، و هو المعروف في عصورنا برد المظالم، و يترتب علي ذلك لزوم إخراجه بعد وفاة المدين

من أصل التركة و التصدق به. لكن الظاهر عدم وجوب التصدق به علي المدين، و لا علي وارثه، و لا يجزي ذلك في وفاء الدين. بل يكفي المدين و وارثه أن يعلم اللّه تعالي منهما نية الوفاء لو قدر عليه، من دون أن يمنع الوارث من التصرف في التركة، كما لا يمنع من تنفيذ الوصية منه. نعم يحسن الاحتياط بالتصدق المذكور لاحتمال تفريغ الذمة به من أموال الورثة أو من الثلث مع إطلاق مصرفه، فينوي به التصدق عمن انشغلت ذمة الميت له إن كان مجزيا في تفريغ ذمة الميت من الدين و إلّا فعن الميت نفسه برّا به.

(مسألة 21): يجب التصدق في كثير من الموارد، كفدية إفطار شهر رمضان، و جملة من كفارات الإحرام، و غيرها. و في كونها من الواجبات المالية التي تخرج من أصل التركة إشكال، و الأظهر العدم. و أظهر منها في ذلك الكفارات المخيرة بين الصدقة و غيرها كالعتق و الصيام.

(مسألة 22): في كون النذور التي لم تؤخذ فيها المباشرة من الواجبات المالية التي تخرج من أصل التركة إشكال، و الأظهر العدم. و أما بقية الواجبات التي تنشغل بها ذمة الميت و يشرع أداؤها عنه- كالصلاة و الصيام- فالظاهر عدم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 316

إخراجها من الأصل، عدا حجة الإسلام فإنها من الواجبات المالية التي تخرج من أصل التركة، بل هي مقدمة علي بقية الديون التي للّه تعالي- كالزكاة- و التي للناس، إلا أن يوصي بإخراجها من الثلث فتخرج منه حينئذ.

(مسألة 23): إذا طرأ علي شي ء من التركة تلف أو سرقة أو نحوهما لم يدخل النقص علي الواجبات المالية، بل يجب قضاؤها من الباقي، و يقع النقص علي الوصية

و الميراث.

(مسألة 24): إذا امتنع بعض الورثة من وفاء الواجبات المالية- عصيانا أو لعدم ثبوت الدين عنده- وجب علي الباقين وفاؤها و لا يجوز لهم التصرف في حصتهم قبل ذلك. و حينئذ إن كان للميت وصي و أمكن استئذانه في الوفاء تعيّن استئذانه، ليستحق بذلك المؤدي للدين الرجوع علي من لم يؤده من تمام التركة، و لا يستحق الرجوع عليه مع عدم استئذانه، و إن لم يكن للميت وصي أو لم يمكن استئذانه كان له الاستقلال بالوفاء، و يستحق الرجوع علي الورثة في بقية التركة، إلا أن يؤديه بنيّة التبرع فلا يستحق حينئذ.

(مسألة 25): إذا أوصي بأكثر من الثلث- بالمعني المتقدم- نفذت الوصية في الثلث، و توقف نفوذها في الزائد علي إجازة الوارث في حياة الموصي أو بعد وفاته. و إذا أجاز بعضهم دون بعض نفذت الوصية في حصة المجيز خاصة، كما أنهم إذا أجازوا بعض الوصية دون بعض نفذ ما أجازوه خاصة.

(مسألة 26): لا بد في إجازة الوارث للوصية الزائدة علي الثلث من إنشاء إمضاء الوصية، و لو بفعل ما يظهر في الإمضاء كالعمل بالوصية. بل يكفي السكوت بعد العلم إذا كان ملازما عرفا لإقرار الوصية، كما لو ترك الوصي يعمل بالوصية و ينفذها و هو قادر علي الرد. نعم لا يكفي الرضا النفساني المجرد عن ذلك.

(مسألة 27): ليس للمجيز الرجوع عن إجازته حال حياة الموصي و لا بعد وفاته. كما أن الرد لا يمنع من تعقب الإجازة و نفوذها.

(مسألة 28): إذا تضمنت الوصية حرمان بعض الورثة أو جميعهم من الميراث فذلك يقع علي أحد وجهين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 317

الأول: أن يتمحض في الوصية بحصة ذلك الوارث لغيره لغناه عن المال،

أو لحاجة ذلك الغير، أو لحاجة الموصي للوصية المذكورة، لكونها من وجوه البر التي تنفعه بعد موته إلي غير ذلك مما لا يرجع إلي حرمان الوارث من الميراث، بل إلي التعدي علي ميراثه. و حينئذ إن أجاز الوارث ذلك نفذت الوصية بتمامها و إن لم يجز نفذت في الثلث خاصة.

الثاني: أن يرجع إلي حرمان الوارث من الميراث تشكيكا في نسبه، أو عقوبة له علي سيّئ فعله معه، أو نحو ذلك. و الظاهر هنا عدم صحة الوصية و عدم نفوذها حتي في الثلث، أجاز ذلك الوارث أم لم يجز. نعم لو أوصي مع ذلك بحصة ذلك الوارث بجهة خاصة- كما إذا قال: لا تورثوا ولدي فلانا و ادفعوا ميراثه للفقراء- فإن أجاز الوارث نفذت وصيته بتمامها، و إن لم يجز نفذت في الثلث خاصة.

(مسألة 29): إذا قال: لا تورثوا ولدي فلانا و ادفعوا الميراث لباقي الورثة، أو: لا تورثوا ولدي و ادفعوا الميراث لإخوتي، و نحو ذلك مما كان مفاد الوصية الثانية فيه مطابقا لحرمانه من الميراث، فإن قصد بالوصية الثانية تأكيد حرمانه من الميراث- كما لعله الظاهر- بطلت الوصية مطلقا، و إن قصد بها أمرا زائدا علي حرمانه من الميراث، و هو الوصية بدفع الحصة المذكورة لبقية الورثة، نظير وصيته بدفعها للفقراء نفذت بإجازة الوارث أو في الثلث.

(مسألة 30): من زني بأم ولد أبيه أو امرأة أبيه فأوصي أبوه بإخراجه من الميراث ففي بطلان الوصية إشكال، و اللازم الاحتياط.

(مسألة 31): إذا عيّن الموصي ثلثه في عين مخصوصة تعيّن، و إذا فوض التعيين إلي الوصي فعيّنه في عين مخصوصة تعين أيضا بلا حاجة إلي رضا الوارث. و يكفي في التفويض ظهور حال الموصي في ذلك، كما

إذا ابتنت وصيته في الثلث علي عزله و بقائه مدة، مثلما لو أوصي بالاتجار بثلثه مدة من الزمن و إنفاق ربحه في وجوه البر، فإن الظاهر من إطلاقه ذلك إيكال عزل الثلث للوصي. أما في غير ذلك- كما إذا أوصي بإنفاق ثلثه- فالظاهر عدم ولاية الوصي و لا غيره علي عزل الثلث و تعيينه في عين مخصوصة، بل يبقي الثلث مشاعا في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 318

التركة، فإن زادت في الاستمناء و نحوه زاد الثلث، و إن نقصت لتلف و نحوه نقص الثلث.

(مسألة 32): إذا أوصي بجزء من ماله أو من ثلثه أو غيرهما، أو بسهم منه، أو بشي ء منه، فإن كان هناك قرينة علي إرادة مقدار معين عمل عليها، و مع عدمها يحمل إطلاق الجزء علي العشر، و إطلاق السهم علي الثمن، و إطلاق الشي ء علي السدس، بمعني عدم النقص عن هذه المقادير. أما في غير ذلك من العناوين المطلقة كالقسم و المقدار و نحوهما فالعمل علي الإطلاق، فيكفي ما يصدق عليه عرفا. و حينئذ إن كان موضوع الوصية المذكورة الثلث الموصي به كان المرجع في تعيين المقدار من له القيام بتنفيذ الوصية من وصي أو وارث أو غيرهما، و إن كان موضوعها مال الميت لزم الاقتصار علي أقل أفراد الإطلاق العرفية، إلا أن يرضي الوارث بالزيادة.

(مسألة 33): إذا أوصي لجماعة حمل علي التوزيع بالسوية. نعم إذا أوصي بمال لأعمامه و أخواله كان لأعمامه الثلثان يوزع عليهم بالسوية و لأخواله الثلث يوزع عليهم بالسوية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 319

الفصل السادس في أحكام الوصية

(مسألة 1): للموصي الرجوع عن وصيته ما دام حيّا، و يتحقق الرجوع بكل ما دل عليه من قول أو فعل.

(مسألة 2):

يجوز الرجوع عن بعض الوصية، فتبطل في خصوص ذلك البعض، و يجب العمل عليها في الباقي.

(مسألة 3): إنكار الوصية ليس رجوعا عنها، سواء كان عن نسيان لها، أم مع الالتفات إليها. نعم إذا ورد لبيان عدم الرضا بالعمل بها كان رجوعا عنها، من دون فرق أيضا بين نسيانها و عدمه.

(مسألة 4): إذا أوصي بوصية ثمّ أوصي بما يضادها كان ذلك رجوعا عن الاولي و عملا بالثانية، كما إذا أوصي بشي ء لزيد ثم أوصي به لعمرو. و لو كان التضاد في بعض الاولي كان رجوعا في ذلك البعض لا غير، كما إذا أوصي بداره لزيد ثم اوصي بنصفها لعمرو، من دون فرق في جميع ذلك بين نسيان الوصية الاولي و عدمه.

(مسألة 5): إذا أوصي بوصية ثمّ أوصي بوصية أخري لا تضادها، بل تجتمع معها لم يكن رجوعا عن الاولي، بل يجب العمل بهما معا إذا وسعهما المال، كما إذا أوصي بحجة ثم أوصي بأن يخرج عنه عشر سنين صلاة. نعم إذا ظهر منه حين الوصية الثانية أنها هي تمام وصيته التي يعمل عليها كان ذلك رجوعا عن الاولي و وجب العمل بالثانية لا غير.

(مسألة 6): إذا اختلفت الوصيتان بالإطلاق و التقييد مع اتحاد موضوعهما كانتا متضادتين، و وجب العمل بالثانية لأنها تكون رجوعا عن الاولي، كما إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 320

أوصي بصرف ثلثه في الحج و العمرة و أوصي بصرفه في وجوه البر.

(مسألة 7): إذا أوصي بوصايا متعددة لا تضادّ بينها إلا أنها متزاحمة- بأن لا يسعها المال الذي تنفذ فيه الوصية- و كان فيها واجب قدم الواجب علي غيره، سواء كان الواجب ماليا كالحج أم بدنيا كالصلاة، و سواء كانت الوصية بالكل

دفعة، أم بنحو الترتيب، مع تقدم الواجب في الذكر أو تأخره. نعم لا بد في الترجيح المذكور من كون الوصية بالواجب لوجوبه و لو ظاهرا، أما إذا كان لمجرد الاحتياط غير اللازم فلا مجال لترجيحه، بل يكون كالوصايا التبرعية.

(مسألة 8): إذا أوصي بوصايا متعددة لا تضادّ بينها، كلّها واجبات، أو ليس فيها واجب، و كانت متزاحمة- بأن لا يسعها المال الذي تنفذ فيه الوصية- فإن كانت الوصية بها جملة واحدة من دون ترتيب بينها دخل النقص علي الجميع بالنسبة، كما إذا قال: أدّوا عني ما علي من العبادات الواجبة، و كان عليه صوم و صلاة، أو قال: زوروا عني الأئمة عليهم السلام في مشاهدهم المشرفة كل إمام عشر زيارات. و إن كانت الوصية بها علي نحو الترتيب بدئ بالأسبق فالأسبق و وقع النقص علي اللاحق، كما إذا قال: أدّوا عني ما فاتني من الصوم و ما فاتني من الصلاة، أو قال: زوروا عني أمير المؤمنين عليه السّلام مرتين و الحسين عليه السّلام مرتين و تصدقوا عني بمائة دينار و ادفعوا لزيد مائة دينار و أخرجوا عني عشر ختمات للقرآن الكريم.

(مسألة 9): إذا أوصي بإخراج الواجب المالي من الثلث اخرج منه إلا أن يقصر عنه، فيتيمم من أصل التركة. و كذا إذا أوصي بإخراج جملة أمور من ثلثه، منها واجب مالي، و لم يف الثلث بها جميعا، فوقع النقص عليها جميعا أو علي الواجب المالي، فإن الواجب المالي يتمم من أصل التركة، و يبقي النقص علي غيره بلا تدارك.

(مسألة 10): إذا أوصي بوصايا متعددة لا تضادّ بينها إلا أنها متزاحمة و ظهر منه أن بعضها ليس من الثلث الذي له كان النقص علي ذلك البعض و

إن كان مقدما في الذكر، كما إذا كان مجموع تركته ثلاثين ألف دينار فقال: ادفعوا لولدي الصغير مائة دينار و أخرجوا ثلثي و هو عشرة آلاف دينار و أنفقوه في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 321

وجوه البر عني، فإن النقص يقع علي المائة دينار التي أوصي بها لولده الصغير، فلا تنفذ الوصية بها إلا بإجازة الورثة. كما أنه لو ظهر منه أن بعض وصاياه يخرج من أصل التركة فإنه لا ينفذ من تلك الوصية إلا ثلثها، و يحتاج نفوذ باقيها لإذن الورثة، كما إذا قال: ادفعوا لزيد مائة دينار و أخرجوا ثلثي من الباقي فأنفقوه عني في وجوه البر.

نعم إذا صادف أن لم يوص بالثلث نفذت الوصية بذلك الشي ء ما لم يزد علي الثلث، كما لو قال: ادفعوا لولدي الصغير مائة دينار أما ثلثي من الباقي أو من مجموع التركة فإني سوف اوصي به فيما أريد، و صادف أن مات قبل أن يوصي بالثلث المذكور، فإن الوصية المذكورة بالمائة دينار تنفذ ما لم تتجاوز ثلث التركة فيتوقف نفوذها في الزائد علي إجازة الورثة.

(مسألة 11): إذا أوصي بشي ء فلم يكف المال الذي تنفذ منه الوصية لذلك الشي ء، فإن كان قابلا للتبعيض تعيّن، كما إذا أوصي بأن يتصدق بعشرة دنانير و كان المال خمسة، و إن لم يكن قابلا له تعيّن صرف المال في وجوه البر، كما إذا أوصي بأن يحج عنه فلم يكف المال للحج حتي من الميقات، سواء كان نقص المال عن ذلك الشي ء ابتدائيا، أم كان بسبب تزاحم الوصايا و وقوع النقص علي ذلك الأمر الموصي به.

(مسألة 12): حيث تقدم أنه مع تعدد الوصايا و تضادها يعمل علي اللاحقة، و مع تزاحمها من

دون تضاد يعمل علي السابقة، فلو اشتبه السابق و اللاحق في المقامين، فإن كان الاختلاف بينهما بالإطلاق و التقييد وجب العمل علي المقيد، كما إذا أوصي بصرف ثلثه في الصدقة و أوصي أيضا بصرفه في وجوه البر، أو أوصي بصرف مائة دينار في الصدقة و صرف مائة أخري في وجوه البر، و ظهر أن الثلث مائة دينار لا غير. أما إذا كان الاختلاف بينهما بالتباين فاللازم الرجوع للقرعة.

(مسألة 13): إذا نسي الوصي أو غيره ممن يوكل إليه التنفيذ بعض مصارف الوصية، و عجز عن معرفته فإن تردد بين المطلق و المقيد اقتصر علي المقيد، و إن تردد بين أمور متباينة محصورة فالمرجع القرعة، و إن تردد بين أمور

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 322

غير محصورة تعيّن صرف المال في وجوه البر.

(مسألة 14): إذا ترددت الوصية بين الأقل و الأكثر اقتصر علي الأقل، كما لو تردد المال الموصي به بين ألف دينار و ألفين. أما إذا كان التردد بين مالين معينين متباينين أحدهما أقل من الآخر فالمرجع القرعة.

(مسألة 15): حيث تقدم عدم جواز الوصية في وجوه الحرام، فالظاهر أن الوصية بها لا تبطل رأسا، بحيث يكون المال ميراثا، بل يجب علي الوصي أو غيره ممن يقوم بتنفيذ الوصية صرف المال في سبل الخير.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 323

الفصل السابع فيما تثبت به الوصية

إذا شك في الوصية من دون حجة عليها بني علي عدمها، و إذا علم بالوصية و شك في العدول عنها من دون حجة عليه بني علي عدمه، و وجب إنفاذ الوصية.

(مسألة 1): تثبت الوصية بالعلم، و بإقرار الموصي، و بالبينة، و هي شهادة رجلين مؤمنين عادلين. و مع عدمها يكتفي بشهادة رجلين من أهل الكتاب،

و في اشتراط كونهما ذميين إشكال. و إذا ارتاب بهما الوارث كان له أن يطلب من الحاكم الشرعي إحلافهما، فيحلفهما بعد الصلاة علي صحة شهادتهما.

(مسألة 2): تثبت الوصية التمليكية بشهادة رجل واحد عادل و امرأتين عادلتين. و كذا تثبت بشهادة رجل واحد عادل أو امرأتين عادلتين، لكن مع يمين صاحب الحق. و لا تثبت بذلك الوصية العهدية.

(مسألة 3): تثبت الوصية التمليكية بتمامها بشهادة أربع نساء عادلات و ثلاثة أرباعها بشهادة ثلاث نساء عادلات، و نصفها بشهادة امرأتين عادلتين، و ربعها بشهادة امرأة واحدة عادلة. و كذا الوصية العهدية إذا كانت تقبل التبعيض، كالوصية بالمال، دون مثل القيومة علي الأطفال القاصرين.

(مسألة 4): تثبت الوصية التمليكية و الوصية العهدية بالمال بإقرار الورثة بأجمعهم إذا كانوا عقلاء بالغين و إن لم يكونوا عدولا، و إذا أقرّ بعضهم دون بعض ثبتت بالنسبة إلي حصة المقرّ دون المنكر. و كما يثبت بإقرارهم أصل الوصية بالمال يثبت به ولاية الوصي عليه لو أقروا بوصايته أيضا. و إذا كان المقر منهم عدلا جري علي إقراره حكم الشهادة المتقدم في المسائل السابقة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 324

(مسألة 5): يثبت الرجوع عن الوصية بالعلم، و بإقرار الموصي، و بالبينة، و هي شهادة رجلين عادلين. كما يثبت الرجوع عن الوصية السابقة بالشهادة علي الوصية اللاحقة بالوجه المتقدم في المسائل السابقة. نعم لا يثبت بإقرار الورثة أو بعضهم بالوصية اللاحقة إذا لم يكن عدولا. أما إذا كانوا عدولا فيجري علي إقرارهم حكم الشهادة، كما تقدم.

(مسألة 6): إذا دفع إنسان مالا لآخر و أوصاه بإنفاقه في وجه من الوجوه بعد وفاته وجب علي آخذ المال إنفاقه فيما أوصاه به إن احتمل صحة الوصية المذكورة منه،

لكون المال دون الثلث، أو لكون الوجه المذكور من الواجبات المالية التي تخرج من الأصل، أو لعدم ملك الدافع للمال، بل هو مال معيّن للمصرف الذي ذكره، أما إذا علم بعدم صحتها فيجب عليه مراجعة الورثة إن احتمل كونه ملكا للدافع، و إن علم بعدم ملكيته له جري عليه حكم مجهول المالك.

خاتمة: في التصرفات المنجزة

للإنسان أن يتصرف في ماله ما دام حيا، تصرفا منجزا بما يشاء، سواء أضر بالورثة- كما في الإبراء من الدين، و في التمليك المجاني، و المعاوضي المبني علي المحاباة، و نحوها- أم لا، و سواء كان مريضا مرض الموت أو غيره أم صحيحا.

(مسألة 1): لا يكفي في التصرف المنجز التسجيل الرسمي في دائرة الطابو و نحوها، بل لا بد فيه من تحقق التمليك المعاوضي أو المجاني بشروطه، بحيث لو أراد الثاني أن يستقل بالمال و يمنع الأول منه لم يكن ظالما له. نعم لو شك في أن التمليك الرسمي تابع أو مقارن لتمليك شرعي حقيقي أو لا، بل هو تمليك صوري لزم البناء ظاهرا علي تحقق التمليك الحقيقي، و يبقي الحكم الواقعي فيما بينه و بين اللّه تعالي تابعا لحصول التمليك واقعا. أما لو علم بأنه حين وقع لم يكن هناك تمليك حقيقي، لكن احتمل إيقاع التمليك الحقيقي بعد ذلك فاللازم البناء ظاهرا علي عدمه ما لم يثبت بطريق شرعي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 2، ص: 325

(مسألة 2): إذا أقر الإنسان بدين أو عين لوارث أو لغيره نفذ عليه في حياته مطلقا، فللمقر له مطالبته به. كما ينفذ بعد موته في حق وارثه إذا كان المقر مأمونا مرضيا، و إن لم يكن مأمونا لم ينفذ إلا من الثلث، و يقدم علي الوصية. هذا

إذا كان مبني الإقرار علي الوصية بدفع الدين بعد موته، لصدوره حال حضور الموت أو حال المرض أو في مقام الوصية، أما إذا لم يكن كذلك، بل حصل اعتباطا فالظاهر نفوذه مطلقا، و إن لم يكن مأمونا.

(مسألة 3): ليس للإنسان التصرف في ماله تصرفا معلقا علي موته إلا في الوصية و العتق، و هو المسمي بالتدبير، و لا يصح غير ذلك من التصرفات، كالوقف و الصدقة و إبراء المدين من الدين و غيرها. بل ليس له إلا إيقاعها منجزة فيكون ملزما بها في حياته، أو الوصية بها فتنفذ بشروط الوصية، فلو أوقع شيئا من ذلك معلقا علي موته بطل، و لم ينفذ حتي من الثلث، كما لا ينفع في نفوذه إجازة الورثة.

نعم، في الإبراء إذا رجعت إجازة الورثة إلي إبرائهم المدين بأنفسهم صح إبراؤهم له، أما إذا لم ترجع لذلك، بل الي مجرد إمضائهم لإبراء مورثهم له فلا يترتب الأثر علي إجازتهم، و لا سيما إذا صدرت منهم الإجازة بعد تحقق الوفاء من المدين، حيث لا موضوع معه لإبرائهم له بأنفسهم، و إن كان موضوعه متحققا حين إبراء مورثهم. و اللّه سبحانه و تعالي العالم.

و الحمد للّه رب العالمين.

انتهي الكلام في كتاب الوصية ضحي الثلاثاء الرابع و العشرين من شهر ربيع الأول عام ألف و أربعمائة و ستة عشر للهجرة النبوية علي صاحبها و آله أفضل الصلوات و أزكي التحيات، في النجف الأشرف، ببركة المشهد المشرف علي مشرفه الصلاة و السلام، و به ختام الجزء الثاني من رسالتنا (منهاج الصالحين) المشتمل علي القسم الأول من أحكام المعاملات. و نسأل اللّه تعالي العون و التوفيق و التأييد و التسديد و هو حسبنا و نعم الوكيل.

الجزء الثالث

اشارة

بِسْمِ

اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين، و الصلاة و السلام علي سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين، و لعنة اللّه علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 7

كتاب النكاح

اشارة

و هو رباط شريف شرعه اللّه تعالي رحمة بعباده، لبقاء النوع الإنساني و تنظيم الغرائز التي أودعها فيه، حفاظا علي عفة الإنسان و دينه، و أنسا لوحشته، و وصلا لوحدته و نظما لحياته. قال تعالي وَ اللّٰهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰاجاً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوٰاجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبٰاتِ أَ فَبِالْبٰاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَتِ اللّٰهِ هُمْ يَكْفُرُونَ، و قال عز اسمه وَ مِنْ آيٰاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهٰا وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.

و قال النبي صلّي اللّه عليه و آله: «من تزوج أحرز نصف دينه، فليتق اللّه في النصف الباقي». و قال الإمام الباقر عليه السّلام: «ما أفاد عبد فائدة خيرا من زوجة صالحة إذا رآها سرته و إذا غاب عنها حفظته في نفسها و ماله».

و هو من المستحبات المؤكدة بل يكره تركه. قال النبي صلّي اللّه عليه و آله: «ما بني بناء في الإسلام أحب إلي اللّه عز و جل من التزويج»، و قال صلّي اللّه عليه و آله: «من أحب أن يكون علي فطرتي فليستن بسنتي و إن من سنتي النكاح»، و قال صلّي اللّه عليه و آله: «من أحب أن يلقي اللّه طاهرا مطهرا فليلقه بزوجة».

و قال صلّي اللّه عليه و آله: «ركعتان يصليهما متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله و يصوم نهاره». و قال صلّي اللّه عليه و آله: «رذال موتاكم

العزاب»، و النصوص في ذلك و نحوه لا تحصي كثرة.

و قد تضمن جملة منها النهي عن ترك الزواج خوف الفقر، و أن من فعل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 8

ذلك فقد ساء ظنه باللّه تعالي. بل ورد فيها أن الزواج من أسباب الرزق، و أن الرزق مع النساء و العيال. إلي غير ذلك. فعلي المؤمنين وفقهم اللّه تعالي الاهتمام بتسهيل أمر الزواج بتخفيف قيوده و تقليل نفقاته و التعاون عليه، إقامة للسنة و دفعا للفساد و الفتنة.

و من عجز عن الزواج فعليه أن يدرع التقوي و الصبر، و يبعد نفسه عن مواقع المعصية و الفتنة، و يحذر من كيد الشيطان و غروره، و يكبح جماح النفس الأمّارة بالسوء، و يتحلي بالعفة و الفضيلة، و يربأ بنفسه عن السقوط في مهاوي الخسة و الرذيلة متمسكا بوصية اللّه تعالي له، حيث يقول:

وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ نِكٰاحاً حَتّٰي يُغْنِيَهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ. و قد ورد عنهم عليهم السّلام: أنه يستحب الاستعانة علي العزوبية بالصيام و توفير الشعر، و أن بهما تخف حدة الحاجة للنكاح.

و نسأله سبحانه أن يعين شباب المؤمنين في بليتهم، و يعصمهم في محنتهم و يزيدهم إيمانا و تسليما وَ مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لٰا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَي اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّٰهَ بٰالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّٰهُ لِكُلِّ شَيْ ءٍ قَدْراً.

و ينبغي- مقدمة للكلام في المقام- التعرض لحكم العلاقة بين الجنسين، و بين أفراد الجنس الواحد، مع قطع النظر عن الزواج، ثم الكلام في النكاح في فصول تتضمن آدابه و أركانه و أقسامه و شروطه و أحكامه و نحوها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 9

مقدّمة في العلاقة بين الجنسين و بين أفراد الجنس الواحد

(مسألة 1): يحرم علي الرجل و المرأة التلذذ الجنسي بغير الزوجة و الزوج و نحوهما، سواء كان مماثلا، كالرجل بالرجل و المرأة بالمرأة، أم مخالفا محرما أو غير محرم. بل الظاهر عدم جواز التلذّذ المذكور بغير الإنسان، كالبهائم و التماثيل المجسمة و الصور غير المجسمة.

(مسألة 2): لا فرق في حرمة التلذذ المذكور بين أن يكون باللمس و التقبيل و النظر و السماع، كما لا فرق بين أن يكون بقصد الإنزال و غيره.

(مسألة 3): إذا كانت الأمور المذكورة مبنية علي الإعجاب بجمال المنظور أو الملموس أو المسموع من دون أن تصل إلي التلذذ الجنسي فلا تحرم، لكن ينبغي الحذر من الوصول إلي التلذذ الجنسي، فالأولي التجنب حذرا من الوقوع فيه. هذا كله في المماثل و أما في غيره فيلحقه ما يأتي.

(مسألة 4): يحرم علي الإنسان- رجلا كان أو امرأة- التلذذ بمس عضوه الجنسي، ببعض جسده أو بغيره، و إن لم يبلغ حد الإنزال، فضلا عما إذا بلغ ذلك. بل الأحوط وجوبا العموم للتلذذ بالنظر. نعم يستثني من ذلك العبث بالعضو الجنسي للاستعانة علي الوطء المحلل و استكمالا للتلذذ به من دون أن يبلغ حد الإنزال.

(مسألة 5): يجب علي المرأة ستر جميع جسدها و شعرها عن غير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 10

المحرم من الرجال عدا الوجه و الكفين. و أما القدمان فالأحوط وجوبا سترهما.

نعم إذا قعدت عن النكاح جاز لها أن تكشف رأسها و ذراعيها من دون زينة غير ما يأتي، و إن كان الأفضل لها ستر ذلك.

(مسألة 6): يجوز للمرأة التزين في الموضع الذي يحل كشفه من بدنها بالكحل و الخاتم و السوار، و لا يحل ما زاد علي ذلك كالمكياج المتعارف في عصورنا.

نعم يحل علي كراهة زينة الثياب الظاهرة، سواء كانت بمثل التلوين و التطريز أم بكيفية الخياطة و التفصيل، إلا ما كان مظنة الإثارة و الفتنة فالأحوط وجوبا تجنبه. كما أن الأحوط وجوبا لها عدم استعمال الطيب بحيث يشمه الأجنبي.

(مسألة 7): لا يجب التستر عن غير ذي الإربة من الرجال، و هو الذي لا رغبة له في النساء. و الأحوط وجوبا الاقتصار علي من استمر علي ذلك من طفولته لنقص في إدراكه و لبلاهته، دون مثل الشيخ و المريض.

(مسألة 8): لا يجب علي المرأة التستر عن المحارم، و هم الذين يحرم نكاحهم لها بالنسب أو الرضاع المحرّم كالأب و الولد و الأخ و العم. و كذا المحارم بالسبب، و هم الذين يحرم نكاحهم لها مؤبدا بسبب عقد النكاح الصحيح، كأب الزوج و ابنه و زوج البنت و زوج الام المدخول بها، أو بسبب وطء مشروع كموطوءة الأب و الابن بالملك. دون ما يحرم بسبب عقد نكاح غير مشروع كنكاح ذات البعل أو في العدة أو بسبب وطء محرم كاللواط بالأخ، أو بسبب آخر كالطلاق تسعا، فضلا عما يحرم مؤقتا كالمطلقة ثلاثا و بنت الزوجة غير المدخول بها و أخت الزوجة.

(مسألة 9): يستثني من جواز التكشف للمحارم و من جواز النظر إليهم العورة علي ما تقدم في أحكام التخلي من كتاب الطهارة. كما أن الأحوط وجوبا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 11

ترك ما كان مظنة الإثارة و الفتنة من التخلع و التزين، نظير ما تقدم في غير المحارم.

(مسألة 10): يحرم علي الرجل النظر لما يجب ستره من جسد المرأة، إلا أن تكون متكشفة بحيث إذا نهيت لا تنتهي و لا تتستر، من دون فرق في ذلك

بين كون تكشفها لاعتقاد الحل و أن يكون تسامحا و عصيانا. أما إذا كان تكشفها غفلة عن وجود الناظر بحيث لو نبهت لاستترت فلا يجوز النظر إليها إذا كانت مسلمة، بل حتي إذا كانت كافرة علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 11): الأحوط وجوبا عموم وجوب الستر و حرمة النظر لصورة المرأة في المرآة و نحوها مما يحكي حكاية تامة، بل الأحوط وجوبا العموم لمثل الماء الصافي مما يحكي حكاية ناقصة، إلا أن لا تتميز الصورة حينئذ، بل تكون شبحا لا غير. و أما الصورة التلفزيونية و الفتوغرافية و نحوهما فالظاهر جواز النظر إليها، و إن كان الأحوط استحبابا تركه إذا لم تتعمد المرأة بذل الصورة. بل يحرم إذا كانت مؤمنة و كان النظر هتكا لها و توهينا عرفا، كما قد يكون ذلك فيما إذا كانت مصونة في نفسها و كانت الصورة معرفة لها.

(مسألة 12): يجوز نظر المرأة للرجل الأجنبي، و الأحوط وجوبا أن لا تملأ نظرها منه و تتأمله.

(مسألة 13): يحرم علي كل من الرجل و المرأة الأجنبيين مس أحدهما الآخر، من دون فرق بين ما يحل النظر له من المرأة و غيره، فلا يجوز لهما المصافحة. و لا يسوّغ ذلك كونه في بعض الأوساط و الأعراف البعيدة عن الدين من جملة آداب المعاشرة، بحيث يرمي تاركه بسوء الخلق و مجانبة الأدب، فإن في الجري علي تلك الأعراف في مثل ذلك تضييعا لتعاليم الدين و طمسا لمعالمه و انصهارا بتقاليد الكفر و تبعية له، بل يلزم الإصرار علي تطبيق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 12

الحكم الشرعي و العمل عليه بلطف و وداعة و أدب، حتي يشيع و يعرف حاله علي حقيقته، و يصير التزام المسلم به

علامة علي قوة شخصيته و تمسكه بدينه و اعتزازه بمبدئه، و تسامحه فيه علامة علي ضعف شخصيته و تحلله.

(مسألة 14): الظاهر عدم وجوب ستر الشعر و الجزء المفصولين من المرأة عن الرجل و جواز نظره إليه. نعم إذا كانت المرأة الميتة مقطعة الأعضاء فالأحوط وجوبا عدم النظر إلي أعضائها المعتد بها المقومة لجسدها عرفا، بل إذا صدق علي النظر إليها النظر للمرأة الميتة فالظاهر حرمته.

(مسألة 15): إذا اضطر للنظر المحرم لعلاج أو نحوه، فإن أمكن الاكتفاء بالنظر للصورة المنعكسة في المرأة تعين، و إلا حلّ النظر للجسد بنفسه، و يقتصر علي مورد الاضطرار من حيثية المقدار المنظور إليه و مدة النظر و زمانه.

و هكذا الحال في المس.

(مسألة 16): ليس من الاضطرار المسوغ للنظر و المس المحرمين الاختلاط العائلي، لاجتماع العوائل في بيت واحد، أو لتآلفها و كثرة الاجتماع و التزاور بينها. و ما تعارف- نتيجة لذلك- من التسامح في الحجاب و النظر بين الرجل و زوجة أخيه أو أخت زوجته أو بنت عمه أو نحوهم من الأقارب بل الأصدقاء لا مسوغ له. و من الغريب تعارف ذلك بين بعض العوائل المحترمة و المعروفة بالتدين و الالتزام و الاحتشام. و الأنكي من ذلك و الأمض رفع الحواجز في مناسبات الأفراح و الأعراس حيث يستخف الفرح أهله فيدخل الشباب و هم في أوج حيويتهم و نشاطهم علي النساء المتبرجات بملابسهن الفاضحة و زينتهن الصارخة علي أتم الوجوه و ادعاها للفتنة و الإثارة، تغاضيا عن مقتضيات الغيرة و العفة، و خروجا عن قوانين الشرع الشريف، و نبذا لتعاليم الدين الحنيف، كفرا لنعمة اللّه تعالي بمعصيته و انتهاك حرمته و تعدي حدوده في موقف هو ادعي لشكره تعالي بطاعته

و الخضوع لإرادته و الوقوف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 13

عند أمره و نهيه، استيجابا لرحمته و استزادة من نعمته كما قال جلت أسماؤه و عظمت آلاؤه لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذٰابِي لَشَدِيدٌ.

(مسألة 17): يجوز للرجل سماع صوت المرأة الأجنبية، و للمرأة سماع صورت الرجل الأجنبي. نعم لا بد من عدم التلذذ الجنسي بذلك كما تقدم.

(مسألة 18): يكره للرجل النظر لأدبار النساء.

(مسألة 19): يكره اختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات، و في حديث سيدة النساء عليها السّلام قالت: «خير للنساء أن لا يرين الرجال و لا يراهن الرجال» بل قد يحرم إذا كان مظنة للفتنة و الفساد، خصوصا ما يبتني منه علي التزاحم و التضام.

(مسألة 20): يكره للرجل الجلوس في مكان المرأة إذا قامت عنه حتي يبرد.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 14

الفصل الأول في آداب النكاح و سننه و ما يناسب ذلك

(مسألة 21): يستحب للرجل عند إرادة التزويج أن يصلي ركعتين و يحمد اللّه تعالي و يقول: «اللهم إني أريد أن أتزوج، اللهم فقدّر لي من النساء أعفهن فرجا و أحفظهن لي في نفسها و في مالي و أوسعهن رزقا و أعظمهن بركة، و اقدر لي منها ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي و بعد موتي».

(مسألة 22): يجوز للرجل النظر للمرأة التي يريد الزواج منها، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما يتعارف كشفه عند لبس ثياب البيت كالعضدين و الساقين و الرأس و قسم من الصدر، دون ما يتعارف ستره بالثياب، و لا بأس بترقيق الثياب و كونها بحيث تحكي حجم البدن. نعم لا بد من الاقتصار علي ما يعرف به حالها و عدم الاستزادة من النظر عن قدر الحاجة.

(مسألة 23): يستحب اختيار البكر الجميلة الطيبة الريح الطيبة الطبخ

الضحوك العفيفة الهينة اللينة الودود الكريمة الأصل ذات الدين و الخلق و التي تعين زوجها و تحفظه في غيبته. و في الحديث: «إنما المرأة قلادة فانظر ما تتقلد».

(مسألة 24): يكره اختيار المرأة لمالها و جمالها، فعن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «من تزوج امرأة لمالها و كله اللّه إليه، و من تزوجها لجمالها رأي فيها ما يكره، و من تزوجها لدينها جمع اللّه له ذلك». كما يكره تزوج المرأة الحسناء السيئة الأصل، و قد شبهها النبي صلّي اللّه عليه و آله بالنبتة الخضراء في المزبلة. و يكره تزوّج الحمقاء، و قد ورد أن الأحمق قد ينجب و الحمقاء لا تنجب.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 15

(مسألة 25): يستحب اختيار المرأة الولود و يكره تزوّج العقيمة و إن كانت جميلة.

(مسألة 26): يستحب الإشهاد علي العقد و الإعلان به، و الخطبة أمام العقد، و أقلها حمد اللّه تعالي. كما يستحب الوليمة فيه نهارا يوما أو يومين، و يكره ما زاد علي ذلك.

(مسألة 27): يستحب زف المرأة و إدخالها علي زوجها ليلا. و يستحب للزوج صلاة ركعتين عند ذلك و أن يدعو بالمأثور و قد ورد عدة صور لذلك، و منها أن يأخذ بناصيتها مستقبل القبلة و يقول: اللهم بأمانتك أخذتها و بكلماتك استحللتها، فإن قضيت لي منها ولدا فاجعله مباركا تقيا من شيعة آل محمد، و لا تجعل للشيطان فيه شركا و لا نصيبا». و قد ورد عن الإمام الباقر عليه السّلام لجلب الألفة بين الزوجين قال: «إذا دخلت فمرهم قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة، ثم أنت لا تصل إليها حتي تتوضأ و تصلي ركعتين ثم مرهم أن يأمروها أن تصلي

أيضا ركعتين، ثم مجّد اللّه و صل علي محمد و آل محمد، ثم ادع اللّه و مر من معها أن يؤمّنوا علي دعائك. و قل: «اللهم ارزقني الفها و ودها و رضاها و رضني بها، ثم اجمع بيننا بأحسن اجتماع و أسر ائتلاف، فإنك تحب الحلال و تكره الحرام».

(مسألة 28): يكره دخول الرجل بالمرأة ليلة الأربعاء.

(مسألة 29): أكد الإسلام علي لسان نبيه صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة من أهل بيته عليهم السّلام علي نبذ فوارق النسب في النكاح و أن المؤمن كف ء المؤمنة. كما أكد علي أنه ينبغي الاهتمام بالدين و الخلق و الأمانة و العفة، و قد ورد عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و عنهم عليهم السّلام في نصوص كثيرة: «إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض و فساد كبير». فلا ينبغي رد الخاطب المؤمن إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 16

كان متدينا حسن الخلق، خصوصا إذا كان ذا يسار، بحيث ينهض بمعاشه و معاش عياله. و أما ما تعارف عند بعض القبائل من عدم تزويج بناتهم لغيرهم اعتزازا بأنفسهم و ترفعا و تعاليا عن غيرهم أو قصر بناتهم علي فئة خاصة من الناس فهو استجابة لدعوة الشيطان للعصبية الجاهلية، مع ما يترتب علي ذلك من تعطيل النساء و حرمانهن من أهم حقوقهن، فإن صبرن ظلمن ظلم من لا يجد ناصرا إلا اللّه تعالي و هو أفحش الظلم، و إن خرجن عن ذلك فهو الجريمة و الإثم منهن و من القبيلة و العار و الشنار عليهن و عليها، ثم ردود الفعل الظالمة التي ما أنزل اللّه تعالي بها من سلطان أَ فَحُكْمَ

الْجٰاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّٰهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.

(مسألة 30): ما تعارف عند كثير من المؤمنين من عدم الاستجابة لتزويج الخاطب الذي يرتضونه إلا بعد الاستخارة بالوجه المتعارف في زماننا، ليس له أساس شرعي، و لا يناسب النصوص المشار إليها آنفا. نعم يحسن في الزواج و في جميع الأمور الاستخارة بمعني طلب الخيرة من اللّه تعالي بالوجه المتقدم في مبحث صلاة الاستخارة من الصلوات المستحبة.

(مسألة 31): يكره تزويج شارب الخمر و سيئ الخلق و المخنث، بل كل من ليس له التزام ديني. و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «النكاح رق، فإذا أنكح أحدكم وليدة فقد أرقها، فلينظر أحدكم لمن يرق كريمته».

(مسألة 32): يكره للمرأة تعطيل نفسها عن الزواج، و عن الزينة لزوجها و إن كانت مسنة.

(مسألة 33): يستحب تعجيل زواج البنت، و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «من سعادة المرأة أن لا تطمث ابنته في بيته». بل يكره تأخيرها إذا أدركت و حاضت.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 17

(مسألة 34): يكره إيقاع عقد الزواج إذا كان القمر في برج العقرب، كما يكره في محاق الشهر، و هو آخره عند عدم ظهور القمر و دخوله في شعاع الشمس.

(مسألة 35): يكره الجماع ما بين طلوع الفجر و طلوع الشمس، و من مغيب الشمس إلي مغيب الشفق، و حين اصفرار الشمس عند طلوعها و غروبها، و في اليوم الذي تنكسف فيه الشمس، و في الليلة التي ينخسف فيها القمر، و في الليلة و في اليوم اللذين يكون فيهما الزلزلة، و خصوصا حال الزلزلة، و في حال هياج الريح السوداء و الصفراء و الحمراء، و في محاق الشهر.

و يكره الجماع أيضا

في أول ليلة من الشهر الهلالي و ليلة النصف منه، و يستثني من ذلك أول ليلة من شهر رمضان المبارك، فقد ورد في بعض الروايات استحباب الجماع فيها.

(مسألة 36): يكره الجماع مستقبل القبلة و مستدبرها، و في السفينة، و علي ظهر طريق عامر، و تحت السماء.

(مسألة 37): يكره الجماع بعد الاحتلام قبل الغسل منه، و حين الاختضاب قبل أن يأخذ الخضاب مأخذه.

(مسألة 38): يكره الجماع عاريا، و من قيام. كما يكره الكلام حال الجماع بغير ذكر اللّه تعالي، و لبس خاتم فيه ذكر اللّه تعالي أو شي ء من القرآن.

(مسألة 39): يكره نظر الزوج لفرج امرأته خصوصا حال الجماع.

(مسألة 40): يستحب التستر بالجماع، و يكره الجماع في بيت فيه أحد يصف حالهما و يسمع نفسهما و إن كان صبيا. و تستحب التسمية عند الجماع و الاستعاذة من الشيطان، و الدعاء بالمأثور، و منه أن يقول: «بسم اللّه و باللّه اللهم جنبني الشيطان و جنب الشيطان ما رزقتني».

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 18

(مسألة 41): يستحب أن يختص كل من الرجل و المرأة بخرقة للتمسح بها بعد الجماع، و يكره اشتراكهما بخرقة واحدة يتمسحان بها معا، و في النصوص أن ذلك من أسباب النفرة و البغضاء بينهما.

(مسألة 42): يستحب لمن رأي امرأة فأعجبته أن يجامع زوجته. نعم يكره أن يجامع الرجل امرأته بشهوة غيرها. و الظاهر أن المراد به ما إذا كان الداعي للجماع هو شهوة امرأة أجنبية خاصة إشباعا لتلك الشهوة، بل ينتظر حينئذ حتي تهدأ فورة الشهوة بما يشغله عنها. أما الأول فالمراد به أن يكون الجماع لإشباع الشهوة حذرا من تعلق النفس بالأجنبية من دون أن تكون قد تعلقت بها فعلا.

(مسألة 43): يكره

للمسافر أن يطرق أهله ليلا حتي يعلمهم.

(مسألة 44): يجوز لكل من الزوجين التلذذ الجنسي بما يشاء من جسد الآخر، صغيرا كان أو كبيرا بجميع وجوه التلذذ من النظر و اللمس و التقبيل و غيرها، كما يجوز له الإنزال بذلك. نعم يكره للرجل وطء الزوجة في دبرها.

بل يحرم إذا لم يكن برضاها.

(مسألة 45): لا يجوز الدخول بالزوجة قبل أن يتم لها تسع سنين قمرية. لكن لو دخل بها لم تحرم عليه مؤبدا حتي لو أفضاها. كما أنه يجوز له الاستمتاع بها بغير الوطء.

(مسألة 46): يجوز العزل عند الوطء بإخراج الذكر من الفرج و إراقة المني خارجه. نعم يكره العزل عن الحرة إذا لم يشترط ذلك عليها و لم ترض به، خصوصا إذا كانت ممن يتوقع حملها و كانت ترضع ولدها و لم تكن سليطة و لا بذيئة. و السليطة هي طويلة اللسان الصخابة. و البذيئة هي ذات الكلام الفاحش السافل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 19

(مسألة 47): الامتناع عن الأنجاب إن كان بتعقيم أحد الطرفين، بأن يتعطل جهازه التناسلي فلا ينجب أبدا فالأحوط وجوبا الاقتصار فيه علي لزوم الضرر البدني من الاستمرار في الأنجاب. و إن كان بتوقفه عن الأنجاب مؤقتا جاز اختيارا، إلا أن يستلزم كشف العورة المحرم- كما لو توقف علي الاستعانة بالطبيب أو الطبيبة- فيقتصر فيه علي مورد الحاجة العرفية، بحيث يلزم من الأنجاب الحرج أو الضرر.

(مسألة 48): لا يجوز للمرأة الامتناع عن الحمل بما ينافي حق الزوج في الاستمتاع- كالعزل و عدم التمكين من الوطء في الوقت الذي يتوقع فيه قابلية البويضة للإخصاب- إلا برضا الزوج أو باشتراط ذلك عليه في عقد النكاح أو غيره من العقود اللازمة. و أما بالطرق

الأخري غير المنافية للاستمتاع فالأحوط وجوبا استئذان الزوج في ذلك، إلا أن يكون الحمل مضرا بها فلا يجب استئذان الزوج حينئذ.

(مسألة 49): المراد بالامتناع عن الأنجاب في المسألة السابقة هو فعل ما يمنع من انعقاد النطفة و تلقيح البويضة بها. أما بعد انعقاد النطفة و تلقيح البويضة بها فلا يجوز الإجهاض مهما قصرت المدة، و لا يسوغه تشوه الجنين و لا مرض المرأة أو إجهادها و لا الضائقة الاقتصادية، قال تعالي وَ لٰا تَقْتُلُوا أَوْلٰادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلٰاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيّٰاكُمْ.

نعم يجوز مع الاطمئنان بتعرض الام للموت بدونه، بحيث يدور الأمر بين موتها مع الجنين و موت الجنين وحده. و لا بد من التثبت في ذلك.

(مسألة 50): في مورد حرمة الإجهاض تجب الدية به، و يتحملها المباشر الذي يستند الإجهاض لفعله، كالمرأة إذا شربت الدواء أو تحركت حركة عنيفة فأجهضت، و كالطبيبة إذا قامت بعملية الإجهاض. و لا يتحملها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 20

الذي يأذن به أو يطلب من الغير إيقاعه، كما لا تتحملها المرأة إذا سلمت نفسها للطبيبة فقامت بعملية الإجهاض، و إن كان ذلك كله محرما.

(مسألة 51): يجب علي الزوجة تمكين الزوج من الوطء و غيره من الاستمتاعات في أي وقت شاء، و علي أي حال كانت. و يحرم عليها الامتناع من ذلك مغاضبة أو للانشغال عنه، أو لخوف الحمل أو لغير ذلك. بل يستحب لها التزين و التطيب و التهيؤ له، بل عرض نفسها عليه. نعم إذا خافت علي نفسها الضرر جاز لها الامتناع مما تخاف منه.

الفصل الثاني في عقد النكاح

يحل النكاح بأحد وجهين.

الأول: الزواج.

الثاني: ملك اليمين.

و حيث يندر الابتلاء بالثاني في زماننا، فالمناسب الاقتصار علي الأول.

و هو عقد يتضمن علقة خاصة معروفة

بين الرجل و المرأة، بل مطلق الذكر و الأنثي و إن كانا صغيرين. و هو علي قسمين.

الأول: الدائم.

الثاني: المنقطع. و الكلام هنا في الأول.

(مسألة 52): لا بد في هذا العقد من إنشائه باللفظ، فلا يقع بدونه، و إن دلّ علي إنشاء المضمون و الالتزام به، كالتوقيع علي ورقة العقد. و بذلك يخالف سائر العقود. نعم مع تعذر العقد- لخرس و نحوه- تجزئ الإشارة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 21

المفهمة له.

(مسألة 53): لا يشترط في عقد النكاح العربية، فيجوز إيقاعه بكل لغة، و إن كان الأحوط استحبابا الإتيان به بالعربية مع الإمكان.

(مسألة 54): العقد عبارة عن الإيجاب من أحد الطرفين و القبول من الآخر بأي وجه وقعا، و ذلك يكون.

تارة: بالإيجاب من المرأة و القبول من الرجل بأن تقول: زوجتك نفسي بمهر كذا، فيقول: نعم أو رضيت أو قبلت.

و اخري: بالإيجاب من الرجل و القبول من المرأة بأن يقول: تزوجتك بمهر كذا فتقول: نعم، أو نحو ذلك.

(مسألة 55): لا يتعين في الإيجاب لفظ التزويج، بل يقع بلفظ النكاح و غيره مما يؤدي معني الزواج، كما لو قالت المرأة: أنكحتك نفسي، أو قال الرجل: أنكحك، أو نحو ذلك.

(مسألة 56): لا يشترط في عقد النكاح موافقة القواعد الإعرابية، بل يقع مع اللحن إذا قصد بالكلام إنشاء عقد الزواج به و كان مؤديا لذلك عرفا.

(مسألة 57): لا يشترط الإيجاب بلفظ الماضي، فكما يقع بمثل:

تزوجت فلانة و زوجت فلانا فلانة أو من فلانة و أنكحت فلانا فلانة، يقع بمثل: أتزوج فلانة، و أزوج فلانا فلانة أو من فلانة، و أنكح فلانا فلانة.

(مسألة 58): يصح إيقاع عقد النكاح من الطرفين مباشرة، فيقول الرجل: تزوجتك، أو تقول المرأة: زوجتك نفسي، و

يقبل الطرف الآخر بنفسه، كما يصح إيقاعه ممن يقوم مقامهما كالولي و الوكيل، فيقول ولي أحد الطرفين أو وكيله مثلا: زوجت فلانا من فلانة، فيقبل الطرف الآخر بنفسه أو يقبل وليه أو وكيله عنه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 22

(مسألة 59): يصح قيام شخص واحد مقام كلا الطرفين في العقد بأن يكون أصيلا عن نفسه و وليا أو وكيلا عن الطرف الآخر، أو وليا أو وكيلا عن كلا الطرفين، أو وليا علي أحدهما و وكيلا عن الآخر. نعم لا يجوز أن توكل المرأة رجلا في تزويجها من نفسه علي أن يتولي طرفي العقد.

(مسألة 60): مع قيام شخص واحد مقام كلا الطرفين في العقد لا يجب أن يوجب عن أحدهما و يقبل عن الآخر، بل يكفي إنشاؤه للمضمون عن كل منهما من دون حاجة للقبول.

(مسألة 61): يكفي في صورة عقد الزواج أن تقول المرأة للرجل الذي تريد الزواج به: زوجتك نفسي بمهر قدره كذا، أو تقول لوكيله: زوجت نفسي من فلان بمهر قدره كذا. أو يقول وكيلها للزوج: زوجتك فلانة بمهر قدره كذا، أو يقول لوكيله: زوجت فلانة من فلان بمهر قدره كذا، فيقول الزوج أو وكيله: قبلت. و إنما أثبتنا ذلك لأنه المعروف و ليسهل تعلمه علي من يريده، و إلا فالصور المجزئة كثيرة، كما يظهر مما سبق.

(مسألة 62): الزواج في المحاكم إن اقتصر فيه علي تسجيل الزواج و توقيع كلا الطرفين علي ورقة العقد لم يصح و لم يترتب عليه الأثر، و إن اشتمل علي الصيغة بالوجه المتقدم صح. و حبذا لو لم يقتصر القائمون بتسجيل الزواج علي سماع إقرار كلا الطرفين برضاه بالزواج و أخذ توقيعه به، بل يلتزمون مع ذلك بإجراء

الصيغة بين الطرفين بأخذ الوكالة عليها من أحدهما و إجرائها مع الآخر أو الطلب من الطرفين بإجرائها بينهما قبل التسجيل فإن في ذلك الحفاظ علي الحكم الشرعي من دون كلفة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 23

الفصل الثالث في أولياء العقد

(مسألة 63): للأب و الجد للأب- و إن علا- الولاية في النكاح علي الولد و البنت الصغيرين، و كذا علي المجنونين الكبيرين اللذين يتصل جنونهما بصغرهما. فإن زوجاهما نفذ التزويج عليهما و ليس لهما الرجوع عنه إذا بلغا و تم رشدهما. و أيهما سبق صح تزويجه، فإن تقارنا أو تشاحا كان المقدم هو الجد.

(مسألة 64): المراد بالجد للأب هو أبو الأب و أبو أبيه و إن علا، دون أبي أم الأب أو أبي جدته أو نحوهما ممن يتصل بالأب من طريق النساء.

(مسألة 65): يكفي في جواز تزويج الأب و الجد للصغير عدم المفسدة، و لا يشترط ثبوت المصلحة. نعم لا بد من عدم التفريط حينئذ، كما لو دار الأمر بين زوجين لا مفسدة في التزويج منهما إلا أن أحدهما أصلح من الآخر، فإنه لا يجوز اختيار المرجوح، نظير ما تقدم في البيع.

(مسألة 66): ليس لغير الأب و الجد للأب من الأرحام الولاية علي الصغيرين كالأخ و الجد للام و الأعمام و الأخوال و غيرهم.

(مسألة 67): ليس للأب و الجد و لا غيرهما الولاية في التزويج علي البالغ الرشيد، رجلا كان أو امرأة، بل يستقل بالولاية علي تزويج نفسه، إلا في البنت البكر مع أبيها أو جدها فإن الولاية في التزويج تشترك بينها و بينهما، فلا ينفذ نكاحها إلا بإذنها و إذن أحدهما، و إذا كانا معا موجودين كفي إذن أحدهما. نعم لو تشاحا فالظاهر تقديم الجد.

منهاج الصالحين (للسيد

محمد سعيد)، ج 3، ص: 24

(مسألة 68): المراد بالبكر غير المتزوجة زواجا يستتبع الدخول في القبل، سواء لم تتزوج و بقيت بكارتها أو ذهبت من دون دخول أو بوطء محرم و لو عن شبهة، أم تزوجت و لم تذهب بكارتها أو ذهبت بغير وطء الزوج.

(مسألة 69): ليست البنت بضاعة بيد الأب و الجد يملكان التصرف فيها تبعا لرغبتهما، بل اللازم عليهما ملاحظة مصلحتها و حاجتها الطبيعية للزواج و إن خرجا بذلك عن مقتضي العرف و العادة. بل تسقط ولايتهما علي البنت مع منعهما لها من التزويج بنحو يضر بها عرفا. كما تسقط ولايتهما بتعذر استئذانهما لمرض أو غيبة طويلة أو نحوهما، و حينئذ تستقل بنفسها بالتزويج و لا تحتاج إلي إذن أحد حتي الحاكم الشرعي.

(مسألة 70): ليس لأحد من الأرحام مع فقد الأب و الجد للأب الولاية علي البالغة البكر فضلا عن غيرها، بل تستقل فيه بنفسها. و ما قامت عليه بعض الأعراف من تدخل الأرحام و منعهم للمرأة عما تريد، بل عما يريده لها وليها مع وجوده ظلم صارخ و خروج عن الموازين الشرعية و انتهاك لحدود اللّه تعالي و تجاهل لأحكامه في عباده. و هو من أسباب الفساد المهمة التي قد يترتب عليها ردود فعل لا تحمد عقباها، يتحمل المفسد عارها و شنارها في الدنيا، و تبعتها و مسئوليتها في الآخرة، يوم لا يغني مولي عن مولي شيئا و لا هم ينصرون.

(مسألة 71): يكفي في إذن البكر سكوتها عند عرض التزويج عليها و عدم إبائها له، إلا مع وجود ما يثير احتمال كون السكوت عن غير رضا منها بما عرض عليها، بحيث يكون أمرها مريبا أو يكون هناك أمارة علي عدم الرضا منها. و

لا فرق في ذلك بين وجود الأب أو الجد و عدمه. و المراد بالبكر هنا من بقيت بكارتها، فلا يعم من ذهبت بكارتها و لو بغير الوطء علي الأحوط وجوبا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 25

(مسألة 72): إذا أوصي الأب أو الجد بالطفل أو المجنون لشخص، فإن نص علي أن له تزويجه كان له ذلك علي النحو الذي يثبت للموصي، و إن لم ينص علي ذلك فالأحوط وجوبا للوصي الاقتصار علي صورة حاجة الموصي به للتزويج بمرتبة معتد بها و لو من غير جهة الرغبة الجنسية، كما لو احتاج للتزويج من أجل إدارة شؤونه الخارجية. لكن لا بد من استئذان الوصي من الحاكم الشرعي، و مع تعذره فالأحوط وجوبا له استئذان عدول المؤمنين إن لم يكن الوصي منهم، و مع تعذره يستقل هو بالتزويج. لكن الأحوط وجوبا في صورة تعذر الرجوع للحاكم الاقتصار علي صورة لزوم الضرر أو الحرج من الانتظار. و تقدم في كتاب الوصية ما ينفع في المقام.

(مسألة 73): مع فقد الأب و الجد و الوصي لا يجوز تزويج الصغير و لا المجنون إلا مع الحاجة بالنحو المتقدم في المسألة السابقة، و يتولي ذلك من له تولي أمورهما ممن تقدم التعرض له في مبحث الأولياء من فصل شروط المتعاقدين من كتاب البيع، و الأحوط وجوبا مراجعة الحاكم الشرعي مع الإمكان حتي لو كان المتولي لاموره غيره، و مع تعذره يراجع العادل إن لم يكن المتولي لاموره عادلا.

(مسألة 74): السفيه في الماليات إذا كان رشيدا في بقية الأمور لا يستقل هو و لا وليه في تزويجه، بل لا بد من اشتراكهما فيه و وقوعه بإذنهما معا.

(مسألة 75): إذا وقع عقد النكاح من غير

من له السلطنة عليه كان فضوليا و توقف نفوذه علي إجازة من له السلطنة، علي نحو ما تقدم في البيع، و تقدم من فروعه ما يجري في المقام.

(مسألة 76): كما يمكن وقوع عقد النكاح ممن له السلطنة عليه يمكن وقوعه من وكيله، علي نحو ما تقدم في العقود.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 26

الفصل الرابع في أسباب التحريم

اشارة

و هي أمور.

الأول: النسب.

(مسألة 77): يحرم نكاح الام و إن علت، كأم أحد الأبوين أو أحد الجدين و ما فوق. و البنت و إن نزلت، كبنت البنت و بنت الولد و بنات أولادهما فما دون. و الأخت و بناتها و إن نزلن. و العمة و الخالة و إن علتا كعمة الأبوين و الجدين و خالتهما و هكذا. و بنات الأخ و إن نزلن.

الثاني: المصاهرة و ما الحق بها.

(مسألة 78): من تزوج امرأة حرمت مؤبدا علي آبائه مهما علوا، و علي أبنائه مهما نزلوا، سواء دخل بها أم لا.

(مسألة 79): من تزوج امرأة حرمت عليه مؤبدا أمها و إن علت، سواء دخل بها أم لم يدخل. كما تحرم عليه بنتها و إن نزلت ما دامت الأم في حبالته، و لا تحرم عليه البنت مؤبدا إذا لم يدخل بالأم، فإن طلق الأم أو ماتت قبل أن يدخل بها حل له زواج البنت. أما إذا دخل بالأم فإن ابنتها تحرم عليه مؤبدا، من دون فرق بين ابنتها التي ولدتها قبل الزواج منه و ابنتها التي ولدتها بعد الزواج منه.

(مسألة 80): بنت الزوجة المدخول بها و إن كانت تحرم علي الزوج مؤبدا إلا أنها لا تحرم علي أبيه و لا علي ابنه من زوجة أخري، فيجوز لهما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 27

الزواج منها و إن بقيت الأم في حبالته.

(مسألة 81): تحرم أخت الزوجة جمعا، لا مؤبدا، فلا يجوز له الزواج منها ما دامت أختها في حبالته و إن كانت في عدتها الرجعية. أما إذا خرجت من حبالته- و إن كانت في عدة منه بائنة- فإنه يجوز له الزواج بأختها.

(مسألة 82): يجوز الزواج من المرأة علي عمتها و خالتها بإذنهما، و لا يجوز بغير إذنهما.

نعم إذا عقد بغير إذنهما ثم أجازتا صح العقد. و إن كان الأحوط استحبابا تجديد العقد بإذنهما.

(مسألة 83): الظاهر أن الزني لا ينشر التحريم، فمن زني بامرأة لم تحرم عليه أمها و لا بنتها، و لا تحرم هي علي أبيه و لا علي ابنه. نعم الأحوط استحبابا أن لا يتزوج الزاني بعد الزني أم المزني بها و لا بنتها، و لا يتزوج المزني بها أبو الزاني و لا ابنه، بل لو كان الزني بعد الزواج قبل الدخول فالأحوط استحبابا ترتيب أثر الحرمة عليها، و مع منافاته لحقها يطلقها. أما إذا كان الزني بعد الزواج و الدخول فلا إشكال في عدم اقتضائه تحريم الزوجة.

(مسألة 84): يستثني من المسألة السابقة من زني بعمته أو خالته، فإن الأحوط وجوبا له أن لا يتزوج ابنتها. أما إذا كان الزني بعد الزواج بالبنت فإنه لا يحرمها، خصوصا إذا كان بعد الدخول بها، كما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 85): الظاهر عدم إلحاق وطء الشبهة بالزني في الاحتياط الوجوبي في المسألة السابقة. نعم يلحق به في الاحتياط الاستحبابي فيها و في المسألة التي قبلها. أما التقبيل و اللمس و النظر بشهوة و نحوها فلا يلحق بالزني حتي في الاحتياط الاستحبابي.

(مسألة 86): اللواط من الرجل موجب لحرمة أم الموطوء و أخته و بنته عليه فلا يجوز له أن يتزوج إحداهن، بل إن كانت إحداهن زوجة له قبل اللواط

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 28

فالأحوط وجوبا له إذا تحقق اللواط ترتيب أثر الحرمة عليها، و مع منافاته لحقّها يطلقها. و إذا كان الواطئ صبيا فلا حرمة.

(مسألة 87): الأحوط استحبابا أن لا يتزوج ابن الواطئ أو الموطوء بنت الآخر.

(مسألة 88): يحرم التزويج دواما و

انقطاعا من المزوجة دواما و انقطاعا، و كذا من المعتدة من دون فرق بين أقسام العدة. و لو وقع الزواج كان باطلا.

(مسألة 89): من تزوج امرأة مزوجة حرمت عليه مؤبدا، إلا أن يكون جاهلا و لم يدخل بها لا قبلا و لا دبرا، فإنها لا تحرم عليه مؤبدا، بل له أن يجدد العقد عليها بعد أن تخرج عن حبالة زوجها و عن عدته.

(مسألة 90): المدار في عدم الحرمة المؤبدة علي جهل الزوج دون الزوجة، فلا تحرم عليه إذا كان جاهلا و إن كانت عالمة. و المتيقن منه الجهل بالموضوع- و هو أن لها زوج- أما الجهل بالحكم- و هو حرمة تزويج ذات الزوج- ففي كفايته في المنع من الحرمة المؤبدة إشكال.

(مسألة 91): من تزوج امرأة في عدتها حرمت عليه مؤبدا، إلا مع الجهل و عدم الدخول، نظير ما تقدم في المسألة السابقة. لكن لو كان أحدهما جاهلا و الآخر عامدا مع عدم الدخول تثبت الحرمة المؤبدة في حق العامد، و في ثبوتها في حق الجاهل إشكال. كما أنه لا فرق هنا في الجهل المانع من الحرمة المؤبدة بين الجهل بالموضوع و هو كونها في العدة، و الجهل بالحكم و هو حرمة التزويج في العدة.

(مسألة 92): إذا تزوج المرأة في العدة جاهلا و لم يدخل بها حتي خرجت من العدة ثم علم لم تحرم عليه مؤبدا، بل له تجديد العقد عليها. و كذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 29

لو تزوج ذات الزوج جاهلا و لم يدخل بها حتي خرجت عن زوجية زوجها الأول و عن عدته. أما إذا دخل بها في عدته فالأحوط وجوبا حرمتها عليه مؤبدا، خصوصا إذا كانت العدة رجعية.

(مسألة 93): لا يصح

العقد علي المتوفي عنها زوجها قبل أن يبلغها الخبر. و لو حصل العقد حينئذ ففي جريان حكم تزوج المرأة في العدة- و هو الحرمة المؤبدة- إشكال، و الأحوط وجوبا العمل علي ذلك.

(مسألة 94): يجوز تزوّج الزانية و إن كانت معروفة بالزني. نعم يكره تزوجها لمن لم يعرف توبتها، و لو بأن يدعوها للحرام فتأباه.

(مسألة 95): يستحب لمن يريد أن يتزوج الزانية أن يستبرئها بحيضة خصوصا إذا كان هو الزاني بها، بل هو الأحوط- حينئذ- استحبابا. و أما إذا كانت حاملا فلا حاجة للاستبراء.

(مسألة 96): من زني بامرأة مزوجة- دواما أو متعة- فالأحوط وجوبا ترتيب أثر حرمتها مؤبدا، من دون فرق بين العلم بأنها مزوجة و الجهل بذلك.

و كذا إذا كانت معتدة عدة رجعية، دون غيرها من أقسام العدة.

(مسألة 97): إذا زنت المرأة المزوجة لم تحرم علي زوجها، نعم يستحب له استبراؤها بحيضة.

(مسألة 98): إذا تزوج المحرم بطل نكاحه، فإن كان عالما بحرمة التزويج عليه حرمت عليه مؤبدا، سواء دخل بها أم لم يدخل، و إن كان جاهلا لم تحرم عليه مؤبدا، سواء دخل بها أم لم يدخل. و الأحوط وجوبا جريان ذلك في المحرمة.

(مسألة 99): يحرم الجمع بين أكثر من أربع نساء بالزواج الدائم.

و يجوز ما زاد علي ذلك في الزواج المنقطع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 30

الثالث من أسباب التحريم: الرضاع.

و يشترط في الرضاع المحرم أمور.

الأول: أن يكون بالامتصاص من الثدي، و لا يكفي التغذي بحليب المرأة بطريق آخر.

الثاني: أن تكون الرضعة تامة، بحيث يمتلئ الرضيع و يشبع، و لا يكفي في التحريم الرضعة القليلة، لقلة لبن المرأة، أو لعدم تقبل الرضيع للرضاع مهما كثر العدد. نعم لا يضر الفصل القليل غير المعتد به الذي يكثر

حصوله في الرضعة الواحدة لانشغال الطفل بلعب قليل أو لتبديل الثدي أو نحوهما. و لا فرق في اعتبار الشرط المذكور بين الرضاع العددي و غيره من الوجوه الثلاثة الآتية.

الثالث: أن يكون خمس عشرة رضعة، أو يوما و ليلة، أو يشد العظم و ينبت اللحم و الدم بحيث يزيد نمو الطفل المرتضع به عرفا.

(مسألة 100): لا بد في التحريم في الخمس عشرة رضعة و باليوم و الليلة من التوالي بين الرضعات، بمعني عدم الفصل بين الرضعات برضاع امرأة غيرها. و كذا بغير الرضاع من طرق التغذية في اليوم و الليلة. بل هو الأحوط وجوبا في الخمس عشرة رضعة. و أما فيما يشد العظم و ينبت اللحم و الدم فلا يخل الفصل برضاع آخر فضلا عن غيره من طرق التغذية، إلا إذا كان الفاصل كثيرا بحيث لا يستند الإنبات و الاشتداد للرضاع عرفا.

(مسألة 101): لا بد في نشر الحرمة بالرضاع يوما و ليلة من إرضاع الطفل كلما احتاج للرضاع في المدة المذكورة، و لا يكفي حبسه علي الرضاع من امرأة خاصة من دون أن يكتفي به.

الرابع: أن يكون الرضاع من مرضعة واحدة بلبن فحل واحد، فلا حرمة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 31

لو رضع الطفل تمام المقدار المذكور من امرأتين أو أكثر و إن كان لبنهن لفحل واحد، فلا يكون ولدا للفحل المذكور. كما لا حرمة لو رضع تمام المقدار المذكور من امرأة واحدة ملفقا من لبن فحلين- لو أمكن ذلك- فلا يكون ابنا للمرضعة المذكورة.

الخامس: أن يكون اللبن عن ولادة، فلو درّ لبن المرأة من دونها فأرضعت ولدا لم ينشر الرضاع المذكور الحرمة. و الأحوط وجوبا أن لا تكون الولادة من زني.

السادس: أن يكون قبل

بلوغ الطفل الرضيع سنتين. و الأحوط وجوبا أن يكون قبل فطامه أيضا، و قبل مضي سنتين من ولادة صاحبة اللبن.

(مسألة 102): إذا تحقق الرضاع بشروطه المتقدمة صار الرضيع ابنا للمرضعة و لصاحب اللبن، فيترتب علي ذلك ما يترتب علي بنوته لهما نسبا، فيصير أولادهما له إخوة و أخوات و آباؤهما له أجدادا و جدات و إخوتهما له أعماما و أخوالا و أخواتهما عمّات و خالات، و هكذا. و يترتب حينئذ أثر العلاقة الحاصلة من حيثية التحريم بها أو بالمصاهرة المترتبة عليها أو بالجمع المترتب عليها أو نحوها. فكما يحرم علي الرجل نكاح بنته الرضاعية يحرم عليه نكاح زوجة ابنه الرضاعي، و يحرم الجمع بين الأختين الرضاعيتين، و يحرم نكاح المرأة علي عمتها الرضاعية أو خالتها إلا بإذنها، و هكذا.

(مسألة 103): كما تتحقق بالرضاع العلاقة المحرمة بين المرتضع و من يتعلق بصاحب اللبن أو بالمرضعة بالنسب تتحقق بينه و بين من يتعلق بهما بالرضاع، فكما يحرم المرتضع علي آبائهما و أبنائهما و إخوانهما النسبيين يحرم علي آبائهما و أبنائهما و إخوانهما الرضاعيين. و يستثني من ذلك ما إذا أرضعت امرأة واحدة أطفالا من لبن فحولة مختلفين، فإن كلا منهم و إن صار ابنا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 32

لها فيحرم عليها و علي آبائها و إخوتها النسبيين و الرضاعيين، إلا أنه لا تحصل الاخوّة المحرّمة بين المرتضعين أنفسهم لاختلاف الفحل، بل يجوز النكاح بينهم. كما لا يحصل ما يترتب عليها من العلاقات المحرّمة، فكما لا يكون أحدهم أخا للآخر من الرضاعة لا يكون عما أو خالا لابنه أو بنته. نعم تتحقق الاخوّة المحرّمة بين ولدها الرضاعي و أولادها النسبيين حتي من كان منهم ولدا لغير

صاحب اللبن.

(مسألة 104): مما تقدم يظهر أن من وسائل تحليل نظر الرجل للمرأة الأجنبية أن يتزوج طفلة رضيعة فترضعها تلك المرأة بالشروط المتقدمة، فإنها تصير أم زوجته.

(مسألة 105): يحرم علي أبي المرتضع- و إن علا- أن يتزوج أولاد صاحب اللبن و أولاد أولادهم- مهما نزلوا- نسبيين كانوا أو رضاعيين، كما يحرم عليه أن يتزوج أولاد المرضعة النسبيين، دون أولادها الرضاعيين إذا رضعوا من لبن فحل آخر غير الفحل الذي ارتضع ابنه من لبنه. و علي ذلك ينبغي الحذر من إرضاع الطفل من قبل جدته لأمه أو زوجة جده لأمه، لأن ذلك يوجب حرمة امه علي أبيه و بطلان نكاحهما، لأن النسبة الرضاعية كما تمنع من صحة النكاح لو كانت سابقه عليه توجب بطلانه لو حصلت بعده. أما إرضاعه من قبل جدته لأبيه فلا يوجب تحريم امه علي أبيه، غايته أنه يصير أخا لأبيه و لأعمامه و عماته فيحرم علي أولاد أعمامه لأنه يصير عما لهم بالرضاع و علي أولاد عماته لأنه يصير خالا لهم بالرضاع.

(مسألة 106): لا يحرم أولاد صاحب اللبن علي إخوة المرتضع الذين لم يرتضعوا معه.

(مسألة 107): يثبت الرضاع المحرّم بالعلم و بالبينة، و لا يثبت بدعوي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 33

المرأة الإرضاع، و لا بشهادة النساء و إن كنّ أربعا، إلا أن يحصل العلم من قولها أو من قولهن.

الرابع من أسباب التحريم: اللعان

، بشروطه المقررة التي يأتي الكلام فيها في آخر كتاب الطلاق.

(مسألة 108): يلحق باللعان قذف الزوج زوجته الخرساء و كل من لا تستطيع الكلام فإن ذلك يوجب حرمتها و إن لم تلاعن. و المتيقن من ذلك ما إذا تمت بقية شروط اللعان، و أما بدونها فلا يخلو التحريم عن إشكال.

الخامس: الطلاق

تسعا، علي ما يأتي في كتاب الطلاق إن شاء اللّه تعالي.

السادس: الكفر، علي التفصيل الآتي.

(مسألة 109): لا يجوز نكاح المسلمة من الكافر مطلقا، كتابيا كان أو غيره.

(مسألة 110): لا يجوز للمسلم أن يتزوج الكافرة غير الكتابية مطلقا دواما و متعة.

(مسألة 111): يجوز للمسلم أن يتزوج اليهودية و النصرانية دواما و متعة علي كراهة، خصوصا في الدوام و مع وجود المسلمة عنده أو تيسر الزواج بها.

(مسألة 112): يشترط في نكاح اليهودية و النصرانية علي المسلمة دواما إذن المسلمة في ذلك، و يكفي رضاها بالتزويج بعد وقوعه. و لا يشترط اذنها في التزويج بهما متعة.

(مسألة 113): يجوز نكاح المجوسية متعة علي كراهة أشد من نكاح اليهودية و النصرانية. أما نكاحها دواما فلا يخلو عن إشكال، و الأحوط

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 34

وجوبا الترك.

(مسألة 114): الارتداد عن الإسلام قسمان.

الأول: الفطري، و هو ارتداد من ولد علي الإسلام إما من أب مسلم أو من أبوين مسلمين. و أما ولادته من أم مسلمة و أب كافر فيشكل حاله، و لا سيما و أن ذلك لا يتم بناء علي ما سبق من حرمة تزويج المسلمة من الكافر، إلا في وطء الشبهة أو في فروض نادرة. هذا و الظاهر أنه لا يشترط في المرتد الفطري أن يصف الإسلام بعد البلوغ، بل يكفي أن يولد علي الإسلام بالمعني المتقدم.

الثاني: الملي، و هو ارتداد من ولد علي الكفر ثم أسلم.

إذا عرفت هذا فإذا ارتد الزوج ارتدادا فطريا بانت منه زوجته، و وجب عليها أن تعتد منه عدة الوفاة، سواء كان قد دخل بها أم لم يدخل. أما إذا كان ارتداده مليا ففي بينونة زوجته منه إشكال، خصوصا إذا كان قد دخل بها.

نعم لا إشكال في أنها تعزل عنه و يمنع من الاستمتاع بها. كما لا إشكال في بينونتها منه بعد خروج العدة. و عدتها عدة الطلاق. نعم إن مات في أثناء العدة المذكورة فالأحوط وجوبا أن تعتد عدة المتوفي عنها زوجها.

(مسألة 115): إذا ارتدت الزوجة عن الإسلام، فإن صارت غير كتابية بانت من زوجها المسلم و بطل نكاحهما. و إن صارت كتابية فالظاهر عدم بينونتها، بل تبقي في حبالته، سواء دخل بها أم لم يدخل، و سواء كان ارتدادها فطريا أم مليا.

(مسألة 116): الارتداد و إن كان مبطلا للنكاح- علي التفصيل السابق- إلا أنه لا يمنع من النكاح المستجد بعده، لا في الرجل و لا في المرأة، بل إن بقي المرتد علي ارتداده لحقه حكم دينه الذي اختاره، و إن رجع إلي الإسلام لحقه حكم المسلم، فله نكاح المسلمة حتي زوجته الاولي بتجديد العقد عليها، من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 35

دون فرق بين الارتداد الفطري و الملّي.

(مسألة 117): الارتداد الفطري حده القتل إلا أنه بنفسه بمنزلة الموت موجب لميراث مال المرتد و صيرورته لورثته حين الارتداد. نعم لا مانع من تملكه مالا جديدا بعد ارتداده فيستقر له و لا يورث إلا بقتله أو بموته، أما الارتداد الملي فهو لا يوجب القتل إلا بعد أن يستتاب المرتد ثلاثة أيام و لا يورث ماله بارتداده بل بموته أو قتله.

(مسألة 118): إذا ارتدت المرأة لم تقتل بل تستتاب و تحبس و يضيق عليها و لا يورث مالها بالارتداد من دون فرق بين الارتداد الفطري و الملي.

(مسألة 119): لا بد في ترتب الأثر علي الارتداد من أن يكون المرتد بالغا عاقلا مختارا قاصدا.

(مسألة 120): إذا أسلم الزوجان الكافران

معا بقيا علي نكاحهما.

(مسألة 121): إذا كان الزوجان كافرين فأسلم أحدهما دون الآخر قبل الدخول بطل نكاحهما. و إن أسلم بعد الدخول لزم التربص فإن أسلم الآخر في مدة عدة الطلاق بقيا علي نكاحهما، و إن لم يسلم حتي خرجت العدة بطل نكاحهما. و يستثني من ذلك ما إذا أسلم الزوج و كانت الزوجة يهودية أو نصرانية، فإنها تبقي في عصمته و لا يبطل زواجهما، سواء أسلم قبل الدخول أم بعده، و سواء أسلمت بعده في العدة أم بقيت علي الكفر.

(مسألة 122): الأفضل للمؤمن أن يتزوج المؤمنة، و لا بأس أن يتزوج المستضعفة، و يكره له تزويج المخالفة غير المستضعفة. كما يكره تزويج المؤمنة من المستضعف، و أشد منه تزويجها من المخالف غير المستضعف.

و الأحوط وجوبا عدم نكاح الناصبي و الناصبية.

(مسألة 123): إذا خيف الضلال من نكاح المخالف أو المخالفة حرم و لم يبطل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 36

الفصل الخامس في زواج المتعة

و هو الزواج إلي وقت محدد، بحيث ينتهي به من دون حاجة للطلاق.

و قد ثبت تشريعه بإجماع المسلمين، و أجمع أهل البيت عليهم السّلام و شيعتهم أعز اللّه دعوتهم علي عدم نسخه، و تشهد بذلك الأخبار الكثيرة التي رووها هم و جمهور المسلمين.

(مسألة 124): لا بد في زواج المتعة من الإيجاب و القبول اللفظيين، علي نحو ما تقدم في الزواج الدائم. و يكفي فيه أن تقول المرأة للرجل: زوجتك نفسي إلي وقت كذا بمهر قدره كذا، فيقول الزوج: قبلت. أو يقول الرجل:

أتزوجك إلي وقت كذا بمهر قدره كذا، فتقول المرأة: قبلت. و يجزئ غير ذلك من الصور كما يظهر مما تقدم في الزواج الدائم.

(مسألة 125): يشترط في زواج المتعة ذكر المهر، فإن لم يذكر

بطل، و بذلك يختلف عن الزواج الدائم.

(مسألة 126): يشترط في زواج المتعة ذكر الأجل، فإن نسيا ذكره أو استحييا منه أو اكتفيا بالقصد إليه من دون تصريح به في العقد صار الزواج دائما.

(مسألة 127): الأحوط وجوبا عدم الاكتفاء عن الأجل بتعيين عدد المواقعة كالمرة و المرتين. و لو حصل ذلك فالأحوط وجوبا الطلاق ثم تجديد العقد. نعم لا بأس باشتراط العدد زائدا علي الوقت، فيجعل الأجل يوما مثلا و يشترط العدد الخاص فيه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 37

(مسألة 128): لا بد من ضبط الأجل و تعينه، و لا يكفي الأجل المردد بين الأقل و الأكثر كقدوم المسافر، فلو وقع ذلك بطل و لم يقع متعة و لا دائما.

(مسألة 129): لا بد من تعيين الوقت، و لا يكفي تحديده من دون تعيين، كما لو تزوجها شهرا و لم يعينه، فإنه يبطل حينئذ و لا يقع متعة و لا دائما. بل الأحوط وجوبا أن يكون متصلا بالعقد، فلو اشترط شهرا معينا منفصلا عن العقد جدد العقد، و لا يقع دائما.

(مسألة 130): ليس في المتعة طلاق، بل تبين بانقضاء الأجل و بهبة المدة.

(مسألة 131): إذا عينا أجلا ثم أرادا الزيادة عليه فالأحوط وجوبا تجديد العقد بعد انتهاء الأجل أو هبة المدة، و لا يكفي اتفاقهما علي الزيادة بالأجر في أواخر الأجل قبل خروجه.

(مسألة 132): يجوز لولي الصغيرين تزويجهما متعة بمدة قليلة لا يكونان فيها قابلين للاستمتاع، بل لغرض آخر كالتحريم المترتب علي المصاهرة. نعم لا بد من عدم لزوم المفسدة أو التفريط في حق الصغيرين، كما تقدم في أولياء العقد.

(مسألة 133): يجوز لولي الصغير أن يهب المدة في زواج المتعة إذا كان ذلك صلاحا له.

منهاج الصالحين

(للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 38

الفصل السادس في العيوب و الشروط

النكاح عقد لازم، بل يمتاز عن كثير من العقود اللازمة بعدم إمكان فسخه بالتقايل، و لا بالاشتراط و لا بتخلف الشرط. نعم يثبت الخيار فيه في بعض الموارد الخاصة- علي ما يتضح في المسائل الآتية- و لا يتعدي عنها.

(مسألة 134): للزوجة الخيار في فسخ النكاح بجنون الزوج قبل العقد أو بعده و لو بعد الوطء.

(مسألة 135): للزوجة الخيار في فسخ النكاح إذا عجز الزوج عن الوطء لعنن أو عمل شيطاني أو لكونه ممسوحا أو مجبوبا أو نحو ذلك. و إن وطأها مرة واحدة فلا خيار. و كذا إذا كان قادرا علي وطء غيرها من النساء، فإنه لا خيار لها ما دام قادرا علي غيرها، فإذا تجدد له العجز عن غيرها أيضا ثبت الخيار لها.

(مسألة 136): ليس للزوجة المبادرة للفسخ مع عجز الزوج عن الوطء، بل ترافعه للحاكم فيؤجله سنة، فإن قدر علي وطئها أو وطء غيرها فلا خيار، و إلا كان لها الخيار.

(مسألة 137): للزوجة الخيار في فسخ النكاح إذا كان الزوج خصيا حين العقد عليها.

(مسألة 138): إذا تزوجت المرأة الرجل علي أنه من قبيلة خاصة فبان من غيرها كان لها الخيار في فسخ العقد، سواء ظهر ذلك قبل الوطء أم بعده.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 39

(مسألة 139): للزوج خيار فسخ النكاح بأحد أمور في زوجته.

الأول: الجنون.

الثاني: الجذام.

الثالث: البرص.

الرابع: كل عيب فيها مانع من وطئها أو موجب لصعوبته، كرتق موضع الوطء أو غدة فيه أو عليه أو لحمة أو عظم، بل حتي ضيق المسلك بنحو غير متعارف بحيث يعد عيبا.

الخامس: الإفضاء، و هو اتصال مخرج الحيض و الغائط و انخرام الحاجز ببينهما.

السادس: العمي، و هو فقد البصر،

و لو مع فتح العينين.

السابع: العرج.

الثامن: الزني.

و إنما توجب هذه الأمور الخيار إذا كانت قبل العقد، دون ما إذا كانت بعده قبل الوطء أو بعده.

(مسألة 140): لا فرق في ثبوت الخيار في عيوب الزوج و الزوجة بين الزواج الدائم و المنقطع.

(مسألة 141): ليس الخيار المذكور في عيوب الرجل و المرأة فوريا، بل لصاحب الخيار التراخي في ذلك و لا يسقط خياره إلا بإسقاطه أو بالرضا بالعقد بعد العلم بالعيب. نعم يكفي في الرضا من الزوج الوطء بعد العلم بالعيب. بل الأحوط وجوبا ذلك في الزوجة، فيكون تمكينها للزوج من الوطء بعد العلم بالعيب مسقطا للخيار.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 40

(مسألة 142): الفسخ حلّ لعقد النكاح فيسقط به المهر و يسترجعه الزوج مع عدم الدخول إلا في العنن، فإن عليه معه نصف المهر، و كذا في الخصاء علي الأحوط وجوبا. و أما مع الدخول فإنها تستحق بسببه تمام المهر الذي جعله لها. لكن مع التدليس و الغش يكون له الرجوع بالمهر علي من دلسها، و إن كانت هي المدلّسة استرجعه منها. أما مع عدم التدليس منها و لا من غيرها فلا يرجع به.

(مسألة 143): إذا تزوج امرأة علي أنها بكر فبانت ثيبا فليس له الخيار في فسخ العقد، نعم ينتقص من المهر بنسبة التفاوت بين مهر البكر و الثيب، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما إذا ثبت أن ارتفاع بكارتها بسبب وطء سابق، دون ما إذا كان بسبب آخر أو احتمل ذلك. و لا ينتقص المهر في غير ذلك من العيوب.

(مسألة 144): لا يثبت الخيار بسبب المرض المعدي أو نحوه في أحد الزوجين، سواء كان قبل العقد أم بعده، نعم إذا خاف الآخر من

الضرر جاز له اعتزال المريض بالمقدار الذي يندفع به احتمال الضرر، فإن كان المعتزل حينئذ هو الزوجة لم تسقط نفقتها، و إن كان هو الزوج لم يجب عليه الطلاق الرافع لحقوق الزوجية، إلا أن يلزم الضرر علي الزوجة من الاعتزال، فالأحوط وجوبا حينئذ للزوج الطلاق إذا لم يؤد لها حقوقها.

ثم إن ما سبق يختص بما إذا لم يعلم أحد الزوجين بمرض الآخر حين العقد و لم يقدم علي ذلك، أما إذا علم به و أقدم عليه فاللازم عليه القيام بحقوق الزوجية للآخر و إن لزم الضرر، إلا أن يكون الضرر شديدا يحرم إيقاعه بالنفس فيجب تجنبه بالاعتزال.

(مسألة 145): إذا تزوج المريض امرأة توقفت صحة زواجه علي دخوله

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 41

بها، فإن دخل بها صح زواجه و ترتبت عليه جميع الآثار، و إن لم يدخل بها بطل زواجه و لم يترتب عليه الأثر، فلا ميراث بينهما و لا مهر و لا عدة.

و المعيار في المرض ما يظهر و يصدق به أنه مريض عرفا، دون الأمراض الكامنة التي لا مظهر لها و لا يدركها إلا الأطباء بطرقهم الخاصة.

(مسألة 146): إذا كانت المرأة مريضة صح الزواج منها و لو مع عدم الدخول.

(مسألة 147): تخلف الشرط في عقد النكاح و إن لم يوجب الخيار في فسخه كما تقدم، إلا أنه يجب الوفاء بالشرط الواجد للضوابط المتقدمة في مبحث الشروط من كتاب البيع. و لا يجب الوفاء به بدونها من دون أن يوجب ذلك بطلان العقد.

(مسألة 148): إذا اشترطت الزوجة في العقد أن لا يطأها أو أن لا يخرجها من بلدها أو من بيتها وجب علي الزوج الوفاء بذلك إلا أن تتنازل عن شرطها.

(مسألة 149): إذا

اشترطت الزوجة علي الزوج في العقد أن لا يتزوج عليها وجب الوفاء بالشرط، بل لو تزوج بطل زواجه إلا أن ترضي به و لو بعد ذلك.

(مسألة 150): إذا اشترطت الزوجة علي الزوج في عقد النكاح أو في عقد آخر أن يطلقها في حال خاص- من مرض أو سفر أو غيرهما- نفذ الشرط و وجب الوفاء به، و كذا لو اشترطت عليه أن لا يطلقها فإنه لا يصح منه الطلاق حينئذ.

(مسألة 151): إذا اشترطت عليه أن يوكلها علي طلاق نفسها في أي وقت شاءت، أو في حال خاص- كمرض أو سفر طويل أو سجن أو غير ذلك وجب عليه أن يوكلها. و إذا اشترطت عليه مع ذلك أن لا يعزلها لم يصح منه عزلها، بل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 42

يصح ضم التوكيل لعقد النكاح مشروطا بعدم العزل، كما لو قالت: زوجتك نفسي و جعلت نفسي وكيلة عنك في طلاقي منك علي أن لا تعزلني، فقال:

قبلت. فإنها تصير زوجة له و وكيلة عنه بلا حاجة للتوكيل ثانيا، و حينئذ يصح طلاقها لنفسها. نعم لا يجوز أن تشترط عليه أن بيدها الطلاق، بحيث يكون وقوع الطلاق و عدمه منوطا بها لا به، بل يبطل الشرط المذكور.

الفصل السابع في المهر

و هو كل شي ء له مالية و يحل التكسب به، و إن قلّ، عينا كان أو دينا أو منفعة، كخياطة الثوب و تعليم القرآن. و أما ما لا يحل التكسب به، كالخمر و الخنزير و آلات اللهو و المنافع المحرمة، فلا يصح جعله مهرا.

(مسألة 152): لا بد من جعل المهر ملكا للزوجة في العقد، فإن جعل لغيرها من أب أو أخ أو غيرهما بطل النكاح، و كذا لو اشترط الولي

شيئا له من مهرها. نعم لها أن تشترط هي شيئا لغيرها غير المهر زائدا عليه.

(مسألة 153): لا يصح نكاح الشغار، و هو: أن يتزوج شخصان امرأتين علي أن يكون مهر كل منهما زواج الأخري، مثل أن يزوج الرجل أخته من رجل علي أن يزوجه ذلك الرجل أخته. و هو من أنكحة الجاهلية. و أما إذا اشتمل الزواج علي المهر و اشترط فيه زواج آخر، فالزواج صحيح و الشرط باطل إلا أن يرضي به الزوجان الآخران.

(مسألة 154): لا بد في الزواج من المهر، و إن ابتني علي عدم المهر بطل، أما لو أهملا ذكره في العقد من دون أن يبتني علي عدمه فإن كان العقد منقطعا بطل أيضا كما تقدم، و إن كان دائما صح، لكنها تستحق مهر المثل بالدخول،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 43

فإن طلقها قبل الدخول كان عليه المتعة، و ذلك بأن يعطيها شيئا علي حسب حاله من حيثية الغني و الفقر. و الأولي مع ذلك مراعاة حالها أيضا فلا يدفع لها ما لا يناسب شأنها. و الأحوط وجوبا ثبوت المتعة أيضا بموت أحدهما قبل الدخول، فلا بد من التصالح.

(مسألة 155): إذا كان طلاق غير المدخول بها التي لم يسمّ لها مهر خلعيا فلا متعة لها، و في المبارأة إشكال.

(مسألة 156): من تزوج امرأة علي حكم أحدهما، فإن كان العقد منقطعا بطل، و إن كان دائما صح، و حينئذ إن كان الحكم للزوج ثبت للزوجة ما يحكم به الزوج قلّ أو كثر، و إن كان الحكم للزوجة لم يكن لها أن تتجاوز مهر السنة.

فإن مات أحدهما قبل الحكم و قبل الدخول فلا حكم حينئذ، بل تستحق المتعة إن كان الميت هو الحاكم،

بل مطلقا علي الأحوط وجوبا. و إن كان بعد الدخول، فإن كان الميت هو الحاكم استحقت مهر المثل، و إن كان الميت هو الآخر كان للحاكم أن يحكم علي التفصيل المتقدم، فينفذ حكمه، و كذا ينفذ حكمه لو كان الموت بعد الحكم مطلقا.

(مسألة 157): تملك المرأة المهر بالعقد، و إطلاقه يقتضي التعجيل فلها حينئذ المطالبة به كاملا، بل لها الامتناع من تسليم نفسها حتي تقبضه، سواء كان الزوج موسرا أم معسرا. لكن لو دخل الزوج بها قبل التسليم لم يكن لها الامتناع بعد ذلك من أجل أن تستلمه، فلو امتنعت حينئذ كانت ناشزا. نعم يجب علي الزوج حينئذ تسليمه مع مطالبتها به و قدرته عليه، كسائر الديون.

(مسألة 158): يجوز اشتراط التأجيل في المهر، فإن ابتني التأجيل علي تأجيل تسليم نفسها تبعا للمهر كان لها الامتناع من تسليم نفسها قبل الأجل و بعده حتي تستلم المهر، و لا تكون فائدة التأجيل حينئذ إلا عدم استحقاقها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 44

المطالبة بالمهر قبل الأجل. و إن لم يبتن علي ذلك- بأن يكون الغرض من المهر المؤجل التوثق لبقاء الزواج أو لمجرد تكريم المرأة بتكثير مهرها كما يتعارف في عصورنا- فليس للمرأة الامتناع من تسليم نفسها من أجل قبض المهر، سواء طلب الزوج إدخالها عليه قبل الأجل أم لم يطلبه حتي حلّ الأجل.

(مسألة 159): مع إطلاق التأجيل في المهر- بتمامه أو في بعضه- من دون ذكر أجل لا تستحق تسليم المهر إلا بالطلاق أو الموت، و يجوز للزوج التعجيل بأدائه. و مع تعيين الأجل يتعين العمل عليه، إلا أن يراد استحقاق التأجيل ما دامت عنده، كما هو غير بعيد في زماننا، و حينئذ يجب تسليمه بالطلاق

و إن حصل قبل الأجل، كما يحل بالموت مطلقا.

(مسألة 160): يكفي تعيين الأجل في الجملة، مثل ورود المسافر و وضع الحمل، و لو كان مبهما بحتا سقط الأجل و كان معجلا.

(مسألة 161): يسقط نصف المهر في الزواج الدائم بالطلاق قبل الدخول، و بموت أحد الزوجين قبله. و يستقر تمامه بالدخول و لو دبرا، و لا يقوم مقامه إزالة البكارة بغير الوطء. نعم يثبت مع إزالة بكارتها بغير إذنها مهر المثل، فإن دخل بها بعد ذلك أو قبله ثبت تمام المهر المسمي أيضا. و كذا يثبت مهر المثل علي غير الزوج لو أزال بكارة المرأة بغير إذنها.

(مسألة 162): في الزواج المنقطع لا يسقط شي ء من المهر بانقضاء الأجل أو الموت قبل الدخول، و في سقوط نصفه بهبة المدة قبل الدخول إشكال. نعم إذا أخلت بتمكين نفسها من الوطء بعض المدة مع طلبه منها أو شرطه عليها سقط من المهر بالنسبة، سواء كان الإخلال لعذر أم لا. و يستثني من ذلك أيام الحيض أو النفاس أو الإحرام أو نحو ذلك مما يحرم فيه الوطء. هذا إذا كان الغرض المهم من الزواج هو الوطء، أما إذا كان الغرض بقية الاستمتاعات

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 45

فالإخلال بها بعض المدة موجب لنقص المهر و إن صادف أيام الحيض مثلا.

و المدار في تبعيض المهر علي تبعيض مدة الحضور، لا علي التبعيض في وجوه الاستمتاع.

(مسألة 163): إذا دفع الزوج للزوجة شيئا عوضا عن مهرها ثم طلقها قبل الدخول أو مات أحدهما رجع نصف المهر المسمي، لا نصف ما دفعه لها.

(مسألة 164): إذا أبرأت الزوجة الزوج من مهرها أو من بعضه ثم طلقها قبل الدخول أو مات أحدهما كان عليها نصف

المهر. و كذا إذا قبضت المهر ثم تلف عندها و طلقها قبل الدخول أو مات أحدهما.

(مسألة 165): إذا كان المهر عينا فقبضتها ثم زادت عندها أو نقصت و طلقها أو مات أحدهما قبل الدخول رجع نصف قيمتها بلحاظ حالها حين قبضها. أما إذا زادت القيمة السوقية أو نقصت من دون تغيير في العين فاللازم دفع نصف العين و إن اختلفت القيمة.

(مسألة 166): إطلاق عقد النكاح يقتضي ثبوت المهر في ذمة الزوج.

و يمكن أن يتحمله عنه غيره بأن يشترط ذلك في العقد. بل إذا زوج الأب ولده الصغير و لم يكن للولد مال كان المهر علي الأب و إن لم يشترط ذلك في العقد.

(مسألة 167): إذا تحمل غير الزوج المهر فطلق الزوج أو مات أحد الزوجين قبل الدخول لم يرجع نصف المهر للزوج، بل لمن تحمله. و كذا إذا كان المهر علي الزوج فتبرع به غيره عنه.

(مسألة 168): من وطأ امرأة شبهة بعقد فاسد قد اشتمل علي المهر كان عليه ذلك المهر، فإن لم يشتمل العقد علي المهر كان عليه مهر المثل، و كذا عليه مهر المثل إذا وطأها شبهة بغير عقد. نعم إذا كان مغرورا كان له الرجوع علي من غره. و إن كانت هي التي خدعته سقط مهرها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 46

(مسألة 169): لا يثبت للمرأة شي ء من المهر بالعقد الفاسد من دون وطء. نعم في عقد الفضولي من دون وطء يحتمل ثبوت نصف المهر المسمي علي الفضولي لا علي الزوج، و اللازم الاحتياط.

(مسألة 170): لا يثبت شي ء مع الزني من دون شبهة. و المعيار في الزني و الشبهة علي الزوجة لا علي الزوج.

(مسألة 171): من وطأ امرأة مكرها لها كان

عليه مهر المثل لها.

(مسألة 172): الهدايا التي تتعارف في عصورنا لكل من الزوجين بمناسبة الزواج لا يلحقها حكم المهر، بل يلحقها حكم الهبة، فتلزم إذا كان المهدي رحما أو عوضت الهدية أو تصرف المهدي له فيها تصرفا مغيرا لصورتها، علي ما تقدم توضيحه في كتاب الهبة. و لا تتنصف بالطلاق قبل الدخول. نعم لا يبعد ابتناء هبة النيشان و بعض الملابس التقليدية علي عدم الطلاق قبل الدخول، بحيث يكون مشروطا بذلك ارتكازا، فإن تمّ ذلك تعيّن ثبوت الخيار لدافع الأمور المذكورة بحصول الطلاق قبل الدخول حتي مع حصول أحد الملزمات.

(مسألة 173): يكره زيادة المهر، حتي ورد عنهم عليهم السّلام أن من بركة المرأة قلة مهرها و من شؤمها كثرة مهرها. كما يكره الزيادة علي مهر السنة، و هو خمسمائة درهم فضة، تكون ألفا و أربعمائة و سبعة و ثمانين غراما و نصفا من الفضة تقريبا.

(مسألة 174): إذا وقع العقد الشرعي علي مهر خاص، و أعلن مهر آخر أو ثبت عند تسجيل الزواج في المحكمة كان الثابت هو المهر الذي وقع عليه العقد، و يحرم العمل علي غيره.

(مسألة 175): يكره الدخول بالمرأة قبل دفع شي ء لها من مهرها، أو هدية خارجة عن المهر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 47

الفصل الثامن في القسمة و النشوز

(مسألة 176): تستحق الزوجة الدائمة علي الزوج المبيت عندها في كل ليلة من أربع ليال، سواء كان عنده غيرها أم لم يكن. و لا تستحق ذلك المتمتع بها.

(مسألة 177): المبيت الواجب هو المبيت المبني علي الإيناس و حسن المعاشرة بالوجه المتعارف، و لا يكفي ما يبتني منه علي الهجر و الإعراض و النفرة.

(مسألة 178): يجوز لمن كان عنده أكثر من امرأة أن يفضل بعض نسائه علي

بعض في المبيت و المواقعة و النفقة بما يزيد عما تستحقه منه من دون أن ينقص الأخري عن حقها. فمن كان عنده زوجتان جاز له أن يبيت عند إحداهما ثلاث ليال و عند الأخري ليلة واحدة. إلا أن يكنّ أربعا فلا مجال للتفضيل في المبيت.

نعم يكره له تفضيل بعضهن، بل ينبغي له أن يجهد في العدل بينهن في جميع الأمور عدا الميل النفسي الذي قد يخرج عن الاختيار. و قد حكي عن بعض الأكابر ممن كان له نساء أربع أنه كان يقول: إن إحداهن في نفسي كالعقرب و لا يستطعن أن يعرفن من هي.

(مسألة 179): إنما يجب المبيت مع الحضور في البلد، و يجوز السفر و ترك المبيت عند الزوجة. إلا أن يخرج السفر عن المتعارف في كثرته و يبتني علي إهمال حق المرأة عرفا بنحو ينافي المعاشرة بالمعروف، فالأحوط وجوبا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 48

إرضاؤها حينئذ. كما أن الأحوط وجوبا مع تعدد النساء المحافظة علي الدورة عند الرجوع، فيبدأ بصاحبة النوبة عند حصول السفر.

(مسألة 180): إذا كان الزوج ممن لا يتسني له المبيت في بيته لعمل يتعيش به أو نحوه ففي سقوط حق الزوجة في القسمة إشكال، فالأحوط وجوبا التصالح معها. و مع الاضطرار لذلك و إبائها فالأحوط وجوبا تعويضها بالصيرورة عندها في النهار.

(مسألة 181): إذا كانت الزوجة أمة أو كتابية كان لها ليلة من ثمان.

(مسألة 182): من تزوج امرأة جاز له تفضيلها عند إدخالها عليه بأن يبقي عندها ثلاث ليال، بل إن كانت بكرا جاز له أن يزيدها إلي سبع ليال.

(مسألة 183): للمرأة أن تتنازل عن ليلتها رغبة عنها، و زهدا فيها- لملل أو نحوه- أو تجنبا لمحذور- كالطلاق- أو تعرضا

لأمر ترغب فيه كزيادة النفقة أو الإذن في الخروج أو نحو ذلك. و لها العدول عن ذلك بعد صدوره منها، إلا أن يلزمها بشرط أو عقد لازمين.

(مسألة 184): أن تنازلت الزوجة عن ليلتها لزوجها كان له أن يقضيها حيث شاء، و إن تنازلت عنها لضراتها أجمع دخلت في قسمتهن، فإذا كنّ ثلاثا مثلا كان لكل منهن ليلة من ثلاث، و إن تنازلت عنها لواحدة بعينها اختصت بها، فتكون لها ليلتان. لكن التنازل في الأخيرين لا ينفذ علي الزوج إلا أن يرضي به، و لو رضي به كان له العدول إلا أن يلزمه بشرط أو عقد لازمين.

(مسألة 185): تستحق الزوجة علي الزوج الوطء في القبل في كل أربعة أشهر، من دون فرق بين الشابة و غيرها. و الظاهر عدم كفاية مسمي الوطء، بل ما يتعارف الإتيان به لإشباع الحاجة الجنسية. و في عموم ذلك للمتمتع بها إشكال، و إن كان أحوط وجوبا. كما تستحق عليه أيضا النفقة، علي ما يأتي في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 49

الفصل العاشر إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 186): إذا ترك الزوج وطء زوجته أربعة أشهر مغاضبا لها رفعت أمرها للحاكم الشرعي فيلزمه بأحد أمرين: الوطء أو الطلاق، نظير ما يأتي في الإيلاء. أما لو ترك وطأها من دون مغاضبة بل لعجز أو سفر أو نحوهما ففي رجوعها للحاكم الشرعي إشكال و الأظهر العدم.

(مسألة 187): يجب علي الزوجة التمكين من الاستمتاعات- عدا الوطء في الدبر- و إزالة المنفر، بل التهيؤ و التطيب و التزين بما يهيؤه الزوج لها و يطلبه منها.

(مسألة 188): يحرم علي الزوجة الخروج من منزل زوجيتها إلا بإذن زوجها أو بإحراز رضاه، إلا أن تضطر لذلك للتداوي أو

نحوه مما تتضرر بتركه أو يتوقف عليه أداء واجب كحجة الإسلام. أما لو أخرجها عن منزل زوجيتها فذهبت إلي منزل آخر فالظاهر جواز خروجها حينئذ منه بغير إذنه.

(مسألة 189): للزوجة أن تعمل ما شاءت من غير إذن الزوج في بيتها من الأعمال التي تتكسب بها و غيرها ما لم يناف حق الزوج في الاستمتاع أو يوجب التعدي علي ملكه.

(مسألة 190): إذا نشزت الزوجة فلم تؤد للزوج حقه كان له وعظها، فإن لم ينفع هجرها في المضجع بأن يوليها ظهره و يعرض عنها، فإن لم ينفع ضربها من دون إدماء لحم و لا كسر عظم.

(مسألة 191): إذا نشز الزوج لم يكن للزوجة النشوز معه و الامتناع عن أداء حقه، نعم لها أحد أمرين.

الأول: أن ترفع أمره للحاكم الشرعي، فيلزمه بأداء الحق، و مع امتناعه له تعزيره. كما أن له إلزامه بالطلاق إذا طلبته الزوجة، فإن امتنع طلق عنه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 50

الثاني: أن تتنازل عن بعض حقوقها كالمبيت و نحوه، تأليفا له و تجنبا لتفاقم الأمر حذرا من الطلاق.

(مسألة 192): إذا وقع الشقاق بين الزوجين و التنافر بينهما فالأولي عدم التسرع في الطلاق و عدم إهمال الأمر حتي يتفاقم الشر، بل يختار كل منهما حكما عنه، و إن أمكن أن يكون من أهله فعل، و لينظر الحكمان في مشكلتهما و ليجهدا في تقريب و جهات النظر و الإصلاح، مع صدق النية منهما في ذلك، فإن تعذر ذلك لم يكن لهما اختيار البذل و الطلاق إلا مع تحقّق شروط الخلع أو المبارأة و رضا الزوجين به أو عموم وكالتهما له، و مع اتفاق الحكمين عليه.

(مسألة 193): حيث جعل اللّه سبحانه القيمومة للزوج فالمنتظر منه

القيام بما يناسب ذلك من مقتضيات الحكمة، و ذلك بسعة الصدر و محاولة تخفيف الأزمة و استيعاب المشاكل و التروي في حلها و الصبر علي الأذي، و التسامح عن الخطأ و غفران الزلل و تجنب الغضب و الضجر و اللجاجة و الحرص و نحوها من وسائل الشيطان الرجيم مستعينا باللّه تعالي و مستمدا منه التوفيق و التسديد.

كما ينبغي للمرأة أن تعرف موقعها و تتحمل مسئوليتها و لا تنسي أن جهادها الذي أراده اللّه تعالي منها حسن التبعل و محاولة إرضاء الزوج و التجاوب معه، فإنه أعظم حقا عليها من كل أحد، حتي ورد عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». و ما جعل اللّه سبحانه كلّا من الزوجين في موقعه و أدبه بأدبه إلا حفاظا علي كيان العائلة و محاولة لإسعاد أفرادها و راحتهم، فعليهما شكر ذلك و تحمل المسؤولية الملقاة علي عاتقهما، و الحذر من نزغات الشيطان الرجيم و تسويلات النفس الأمارة بالسوء، و تجنب الاندفاع في سورة الغضب و الانفعال، حيث قد يصلان بذلك إلي ما لا تحمد عقباه و لا يمكن تلافيه، و اللّه سبحانه من وراء القصد.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 51

الفصل التاسع في أحكام الأولاد

يلحق الولد بصاحب النطفة التي انعقد منها، سواء كان الانعقاد عن طريق الوطء أم بدونه، كما لو سال مني الرجل فدخل فرج المرأة، أو أدخل بآلة، أو لقحت بويضتها بحيمن الرجل خارج الرحم ثم أدخلت البويضة في الرحم، أو غير ذلك.

(مسألة 194): توصل العلم الحديث إلي تلقيح بويضة المرأة بحيمن الرجل خارج الرحم ثم زرعها في رحم امرأة أخري فتحضنها حتي يستكمل الجنين نموه

فتلده. و في إلحاق الولد حينئذ بصاحبة البويضة أو بالحاضنة التي حملته وجهان أقربهما الأول. و كذا يلحق بصاحبة البويضة لو فرض استكمال نموه خارج الرحم في حاضنة صناعية. و إن كان الظاهر أن ذلك فرض مجرد لا واقع له الآن.

(مسألة 195): يجوز تلقيح بويضة المرأة بنطفة زوجها، من دون فرق بين تلقيحها في الرحم- بطريق الوطء أو بإدخال المني من دون وطء- و تلقيحها خارج الرحم. و أما تلقيحها بنطفة أجنبي فهو حرام إذا كان التلقيح في الرحم بطريق الوطء المحرم أو بمجرد إدخال المني، بل الأحوط وجوبا تركه مطلقا و إن كان التلقيح خارج الرحم، إذا استتبع دخول البويضة بعد التلقيح في الرحم. بل مطلقا، إلا أن لا يستتبع التلقيح تكوّن آدمي، بل كان لمحض التجارب العلمية في مرحلة بدائية.

(مسألة 196): الأحوط وجوبا عدم حضن المرأة بويضة ملقحة بنطفة غير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 52

زوجها، سواء كانت البويضة لها أم لغيرها، و يجوز حضنها لبويضة ملقحة بنطفة زوجها، سواء كانت البويضة لها أم لغيرها، كما لو كان للرجل زوجتان فاستخرجت بويضة إحداهما و لقحت بحيمنه ثم أودعت رحم الأخري.

(مسألة 197): لما كان استخراج البويضة و إرجاعها للرحم مستلزما لكشف العورة للأجنبي و مسها غالبا فهو محرم من هذه الجهة، و لا يحل إلا بمبرر يبلغ حد الحرج أو الضرر. و كذا الحال لو توقف التلقيح علي الاستمناء من الرجل.

(مسألة 198): قد سبق المعيار في إلحاق الولد بالرجل و المرأة و حينئذ تترتب مع المعيار المذكور جميع آثار الأبوة و الأمومة، كحرمة النكاح و جواز النظر و النفقة و الميراث و غير ذلك. و يستثني من ذلك التوارث، فلا يترتب مع الانتساب

بسبب الزني و هو وطء المرأة من دون زواج و لا ملك يمين و لا اشتباه بأحدهما.

(مسألة 199): إذا كان الوطء عن شبهة من أحد الطرفين دون الآخر تمّ التوارث بين الولد و الطرف الذي حصل الاشتباه له، دون الطرف الآخر الذي لا شبهة منه، بل كان وطؤه زناء.

(مسألة 200): إذا حملت المرأة من الزني لم ينفع زواجها من الواطئ في ارتفاع حكم الزني فلا يترتب التوارث بين الزاني و الولد.

(مسألة 201): قد سبق حرمة تلقيح بويضة المرأة بنطفة الرجل الأجنبي عمدا؟ و حينئذ هل يترتب معه حكم الزني في عدم التوارث بين الطفل و المتعمد للتلقيح المحرم؟ إشكال. فاللازم الاحتياط.

(مسألة 202): هل تلحق النفقة بالتوارث في الاستثناء المتقدم مع الزني؟

إشكال. فاللازم الاحتياط أيضا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 53

(مسألة 203): إذا علم بأن الولد قد انعقد من حويمن الرجل فلا إشكال، و إن لم يعلم فإذا حملت الزوجة الدائمة أو المنقطعة الحق الحمل بالزوج بشروط.

الأول: وطؤه لها وطء يحتمل كونه سببا للحمل، أو ما يقوم مقامه، كإراقته المني علي فرجها بنحو يحتمل دخوله في رحمها و تلقيحها به.

الثاني: ولادة الحمل تاما- بحيث تستقر فيه الحياة- بعد ستة أشهر من الوطء المذكور أو ما الحق به، فلو ولد لأقل من ستة أشهر و عاش فهو ليس له.

الثالث: عدم تجاوز أقصي الحمل، و هو سنة قمرية علي الأظهر. فمع تحقق الشروط المذكورة يحرم علي الأب نفي الولد.

(مسألة 204): إذا اعترف الزوج بتحقق الأمور المذكورة لم يقبل منه نفي الولد. أما إذا لم يعترف بها فله نفي الولد إذا كانت المرأة التي حملت بالولد زوجة متمتعا بها أو أمة، و كذا إذا كانت زوجة دائمة لم

يثبت دخوله بها. أما إذا ثبت دخوله بها فلا يقبل منه نفي الولد إلا باللعان، أو بإقامة البينة علي ما يمنع من تولد الولد منه، كاعتزالها أو غيبة طويلة عنها أو نحو ذلك.

(مسألة 205): إذا ادعي عدم الدخول فالقول قوله بيمينه إلا أن تقيم الزوجة البينة علي أنه اختلي بها خلوة يمكن معها الدخول عادة.

(مسألة 206): إنما يلحق الولد بالزوجين- مع الشروط المتقدمة- إذا تصادقا علي أن الزوجة قد حملت به، أو ثبت ذلك بالعلم أو البينة، و لا يلحق بدون ذلك، كما إذا ولدت الزوجة في المستشفي مثلا، فدفع لها ولد و احتملت هي أو الزوج أن الذي ولدته طفل آخر.

(مسألة 207): إذا طلقت المرأة ثم ولدت قبل مضي مدة أكثر الحمل من طلاقها الحق الولد بزوجها مع تحقق الشروط المتقدمة فيه. هذا إذا لم تتزوج أما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 54

إذا تزوجت قبل ولادتها فسيأتي الكلام فيه.

(مسألة 208): إذا طلقت الزوجة الدائمة أو انقضي أجل المتمتع بها فاعتدت و تزوجت ثم ولدت ولدا تاما لستة أشهر فما زاد من زواجها الثاني الحق الولد بزوجها الثاني مع تحقق الشروط المتقدمة فيه. و إن ولدت لأقل من ستة أشهر منه، أو لم تتحقق الشروط المتقدمة فيه لم يلحق الولد به، و حينئذ إن لم تمض مدة أكثر الحمل لخروجها عن زوجية الأول ألحق الولد بزوجها الأول مع تحقق الشروط المتقدمة فيه، و انكشف أن الزواج الثاني في عدة الأول فتحرم علي الثاني مؤبدا إن كان قد دخل بها. و إن مضت مدة أكثر الحمل لخروجها عن زوجية الأول أو لم تتم الشروط المتقدمة فيه لم يلحق الولد به أيضا.

(مسألة 209): إذا وطأ الرجل

المرأة شبهة الحق الولد به مع تحقق الشروط المتقدمة فيه، إلا أن تكون المرأة مزوجة أو في العدة الرجعية، فإنه إن علم بلحوق الولد بالواطي أو بالزوج عمل به، و إن تردد بينهما يقرع بينهما و يعمل علي مقتضي القرعة.

(مسألة 210): المراد بوطء الشبهة هنا هو الوطء عن شبهة من جانب الرجل الواطئ، و إن كانت المرأة الموطوءة زانية لعلمها بالحال.

(مسألة 211): إذا تردد الولد بين الزوج و الزاني الحق بالزوج.

(مسألة 212): إذا تردد الولد بين اثنين أقرع بينهما و عمل علي مقتضي القرعة، كما إذا ولدت زوجتان لزوجين و اشتبه ولد كل منهما بولد الآخر، أو ولدت زوجتان لرجل واحد و اشتبه ولد كل منهما بولد الأخري، أو وطء رجلان امرأة شبهة أو كان أحدهما زوجها و أمكن إلحاق الولد بكل منهما إلي غير ذلك. نعم إذا كان أحدهما زانيا و الآخر صاحب فراش- و لو لكونه واطئا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 55

بشبهة- كان الترجيح للثاني و الحق به الولد من دون حاجة للقرعة.

(مسألة 213): يقبل من الرجل الإقرار بالولد الذي يولد من امرأة هي فراش له، و كذا من امرأة يتصادق معها علي أنها فراش له، سواء سبق منه نفيه عنه أم لا. نعم إذا سبق منه نفيه عنه الزم بنفيه في حق نفسه، لا في حق الولد، فيرثه الولد و يجب عليه نفقته و لا يرث هو الولد و لا يجب علي الولد نفقته. هذا و إذا أقر بالولد في فرض كون امه فراشا له فليس له بعد ذلك نفيه حتي باللعان.

كما لا يسمع من الولد الانتفاء منه إلا بالبينة. هذا كله مع احتمال صدقه في الإقرار بالولد. أما مع

العلم بكذبه به لخروجه عن الضوابط المتقدمة في لحوق الولد بأبيه فلا أثر للإقرار المذكور.

(مسألة 214): إذا أقر بولد امرأة لم يثبت كونها فراشا له فلا يقبل الإقرار و لا تثبت بنوة الولد إلا مع كون الولد تحت يده و في حوزته، إذا لم يكن هناك ما يوجب الريب في صدقه، و يكفي في الريب تكذيب الولد له إذا كان مميزا يدرك معني التكذيب. و كذا الحال في المرأة فإنه يقبل منها دعوي بنوة الولد الذي هو في حوزتها مع عدم ما يوجب الريب في صدقها. بل الظاهر جريان ذلك في جميع الأرحام. نعم إذا كبر الطفل و أنكر النسب- مدعيا العلم أو قيام الحجة علي نفيه- ففي إلزامه به إشكال، بل منع في جميع الفروض المتقدمة.

(مسألة 215): إذا تصادق شخصان كبيران علي نسب بينهما- كالبنوة و الاخوة و العمومة و الخؤولة و غيرها- و استمرا علي ذلك و لم يرجعا عنه و لم يكن هناك من يكذبهما فيه- مدعيا العلم بذلك أو قيام الحجة عليه- ثبت النسب المدعي بينهما و ترتب أثره من ميراث أحدهما من الآخر أو ممن يتقرب به و ميراث الآخر و من يتقرب به منه إلي غير ذلك من آثار النسب. نعم في ثبوت لازم النسب المدعي إشكال، كما لو تصادقا علي الاخوة، حيث يشكل البناء علي كون أحدهما ولدا لأب الآخر ليرث منه مع بقية أولاده أو ابن أخ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 56

لعمه، فلا يترك الاحتياط، خصوصا إذا كان للمورث ورثة آخرون.

(مسألة 216): يثبت النسب بالبينة، و لا يثبت بشهادة رجل و امرأتين و لا بشاهد و يمين حتي بالإضافة إلي الميراث علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 217):

من ادعي نسبا لا تنهض دعواه بإثباته لإخلاله بالشروط المتقدمة يلزم بالحقوق المترتبة عليه بمقتضي النسب الذي يدعيه أخذا له بإقراره إذا تمت شروط الإقرار.

(مسألة 218): يحرم علي الرجل و المرأة تبني طفل لم يتولد منهما و لم يحكم عليه شرعا بأنه لهما، و لا أثر للتبني المذكور شرعا في وجوب النفقة أو حرمة النكاح أو الميراث أو غيرهما من أحكام البنوة. و قد ألغي الإسلام التبني المذكور الذي كان شائعا في الجاهلية قال تعالي وَ مٰا جَعَلَ أَدْعِيٰاءَكُمْ أَبْنٰاءَكُمْ ذٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوٰاهِكُمْ وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبٰاءَهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوٰالِيكُمْ، كما يحرم علي الإنسان أن يتبرأ من نسبه و ينتسب لغير أبيه ففي الصحيح عن الإمام الصادق عليه السّلام قال: «كفر باللّه من تبرأ من نسب و إن رق»، و من المؤلم ما نراه اليوم من رجوع هذه العادة الجاهلية عند بعض الناس غافلين أو متغافلين عن حكم الإسلام القاطع في ذلك. فإنا للّه و إنا إليه راجعون.

هذا، و أما التربية و الكفالة للطفل الذي لا يعرف أهله أو يضعف أهله عن تربيته و كفالته من دون أن يدعيه المربي و الكافل و يتبناه فهو إحسان محض يشكر فاعله. لكن يجب الحذر من أن يؤدي ذلك لاشتباه النسب أو ضياعه.

و كذا الحال في تسجيل الطفل باسم غير أبيه في دائرة النفوس بحيث يكون ولدا له بحسب القوانين الوضعية. فإنه لا بأس به في نفسه، بل قد يحسن إذا توقف عليه حل مشكلة قانونية ما لم يؤد ذلك لاشتباه النسب أو ضياعه أو ترتب آثاره

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3،

ص: 57

بوجه غير شرعي من ميراث و نحوه فإنه يحرم حينئذ كما ذكرنا. و الحذر ثم الحذر من مخالفة أحكام اللّه تعالي و تعدي حدوده و انتهاك حرماته بعد أن أوضح الحق و أقام أعلامه و لم يبق عذرا لمعتذر إذ قد يكون ذلك سببا للنكال و الوبال في الدنيا و الآخرة للمجتمع الذي يشيع فيه ذلك فضلا عمن يباشره و يقوم به.

(مسألة 219): يحرم عند الولادة اطلاع الرجل علي المرأة بنحو يقتضي النظر لما يحرم عليه النظر منها، خصوصا العورة، إلا مع الاضطرار، فيقتصر علي مقدار الضرورة.

(مسألة 220): ينبغي للمؤمن إذا بشّر بمولود أن لا يسأل عن أنه ذكر أو أنثي، بل يسأل عن استواء خلقته، فإذا كان سويا قال: «الحمد للّه الذي لم يخلق مني خلقا مشوها» فإن علم بعد ذلك أنه ذكر شكر اللّه علي نعمته، و إن كان أنثي لم يكره اختيار اللّه تعالي له، و في الحديث: «البنات حسنات و البنون نعمة و الحسنات يثاب عليها و النعمة يسأل عنها».

(مسألة 221): يستحب عند الولادة أمور.

الأول: غسل المولود. و الظاهر احتياجه للنية من قبل الغاسل.

الثاني: أن تكون الخرقة التي يلف بها بيضاء، و يكره أن تكون صفراء.

الثالث: أن يؤذن في اذنه اليمني أذان الصلاة، و يقام في اليسري.

و الأولي أن يكون قبل قطع سرته.

الرابع: أن يحنك بماء الفرات و بتربة الحسين عليه السّلام فإن لم يتيسر فبماء السماء. و أن يحنك بالتمر، بل العسل أيضا.

و المراد جعل هذه الأمور في حنكه. و للإنسان حنكان: أعلي الفم من داخل، و أسفله تحت اللسان في مقدم الفم، فيحتاط بجعله فيهما معا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 58

(مسألة 222): من حق الولد علي

الوالد أن يحسن اسمه، و قد ورد أن أصدق الأسماء ما تضمن العبودية للّه تعالي- كعبد اللّه و عبد الرحيم- و أفضلها أسماء الأنبياء، و أفضلها (محمد)، بل ورد: أن من ولد له أربعة أولاد، بل ثلاثة، و لم يسم أحدهم باسم محمد فقد جفا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، كما ورد أيضا الحث علي التسمية بعلي، و في الحديث: «إن الشيطان إذا سمع مناديا ينادي: يا محمد أو يا علي ذاب كما يذوب الرصاص»، و ورد عنهم عليهم السّلام: «لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد اللّه أو فاطمة من النساء». كما يكره التسمية بأسماء أعداء أهل البيت عليهم السّلام، و ورد عنهم عليهم السّلام: «ان الشيطان إذا سمع مناديا ينادي باسم عدوّ من أعدائنا اهتز و اختال» و المراد به الاسم الذي يعرف بمرور الزمن لأعدائهم، بحيث ينصرف لهم عند إطلاقه، فلا تكره التسمية به قبل ذلك.

(مسألة 223): يستحب تسمية المولود عند ولادته بمحمد إلي اليوم السابع، ثم يترك بعد ذلك أو يغيّر.

(مسألة 224): يستحب تكنية المولود بأن يضاف لاسمه اسم مبدوء بأب إن كان ذكرا أو مبدوء بأم إن كان أنثي، فإن لم يكنّ في صغره استحب له أن يكتني إذا كبر و إن لم يكن له ولد. و يكره التكنية بأبي عيسي و أبي الحكم و أبي مالك و أبي مرة، و كذا بأبي القاسم إن كان اسمه محمدا.

(مسألة 225): يستحب حلق شعر الصبي في اليوم السابع و التصدق بوزنه ذهبا أو فضة.

(مسألة 226): يستحب ختان الصبي يوم السابع، و يكره تأخيره عنه. و إذا

بلغ غير المختون وجب عليه أن يختن نفسه. و لا بد في الختان من قطع تمام الغلفة و هي اللحمة التي تغطي الحشفة، و إن نبتت الغلفة بعد الختان وجبت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 59

إعادته. و من ولد مختونا استحب إمرار الموسي علي مقطع الغلفة منه.

(مسألة 227): يستحب أن يقال عند ختان الصبي: «اللهم هذه سنتك و سنة نبيك صلّي اللّه عليه و آله، و اتباع منا لك و لدينك بمشيئتك و بإرادتك، لأمر أردته و قضاء حتمته و أمر أنفذته، فأذقته حر الحديد في ختانه و حجامته لأمر أنت أعرف به مني. اللهم فطهره من الذنوب و زد في عمره و ادفع الآفات عن بدنه و الأوجاع عن جسده و زده من الغني و ادفع عنه الفقر، فإنك تعلم و لا نعلم».

و عن الصادق عليه السّلام: «من لم يقلها عند ختان ولده فليقلها عليه من قبل أن يحتلم، فإن قالها كفي حرّ الحديد من قتل أو غيره».

(مسألة 228): يستحب مؤكدا العقيقة عن الصبي في اليوم السابع، فإن لم يعق عنه في اليوم السابع عقّ عنه بعد ذلك، بل لو كبر و لم يعلم بأنه عق عنه أو لا استحب له أن يعق عن نفسه. بل قد يظهر من بعض النصوص استحباب أن يعق الكبير عن نفسه و إن سبق أن عق عنه في صباه. كما يستحب قضاؤها لو مات بعد السابع، بخلاف ما لو مات قبله.

(مسألة 229): لا يجزئ عن العقيقة التصدق بثمنها، نعم تجزئ عنها الأضحية.

(مسألة 230): العقيقة شاة أو بقرة أو بدنة، و يستحب تعددها عن الواحد، و لا تجزئ الواحدة عن أكثر من واحد.

(مسألة 231): أفضل العقيقة كبش، خصوصا

عن الذكر، و أفضلها أسمنها، و لا يشترط فيها شروط الأضحية.

(مسألة 232): يستحب أن يقال عند ذبح العقيقة: «بسم اللّه و باللّه عقيقة عن فلان لحمها بلحمه و دمها بدمه و عظمها بعظمه، اللهم اجعله و قاء لآل محمد صلّي اللّه عليه و آله» و وردت أدعية اخري يضيق المقام عن ذكرها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 60

(مسألة 233): يكره أن يأكل الأبوان و عيالهما منها. و تتأكد الكراهة في الأم، بل الأحوط استحبابا الترك. و يدفع للقابلة ثلثها أو ربعها أو رجل منها مع الورك أو بدونه. فإن لم تكن قابلة أعطيت حصتها للام تدفعه لمن تشاء، و يطبخ الباقي و يقسم علي المؤمنين أو يدعي عليه نفر منهم، و يستحب أن يكونوا عشرة فإن زادوا فهو أفضل، فيأكلون و يدعون للصبي. و يجوز إهداؤها لحما لم يطبخ. و الأحوط وجوبا تخصيص ما عدا حصة القابلة بالمؤمنين، و عدم دفعها لغيرهم ممن لا يوالي أهل البيت عليهم السّلام و عدم إطعامه منها.

(مسألة 234): يستحب أن تقطّع العقيقة أعضاء تامة، و يكره أن يكسر لها عظم. و أما ما اشتهر بين سواد الناس من لف العظام بخرقة و دفنها فلم نعثر له علي سند شرعي.

(مسألة 235): لا يشرع لطخ رأس الصبي بدم العقيقة، و هو من فعل الجاهلية، بل يلطخ بالخلوق، و هو- كما قيل- ضرب من الطيب أكثر أجزائه الزعفران.

(مسألة 236): أفضل المراضع الام، و عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال: «ما من لبن رضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن امه». لكن لا تجبر الام علي إرضاع ولدها، و لو أرضعته كان لها المطالبة بالأجرة من ماله إن كان له

مال، و إلا فمن مال أبيه إن كان له مال، و إلا فمن مال من تجب نفقته عليه الذي يأتي التعرض له في الفصل العاشر.

فإن رضيت بما يرضي به غيرها من تبرع أو اجرة فهي أحق بإرضاعه، و إن طلبت ما زاد علي ذلك لم يجب إجابتها، سواء زاد علي اجرة المثل أم لا.

نعم يستحب ترك الطفل حينئذ مع امه و إرضاعه منها.

(مسألة 237): أتم الرضاع شرعا عامان، و يجوز الزيادة علي ذلك. و أقل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 61

الرضاع شرعا واحد و عشرون شهرا. و الظاهر جواز النقص عن ذلك- مع عدم ظهور حاجة الصبي له- علي كراهة.

(مسألة 238): الولي علي الصبي هو الأب، إلا أن للام أن تطالب بحضانته و ذلك بتولي شؤون عيشه و تربيته، و يكون في حجرها حينئذ تحت نظر أبيه و في رعايته، كما هو مقتضي ولايته عليه. و الظاهر اختصاص ذلك بمدة الرضاع، فإذا فطم- و لو قبل مضي سن الرضاع الشرعي- سقط حقها في الحضانة، و اختص بذلك أبوه.

(مسألة 239): إذا طلقت الام تبقي حضانتها في مدة الرضاع ما لم تتزوج، فإذا تزوجت سقطت حضانتها، و كان للأب أن يضعه حيث يشاء. و إذا طلقت لم تعد لها الحضانة.

(مسألة 240): إذا ماتت الأم في مدة الرضاع سقطت حضانتها و لا تنتقل لورثتها و لا لوصيها.

(مسألة 241): إذا طلبت الأم أجرا زائدا علي الرضاع فاسترضع الأب غيرها سقطت حضانتها.

(مسألة 242): إذا سقط الأب عن الولاية بموت أو جنون فالحضانة للأم حتي لو كانت تزوجت، و ليس لوصي الأب أو الجد للأب انتزاعه منها، فإذا عادت الولاية للأب عادت له الحضانة إذا كان الطفل قد فطم.

(مسألة 243):

حق الحضانة الذي يكون للام يسقط بإسقاطها، و لها إسقاطه دفعة، كما لها إسقاطه تدريجا، مدة فمدة. أما ولاية الأب و حضانته للطفل فهي لا تقبل الإسقاط، و لو رضي بتركها مدة و إيكال أمر الصبي لغيره من أجل مصلحة الصبي كان له الرجوع عن ذلك متي شاء.

(مسألة 244): الظاهر عدم استحقاق الأم الأجرة علي الحضانة زائدا علي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 62

اجرة الرضاع، فلو طالبت بالأجرة كان له انتزاع الصبي منها و دفعه لغيرها و لو بأجرة. نعم للأب أن يستأجرها حينئذ بما يتفقان عليه فتستحق الأجر.

(مسألة 245): لو اعتدي الأب أو غيره علي الام و منعها من حضانة الطفل مدة من الزمن، فلا يتدارك ذلك بالقضاء، و لا بدفع القيمة أو نحوها.

(مسألة 246): إذا فقد الأبوان فلا حق لأحد في حضانة الصبي، بل هي تابعة للولي فيضعه حيث يراه صلاحا له.

(مسألة 247): إذا بلغ الصبي رشيدا فلا ولاية للأبوين و لا غيرهما عليه، و يكون الخيار له في الانضمام لمن يشاء منهما أو من غيرهما أو الاستقلال.

(مسألة 248): يستحب تقبيل الصبي و التصابي له و ملاعبته، و ينبغي إشعاره بعطف الأبوة و حنوها.

(مسألة 249): يستحب تمرين الصبي علي العبادات، كالصلاة و الصيام و الصدقة، و التدرج معه في ذلك حسب إدراكه و طاقته، علي وجوه مذكورة في المطولات، و لا ينبغي إهمال ذلك و التهاون به، خصوصا الصلاة فقد ورد أنه يلزم بها لسبع سنين.

(مسألة 250): ينبغي للأب تربية ولده تربية يصلح بها في دينه و بدنه و خلقه، فقد ورد: أن من حقوق الولد علي أبيه أن يحسن أدبه، و قد ورد أنه يترك للعب ست سنين أو سبع سنين

و يلزمه الأب نفسه فيؤدبه بأدبه و يعلمه الكتاب سبع سنين و يعلمه الحلال و الحرام سبع سنين. كما يلزم إبعاده- بالتفهيم و التعليم و بالحكمة و الموعظة الحسنة- عن آداب الكفر و الجاهلية و عن الانحلال و الرذيلة. و لا ينبغي التهاون في ذلك و التفريط فيه، ففي ذلك فساده و فساد المجتمع و انحلاله، و قد قال اللّه تعالي يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 63

كما ينبغي علي المؤدب الرفق معه و اللين و الأناة في ذلك و في جميع الأمور و حسن المعاشرة و المخالطة، و التحبب و التودد حتي ينجذب إليه و يتقبل منه و يتفاعل معه، قال تعالي ادْعُ إِليٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «إن الرفق لم يوضع علي شي ء إلا زانه، و لا نزع من شي ء إلا شانه»،. و قال: «رحم اللّه و الدين أعانا ولدهما علي برهما». إلي غير ذلك.

(مسألة 251): يجوز للولي تأديب الصبي و ضربه بما يراه صلاحا له. نعم لا بد من الاقتصار علي مقدار الحاجة و التدرج في ذلك مع كمال التروي و التعقل، و عدم الزيادة عن الحاجة تشفيا و انتقاما أو استهوانا بأمر الصبي لضعفه. كما لا بد من الحذر من اختلاط النظر لمصلحة الصبي بالانفعال النفسي منه، أو من المؤثرات الخارجية الأخري. و قد ورد في الأخبار الترخيص بخمس أو ست ضربات مع الحث علي الرفق، فاللازم عدم الزيادة عليها إلا عند الحاجة و الضرورة.

(مسألة 252): لا يجوز لغير الولي ضرب الطفل بغير إذن الولي. و لو توقف دفع ضرره

علي ضربه و تعذر الرجوع للولي لزم الرجوع للحاكم الشرعي، و مع تعذر الرجوع إليه يتعين الاقتصار علي ما لا بد منه لدفع شره و ضرره من دون إضرار به مهما أمكن.

(مسألة 253): يجوز ضرب الصبي بإذن الولي و حينئذ إن كان الإذن مستفادا من شاهد الحال- كوضع الصبي عند المعلم الظاهر في الإذن له بتأديبه بالوضع المتعارف- لزم الاقتصار عند الحاجة علي ثلاث ضربات و عدم الزيادة علي ذلك إلا بعد مراجعة الولي و شرح الحال له و التعاون معه. و إن كان الإذن مستفادا بالتنصيص لزم الرجوع لما يقتضيه الإذن سعة و ضيقا مع عدم تعدي الولي عن مقتضي وظيفته المتقدمة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 64

(مسألة 254): لا بد من الحذر من الإضرار بالصبي عند تأديبه بمثل الجرح و الكسر و العيب. و لو حصل شي ء من ذلك كان مضمونا بالدية. و كذا الحال في الضرب من دون حاجة أو مع الزيادة عليها.

الفصل العاشر في النفقات

اشارة

و محل الابتلاء منها أقسام.

الأول: نفقة الزوجة.

و هي تختص بالزوجة الدائمة و إن كانت أمة أو ذمية. و لا تجب للمتمتع بها، و لو شرطت في العقد المنقطع فإن رجع الشرط إلي وجوب النفقة بنفس الزواج المنقطع بطل، بل الأحوط وجوبا حينئذ بطلان العقد أيضا. و إن رجع إلي وجوبها بالشرط الذي تضمنه صح، و وجبت النفقة علي حسب الشرط.

(مسألة 255): تجب النفقة علي الزوجة و إن كانت صغيرة، إلا إذا ابتني الزواج بها علي عدم الإنفاق عليها ما دامت صغيرة غير قابلة للاستمتاع أو للوطء، بأن أخذ ذلك شرطا في العقد صريحا أو ضمنا مستفادا من شاهد الحال و لو بسبب تعارف ذلك.

(مسألة 256): لا يشترط في وجوب نفقة الزوجة فقرها، بل يجب الإنفاق عليها و إن كانت غنية.

(مسألة 257): يسقط وجوب النفقة علي الزوجة بنشوزها علي الزوج بأحد أمرين.

الأول: منعه عن حقوقه التي عليها من وجوه الاستمتاعات- غير الوطء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 65

في الدبر- و التزين الذي يريده منها، و عدم المنفرات له- و لو مثل سبه و شتمه و الإعراض عنه و سوء معاشرته- مع حفظه في ماله و عرضه و عدم خيانته فيهما.

الثاني: الخروج من بيت زوجيتها بغير إذن الزوج، الذي تقدم في المسألة (118) حرمته عليها. نعم لو كان خروجها لضرورة مسوغة لم تسقط النفقة. و كذا لو كان خروجها بإذنه، إلا أن يبتني إذنه لها علي عدم النفقة لها حين الخروج، كما يتعارف في الإذن لها بالذهاب إلي أهلها أو غيرهم لتكون في ضيافتهم و منه ما يتعارف من رضاه ببقائها عند أهلها أو في بيتها من حين العقد عليها إلي حين زفافها له و مجيئها إلي

بيته.

(مسألة 258): المطلقة رجعيا بحكم الزوجة، فتجب لها النفقة علي زوجها ما دامت في العدة، و كذا المطلقة بائنا إذا كانت حاملا منه. و لا تجب لها النفقة إذا كان حملها من غيره، أو لم تكن حاملا، كما لا تجب النفقة للمعتدة غير المطلقة علي صاحب العدة و إن كانت حاملا منه كالمتمتع بها و المنسوخ نكاحها و الموطوءة شبهة و الملاعنة.

(مسألة 259): المتوفي عنها زوجها لا نفقة لها من تركة زوجها و إن كانت حاملا.

(مسألة 260): النفقة الواجبة للزوجة هي الطعام- مطبوخا إن احتاج للطبخ- و الشراب، و الكسوة- مخيطة إن احتاجت للخياطة- بالوجه المتعارف، و السكن حيث يسكن الزوج حسب قدرته و طاقته مفروشا بالوجه المتعارف، كما يجب عليه أن يبذل لها فراش النوم في ليلته معها، بل مطلقا علي الأحوط وجوبا.

و أما الزينة و التنظيف و نحوهما فإن طلبها الزوج كان عليه بذل مؤنتها و إن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 66

لم يطلبها لم يكلف بها، إلا مؤنة غسل الجنابة المسببة عنه فإن الأحوط وجوبا له بذلها، كما يجب عليه بذل مصاريف الحمل و الولادة بالمقدار الذي يحفظ به الولد، و يدخل في نفقة الولد لا نفقة الزوجة. و لا يكلف بما زاد علي ذلك لها، إلا مع التوافق بينهما فيبذل لها ما تحتاج إليه، بل يوسع عليها و يزيد في رفاهها، و تقوم هي بما يحتاج إليه من خدمة البيت و إدارته و رعاية الأطفال و غير ذلك، و بذلك تتم سعادة العائلة و يصلح أمرها.

(مسألة 261): إذا توقف سد حاجاتها التي تتضرر بتركها علي الخروج من البيت للعمل أو الاسترفاد كان لها ذلك، لكن تحاول- مهما أمكن- أن يكون

الخروج بنحو لا ينافي حقه، و ليس له منعها إلا أن يقوم بسد حاجاتها بنفسه لتستغني عن الخروج.

(مسألة 262): إذا لم ينفق الزوج علي زوجته- قصورا أو تقصيرا- ففي بقاء النفقة دينا عليه إشكال، و الأظهر العدم، إلا أن تنفق علي نفسها بقصد الرجوع عليه- علي ما يأتي- و كذا إذا لم تستوف الزوجة نفقتها منه مع بذله لها تسامحا منها أو لإنفاقها علي نفسها من مالها أو مما يبذله غير الزوج لها، حتي لو لم يرجع ذلك منها إلي إسقاطها النفقة عن الزوج و إبراء ذمته منها، فإنه في جميع ذلك لا تبقي النفقة دينا علي الزوج، و هكذا الحال في نفقة الأرحام.

(مسألة 263): إذا كان للزوج مال وجب عليه الإنفاق منه مع التمكن و لو بالاستدانة عليه. و إن لم يكن له مال، وجب عليه التكسب بتجارة أو عمل أو نحوهما.

(مسألة 264): إذا لم يكن للزوج مال و تعذر عليه التكسب أو لزم منه الضرر أو الحرج فالأحوط وجوبا له الاستدانة إن علم بقدرته علي الوفاء من مال يأتيه، و إن لم يعلم بذلك لم تجب الاستدانة حتي لو كان قادرا علي الاسترفاد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 67

و الاستيهاب، و طلب الحقوق و الصدقات و نحوها مما يفي دينه.

(مسألة 265): إذا لم ينفق الزوج علي زوجته فإن أنفق عنه غيره عليها فذاك، و إلا كان لها أن ترفع أمرها للحاكم الشرعي مطالبة بأحد أمرين.

الأول: النفقة، فيلزمه بالإنفاق عليها، فإن امتنع و كان له مال أنفق عليها منه.

الثاني: الطلاق، فيأمره بطلاقها فإن تعذر أمره بذلك أو امتنع من طلاقها طلقها الحاكم و ليس علي الحاكم حينئذ إلزام الزوج بالإنفاق، أو الإنفاق عليها

من ماله و إن أمكن ذلك. نعم إذا كان عدم إنفاق الزوج لمانع خارجي من مرض أو حبس أو نحوهما مع إمكان الإنفاق عليها من ماله فالظاهر عدم مشروعية الطلاق، بل ينفق عليها من ماله حينئذ إن طلبت ذلك.

هذا، و يستثني من ذلك المفقود، علي ما يأتي في أول كتاب الطلاق إن شاء اللّه تعالي.

الثاني: نفقة الأرحام.

يجب الإنفاق علي الأولاد و إن نزلوا. و علي الأبوين، بل الأحوط وجوبا الإنفاق علي آبائهما و أمهاتهما. و لا يجب الإنفاق علي غيرهم من الأرحام، حتي الوارث الصغير، و إن كان أحوط استحبابا. نعم تستحب النفقة عليه و علي الأرحام قاطبة.

(مسألة 266): إنما تجب النفقة علي الأرحام مع فقرهم، و لا تجب مع غناهم و لو بقدرتهم علي التكسب اللائق بهم. و لا يكفي قدرتهم علي أخذ الحقوق- من الأخماس و الزكوات- و الصدقات و الهبات، نعم مع بذل ذلك فعلا من دون مهانة و لا حرج ففي وجوب الإنفاق حينئذ إشكال، و إن كان أحوط وجوبا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 68

(مسألة 267): إنما تجب النفقة علي الأرحام مع القدرة، و لو بالقدرة علي التكسب أو الاستدانة علي مال موجود عنده، و لا تجب الاستدانة في غير ذلك، و إن كان قادرا علي الوفاء من مال يأتيه، كما لا يجب الاسترفاد و التعرض لطلب الحقوق و الصدقات و نحوها.

(مسألة 268): الواجب من النفقة للأرحام هو الطعام و الشراب و اللباس و الإسكان و الدواء و سائر ما يحتاجون إليه لمعاشهم، و لا يجب عليه ما عدا ذلك من حوائجهم، كوفاء الديون التي عليهم للّه تعالي أو للناس و كتزويجهم.

(مسألة 269): يختص الأب بالنفقة علي الولد مع قدرته،

دون الام، و دون الجد و الجدة للأب و الام. و مع فقده أو عجزه أو امتناعه- بحيث يتعذر الإنفاق من ماله- ففي وجوب الإنفاق عليهم كفاية أو توزيع النفقة عليهم أو الترتيب بينهم إشكال، و اللازم الاحتياط. نعم مع عدم الإنفاق من بعضهم و تعذر الإنفاق من ماله يتعين الإنفاق علي الباقين، و لا يبقي الولد بلا نفقة.

(مسألة 270): إذا كان لمن يحتاج النفقة أب و ولد ففي وجوب الإنفاق عليه علي أبيه أو عليهما معا كفاية أو بنحو التوزيع إشكال، و اللازم الاحتياط، و مع عدم الإنفاق عليه من أحدهما يتعين علي الآخر الإنفاق عليه و لا يبقي بلا نفقة، نظير ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 271): إذا امتنع المكلف بالنفقة من الإنفاق كان لمن تجب النفقة له- من الأرحام أو الزوجة- أو لوليه المطالبة بالإنفاق عليه و إجباره علي ذلك، و الأحوط وجوبا رفع أمره للحاكم الشرعي ليجبره علي الإنفاق، و إن تعذر إجباره علي الإنفاق و كان له مال أنفق عليه منه، و إن تعذر ذلك أيضا جاز الإنفاق عليه بقصد الرجوع علي من تجب عليه النفقة إن كان له مال و يكون ذلك حينئذ دينا عليه. و إن تعذر الرجوع للحاكم جاز لمن له النفقة أو لوليه تولي ذلك كله و لو بالاستعانة بالغير.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 69

و يجري ذلك كله في حق غير الممتنع ممن يكلف بالنفقة و لا ينفق، كالمسافر و المسجون و الغائب إذا تعذرت مراجعتهم.

(مسألة 272): نفقة النفس مقدمة علي نفقة الغير، إلا أن يكون واجب النفقة علي غيره و لم يكن الغير ممتنعا عنها فالأحوط وجوبا حينئذ له أن ينفق علي من

تجب عليه نفقته و يأخذ هو نفقته ممن تجب عليه.

(مسألة 273): نفقة الزوجة مقدمة علي نفقة الأقارب، و نفقة الأقرب منهم مقدمة علي نفقة الأبعد، فالولد مقدم علي ولد الولد، فإن تساووا و عجز عن الإنفاق عليهم نفقة تامة تخير بين أن ينفق علي بعضهم نفقة تامة و يترك الآخر و أن ينفق عليهم جميعا بعض النفقة الواجبة بنحو التوزيع، إلا أن لا ينتفع بعضهم بالتوزيع فيتعين الأول. و إذا كان بعضهم واجب النفقة علي غيره أيضا و لم يكن الغير ممتنعا عنها فالأحوط وجوبا إيكاله لذلك الغير و الإنفاق علي الآخر.

الثالث: نفقة المملوك.

تجب النفقة للإنسان المملوك، لكن لما لم يكن موردا للابتلاء غالبا في زماننا فلا نطيل الكلام ببيان فروعه. كما تجب النفقة علي الحيوان المملوك، و لو بتركه يرعي بنفسه، و مع تعذر ذلك فالأحوط وجوبا بيعه أو ذبحه.

(مسألة 274): نفقة الزوجة تقبل الإسقاط تبرعا أو بالمصالحة عن شي ء من الزوج يقوم به لها، من دون فرق بين نفقة اليوم و ما زاد عليها. أما نفقة الأقارب و المملوك فلا تقبل الإسقاط.

(مسألة 275): تستحب النفقة علي الأرحام غير من تقدم. و في الحديث عن الإمام الصادق عليه السّلام: «من عال ابنتين أو أختين أو عمتين أو خالتين حجبتاه من النار بإذن اللّه».

(مسألة 276): يستحب التوسعة علي العيال، و قد ورد الحث و التأكيد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 70

علي ذلك عن المعصومين عليهم السّلام، ففي صحيح أبي حمزة عن الإمام السجاد عليه السّلام: «أرضاكم عند اللّه أسبغكم [أوسعكم] علي عياله» و في حديث مسعدة: «قال لي أبو الحسن عليه السّلام: إن عيال الرجل أسراؤه، فمن أنعم اللّه عليه بنعمة فليوسع علي أسرائه، فإن

لم يفعل أو شك أن تزول النعمة». نعم ينبغي ملاحظة أمور.

الأول: عدم الإفراط في ذلك، بنحو يؤدي للترف و البطر، فعن الإمام زين العابدين عليه السّلام: «لينفق الرجل بالقسط و بلغة الكفاف، و يقدم منه الفضل لآخرته، فإن ذلك أبقي للنعمة و أقرب إلي المزيد من اللّه و أنفع في العاقبة»، علي أن عواقب ذلك و خيمة عليهم في سلوكهم و خلقهم و تكوين شخصيتهم و مستقبل حياتهم.

الثاني: عدم الاستهوان بالمال بتضييعه هدرا أو صرفه بمصارف تافهة، فعن الإمام الصادق عليه السّلام: «إن القصد أمر يحبه اللّه عز و جل، و إن السرف أمر يبغضه اللّه عز و جل، حتي طرحك النواة فإنها تصلح لشي ء، و حتي صبك فضل شرابك»، و في حديث إسحاق بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يكون للمؤمن عشرة أقمصة؟ قال: نعم. قلت: عشرون؟ قال: نعم. قلت: ثلاثون؟

قال: نعم، ليس هذا من السرف، إنما السرف أن تجعل ثوب صونك ثوب بذلتك».

الثالث: الموازنة بين الدخل و المصروف، فعن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «رب فقير هو أسرف من الغني، إن الغني ينفق مما اوتي، و الفقير ينفق من غير ما اوتي».

و علي المؤمن أن يكون حكيما في ذلك و في جميع أموره، فالحكمة فوق كل شي ء. و منه سبحانه نستمد التوفيق و التسديد.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 71

كتاب الطلاق و ما الحق به

اشارة

الطلاق أمر شرعه اللّه تعالي رأفة بالناس و حلا لمشاكلهم، علي بغض منه تعالي له، لما فيه من تقويض بيت الزوجية- الذي هو أحب شي ء إليه تعالي و هدم كيان العائلة و تشتيت شملها، فعن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «ما من

شي ء أحب إلي اللّه عز و جل من بيت يعمر بالنكاح، و ما من شي ء أبغض إلي اللّه عز و جل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة»، و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال:

«ما من شي ء مما أحله اللّه أبغض إليه من الطلاق».

فينبغي للمؤمنين أعزهم اللّه تعالي أن يتجنبوه ما وسعهم ذلك بالصبر و الأناة و الحكمة و محاولة حل المشاكل أو استيعابها و تخفيفها، حتي إذا بقيت عقدة الزواج سببا لانتهاك حدود اللّه تعالي و تعدي أحد الزوجين علي الآخر و عيش العائلة وسط جحيم الشقاق و المشاكل المعقدة فليلجؤوا حينئذ لأبغض الحلال الذي منّ اللّه تعالي به عليهم لحل مشكلتهم، قال تعالي وَ إِنْ يَتَفَرَّقٰا يُغْنِ اللّٰهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «خمس لا يستجاب لهم:

رجل جعل بيده طلاق امرأته و هي تؤذيه و عنده ما يعطيها و لم يخل سبيلها.».

و الكلام في الطلاق و ما الحق به في ضمن فصول.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 72

الفصل الأول في حقيقة الطلاق و صيغته و مالكه

الطلاق إيقاع يتضمن فرقة بعد النكاح الدائم دون غيره من أقسام النكاح، فيكفي فيه الإيجاب ممن يملكه، و لا يحتاج إلي قبول من أحد. و هو بيد الزوج و أمره إليه ينفرد به، و لا يشاركه فيه غيره، و له أن يطلق متي شاء حتي لو كانت الزوجة موافقة، و إن كان ذلك مكروها كراهة شديدة.

نعم يقوم مقام الزوج غيره في موارد.

الأول: ما إذا لم ينفق الزوج علي الزوجة، كما تقدم تفصيل الكلام فيه في فصل النفقات من كتاب النكاح.

الثاني: ما إذا ظاهر الزوج علي ما يأتي في فصل الظهار.

الثالث: ما إذا فقد الزوج، فإنها إن

صبرت بقيت علي الزوجية حتي يعلم موته أو طلاقه، و كذا إذا كان للزوج مال فأنفق منه وليه عليها، أو أنفق الولي عليها من ماله، فإنه يجب عليها الصبر حينئذ. و إن لم يكن له مال و لم ينفق الولي عليها كان لها رفع أمرها للحاكم الشرعي، فيؤجلها إلي مضي أربع سنين من غيبته، و لا بد من الفحص عنه هذه المدة في البلاد التي علم ذهابه لها و فقد فيها. و إن لم يعلم له بلد خاص فقد فيه فحص عنه في جميع البلاد التي يحتمل وجوده فيها، فإن علم حياته صبرت، و إن علم موته اعتدت عدة الوفاة من حين يبلغها الخبر، كما يأتي في مباحث العدد، و إن جهل خبره أمر الحاكم وليّه- و هو أقرب الناس إليه ممن يقوم مقامه و يتولي أموره- أن يطلقها، فإن أبي أو لم يكن له ولي طلقها الحاكم، ثم اعتدت بقدر عدة الوفاة من حين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 73

طلاقها، فإذا انقضت عدتها كان لها أن تتزوج.

(مسألة 1): الطلاق المذكور رجعي و لا يجب فيه الحداد، فإذا قدم الزوج في أثناء العدة المذكورة كان له الرجوع بها، و إن قدم بعد انقضائها فقد بانت منه و ليس له عليها رجعة.

(مسألة 2): في عموم المفقود لمن فقد في بلده و احتمل عدم خروجه منه إشكال، و الظاهر عدم جريان الحكم المتقدم عليه، بل يتعين علي زوجته حينئذ الانتظار حتي يبلغها عنه موت أو طلاق.

(مسألة 3): الظاهر الاجتزاء بالفحص قبل أن ترفع أمرها للحاكم، سواء كان منها أم من غيرها، فإن الحاكم يجتزئ به إذا علم باستيعابه و أنه لا يتيسر له الفحص زائدا عنه.

و كذا الحال لو كان الفحص من الحاكم نفسه، كما لو كان للمفقود أكثر من زوجة فرفعت إحداهن أمرها له ففحص عنه، فإن الظاهر اجتزاؤه به لباقي زوجاته عند رفع أمرها، و لا يحتاج إلي تكرار الفحص.

(مسألة 4): إذا تعذر الفحص عن المفقود لم يشرع الطلاق و وجب علي المرأة الانتظار.

(مسألة 5): إذا علم بعدم وجوده في البلاد التي فقد فيها و لم يعلم موته فيها أو خروجه منها لغيرها لم يجب الفحص عنه لا في البلاد التي فقد فيها و لا في غيرها.

الثالث: ما إذا كان الزوج معتوها ناقص العقل، فإنه يطلق عنه وليه مع حاجته لذلك، و كذا المجنون المطبق الذي لا يتوقع زوال جنونه. أما الأدواري أو من يتوقع زوال جنونه فلا يطلق الولي عنه، بل ينتظر دور إفاقته و زوال جنونه، إلا مع الضرورة الملحة للتعجيل بحيث يعلم برضا الشارع الأقدس بالطلاق لو فرض تحقق ذلك. و كذا الحال في الصبي، فإنه ينتظر بلوغه إلا مع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 74

الضرورة بالوجه المذكور فيطلق عنه وليه، و الأحوط وجوبا مراجعة الحاكم الشرعي حينئذ، فلا يطلق الولي إلا بإذنه.

(مسألة 6): يجوز لمن يملك الطلاق أن يأذن لغيره في إيقاعه عنه، أو يوكله في ذلك، فينفذ طلاقه حينئذ، و إن كانا معا حاضرين في مجلس الطلاق.

(مسألة 7): إذا ادّعي غير الزوج الوكالة علي الطلاق أو الولاية عليه لم يقبل منه، و لو أوقع الطلاق لم يترتب عليه الأثر ظاهرا، إلا أن يثبت بعد ذلك سلطنته عليه، و لو بأن يصدق من له الولاية علي الطلاق الوكيل في دعوي الوكالة.

(مسألة 8): يجوز توكيل الزوجة علي طلاق نفسها و ينفذ طلاقها حينئذ، بل

لها أن تشترط في عقد النكاح الوكالة في الطلاق، كما تقدم في آخر الفصل السادس من كتاب النكاح.

(مسألة 9): لا يصح طلاق الفضولي، و هو الذي ليس له السلطنة علي الطلاق، و لا يصححه بعد وقوعه إجازة من له السلطنة عليه.

(مسألة 10): صيغة الطلاق أن يقول: فلانة طالق، أو أنت طالق، أو زوجتي طالق، أو نحو ذلك مما يتضمن تعيين الزوجة المطلقة مع المحافظة علي الهيئة المذكورة. و لا تجزئ مادة الطلاق مع اختلاف الهيئة، كما لو قال:

طلقتك، أو أنت مطلقة، أو نحو ذلك.

(مسألة 11): إذا قال: أنت طالق ثلاثا، أو اثنتين فلا يقع العدد المذكور.

و في حصول طلقة واحدة به إشكال.

(مسألة 12): لا يقع الطلاق بالكنايات من دون أن تشتمل علي مادة الطلاق، مثل: أنت حرام، أو بائنة، أو خليّة. و في وقوعه بقوله: اعتدّي، إذا نوي به إنشاء الطلاق إشكال، و الأحوط وجوبا العدم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 75

(مسألة 13): إذا قيل للزوج: هل طلقت زوجتك؟ فقال: نعم، لم يقع بذلك طلاق، سواء قصد بقوله: (نعم) إنشاء الطلاق أم الإخبار عنه. غاية الأمر أنه إذا قصد الإخبار كان إقرارا بالطلاق فيلحقه حكم الإقرار.

(مسألة 14): لا يقع الطلاق بغير العربية إلا مع تعذر العربية علي المطلق، فيطلق بلغة اخري، و لا يحتاج للتوكيل.

(مسألة 15): لا يقع الطلاق بالكتابة، و لا بالإشارة إلا مع تعذر النطق علي المطلق لخرس أو نحوه، فيجزئه الطلاق بالكتابة، بأن يكتب بقصد إنشاء الطلاق و يشهد علي ذلك مع مراعاة شروط الطلاق الأخري، و مع عجزه عن الكتابة يكتفي بالإشارة المفهمة بقصد إنشاء الطلاق أيضا، مثل أن يضع ثوبا علي رأسها كأنها صارت أجنبية عنه.

(مسألة 16): لا أثر

لتخيير الزوج زوجته، حتي لو كان بقصد إنشاء الطلاق، كما لا أثر لاختيارها نفسها بعد التخيير المذكور. نعم إذا رجع التخيير المذكور إلي الإذن لها في طلاق نفسها فطلقت نفسها علي النحو المأذون فيه صح طلاقها. و لا بد حينئذ من حصول شروط الطلاق حال طلاقها لنفسها، لا حال تخيير الزوج لها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 76

الفصل الثاني في شروط الطلاق

و هي أمور.

الأول: البلوغ، فلا يصح طلاق الصبي، و إن بلغ عشر سنين و طلق للسنة.

الثاني: العقل، فلا يصح طلاق المجنون و السكران و نحوهما.

الثالث: الرشد، فلا يصح طلاق المعتوه و نحوه.

الرابع: عدم الإكراه، فلا يصح طلاق المكره و إن رضي بعد ذلك.

(مسألة 17): يكفي في الإكراه وقوع الطلاق من دون رضي به، بل مداراة للغير كالأبوين و الزوجة و نحوهم. أما إذا أوقع الطلاق راضيا به لتجنب مشاكل الآخرين فليس ذلك من الإكراه و يصح الطلاق حينئذ.

الخامس: القصد إلي إنشاء الطلاق بالصيغة، فلا يصح طلاق الغالط و الساهي و الهازل و نحوهم، كما لا يقع الطلاق إذا تلفظ بالصيغة لا بقصد إنشاء الطلاق، بل لمجرد إرضاء الغير مثلا. و كذا إذا تلفظ بها بنية الإخبار عن الطلاق لا إنشائه. غايته أنه يكون إقرارا بالطلاق فيلحقه حكم الإقرار.

السادس: أن يكون منجّزا، فلا يصح الطلاق المعلّق، سواء علّقه علي التزويج، كما لو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، أم علي أمر آخر، كما لو قال: إن خرجت من بيتها فهي طالق، أو نحو ذلك. و الأحوط وجوبا عموم ذلك لما إذا علّقه علي أمر معلوم الحصول، أو محتمل الحصول، مقوّما لصحة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 77

الطلاق، كما لو قال: إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق،

أو إن كانت زوجتي طاهرا فهي طالق.

السابع: تعيين المطلقة و لو إجمالا، كما لو قال: أكبر نسائي طالق، بخلاف ما لو كانت مردّدة من كل وجه، كما لو قال: إحدي نسائي طالق، فإنه لا يقع حينئذ.

الثامن: أن يقع حال كون المرأة المطلقة في طهر لم يجامعها فيه، فلا يصح طلاقها حال الحيض أو النفاس، و لا في طهر قد جامعها فيه. بل الظاهر عدم صحة طلاقها في النقاء المتخلل بين الدمين في الحيض الواحد و إن كان بحكم الطهر.

(مسألة 18): لو طلق جاهلا بحالها لم يقع الطلاق ظاهرا، إلا أن ينكشف كونها في طهر لم يواقعها فيه، فينكشف صحته.

(مسألة 19): إذا شك في الحيض بعد العلم بالطهر بني علي عدم الحيض، و إذا علم بدخولها في الحيض و شك في طهرها منه بني علي بقائها في الحيض. لكن إذا أخبرت بأنها حائض صدّقت، و كذا إذا أخبرت بأنها قد دخلت في الطهر الذي لم يجامعها فيه.

نعم إذا أخبرت بأنها دخلت في طهر لم يجامعها فيه فطلقها ثم أخبرت بأنها كانت كاذبة في خبرها لم يقبل منها، و حكم بصحة الطلاق، إلا أن يعلم بصدقها في خبرها الثاني أو تقوم به البينة.

(مسألة 20): الغائب عنها زوجها إن علم حالها فهو كالحاضر يجري عليه الحكم السابق، و كذا إن جهله و تيسر له الفحص عنه. أما إذا صعب عليه الفحص فيجوز له طلاقها، لكن الأفضل أن ينتظر شهرا من سفره. بل لو كان سفره حال حيضها فليكن مبدأ الشهر بعد مضي مدة حيضها الذي فارقها عليه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 78

و الأفضل للغائب أن ينتظرها ثلاثة أشهر، بل خمسة أو ستة.

(مسألة 21): المسترابة إذا كانت

مدخولا بها لا يطلقها زوجها إلا بعد مضي ثلاثة أشهر قمرية من آخر مرة واقعها فيها، من دون فرق في ذلك بين الحاضر و الغائب. و المراد بالمسترابة من لا تحيض و هي في سن من تحيض، سواء كان ذلك لعارض اتفاقي لها من مرض أو نحوه، أم بوجه يتعارف في أمثالها، كما لو كانت في أول بلوغها أو قاربت سن اليأس، أو كانت مرضعة.

(مسألة 22): الحاضر إذا تعذر عليه معرفة حيض زوجته من طهرها لتعذر الوصول إليها أو لامتناعها من الإخبار عن حالها أو لغير ذلك- فإن علم بأنها مستقيمة الحيض جري عليه حكم الغائب، و إن احتمل كونها مسترابة لا تحيض أجري عليها حكم المسترابة المتقدم.

(مسألة 23): لا يشترط وقوع الطلاق في طهر لم يجامعها فيه في موارد.

الأول: أن تكون صغيرة لم تبلغ سن الحيض، بأن كانت دون التسع سنين قمرية، و إن كان قد جامعها.

الثاني: أن تكون قد بلغت سن اليأس، و هو في القرشية ستون سنة قمرية، و في غيرها خمسون.

الثالث: الحامل المستبين حملها، بل مطلقا علي الأظهر، فإذا طلق الرجل زوجته في طهر قد جامعها فيه أو في حال الحيض- عمدا أو جهلا- ثم تبين أنها حامل حين الطلاق انكشف صحة طلاقه لها.

الرابع: غير المدخول بها قبلا أو دبرا، فإنه يصح طلاقها و إن كانت حائضا.

(مسألة 24): إذا جامع الرجل زوجته حال الحيض- عمدا أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 79

جهلا- صح منه طلاقها بعد طهرها من الحيض، و لا يشترط دخولها في طهر آخر.

(مسألة 25): إذا شك في البلوغ بني علي عدمه، و كذا إذا شك في اليأس، أو في الحمل، أو في الدخول، و يجوز ترتيب الأثر

علي ذلك ظاهرا في الجميع، لكن لو ظهر الخطأ فالحكم تابع للواقع.

التاسع: الإشهاد، و ذلك بأن يشهد الطلاق رجلان عادلان، بحيث يسمعانه إذا كان باللفظ، و يريانه إن كان بالإشارة و نحوها من الأخرس و نحوه.

(مسألة 26): يشترط عدالة الشاهدين حين الطلاق و لا يبطله خروجهما عن العدالة بعده، كما لا يكفي عدالتهما بعد الطلاق إذا لم يكونا عادلين حينه.

(مسألة 27): إذا أحرز من يتولي الطلاق- مباشرا كان أو موكّلا مفوضا عدالة الشاهدين حين الطلاق فطلق ثم ظهر منهما ما ينافي العدالة فإن كشف عن عدم عدالتهما حين إيقاع الطلاق انكشف بطلان الطلاق، و إن لم يكشف عن ذلك بل احتمل خروجهما عن العدالة بعد اتصافهما بها، بني علي صحة الطلاق. بخلاف ما إذا لم يحرز عدالتهما حين الطلاق، و أوقع الطلاق مترددا في حالهما و في صحة الطلاق، فإنه لا يجوز البناء علي صحة الطلاق حتي يعلم سبق العدالة منهما و وقوع الطلاق حينها.

(مسألة 28): لا يكفي إحراز عدالة الشاهدين من قبل الوكيل علي إجراء الصيغة فقط، بل لا بد من إحراز عدالتهما من قبل موكله. نعم يكفي إحرازها من قبل الوكيل إذا كان مفوضا إليه أمر الطلاق.

(مسألة 29): تقدم في فصل شروط إمام الجماعة تحديد العدالة، و التعرض لكيفية إحرازها.

(مسألة 30): لا يشترط في الشاهدين أن يعرفا الرجل المطلق أو المرأة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 80

المطلقة بعد أن كانت معينة في نفسها.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 3، ص: 80

(مسألة 31): لا يشترط في الإشهاد أن يطلب من الشاهدين تحمل الشهادة،

فلو فاجأهما بصيغة الطلاق كفي. نعم لا بد من معرفتهما مراده بالصيغة أو بالإشارة التي تقوم مقامها من الأخرس و نحوه.

(مسألة 32): لا بد من أن يشهد الشاهدان إنشاء الطلاق، و لا يكفي أن يشهد إقرار الزوج به إذا كان قد أوقعه من دون إشهاد. بل لا بد من إنشائه مجددا بشروطه المقررة أمامهما. و يترتب الأثر من حين الإنشاء الذي وقع أمامهما.

(مسألة 33): لا يشترط في شهادة الشاهدين حضور مجلس الطلاق، فلو سمعا الصيغة من بعيد صح الطلاق. و علي ذلك يصح الطلاق لو سمعه الشاهدان بالهاتف أو المذياع إذا كانا يسمعان صوت المطلق بنفسه، أما إذا كانا يسمعان الصدي ففيه إشكال، و كذا إذا كانا يريان الإشارة- من الأخرس و نحوه- في الصورة التلفزيونية و إن كان البث مباشرا. بل لا إشكال في عدم الصحة مع سماعه من التسجيل، أو رؤيته في الصور التلفزيونية إذا لم يكن البث مباشرا.

(مسألة 34): إذا طلقها وكيل الزوج فلا بد من شاهدين غير الوكيل. و في الاكتفاء بكون أحدهما الزوج الموكّل أو وليه- إذا كان قد حضر و كان عادلا إشكال، و الأحوط وجوبا العدم.

(مسألة 35): لا يشترط في صحة الطلاق حضور المرأة المطلقة في مجلس الطلاق، و لا علمها به حين وقوعه، فضلا عن رضاها به أو إذنها فيه.

(مسألة 36): لا بد من إحراز الشروط المتقدمة بالوجه المقرر شرعا من قبل الزوج الموقع للطلاق أو وليه أو وكيلهما المفوض فيه، أما الوكيل علي إجراء الصيغة فقط فلا يشترط إحرازه لها، بل يكفي إحراز الموكّل، و مع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 81

إحرازها يصح الطلاق ظاهرا و يعمل عليه. لكن لو انكشف الخطأ انكشف بطلان الطلاق

و عدم ترتب الأثر عليه، و بقاء المرأة علي الزوجية.

(مسألة 37): إذا أوقع الطلاق من دون إحراز للشروط من قبل المتولي له- المباشر أو الموكّل علي إجراء الصيغة فقط- لم يصح ظاهرا و لا يجوز ترتيب الأثر عليه، إلا أن يثبت بعد ذلك بالوجه الشرعي تحقق الشروط حين الطلاق.

هذا إذا كان المتولي للطلاق مترددا في صحة الطلاق حين إيقاعه بسبب عدم إحراز الشروط. أما إذا أوقعه جازما بصحته غفلة عن لزوم إحراز الشروط، ثم احتمل تحقق الشروط و صحة الطلاق فالظاهر البناء علي الصحة.

لكن يحسن جدا الاحتياط حينئذ.

(مسألة 38): إذا أحرزت الشروط حين الطلاق ممن يجب عليه إحرازها ثم شك في صحة الطلاق لاحتمال الخطأ في إحراز الشروط بني علي صحة الطلاق.

(مسألة 39): إذا علم بإيقاع الطلاق ممن له السلطنة عليه و شك في صحته و فساده بني علي الصحة.

(مسألة 40): إذا أخبر من له السلطنة علي الطلاق بإيقاع الطلاق قبل منه حتي لو كان بعد مضي زمان العدة، بأن ادعي أنه طلق قبل مدة تزيد علي زمان العدة. و إذا شك حينئذ في صحته بني علي الصحة. و كذا إذا علم بوقوع الطلاق و شك في صحته، و لا يجب الفحص و السؤال. نعم إذا علم بكذبه في إخباره أو علم ببطلان الطلاق فلا مجال لترتيب الأثر عليه.

(مسألة 41): إذا وقع الطلاق بوجه صحيح عند بعض فقهائنا باطل عند آخر صح ظاهرا عند من يري صحته من الفقهاء و مقلديهم، و بطل ظاهرا عند من يري بطلانه من الفقهاء و مقلديهم، و لا يلزم الكل أحد الوجهين بعينه. و كذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 82

الحال لو كان الاختلاف للاختلاف في الموضوع، كما

لو كان الشاهدان عادلين عند بعض فاسقين عند آخر.

(مسألة 42): إذا أوقع المتولي للطلاق الطلاق بوجه لا تراه المرأة صحيحا لم يجز لها ترتيب الأثر عليه، و كان لها مطالبته بحقوق الزوجية، فإن امتنع رفعت أمرها للحاكم الشرعي، فينفذ عليهما حكم الحاكم ظاهرا، فإن كان مطابقا لما تراه المرأة كان للزوج التخلص بتجديد الطلاق، و إن كان مخالفا له كان للحاكم تخليصها من مشكلتها بإلزامه بالنفقة، فإن أبي ألزمه بطلاقها، فإن أبي طلقها عنه. و كذا الحال إذا أخبر بالطلاق و اعتقدت المرأة كذبه.

أما إذا انعكس الأمر بأن كان الطلاق ثابتا أو صحيحا عند المرأة و خالفها الرجل في ذلك، فإن ترافعا للحاكم فحكم للمرأة و اعتقد الرجل بقاء الزوجية فليس عليه من حقوق الزوجية شي ء لعدم مطالبتها بها و عدم تمكينها من نفسها. لكن ليس له ترتيب الأثر علي عدم الزوجية- فلا يتزوج الخامسة مثلا إلا أن يطلق.

و إن حكم الحاكم للرجل نفذ الحكم علي المرأة و وجب عليها التمكين مع المطالبة و حرم عليها ما زاد علي ذلك. و ينبغي لهما حينئذ حل مشكلتهما بما يناسب وضعهما معا بتجديد العقد أو الطلاق، و البعد عن التعنت و المضارة أو الخروج عن الميزان الشرعي الثابت في حق كل منهما.

و يجري نظير ذلك لو اختلفا في حصول النكاح أو في صحته، كما يظهر بالتأمل.

(مسألة 43): إذا طلق المخالف طلاقا يصح في مذهبه و لا يصح عندنا لم يصح طلاقه واقعا، فيجوز لزوجته المؤمنة أن تمكنه من نفسها لو لم يرتب هو الأثر علي ذلك الطلاق. لكن لنا إلزامه بصحته، فيجوز لزوجته إن كانت مؤمنة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 83

أن تتزوج من غيره بعد

الخروج من العدة، و يصح زواجها حينئذ، كما يجوز للمؤمن أن يتزوج زوجته التي طلقها مؤمنة كانت أو مخالفة. و إن استبصر بعد أن تزوجت زوجته التي طلقها فلا سبيل له عليها، و إن استبصر قبل أن تتزوج فلا ينفذ الطلاق عليه، بل تبقي المرأة زوجة له علي النحو الثابت عندنا. أما المؤمن فإنه إذا طلق علي مذهب المخالفين مخالفا لما عندنا لم ينفذ طلاقه لا في حقه و لا في حقنا و لا يجوز إلزامه به.

(مسألة 44): إذا طلق الكافر من غير أهل القبلة زوجته طلاقا صحيحا في دينه باطلا عندنا فطلاقه نافذ عليه و علي غيره مطلقا، سواء بقي علي دينه أم أسلم، و قد تزوجت المرأة أو لم تتزوج.

الفصل الثالث في أحكام الطلاق

(مسألة 45): الطلاق الفاقد للشرائط المتقدمة باطل لا يترتب عليه الأثر.

و هو المعروف عند المسلمين بالطلاق البدعي.

(مسألة 46): الطلاق الصحيح قسمان.

الأول: البائن، و هو الذي تخرج به المطلقة عن عصمة الزوج، فلا يشرع له الرجوع بها حتي لو كانت ذات عدة. و هو طلاق المرأة بعد بلوغها سن اليأس المتقدم، و طلاق الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين قمرية، و طلاق المرأة التي لم يدخل بها الزوج قبلا و لا دبرا. و طلاق الخلع و المبارأة، علي تفصيل يأتي في محله إن شاء اللّه تعالي. و الطلاق الثالث للحرة، و الثاني للأمة، علي تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالي.

الثاني: الرجعي، و هو الذي تبقي فيه المطلقة في عصمة الزوج فيشرع له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 84

الرجوع بها ما دامت في العدة، و هو ما عدا الأقسام السابقة.

(مسألة 47): لا يشرع الطلاق بعد الطلاق من دون أن يتخلل بينهما رجوع، فإذا قال:

أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، صح الأول و بطل ما بعده.

(مسألة 48): يصح الطلاق بعد الطلاق إذا تخلل بينهما الرجوع، و إن لم يتخلل بينهما المواقعة، بل و إن كانا في طهر واحد. فيصح طلاق المرأة ثلاثا بينها رجوعان من دون مواقعة في طهر واحد، و يكون الثالث بائنا لا رجوع معه في العدة، و إن كان الأولي أن يكون لكل طلاق طهر. بل الأولي أن تحصل المواقعة بعد الرجوع، فيطلقها ثم يراجعها و يواقعها، و ينتظر بها طهرا آخر، فيطلقها ثم يراجعها و يواقعها، و ينتظر بها طهرا آخر، فيطلقها الطلاق الثالث.

و هذا هو المعروف بطلاق العدة.

(مسألة 49): إذا طلق الرجل المرأة ثلاثا حرمت عليه في الثالثة حتي تنكح زوجا غيره، فيكون هو المحلل لها، سواء كان الرجوع المتخلل رجوعا من طلاق رجعي أم زواجا بعقد جديد، بعد الخروج من العدة أو بعد طلاق بائن.

هذا في الحرة، أما الأمة فإنّ زوجها إذا طلقها مرتين حرمت عليه حتي تنكح زوجا غيره. و حيث كان الابتلاء بذلك في عصورنا نادرا أو منعدما فقد أعرضنا عن بقية أحكامها.

(مسألة 50): من طلق امرأته طلاق العدة- الذي تقدم في آخر المسألة (4)- ثم تزوجت غيره و حللها ثم طلقها و تزوجها الأول، ثم طلقها طلاق العدة المتقدم أيضا، ثم تزوجت غيره و حللها ثم تزوجها الأول، ثم طلقها طلاق العدة المتقدم أيضا، فتمّ له طلاقها تسع تطليقات للعدة حرمت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 85

عليه مؤبدا. و المشهور اختصاص التحريم المؤبد بذلك، فلا تحرم بغيره من أقسام الطلاق مهما بلغ. و لكن الأحوط وجوبا التحريم المؤبد بالطلاق التاسع مطلقا و إن لم تكن التطليقات للعدة.

(مسألة 51): يشترط

في الزوج المحلّل للحرة بعد ثلاث تطليقات و للأمة بعد تطليقتين أمور.

الأول: أن يكون زواجه منها دائما، فلا يكفي الزواج المنقطع، فضلا عن ملك اليمين أو وطء الشبهة.

الثاني: أن يكون بالغا.

الثالث: أن يدخل بها و إن لم ينزل. نعم لا اعتبار بزواج الخصي منها و إن دخل بها.

الرابع: أن يكون الوطء في القبل، علي الأحوط وجوبا.

فإذا تمت هذه الشروط حصل التحليل، فإذا خرجت عن زوجيته بطلاق أو موت أو نحوهما حلّ للأول تزوّجها.

(مسألة 52): المحلّل المذكور كما يوجب سقوط حكم التطليقات الثلاث و يرفع التحريم الحاصل بها يرفع حكم التطليقة الواحدة و التطليقتين أيضا، فمن طلق امرأته تطليقة واحدة أو تطليقتين ثم تزوجت غيره بالنحو المذكور و طلّقت، فإذا تزوجها الأول لم تحرم عليه حتي يطلقها ثلاثا بعد زواجه منها، و لا تحرم بطلاقها مرة أو مرتين.

(مسألة 53): الرجوع إيقاع يتضمن الرجوع في الزوجية و رفع اليد عن الطلاق، و لا يشترط فيه قول مخصوص، بل يقع بكل ما يدل عليه، مثل:

رجعت بك، و رددتك، و أنت زوجتي، و غير ذلك مما يراد به الرجوع. بل يقع بالفعل المقصود به الرجوع، كما لو واقعها أو قبّلها بقصد الرجوع. أما لو فعل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 86

ذلك لا بقصد الرجوع فلا يتحقق به الرجوع إلا في المواقعة، فإنها تكون رجوعا و إن لم يقصد بها الرجوع. نعم الأحوط وجوبا الاقتصار علي ما إذا واقعها ملتفتا لكونها في العدة الرجعية، دون ما إذا نسي الطلاق أو تخيل أنها قد خرجت من العدة أو أن عدتها بائنة أو أنها امرأة أخري غير المطلقة، فيحتاط حينئذ بتجديد الرجوع أو الطلاق. بل لو لم يقصد المواقعة- كما لو

كان نائما أو ساهيا- أو واقع مكرها فالظاهر عدم حصول الرجوع، و لا يحتاج للاحتياط.

(مسألة 54): إذا طلق بالشرائط ثم أنكر الطلاق قبل خروج العدة الرجعية كان إنكاره بحكم الرجوع، سواء قصد به الرجوع، أم لم يقصد بأن وقع منه نسيانا للطلاق أو مكابرة فيه و كذبا.

(مسألة 55): لا يشترط في الرجوع المباشرة، بل يمكن التوكيل فيه فيقع من الوكيل بكل ما يدل علي الرجوع و يقصد به.

(مسألة 56): لا يشترط في الرجوع الإشهاد، نعم هو مستحب. و لو لم يشهد حين الرجوع استحب له الإشهاد بعده، بأن يقرّ أمام شاهدين عادلين بأنه قد سبق منه الرجوع.

(مسألة 57): يقبل قول الرجل في الرجوع ما دامت المرأة في العدة، فإذا خرجت من العدة لم يقبل منه دعوي الرجوع في العدة إلا بالبينة. و لا يقوم مقام البينة شهادة رجل و امرأتين، و لا شهادة رجل واحد و يمين الزوج.

(مسألة 58): إذا رجع الزوج في العدة و أشهد علي ذلك، لكنه كان متسترا به و طلب من الشهود الكتمان، فلم يبلغ ذلك المرأة حتي خرجت العدة، ففي صحة الرجوع حينئذ إشكال، و اللازم الاحتياط.

(مسألة 59): يكره للرجل الرجوع في الطلاق إذا لم يكن له بالمرأة حاجة، و كان رجوعه لأجل تجديد الطلاق. بل يستحب له تركها حتي تخرج

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 87

من عدتها بالطلاق من دون رجوع، متحليا بالصبر و الأناة لتبقي لهما حرية الاختيار، لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا.

و لا ينبغي للمؤمن أن يسد علي نفسه بابا فتحه اللّه تعالي له- توسعة عليه و رحمة به- في موقف انفعالي قد يدفع الشيطان له لا يستطيع بعد ذلك تداركه.

(مسألة 60): يكره للمريض طلاق

زوجته، فإن طلقها توارثا في العدة الرجعية مطلقا، و لا يرثها هو في غيرها كما هو الحال في الصحيح. أما هي فترثه- و إن كان الطلاق بائنا- إلي سنة من حين الطلاق إلا في موارد.

الأول: أن يصح من مرضه قبل السنة ثم يموت.

الثاني: أن تتزوج بغيره بعد الخروج من العدة في أثناء السنة. أما الزواج منه- دواما أو متعة- فلا يسقط ميراثها منه إلي السنة. بل لو كان دواما و دخل بها ورثته حتي لو مات بعد السنة.

الثالث: أن يكون الطلاق بعد مراجعتها و رضاها، أو كان خلعا أو مبارأة.

بل الظاهر عدم كراهة الطلاق منه حينئذ من حيثية المرض.

الفصل الرابع في العدة

تجب العدة علي المرأة بأمور.

الأول: وفاة الزوج.

الثاني: الخروج عن الزوجية- مع حياة الزوج- بأحد أمور.

أولها: الطلاق في الزواج الدائم.

ثانيها: انقضاء الأجل أو هبة المدة في المنقطع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 88

ثالثها: فسخ النكاح بأحد العيوب المتقدمة.

رابعها: بطلان النكاح، كما لو أرضعت إحدي الزوجتين الأخري حتي صارت اما لها، أو ارتد أحد الزوجين، علي التفصيل المتقدم في بحث حرمة النكاح بالكفر، أو غير ذلك من أسباب البطلان.

الثالث: وطء الشبهة.

إذا عرفت هذا فعدة الوفاة تثبت مطلقا، سواء كانا صغيرين أم كبيرين أم مختلفين، و سواء كانا مسلمين أم كافرين أم مختلفين، و سواء دخل بها أم لا.

أما غيرها فهي مشروطة بأمرين.

الأول: أن تكون المرأة في سن الحيض، فلا عدة علي الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين قمرية، و لا علي اليائسة التي خرجت عن سن الحيض ببلوغ ستين سنة قمرية في القرشية و خمسين في غيرها.

الثاني: الدخول قبلا أو دبرا، فلا عدة علي غير المدخول بها. نعم الأحوط وجوبا مع دخول مني الرجل في فرج المرأة

من غير وطء الجمع بين تكاليف المعتدة و غيرها، فلا تتزوج في مدة العدة مثلا و لا يرجع بها الزوج لو طلقها.

(مسألة 61): عدة الحرة المطلقة التي تحيض ثلاثة أطهار، و هي ما بقي من الطهر الذي طلقت فيه و طهران بعده، و تنتهي عدتها بأن ينزل عليها الدم من الحيضة الثالثة. فلها أن تتزوج حال الحيض حينئذ علي كراهة، لكن يحرم عليها أن تمكن زوجها من وطئها حتي تطهر.

(مسألة 62): تعتد الكافرة الحرة المطلقة بثلاثة أطهار من حين طلاقها إذا أسلمت قبل مضي طهرين من طلاقها، بل و إن لم تسلم علي الأحوط وجوبا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 89

(مسألة 63): تعتد الأمة المطلقة بطهرين، و تخرج عن العدة بنزول الدم من الحيضة الثانية، إلا أن تعتق قبل ذلك فتتم عدة الحرة.

(مسألة 64): إنما يحسب الطهر الذي وقع فيه الطلاق من العدة إذا بقي منه شي ء بعد الطلاق. أما إذا كان الطلاق في آخر الطهر بحيث كان التحيض مقارنا للفراغ من الطلاق فلا يحسب ذلك الطهر من العدة، بل تبدأ العدة بالطهر الذي يكون بعد ذلك الحيض.

(مسألة 65): عدة المتمتع بها التي تحيض طهران، فإن خرجت عن الزوجية- بانتهاء المدة أو هبتها- في طهر كان عليها إكماله و إكماله الطهر الثاني فتخرج عن العدة بالحيضة الثانية، و إن خرجت عنها في آخر الطهر أو في أثناء الحيض كان عليها إكمال طهرين، فتخرج عن العدة بالثالثة.

(مسألة 66): تقدم في فصل شروط الطلاق أن المسترابة- و هي التي لا تحيض و هي في سن من تحيض- لا تطلق إلا بعد أن تستبرأ بأن يعتزلها الزوج و لا يطأها ثلاثة أشهر، فإذا طلقها و كانت حرة

فعدتها ثلاثة أشهر قمرية و لو ملفقة، و إن كانت أمة فعدتها شهر و نصف.

(مسألة 67): عدة المتمتع بها إذا كانت مسترابة شهر و نصف.

(مسألة 68): لا فرق في التي لا تحيض و هي في سن من تحيض بين من يتعارف ذلك منها في سنها- كالمرأة في أول بلوغها و في آخر أيام حيضها و من يتعارف ذلك منها لرضاع و نحوه، و من ينقطع حيضها لعارض خاص من مرض أو نحوه. نعم إذا احتمل أن انقطاع حيضها للحمل فإنها تنتظر أقصي الحمل من حين المواقعة الأخيرة، و هو سنة، فإن ظهرت حاملا و إلا انكشف أن عدتها ثلاثة أشهر أو شهر و نصف.

(مسألة 69): من تحيض كل ثلاثة أشهر أو أقل أو أكثر إن كان طلاقها في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 90

أول الطهر فمضي لها ثلاثة أشهر بيض لم تر فيها دما كانت عدتها الأشهر المذكورة لا غير. و إن كانت تري الدم في أقل من ثلاثة أشهر فلا يتم لها طهر ثلاثة أشهر كانت عدتها ثلاثة أطهار. و إن كانت أطهارها مختلفة بالطول و القصر تعتد إلي أسبق الأمرين من ثلاثة أشهر بيض و ثلاثة أطهار، فأيهما سبق تمت به عدتها. و عليه قد تكون عدتها مركبة من طهر أو طهرين و ثلاثة أشهر بيض.

نعم إذا كانت شابة مستقيمة الحيض، فلم تحض في ثلاثة أشهر إلا حيضة واحدة، ثم انقطع حيضها و جهل سببه، فإنها تتربص تسعة أشهر من يوم طلاقها، ثم تعتد بثلاثة أشهر، فتكون عدتها سنة.

(مسألة 70): من كانت عدتها طهرين أو شهرا و نصفا- كالمتمتع بها و الأمة المطلقة- إذا كانت تحيض كل ثلاثة أشهر أو أكثر أو

أقل فالظاهر أن عدتها طهران، و لا تعتد بشهر و نصف أبيض لو سبق لها قبل إكمال الطهرين.

(مسألة 71): المستحاضة التي يستمر بها الدم تمام الشهر ترجع في تعيين أيام حيضها إلي ما تقدم في مبحث الحيض من كتاب الطهارة، فلا تطلق فيها، بل تطلق في الأيام المحكومة بأنها طهر. و الأحوط وجوبا أن لا تتحيض بالأطهار إن كانت حرة مطلّقة، بل بثلاثة أشهر، خصوصا إذا كانت تتحيض بالعدد، لعدم كونها ذات عادة سابقه، و لا ذات تمييز و ليس وظيفتها الرجوع لأقاربها.

أما إذا كانت متمتعا بها أو أمة مطلقة فالأحوط وجوبا أن تعتد بأبعد الأجلين من الطهرين و الشهر و النصف، فإذا بدأت عدتها في أول الطهر تكمل الطهر الثاني و لا تكتفي بشهر و نصف، و إذا بدأت عدتها بأواخر الطهر تكمل شهرا و نصفا و لا تكتفي بإكمال الطهر الثاني.

(مسألة 72): الأحوط وجوبا في التي تحيض في الشهر مرارا أن تعتد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 91

بأبعد الأجلين و هو الشهور، فتعتد بثلاثة شهور إن كانت حرة مطلقة، و بشهر و نصف إن كانت متمتعا بها أو أمة مطلقة.

(مسألة 73): المطلقة الحرة إذا كانت صغيرة و هي في سن من تحيض فاعتدت بشهر ثم حاضت لم يحسب الشهر من عدتها، بل تستأنف عدتها بالأطهار فتعتد بثلاثة أطهار بعد الحيض الذي وقع عليها. و هو الأحوط وجوبا في كل من تكون عدتها بالشهور إذا فجأها الحيض قبل إكمال عدتها.

(مسألة 74): من تكون عدتها بالأطهار إذا بدأت عدتها بطهر أو طهرين ثم انقطع حيضها تلغي الأطهار ثم تستأنف عدتها بالشهور، إلا أن تكون طاعنة في السن بحيث يكون انقطاع حيضها لانتهائه عادة لا

لاضطرابه فإنها لا تلغي ما تعتد به من الأطهار، بل تكمل عدتها بالشهور، فإذا اعتدت بطهر و حاضت حيضة واحدة ثم انقطع حيضها أتمت عدتها بشهرين، و إذا اعتدت بطهرين و حاضت حيضتين ثم انقطع حيضها أتمت عدتها بشهر، سواء بلغت سن اليأس أم لا.

هذا، إذا كانت حرة مطلقة أما إذا كانت متمتعا بها أو أمة مطلقة فإنها إذا اعتدت بطهر واحد و حاضت حيضة واحدة ثم انقطع حيضها بالنحو المذكور تلغي الطهر و تستأنف عدتها بشهر و نصف.

(مسألة 75): عدة الحامل من الطلاق وضع الحمل و إن كان بعد الطلاق بلحظة.

(مسألة 76): لا فرق في وضع الحمل بين كونه تاما و كونه سقطا إذا علم أنه مبدأ تكون آدمي.

(مسألة 77): إذا كانت حاملا بأكثر من واحد بانت من زوجها- إن كانت العدة رجعية- بوضع الأول، فلا يجوز لزوجها الرجوع بها حينئذ، لكن لا يحل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 92

لها الزواج حتي تضع ما بقي من حملها.

(مسألة 78): الأحوط وجوبا في المتمتع بها إذا كانت حاملا أن تعتد بأبعد الأجلين من وضع الحمل و عدتها إذا لم تكن حاملا.

(مسألة 79): الاعتداد بوضع الحمل يختص بما إذا كان الحمل محكوما شرعا بأنه من صاحب العدة، كالمطلّق، أما إذا كان من غيره لشبهة أو زنا فلا دخل له في العدة، بل عدتها حينئذ الأطهار أو الشهور، علي ما تقدم. هذا مع الدخول أما بدونه فلا عدة، كما تقدم.

(مسألة 80): إذا توفي الزوج اعتدت زوجته أربعة أشهر و عشرة أيام، سواء كان الزواج دائما أم منقطعا، و سواء كان الزوجان كبيرين أم صغيرين، و مسلمين أم كافرين، و حرين أم مملوكين أم مختلفين في الكل.

هذا إذا

لم تكن حاملا، فإن كانت حاملا فعدتها أبعد الأجلين من المدة المذكورة و وضع الحمل.

(مسألة 81): إذا طلقت المرأة و مات زوجها في العدة البائنة أتمت عدتها و لم تعتد للوفاة. أما إذا مات في العدة الرجعية فإن عليها أن تعتد عدة الوفاة.

هذا و ربما زاد ما بقي من عدتها عن عدة الوفاة، كما لو كانت تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة فمات زوجها و هي في طهرها الأول، و حينئذ فالأحوط وجوبا أن تتمه بعد عدة الوفاة.

(مسألة 82): إذا طلقت زوجة الغائب بعد الفحص عنه وجب عليها أن تعتد بقدر عدة الوفاة، كما تقدم في أول كتاب الطلاق.

(مسألة 83): يجب علي المرأة في عدة الوفاة الحداد بترك الطيب و الزينة في البدن و اللباس، و يجوز لها الغسل و التنظيف و التمشط و تقليم الأظفار و نحو ذلك مما لا يعد زينة عند العرف، بل حتي مثل الاكتحال إذا لم يكن للزينة، بل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 93

لحاجتها إليه أو لتعارفه من دون أن يعد زينة عرفا.

(مسألة 84): يجوز لها الاعتداد في بيت زوجها و في أي بيت شاءت، بل لها أن تقضي عدتها في بيوت متعددة كل مدة في بيت. و يجوز لها الخروج من البيت الذي تعتد فيه، نعم هو مكروه إلا أن تكون في حاجة لذلك أو لأداء حق أو في طاعة، و لو تيسر لها أداء ذلك بالخروج بعد نصف الليل و الرجوع في اليوم الثاني عشاء كان أولي.

و أما ما شاع عند كثير من عوام الناس من أن عليها الاعتزال و الاحتجاب حتي لا يري شخصها من ليس محرما لها و لا يسمع صوتها و لا يري

ما يحل كشفه من بدنها، و غير ذلك من القيود فليس له أصل شرعي.

(مسألة 85): الحداد ليس شرطا في العدة، بل هو واجب فيها، فعدم قيامها به جهلا أو عمدا لا يبطل العدة، و لا يجب معه قضاؤها.

(مسألة 86): لا يجب الحداد علي الأمة، و لا علي الصغيرة و المجنونة، كما لا يجب علي وليهما أو غيره إلزامهما به.

(مسألة 87): لا يجب الحداد علي المعتدة في غير عدة الوفاة، بل يستحب لذات العدة الرجعية أن تتجمل و تتزين لزوجها.

(مسألة 88): تثبت عدة الطلاق في كل ما يوجب الفراق بعد الزواج الدائم، كفسخ النكاح بأحد العيوب المتقدمة، و بطلانه بعروض أحد أسباب البطلان كالرضاع المحرّم. فإن كانت من ذوات الأقراء اعتدت بالأقراء، و إن كانت من ذوات الشهور اعتدت بالشهور، و إن كانت حاملا اعتدت بوضع الحمل. و أما لو عرضت هذه الأمور علي الزواج المنقطع فعدتها عدة المتمتع بها المتقدمة.

(مسألة 89): هذه العدة بائنة تخرج بها المرأة عن عصمة الزوج. و لا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 94

يجري عليها حكم العدة الرجعية.

(مسألة 90): تثبت عدة الطلاق المتقدمة علي المرأة الحرة بوطء الشبهة، سواء كانت الشبهة لتوهم وقوع العقد مع عدم وقوعه، كما لو اشتبهت علي الرجل زوجته بغيرها فوطأها، أم لتوهم صحة العقد الباطل، كما لو تزوج ذات الزوج لتوهم خروجها عن عصمته، أو ذات العدة لتوهم عدم العدة، أو لتوهم عدم مانعية العدة من الزواج.

(مسألة 91): إذا كانت الموطوءة بالشبهة خلية غير ذات زوج حرم عليها الزواج في عدتها، و إن كانت مزوجة حرم علي زوجها وطؤها في عدتها، بل الأحوط وجوبا اعتزاله لها فلا يستمتع بها بقية الاستمتاعات، بل الأحوط وجوبا أيضا

عدم نظره إلي ما يحرم علي غيره النظر إليه منها.

(مسألة 92): المدار في وطء الشبهة علي الشبهة من جانب الرجل، فمع الشبهة من طرفه تثبت العدة و إن كانت المرأة متعمدة الحرام، و مع عدم الشبهة من طرفه لا تثبت العدة و إن كانت المرأة في شبهة.

(مسألة 93): لا عدة مع الزنا و لا استبراء، نعم يستحب استبراء المزني بها من ماء الفجور، بل هو الأحوط استحبابا، خصوصا إذا كان الزاني هو الذي يريد التزويج بها.

(مسألة 94): لا تعتد الموطوءة شبهة عدة الوفاة لموت الواطئ قبل ارتفاع الشبهة و لا لموته في العدة بعد ارتفاع الشبهة.

(مسألة 95): إذا اجتمعت عدة وطء الشبهة مع عدة أخري للمرأة تتداخل العدتان، سواء كانتا من سنخ واحد، كما لو وطأها رجل شبهة و وطأها آخر شبهة أيضا، أو وطأها الواطئ نفسه في عدته، أم من سنخين، كما لو طلق الزوج المرأة بائنا ثم وطأها هو أو غيره شبهة، أو وطئت ذات الزوج من غيره

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 95

شبهة فطلقها الزوج أو مات عنها، و غير ذلك. مثلا لو وطأها رجل شبهة فشرعت في العدة ثم وطأها آخر بعد مضي شهر من العدة وجب عليها الاعتداد ثلاثة أشهر لوطء الثاني و لا يجب عليها إكمال عدة الأول ثم استئناف عدة الثاني.

(مسألة 96): مبدأ عدة الطلاق و الفسخ و بطلان عقد النكاح من حين حصول السبب، سواء بلغها الخبر حينه أم بعده، قبل مضي مقدار العدة أو بعده، فإذا بلغها بعد مضي زمان العدة فلا عدة عليها. نعم لو جهلت تاريخ حصول السبب بنت علي تأخره.

(مسألة 97): مبدأ عدة الوفاة علي المرأة من حين يبلغها خبر وفاة زوجها،

لا من حين نفس الوفاة، من غير فرق بين الغائب و الحاضر، حتي لو كانت المدة بين الوفاة و حصول الخبر قريبة كثلاثة أيام أو أربعة علي الأحوط وجوبا. كما أن الأحوط وجوبا العموم لمن لا يجب عليها الحداد كالأمة و الصغيرة.

(مسألة 98): المراد ببلوغ الخبر وصول ذلك إليها بعلم أو حجة معتبرة يعمل عليها.

(مسألة 99): مبدأ عدة وطء الشبهة من حين ارتفاع الشبهة و ظهور الحال، لا من حين آخر وطء. و لو توفي الواطئ و الشبهة باقية كان مبدأ العدة الوفاة، لكن العدة حينئذ عدة الطلاق لا عدة الوفاة كما سبق.

(مسألة 100): جميع أنواع العدة المتقدمة بائنة، إلا عدة الطلاق الرجعي و قد تقدم بيانه في أول الفصل الثاني.

(مسألة 101): الطلاق البائن تخرج به المرأة عن عصمة الزوج و تصير أجنبية فليس له النظر إليها، و لا يجب عليه نفقتها و لا إسكانها، و لها الخروج من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 96

بيتها بغير إذنه، و لا تجب عليها طاعته، و له أن يتزوج الخامسة لو كانت هي الرابعة و غير ذلك. نعم ترثه إلي سنة إذا طلقها و هو مريض، علي تفصيل تقدم في آخر كتاب الطلاق كما أن الأحوط وجوبا عدم تزوج إحدي الأختين في عدة أختها من النكاح المنقطع و إن كانت بائنة، و اعتزال الزوجة بوطء أختها أو أمها شبهة حتي تنقضي عدة الوطء من الشبهة.

(مسألة 102): تبقي المرأة في عصمة الزوج في العدة الرجعية و هي بمنزلة الزوجة، فليس له الزواج بأختها، و لا بالخامسة إذا كانت هي الرابعة، و يتوارثان إذا مات أحدهما في العدة، و يجوز له الدخول عليها بغير إذنها، كما يجوز لها إبداء

زينتها له، بل هو مستحب- كما تقدم- و يجب عليها طاعته، و إجابته لمواقعتها لو طلب ذلك و تكون مواقعته لها رجوعا بها كما تقدم، كما يجب عليه نفقتها و إسكانها، معه و لا يجوز له إخراجها من بيته و ترك إسكانها معه مراغما لها، إلا أن تأتي بفاحشة مبينة، و الأحوط وجوبا الاقتصار في الفاحشة المبينة علي القبيح من القول و الفعل مما يتعلق بالجنس. أما لو تراضيا بعدم إسكانه لها و سكناها منفصلة فلا بأس.

(مسألة 103): لو أسكنها معه لم يجز لها الخروج بغير إذنه، إلا لضرورة لا تستطيع معها استئذانه، أما مع إذنه فلا بأس بخروجها، كالزوجة.

(مسألة 104): إذا طلق الرجل امرأته طلاقا رجعيا و رجع بها ثم طلقها طلاقا خلعيا أو غير خلعي- قبل الدخول وجب عليها استئناف عدة تامة، و لا يكون طلاقا بلا عدة، كما لا يكفي إكمال العدة الأولي التي انقطعت بالرجوع.

(مسألة 105): لا تعتد المرأة من صاحب العدة، فله أن يتزوجها في عدتها البائنة- إذا لم تحرم عليه من جهة أخري- كعدة الطلاق الخلعي، و عدة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 97

العقد المنقطع، و عدة فسخ النكاح أو بطلانه بأحد موجبات البطلان، و عدة وطء الشبهة.

لكن لو تزوجها دواما أو متعة ثم خرجت عن عصمته قبل الدخول- بالطلاق أو هبة المدة أو فسخ النكاح أو بطلانه- لم تحل لغيره حتي تستكمل عدتها الاولي بعد احتساب مدة زواجها الثاني منها. مثلا: إذا كانت المرأة ممن تعتد من الطلاق بثلاثة أشهر، فطلقها زوجها- بعد الدخول- طلاقا خلعيا في أول شهر رجب ثم عقد عليها في أول شهر شعبان ثم طلقها في أول شهر رمضان قبل الدخول بها، لم

يحل لغيره أن يتزوجها إلا في شهر شوال بعد إكمال عدتها الأولي التي بدأت بشهر رجب.

و إذا كانت المرأة ممن تعتد من العقد المنقطع بشهر و نصف فوهبها المدة- بعد الدخول- في أول شهر شوال، ثم عقد عليها في نصف شهر شوال متعة، ثم وهبها المدة من دون أن يدخل بها في آخر شهر شوال لم يحل لغيره أن يتزوجها إلا بعد خمسة عشر يوما من شهر ذي القعدة.

و ربما يتوهم سقوط عدة الفراق الأول بالزواج الثاني و عدم العدة بالفراق من الزواج الثاني لأنه قبل الدخول، فتحل لكل أحد بمجرد الفراق، حتي قيل:

إن المرأة الواحدة تدور علي جماعة في ليلة واحدة، فيعقد عليها أحدهم و يدخل بها ثم يهبها المدة و يعقد عليها ثانيا ثم يهبها المدة قبل الدخول فيعقد عليها الثاني و يدخل بها، ثم يهبها المدة و يعقد عليها ثانيا ثم يهبها المدة قبل الدخول، و يعقد عليها الثالث، و هكذا حتي تدور علي الجماعة كلهم.

و إن صح ذلك فهو من الفجائع الفضيعة و المنكرات الشنيعة، و إن كان هناك من يفتي بجوازه كان شاهد عيان علي نقصان الإنسان، و أن غير المعصوم قد يتعرض للخطإ الفاضح و الغفلة العجيبة ليكون ذلك عبرة تمنع من الإغراق

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 98

في حسن الظن بغير المعصوم مهما بلغ شأنه، و داعيا للتثبت عند الفتوي و عدم التسرع فيها حذرا من سقطات الوهم و عثرات الفكر و النظر. و نسأله سبحانه و تعالي التسديد و التوفيق لتحقيق الحقائق، و نعوذ به من الخطل و الزلل في القول و العمل، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

الفصل الخامس في الخلع و المبارأة

و هما نوعان من الطلاق يبتنيان علي

طلب الزوجة من الزوج أن يفارقها مع بذلها له مالا من أجل ذلك، فيكون فراقه لها إجابة لطلبها و رضي بعرضها.

(مسألة 106): لما كان الخلع و المبارأة من أنواع الطلاق فلا بد فيهما من الشروط المتقدمة في الطلاق نفسه، كالإشهاد، و في المطلق، كالبلوغ و العقل و القصد و عدم الإكراه، و في المطلقة، ككونها في طهر لم يواقعها فيه، إلا ما استثني كالحامل و الصغيرة و غيرهما، علي التفصيل المتقدم في الطلاق.

(مسألة 107): يشترط في الخلع أن تكون المرأة كارهة لعلقة الزوجية بينها و بين الرجل، بنحو يؤدي ذلك إلي امتناعها عن القيام بحقوقه و التعدي عليه و عصيان اللّه تعالي فيه و انتهاك حدوده، أو بحيث تهدد الزوج بذلك جادة به. و لا يكفي كراهتها للعلقة المذكورة إذا كانت ملتزمة بأداء حقوق الزوج تدينا أو تجملا، بل حتي لو احتمل أداء الكراهة للتفريط بحقوقه من دون أن تهدد بذلك جادة به. بل لا يشرع الخلع لو لقنها غيرها و حملها علي أن تهدد بذلك من دون أن يحرز قناعتها به و عزمها علي الجري عليه.

(مسألة 108): يشترط في المبارأة كراهة كل من الزوجين للآخر و إن لم يبلغ حد التعدي من أحدهما علي الآخر و التفريط بحقه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 99

(مسألة 109): لا يشرع الخلع و المبارأة لتفادي مشاكل اخري علي المرأة تابعة لعلقة الزوجية من دون كراهة لها، بأن صعب عليها مثلا أداء بعض حقوق الزوج أو السفر معه أو معاشرة أهله، فضلا عما إذا كان ذلك منها لأمر خارج عن العلقة الزوجية، كاستجابة لطلب أهلها أو لعرف عشائري أو خوف من ظالم أو رغبة في خير موعود به،

أو غير ذلك.

(مسألة 110): يحرم علي الزوج التعدي علي زوجته و التضييق عليها من أجل أن تتخلص منه ببذل مالها، ففي ذلك استغلال لضعفها، و هو من أفحش الظلم، و في الحديث عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «و من أضرّ بامرأة حتي تفتدي نفسها منه لم يرض اللّه له بعقوبة دون النار، لأن اللّه يغضب للمرأة كما يغضب لليتيم.

ألا و إن اللّه و رسوله بريئان ممن أضرّ بامرأته حتي تختلع منه». و كذا الحال في غير الزوج ممن يتدخل بين الزوجين و يسعي لحمل الزوجة- بالترغيب و الترهيب و المضايقات- علي البذل و طلب الطلاق. و لو سولت النفس و غرّ الشيطان الزوج أو غيره فأجرم و فعل ذلك فطلبت الطلاق و بذلت لم يحل للزوج ما بذلت و لم يقع الخلع و لا المبارأة.

نعم إذا أدي ذلك إلي حصول شرط الخلع أو المبارأة بالنحو المتقدم فبذلت حلّ المال و صح أحد الأمرين، و تحمل المسبب لذلك إثم هذه الجريمة.

(مسألة 111): حيث تقدم ابتناء الخلع و المبارأة علي بذل المال من قبل الزوجة، فلا بد من كون الشي ء المبذول مما يصح التعارض به شرعا، عينا كان أو منفعة أو حقا، دون مثل الخمر و الخنزير. كما لا بد من كونه معينا، و لا يكفي المردد، كأحد الثوبين أو ما يطلبه الزوج. نعم لا بأس بجهالته مع تعيينه، كما لو بذلت مجموعة من الأوراق النقدية من دون أن يعرف قدرها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 100

(مسألة 112): لا حدّ في الفداء من حيثية القلة و الكثرة. نعم لا بد في المبارأة من أن لا يتجاوز الفداء مقدار المهر، و لا بأس في الخلع

بزيادته عن ذلك.

(مسألة 113): لا بد من كون الفداء الذي تبذله المرأة مالا لها تملكه قبل البذل أو تجعله عليها و في ذمتها عند البذل. و لا يصح أن تبذل مال غيرها حتي لو كان بإذنه. نعم لو أذن لها في تملكه و بذله فتملكته و بذلته فلا إشكال.

(مسألة 114): لا بد من كون الطالب للفراق الباذل من أجله هو الزوجة، و لا يجزئ طلب غيرها- كأبيها و عشيرتها- حتي لو كانت كارهة بالوجه المتقدم و كان الفداء ملكا لها و بذله بإذنها. نعم إذا كان الغير وكيلا عنها في طلب الفراق و بذل الفداء أجزأ طلبه و بذله.

(مسألة 115): لا بد في الخلع و المبارأة من أن يكونا مرتبطين بالبذل متفرعين عليه، نظير ارتباط القبول بالإيجاب، فلا يكفي فيهما العلم برضا المرأة بالفداء من دون أن تبذله فعلا، و كذا إخبارها للزوج بأنها مستعدة للبذل في سبيل فراقها، بل لا يصح به الخلع و لا المبارأة ما لم يتحقق منها البذل بالفعل فيخلعها أو يبارئها استجابة لها.

(مسألة 116): يشرع الإتيان بصيغة الخلع و المبارأة بأحد وجهين.

الأول: أن يأتي بصيغة الطلاق، فيقول: أنت طالق علي ما بذلت، أو فلانة طالق علي ما بذلت.

الثاني: أن ينشئ الفراق خاليا عن صيغة الطلاق، و يجزئ فيه كل ما يدل علي إخراجها عن زوجيته و حبالته و عصمته من غير أن يتضمن فسخ عقد النكاح و حله.

فيقول في الخلع: خلعتك علي كذا، أو أنت مختلعة علي كذا، أو خلعت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 101

فلانة علي كذا، أو هي مختلعة علي كذا، و يقول في المبارأة: بارأت فلانة علي كذا، أو بارأتك علي كذا. أو يقول فيهما معا:

فارقتك علي كذا أو فارقت فلانة علي كذا أو تركتك علي كذا أو تركت فلانة علي كذا. بل لو قالت في مقام البذل: اخلعني علي كذا، أو: بارئني علي كذا، أو: لك كذا و اخلعني، أو بارئني، أو فارقني، فقال قاصدا إنشاء الخلع أو المبارأة: رضيت بذلك، بحيث تحقق منهما معا الرضا بذلك كفي في تحقق أحد الأمرين، بلا حاجة حينئذ إلي إنشاء الفراق من الزوج ابتداء.

و لا يحتاج في الوجه الثاني إلي الإتيان بعد ذلك بصيغة الطلاق. نعم هو أحوط استحبابا خصوصا في المبارأة، فيقول- بعد تمامية الخلع أو المبارأة بإحدي العبارات المتقدمة في الوجه الثاني و مع بقاء شروط الطلاق- كحضور الشاهدين و طهر المرأة-: فلانة طالق، أو: أنت طالق.

(مسألة 117): لا بد في الخلع و المبارأة من التنجيز، فلا يصحان معلقين علي أمر مستقبل أو حاضر مجهول الحصول. نعم لا بأس بتعليقهما علي أمر حاضر معلوم الحصول، كما لا بأس بتعليقهما علي ما يتوقف صحتهما عليه، كما لو قال: خلعتك أو بارأتك إن كنت كارهة لي، أو إن كنت زوجتي. و بذلك يفترقان عن الطلاق، حيث تقدم عدم صحة تعليقه حتي علي ما يتوقف صحته عليه.

(مسألة 118): لا تشترط المباشرة في الخلع و المبارأة، بل يمكن لكل من الطرفين التوكيل في طلب الفراق و البذل، و في إيقاع الفراق استجابة للطلب و مبتنيا علي البذل.

(مسألة 119): إذا خلعها أو بارأها علي ما لا يصح التعاوض به شرعا كالخمر و الخنزير- لم يصح الخلع و لا المبارأة، كما لا يقع طلاقا بلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 102

عوض، بل تبقي المرأة زوجة. من دون فرق بين إقدامهما علي ذلك عمدا و عدمه،

بأن وقع ذلك منهما خطأ جهلا بالحكم أو الموضوع. و كذا الحال إذا لم تكن الفدية ملكا للمرأة، بل مملوكة لغيرها أو وقفا. نعم لو كان قد أتبعها بالطلاق المجرد- كما تقدم أنه مقتضي الاحتياط في الوجه الثاني- صح الطلاق و كان رجعيا أو بائنا حسب اختلاف الموارد.

(مسألة 120): إذا ظهر بعد الخلع أو المبارأة أن الفدية معيبة أو علي خلاف ما وصفت لم يبطل الخلع و لا المبارأة. و في استحقاق الرجل الأرش أو التبديل إشكال، فاللازم الاحتياط. هذا إذا كانت الفدية شيئا معينا في الخارج كثوب خاص، أما إذا كانت أمرا كليا في ذمة المرأة كعشرة مثاقيل من الذهب، فسلمت للرجل فردا معيبا أو مخالفا للوصف فلا إشكال في استحقاق الرجل التبديل، و إن تعذر علي المرأة التبديل كان عليها إرضاء الرجل و لو بالمصالحة معه علي شي ء من المال.

(مسألة 121): تعتدّ المرأة من الخلع و المبارأة عدة الطلاق إذا كانت ممن تعتدّ في الطلاق، كالمدخول بها و هي في سن الحيض، إلا أن عدتها بائنة، حتي لو كانت المرأة بحيث لو طلقت من دون خلع و لا مباراة لكان طلاقها رجعيا، فتجري عليها أحكام العدة البائنة، كعدم جواز الرجوع للرجل فيها، و عدم التوارث بينهما لو مات أحدهما في أثنائها، و غير ذلك.

(مسألة 122): للمرأة الرجوع في الفدية ما دامت في العدة بشرطين.

الأول: بقاء الفدية في ملك الزوج، فلو خرجت عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف فلا مجال لرجوعها بها. هذا إذا كانت عينا خارجية كثوب خاص. أما إذا كانت أمرا كليا فسلمته فردا منه فخرج عن ملكه ففي صحة رجوعها به مع تكليف الرجل أن يدفع إليها فردا آخر إشكال،

فلا يترك الاحتياط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 103

الثاني: أن يشرع للرجل الرجوع بالمرأة. و لا بد في ذلك من أمرين.

أحدهما: كون المرأة لو طلقت من دون خلع و لا مباراة لكان طلاقها رجعيا.

ثانيهما: عدم حصول ما يمنع من الرجوع فيها، كما لو تزوج أختها، أو صار له أربع زوجات دائمة غيرها، أو أرضعت هي زوجته فصارت أمها بالرضاع، أو نحو ذلك.

هذا، و يشترط في الخلع شرط ثالث، و هو أن تقلع عن التعدي علي حقه و تتوب من معصية اللّه تعالي فيه.

(مسألة 123): إذا كانت المرأة قد تزوجت من دون ذكر مهر فاختلعت قبل الدخول لم يكن لها متعة، بخلاف ما لو طلقت بلا عوض، فإنها تمتع كما سبق في المهور.

(مسألة 124): الخلع و المبارأة و إن لم يجبا علي الزوج عند بذل المرأة، إلا أنه إذا توقف حل المشكلة علي أحدهما فلا ينبغي له التعنت و التصلب إحراجا للمرأة أو تشفيا منها، فإن اللّه تعالي إنما شرعهما لحل المشاكل المستعصية حذرا من انتهاك حرماته و تعدي حدوده، و ليتسني لكل من الزوجين أن يعيش تجربة أخري قد يحصل بها علي البيت السعيد و العيش الرغيد. قال جلت آلاؤه و عظمت نعماؤه وَ إِنْ يَتَفَرَّقٰا يُغْنِ اللّٰهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَ كٰانَ اللّٰهُ وٰاسِعاً حَكِيماً و لم يجعل اللّه تعالي الأمر للرجل من أجل أن يتعنت و يستغل موقعه، إجحافا بالمرأة و استهوانا بها، بل لأنه الأرشد و الأقدر علي ملاحظة مقتضيات الحكمة و العمل عليها. فينبغي له أن يؤدي شكر نعمة اللّه تعالي عليه في ذلك بأن يقوم بمقتضي مسئوليته و يخرج عن عهدتها.

(مسألة 125): إذا لم تتم شروط الخلع و المبارأة

لم يشرع الطلاق بالعوض

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 104

المبذول من المرأة أو غيرها، و انحصر الأمر بالطلاق المجرد عن العوض. نعم يمكن بذل العوض للزوج من المرأة أو غيرها و تمليكه له بشرط الطلاق، فإذا قبل الزوج بذلك وجب عليه الطلاق وفاء بالشرط، فلو لم يطلق كان عاصيا، و كان للباذل الرجوع في البذل. و إن طلق جري عليه حكم الطلاق بلا عوض، الذي قد يكون رجعيا، كما لو كانت المرأة مدخولا بها و في سن من تحيض و كان هو الطلاق الأول أو الثاني. و حينئذ يكون للزوج الرجوع، إلا أن يشترط عليه عند البذل و التمليك عدم الرجوع حينئذ، فيلزمه الشرط و يحرم عليه الرجوع. لكن لو عصي و رجع ففي نفوذ رجوعه إشكال، و اللازم الاحتياط.

نعم لا ينبغي سلوك هذا الطريق، إلا عند ضرورة تسوغ تقويض بيت الزوجية من دون أن يلزم حيف علي المرأة، و إلا تحمل من يقوم بذلك مسئولية جسيمة و إن كانت المعاملة صحيحة و الشرط نافذا.

و منه سبحانه نستمد التوفيق و التسديد، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

الفصل السادس في الظهار

و هو تشبيه من يحل نكاحها بالفعل- من زوجة أو أمة- بإحدي المحارم بقصد تحريمها عليه، علي تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالي.

و هو من مبتدعات الجاهلية، و قد استنكره اللّه تعالي لما فيه من تحريم ما أحلّ، قال عز من قائل الَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسٰائِهِمْ مٰا هُنَّ أُمَّهٰاتِهِمْ إِنْ أُمَّهٰاتُهُمْ إِلَّا اللّٰائِي وَلَدْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً. و قد عاقب اللّه تعالي من أقدم عليه بإلزامه بما قال و تحريم من حرّمها علي نفسه حتي يكفّر. فحريّ بالمؤمن أن يتجنب ذلك

و يتثبت في أفعاله و أقواله، و يحفظ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 105

لسانه عن الخطل و الباطل مهما كانت الظروف المحيطة به، مراعيا تعاليم اللّه تعالي و متأدبا بأدبه، و لئلا يحرج نفسه و يضيق عليها و علي أهله متكلفا بذلك و متعديا.

(مسألة 126): المظاهر هو الرجل، و لا يقع الظهار من المرأة لتحريم الرجل عليها.

(مسألة 127): يتحقق الظهار بأن يقول الرجل للمرأة بقصد تحريمها عليه: أنت عليّ كظهر أمي. و يكفي كل ما يدل علي المرأة التي يراد تحريمها، كفلانة، أو هي. كما يكفي كل ما يدل علي التشبيه، مثل: أنت عليّ ظهر أمي، أو: أنت مني كظهر أمي، أو: أنت حرام عليّ كظهر أمي، إلي غير ذلك.

(مسألة 128): يقوم مقام الام جميع المحرمات النسبية، كالأخت و بنتها و بنت الأخ و العمة و الخالة، بل مطلق المحرمات بالنسب و الرضاع و المصاهرة.

(مسألة 129): الظاهر اختصاص الظهار بما إذا أخذ في المشبّه به العنوان المحرم، كالأم و الأخت، دون شخص المرأة التي هي محرم، فإذا قال: أنت عليّ كظهر زينب، و كانت زينب امه أو أخته لم يقع الظهار.

(مسألة 130): يقوم مقام الظهر كل عضو من أعضاء المحارم، كالرجل و اليد و البطن و الفرج و غيرها. و كذا لو كان المشبّه به هو المرأة المحرم نفسها، كما لو قال: أنت علي كأمي أو كاختي.

(مسألة 131): لا يقع الظهار بالتحريم المجرد عن التشبيه بالمحارم، كما لو اقتصر علي قوله: أنت عليّ حرام.

(مسألة 132): لا يقع الظهار موقتا بزمان، كشهر أو سنة، بل لا بد فيه من الإطلاق و عدم التوقيت.

(مسألة 133): لا يقع الظهار مؤجلا، كما لو قال: أنت عليّ كظهر أمي

من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 106

يوم الجمعة، أو عند خروج هذا الشهر.

(مسألة 134): لا يقع الظهار في يمين، و هو الذي يراد به الحمل علي فعل أو الزجر عنه، كما لو قال: أنت عليّ كظهر أمي إن تركت صلاة الليل، أو إن اغتبت مؤمنا. و في وقوعه مشروطا بشي ء من دون أن يراد به اليمين علي تركه إشكال، و الأظهر العدم.

(مسألة 135): يشترط في المظاهر البلوغ و العقل و القصد إلي الظهار المعهود المبني علي تحريم المرأة مع بقائها علي الزوجية، فلو قصد به الكناية عن الطلاق لم يقع ظهارا و لا طلاقا.

(مسألة 136): يشترط في المظاهر الاختيار، فلا يقع الظهار مع الإكراه، و لو لأجل إرضاء الغير، كأمه و زوجته تجنبا لبعض المشاكل.

(مسألة 137): لا يقع الظهار مع الغضب و الانفعال تسرعا من دون قصد سابق.

(مسألة 138): يقع الظهار بالزوجة دائمة كانت أو متمتعا بها، و لا يقع بالأجنبية، حتي لو علقه علي الزواج بها، بأن قال مثلا: إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي.

(مسألة 139): لا يقع الظهار بالمرأة إلا بعد الدخول بها و لو دبرا.

(مسألة 140): لا بد في الظهار من أن تكون المرأة في طهر لم يواقعها فيه إذا كانت في سن الحيض، علي التفصيل المتقدم في الطلاق. و في جريان حكم الغائب هنا إشكال، فاللازم الاحتياط.

(مسألة 141): لا بد في الظهار من شهادة عادلين، علي النحو المتقدم في الطلاق.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 107

(مسألة 142): لا يقع الظهار في إضرار. و الظاهر أن المراد بذلك ما إذا أوقعه بقصد الإضرار بالمرأة و الإيذاء لها.

(مسألة 143): إذا تمّ الظهار حرم علي المظاهر وطء المرأة المظاهرة ما دامت

زوجة له حتي يكفّر، و لا يحرم عليه غير الوطء من وجوه الاستمتاع، فإن كفّر حلّ الوطء، و إن وطأها قبل أن يكفر عصي و وجبت عليه كفارة أخري للوطء المذكور، و هكذا إذا كرر الوطء قبل التكفير اللازم بالظهار، فإن الكفارة تتعدد بتعدد الوطء.

(مسألة 144): إذا خرجت المرأة المظاهرة عن زوجية المظاهر بطلاق أو غيره سقط الظهار و سقطت معه الكفارة، فإن عادت له بتزويج جديد حلّ له وطؤها بلا كفارة. نعم لو طلقها طلاقا رجعيا و رجع بها قبل خروجها عن العدة لم يسقط الظهار فلا يحل له وطؤها حتي يكفر، كما لو لم يطلقها.

(مسألة 145): إذا تعدد الظهار علي المرأة الواحدة في مجلس واحد أجزأته كفارة واحدة في تحليل وطئها، أما مع تعدد المجلس فاللازم تعدد الكفارة بتعدد الظهار المتفرق. نعم لو وطأها قبل التكفير لزمته كفارة واحدة للوطء مهما تعدد الظهار.

(مسألة 146): إذا ظاهر من نساء متعددات كان لكل امرأة ظهارها، حتي لو كان ظهارهن جميعا بكلام واحد، و حينئذ يحرم عليه وطء كل واحدة حتي يكفر لها، و لا يجزئه كفارة واحدة لتحليلهن جميعا.

(مسألة 147): كفارة الظهار عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكينا. لكل مسكين مد، هذا في الحر، و أما العبد فكفارته صيام شهر واحد.

(مسألة 148): المراد بالتتابع هنا هو المراد بالتتابع في سائر الكفارات،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 108

و هو أن يصوم شهرا تاما و يوما من الشهر الثاني، ثم له أن يفرق الصوم حتي يكمل الشهر الثاني. و قد تقدم في أواخر كتاب الصوم بعض فروع التتابع.

(مسألة 149): إذا لم يقدر علي العتق و شرع في الصيام

ثم وطأ المرأة المظاهرة قبل إكمال الصوم لزمه كفارة الوطء قبل التكفير. ثم إن أخل الوطء بالتتابع- كما لو وطأها نهارا قبل مضي شهر و يوم- وجب عليه استئناف صوم كفارة الظهار، و إن لم يخل به- كما لو وطأها ليلا أو بعد مضي شهر و يوم- أجزأه إكمال صوم كفارة الظهار الذي شرع فيه و لم يجب استئنافه.

(مسألة 150): إذا عجز عن عتق الرقبة فشرع في الصوم ثم أيسر، فإن كان قد دخل في الشهر الثاني أجزأه إتمام الصوم، و إلا وجب عليه العتق. أما إذا عجز عن العتق و الصوم فشرع في الإطعام ثم قدر علي أحدهما قبل إكماله فإن الأحوط وجوبا التكفير بالعتق أو الصيام و عدم الاجتزاء بما أتي به من الإطعام إلا أن يستمر العجز حتي يكمله.

(مسألة 151): إذا عجز عن الخصال المتقدمة و آخرها إطعام ستين مسكينا صام ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام. و لا يجب فيها التتابع، و إن كان أحوط استحبابا.

(مسألة 152): إذا عجز حتي عن صوم الثمانية عشر يوما ففي الاجتزاء بالاستغفار في تحليل الوطء- مع بقاء الكفارة في ذمته حتي يقدر عليها إشكال، و الأحوط بل الأظهر العدم، و يجري عليه حينئذ ما يأتي في المسألة الآتية.

(مسألة 153): إن كفّر المظاهر فلا إشكال، و إن لم يكفر فإن صبرت المرأة المظاهر منها فذاك، و إلا انتظر بالرجل ثلاثة أشهر من حين الظهار ثم كان لها أن ترفع أمرها للحاكم الشرعي، فيلزمه بأحد الأمرين من الكفارة أو الطلاق، و مع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 109

إبائه عن ذلك فإن أمكنه التضييق عليه حتي يطلق بنفسه فالأحوط وجوبا ذلك، و إلا طلق

عنه، و كان الطلاق بائنا أو رجعيا حسب اختلاف الموارد، فإن كان رجعيا كان له الرجوع في العدة، و وجب عليه التكفير، و إلا الزم مرة أخري بالطلاق، حتي ينتهي به إلي التكفير و الوطء أو خروجها عن عصمته و بينونتها منه.

الفصل السابع في الإيلاء

و هو الحلف علي ترك وطء الزوجة علي وجه مخصوص يأتي الكلام فيه، فإن خرج عن ذلك كان يمينا، و لحقه حكم اليمين المحض في اللزوم و عدمه، علي ما يأتي تفصيله في بحث اليمين إن شاء اللّه تعالي.

و لا ريب في كراهته من وجوه.

الأول: ما يأتي من كراهة اليمين إعظاما لاسم للّه تعالي أن يحلف به.

الثاني: ما يأتي أيضا من كراهة أن يتعرض الإنسان للحقوق و يجعلها علي نفسه بنذر و نحوه.

الثالث: أنه يبتني علي الإضرار بالمرأة و الإيذاء لها. فينبغي للمؤمن تجنب ذلك و التحلي بالحلم و الصبر و ضبط النفس، و لا يندفع في مواقفه الانفعالية إلي ما قد يحرج نفسه و يؤذي أهله بما هو في غني عنه، و ليبق لنفسه حرية الاختيار، التي جعلها اللّه تعالي له و لا يفرط بها. و اللّه سبحانه و تعالي وليّ التوفيق و التسديد.

(مسألة 154): لا يقع الإيلاء إلا بالحلف باللّه تعالي، كما هو الحال في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 110

سائر الأيمان، علي ما يأتي في بحث اليمين إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 155): لا بد في الإيلاء من أن يكون الحلف علي ترك وطء الزوجة بقصد الإضرار بها و إغضابها و هجرها. فلو كان بداعي أمر آخر- من مرض أو مراعاة الولد أو غيرهما- لم يكن إيلاء، و جري عليه حكم اليمين المحض.

(مسألة 156): الظاهر وقوع الإيلاء معلقا علي شرط،

كما لو قال: و اللّه لا أجامعك إن خرجت من الدار، أو إن طلعت الشمس.

(مسألة 157): يقع الإيلاء مؤبدا، كما لو قال: و اللّه لا أجامعك أبدا أو دائما. و يقع أيضا مطلقا، كما لو قال: و اللّه لا أجامعك، فيكون بحكم المؤبد.

و يقع أيضا مؤقتا، كما لو قال: و اللّه لا أجامعك إلي سنة. نعم لا بد حينئذ من أن يكون الأمد أكثر من أربعة أشهر، و إلا لم ينعقد الإيلاء، و لحقه حكم اليمين المحض.

(مسألة 158): لا بد في الرجل المولي من أن يكون بالغا عاقلا قاصدا مختارا، علي نحو ما تقدم في الظهار، و أن يكون قادرا علي جماع المرأة التي يؤلي منها، فلا يقع من المجبوب و العنين، و لا مع كون المرأة رتقاء أو نحوها ممن يتعذر وطؤها.

(مسألة 159): لا بد في المرأة المؤلي منها من أن تكون زوجة دائمة مدخولا بها، و لا يقع الإيلاء بدون شي ء من ذلك، بل يكون يمينا محضا.

(مسألة 160): إذا تمّ الإيلاء و انعقد فلا بد من الكفارة عند وطء الزوجة حتي لو كان الوطء المحلوف علي تركه راجحا. و بذلك يختلف الإيلاء عن اليمين المحض، فإن اليمين لا ينعقد إذا كانت مخالفته راجحة- كما يأتي- و لا تجب بمخالفته الكفارة.

(مسألة 161): كفارة الإيلاء هي كفارة اليمين، و هي عتق رقبة أو إطعام

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 111

عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يستطع فصيام ثلاثة أيام، علي ما يأتي في بحث اليمين إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 162): المشهور أن الكفارة في الإيلاء تجب بعد الوطء كما في اليمين، لكن الظاهر أنها شرط في جواز الوطء، فلا بد من تقديمها عليه ككفارة

الظهار. نعم لو وطأ قبل التكفير لم تجب كفارة أخري، بل يجزئ بكفارة واحدة للوطء اللاحق، و يكفي الاستغفار للوطء الأول، علي خلاف ما تقدم في الظهار.

(مسألة 163): إذا آلي الرجل من امرأته، فإن صبرت فذاك، مهما طالت المدة، و لها أن ترفع أمرها للحاكم الشرعي من يوم آلي منها أو بعد ذلك، فيمهله الحاكم أربعة أشهر من حين رفع أمرها له يخيره فيها بين أن يفي ء و يرجع- و ذلك بأن يدفع الكفارة و يجامعها- و أن يطلق، فإذا مضت الأربعة أشهر و لم يفعل أحد الأمرين أجبره علي أحدهما، بأن يحبسه و يضيق عليه في المطعم و المشرب و نحو ذلك حتي يفعل أحدهما، فإن لم ينفع ذلك و أيس منه طلق الحاكم عنه و فرق بينهما.

(مسألة 164): لو حصل الطلاق كان بائنا أو رجعيا حسب اختلاف الموارد. فإن كان رجعيا و رجع الزم بأحد الأمرين أيضا علي النهج السابق.

(مسألة 165): إذا طلقها و بانت منه ثم تزوجها لم يسقط حكم الإيلاء و وجبت الكفارة بالوطء.

(مسألة 166): لا تتعدد الكفارة بتعدد الحلف مع اتحاد الزمان الذي وقع الحلف علي ترك الوطء فيه، بل تجب كفارة واحدة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 112

الفصل الثامن في اللعان

أكد الإسلام فيما أكد علي تهذيب اللسان و عفته، و قد ورد الردع عن قذف غير المسلم بالفاحشة ما لم يطلع علي ذلك منه، فعن الإمام الصادق عليه السّلام أنه نهي عن قذف من ليس علي الإسلام إلا أن يطّلع علي ذلك منهم. و قال:

«أيسر ما يكون أن يكون قد كذب».

أما المسلم فقد أكد علي عرضه و شدد فيه حتي قال تعالي إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ الْغٰافِلٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ لُعِنُوا فِي

الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ.

يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللّٰهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّٰهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ. و قد عدّ قذف المحصنة من الكبائر، بل من أكبر الكبائر، و من الكبائر السبع الموجبات.

ثم لم يكتف بذلك حتي جعل عليه حدا أو تعزيرا- علي تفصيل مذكور في محله- يكونان عقوبة معجلة في الدنيا رادعة لمن لم يرتدع بعذاب الآخرة الموعود.

و لا يسقط ذلك إلا شهود أربعة يشهدون بالفاحشة عن حسّ و معاينة لا عن حدس و تخمين، و بدون ذلك يعدّ القاذف عند اللّه تعالي كاذبا فاسقا منتهكا لحرماته مستحقا للحد، و لا تقبل شهادته، بل يلزم علي المؤمنين ردعه و تكذيبه و إن احتملوا صدقه أو ظنوا به.

و مع الأسف الشديد نري تهاون الناس في ذلك، و تسرعهم في الطعن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 113

و القذف لأوهام و ظنون و اتهامات لا تغني من الحق شيئا، و لا تنهض حجة بين يدي اللّه تعالي، غافلين أو متهاونين بتعاليم اللّه تعالي، قال عز من قائل في حديث الإفك بعد أن شدد في الإنكار علي من قام به لَوْ لٰا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَ قٰالُوا هٰذٰا إِفْكٌ مُبِينٌ. لَوْ لٰا جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدٰاءِ فَأُولٰئِكَ عِنْدَ اللّٰهِ هُمُ الْكٰاذِبُونَ. وَ لَوْ لٰا فَضْلُ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيمٰا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ. إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْوٰاهِكُمْ مٰا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللّٰهِ عَظِيمٌ. وَ لَوْ لٰا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مٰا يَكُونُ

لَنٰا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهٰذٰا سُبْحٰانَكَ هٰذٰا بُهْتٰانٌ عَظِيمٌ. يَعِظُكُمُ اللّٰهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

فعلي المؤمنين أن يتأدبوا بأدب اللّه تعالي، و يتورعوا عن محارمه، و يقفوا عند حدوده التي لم يجعلها إلا لصلاحهم و خيرهم.

و قد استثني اللّه تعالي من ذلك الزوج مع زوجته لأن قيامها بالفاحشة خيانة عظيمة له، و قد توجب إلحاق ولد غيره به، و كثيرا ما لا يتيسر له إقامة الشهود، فاكتفي منه عند رمي زوجته باللعان بشروط مشددة، و تكون نتيجته الحرمة المؤبدة بينهما و الفراق الدائم. من دون أن يسوغ لغيره التعويل عليه في رمي المرأة و قذفها و انتهاك حرمتها، فإذا لا عن الرجل زوجته و فارقها حرم علي غيره قذفها بالزني.

و قد عقدنا هذا الفصل للنظر في شروط اللعان و كيفيته و أحكامه.

(مسألة 167): إنما يشرع اللعان بقذف الزوج زوجته إذا لم يشهد بزناها أربعة شهود مقبولي الشهادة يثبت زناها شرعا بشهادتهم، أما مع ذلك فلا لعان، بل تكفي شهادتهم في ثبوت الحد عليها و سقوط حد القذف عن الزوج.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 114

و لا بد من إقامتهم الشهادة، أما بدون ذلك فيشرع اللعان حتي لو كانوا مستعدين لإقامة الشهادة لو دعوا إليها.

(مسألة 168): يكفي في الشهود الأربعة أن يكون أحدهم الزوج، و لا يجب أن يكونوا غيره.

(مسألة 169): إنما يشرع اللعان بقذف الزوجة إذا ادعي الزوج أنه عاينها تزني، أما إذا لم يدّع المعاينة فإنه يجري عليه حكم القاذف.

(مسألة 170): تقدم في أحكام الأولاد الضابط في إلحاق الولد بالرجل ظاهرا، و أنه لا يحل للرجل نفي الولد عنه، بل لا يقبل منه النفي مع اعترافه بتحقق الضابط المذكور. أما مع

عدم اعترافه بتحققه فيقبل منه نفي الولد عنه مع كون المرأة موطوءة بالملك أو متمتعا بها أو زوجة دائمة لم يدخل بها. أما إذا كانت زوجة دائمة مدخولا بها فلا يقبل من الزوج نفي الولد إلا باللعان، أو بإقامة البينة علي ما يمنع من تولد الولد منه.

و حينئذ نقول: إن رجع نفي الولد إلي قذف امه بالزني توقف انتفاء الولد و سقوط حد القذف عن الزوج علي اللعان، لكن لا يشترط حينئذ أن يدعي معاينة الزني منها، بل يكفي فيه أن يدعي عليها أنها حملت به من الزني.

و إن لم يرجع إلي قذف الام بالزني- لاحتمال وطئها من قبل الغير شبهة أو مكرهة، أو إدخال مني الأجنبي في فرجها من دون أن يطأها- انحصر نفي الولد بإقامة البينة علي ما يمنع من تولد الولد منه، فإن لم يتيسر له ذلك تعين لحوق الولد به ظاهرا و إلزامه به، نعم له و عليه فيما بينه و بين اللّه تعالي أن لا يجري عليه أحكام ولده لو علم بعدم تولده منه، كما لو علم من نفسه أنه كان عقيما أو أنه لم يطأ المرأة وطء يقتضي إلحاق الولد به أو غير ذلك.

(مسألة 171): قذف الزوجة بالزني بمجرده لا يقتضي نفي الولد، سواء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 115

أشهد علي زناها أم أقرت به أم تلاعنا، بل يلحق الولد به لأنه صاحب الفراش، و يتوقف انتفاء الولد منه علي أن يدعي أنها حملت بالولد من الزني، و يلاعنها علي ذلك.

(مسألة 172): يشترط في المتلاعنين البلوغ، و العقل، و أن يكونا زوجين زواجا دائما مع الدخول، كما يشترط في الزوجة الملاعنة أن لا تكون خرساء أو نحوها ممن

لا تستطيع الكلام، و قد تقدم في السبب الرابع من أسباب تحريم النكاح أن قذف الخرساء و نحوها موجب لتحريمها و إن لم تلاعن.

(مسألة 173): صورة اللعان أن يشهد الزوج القاذف أربع شهادات باللّه تعالي أنه صادق فيما رماها به، فيقول مثلا: أشهد باللّه أني صادق فيما رميتها به، ثم في الخامسة يجعل لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين، فيقول مثلا: لعنة اللّه عليّ إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به، ثم تشهد الزوجة المقذوفة أربع شهادات باللّه إنه لمن الكاذبين فيما رماها به، فتقول مثلا: أشهد باللّه أنه كاذب فيما رماني به، ثم في الخامسة تجعل غضب اللّه عليها إن كان من الصادقين، فتقول مثلا: غضب اللّه عليّ إن كان صادقا فيما رماني به.

(مسألة 174): يجب التلفظ بالشهادات من الزوج، إلا في الأخرس و نحوه ممن يتعذر في حقه النطق، فإنه تكفيه الإشارة المفهمة صريحا حسب ما يعلم من حاله. أما الزوجة فلا يشرع اللعان معها إذا كانت خرساء كما تقدم.

(مسألة 175): يجب النطق بالشهادات بالعربية مع الإمكان، و مع تعذرها يجزئ غيرها.

(مسألة 176): يجب القيام عند الشهادة، بل الأحوط وجوبا قيامهما معا في تمام الملاعنة، فتقوم المرأة مع الرجل عند بدية بالشهادة، و يبقي الرجل قائما معها حتي تكمل هي الشهادة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 116

(مسألة 177): يستحب جلوس الحاكم مستدبر القبلة، و وقوف الرجل عن يمينه و المرأة- و الصبي المنفي إن كان- عن يساره مستقبلين القبلة. كما يستحب أن يعظ الحاكم كلا منهما بعد أن يشهد الشهادات الأربع قبل الخامسة، ففي الصحيح- بعد ذكر الشهادات الأربع من الرجل-: «ثم قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: أمسك،

و وعظه، ثم قال: اتق اللّه فإن لعنة اللّه شديدة»، و بعد ذكر الشهادات الأربع للمرأة: «ثم قال لها: أمسكي، فوعظها ثم قال لها: اتقي اللّه فإن غضب اللّه شديد». قيل: و يستحب حضور جماعة من الأعيان و الصلحاء يسمعون اللعان، لكن لو تم ذلك فقد ورد الأمر بالتباعد عن المتلاعنين، و حينئذ يحضرون بنحو يسمعون التلاعن مع بعدهم عن مجلس الملاعنة.

(مسألة 178): إذا قذف الرجل المرأة و لم يكن له شهود عرض عليه الحاكم اللعان، فإن أبي حدّه حدّ القاذف، و كذا إذا أكذب نفسه. و إن لا عن و أتي بالشهادات الخمس سقط عنه الحد، ثم يعرض الحاكم علي المرأة اللعان، فإن أبت أو صدقته ثبت عليها حد الزني، و إن لا عنت و أتت بالشهادات الخمس سقط عنها الحد، و حرمت عليه مؤبدا، كما تقدم في فصل أسباب تحريم النكاح.

(مسألة 179): إذا لا عن لنفي الولد و تم اللعان انتفي الولد منه و الحق بامه، و لا يحكم عليه أنه ابن زني، بل من نسبه لذلك لزمه حد القذف، و حينئذ لا يرث الولد من الملاعن و لا ممن يتقرب به، و لا يرثونه، بل يكون التوارث بينه و بين امه و من يتقرب بها لا غير.

(مسألة 180): مع اختلال شروط اللعان المتقدمة و عدم مشروعيته لا تترتب أحكامه المتقدمة، بل يترتب حكم القذف علي الزوج لا غير. نعم إذا كانت المرأة خرساء تحرم مؤبدا بمجرد القذف و إن لم يشرع اللعان كما تقدم، و في انتفاء الولد بذلك إشكال.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 117

(مسألة 181): إذا أقر بالولد قبل أن يقذف امه الزم به، و لا يقبل منه نفيه

حتي باللعان.

(مسألة 182): إذا أقر الملاعن بالولد بعد أن ينفيه منه باللعان الحق به، فيرث الولد منه و من قرابته، لكنهم لا يرثونه، بل يبقي ميراثه لامه و من يتقرب بها.

(مسألة 183): إذا أكذب أحدهما نفسه بعد حصول اللعان منهما لم يرتفع التحريم بينهما، و لو كان الذي أكذب نفسه هو الرجل لم يجب عليه حد القذف.

(مسألة 184): إذا ادعت الزوجة أو المطلقة الحمل من الزوج فأنكر الدخول بها فالقول قوله، و له نفي الولد بلا لعان. نعم إذا أقامت بينة علي أنه اختلي بها خلوة يمكن معها الدخول عادة حكم به و الحق به الولد، و توقف نفيه علي اللعان، أو علي إقامة البينة علي ما يمنع من تولد الولد منه.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 119

كتاب اليمين و النذر و العهد

اشارة

جعل اللّه سبحانه و تعالي علي الإنسان مجموعة من التكاليف لم يجعلها عليه إلا استصلاحا له و لمجتمعه، و كثيرا ما لا يقوم الإنسان بامتثالها استثقالا لها أو استهوانا بها. لكنه مع ذلك قد لا يكتفي بما جعله اللّه عليه حتي يجعل علي نفسه- بيمين و نحوه- ما لم يجعله اللّه تعالي عليه و يتكلف ما لم يكلفه به، أملا في تيسير عسر ضاق به ذرعا أو تفريج كرب جزع له قلبه هلعا أو لغير ذلك من الدواعي، مستسهلا ما جعله علي نفسه من أجل ذلك، لقصر نظره و عدم تدبره لعواقب الأمور، حتي إذا تيسر عسره و انفرج كربه، و وجب عليه ما جعله علي نفسه ثقل عليه القيام به. و كان بوسعه أن يتجنب ذلك من أول الأمر و يتدبر العاقبة قبل أن يورط نفسه، و كم رأينا من ورط

نفسه في نذور و أيمان يعجز عنها لا يدري كيف يخرج منها، و لذا ورد عن أئمتنا عليهم السّلام كراهة ذلك، فعن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «إني لأكره الإيجاب، أن يوجب الرجل علي نفسه».

و كثيرا ما يتسامح الإنسان بعد تحصيل مراده في القيام بما جعله علي نفسه و يسوف فيه بنحو قد ينتهي للإهمال و التضييع، مع ما شدد اللّه تعالي في ذلك. قال عز من قائل وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّٰهِ إِذٰا عٰاهَدْتُمْ وَ لٰا تَنْقُضُوا الْأَيْمٰانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهٰا وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللّٰهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا، و قال سبحانه و تعالي إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَ أَيْمٰانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولٰئِكَ لٰا خَلٰاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لٰا يُكَلِّمُهُمُ اللّٰهُ وَ لٰا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ لٰا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ، و قال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 120

عز و جل يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخٰافُونَ يَوْماً كٰانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً. إلي غير ذلك من الآيات الكثيرة، و في الحديث عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «لا تتعرضوا للحقوق، فإذا لزمتكم فاصبروا لها».

إذا عرفت هذا، فجعل الإنسان علي نفسه لا يلزم إلا باليمين و النذر و العهد. و الكلام فيها يكون في ضمن مقدمة و فصول.

مقدّمة

اليمين علي قسمين.

القسم الأول: ما يريد به الحالف تأكيد دعواه و ما يخبر عنه، كالحلف علي وقوع أمر سابق، كأن يقول: و اللّه لقد مطرت السماء أمس، أو: و اللّه قتل زيد عمرا. أو تحقق أمر في المستقبل، كأن يقول: و اللّه تمطر السماء غدا، أو:

و اللّه يموت زيد. أو حصول أمر حالي، كأن يقول: و اللّه هذا بيتي، أو: و اللّه زيد عادل.

(مسألة 1): يجوز

من هذا القسم اليمين الصادقة، إلا أن يلزم منها محذور شرعي كالإضرار بمؤمن، فتحرم لذلك.

(مسألة 2): تكره اليمين باللّه تعالي، و إن كان الحالف صادقا، بل يستحب ترك طلب الحق إذا توقف علي اليمين المذكورة، ففي الحديث: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من أجلّ اللّه أن يحلف به أعطاه اللّه خيرا مما ذهب منه».

و يتأكد ذلك في المال القليل، و في بعض النصوص أنه ثلاثون درهما فما دون، و هي تساوي تسعة و ثمانين غراما من الفضة تقريبا.

(مسألة 3): اليمين التي يثبت بها الحق شرعا عند الخصومة و التداعي و تسقط بها الدعوي هي اليمين باللّه تعالي دون غيره كالقرآن الشريف و الكعبة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 121

المعظمة و الأنبياء و الأئمة صلوات اللّه عليهم و الأولياء، فلا تجب الإجابة إلي غيرها لو طلبها الخصم. و لا بد في ترتب الأثر عليها و سقوط الدعوي بها من أن تقع بطلب من الحاكم الشرعي عند التخاصم إليه. نعم إذا تصالح الخصمان علي سقوط حق الدعوي من أحدهما بيمين الآخر كانت اليمين مسقطة للدعوي و إن لم تكن باللّه تعالي، و لا بحضور الحاكم الشرعي، بل علي النحو الذي يتفقان عليه.

(مسألة 4): تحرم اليمين الكاذبة باللّه تعالي، و هي اليمين علي أمر مخالف للواقع، و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «من حلف علي يمين و هو يعلم أنه كاذب فقد بارز اللّه»، و قد ورد عنهم عليهم السّلام أنها تقطع النسل و تذر الديار من أهلها بلاقع. بل تحرم اليمين علي أمر مشكوك الحصول. كما يحرم الإخبار بأمر مخالف للواقع و بأمر مشكوك الحصول حتي من دون يمين، و مع

اليمين يتأكد التحريم، و كلما كان المحلوف به أجلّ كان التحريم آكد. نعم لا كفارة في جميع ذلك، بل ليس علي فاعله إلا التوبة. و قد تقدم جميع ذلك في مسألة حرمة الكذب من كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

(مسألة 5): يلحق باليمين الكاذبة قول: (اللّه يعلم) أو: (علم اللّه) و نحو ذلك. ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «من قال: اللّه يعلم فيما لا يعلم اهتز لذلك عرشه إعظاما له»، و في حديث آخر عنه عليه السّلام أنه قال: «إذا قال العبد: علم اللّه، و كان كاذبا قال اللّه عز و جل: أما وجدت أحدا تكذب عليه غيري!».

(مسألة 6): تجوز اليمين الكاذبة لدفع مظلمة عن النفس و عن المؤمن.

بل قد تجب اليمين حينئذ، كما إذا كان الضرر اللازم من تركها مهما يجب دفعه، كما تجب لدفع الحرام إذا أكره عليه لو لا اليمين، كما لو طلب الظالم منه الغناء فيحلف له أنه لا يحسنه، أو طلب منه أن يدفع له مال شخص فيحلف له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 122

أنه ليس عنده.

(مسألة 7): تحرم اليمين بالبراءة من اللّه و رسوله صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام صادقا أو كاذبا، بل الأحوط وجوبا عموم الحرمة للبراءة من دين الإسلام، أو أن يقول: أنا يهودي أو نصراني أو نحوهما إن كان كذا.

القسم الثاني من اليمين: ما يقصد به الحالف تأكيد ما يلتزمه علي نفسه و يتعهد به من فعل أو ترك، فلا بد في متعلقها.

أولا: من كونه فعلا اختياريا للحالف، دون ما هو خارج عن اختياره، كأفعاله السابقة، أو أفعال غيره، أو الحوادث الكونية- كطلوع الشمس و نزول

المطر- سابقه كانت أو لاحقة، لامتناع تعهد الحالف بذلك علي نفسه، بل اليمين في ذلك كله من القسم الأول.

و ثانيا: من ابتناء إخباره به علي التزامه به و تعهده بتحقيقه، فلو تجرد عن ذلك، بل كان قصده محض الإخبار عنه لم تكن اليمين عليه من هذا القسم، بل من القسم الأول أيضا، كما لو حلف علي أنه يأكل هذا اليوم نوعا من الطعام لتخيل أن أهله قد هيؤوه له، أو علي أنه لا يسافر، لتخيل عدم حصول الداعي له للسفر.

و لا تكون اليمين من هذا القسم إلا إذا ابتني إخبار الحالف بمتعلقها علي تعهده و التزامه به علي نفسه مؤكدا ذلك باليمين، و هذا القسم من اليمين هو الذي يكون من سنخ النذر و العهد، التي هي محل الكلام، و التي يكون انعقادها سببا لوجوب متعلقها، و يكون الخروج عنها محرما موجبا للحنث و الكفارة.

و الكلام في الفصول الآتية إنما هو في شروط الانعقاد و أحكامه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 123

الفصل الأول في الحالف و الناذر و المعاهد

(مسألة 8): يشترط في الحالف و الناذر و المعاهد البلوغ و العقل و القصد بالنحو الذي يعتد به عند العقلاء، فلا تنعقد من الصبي و المجنون و النائم و الساهي و السكران و الغالط و نحوهم.

(مسألة 9): لا ينعقد اليمين و النذر من الغضبان إذا أوقعهما في سورة غضبه، من دون تروّ و هدوء أعصاب، و إن كان قاصدا لهما في الجملة.

بخلاف العهد، فإنه ينعقد حينئذ مع تحقق القصد بنحو معتد به عند العقلاء.

(مسألة 10): لا تنعقد اليمين إذا صدرت اندفاعا بسبب عادة، كما يشيع عند كثير من الناس. بخلاف النذر و العهد، فإنهما ينعقدان حينئذ مع تحقق القصد بنحو معتد به

عند العقلاء.

(مسألة 11): لا بد في انعقاد هذه الأمور من الاختيار التام، فلا تنعقد مع الإكراه، كما إذا طلبه إليه من يوعده بفعل ما يضره مع قدرته علي تنفيذ ما أوعد به بنحو يخاف تحققه. بل لا تنعقد اليمين إذا وقعت من الحالف لإرضاء من يهمه إرضاؤه- كالأب و الام و الزوجة- إذا طلب منه ذلك، بخلاف النذر و العهد، فإنهما ينعقدان مع ذلك إذا لم يبلغا حد الإكراه.

(مسألة 12): لا بد في انعقاد اليمين من الولد من إذن والده، و في انعقادها من الزوجة من إذن زوجها، و في انعقادها من العبد من إذن مولاه، فلو لم يسبق منهم الإذن لم تنعقد، و إن لم تكن منافية لحقوقهم، لا أنها تنعقد و لهم حلّها، و إن كان هو الأحوط استحبابا. و أحوط منه أنها لا تنحل حتي بحلّهم، إلا أن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 124

للحالف مخالفتها إذا طلبوا منه المخالفة إذا لم يكن متعلقها واجبا بنفسه، فإن خالفها بأمرهم انحلت، و إن لم يخالفها حتي مات الأب و أعتق العبد و طلقت المرأة أو مات زوجها بقيت علي الانعقاد، و حرم علي الحالف مخالفتها، و وجبت بها الكفارة. كل ذلك مقتضي الاحتياط الاستحبابي. و الظاهر ما ذكرناه أولا من عدم الانعقاد إلا مع الإذن.

(مسألة 13): لا يقوم الجد للأب مقام الأب في حكم المسألة السابقة.

(مسألة 14): لا يشترط في نذر الولد و عهده إذن أبيه، و إن نذر أو عاهد بدون إذنه لم يكن له حله و لا أمره بالمخالفة. نعم إذا نهاه قبل النذر و العهد عن أمر نهيا يوجب كونه مرجوحا في حقه- بأن كان الأب في حاجة لترك ذلك

الأمر مثلا- لم ينعقد منه نذره و لا العهد عليه، كما أنه لو نهاه بعد النذر و العهد عنه نهيا يوجب كونه مرجوحا في حقه بطل النذر و العهد.

(مسألة 15): يشترط في نذر الزوجة و عهدها إذن الزوج إذا كانا منافيين لحقه و كان مطالبا بالحق، أما إذا لم ينافيا حقه- و لو لعدم مطالبته به- فالظاهر عدم اشتراط إذنه، فيصح منها النذر و العهد حينئذ و ليس له حلهما و لا أمرها بمخالفتهما.

(مسألة 16): إذا حلفت المرأة أو نذرت أو عاهدت ثم تزوجت، لم يبطل يمينها و لا نذرها و لا عهدها، حتي لو كانت منافية لحق الزوج، بل ليس له المطالبة بالحق حينئذ. نعم تبطل الأمور المذكورة إذا كانت مطالبة الزوج موجبة لكون مخالفتها خيرا من العمل عليها، لما يأتي. و كذا إذا كان النفوذ حرجيا في حقها بنحو معتد به، لاستلزامه تعطيلها عن الزواج- لعدم إقدام أحد عليها مع نفوذ ما جعلته عليها- و كانت محتاجة للزواج، و لم تكن قد أقدمت علي تحمل الحرج المذكور بيمينها أو نذرها أو عهدها، لغفلتها عن ذلك أو لتخيلها عدمه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 125

(مسألة 17): ينعقد النذر و اليمين و العهد من الكافر، فإن خالفها حال كفره حنث و انحلت و وجبت عليه الكفارة، لكنها لا تصح منه لأنها عبادة، و لا تصح العبادة من الكافر. نعم إذا أسلم سقطت الكفارة، و إن لم يخالفها حتي أسلم لزمته، و وجب عليه العمل عليها. فإن خالفها حنث و وجبت عليه الكفارة، و صحت منه.

الفصل الثاني فيما ينعقد به اليمين و النذر و العهد

(مسألة 18): تنعقد اليمين باللّه تعالي سواء كان بلفظ الجلالة، أم بغيره من أسمائه المختصة- مثل فالق الحب و

بارئ النسم- أو المشتركة التي تنصرف إليه، مثل الخالق و الرحمن و الرحيم، بل حتي التي لا تنصرف إليه- كالجواد و الكريم- مع قصده بها. بل يكفي ما يدل علي الذات المقدسة و لو بغير العربية من اللغات الأخري.

(مسألة 19): لا تنعقد اليمين بغير اللّه تعالي و إن عظم قدره، كالقرآن الشريف و الكعبة المعظمة و الأنبياء و الأئمة- صلوات اللّه عليهم- و الأولياء.

نعم ينبغي رفع قدرها عن أن يحلف بها من دون وفاء، لما فيه من الامتهان لها و الاستهوان بشأنها، بنحو قد يبلغ مرتبة التحريم. إلا أن ذلك ليس لانعقاد اليمين بها بنحو يلزم بالحنث بها الكفارة، الذي هو محل الكلام.

(مسألة 20): لا تنعقد اليمين بمثل قدرة اللّه و عظمته و علمه، بل حتي حق اللّه تعالي، إلا أن يقصد به اليمين بالذات المقدسة، كما هو غير بعيد في كثير من الموارد. نعم ينعقد بقول: (لعمرو اللّه)، لأن المقصود به الذات المقدسة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 126

(مسألة 21): لا تنعقد اليمين بمثل: أشهد باللّه تعالي، أو أعزم باللّه، أو علم اللّه أني أفعل كذا، أو نحو ذلك.

(مسألة 22): لا يكفي في انعقاد اليمين القصد للحلف باللّه تعالي ما لم ينطق باللفظ الدال عليه جل شأنه. فإذا قال مثلا: أحلف أو أقسم لم ينعقد اليمين، ما لم يقل: أحلف باللّه، أو أقسم باللّه.

(مسألة 23): يكفي في اليمين كل ما يدل عليه من فعل، مثل: اقسم باللّه و أحلف باللّه. أو اسم، مثل: أيم اللّه و أيمن اللّه. أو حرف، مثل: و اللّه و باللّه و تاللّه.

(مسألة 24): تقدم أنه تحرم اليمين بالبراءة صادقا أو كاذبا. لكن لو حلف بالبراءة من اللّه و

رسوله- في القسم الثاني من اليمين الذي هو محل الكلام- انعقد مع بقية الشروط، فإن حنث فعليه إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مدّ من طعام.

كما أن الأحوط استحبابا لمن حلف بالبراءة من دين محمد صلّي اللّه عليه و آله- بل بكل ما يرجع إلي البراءة من الإسلام- علي أمر مرجوح- كقطيعة الرحم- أن يصوم ثلاثة أيام و يتصدق علي عشرة مساكين، من دون أن تنعقد يمينه. و أما مثل: أنا يهودي أو نصراني إن فعلت كذا، فلا تنعقد به اليمين، و لا تثبت به الكفارة.

(مسألة 25): لا بد في انعقاد النذر من جعل الأمر المنذور للّه تعالي، و لا يكفي فيه جعل المكلف الشي ء علي نفسه من دون أن يضيفه له تعالي، فلا يكفي أن يقول: علي كذا، أو: جعلت علي كذا، أو نذرت كذا. بل لا بد أن يقول مثلا: للّه تعالي علي كذا، أو: علي للّه كذا، أو: علي كذا للّه، أو: علي للّه نذر، أو: نذرت للّه علي كذا، أو نحو ذلك. نعم لا يشترط ذكر لفظ الجلالة، بل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 127

يقوم مقامه كل ما يدل علي الذات المقدسة، نظير ما تقدم في اليمين.

(مسألة 26): يحسن الوفاء بما جعله الإنسان علي نفسه من الخير من دون أن يضيفه للّه تعالي، خصوصا إذا كان الجعل في مقابل قضاء حاجة، بل يخشي حينئذ من عدم وفاء المكلف أن يري ما لا يحب في حاجته أو في أمر آخر.

(مسألة 27): يكفي في النذر الصيغة بلفظ الخطاب معه تعالي، كما لو قال مثلا: لك يا رب علي كذا.

(مسألة 28): يكفي في العهد كل ما يدل علي التعاهد مع اللّه تعالي، مثل: عاهدت

اللّه، أو: علي عهد اللّه، أو: عاهدتك يا رب، أو نحو ذلك.

(مسألة 29): لا بد في انعقاد النذر من اللفظ و لا يكفي عقده في النفس إلا مع تعذر اللفظ لخرس و نحوه، فإن الأحوط وجوبا انعقاده مع الإشارة الدالة عليه. أما العهد ففي توقف انعقاده علي اللفظ إشكال، فلا يترك الاحتياط بترتيب الأثر علي عقده في النفس.

(مسألة 30): لا ينعقد النذر و العهد لغير اللّه تعالي، كالنبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام و الأولياء و المشاهد الشريفة، فلا يجب الوفاء به شرعا، لكنه وعد يحسن الوفاء به، خصوصا بلحاظ رفعة مقام الموعود و عظيم شأنه، حيث قد يكون عدم الوفاء به منافيا لاحترامه، و لا سيما إذا كان معلقا علي تحقيق مطلوب شفاعته عند اللّه تعالي أو عظيم حقه عنده، حيث قد يكون عدم الوفاء هضما لحق عرفي له، بل يخشي من مغبة ذلك و عاقبته.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 128

الفصل الثالث في متعلق اليمين و النذر و العهد

(مسألة 31): يشترط في متعلق اليمين و النذر أن يكون طاعة للّه تعالي، من فعل واجب أو مستحب و ترك حرام أو مكروه، فلا ينعقدان علي ترك واجب أو مستحب و لا علي فعل حرام أو مكروه، كما لا ينعقدان علي فعل مباح أو تركه. نعم ينعقدان علي فعله لو صار راجحا شرعا بعنوان ثانوي، و لو لأمر يعود للدنيا، كما ينعقدان علي تركه لو صار مرجوحا شرعا بعنوان ثانوي أيضا.

و هكذا الحال في متعلق العهد، إلا أن الأحوط وجوبا انعقاده علي المباح الذي لا رجحان فيه شرعا.

(مسألة 32): إذا انعقد النذر و اليمين و العهد لتحقق الشرط المذكور في المسألة السابقة ثم طرأ ما يقتضي رجحان

مخالفتها شرعا، بحيث يصير متعلقها مرجوحا، كان له مخالفتها و لا كفارة حينئذ، و إن كان ذلك الطاري راجعا للدنيا، كحفظ المال و التحبب للناس و نحوهما مما هو راجح شرعا.

(مسألة 33): لا بد في متعلق اليمين و النذر و العهد من أن يكون مقدورا في وقته، فإن لم يكن مقدورا في وقته لم تنعقد. و إن اعتقد المكلف القدرة عليه ثم ظهر عدمها انكشف عدم الانعقاد من أول الأمر. أما إذا تجدد العجز عنه في أثناء وقته قبل الوفاء- كما لو نذر مثلا أن يزور الحسين عليه السّلام في شهر رمضان، فتجدد العجز عن الزيارة من نصف شهر رمضان إلي آخره- فهو لا يمنع من انعقاد اليمين و النذر و العهد، بل يوجب انحلالها من حينه. و حينئذ إن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 129

ظهرت أمارات العجز قبل وقته وجبت المبادرة للأداء ما دام قادرا، فإن فرّط عامدا كان حانثا و وجبت الكفارة، و إن لم تظهر أمارات العجز حتي فاجأه كان من موارد الحنث غير المتعمد الذي لا كفارة فيه.

(مسألة 34): إذا كان المتعلق أمرا مقيدا فعجز المكلف عن القيد دون المقيد، فإن كان القيد مقوما للمتعلق عرفا- كما لو حلف أن يعتمر عمرة رجبية، أو نذر أن يزور الحسين عليه السّلام في عرفة- كان من موارد تعذر المتعلق الذي تقدم في المسألة السابقة. أما إذا لم يكن القيد مقوما للمتعلق عرفا، بل موجبا لخصوصية فيه زائدة فالأحوط وجوبا الإتيان بالمتعلق الفاقد للقيد، كما لو حلف أن يحج أو يزور ماشيا، أو علي غسل، أو راكبا سيارة خاصة، أو مع جماعة خاصة، أو نحو ذلك. بل لو أمكن التبعيض في القيد فالأحوط

وجوبا الإتيان بما تيسر منه، كما لو قدر علي أن يمشي في بعض الطريق في المثال السابق.

(مسألة 35): يستثني مما تقدم- من اشتراط القدرة علي المتعلق- ما إذا نذر صوم يوم معين، كأول خميس من الشهر، فاتفق أن سافر، أو مرض في ذلك اليوم، أو صادف ذلك اليوم عيدا، أو أيام التشريق لمن كان بمني كان عليه قضاؤه. بل هو الأحوط وجوبا في بقية الأعذار، كالحيض و النفاس. أما إذا تعذر الصوم رأسا- معينا كان أو مطلقا- فالأحوط وجوبا أن يتصدق عن كل يوم بمد من طعام.

(مسألة 36): إذا حلف أو نذر أو عاهد علي أمر يتعلق بغيره ممن لا ولاية عليه شرعا لم ينعقد اليمين، كما إذا حلف الأب علي أن يزوج ولده الكبير من فلانة، أو يشتري الولد الدار الفلانية، أو نذرت الام أن تزوج بنتها علويا. إلا أن يرجع ذلك إلي ما له الولاية عليه، مثل أن يحلف علي أن يقوم بالزواج إذا طلبه الولد أو رضي به، أو علي إقناعه بالزواج مع قدرته عليه، فينفذ ذلك منه إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 130

تمت الشروط الأخري.

(مسألة 37): إذا حلف أو نذر أو عاهد علي أمر له الولاية عليه شرعا كان النفوذ مشروطا بكون المتعلق صلاحا للمولي عليه علي ما هو مقتضي ولايته، و إلا فلا نفوذ، و إن كان الأمر راجحا من بعض الجهات، كما إذا خطب إليه مؤمن ابنته الصغيرة فحلف أن يزوجه إياها مراعيا استحباب قضاء حاجة المؤمن و لم يكن الزواج صلاحا للبنت. كما أنه لو كان صلاحا للمولي عليه ثم خرج المولي عليه عن ولايته قبل التنفيذ انحل النذر أو اليمين أو العهد، و لم يجب

علي المولي عليه بعد أن استقل بنفسه العمل بمقتضاها، فإذا حلف الأب- مثلا- علي تزويج ابنته من شخص و هو يري ذلك صلاحا لها، فلم يزوجها حتي كبرت أو مات الأب، لم يجب عليها العمل باليمين. و إنما ذكرنا ذلك- مع أنه عند الفقهاء من الواضحات التي لا تحتاج للبيان- لتوهم كثير من عامة الناس النفوذ حينئذ، و وقوع بعضهم في الحرج منه و محاولتهم المخرج منه.

(مسألة 38): لا تنعقد يمين المناشدة، و هي الحلف علي الغير أن يفعل، كما لو قال الرجل لآخر: و اللّه لتفعلن كذا، أو: باللّه عليك لنفعلن كذا، أو نحو ذلك، فلا يجب علي المخاطب أن يفعل، و لا علي الحالف أن يقنعه، و لو لم يفعل لم تجب علي أحدهما الكفارة. و يجري ذلك في النذر و العهد.

(مسألة 39): متعلق اليمين و النذر و العهد علي قسمين.

الأول: أن يكون منجزا، كما لو قال: و اللّه أزور الحسين، أو: للّه علي أن أصوم عشرة أيام، أو: عاهدت اللّه أن لا أفعل محرما، سواء كان ذلك لمحض الرغبة في إلزام نفسه بالخير، أم شكرا علي نعمة حاصلة، أو دفعا لبلية مخوفة، أو تكفيرا عن خطيئة حاصلة، أو غير ذلك. من دون أن يؤخذ ذلك في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 131

اليمين أو النذر أو العهد.

الثاني: أن يكون معلقا علي أمر، مثل أن يقول: و اللّه أزور الحسين عليه السّلام إن رزقت ولدا، أو: للّه علي إن شفيت من مرضي أن أصوم عشرة أيام، أو: إن خرج ولدي من السجن فعلي عهد اللّه تعالي أن أصلي صلاة الشكر.

و الظاهر النفوذ في القسم الأول مطلقا، كما لا إشكال في نفوذ الثاني في

الجملة و ما يأتي تفصيله في المسألة اللاحقة.

(مسألة 40): لا ينعقد النذر و اليمين و العهد مع التعليق في موردين.

الأول: إذا كان شكرا علي معصية و لو مكروهة كما إذا قال: إن قتل عمرو فللّه علي أن أصلي ركعتين، و كان عمرو مؤمنا. أو: و اللّه إن أجاد ولدي الغناء ذبحت شاة و تصدقت بلحمها، و نحو ذلك. و كذا إذا قال: إن قتلت عمرا فلله علي أن أصوم، قاصدا بذلك الشكر علي تيسير ذلك له. أما إذا قصد زجر نفسه بذلك و التكفير به عن خطيئته فهو خارج عن ذلك، بل يكون زجرا عن المعصية و ينعقد حينئذ.

الثاني: إذا كان زجرا عن طاعة كما إذا قال: إن صليت جماعة فلله علي الصدقة بمد من طعام، أو: و اللّه إن صليت جماعة لأتصدقن بمد من طعام، قاصدا بذلك زجر نفسه عن الصلاة جماعة. أما إذا قصد الشكر علي تيسير ذلك له فهو خارج عن ذلك، بل يكون شكرا علي الطاعة و ينعقد حينئذ.

و تنعقد فيما عدا ذلك، سواء كان زجرا عن معصية أو شكرا علي طاعة، كالمثالين المتقدمين، أم شكرا علي نعمة غير الطاعة، كما لو قال: إن ولد لي ولد فلله علي أن أصوم شهرا، أم كان خارجا عن ذلك و لم يقصد به إلا التوقيت، كما إذا قال: إن دخل الليل فلله علي أن أتصدق بدرهم، أو: و اللّه لأتصدقن بدرهم إن دخل الليل، أو: علي عهد اللّه أن أتصدق بدرهم إن دخل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 132

الليل.

(مسألة 41): إذا انكشف مع التعليق حصول المعلق عليه قبل اليمين أو النذر أو العهد لم ينعقد شي ء منها، فإذا حلف- مثلا- أن يصوم

عشرة أيام إن رزق ولدا، ثم علم بعد ذلك أنه قد رزق الولد قبل زمان الحلف انكشف عدم انعقاد اليمين و لم يجب عليه شي ء، إلا أن يكون المعلق عليه هو مطلق وجود الشرط و إن كان سابقا.

(مسألة 42): إذا علق اليمين أو النذر أو العهد علي المشيئة، فقال مثلا:

و اللّه أزور الحسين إن شاء اللّه تعالي، أو استثني، فقال: أزور الحسين إلا أن يشاء اللّه، انحل النذر أو اليمين أو العهد، فلا حنث بمخالفتها و لا كفارة. نعم لو قصد تعليق وقوع الفعل في الخارج مع إطلاق التعهد به فلا انحلال، بل يجب الوفاء، و يقع الحنث بتركه و تجب الكفارة، كما لو قصد في المثال السابق الحلف علي زيارة الحسين عليه السّلام و التعهد بها مطلقا، و إن كانت لا تقع في الخارج إلا مع المشيئة. لكن ذلك محتاج إلي عناية لا تناسب تركيب الكلام، بل الكلام بطبعه يقتضي الأول، و هو أن الأمر المتعهد به هو المعلق علي المشيئة، لا المطلق.

و قد ورد في عدة أحاديث أن من لم يستثن في يمينه كان له أن يستثني متي ذكر و لو بعد أربعين يوما. و لا إشكال في رجحان ذلك، إلا أن في انحلال اليمين به و عدم حصول الحنث و سقوط الكفارة به إشكالا، و الأحوط وجوبا العدم. بل لا إشكال في عدم الانحلال بذلك في النذر و العهد.

(مسألة 43): إذا نذر و لم يعين شيئا لم ينعقد النذر و لم يجب عليه شي ء، كما إذا قال: إن ولد لي ولد فلله علي نذر.

(مسألة 44): إذا كان متعلق اليمين و النذر و العهد مطلق الطاعة كان له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3،

ص: 133

الاقتصار علي أدني البر، من صلاة أو صيام أو صدقة أو غيرها.

(مسألة 45): إذا كان المتعلق لهذه الأمور مجملا مرددا بين الأقل و الأكثر اقتصر علي الأقل، و إذا كان مرددا بين المتباينين وجب الجمع بينهما، إلا أن يكون فيه ضرر مهم فالأحوط وجوبا الرجوع للقرعة، و كذا الحال إذا نسي المعلق و تردد بين الأقل و الأكثر أو المتباينين. نعم إذا كانت الأطراف كثيرة غير منحصرة فالظاهر الانحلال.

(مسألة 46): من نذر أن يصوم حينا كان عليه صيام ستة أشهر، و من نذر أن يصوم زمانا كان عليه صيام خمسة أشهر، و الأحوط وجوبا جريان ذلك في اليمين و العهد. نعم إذا قصد بأحدهما مقدارا معينا كان العمل علي ما قصد، حتي في النذر.

(مسألة 47): من نذر شيئا للكعبة أو المشهد، فإن أمكن الانتفاع به بعينه في مصالح الكعبة أو المشهد من سراج و فراش و تنظيف و عمارة تعيّن، و إلا بيع و صرف ثمنه في ذلك. و إن تعذر الانتفاع به في ذلك- و لو لظهور خيانة السدنة أو عجزهم عن الحفظ بوجه غير متعارف- صرف للمحتاجين من القاصدين و الزائرين للكعبة و المشهد في الطعام و نفقة الطريق و نحوهما.

أما مع نذر المال للنبي صلّي اللّه عليه و آله أو الإمام عليه السّلام أو الولي بشخصه فإنه ينفق في القربات و المبرات و يجعل ثوابها للمنذور له، لأنه أظهر وجوه انتفاعه بالمال.

إلا أن يكون الناذر قد قصد وجها آخر من الإنفاق، فيتبع قصده. نعم نفوذ النذر في جميع ذلك مشروط بجعله للّه تعالي، و إلا كان من النذر لغيره الذي يجري فيه ما سبق.

(مسألة 48): ورد في الحديث الصحيح أن من

مرض فاشتري نفسه من اللّه تعالي بمال إن هو عافاه من مرضه فعوفي أن المال يكون للّه تعالي، و منه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 134

للإمام عليه السّلام، و حينئذ يلحقه حكم سهم الإمام عليه السّلام و يراجع به الحاكم الشرعي.

و الأحوط وجوبا صرفه في الفقراء و المساكين و ابن السبيل.

(مسألة 49): كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيام متتابعة، و كذا كفارة النذر حتي نذر الصوم، علي ما تقدم في كتاب الصوم. و كفارة العهد عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، لكل مسكين مد من طعام. و قد تقدم في كتاب الصوم كثير من الفروع المتعلقة بالتتابع في الصوم، و بالإطعام، و هي تجري هنا.

فراجع.

(مسألة 50): الكسوة ثوب تام، و الأفضل بل الأحوط استحبابا ثوبان.

(مسألة 51): إنما تجب الكفارة بتعمد الحنث، و هو المخالفة، و لا تجب مع المخالفة لا عن عمد، نعم هي موجبة لانحلال اليمين و النذر و العهد مع إطلاق متعلقها علي ما تقدم. كما لا تشرع الكفارة قبل المخالفة من أجل أن ينحل اليمين و النذر و العهد، و تسوغ مخالفتها، بل هي لا تنحل بدفع الكفارة من دون مخالفة.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 135

كتاب الكفارات

اشارة

و فيه فصلان.

الفصل الأول في تعداد الكفارات

ذكرنا جملة من الكفارات في مواضعها المناسبة، فقد تقدمت كفارة إفطار شهر رمضان و كفارة قضائه في كتاب الصوم، و كفارة الجماع حال الاعتكاف في كتاب الاعتكاف، و كفارة الظهار و الإيلاء في مبحثهما، و تقدمت في كتاب اليمين و النذر و العهد كفاراتها. و ذكرنا في مناسك الحج و العمرة كفارات الإحرام علي كثرتها. و ذكرنا في المواضع المذكورة الفروع المناسبة لها، فلا نطيل بإعادتها.

(مسألة 1): كفارة قتل المسلم عمدا كفارة جمع- حتي لو كان عبدا للقائل الأحوط وجوبا- و هي عتق رقبة مؤمنة و صيام شهرين متتابعين و إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد. و إذا كان القتل في حرم مكة المعظمة أو في الأشهر الحرم- و هي شهر رجب و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم- لزم الصوم في الأشهر الحرم، و إنما تجب الكفارة بقتل العمد علي القاتل إذا لم يقتص منه و رضي أولياء المقتول بالدية.

(مسألة 2): كفارة قتل المسلم خطأ مرتبة، و هي عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكينا لكل مسكين مد.

لكن إذا كان القتل في حرم مكة المعظمة أو في الأشهر الحرم فكفارته صوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، فإن عجز أعتق رقبة مؤمنة، فإن عجز أطعم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 136

ستين مسكينا.

(مسألة 3): إنما تجب الكفارة في قتل الخطأ إذا صح نسبة القتل للشخص عرفا، دون بقية أسباب الضمان المذكورة في الديات، كما لو حفر بئرا في الطريق غفلة عما يترتب علي ذلك فوقع فيها شخص فمات.

(مسألة 4): لا بد في كفارة قتل العمد و الخطأ في الحرم أو في الأشهر الحرم من أن

يكون الصوم في الأشهر الحرم، و أن يكون التتابع فيه في تمام الشهرين، و لا يكفي التتابع في شهر و يوم ثم تفريق الصوم. و لازم ذلك صوم يوم عيد الأضحي، و لا بأس به، كما تقدم في كتاب الصوم.

(مسألة 5): إذا اشترك جماعة في قتل شخص واحد، فعلي كل منهم كفارة علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 6): تثبت كفارة العمد و الخطأ في قتل الجنين بعد ولوج الروح فيه، بل مطلقا علي الأظهر.

(مسألة 7): إذا كان المقتول مهدور الدم بحيث يحل للقاتل قتله- كسابّ اللّه تعالي و سابّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام- فلا كفارة لقتله. نعم إذا كان مهدور الدم بحد يوكل للإمام- كالزاني المحصن و اللائط- فلا يجوز لغير الإمام قتله إلا بإذن الإمام، فإن قتله شخص بغير إذن الإمام ثبتت عليه الكفارة.

(مسألة 8): يحرم علي المرأة في المصاب جزّ شعرها- و هو قصّه و نتفه، و خدش وجهها حتي تدميه، و فيها الكفارة. و أما اللطم علي الخد فلا كفارة فيه. و يستحب له الاستغفار و التوبة.

(مسألة 9): كفارة جز الشعر من المرأة في المصاب عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، لكل مسكين مد. و يكفي في وجوبها جز بعضه بمقدار معتد به، و يلحق به الحلق.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 137

(مسألة 10): كفارة نتف المرأة شعرها في المصاب و خدش وجهها حتي تدميه كفارة يمين.

(مسألة 11): يحرم علي الرجل أن يشق ثوبه في مصابه بولده أو زوجته.

و لا يحرم الشق في غير ذلك، كشق الأخ علي أخيه و شق المرأة علي زوجها و الام علي ولدها و الأخت علي أخيها و

غير ذلك. و إن كان الأولي ترك ذلك و التجمل بالصبر.

(مسألة 12): كفارة شق الرجل ثوبه علي ولده أو زوجته كفارة يمين.

(مسألة 13): من تزوج امرأة ذات زوج أو في عدتها جاهلا استحب له التكفير بخمسة أصوع من الدقيق، بل هو الأحوط استحبابا. و الصاع أربعة أمداد يقارب ثلاث كيلوات و أربعمائة و ثمانين غراما، كما تقدم في زكاة الفطرة.

(مسألة 14): من نام عن صلاة العشاء حتي انتصف الليل استحب له التكفير بأن يصوم اليوم اللاحق، بل هو الأحوط استحبابا.

(مسألة 15): ورد أن كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان، و حمل علي الاستحباب. لكن تقدم في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حرمة العمل للجائر مع عدم الإكراه إلا أن يكون الغرض نفع المؤمنين.

(مسألة 16): ورد أن من اغتاب مؤمنا فكفارته أن يستغفر له، و حمل علي الاستحباب. لكن تقدم في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لزوم الاستغفار له مع تعذر الاستحلال منه.

(مسألة 17): ورد في بعض الكفارات المستحبة أن كفارة الطيرة التوكل، و كفارة الضحك أن تقول: اللهم لا تمقتني، و كفارة المجالس أن تقول عند قيامك منها سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّٰا يَصِفُونَ. وَ سَلٰامٌ عَلَي الْمُرْسَلِينَ. وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 138

الفصل الثاني في أحكام الكفارات

(مسألة 18): لا تثبت الكفارة بفعل شي ء من أسبابها إلا إذا كان الفاعل مكلفا بعدم فعل السبب بأن يكون بالغا عاقلا غير مكره إكراها رافعا للتكليف، فإذا قتل الصبي مثلا مسلما عمدا أو خطأ فلا كفارة عليه. و كذا إذا أكره البالغ علي الحنث بيمينه. نعم إذا لم يكن الإكراه رافعا للتكليف فلا أثر له، بل تجب معه الكفارة، كما إذا

أكره علي قتل مسلم، فإن الإكراه لا يسوّغ القتل و لا يسقط كفارته.

(مسألة 19): لا تثبت الكفارة بفعل شي ء من أسبابها لا عن عمد، بل خطأ أو نسيانا أو جهلا بالحكم أو الموضوع. إلا كفارة قتل المسلم خطأ علي ما تقدم، و كفارة الصيد في الإحرام علي ما يذكر في محله.

(مسألة 20): تجب المبادرة إلي أداء الكفارة عقلا لأنها بمنزلة التوبة من الذنب.

(مسألة 21): وجوب الكفارات المذكورة تكليف محض، فيجب علي المكلف القيام بها من دون أن تكون من سنخ الديون التي تخرج من تركته بعد وفاته. نعم لو أوصي بها خرجت من ثلثه.

(مسألة 22): الكفارات المتقدمة عبادات لا بد فيها من نية القربة، فيجري فيها الفروع المناسبة لذلك، المذكورة في محلها كمباحث الوضوء.

(مسألة 23): لما كانت الكفارات من العبادات فهي لا تصح من الكافر لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 139

تحقق سببها منه و إن وجبت عليه. كما أنه لو أسلم تسقط عنه. و كذا لا تصح من غير المؤمن. لكنه لو استبصر أجزأته كما يجتزئ بسائر عباداته. أما إذا لم يأت بها حتي استبصر فإنها لا تسقط عنه، بل يجب عليه أداؤها. نعم إذا لم يتحقق في حقه شرط ثبوتها فلا شي ء عليه، كما إذا أقدم علي السبب معتقدا حليته.

(مسألة 24): يكفي في عدم كون المكلف واجدا للرقبة عدم وجدانه من المال ما يفضل عن حاجته و حاجة عياله فعلا و لا قوة، لعدم قدرته علي التكسب بما يزيد علي ذلك. و إن كان عدم تيسر العثور علي الرقبة في زماننا غالبا يغني عن الكلام في ذلك و في جميع الفروع المتعلقة بها.

(مسألة 25): يكفي في العجز عن الصيام المرض أو الحرج

المعتد به إذا لم يرج زوالهما قريبا.

(مسألة 26): يكفي في التتابع صوم شهر و يوم، كما تقدم في كتاب الصوم و تقدمت بعض الفروع المتعلقة به. نعم لا بد من التتابع التام في صوم كفارة القتل في الحرم أو في الأشهر الحرم عمدا كان أو خطأ، كما تقدم في الفصل الأول.

(مسألة 27): المراد بإطعام المسكين في الكفارة هو أن يشبعه أو يتصدق عليه بمد من طعام. و قد تقدم في كتاب الصوم الفروع المناسبة لذلك.

(مسألة 28): لا يجوز في إطعام الفقير في الكفارة الدفع لمن تجب نفقته علي صاحب الكفارة إلا أن تكون عليه نفقات لا تجب علي صاحب الكفارة نظير ما تقدم في الزكاة.

(مسألة 29): المدار في العجز في الكفارة المرتبة علي العجز حين إرادة التكفير، فإذا عجز عن المرتبة السابقة فأتي باللاحقة و أتمها ثم قدر علي السابقة أجزأه ما أتي به و لا يحتاج للتكفير مرة أخري بما قدر عليه من المرتبة السابقة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 140

نعم إذا قدر علي المرتبة السابقة قبل إكمال التكفير بالمرتبة اللاحقة فالأحوط وجوبا عدم الاجتزاء بما أتي به، بل يستأنف التكفير بالمرتبة السابقة، فإذا عجز عن العتق مثلا فشرع في الصوم ثم قدر علي العتق قبل إكمال الصوم أعتق و لم يجتزئ بالصوم الذي وقع منه. نعم تقدم في كفارة الظهار الاجتزاء بالصوم في بعض الصور.

(مسألة 30): من عجز عن بعض الخصال في كفارة الجمع أتي بالباقي، و استغفر بدلا عما عجز عنه، و الأحوط استحبابا أن يتصدق أيضا بدلا عنه بما يطيق. بل الأحوط وجوبا مع العجز عن الإطعام فيها أن يصوم ثمانية عشر يوما.

(مسألة 31): من عجز في الكفارة المرتبة عن

الخصال الثلاث و آخرها إطعام ستين مسكينا صام ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام. فإن عجز عنها أيضا لحقه حكم من عجز عن الكفارة من الاجتزاء بالاستغفار بدلا عنها. و الأحوط استحبابا أن يتصدق أيضا بما يطيق. هذا في غير كفارة الظهار، فقد تقدم الكلام فيها في محله.

(مسألة 32): من كان عليه كفارات متعددة فعجز عن القيام بها كلها أتي بما يقدر عليه منها و جري علي الباقي حكم العجز عن الكفارة. و لا يجري حكم العجز عن الكفارة بالإضافة إلي الجميع، إلا إذا لم يقدر علي شي ء منها.

(مسألة 33): من عجز عن الكفارة فأتي بالبدل من الاستغفار أو غيره سقطت عن ذمته، فإذا قدر عليها بعد ذلك لم يجب عليه تداركها.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 141

كتاب الإقرار

اشارة

و هو إخبار عن حق ثابت علي المخبر أو نفي حق له علي غيره. و ينفذ في حق المقر علي نحو لا تسمع منه الدعوي علي خلافه، و يقدم علي جميع الحجج حتي البينة. و يقع الكلام في شروط نفوذه و أحكامه.

(مسألة 1): يشترط في المقر البلوغ و العقل بالنحو المناسب للرشد في الجهة التي أقر بها من مال أو غيره، فإذا كان رشيدا في جهة دون اخري نفذ إقراره في الجهة التي هو رشيد فيها دون الجهة التي ليس رشيدا فيها. فإذا كان رشيدا في الماليات إلا أنه سفيه فيما يتعلق ببدنه لقصور في إدراكه، فلا يهمه مثلا إتلاف عضو من أعضائه، فأقر بأنه قد قطع يد رجل، لم ينفذ إقراره بنحو يستحق عليه القصاص، بل تثبت الدية لا غير. و قد تقدم في كتاب الحجر تحديد السفه

في الماليات بنحو يجري نظيره في غيرها. فراجع.

(مسألة 2): يشترط في المقر أيضا القصد، فلا ينفذ إقرار النائم و السكران، و الساهي و الغالط. نعم لما كان السهو و الغلط علي خلاف الأصل فلا بد له من إثباتهما، فإذا لم يثبتهما يحكم بعدمهما ظاهرا فينفذ الإقرار في حق الشاك في تحقق أحدهما، و لا ينفذ في حق العالم بوجوده.

(مسألة 3): يشترط في المقر أيضا الاختيار فلا ينفذ الإقرار من المكره، و لا من المضطر، كما إذا عطش و خاف علي نفسه التلف فطلب ماء فامتنع صاحب الماء من أن يعطيه حتي يقر له بأنه قد باعه الدار، فأقر له بها، فإن إقراره حينئذ لا ينفذ. نعم لما كان الإكراه و الاضطرار علي خلاف الأصل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 142

فلا بد له من إثباتهما، علي نحو ما تقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 4): لا يشترط في الإقرار صيغة خاصة، بل يكفي كل ما يدل علي ثبوت الحق علي المقر للمقر له، أو نفي حقه عليه، و لا يشترط صراحته فيه، بل يكفي ظهوره فيه عرفا. بل يكفي الاعتراف بلازم ذلك في ثبوت الملزوم، فإذا ادعي رجل علي آخر مالا، فادعي الآخر الوفاء، كانت دعواه الوفاء إقرارا منه بسبق استحقاق المدعي للمال عليه، فيلزم بأدائه ما لم يثبت الوفاء. و كذا إذا ادعي الرجل زوجية امرأة فادعت الطلاق، فإن دعواها الطلاق منه إقرار منها بسبق زوجيته لها، و هكذا.

(مسألة 5): إذا لم يتضمن الكلام الإخبار بثبوت الحق أو بلازمة، بل تضمن طلب تصرف يلازم ثبوته، فالظاهر عدم صدق الإقرار عليه بمجرد ذلك، كما إذا رأي في يد زيد عينا فقال: بعنيها، فإن البيع و إن كان

لا يتحقق إلا من المالك إلا أن طلب البيع قد يبتني علي كونه صاحب يد محكوم بأنه المالك ظاهرا، فلا يقتضي الإقرار بملكيته واقعا بحيث ليس له بعد ذلك دعوي ملكيته تكذيبا لليد. نعم إذا قامت القرينة علي ابتناء طلب البيع علي تصديقه في ملكيته مع قطع النظر عن اليد كان ذلك إقرارا. بل يجري ذلك حتي في الإخبار بملكية صاحب اليد، فإنه لا يكون إقرارا إلا إذا قامت القرينة علي رجوعه إلي الإخبار بالملكية واقعا مع قطع النظر عن اليد.

(مسألة 6): لا يشترط في الإقرار اللفظ، بل يكفي كل ما يدل علي الإخبار بثبوت الحق أو نفيه من إشارة أو كتابة أو غيرهما.

(مسألة 7): يشترط في المقر به أن يكون حقا للمقر له، بحيث له مطالبة المقر و إلزامه به، كالأعيان و المنافع الخارجية و الذمية المملوكة و الحقوق كحق الخيار و الاستمتاع و الإنفاق و نحوها. فلو لم يكن كذلك فلا أثر للإقرار به، كما لو أقر أنه قد حلف أن يدفع لزيد عشرة دنانير أو نذر أن يكسوه كسوة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 143

الشتاء، لأن اليمين و النذر إنما يجب الوفاء بهما للّه تعالي، من دون أن يثبت بهما حق للشخص الذي ينتفع بمضمونهما. و كذا إذا أقر أن عليه حقا شرعيا، فإن ذلك لا يصحح للفقير المطالبة به، لأن الحق ليس ملكا للفقير، بل هو مصرف له، فليس له المطالبة به إذا لم يدفع له. نعم لو تمت ولاية الحاكم الشرعي علي الحق كان له المطالبة به نيابة عن صاحبه.

(مسألة 8): إذا أقر بثبوت الحق عليه بسبب باطل لم يثبت شي ء، كما لو قال: لزيد عليّ ألف دينار من

ثمن خمر أو خنزير أو دين ربوي أو نحو ذلك.

نعم لو أطلق الإقرار بثبوت الحق، ثم ادعي أن ثبوته كان بسبب باطل، ثبت الحق كما أقر، و لم تسمع منه دعوي بطلان السبب. و هكذا الحال في الإقرار بنفي حقه، كما لو قال: ليس لي عليه شي ء بسبب إبرائي لذمته من الدين قبل بلوغي.

(مسألة 9): لو أقر بدين مؤجل ثبت ما أقر به، و لم يستحق المقر له المطالبة قبل الأجل، إلا أن يثبت المقر له عدم التأجيل في الدين. بخلاف ما لو أقر بالدين و أطلق ثم ادعي التعجيل، فإن مقتضي الأصل في الحق التعجيل إلا أن يثبت من عليه الحق تأجيله.

(مسألة 10): المتبع في تحديد الحق المقر به ظاهر كلام المقر المستفاد من إطلاقه أو من القرائن الحالية و المقالية المحيطة بكلامه، فإن ادعي خلاف ذلك لم يسمع منه. إلا أن يقر المقر له بما يشهد بمخالفة ظاهر كلام المقر الأول للواقع. كما لو أقر زيد لعمرو بألف دينار، فإنه يحمل علي عملة البلد عملا بظاهر الكلام ما لم يقر عمرو بأن سبب الاستحقاق عقد قد تضمن التقييد بعملة اخري غير عملة البلد، و كذا إذا ادعي وجود القرينة الصارفة عن مقتضي الظهور الأولي، فإن الدعوي المذكورة تسمع منه و يطالب بإثباتها.

(مسألة 11): إذا أقر بعين تحت يده محكومة بأنها ملكه لشخصين في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 144

كلامين لا تعلق لأحدهما بالآخر حكم بأنها لمن أقر له أولا. و حينئذ إن كذبه الثاني في إقراره بها للأول كان له أن يقيم الدعوي علي الأول و إثبات أنها له فينتزعها من الأول إن تيسر له ذلك، و إن لم يتيسر له ذلك

كان له أن يقيم الدعوي علي المقر بأنه قد تعمد حرمانه منها بإقراره بها للأول، بنحو يكون مفرطا فيها، فيضمنها له و كذا إذا كان المقر قد سلمها للأول اختيارا، حيث يضمنها بعدم تسليمها للثاني الذي هو مالكها بمقتضي إقراره له. أما إذا لم يتيسر له أحد الأمرين فلا شي ء له علي المقر، كما إذا كان إقراره الأول عن خطأ منه أو ادعي هو ذلك من دون أن يتيسر للثاني تكذيبه فيه، و كان دفع العين للأول بإلزام من الحاكم الشرعي أو كان الأول قد انتزعها منه إرغاما من دون أن يكون هو قد فرط بتسليمها له.

(مسألة 12): إذا أقر بعين تحت يده لشخصين في كلام واحد، فإن كان بنحو يظهر في العدول من الإقرار بها للأول إلي الإقرار بها للثاني كان بحكم المسألة السابقة، كما إذا قال: هذا الثوب لزيد، كما قد نسيت هذا لعمرو. و إن كان بنحو الإضراب الظاهر في الغلط و سبق اللسان حكم بها لمن أقر له بها ثانيا، كما إذا قال: هذه الدنانير لزيد، بل لعمرو. و حينئذ إن كذبه الأول في إقراره بها للثاني كان له أن يقيم الدعوي علي الثاني و إثبات أنها له فينتزعها منه إن تيسر له ذلك، و إن لم يتيسر له كان له أن يقيم الدعوي علي أن المقر قد تعمد الإقرار بها له أولا حقيقة ثم عدل للإقرار بها للثاني ليحرمه منها، و ليس ما صدر منه من الخطأ و سبق اللسان، كما هو ظاهر الكلام، فإن تم له إثبات ذلك حكم بها للمقر له أولا و جري حكم المسألة السابقة، و إن لم يتم له إثبات ذلك أيضا فلا شي ء له.

(مسألة

13): لو أقر بما يتردد بين الأقل و الأكثر ثبت الأقل و الزم به، دون الأكثر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 145

(مسألة 14): لو أقر لشخص بأمر مبهم كلف الخروج عنه بدفع ما يصلح تفسيرا له، فإذا قال: له علي مائة، و ترددت المائة بين أمور، كلف بدفع مائة مما يصلح لأن يملك و يفسر به إقراره.

(مسألة 15): لو أقر لشخص مبهم فإن كان مرددا بين أشخاص بعضهم لا يصلح للمطالبة بالحق لغيبة أو لكونه تحت ولاية المقر أو غير ذلك، فلا يلزم بإقراره. و إن كان مرددا بين أشخاص كلهم يصلح للمطالبة بالحق فإن فسر المبهم و عينه قبل منه، و إن لم يفسره لم يكن لكل منهم المطالبة بالأمر المقر به و لا بالتفسير. نعم لهم أن يوكلوا شخصا واحدا- منهم أو من غيرهم- بالمطالبة بإيصال الأمر المقر به لصاحبه الواقعي، فله أن يلزمه بذلك، و لا يتسني له ذلك إلا بتفسير المبهم و تعيين صاحب الحق.

ثم إن فسر صاحب الحق و عينه بشخص خاص حينئذ أو من أول الأمر، فإن لم يعترض غيره أخذ ذلك الشخص الأمر المقر به، و إن اعترض غيره كان خصما له لا للمقر، فإن أقام البينة علي أنه صاحبه انتزعه منه، و إلا كان له علي ذلك الشخص اليمين، فله أن يحلف اعتمادا علي الإقرار، إلا أن يعلم بخطإ الإقرار أو كذبه فلا يحق له التعويل عليه في أخذ الأمر المقر به فضلا عن اليمين عليه.

(مسألة 16): إذا أقر إقرارا يلزم شرعا بظاهر الحال ثم ادعي أن إقراره لم يكن بداعي بيان الواقع، فإن رجع ذلك إلي خلل في شروط الإقرار، كما لو ادعي الإكراه أو

الاضطرار أو الغلط، سمعت دعواه و كان عليه الإثبات، فإن لم يثبت نفذ الإقرار في حقه. و إن رجع إلي كذب الإقرار من دون خلل في شروطه لم تسمع دعواه، كما إذا أقر بالبيع أو بقبض الثمن و أشهد علي إقراره، ثم ادعي ابتناء إقراره علي المواطاة مع الطرف الآخر من أجل تنظيم المعاملة رسميا و تثبيت شهادة الشهود عليها من دون أن يتحقق المقر به بعد في الواقع. و مجرد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 146

تعارف ذلك بين الناس و كثرة وقوعه لا يكفي في سماع الدعوي بعد رجوعها إلي تكذيب الإقرار.

(مسألة 17): الإقرار حجة في حق كل أحد، و لا تختص حجيته بالحاكم الشرعي، و لا يتوقف نفوذه في حق غيره علي حكمه.

(مسألة 18): الإقرار حجة ظاهرية، إنما ينفذ مع احتمال الصدق، فلو علم بكذبه لم ينفذ و لم يجز ترتيب الأثر عليه. نعم هو مقدم علي جميع الحجج الظاهرية.، بل لا تسمع معه الدعوي علي خلافه من المقر، كما تقدم.

(مسألة 19): إذا أقر لشخص بشي ء فإن صدقه المقر له أو قال: لا أعلم، نفذ الإقرار. و إن كذبه لم ينفذ لتعارض الإقرارين المسقط لهما عن الحجية، و حينئذ يرجع للحجج الأخري المتأخرة عن الإقرار، كالبينة و اليد و الأصل.

تتميم.

يقبل الإخبار من بعض الأشخاص في بعض الموارد كحجة معتبرة، و قد يطلق عليه في كلماتهم الإقرار. لكنه ليس إقرارا بالمعني المتقدم، لعدم ابتناء قبوله علي تضمنه الاعتراف بحق علي المقر.

منها: أخبار الإنسان عما تحت يده مما ليس ملكا له كالأمانة و المغصوب، فإنه يرجع إليه في أمره و يقبل قوله فيه، فإذا أقر بأنه ملك لإنسان حكم له به، و كذا

إذا أخبر بأنه وقف أو حق شرعي أو نحو ذلك. بل لو أخبر بأنه محقوق لغير المالك قبل منه، كما لو ادعي أنه رهن علي دين أو مستأجر إلي أجل أو نحوهما. و كذا إذا ادعي أنه عارية أو وديعة إلي غير ذلك. نعم إذا كذبه المالك أو من أقر هو بأنه المالك كان قوله مقدما. كما أن حجية خبره فيه ليس كحجية الإقرار الذي سبق أنه يقدم علي جميع الحجج، بل تقدم البينة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 147

عليه، كما يقدم عليه قول من ثبت سبق يده عليه.

و منها: أن من كان له السلطنة علي شي ء يقبل منه إخباره به في الظاهر، كإخبار الزوج بطلاق زوجته، و إخبار الولي أو الوكيل بفعل ما له الولاية عليه أو و كل فيه، و إخبار الأجير علي تفريغ ذمة الغير بإتيانه بالعمل المستأجر عليه، إلي غير ذلك. و هو المعروف عند الفقهاء (رضوان اللّه عليهم) بأن من ملك شيئا ملك الإقرار به. نعم يمكن رفع اليد عنه بحجة منافية، كالبينة.

و منها: الإقرار بالنسب، حيث يقبل في بعض الموارد علي ما تقدم في فصل أحكام الأولاد من كتاب النكاح، مع أنه قد يستلزم أحكاما ليست من سنخ الحقوق الثابتة علي المقر، كميراث المقر و من يتقرب به ممن يدعي بنوته، و ميراث الولد المدعي من المقر و ممن يتقرب إليه به. إلي غير ذلك من الموارد التي يقبل فيها أخبار الإنسان من دون أن يكون إقرارا بالمعني المتقدم.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 149

كتاب الغصب

و هو العدوان علي ملك الغير و استلابه بدون حق شرعي، بل لمجرد القدرة عليه، و به يخرج

الإنسان عن إنسانيته الفاضلة إلي حيوانيته و بهيميته، حيث يقهر القوي الضعيف من دون أن يصغي إلي وازع من ضمير و لا يرتدع برادع من دين.

و قد حرمه اللّه تعالي استصلاحا للإنسان، و تنظيما للعلائق بين أفراده بما يناسب إنسانيته. بل تقدم في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أن من الكبائر حبس الحقوق، و في الحديث عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «من أخذ أرضا بغير حق كلف أن يحمل ترابها إلي المحشر»، و عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال:

«أعظم الخطايا اقتطاع مال امرئ مسلم بغير حق». بل في آثاره في الدنيا ما يصلح أن يكون رادعا لذي الرشد و الحجا، فعنه صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «الحجر الغصب في الدار رهن علي خرابها».

و يلحق به في أكثر الأحكام في محل الكلام الاستيلاء علي مال الغير بغير حق لا بنية العدوان، بل خطأ أو لتخيل الاستحقاق، كالمقبوض بالعقد الفاسد و نحوه. و من ثم يكون موضوع الكلام هنا ما يعم ذلك، و هو الاستيلاء علي مال الغير من دون استحقاق واقعي، سواء كان علي وجه الظلم و بنحو العدوان أم مع العذر. و إذا اختص بعض الأحكام بصورة العدوان أشرنا إلي اختصاصه به عند التعرض له.

(مسألة 1): يحرم غصب المال المملوك و الذي يختص بجهة معينة،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 150

كالحق الشرعي و المال الموقوف و غيرها. بل يحرم غصب المال غير المملوك لمحترم المال إذا كان فيه حق الاختصاص بتحجير و نحوه. نعم لا يحرم غصب مال من لا يحترم ماله و المال المملوك لمحترم المال إذا سقطت حرمته و وجب عليه إتلافه فلم

يتلفه.

(مسألة 2): يحرم غصب الحر إذا كان محترم الدم و كان في غصبه منافاة لسلطنته إذا كان كاملا تام السلطنة، أو لسلطنة وليه عليه إذا كان قاصرا مولي عليه. نعم لا يضمن بمجرد الغصب، بل بالإتلاف. و إنما تضمن منافعه التي يستوفيها الغاصب كما لو استخدمه. و أما التي لم يستوفها فلا ضمان لها إلا أن يكون أجيرا مملوك المنفعة لشخص آخر ففي الضمان إشكال.

(مسألة 3): يتحقق غصب الإنسان للعين باستيلائه عليها، بحيث تكون في حوزته. و لا يكفي فيه منعه للمالك من الاستيلاء عليها، كما لو منع المالك من إمساك دابته فشردت أو تلفت أو غصبت، فإنه لا يكون غاصبا بذلك ما لم يستول هو عليها. نعم يكون ضامنا لها إذا استند تلفها إليه عرفا، كما لو اندفعت فأمسكها المالك ففتح يد المالك أو قطع الحبل فاسترسلت حتي تردت. و كذا لو كان المالك قد ربطها ففك الرباط أو قطع الحبل، بخلاف ما إذا فك الرباط أو قطع الحبل فلم تندفع بل وقفت ثم مشت حتي تردّت أو تلفت بسبب آخر كغرق أو أكل سبع أو نحوهما. و يأتي في آخر كتاب القصاص و الديات التعرض لأسباب الضمان. و علي كل حال فالضمان حينئذ ليس للغصب، بل للإتلاف.

(مسألة 4): لا فرق في تحقق الغصب بالاستيلاء بين الأعيان المنقولة و الثابتة، كالدار و العقار و البستان و غيرها.

(مسألة 5): لا يتحقق غصب العين بمجرد التصرف فيها من دون

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 151

استيلاء عليها و استقلال بها، كما لو دخل الدار أو صعد في السيارة أو جلس علي الفراش، بل غاية الأمر أنه يكون غاصبا للمنفعة، فيضمنها لو كان لها مالية، من دون

أن يضمن العين ذات المنفعة.

(مسألة 6): إذا سكن شخص مع المالك في الدار مراغما له فلذلك صور.

الاولي: أن يشغل موضعا من الدار من دون أن يستقل به و لا بالدار، بل يبقي الاستقلال للمالك، بحيث يستطيع المالك نقله من موضع لآخر، نظير النزيل في الفندق. و في ذلك لا يكون غاصبا للدار بل لمنفعتها لا غير.

الثانية: أن يستقل بالقسم الذي يسكنه بحيث يفقد المالك السيطرة عليه مع بقاء سيطرته علي الباقي منها. و حينئذ يكون غاصبا للقسم الذي استولي عليه دون الآخر، و إذا كان هناك موضع مشترك بينهما يلحقه ما يأتي.

الثالثة: أن لا يختص كل منهما بشي ء منها، بل يشتركان في الاستيلاء علي تمام الدار، كالشريكين. و في صدق الغصب هنا لعين الدار إشكال، كالإشكال في ضمانها، و المتيقن صدق الغصب بالإضافة إلي المنفعة و ضمانها.

الرابعة: أن يستولي علي تمام الدار و يستقل بها، و يكون المالك هنا كالغاصب في الصورة الاولي. و حينئذ يكون غاصبا لتمام الدار، و لما يستوفيه هو من منافعها، دون ما استوفاه المالك من منافعها.

و تجري الصور الأربع فيما إذا غصبت الدار من المالك و أشغلها أكثر من واحد، فإن ضمان كل منهم تابع لاستيلائه علي ما فصل في الصورة المذكورة.

و تجري أحكامها عدا الصورة الثالثة، فإن الغصب فيها يستند للمجموع لا لكل واحد، فيكون ضمان الدار عليهم بنحو التوزيع.

(مسألة 7): لا وكالة في الغصب، فإذا باشر الوكيل الغصب كان هو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 152

الغاصب و الضامن دون الموكل. إلا أن يباشر الموكل الغصب بنفسه أيضا.

(مسألة 8): العين المغصوبة مضمونة علي الغاصب بمجرد وضع يده عليها، سواء كان معتديا في ذلك أم لا. فيجب عليه ردها

إلي مالكها مع وجودها و إن كان شاقا. و إذا استلزم صرف مال كان عليه.

(مسألة 9): إذا حدث في العين عيب أو نقص كان مضمونا علي الغاصب فيدفع مع العين الأرش، و هو فرق ما بين الصحيح و المعيب بحسب القيمة السوقية. نعم الأرش الشرعي مع تلف عين الدابة هو ربع قيمته.

(مسألة 10): إذا زادت العين عند الغاصب زيادة متصلة- كالسمن- أو منفصلة- كالبيض و اللبن- كانت للمالك مضمونة علي الغاصب فيجب عليه ردها مع العين أو رد بدلها لو كانت قد تلفت. نعم لو لم يستول الغاصب علي الزيادة و لم تصر تحت يده لم يضمنها، كما لو طار الطائر المغصوب من الغاصب، فتكونت فيه بيضة و باضها ثم رجع للغاصب. بل يكون الضمان علي من يستولي علي الزيادة المذكورة.

(مسألة 11): إذا استحالت العين المغصوبة في يد الغاصب كالبيضة تصير فرخا و الحب يصير زرعا، فالأمر المستحال إليه للمالك، فإن نقصت قيمته عن الأصل كان علي الغاصب الأرش. و كذا الحال لو انقلب الخل خمرا ثم انقلبت الخمر خلا.

(مسألة 12): إذا ارتفعت قيمة العين بأمر أحدثه الغاصب فيها، و كانت الزيادة بسبب إضافة عين- كما لو وضع للثوب أزرارا- كان له انتزاعها ما لم يضر بالعين المغصوبة، فإن كان مضرا بها فالأحوط وجوبا حينئذ التصالح مع المالك و الاتفاق معه إما علي أخذ المالك الزيادة بقيمتها، أو إبقائها في العين بانتظار بيعها و دفع ما يقابل الزيادة من الثمن لمالكها، أو انتزاع الغاصب عينه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 153

و ضمان نقص العين المغصوبة أو غير ذلك.

(مسألة 13): إذا ارتفعت قيمة العين بأمر أحدثه الغاصب و كانت زيادتها مسببة عن حدوث صفة- كصبغ

الثوب أو غسله و تجفيف الطعام أو طبخه و صياغة الذهب- فلا شي ء للغاصب، بل يجب عليه دفع العين للمالك، و كذا إذا كان مسببا عن عين لا تميز لها في مقابل العين المغصوبة، بل تعد عرفا تالفة فيها كالدهن في الطعام. نعم إذا لم يكن الغاصب معتديا بل أخذ العين و تصرف فيها بتخيل الاستحقاق، فالظاهر أنه يملك نتيجة عمله و لا يجوز لمالك العين تفويته عليه، فإذا بيعت العين كان له من الثمن ما يقابل الصفة و نحوها بالنسبة.

فإذا كانت قيمة الذهب مثلا عشرة و قيمة الصياغة خمسة، فبيعت العين مع الحفاظ علي النسبة كان له من الثمن الثلث.

(مسألة 14): إذا زرع الغاصب الأرض المغصوبة أو بني فيها كان عليه أجرة الأرض في المدة المذكورة و له زرعه و بناؤه و للمالك أمره بقلعه و إن تضرر بذلك، و عليه الأرش للمالك لو تضررت الأرض بحفر أو أملاح أو نحوهما. نعم إذا لم يكن الغاصب معتديا، بل تصرف في العين بتخيل الاستحقاق كان له إلزام صاحب الأرض بإبقاء ما جعله فيها بالأجرة، إلا أن يتضرر صاحب الأرض فله قلعه حينئذ، أو يصطلحان علي وجه آخر.

(مسألة 15): إذا امتزجت العين المغصوبة عند الغاصب بمال للغاصب امتزاجا رافعا للتمييز بينهما عرفا، جري علي المالين حكم الشركة، كما يظهر مما تقدم في كتاب الشركة. و الظاهر أن حصة كل منهما من المجموع بنسبة قيمة كل من المالين لقيمة المجموع، لا بنسبة مقدار ماله لمقدار المجموع، فإذا تساوي المالان قدرا و كانت قيمة مال أحدهما ضعف قيمة مال الآخر كان لصاحب الأول الثلثان و لصاحب الثاني الثلث. و إن اشتبهت القيمة لزم الرجوع للصلح. و حينئذ إن

نقصت قيمة المال المغصوب بسبب الامتزاج كان الغاصب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 154

ضامنا للنقص. كما أنه إن أمكن الفصل بين المالين كان للمالك مطالبة الغاصب به فيجب عليه القيام به، و إن استلزم صرف مال كان عليه، و إن تعذر فالظاهر عدم استحقاق المالك إلزام الغاصب بدفع البدل، خصوصا إذا رفع الغاصب يده عن ماله و أباحه له.

هذا كله إذا كان الغاصب معتديا، أما بدون ذلك فليس للمالك إلزامه بتمييز المالين إذا استلزم صرف مال، نعم له القيام بذلك بنفسه.

(مسألة 16): إذا نزلت قيمة العين السوقية من دون نقص فيها لم يكن علي الغاصب شي ء، بل يكفيه دفع العين.

(مسألة 17): لما كانت العين المغصوبة مضمونة علي الغاصب فاللازم عليه مع تلفها رد بدلها علي المالك.

(مسألة 18): إذا كانت العين قيمية فبدلها عند تلفها قيمتها، فإن اختلفت باختلاف الأوقات كان علي الغاصب قيمة يوم الغصب. هذا إذا كان الاختلاف في القيمة لاختلاف مالية العين المضمونة بسبب عزة وجودها في وقت و كثرته في وقت آخر أو نحو ذلك.

أما إذا كان بسبب اختلاف قيمة النقد الذي يكون التعويض به- كما شاع في عصورنا- فاللازم مراعاة مقدار مالية العين حين الغصب و دفع ما يقابلها من النقد حين التعويض.

(مسألة 19): إذا كانت العين مثلية فبدلها عند تلفها مثلها و إن توقف تحصيل الغاصب له علي شرائه بأكثر من قيمته وجب عليه ذلك. و إن تعذر عليه تحصيله وجب عليه دفع قيمته حين الدفع.

(مسألة 20): القيمي هو الذي تنسب القيمة فيه لشخصه، فيقال: هذا قيمته كذا، كما في كثير من المصنوعات اليدوية و الحيوانات و الأشياء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 155

المستعملة، و المثلي هو الذي

تنسب القيمة فيه لنوعه من دون خصوصية للفرد الخاص، فيقال: هذا النوع قيمته كذا، كما في الذهب و الفضة و الحبوب و القطن و منتوجات المعامل الحديثة ذات الماركات الخاصة. و قد تقدم نظير ذلك في الفصل الخامس من كتاب الإجارة.

(مسألة 21): كما يجب علي الغاصب دفع بدل العين المغصوبة عند تلفها كذلك يجب عليه دفع بدلها إذا لم تتلف لكن تعذر دفعها لغرق أو سرقة أو ضياع أو نحوها، إذا طالب المالك بالبدل و لم يرض بالانتظار. و الأحوط وجوبا له حينئذ إن كانت قيمية مراعاة أكثر الأمرين من ماليتها يوم الغصب و ماليتها يوم الأداء. و حينئذ إن دفع البدل و رضي المالك به صارت العين للغاصب، فلو قدر عليها بعد ذلك لم يجب عليه تسليمها للمالك.

(مسألة 22): كما يضمن الغاصب العين المغصوبة يضمن ما استوفاه من منافعها، كما لو سكن الدار أو ركب السيارة أو الدابة أو لبس الثوب أو غير ذلك. إذا في الوقف فقد تقدم عدم ضمان المنافع المستوفاة في بعض أقسامه.

فراجع.

(مسألة 23): لا يضمن الغاصب المنافع المستوفاة من قبل غيره، بل يضمنها المستوفي لها، سواء كان استيفاؤه لها بإذن الغاصب أم بدونه. إلا أن يكون المستوفي غير مستقل بالإدراك بحيث يكون عرفا كالآلة بيد الغاصب و لا ينسب الاستيفاء له، بل للغاصب، كالطفل غير المميز.

(مسألة 24): لا يضمن الغاصب المنافع غير المستوفاة، كما لو كانت العين المغصوبة ذات منافع لها مالية و قد عطلها الغاصب.

(مسألة 25): إذا تعاقبت الأيدي علي العين المغصوبة- كما لو باع الغاصب العين علي غيره، أو غصبها منه غاصب- و جرت هكذا علي أيدي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 156

كثيرة كان الكل ضامنا، و

كان للمالك الرجوع عليهم جميعا، كما لو كانت العين لعلي فغصبها منه زيد فصارت منه لعمرو، و من عمرو لبكر، و من بكر لخالد، و من خالد لعباس و هكذا. و يجوز له أيضا الرجوع علي متلف العين بالمباشرة أو بالتسبيب و إن لم يكن غاصبا، لعدم وضع يده علي العين. و يأتي الكلام في تحديد المتلف بالمباشرة و التسبيب عند الكلام في أسباب الضمان من كتاب القصاص و الديات إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 26): مع تعاقب الأيدي علي العين المغصوبة إن رجع المالك علي السابق- كزيد في المثال السابق- كان علي السابق انتزاع العين ممن بعده و دفعها للمالك، فإن تعذر ذلك أو كانت العين تالفة كان عليه دفع البدل للمالك علي ما تقدم.

و أما حكمه مع من بعده ممن غصب العين أو أتلفها من دون أن يغصبها فله صور.

الاولي: أن يكون من بعده قد أخذ العين منه مضمونة عليه بعقد، كما لو كان قد باعها منه. و حينئذ يتعين بطلان العقد و رجوع البدل لصاحبه و رجوع الذي ضمن العين للمالك علي الشخص المذكور بالعين مع وجودها، و ببدلها مع فقدها، حتي لو زاد البدل عن البدل الذي تضمنه العقد الباطل، إلا أن يكون ذلك الشخص مغرورا أو مخدوعا من قبله بأن كان هو يعلم بالحال و أخفاه عليه، فله حينئذ أن يرجع بالزيادة عليه، و يقتصر علي مقدار الثمن.

الثانية: أن يكون ذلك الشخص قد أخذ العين بدون إذنه. و حينئذ يتعين رجوعه عليه بالعين مع وجودها و ببدلها مع فقدها.

الثالثة: أن يكون ذلك الشخص قد أخذ العين منه مجانا بنحو غير مضمن، كما لو وهبه إياها أو أودعها عنده. و حينئذ يرجع

الذي ضمن للمالك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 157

عليه بالعين مع وجودها، و في رجوعه ببدلها مع تلفها إشكال، إلا أن يكون قد أخذها علي وجه الأمانة و فرط فيها، فيرجع حينئذ ببدلها.

(مسألة 27): حكم الشخص الذي يضمن للسابق مع من بعده ممن صارت العين عنده أو أتلفها حكم السابق الذي ضمن للمالك معه، فلذلك الشخص مع ضمانه للسابق الرجوع علي من بعده. و هكذا كل من رجع إليه من قبله له أن يرجع علي من بعده. ففي المثال السابق إذا رجع زيد بعد الضمان للمالك علي عمرو أو بكر كان لعمرو أو بكر الرجوع علي خالد مثلا فإذا ضمن خالد كان له الرجوع علي عباس و هكذا، و تجري في اللاحق الصور الثلاث المتقدمة.

(مسألة 28): مع تعاقب الأيدي علي العين المغصوبة إن رجع المالك علي من عدا الأول فدفع له العين مع وجودها و بدلها مع تلفها كان له الرجوع علي من بعده- كما تقدم- و لم يكن له الرجوع علي من قبله، إلا أن يكون قد أخذها منه بعوض فله الرجوع بالعوض لبطلان المعاوضة. و كذا إذا كان مغرورا مخدوعا من قبله، فإنه يرجع عليه بما غرم للمالك من قيمة العين و المنافع التي استوفاها. و كذا يرجع بما أنفقه علي العين من طعام أو حراسة أو غيرهما. أما لو لم يكن مغرورا من قبله- لجهل المأخوذ منه بالغصبية أو لعلم الآخذ بها و إقدامه معها- فلا يرجع عليه بشي ء غير العوض.

(مسألة 29): من أخذ العين المغصوبة من الغاصب- مجانا أو بعوض ليس له إرجاعها له و لا تبرأ ذمته بذلك، بل لا بد من إرجاعها لمالكها، فإن جهل المالك جري عليها

حكم مجهول المالك، الذي أشرنا إليه في مقامات متعددة و يأتي في آخر كتاب اللقطة.

(مسألة 30): لا يجوز شراء المغصوب من الغاصب و لا التصرف فيه إلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 158

بإذن المالك أو من يقوم مقامه- كالوكيل و الولي- و لا يسوغ الدخول فيه بغير إذنه صلة للرحم أو لشراء بضاعة لا توجد إلا فيه أو للتداوي أو غير ذلك من موارد الحاجة العرفية، إلا أن يبلغ الأمر حدّ الاضطرار المسوّغ للحرام. نعم لا بأس بالدخول في الأراضي المكشوفة غير المسورة و إن كانت مغصوبة.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 3، ص: 158

(مسألة 31): يجوز للمالك انتزاع العين المغصوبة من الغاصب، و إذا امتنع لدعواه استحقاق المغصوب كان له رفعه للحاكم الشرعي، و إذا امتنع من الترافع له كان له انتزاعها منه قهرا عليه و إن استلزم التصرف في ماله- بمثل دخول الدار و فتح القفل- أو الترافع لحاكم الجور بل له التصرف بإتلاف ماله إذا توقف عليه تحصيل العين المغصوبة بمثل كسر القفل و نقب الجدار و وطء الزرع و قتل كلب الحراسة، مع الاقتصار علي ما هو الأقل خسارة فالأقل، و لا ضمان حينئذ. نعم إذا توقف ذلك علي بذل مال من مالك العين المغصوبة أو غيره لم يكن لباذله مطالبة الغاصب به.

(مسألة 32): إذا تعمد الغاصب الغصب فوقع له مال عند مالك العين المغصوبة كان لمالك العين المغصوبة أن يأخذ من ذلك المال بمقدار حقه من باب المقاصة، التي تقدم الكلام فيها و في شروطها في آخر كتاب الدين،

و عليه رد الزائد له. و إذا توقف استيفاء الحق علي بيع المال الذي وقع في يد المغصوب منه فالأحوط وجوبا استئذان الحاكم الشرعي فيه.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 159

كتاب إحياء الموات

اشارة

الأرض علي قسمين.

الأول: الأرض العامرة ببناء أو زرع، فإن كانت مملوكة لشخص بالإحياء أو الشراء فهو، و إن لم تكن مملوكة- كالغابات- فهي تملك بالسبق إليها و حيازتها بقصد التملك، كسائر المباحات الأصلية.

الثاني: الأرض الميتة، و هي الخالية من البناء و الزرع. و هي محل الكلام في المقام.

(مسألة 1): يجوز إحياء الأرض الميتة بالأصل و يجري عليها بالإحياء حكم الملك سواء كان المحيي لها مسلما- مؤمنا أو مخالفا- أم كافرا.

(مسألة 2): لا تملك الأرض الميتة بغير الإحياء كالتسجيل في الطابو هبة من الدولة أو شراء منها، بل تبقي علي إباحتها الأصلية، فيجوز لكل أحد تملكها بالإحياء و ليس لمن سجلت الأرض باسمه حق منعه منها، فضلا عن إزالة بنائها و نحوه مما يتحقق به الإحياء، نعم لا يجب عليه أن يتنازل للمحيي في دائرة الطابو، بل له الامتناع منه و أخذ مال في مقابله. و علي ذلك لا يجوز لمن سجلت الأرض باسمه من دون إحياء بيع الأرض ما دامت ميتة، إذ لا بد في المبيع من كونه مملوكا للبائع. نعم له أن يأخذ المال في مقابل التنازل لدافعة في دائرة الطابو.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 160

(مسألة 3): الأرض المملوكة إذا ترك المالك عمارتها حتي خربت جاز لغيره عمارتها، سواء لم يكن لها مالك عرفا- كأراضي الأمم السالفة التي لا بقية لها معروفة- أم كان لها مالك معلوم أو مجهول، و سواء كان المالك الأول قد تملكها

بالإحياء أم بغيره، كالإرث و الشراء و نحوهما، و سواء كان الترك للإعراض عن نفس الأرض أو عن عمارتها أم للعجز عن العمارة أم لدواع أخر، كالانشغال بما هو أهم. نعم لا بد من مضي مدة معتد بها، بحيث يصدق بأنه أخربها.

(مسألة 4): إذا كان ترك المالك عمارتها حتي خربت بسبب منع ظالم من عمارتها فالظاهر عدم جواز إحيائها بغير إذن المالك. إلا أن يستمر الخراب بعد ارتفاع المنع، بحيث يصير بوسعه أن يحييها، فيترك إحياءها، فيجوز حينئذ لغيره إحياؤها. و أولي بالجواز ما إذا صار ذلك سببا في الإعراض عن الأرض.

(مسألة 5): الأحوط وجوبا عدم مزاحمة المالك الأول إذا أراد السبق لإحياء الأرض التي تركها حتي خربت، فلا يسابقه غيره في الإحياء. نعم إذا أحياها غيره فليس له المطالبة بها ليحييها هو، بل الحق للثاني وحده.

(مسألة 6): الأحوط وجوبا عدم إحياء الأرض إذا كان عدم إحياء المالك الأول لحاجة له في الأرض غير الإحياء، كما لو أراد أن ينتفع بحشيشها أو قصبها أو يجعلها مرعي لأنعامه أو نحو ذلك مما لا يصدق معه أنه ترك الأرض.

(مسألة 7): ما في الأرض الخربة من الأخشاب و الأحجار و الحديد و أصول الشجر و غير ذلك إن أحرز إعراض مالكه عنه جاز تملكه، و كذا إذا كان تابعا لأرض خربة قد باد أهلها أو انجلوا عنها. و في غير ذلك لا يجوز تملكه،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 161

بل لا بد من مراجعة مالكه مع معرفته و الفحص عنه مع الجهل به، و مع اليأس من العثور عليه يجري عليه حكم مجهول المالك الذي يأتي في آخر كتاب اللقطة.

(مسألة 8): الأوقاف إن كانت في القري القديمة

التي خربت و باد أهلها أو انجلوا عنها تملك بالإحياء. أما في غير ذلك فهي باقية علي الوقفية، و مع الجهل بوجه الوقفية يجري ما تقدم في كتاب الوقف.

(مسألة 9): يشكل ملكية الأرض بالإحياء إذا كان الإحياء لا بقصد حيازة الأرض و تملكها، بل كان لمجرد قضاء وطر منها، كما لو زرع الخارج للنزهة أيام الربيع في الأرض زرعا ليأكل منه في وقت نزهته، أو بني فيها بناء لينتفع به موقتا. نعم لا إشكال في تملكه لها بعد الإحياء بمجرد الحيازة بقصد التملك، نظير ما تقدم في الغابات.

(مسألة 10): لا يشترط في حصول الملك بالإحياء المباشرة، بل يكفي التوكيل فيه، فإذا أحيي الوكيل الأرض للموكل مجانا أو بثمن ملكها الموكل.

و كذا الحال للولي بالإضافة للمولي عليه، نعم في كفاية التبرع عن الغير في الإحياء ابتداء من دون توكيل في ملكية المتبرع عنه إشكال، بل منع. و حينئذ يشكل ملكية المحيي لها أيضا، لأنه لم يقصد التملك، كما يظهر مما تقدم.

(مسألة 11): إحياء الأرض عبارة عن فعل ما يصدق معه أعمارها عرفا كجعلها مزرعة أو دارا أو محلا تجاريا أو مخزنا للحبوب أو حظيرة للحيوانات أو غير ذلك، و مع عدم حصول شي ء من ذلك لا إحياء. نعم قد يتحقق التحجير الذي يأتي الكلام فيه.

(مسألة 12): من ملك أرضا بالإحياء أو غيره يثبت له الحق في حريمها كالطريق و النهر و المرعي و نحو ذلك مما يتوقف عليه الانتفاع بها بالوجه المعدة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 162

له علي ما يأتي تحديده، فلا يجوز لغيره تملكه بالإحياء و لا بالتصرف تصرفا ينافي الوجه المطلوب من الحريم.

(مسألة 13): حد الطريق المبتكر مع التشاح خمسة أذرع- تقارب

المترين و نصفا- و يستحب سبعة أذرع- تقارب الثلاثة أمتار و نصفا- بمعني:

أن من كانت له أرض، و أراد الآخر أن يحيي أرضا في الجهة المقابلة فلا بد أن يتباعد عنه من أجل فسح المجال بالمقدار المذكور. و كذا إذا أحيي أرضا تبعد عن الطريق العام فإن له الطريق إليها بالمقدار المذكور. أما إذا اتفقوا علي الأكثر أو الأقل فلهم ذلك، إلا أن يكون مضرا بالمارة فلا بد من سعة الطريق بما يناسبهم.

(مسألة 14): إذا اتفق الطرفان عند إحياء الجانبين علي جعل الطريق دون الحد و لم يكن مضرا بالمارة، ثم بعد ذلك كثر المارة و احتاجوا لسعة الطريق لم يجب علي الطرفين توسيعه من ملكهما. كما أنه إذا اتفق الطرفان علي جعل الطريق أكثر من الحد و جري عليه المارة مدة من الزمان لم يكن لأحد الطرفين أو كليهما تضييقه و إن لم يضر بالمارة.

(مسألة 15): إذا كان الطريق مطروقا بمرور القوافل أو السيارات في الأرض الموات قبل إحياء جانبيه لا يجوز تضييقه بإحياء جانبيه مهما كان واسعا، و الحد المتقدم إنما هو للطريق المبتكر عند إحياء الجانبين.

(مسألة 16): حريم البئر التي تحفر في الموات لسقي الإبل و نحوها أربعون ذراعا- تقارب العشرين مترا- من جوانبها الأربعة، ليكون ذلك المكان مجمعا للإبل حين السقي. أما إذا حفرت لسقي الزرع فحريمها ستون ذراعا تقارب الثلاثين مترا- من جوانبها الأربعة ليكون ذلك مجمعا للحيوانات التي تنقل الماء لسقي الزرع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 163

(مسألة 17): لا يجوز لأحد أن يحفر بئرا تضر ببئر سابقه علي بئره لغيره، و لا عينا تضر بعين سابقه لغيره إذا كان الضرر معتدا به.

(مسألة 18): حريم النهر العام و

المستحدث لشخص خاص الموضع الذي يجعل فيه ترابه عند حفره و تنظيفه و الطريق الذي يعبر عليه المارة من جانبيه.

(مسألة 19): حريم الدار الطريق إليها من جهة بابها، بالمقدار المتقدم في تحديد الطريق. و أما ما زاد عليه مما قد يحتاج إليه لإلقاء القمامة و نحوها فالظاهر عدم ثبوت الحريم فيه، إلا أن يتخذ صاحب الدار مكانا لذلك و يستغله مدة من الزمن ففي جواز مزاحمته حينئذ في ذلك المكان إشكال.

(مسألة 20): ما يخصص في بعض البلاد من المواضع العامة كالمنتزهات و الساحات و المراعي و البيادر و الغابات و المقابر- لا يتعين بمجرد تعيين الموضع رسميا أو باتفاق أهل البلد، بل لا بد مع ذلك من استغلالهم له فيما أعد له و جريهم علي ذلك مدة معتدا بها.

(مسألة 21): كما يملك الإنسان الأرض بالإحياء و يثبت له الحق في حريمها، كذلك يثبت له الحق فيها و في حريمها بالتحجير مقدمة للإحياء، كتحديد الحدود و حفر الأسس مقدمة لبنائها بل و كذا بناء الأسس إذا لم يبلغ مرتبة يتحقق به الإحياء عرفا، فإن ذلك يوجب الحق في الأرض و في الحريم المناسب لما يراد بالإحياء، و أمد الحق المذكور هو الزمن الذي يتعارف بين التحجير بالوجه الحاصل و الإحياء، فإن طالت المدة سقط حق التحجير، و كان للغير المبادرة للإحياء. نعم إذا كان التحجير بشي ء مملوك للمحجر، كبناء الأسس أشكل التصرف فيه ما لم يثبت إعراضه عنه و كذا إذا صدق عرفا تعطيله للأرض. لكن الأحوط وجوبا حينئذ مراجعة الحاكم الشرعي. نعم لو تصرف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 164

فيه من دون ذلك فإزالة كان ضامنا و صح منه الإحياء و ملك الأرض به.

(مسألة

22): من حفر بئرا أو استنبط عينا أو شق نهرا للزرع ثبت له حق التحجير في الأرض التي من شأنها أن تزرع بتلك البئر أو العين أو ذلك النهر، بل يثبت له الحق بالشروع في حفر البئر أو استنباط العين أو حفر النهر علي النحو المتقدم في المسألة السابقة.

(مسألة 23): التحجير و إن لم يوجب ملكية الأرض المحجورة- فلا يجوز بيعها- إلا أنه يوجب حقا فيها يمكن المصالحة عليه بعوض.

(مسألة 24): لا أثر لتحجير ما لا يراد إحياؤه أو ما يعجز المحجر عن إحيائه، فلا يثبت به حق مانع من إحياء غيره، ليمكن المصالحة عليه بعوض.

نعم يجري في المواد التي يحجر بها- من بناء أو نحوه- ما تقدم في المسألة (21).

(مسألة 25): من بني حائطا حول قطعة من الأرض، فإن عدّ ذلك إحياء لها ملكها، كما لو جعلها حظيرة للحيوانات أو موضعا لجمع الحبوب أو نحو ذلك، و إلا كان محجرا لها و جري حكم التحجير المتقدم، كما لو بناه مثلا من جوانبها الأربعة من دون باب يفضي منه للخارج.

(مسألة 26): الأراضي المنسوبة للقبائل لمجاورتها لمساكنهم إذا لم تكن مملوكة لهم بالإحياء فإن كانت مخصصة منهم للانتفاع بها بمثل الرعي و النزهة و نحوهما كانت من حريم أملاكهم، نظير ما تقدم في المسألة (20) و لا يسوغ لغيرهم إحياؤها و مزاحمتهم فيها، بل لا يجوز ذلك لبعضهم من دون رضا الباقين، و إن لم تكن مخصصة منهم لذلك فلا حق لهم فيها و جاز لبعضهم و لغيرهم الانتفاع بها، و تملكها بالإحياء من دون إذنهم، و يحرم عليهم المنع من ذلك أو أخذ العوض عليه. كما أنها لو قسمت بينهم بالتراضي من دون

منهاج الصالحين (للسيد

محمد سعيد)، ج 3، ص: 165

إحياء فلا أثر للقسمة، فهي نظير الصحاري المجاورة للمدن التي يجوز لكل أحد إحياؤها، و به تتسع المدن.

(مسألة 27): المواضع العامة التابعة للمدن- كالطرق و الساحات و المنتزهات- إن صارت من الموات عرفا جاز لكل أحد إحياؤها و تملكها، كما لو ماتت تبعا لموت المدينة أو المحلة التابعة لها، و كما لو هجر المنتزه أو الطريق حتي صار مزبلة أو مستنقعا. و إن لم تصر من الموات عرفا فمع احتياج الناس إليها لا يجوز مزاحمتهم فيها إلا مع الضرورة فلا بد من مراجعة الحاكم الشرعي لتشخيص مرتبة الضرورة التي يقطع معها برضا الشارع الأقدس بالتصرف. و مع استغناء الناس عنها يجوز الاستيلاء عليها و أخذها بالعوض أو جعلها لمنفعة عامة بدلا عما كانت عليه. و كل ذلك بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 28): يحرم علي الإنسان أن يتصرف في ملكه تصرفا يسري إلي ملك جاره بنحو يضر به ضررا لا يتعارف بين الجيران، كما لو أجري الماء بنحو يسري هو أو رطوبته لحائط الجار فيضر به، سواء كان ترك التصرف المذكور مضرا به أم لم يكن، و لو فعل كان ضامنا لما يحدثه من الضرر. أما إذا كان التصرف مضرا بالجار من دون أن يسري إلي ملك الجار، كما إذا رفع حائطه فمنع الهواء أو الشمس عنه فهو جائز، إلا أن يكون ضرر الجار كثيرا جدا ففي الجواز إشكال. هذا في غير البئر و العين، أما فيهما فلا يجوز الإضرار، كما تقدم في المسألة (17).

(مسألة 29): قد حث الشارع الأقدس علي حسن الجوار و الإحسان للجار، ففي وصية أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال: «و اللّه اللّه في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم ما

زال يوصي بهم حتي ظننا أنه سيورثهم»، و عنه صلّي اللّه عليه و آله أنه قال:

«الجار كالنفس. و حرمة الجار علي الجار كحرمة امه». و قد استفاضت الأخبار بأن حسن الجوار معمر الديار و يزيد في الرزق و الأعمار. كما أكد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 166

الشارع الأقدس أيضا في الزجر عن أذي الجار، ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السّلام: «من كف أذاه عن جاره أقاله اللّه عثرته يوم القيامة»، و في حديث آخر: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يؤذي جاره»، و في حديث ثالث:

«من آذي جاره حرّم اللّه عليه الجنة، و مأواه جهنم و بئس المصير، و من ضيّع حقّ جاره فليس منا».

(مسألة 30): يستحب للإنسان أن يعين جاره- بل كل مؤمن- فيما يقدر عليه، و من ذلك إعانته في مسكنه إن احتاج إلي شي ء منه.

(مسألة 31): إذا أذن الجار لجاره بالتصرف في منزله و استغلاله، كما إذا أذن له في أن يضع فرسه في حظيرته، أو يضع سقف غرفته علي حائطه، أو يجري ماءه في بالوعته فلذلك صورتان.

الاولي: أن يرجع إلي تعهد الآذن باستحقاق الجار للأمر المأذون فيه علي تقدير فعل المقدمة من قبله و يفعل الجار المقدمة بناء علي التعهد المذكور فيكون مرجع الإذن في الأمور المتقدمة مثلا إلي تعهد الآذن لجاره بأنه إن اشتري فرسا كان له أن يضعه في حظيرته، و إن أقام بقية حيطان الغرفة و هيأ السقف كان له أن يضعه علي حائطه، و إن شق المجري للبالوعة كان له أن يجري ماءه فيه حتي يستقر فيها، و يفعل الجار المقدمات المذكورة اعتمادا علي التعهد المذكور، و حينئذ لا يجوز للآذن العدول عن

إذنه و لا يترتب الأثر علي عدوله بعد فعل المقدمات المذكورة قبل فعل الأمر المأذون فيه، فضلا عما لو باشر بفعله.

الثانية: أن لا يرجع الإذن إلي التعهد بالنحو المذكور، و حينئذ إن كان الأمر المأذون فيه مبنيا علي التكرار- كوضع الفرس في الحظيرة و إجراء الماء في البالوعة- كان للآذن العدول عن الإذن بعد الشروع في العمل المأذون فيه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 167

فضلا عما قبله. و إن لم يكن الأمر المأذون فيه مبنيا علي التكرار، بل كان من شأنه البقاء بنفسه- كوضع سقف الغرفة علي حائطه- فلا إشكال في أن له العدول عن الإذن قبل فعل الأمر المأذون فيه، و كذا بعده إذا لم يبتن الإذن علي استمرار الأمر المأذون فيه، بل علي فعله موقتا، فله أن يأمره حينئذ برفع سقف الغرفة مثلا متي شاء، سواء أضر ذلك بالجار أم لا. و أما إذا ابتني الإذن علي استمرار الأمر المأذون فيه فإنما يجوز العدول عن الإذن إذا لم يكن العدول عن التصرف مضرا بالجار، أما مع إضراره به فلا يجوز، كما لو كان رفع السقف مثلا موجبا لتلف البناء أو نقصه علي الجار. إلا أن يتدارك الآذن الضرر الحاصل، فيجوز له حينئذ العدول.

و يجري هذا التفصيل في كل من أذن لغيره بالتصرف في ملكه، و لا يختص بالجار مع جاره.

(مسألة 32): إعراض المالك عن ملكه لا يوجب زوال ملكيته له، بل هو راجع للرضا بتملك غيره له، فمن سبق إلي تملكه ملكه منه. فإن خرج المالك الأول عن السلطنة- بموت أو جنون أو غيرهما- قبل تملك الغير بقي علي ملكه و لم يجز تملكه. نعم لو شك في عروض ذلك كان للغير

البناء علي عدمه، فله تملكه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 168

تتميم في المشتركات

و هي أمور.

الأول: الأوقاف للجهات العامة أو الخاصة، و الاشتراك فيها تابع لكيفية وقفها، و قد تقدم في آخر الفصل السابع من كتاب الوقف حكم تشاح الموقوف عليهم في الانتفاع به.

الثاني: المساجد و المشاهد المعدة للزوار. و قد سبق في مبحث مكان المصلي من كتاب الصلاة حكم السبق إلي مكان فيها و فروع ذلك. نعم الظاهر استمرار حق الاختصاص إلي الليل و عدم الاستمرار إلي اليوم الثاني، حتي لو أبقي متاعه فيه. إلا أن يبقي بنفسه فيه أو يسبق إليه في اليوم الثاني فيتجدد له الحق فيه.

(مسألة 33): يجوز لكل مسلم إشغال المسجد بالصلاة و سائر العبادات و التدريس و غيره حتي النوم و البيع و الشراء، إلا ما كان علي نحو تهتك به حرمة المسجد. و من سبق إلي مكان فيه فهو أحق به كما أشرنا إليه آنفا. نعم الظاهر تقدم الصلاة فيه علي غيرها. و المتيقن منه الصلاة في أوقات الفرائض جماعة بالوضع المتعارف عليه في ذلك المسجد، فلا يجوز مزاحمتها. بل الأحوط وجوبا ذلك في الصلاة فرادي عند دخول الوقت، أما بعد ذلك فالظاهر عدم الأولوية للصلاة، إذا أمكن الإتيان بها في موضع آخر من المسجد.

(مسألة 34): يجوز إشغال المشاهد المشرفة بما يجوز به إشغال المساجد، نعم الظاهر تقدم العبادات- من الصلاة و قراءة القرآن و غيرهما و وظائف الزيارة علي غيرها، فلا يجوز مزاحمة غيرها لها. و الظاهر عدم تقديم وظائف الزيارة علي غيرها من أنواع العبادة عند التزاحم. نعم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 169

الظاهر عدم جواز المزاحمة بنحو يقتضي تعطيل المشهد عن وظائف الزيارة بالمقدار المعتد

به، إلا عند دخول وقت الصلاة فلا مانع من إشغال المشهد بها مع سبق المصلين و إن استلزم التعطيل عن وظائف الزيارة.

الثالث: الأسواق. و المراد بها الساحات الواسعة التي لا تختص بشخص أو جهة و التي تباني الناس علي عرض بضائعهم فيها للبيع و الشراء علي نحو العموم. و يجري في السبق إليها ما يجري في المساجد و المشاهد.

الرابع: الطرق. و هي علي قسمين.

الأول: الطرق غير النافذة و هي المحاطة بالبناء من جوانبها الثلاثة.

الثاني: الطرق النافذة و هي المحاطة بالبناء من جانبين فقط.

(مسألة 35): الطريق غير النافذ- و هو المسمي في عرفنا بالدريبة مختص بمن له باب مفتوح فيه و هو مشترك بينهم. نعم لا يحتاج تصرف كل منهم فيه بالعبور و الجلوس و غير ذلك إلي استئذان الآخرين حتي لو كان فيهم قاصر. بل الظاهر أنه يجوز لبعضهم أن يوسع بابه أو يفتح بابا أخري أو نافذة إلي الطريق المذكور من دون إذنهم. إلا أن يكون التصرف بذلك أو غيره مضرا ببعضهم فلا بد من استئذانهم. و كذا إذا وقع الاتفاق بينهم و التصالح علي أن لكل منهم نحوا خاصا من التصرف، فإنه لا يجوز لأحدهم الخروج عنه إلا بإذن الباقين.

(مسألة 36): لا يجوز إخراج الأجنحة الشاغلة للفضاء و حفر السراديب و البلاليع الشاغلة للباطن و نصب الميازيب في الطريق غير النافذ إذا كان مملوكا بالأصل لأصحاب الدور التي فيه فاتفقوا علي جعله طريقا بينهم، إلا أن يأذنوا في ذلك. و أما إذا لم يكن مملوكا لهم و إنما صار طريقا بسبب أحيائهم لجوانبه فالظاهر جواز الجميع من دون إذن، إلا مع الإضرار بالمارة و مزاحمته للعبور لكون الجناح منخفضا مثلا فلا يجوز. بل

لو كان مضرا بالطريق عرفا من دون

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 170

أن يزاحم العبور ففي جوازه إشكال، كما لو كان موجبا لظلام الطريق أو حبس الهواء عنه.

(مسألة 37): إذا كان الطريق غير النافذ محجوبا بباب أو نحوه لم يحل لغير أهله التصرف فيه بالمرور أو الجلوس أو غيرهما إلا بإذنهم، و إن لم يكن محجوبا جاز التصرف فيه بغير إذنهم تصرفا لا يضرّ بهم.

(مسألة 38): من كان لملكه حائط مسدود في الطريق غير النافذ ليس له أن يفتح بابا له إلا بإذن أربابه و هم أصحاب الأبواب المفتوحة فيه.

(مسألة 39): إذا ألغي أحد أصحاب الطريق غير النافذ بابه لم يسقط حقه فيه إلا أن يصالحه بقية أرباب الطريق عن حقه، بحيث يتنازل لهم عنه و يجعله لهم.

(مسألة 40): الطريق النافذ من المشتركات العامة التي لا يختص بها أحد، فيجوز لكل أحد التصرف فيه بالعبور و الجلوس و النوم و البيع و الشراء و غيرها. و لا يجوز لأحد منعه و مزاحمته من قضاء و طره. نعم لا بد في جميع ذلك من أن لا يضر بالمارة، و إلا كان معتديا ضامنا لما يحدث من ضرر عليهم بسببه.

(مسألة 41): من سبق إلي مكان في الطريق كان أحق به ما دام فيه، و كذا إذا قام عنه و أشغله برحله و متاعه، فإنه لا يجوز لغيره التصرف فيه مهما طال الزمان. نعم إذا لم يشغله بشي ء سقط حقه و جاز لغيره إشغاله، سواء كان حين قيامه ناويا للعود أم لا.

(مسألة 42): يجوز التصرف في الطريق النافذ- بإنشاء الأبواب و النوافذ عليه و إخراج الأجنحة و نصب الميازيب و حفر البلاليع و السراديب و نحو ذلك

ما لم يضر بالمارة بنحو يزاحم العبور، بل الأحوط وجوبا الترك إذا كان مضرا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 171

بالطريق عرفا من دون أن يزاحم العبور. كما لو كان موجبا لظلامه أو حبس الهواء عنه. نظير ما تقدم في الطريق غير النافذ.

الخامس: مياه البحار و الشطوط و الأنهار الكبار و الصغار التي جرت من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج. و كذا مياه العيون التي تفجرت بنفسها و مياه الغدران و المستنقعات في الأرض الموات.

(مسألة 43): المياه المشتركة من المباحات الأصلية لا يجوز لأحد منع الناس عنها، كما لا يجوز لبعضهم بيعها قبل حيازتها و تملكها. نعم يجوز لبعضهم مصالحة الآخرين علي عدم استغلاله الماء في مقابل عوض يدفعه له.

(مسألة 44): من سبق إلي شي ء من المياه المشتركة كان أحق بالانتفاع به بالسقي و غيره، و من حاز شيئا منه ملكه.

(مسألة 45): من شق نهرا من المياه المشتركة في أرضه أو في أرض موات بقصد الحيازة لمائه ملك ماءه و لا يجوز لأحد مزاحمته فيه.

(مسألة 46): من فجر عينا أو حفر بئرا في أرض موات بقصد الحيازة لمائها كان الماء له، و كذا إذا تفجرت العين أو حفرت البئر في ملكه و إن لم تكن بقصد الحيازة.

(مسألة 47): إذا حفر غاصب الأرض بئرا فيها أو فجر عينا فيها كان ماؤها لصاحب الأرض المغصوبة فلا يجوز التصرف فيه بغير إذنه، و لا يكفي إذن الغاصب. نعم إذا جري الماء بنفسه أو بفعل الغاصب فسقي بنفسه أرض الغير من دون أن يستولي عليه صاحب الأرض و لا يستند جريانه في متعرجات الأرض إليه لم يكن علي صاحب الأرض إثم و لا ضمان، بل يكون ذلك علي

الغاصب وحده.

(مسألة 48): من صنع علي حافة الماء المشترك- الذي تقدم أنه من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 172

المباحات الأصلية- مسناة أو نحوها مما يتيسر معه الاستقاء من الماء كان أولي بها، و لا يجوز لغيره مزاحمته فيها و يجوز له التنازل عنها لغيره، بل يجوز له المصالحة عن حقه فيها بعوض علي كراهة. و ليس له بيع الماء بنفسه لعدم كونه مملوكا له. و هذا بخلاف ما إذا كان الماء مختصا بشخص واحد أو أشخاص خاصين، فإنه يجوز لصاحب الماء أن يبيع لغيره الماء بنفسه، و كذا يجوز للشريك بيع حصته منه.

(مسألة 49): المياه الخاصة إن كانت في أرض محجوبة لم يحل التصرف فيها بالشرب و الغسل و نحوهما بغير إذن مالكها. أما إذا كانت في أرض مكشوفة فإنه يجوز التصرف فيها بذلك للعابرين و الواردين من غير حاجة لإذن المالك ما لم يضروا بالماء. نعم لا يجوز سقي الزرع به و لا خزن مقدار كثير منه، و نحوه من الاستعمالات المهمة المقصودة من المياه المذكورة إلا بإذن المالك.

(مسألة 50): من نصب علي نهر غيره رحي أو غرس عليه أشجارا فإن لم يكن بإذن صاحب النهر لم يمنع ذلك صاحب النهر من نقل النهر أو تحويل مجراه أو تغويره و إماتته. و كذا إذا كان بإذنه، إلا أن يرجع إذنه في ذلك إلي تعهده بإبقاء النهر لصلاح ذلك الشي ء الذي أذن فيه علي تقدير إحداثه و يكون إحداثه من قبل صاحبه مبنيا علي التعهد المذكور.

(مسألة 51): إذا اجتمع جماعة علي ماء مباح من أجل استغلاله و الانتفاع به لم يكن لبعضهم الاستئثار به و منع الآخرين منه، و لو بتحويل مجراه لصالحه وحده.

و حينئذ إن كفاهم فلا إشكال، و إن لم يكفهم فلذلك صورتان.

الاولي: أن يتعاقبوا علي الماء بأن يكون بعضهم أسبق من بعض، كما إذا أحيي جماعة علي التعاقب الأراضي المحيطة بالماء لزراعتها مثلا، و حينئذ

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 173

يكون الحق للأسبق فالأسبق في أخذ مقدار حاجته لسقي الأرض التي سبق منه إحياؤها. أما الأرض التي يريد إحياءها لاحقا بعد إحياء غيره فلا يكون له الحق في أخذ ما تحتاج إليه إلا بعد أن تكتفي الأراضي المحياة قبلها من قبل غيره.

فإذا أحيي زيد دونما من الأرض ثم أحيي عمرو دونما ثم أحيي بكر دونما، ثم أراد زيد أن يحيي دونما آخر، كان زيد مقدما علي الباقين في سقي دونمه الأول، و ليس له سقي دونمه الآخر إلا بعد اكتفاء دونم عمرو و دونم بكر.

هذا كله مع شحة الماء من أول الأمر، و أما لو كان وافيا بحاجتهم من أول الأمر ثم شح بعد ذلك ففي ترجيح الأسبق منهم إشكال.

الثانية: أن يجتمعوا علي الماء دفعة واحدة و حينئذ لا ترجيح لبعضهم، بل يجب عليهم تقاسم الماء بالسوية و يقتصر كل منهم علي سهمه منه. نعم في الصورتين معا لو صالح بعضهم بعضا علي التنازل عن حقه من الماء بعوض كان له حقه منه.

(مسألة 52): مع شحة الماء و احتياج المتشاحين لقسمته، فقسمته بأحد وجهين.

الأول: قسمته بالأجزاء بأن يستقي كل منهم مقدارا من الدلاء أو يفتح كل منهم نهرا ضيقا بمقدار حصته من الماء.

الثاني: المهاياة بأن يتفقوا بينهم علي أن لكل منهم علي التعاقب أن يستقل بالماء كله مدة معينة، كساعة أو يوم أو أسبوع. و الوجه الأول هو الأصل، و لا ينفذ عليهم الثاني

إلا برضاهم، فإن اتفقوا عليه إلي مدة معينة لزمهم العمل عليه في تلك المدة، و لا يجوز لبعضهم الخروج عنه إلا برضا الباقين.

و إن اتفقوا مؤقتا من دون تحديد مدة كان لهم العدول عنه إلي الأول. نعم لا يجوز لمن استوفي نوبته العدول عنه إلا بعد استيفاء الباقين لنوبتهم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 174

و لا يفرق في الوجهين بين الماء المشترك بنحو العموم الذي يتشاح عليه المستفيدون منه و الماء المملوك المشترك بين جماعة خاصين.

(مسألة 53): تنقية النهر المشترك بين جماعة خاصين عليهم كلهم إن أرادوا ذلك، و إن اختلفوا فإن كانت التنقية ضرورية للنهر بأن كان ينقص نقصا معتدا به بدونها الزم المخالف بالاشتراك في نفقة التنقية أو ببيع حصته من النهر أو نحو ذلك مما يجمع بين الحقوق، و لو بالرجوع للحاكم الشرعي مع التشاح و التخاصم- نظير سائر موارد الشركة- لو احتاج الأمر المشترك للنفقة. و إن لم تكن التنقية ضرورية، بل كانت فائدتها تحسين النهر لا غير لم يلزم المخالف بشي ء. و في كلا الحالين لو أقدم بعضهم علي التنقية من دون مراجعة الآخرين تحمل هو نفقتها كاملا و ليس له إلزام الآخرين بدفع ما يناسب حصتهم منها. إلا أن يكون مفوضا من قبلهم.

السادس: المراعي في الأرض الموات غير مملوكة لأحد. فلكل أحد الانتفاع بها و ليس لأحد أن يحميها و يمنع غيره منها. أما المراعي في الأرض المملوكة لو اتخذها مالكها مرعي لأنعامه فهي تختص به و ليس لأحد الرعي فيها إلا بإذنه.

السابع: ما في الأرض الموات غير المملوكة لأحد من المعادن و غيرها كالحصي و الرمل و الحجر و الحطب و غيرها، فلكل واحد ما سبق إليه

منها و لا يجوز لأحد أن يحميها و يمنع غيره منها. نعم يثبت في المعدن الخمس بالشروط المتقدمة في كتاب الخمس.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 175

كتاب اللقطة

اشارة

المراد باللقطة هنا كل ضائع عمن يختص به. و هو إما إنسان أو حيوان أو غيرهما من الأموال. و الأول يسمي لقيطا، و الثاني يمسي ضالة، و الثالث يسمي لقطة بالمعني الأخص، و إليه ينصرف إطلاق لفظ اللقطة. فيقع الكلام في فصول ثلاثة.

الفصل الأول في اللقيط

و هو الطفل الضائع الذي لا يعرف أهله، سواء علم بأنه منبوذ من أهله قد تعمدوا تركه لعجز عن تربيته أو لخوف العار و الفضيحة أو لغير ذلك، أم علم بأنه قد ضاع علي أهله أو نهب منهم ثم نبذ، أم علم بأن أهله قد هلكوا من دون أن يعرفوا فبقي وحده، أم جهل حاله. و هو محكوم بالحرية، إلا أن يعلم برقيته، فيلحقه حكم الضالة الآتي.

(مسألة 1): يجب التقاط الطفل الضائع، إذا خيف عليه التلف لو لا الالتقاط، و كان محكوما عليه بأنه محترم الدم، كما لو علم بأنه من مسلم أو ذمي، أو كان في بلد يغلب عليه المسلمون أو أهل الذمة أو هما معا. أما لو لم يخش عليه التلف فلا يجب التقاطه، و لو لم يحكم بأنه محترم الدم و خشي عليه التلف ففي جواز تضييعه و عدم التقاطه إشكال.

(مسألة 2): إذا التقط الطفل الضائع ملتقط كانت ولايته له، فيجب عليه رعايته و حضانته إلي أن يجد أهله أو من له الولاية عليه فيدفعه إليهم. و يجب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 176

عليه الفحص عنهم بالنحو المتعارف حتي يتحقق اليأس من العثور عليهم. إلا أن يعلم بكونه منبوذا من قبلهم قد أعرضوا عن القيام فيه بمقتضي ولايتهم عليه.

(مسألة 3): إنما تثبت الولاية للملتقط إذا كان بالغا عاقلا حرا، فلا أثر لالتقاط الصبي و المجنون و لا لالتقاط

العبد إلا إذا كان بإذن مولاه.

(مسألة 4): إذا كان اللقيط محكوما بالإسلام- كما إذا علم بإسلام أحد أبويه أو كان في بلد يغلب عليه المسلمون- فلا بد في ولاية الملتقط عليه من أن يكون مسلما، و إلا وجب عليه حفظه و تكون ولايته للمسلمين. و الأحوط وجوبا مراجعة الحاكم الشرعي في أمره.

(مسألة 5): إذا كان مع اللقيط مال حكم بأنه ملك له، لكن كثيرا ما تقوم القرينة علي خلاف ذلك، مثل كون المال مجعولا معه ممن ينبذه و يتركه لأجل أن ينفقه عليه الملتقط، أو كون المال لغيره قد تركه قسرا عليه، كالطفل الذي ضاع من أهله و معه مال لهم لا يناسب كونه ملكا له. و يجري علي الأول حكم المال المأذون في إنفاقه عليه، و علي الثاني حكم مجهول المالك.

(مسألة 6): إذا وجد متبرع ينفق علي اللقيط أنفق عليه، و منه ما إذا كان معه مال قامت القرينة علي إذن صاحبه في إنفاقه عليه، كما أشرنا إليه في المسألة السابقة، و كذا إذا تهيأ الإنفاق عليه من الأموال المعدة للفقراء كالحقوق الشرعية و نحوها إذا كان مصرفا لها. و مع عدم الأمرين فإن كان له مال أنفق عليه منه، و كذا إن أمكن اكتسابه بعمله و تعيشه من كسبه. و مع تعذر ذلك أيضا ينفق عليه الملتقط من ماله، و حينئذ إن أنفق عليه بقصد التبرع المحض فلا رجوع، و إن لم يقصد التبرع حين الإنفاق، بل كان الإنفاق بقصد الرجوع كان له الرجوع عليه إذا كبر إن كان له مال، و إن لم يكن له مال فلا رجوع، بل يحسب له ما أنفقه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 177

صدقة.

(مسألة 7): إذا

أنفق الملتقط من ماله علي اللقيط برجاء أن يكون ولاؤه له لم يلزم ذلك اللقيط، بل له أن يوال- بعد أن يكبر- من يشاء. و حينئذ فإن والي الملتقط لم يرجع الملتقط عليه بما أنفق حتي لو كان اللقيط موسرا. و إن والي غيره وجب عليه مع يساره أن يؤدي للملتقط ما أنفقه، و إن لم يكن موسرا لم يجب عليه شي ء، و حسب للملتقط ما أنفقه صدقة. و الظاهر عدم وجوب مراجعة الحاكم الشرعي في جميع ذلك، بل ينفذ تصرف الملتقط مع مراعاته لمصلحة اللقيط.

(مسألة 8): اللقيط إن عرف أهله فذاك، و إلا كان ميراثه للإمام عليه السّلام و عليه ضمان جريرته. إلا أن يكبر فيوالي الملتقط أو غيره، فيكون ميراثه لمن يواليه و جريرته عليه.

(مسألة 9): المراد بالولاء أن يوالي شخصا آخر علي أن يضمن جريرته، بأن يتحمل عنه دية الخطأ. و يأتي توضيح ذلك في كتاب الميراث إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 10): لا يجوز للملتقط تبني اللقيط بحيث ينتسب له، و لا يترتب الأثر علي التبني المذكور و لو حصل، كما هو الحال في غير اللقيط علي ما سبق التعرض لذلك في فصل أحكام الأولاد من كتاب النكاح.

(مسألة 11): إذا كان الضائع كبيرا لا يستقل بنفسه كالمجنون و المريض الفاقد لم يكن لقيطا بالمعني المتقدم، و لا تجري عليه أحكامه. بل تجري عليه أحكام المجنون الذي ليس له ولي خاص. و قد تقدم التعرض لذلك في ذيل مبحث أولياء العقد من كتاب البيع. نعم يجب حفظه مع خوف التلف عليه و احترام دمه، نظير ما تقدم في اللقيط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 178

الفصل الثاني في الضالة

و هي الحيوان المملوك للغير الضائع منه.

أما غير المملوك كحيوانات البر الوحشية فهو ليس ضالة، بل هو من المباحات الأصلية التي يملكها من سبق إليها. و لو احتمل سبق ملك مسلم أو ذمي عليه و ضياعه منه حكم بعدمه، فيجوز تملكه و لا يجري عليه حكم الضالة. نعم إذا علم بسبق مسلم أو ذمي عليه جري عليه حكم الضالة.

(مسألة 12): يجوز أخذ الضالة من غير أرض الإسلام أو الذمة- و هي الأرض التي يغلب عليها المسلمون أو الذميون- من دون حاجة للتعريف، و لا فرق بين العمران و غيره، و لا بين أقسام الحيوان. إلا أن يكون في أخذها مخالفة لقوانين تلك البلاد أو أعرافها بالوجه الذي يكون الخروج عليه موجبا للضرر علي المسلمين أو تشويها لصورة الإسلام فيحرم حينئذ. هذا إذا لم تكن هناك أمارة علي ملكية المسلم له، و إلا جري عليه حكم ما يوجد في أرض الإسلام الذي هو موضوع الكلام الآتي.

(مسألة 13): من وجد حيوانا في غير العمران- كالصحاري و الجبال و نحوها من المواضع الخالية من السكان- فإن لم يكن الحيوان معرضا للتلف حرم أخذه، و ذلك إنما يكون بأمرين.

الأول: أن يكون في كلأ و ماء، أو يكون بحيث يمكنه الوصول إليهما لكونه صحيحا و قريبا منهما أو بعيدا عنهما مع طاقته علي الصبر عنهما مدة طويلة كالبعير، بخلاف ما لو كان مريضا أو مجهودا لا يستطيع السعي إليهما، أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 179

كان صحيحا مع بعدهما عنه من دون أن يطيق الصبر عنهما مدة طويلة، كالحمار و البقرة.

الثاني: أن لا يتعرض للسباع و نحوها مما يفتك به، إما لعدم كون الأرض مسبعة، أو لامتناعه عن السباع لقوته أو سرعة عدوه، كالبعير و

الفرس و الثور و الجاموس، بخلاف ما لو كانت الأرض مسبعة و لم يكن ممتنعا عن السباع بالذات- كالشاة- أو لصغر أو مرض أو جهد.

و إن كان الحيوان معرضا للتلف لأحد الأمور المتقدمة حل أخذه و الاستيلاء عليه. نعم هو مكروه. إلا أن يعلم بتلفه علي تقدير عدم أخذها، فلا كراهة حينئذ، بل قد يرجح أخذه. كما أنه تشكل الكراهة لو اطمأن الواجد له بتمكنه من إيصاله لصاحبه، بل قد يحسن أخذه حينئذ بقصد ذلك.

(مسألة 14): إذا أخذ الواجد الحيوان في الصورة الاولي- من الصورتين المذكورتين في المسألة السابقة و التي تقدم حرمة الأخذ فيها- كان ضامنا له، و وجب عليه الإنفاق عليه حفظا له، من دون أن يرجع بنفقته علي المالك لو وجده، كما لا يجوز له- مع عدم وجدان المالك- استيفاء النفقة من الحيوان نفسه- بتملكه لحصة منه أو من ثمنه- و لا من نمائه- كلبنه و صوفه و فرخه- و لا من منفعته كالركوب عليه و تحميله، بل يكون ضامنا للنماء و المنفعة أيضا لو استوفاها، و يحرم عليه التصرف في النماء و استيفاء المنفعة مجانا، بل يجب عليه حفظ النماء، أو بيعه بإذن الحاكم الشرعي و حفظ ثمنه للمالك، كما لا يجوز له استيفاء المنفعة بالضمان أو إيجار العين إلا بمراجعة الحاكم الشرعي، كما هو الحال في كل مغصوب لا يعرف صاحبه.

(مسألة 15): إذا أخذ الحيوان في الصورة الأولي المذكورة وجب عليه الفحص عن مالكه و بذل الجهد في العثور عليه لتسليمه له هو و نماؤه و اجرة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 180

منفعته لو كانت، فإن يئس منه وجب عليه التصدق به عنه، كما هو الحال في كل مال

مجهول المالك. نعم الأحوط وجوبا هنا مراجعة الحاكم الشرعي في ذلك بعد أن كان متعديا في أخذه و الاستيلاء عليه.

(مسألة 16): إذا أخذ الواجد الحيوان في الصورة الثانية- من الصورتين المذكورتين في المسألة (13) و التي تقدم جواز الأخذ فيها- عرّفه حيث وجده، كما لو كان هناك أعراب قاطنين أو رحّل أو قري قريبة، فإن عرفه صاحبه رده عليه، و إن لم يعرفه أخذه و أجري عليه حكم ملكه ثم هو ضامن له لو وجد صاحبه، فيرده عليه أو يرد ثمنه.

(مسألة 17): إذا ترك الإنسان حيوانا له في الطريق لجماحه أو لعجزه عن نفقته أو لأنه قد مرض أو كلّ و جهد، فإن تركه في موضع يقدر الحيوان علي التعيش فيه، لأنه ذو ماء و كلأ و أمن، حرم علي من يجده أخذه، بل يتركه في مكانه بانتظار رجوع صاحبه إليه، و إن أخذه ضمنه، نظير ما سبق في المسألة (14). إلا أن تقوم القرينة علي أنه قد أعرض عنه غير ناو الرجوع إليه، كما قد يحصل في الطرق البعيدة التي يصعب الرجوع فيها، حيث قد يعلم بعدم نية المالك الرجوع حينئذ من أجل حيوان واحد. و إن تركه في موضع لا يقدر الحيوان علي التعيش فيه- كالأرض المسبعة أو الخالية عن الماء و الكلأ- جاز لواجده أخذه، و لا سبيل لصاحبه عليه بعد ذلك. إلا أن يعلم بأن المالك قد تركه ناويا الرجوع إليه سريعا قبل تعرضه للتلف. و كذا يجوز الأخذ إذا أعرض أهل الحيوان عنه في المدن و نحوها، لعجزهم عن نفقته أو لمرضه أو لغير ذلك.

(مسألة 18): إذا وجد الحيوان في العمران- و هو المكان العامر بالناس- فإن احتمل عدم ضياعه

من صاحبه، و أنه قد تعود الخروج عنه لالتقاط العلف أو نحوه ثم الرجوع إليه، حرم أخذه، فإن أخذه ضمنه و جري عليه ما تقدم في المسألتين (14) و (15). و إن علم بضياعه من صاحبه جاز أخذه و كان لقطة،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 181

فيجري عليه حكمها الآتي في الفصل الثالث، و منه التعريف به سنة.

(مسألة 19): لا فرق في الأحكام المتقدمة بين كون آخذ الحيوان كبيرا و صغيرا و عاقلا و مجنونا، إلا أن الولي في الصغير و المجنون هو يقوم مقامهما في التعريف و يتصدق أو يتملك عنهما.

(مسألة 20): إذا استغني الحيوان الملتقط في مدة التعريف عن النفقة بمثل التقمم في المزابل أو دفع فضلات الدار له- أو كان هناك متبرع بها فذاك، و إلا أنفق عليه من نمائه أو مقابل منفعته إن كان له نماء أو منفعة مراعيا في ذلك القيمة، فإن زاد من النماء أو قيمة المنفعة المستوفاة شي ء بقي للمالك تبعا للحيوان الملتقط. و إن لم يكن للحيوان نماء و لا منفعة أو لم يكفيها لما يحتاج إليه من النفقة كان له الإنفاق عليه بنية الرجوع علي المالك، فإن لم يجده استوفاه من الحيوان نفسه إذا انتهت مدة التعريف.

(مسألة 21): إذا رأي الملتقط صلاح المالك في بيع الحيوان قبل التعريف لدفع النفقة عنه باعه و قام ثمنه مقامه في التعريف و غيره، و ذلك إذا لم يكن هناك غرض عقلائي معتد به في الحيوان بشخصه، بل كان مطلوبا لماليته، لكن يلزم استئذان الحاكم الشرعي في البيع مع تيسر الوصول إليه، و مع تعذره فالأحوط وجوبا الاستعانة بمؤمن عدل ذي خبرة بذلك و إشراكه معه في الرأي.

(مسألة 22):

يستثني مما تقدم في المسائل السابقة الشاة، فإن من وجدها في العمران كفاه أن يعرفها ثلاثة أيام، فإن وجد صاحبها و إلا باعها و تصدق بثمنها، فإن جاء صاحبها و لم يرض بالصدقة ضمن له الثمن. و له أن ينتظر بها أكثر من ذلك. لكن تكون نفقتها عليه، لا علي المالك.

(مسألة 23): إذا دخل الحيوان دار الإنسان أو نحوها من الأماكن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 182

المحجوبة لم يصدق بذلك أنه أخذه له و لا يكون في ضمانه، و له إخراجه منه، بل يجب عليه ذلك إن احتمل عدم ضياعه من صاحبه. و إن علم ضياعه منه جاز له أخذه و جري عليه ما تقدم في المسألة (18).

(مسألة 24): إذا ملك الطائر جناحيه و خرج عن حوزة مالكه حل لكل أحد أخذه، فإن عرف صاحبه رده عليه، و كذا إذا جاء من يطلبه مدعيا ملكيته إذا كان ثقة غير متهم. و مع عدم الأمرين يجوز لآخذه تملكه و لا حاجة للتعريف به، من دون فرق في ذلك بين كون الآخذ كبيرا و صغيرا، بل حتي المجنون إذا تأتي منه قصد التملك.

الفصل الثالث في اللقطة

اشارة

و هي المال المنقول الضائع غير الحيوان. و محل الكلام منه ما يوجد في أرض الإسلام أو الذمة أو كان هناك أمارة علي ملك المسلم أو الذمي له. أما ما عدا ذلك فيجري فيه ما تقدم في أول الكلام في الضالة.

(مسألة 25): يجوز أخذ اللقطة لمن وجدها علي كراهة، خصوصا في لقطة حرم مكة المعظمة، و خصوصا لمن لم يحرز من نفسه القيام بالتعريف الواجب فيها، كما هو الحال في أكثر الناس لصعوبة التعريف كما يظهر مما يأتي، بل قد يحرم عقلا بلحاظ

ذلك.

(مسألة 26): إذا كان المال غير منقول كالعقار و الأشجار لا يكون لقطة مع الجهل بمالكه و أخذ غيره له بل يجري عليه حكم مجهول المالك الآتي في ختام هذا الفصل.

(مسألة 27): إذا كانت اللقطة دون الدرهم جاز تملكها بدون تعريف.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 183

نعم الأحوط وجوبا السؤال ممن له خصوصية تقتضي احتمال كونها له مع معرفته، كالواقف بجنبها، و من سبق له الحضور في موضعها، و أهل الدار لو وجدت علي باب دارهم أو قريبا منها، و نحو ذلك.

(مسألة 28): إذا أخذ اللقطة التي هي دون الدرهم و تملكها ثم وجد صاحبها وجب ردها إليه مع بقاء عينها مهما طال الزمان، و لا يجب دفع بدلها مع تلفها. أما مع انتقالها عن ملك الواجد و بقاء عينها و إمكان الوصول إليها فالأحوط وجوبا التصالح بين مالكها الأول و الواجد و من انتقلت إليه.

(مسألة 29): الدرهم عبارة عن ثلاثة غرامات فضة إلا ربع عشر الغرام تقريبا.

(مسألة 30): المدار في تحديد القيمة علي مكان الالتقاط و زمانه، فإذا كانت اللقطة دون الدرهم في مكان الالتقاط حين الالتقاط لم يجب التعريف بها حتي لو زادت قيمتها بعد ذلك أو في مكان آخر، و العكس بالعكس.

(مسألة 31): إذا بلغت اللقطة الدرهم فما زاد وجب علي واجدها التعريف بها سنة، ثم هو مخير بين إبقائها عنده بانتظار صاحبها، و تملكها و الصدقة بها. إلا في لقطة حرم مكة المعظمة، فإن الأحوط وجوبا عدم تملكها، و الاقتصار علي إبقائها عنده لمالكها أو الصدقة بها.

(مسألة 32): لا بد في المتصدق عليه في المقام من أن يكون فقيرا، كما هو الحال في سائر موارد الصدقة.

(مسألة 33): لو عثر الملتقط

علي المالك بعد السنة فإن كانت اللقطة موجودة عنده ردها عليه، و إن كانت تالفة بتفريط منه ضمنها له، و إن لم يكن تلفها بتفريط منه ففي الضمان إشكال، و الأحوط وجوبا الصلح بينهما. و إن كان قد تصدق بها تخير المالك بين الرضا بالصدقة و يكون أجرها له، و الرجوع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 184

ببدلها علي الملتقط و يكون أجر الصدقة للملتقط.

(مسألة 34): يكفي التعريف سنة حتي لو احتمل العثور علي المالك بالاستمرار بالتعريف. نعم لو علم بالعثور علي المالك مع الاستمرار في التعريف فالظاهر وجوبه، و لو قصّر حينئذ وجب التعريف حتي ييأس من العثور علي المالك، و لم يجز له التملك، بل يتعين عليه إبقاء العين عنده بانتظار العثور علي المالك أو التصدق بها.

(مسألة 35): إنما يجب التعريف مع احتمال العثور به علي المالك، فإذا تعذر العثور به علي المالك لم يجب، كما إذا لم تكن في اللقطة علامة يمكن بها معرفة المالك، أو علم بسفر المالك للبلاد البعيدة عن موضع اللقطة بحيث لا يصله التعريف بها، أو علم بأنه ليس من شأنه الاهتمام بتحصيلها و البحث عنها و لو ليأسه من وجدانها. و حينئذ إن احتمل بوجه معتد به العثور علي المالك صدفة وجب الانتظار باللقطة سنة و إلا جازت المبادرة لتملكها أو التصدق بها.

(مسألة 36): يحرم الالتقاط علي الواجد إذا عرف من نفسه تعذر التعريف عليه أو خشي ذلك، كما لو كان محبوسا أو منتظرا الحبس مثلا أو كان مضطرا للخروج من بلد اللقطة، أو خشي من التعريف الضرر أو الخطر علي نفسه أو علي اللقطة أو نحو ذلك، إلا أن يحرز رضا المالك بالالتقاط فيما إذا كان

المال ضائعا عليه علي كل حال، أو يعلم برضا الشارع الأقدس بالأخذ حينئذ.

و علي كل حال إذا التقط الواجد اللقطة مع تعذر التعريف عليه وجب عليه الانتظار بها حتي ييأس من العثور علي المالك، ثم له أن يتصدق بها، و لا يجوز له تملكها. و هكذا الحال لو التقطها بنية التعريف ثم طرأ ما يمنع منه أو انكشف تعذره من أول الأمر بالوجه المذكور.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 185

(مسألة 37): تجب علي الملتقط المبادرة للتعريف بعد الالتقاط بالوجه المتعارف، و إن لم يبادر- عصيانا أو لعذر- لم يكتف بالسنة بل يجب عليه الفحص عن المالك بعد السنة حتي ييأس منه، ثم له أن يتصدق بالعين، و لا يجوز له تملكها. و كذا الحال إذا بادر للتعريف ثم قطعه قبل إكمال السنة مدة طويلة علي خلاف المتعارف.

(مسألة 38): لا تجب مباشرة الملتقط للتعريف، فيجوز له الاستنابة فيه بل يجزئ التعريف من المتبرع.

(مسألة 39): إذا احتاج التعريف لبذل مال كان علي الملتقط لا علي المالك، و كذا إذا احتاج حفظ اللقطة- عن السرقة أو التلف أو الضرر- لبذل مال. نعم إذا كان الالتقاط بطلب من الحاكم الشرعي لمصلحة المالك بمقتضي ولايته كان له جعل النفقة علي المالك.

(مسألة 40): إذا ضاعت اللقطة من الملتقط فالتقطها آخر وجب عليه التعريف بها، فإن وجد صاحبها دفعها إليه، و إن وجد الملتقط الأول دفعها إليه و كان علي الملتقط الأول إكمال التعريف حتي تتم السنة و لو بضميمة تعريف الملتقط الثاني.

هذا إذا لم يظهر من الملتقط الأول البناء علي الخيانة و التقصير في أمرها، و إلا حرم علي الملتقط الثاني دفعها إليه لو وجده، بل يجب عليه إكمال التعريف

بنفسه حتي يجد المالك. و الأحوط وجوبا حينئذ أن لا يجتزئ بتعريف الأول، بل يعرفها سنة من حين وجدانه لها، كما هو المتعين لو لم يعلم بأنها لقطة قد ضاعت من الملتقط. فإذا تمت السنة كان مخيرا بين الأمور الثلاثة كالملتقط الأول.

(مسألة 41): لا بد في التعريف باللقطة من تجنب ما يوجب إيهام المالك

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 186

و انصراف ذهنه عنها، فإذا كانت نسيجا مخيطا لم يكف أن يقول: من ضاع له نسيج، إذا كان النسيج ينصرف لغير المخيط، و إذا مرت علي اللقطة مدة طويلة لم يكف التعريف بما يوهم قرب ضياعها. بل إذا كان في اللقطة بعض الخصوصيات التي يكون ذكرها منبها للمالك عليها و مثيرا لاحتماله إرادتها من التعريف و محفزا علي طلبها وجب ذكره، ككونها ذهبا أو فضة أو مصوغا أو مخيطا أو غير ذلك. نعم لا بد من الإبهام من بعض الجهات بالنحو الذي يحتاج معه إلي ذكر العلامة التي يختص بمعرفتها المالك.

(مسألة 42): يجب في التعريف تحري المواضع التي يتوقع من التعريف فيها اطلاع المالك عليه إما لبحثه عن اللقطة فيها أو لحضوره فيها أو لوصول نبأ التعريف منها إليه، و هو يختلف باختلاف الأمكنة و الأحوال و الأزمنة، ففي اللقطة في المدينة يكون التعريف في المواضع القريبة من مكان اللقطة التي يتعارف فحص المالك عن اللقطة فيها و في الأماكن و المجامع العامة التي يتوقع حضور المالك فيها أو شيوع التعريف فيها بين أهل المدينة حتي يطلع المالك عليه. و في لقطة الصحراء يكون التعريف للنازلين في موضع اللقطة و في الأماكن القريبة منه. و من اللقطة في منازل المسافرين يكون التعريف في موضع الالتقاط

و في المنازل المتأخرة عنه حتي ينتهي إلي بلد المسافرين. و في اللقطة في أيام المواسم التي يجتمع فيها الناس من مختلف البلدان- كالحج و الزيارات- يكون التعريف في المشاهد و في البلدان التي يجتمع فيها الناس و يرجعون إليها بعد انقضاء الموسم لو تيسر الوصول إليها.

إلي غير ذلك.

(مسألة 43): يجب تتابع التعريف في ضمن السنة بحيث يصدق عرفا استمرار التعريف فيها و عدم انقطاعه و ذلك يختلف باختلاف كيفية التعريف و باختلاف الأعراف و العادات التي تجري عليها الناس في ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 187

(مسألة 44): إذا ادعي اللقطة مدع و علم صدقه- إما لوثاقته في نفسه أو لذكره علامات لا يطلع عليها غير المالك عادة، أو لغير ذلك- فلا إشكال، و كذا إن قامت البينة علي ملكيته لها. و بدونهما لا بد من الاطمئنان بصدقه بذكره علامات للقطة يبعد اطلاع غير المالك عليها. و لا يكفي مجرد ذكره للعلامات إذا احتمل بوجه معتد به اطلاعه عليها من المالك أو نحوه، بل لا يكفي ذلك و إن أوجب الظن إذا لم يوجب الاطمئنان.

(مسألة 45): لا يشترط العلم أو البينة أو الاطمئنان بكون الشخص هو المالك الواقعي في جواز دفع اللقطة إليه، بل يكفي العلم أو البينة أو الاطمئنان بكونه صاحب اليد عليها قبل الضياع و إن احتمل عدم ملكيته لها واقعا، بل و إن علم ذلك إذا ادعي كونه وكيلا من قبل المالك أو وليا عليه أو نحو ذلك ممن يحق له الاستيلاء علي العين و المطالبة بها. نعم مع العلم بأن يده عادية كالسارق لها و الذي يأخذها بعقد فاسد و نحوهما- لا يجوز دفعها إليه، بل لا بد من

الفحص عن المالك- الواقعي أو الظاهري- أو من يقوم مقامه، و مع عدم العثور عليه يجري ما سبق. و كذا إذا ادعي الوكالة أو الولاية أو نحوهما و لم يثبت سبق يده علي اللقطة، فإنه لا يجوز دفعها إليه ما لم تثبت دعواه بوجه شرعي.

(مسألة 46): إذا عرف المالك و تعذر إيصال اللقطة إليه أو إلي وكيله أو وليّه، فإن كانت مما يصرف بعينه كالطعام و اللباس و علم رضا المالك بصرفها بعينها في بعض الوجوه- كبذلها للفقراء ليأكلوها أو يلبسوها- حلّ ذلك. و لا يكفي ذلك في جواز بيعها و إنفاق ثمنها. و في غير ذلك إن أمكن الرجوع له في كيفية التصرف فيها وجب، و إن تعذر وجب حفظها للمالك مهما طال الزمان.

نعم مع اليأس من الوصول له أو لوارثه لا بد من الرجوع للحاكم الشرعي في كيفية التصرف فيها بدلا عن المالك.

(مسألة 47): لا يجوز دفع اللقطة للحاكم الشرعي ليستقل بإجراء حكمها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 188

و لا تبرأ الذمة بذلك. إلا أن يكون الدفع إليه راجعا إلي توكيل الملتقط له في التعريف بها و إجراء أحكامها، فلا تبرأ الذمة إلا بقيامه بذلك، كما هو الحال في سائر الوكلاء.

(مسألة 48): إذا حصل للقطة نماء في مدة التعريف كان للمالك تبعا للعين فيأخذه معها إذا عثر عليه بالتعريف، و كذا إذا لم يعثر عليه و بقيت العين و النماء عند الملتقط بانتظار العثور علي المالك. أما إذا أراد الملتقط تملكها فله تملك النماء معها إذا كان متصلا بها، كالسمن و الصوف قبل جزه. أما إذا كان منفصلا ففي جواز تملكه معها إشكال، و الأحوط وجوبا إجراء حكم مجهول المالك عليه، فيقتصر

علي الصدقة.

(مسألة 49): إذا مات الملتقط بعد تملك اللقطة انتقلت لوارثه مع بقاء عينها، فإن جاء المالك لزم الوارث إرجاعها له مع وجودها، و ضمانها من أصل التركة إذا كانت قد تلفت في حياة الملتقط، و كذا إذا كانت قد تلفت بعد وفاته بغير تفريط من الوارث. أما إذا تلفت بتفريط منه فإنه يضمنها من ماله لا من التركة.

هذا، و أما إذا مات الملتقط قبل تملكه للقطة فالأحوط وجوبا أن لا يتملكها الوارث، بل يتم تعريفها إن كان لم يتم، ثم يحفظها للمالك أو يتصدق بها، فإن جاء المالك و لم يرض بالصدقة ضمنها.

(مسألة 50): يجري علي التقاط الصبي و المجنون ما تقدم في الضالة.

(مسألة 51): إذا كانت اللقطة مما يفسد بالبقاء- كالخضر و الفواكه و الطعام المطبوخ- وجب علي الملتقط تقويمها بالثمن علي نفسه، ثم يتصرف فيها ثم يعرفها و يقوم الثمن مقامها في الأحكام المتقدمة بعد التعريف.

و أما بيعها علي غيره فهو إنما يجوز بثمن المثل فما زاد، و إذا لم يجد من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 189

يشتريها بثمن المثل كان النقص عليه. نعم إذا كان الالتقاط بطلب من الحاكم الشرعي لمصلحة المالك بمقتضي ولايته كان له الاتفاق معه علي مقدار الثمن الذي يقومها به علي نفسه أو يبيعها به علي غيره.

و يجري ذلك فيما إذا طرأ عليها ما يمنع من البقاء بعد الالتقاط قبل إكمال التعريف أو بعده.

(مسألة 52): نظير فساد اللقطة بالبقاء العملة إذا تعرضت للسقوط المالية بسبب إلغاء الدولة لها. و الأعيان التي يتوقع عليها السرقة في ظروف طارئة و نحو ذلك.

(مسألة 53): المال الموجود في الدار العامرة يراجع فيه أهلها، فإن أدعو ملكيتهم له أو ملكية غيرهم

أو نفوه عنهم أو عن غيرهم صدّقوا. و إن جهلوا الأمر فإن كانت الدار لا يدخلها غيرهم حكم بأنه لهم، و كذا إذا وجد في مكان منها يختص بهم، و لا يدخله غيرهم. و إن كانت الدار يدخلها غيرهم و وجد في مكان منها لا يختص بهم، فإن كان الذي يدخلها محصورا في أشخاص معينين لزم مراجعتهم في المال فإن علم أنه لأحدهم فذاك، و إن تردد بين أكثر من واحد فالأحوط وجوبا التصالح بينهم، و إن كان الذي يدخلها كثير غير محصورين جري عليه حكم اللقطة في التعريف و غيره.

(مسألة 54): المال الموجود في الدار الخربة التي هجرها أهلها و تركوها إن احتمل العثور علي صاحبه بالتعريف عرف به، فإن لم يوجد له صاحب فهو لواجده، و لا ينتظر به سنة. و كذا إذا كان ميؤوسا من العثور علي صاحبه بالتعريف. نعم لو هجر الخربة أهلها و لم يتركوها بل بقيت محجوبة لهم يتعاهدونها فهي بحكم الدار العامرة. هذا كله إذا لم يكن مدفونا، أما المدفون فقد تقدم حكمه في مسائل الكنز من كتاب الخمس.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 190

(مسألة 55): إذا كان للإنسان صندوق أو نحوه محجوب معد لحرز المال و حفظه فوجد فيه مالا و شك في أنه له أو لا. فإن كان الصندوق مختصا به لا يودع فيه غيره إلا وكالة عنه حكم بأن المال له، و لا يعتني باحتمال كونه لغيره أمانة عنده أو أنه قد سقط من وكيله بلا قصد أو نحو ذلك. و إن كان مشتركا بينه و بين غيره عرفه ذلك الغير، فإن عرفه فذاك، و إن نفاه عنه و كان الأمر منحصرا بينهما صار

لصاحب الصندوق، و إن شك ذلك الغير بحيث ترد الأمر بينهما، فالأحوط وجوبا التصالح بينهما. أما لو لم يكن الصندوق محجوبا و لم يعد لحرز المال- بل يوضع فيه المال كما يوضع في سائر الأمكنة- فإن اختص بأهل الدار فالمال مردد بينهم و إن كان عاما جري عليه حكم ما يوجد في الدار التي يدخلها كل أحد. لكنه فرض لا يوجد غالبا.

(مسألة 56): إذا غرقت السفينة فما طاف علي الماء أو قذف به الماء علي الساحل فهو لأهله، فإن عرفوا دفع لهم، و مع الجهل بهم لو أخذه غيرهم جري عليهم حكم اللقطة، و أما ما بقي في أعماق الماء فإن صار أهله في مقام استخراجه لم يحل لأحد سبقهم إليه، و ما تركوه- و لو لعجزهم عن استخراجه فهو لمن استخرجه بالغوص أو نحوه.

(مسألة 57): إذا تبدل متاع الإنسان بمتاع غيره من حذاء أو لباس أو غيرهما، كما يتعارف كثيرا في المواضع العامة. فإن علم أن الذي بدّله قد تعمّد ذلك و اعتدي عليه جاز للآخر أخذ البدل من باب المقاصة، التي تقدم الكلام فيها في آخر كتاب الدين. فإن كان البدل الباقي أكثر قيمة من متاعه الذي أخذه المتعدي بقي الزائد ملكا له، فإن عرفه أوصله له، و إن جهله جري علي الزائد حكم مجهول المالك. إلا أن يعلم أن المتعدي تركه ليؤخذ بدلا عما أخذه فيجوز أخذه بتمامه و إن كان أكثر قيمة.

و إن احتمل غفلته عن ذلك و عدم تعمده جري علي البدل حكم مجهول

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 191

المالك، فلا يجوز التصرف فيه إلا أن يحرز رضا صاحبه لو علم بالحال. كما يجب الفحص عن المالك، و مع

اليأس عن معرفته أو عن الوصول إليه- بعد الفحص أو بدونه- يستأذن الحاكم الشرعي في أن يستوفي منه قيمة ما أخذه، و يتصدق بالزائد.

تتميم

و فيه أمران.

الأول: لا بد في كون الشي ء لقطة من أخذ الشخص له حال ضياعه من صاحبه. و لا تصدق في غير ذلك من موارد الجهل بالمالك، كالأمانة و المقبوض بالعقد الفاسد و المغصوب و المأخوذ خطأ إذا ضاع أصحابها و لم يعرفوا، و كما إذا نسي الشخص متاعه في مكان لغيره أو إذا دفع المشتري للبائع أكثر من مقدار الثمن أو دفع البائع للمشتري أكثر من المقدار الذي اشتراه إلي غير ذلك من موارد وقوع المال بيد غير مالكه. و في جميع ذلك يجب الفحص عن المالك مع احتمال العثور بالفحص عليه احتمالا معتدا به، و لا يكتفي بالسنة حتي في المأخوذ من السارق علي الأحوط وجوبا، و مع تعذر الفحص أو اليأس من العثور علي المالك بسببه إن احتمل بوجه معتد به العثور علي المالك من دون فحص أو مجيئه بنفسه لطلب ماله وجب انتظاره، و مع اليأس عن معرفة المالك لا يجوز لمن عنده المال تملكه، بل له أن يتصدق به عن المالك لا غير. فإن عثر علي المالك بعد التصدق بالمال فالأحوط وجوبا مراجعته فإن رضي بالتصدق كان له أجره، و إن لم يرض ضمن له المتصدق المال و كان أجر الصدقة للمتصدق.

(مسألة 58): يجوز مباشرة من عنده المال للتصدق بنفسه، كما يجوز له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 192

التوكيل فيه.

(مسألة 59): لا يجب استئذان الحاكم الشرعي في التصدق بمجهول المالك، كما لا يجزئ الدفع إليه. نعم لو دفع المال إليه- علي أنه وكيل عنه في

التصدق أو لأنه الأعرف بمواقع الصدقة أو لغير ذلك- فتصدق به أجزأ.

(مسألة 60): يجوز الصدقة بعين المال، كما يجوز الصدقة بثمنه بعد تقويمه علي نفسه أو بيعه من غيره. لكن لا بد في الإبدال بالثمن من وجود مرجح لذلك، كعدم انتفاع الفقير بالعين أو نحو ذلك. كما أن الأحوط وجوبا حينئذ استئذان الحاكم الشرعي. و إذا تيسر التصدق بعين المال علي الفقير ثم شراؤه منه بما يتفقان عليه كان أولي.

(مسألة 61): إذا خشي من بيده المال عليه التلف أو النقص أو نحوهما قبل اليأس من المالك و كانت المصلحة في إبداله بالمثل أو القيمة جاز له ذلك.

و الأحوط وجوبا حينئذ مراجعة الحاكم الشرعي و استئذانه في ذلك مع الإمكان.

(مسألة 62): إذا تصرف من بيده المال في المسألتين السابقتين من دون إذن الحاكم الشرعي ثم راجعه فأمضي التصرف نفذ و هكذا الحال في جميع موارد مراجعة الحاكم الشرعي.

(مسألة 63): إذا تعددت الأيدي علي مجهول المالك كان الكل مسئولا به، فإن تصدق به أحدهم أجزأ عن الباقين، و كان للمالك الرجوع علي أي منهم شاء، بناء علي الاحتياط السابق من الضمان له لو لم يرض بالصدقة. نعم إذا تولي أحدهم التصدق وكالة عمن سبقه فلا ضمان عليه، بل الضمان علي الموكل الذي كان المال عنده قبله.

(مسألة 64): إذا أراد من عنده المال المجهول المالك الصدقة به فلا بد من أن يتصدق به علي فقير غيره، و لا يجزئ أخذه له علي أنه صدقة علي نفسه حتي لو كان هو فقيرا و مصرفا للصدقة. نعم لا بأس بأن يدفعه إلي غيره من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 193

أجل أن يتصدق به عليه، لما سبق من أن التصدق

وظيفة كل من يكون المال تحت يده. لكن لا بد من وقوع التصدق منه استقلالا، لا وكالة عمن كان عنده.

(مسألة 65): لا يجري حكم مجهول المالك علي الدين المجهول المالك، كما تقدم في فروع المال المختلط بالحرام من كتاب الخمس، و في المسألة الثانية و الخمسين من كتاب الدين.

الثاني: إذا أعرض المالك عن ملكه جاز لغيره أخذه و تملكه. لكن الإعراض علي نحوين.

أحدهما: راجع إلي الإذن في تملك المال الذي يعرض عنه، مثل ما يلقيه أهل الدار في المزابل، و ما يلقيه أهل العمل من الآلات المستهلكة (السكراب) و ما يتركه صاحب القماش عند الخياط من قطع القماش الصغيرة التي لا ينتفع هو بها و نحو ذلك. و حينئذ يترتب علي ذلك حكم الهبة فيجوز الرجوع فيه ما لم يتصرف الآخذ في العين تصرفا مغيرا لها.

ثانيهما: راجع إلي الإعراض عن المال تخلصا من كلفته، كترك الحيوان للتخلص من الإنفاق عليه و ترك المال الذي يغرق بعدم تيسر الغوص له و إخراجه كما تقدم التعرض له آنفا، و ترك الحيوان في الطريق إذا جهد و أعيي عن السير الذي تقدم التعرض له في الفصل الثاني، و ترك الحيوان الوحشي إذا أفلت و فرّ في البيداء و نحو ذلك. و الظاهر جواز تملك المال حينئذ لمن تكلف تحصيله و أخذه، و لا يحق لصاحبه الأول المطالبة حتي مع بقاء المال علي حاله. نعم لا بد من إحراز إعراض المالك عنه و عدم سعيه لتحصيله، و لو من ظاهر الحال. أما لو اهتم بتحصيله و البحث عنه فيجب علي غيره أن يدفعه له لو تكلف تحصيله، و ليس له الامتناع من ذلك و لا المطالبة بما أنفقه في

سبيل تحصيله حينئذ.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 195

كتاب الصيد و الذباحة

اشارة

يحرم أكل الميتة كما يأتي، و هي أيضا نجسة إذا كانت لحيوان ذي نفس سائلة، كما تقدم في محله. و المراد بالميتة في محل الكلام كل حيوان مات من دون تذكية. و الكلام هنا فيما تتحقق به التذكية، و هو الصيد و الذباحة، فيقع الكلام في بابين.

الباب الأول في الصيد

اشارة

و فيه فصلان.

الفصل الأول في صيد ما له نفس سائلة

و يختص بالحيوان الوحشي الممتنع كأكثر الطيور و البقر و الحمار الوحشيين و الظبي و الأيل و نحوها. دون الحيوانات الأهلية كالإبل و البقر و الغنم و الدجاج و نحوها. و إذا توحش الحيوان الأهلي و امتنع حل بالصيد كالوحشي، و إذا تأهل الوحشي لم يحل بالصيد كالأهلي و كذا إذا لم يمتنع لكونه في قبضة الإنسان، كالغزال يصاد و يربط أو يحبس في الحظيرة. و فرخ الحيوان الوحشي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 196

قبل أن يمتنع و يقوي علي الفرار فإنه لا يحل بالصيد كالأهلي، و كذا فرخ الطير قبل أن يملك جناحيه و يمتنع بالطيران.

إذا عرفت هذا، فآلة الصيد أمران.

الأول: الحيوان. و يختص بالكلب و لا يحل صيد غيره من سباع الطير و البر، كالصقر و البازي و العقاب و الفهد و النمر و الذئب و الأسد و غيرها، إلا إذا أدركت ذكاته.

(مسألة 1): لا فرق في الكلب بين السلوقي و غيره. نعم الأحوط وجوبا عدم التذكية بالكلب الأسود البهيم، و هو الشديد السواد الذي لا يخالط سواده لون آخر.

(مسألة 2): يشترط في الكلب الذي يصطاد أن يكون معلما، بأن يتدرب علي الصيد لصاحبه و يتعلمه بالتعليم. و هو أمر عرفي يدركه أهله.

قيل: و ذلك بأن يسترسل إذا أرسل و ينزجر إذا زجر. و الظاهر أن ذلك من لوازم التعليم في الجملة. و ليس هو تمام معناه.

(مسألة 3): لا بد في حل الصيد بالكلب من أن يسترسل الكلب بإرسال الصائد و تهييجه، بحيث ينسب الصيد للمرسل، و يكون الكلب كالآلة له، فلو هاج الكلب بنفسه أو أفلت من صاحبه مع زجره له لم يحل صيده.

(مسألة 4): لو هاج الكلب

بنفسه نحو الصيد فأغراه صاحبه به فأسرع بسبب ذلك إليه فصاده ففي حل الصيد بذلك إشكال. نعم لو كان هياجه بانتظار أمر صاحبه، بحيث لو زجره فانزجر فأغراه صاحبه فاسترسل و صاد حل صيده. و أظهر منه ما إذا زجره فوقف، ثم أرسله فاسترسل و صاد.

(مسألة 5): إذا أرسله لغرض غير الصيد- كتعليمه علي الصيد أو طرد عدو أو مهاجمة سبع- فاصطاد حيوانا لم يحل ما صاده. بل لو أرسله لصيد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 197

حيوان خاص فصاد غيره ففي حل ما صاده إشكال و الأحوط وجوبا العدم.

(مسألة 6): إذا أرسله للصيد من دون أن يري المرسل صيدا، بل برجاء أن يري الكلب صيدا، فصادف أن رآه فصاده حل. و كذا إذا أرسله علي شبح برجاء أن يكون حيوانا يصاد، فصادف ذلك و صاده.

(مسألة 7): لا فرق في المرسل بين أن يكون واحدا و متعددا، و كذا الحال في الكلب و في الصيد، فإذا أرسل شخص واحد أو أكثر كلبا معلما واحدا أو أكثر علي حيوان واحد أو أكثر حل الصيد في الجميع. نعم لا بد من تمامية الشروط فيها جميعا، و لا يحل مع عدم تماميتها في بعضها، كما لو كان غير معلم أو قد هاج بنفسه أو قد أرسله كافر، أو تعمد من أرسله عدم التسمية.

نعم إذا علم باستناد موت الصيد لواجد الشرط دون فاقده حل الصيد.

الثاني من آلتي الصيد: السلاح، سواء كان قاطعا، كالسيف و السكين و الخنجر، أم شائكا كالرمح و السهم و الحربة و نحوها.

(مسألة 8): ما كان من السلاح من الحديد و نحوه من الفلزات الصلبة كالصفر و الذهب- أو مشتملا علي نصل من ذلك يحل الصيد

به إذا قتله و إن لم يخرق اللحم. نعم الأحوط وجوبا المبادرة لإخراج الدم بالنحو المتعارف و عدم أكل الصيد إذا بقي دمه فيه. و أما ما لا يشتمل علي ذلك كالخشب المحدد فلا يحل الصيد به إلا أن يخرق لحمه.

(مسألة 9): في جواز الصيد بالآلات القاطعة و الشائكة مما لا يعد سلاحا إشكال، و الأحوط وجوبا العدم، و ذلك كالمنجل و المنشار و المزرف و الدر نفيس و المخيط و الفالة. إلا أن يتخذ سلاحا و لو في خصوص مكان، فيحل الصيد به.

(مسألة 10): يحل الصيد بالطلقات النارية المتعارفة في زماننا إذا كانت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 198

محددة الطرف شائكة. و أما الكروية الشكل ففي الصيد بها إشكال و الأحوط وجوبا العدم. و أشكل منها الطلقات الحارقة إذا لم تكن محددة الطرف و تنفذ في البدن.

(مسألة 11): لا يحل الصيد المقتول بالحجارة و العمود و الشرك و الحبالة، و كذا بالضرب معترضا بمثل المسحاة و نحو ذلك مما يصاد به و لا يكون قاطعا و لا شائكا.

(مسألة 12): يشترط في حل الصيد بالآلة قصد الصائد الصيد بها، فلو رمي لا بقصد الصيد فأصاب حيوانا فقتله لم يحل و إن سمي بعد ما رماه. نعم لو رمي و سمي من دون أن يري صيدا بل برجاء أن يصيب صيدا فأصابه و قتله حل، نظير ما تقدم في الصيد بالكلب.

(مسألة 13): إذا رمي صيدا فوصلت الرمية للصيد بمعونة الريح فقتلته، بحيث لو لا الريح لما وصلت إليه حل الصيد و كذا إذا اصطدمت بالأرض ثم و ثبت للصيد فقتلته.

(مسألة 14): إذا رمي صيدا فأخطأه و أصاب غيره فقتله حل.

(مسألة 15): لا فرق في الرامي

بين أن يكون واحدا أو متعددا و كذا الحال في الصيد في الآلة التي يصاد بها نظير ما تقدم في الصيد في الكلب. بل لو اشترك في الصيد الكلب و الآلة حل إذا جمعا الشرائط، نظير ما تقدم أيضا.

(مسألة 16): يشترط في حل الصيد إسلام الشخص الذي يتولاه، و هو المرسل للكلب و الرامي بالآلة فيحل صيد المسلم مؤمنا كان أو مخالفا، كبيرا أو صغيرا مميزا يتحقق منه القصد للصيد. و لا يحل صيد الكافر، ذميا كان أو حربيا، كتابيا كان أو غيره. و يأتي في الذباحة ما ينفع في المقام.

(مسألة 17): يشترط في حل الصيد التسمية من الصائد عند إرسال

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 199

الكلب أو رمي الآلة، أو بعد ذلك قبل إصابتهما للحيوان، فإن تعمد تركها حرم الصيد حتي لو كان جاهلا باشتراطها. نعم لو كان من شأنه الإتيان بها لكنه تركها نسيانا حل الصيد سواء كان يري اشتراطها أم لا، بل يأتي بها تبركا أو لبنائه علي استحبابها.

(مسألة 18): لا بد من التسمية من نفس مرسل الصيد، و لا يكفي من غيره عند إرساله الكلب أو رميه بالآلة.

(مسألة 19): يكفي في التسمية ذكر اللّه تعالي في ضمن جملة تتضمن التعظيم، مثل: بسم اللّه، و: اللّه أكبر، و: الحمد للّه. و يشكل الاكتفاء بذكر الاسم الشريف مجردا، أو مع وصف يتضمن التعظيم من دون أن تتم به جملة، كما لو قال: اللّه العظيم. و كذا الاكتفاء بالنداء بمثل: يا اللّه.

(مسألة 20): الأحوط وجوبا الاقتصار في اسمه تعالي علي لفظ الجلالة، و عدم الاجتزاء بترجمته بغير العربية من اللغات لأهل تلك اللغة.

(مسألة 21): يجوز صيد الأخرس و تسميته بتحريك لسانه و إشارته

بتحريك إصبعه.

(مسألة 22): الظاهر لزوم الإتيان بالتسمية بعنوان كونها علي الصيد و من أجله و لا تجزئ التسمية حين الصيد بداع آخر.

(مسألة 23): يشترط في حل الصيد استناد موت الحيوان للسبب المحلل، كجرح الكلب و عقره و الإصابة بالسلاح أما إذا استند إلي سبب آخر كصدمة أو تردّ من شاهق أو غرق في ماء أو غير ذلك- فلا يحل سواء استند الموت للسبب الآخر وحده أم لهما معا. و لو شك في ذلك حرم ظاهرا. إلا مع عدم ظهور السبب الآخر و عدم المثير عرفا لاحتماله، بحيث يطمأن نوعا باستناد الموت للسبب المحلل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 200

(مسألة 24): يحرم الصيد علي المحرم و لو في غير الحرم، كما يحرم الصيد في الحرم و لو لغير المحرم. و لا يحل الحيوان حينئذ حتي علي المحل علي ما ذكر في كتاب الحج مفصلا.

(مسألة 25): إنما يحل الصيد بالسبب المحلل- من جرح الكلب و الإصابة بالسلاح- إذا لم يدرك الصائد ذكاته بالذبح، إما بأن يدركه ميتا أو حيا في زمن لا يسع الذكاة، و كذا إذا اشتغل بمقدمات التذكية القريبة كسل السكين و الاستقبال به فمات. أما إذا أدرك ذكاته فلم يذكه حتي مات فإنه لا يحل، حتي لو كان لعدم وجود آلة التذكية عنده. نعم إذا كان صيده بالكلب و لم يكن له ما يذكيه به كان له أن يغري الكلب به حتي يجهز عليه، و يحل بذلك حينئذ.

(مسألة 26): لا يجب مبادرة الصائد للصيد- ليدرك ذكاته- ما دام الصيد ممتنعا، فإذا حبسه الكلب أو أقعده أو أثخنه الرمي حتي وقف، فإن علم بأنه لو بادر إليه لم يدرك ذكاته لم يجب عليه المبادرة

إليه و يحل بقتل الكلب له أو بنزف دمه حتي يموت، و إن احتمل أنه يدرك ذكاته لو بادر إليه فالأحوط وجوبا المبادرة إليه ليدرك ذكاته فلو لم يبادر إليه حينئذ لم يحل، إلا أن يعلم بعد ذلك أنه لو كان قد بادر إليه لم يدرك ذكاته.

نعم لا يضر عدم المبادرة للانشغال بغيره من الصيد فيما لو تعدد الصيد، أو للانشغال بحفظ متاعه من السرقة، أو بإمساك الحيوان الذي يركبه من الشرود و نحو ذلك. و إنما الإشكال في عدم المبادرة اعتباطا و تسامحا بانتظار موته بنزف دمه و نحوه.

(مسألة 27): إذا فقد الصيد بعض الشروط المتقدمة فمات حرم، و إن أدرك الصائد أو غيره ذكاته فذكّاه حلّ، إلا الصيد في الحرم أو من الحرم فإنه لا يحل علي ما يذكر في كتاب الحج.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 201

(مسألة 28): يكفي في إدراك تذكية الحيوان- في المسائل المتقدمة- أن يدركه حيّا. و لو شك في ذلك كفي أن يحرك عينه أو يده أو اذنه أو ذنبه.

(مسألة 29): الصيد إنما يوجب حلية الحيوان من حيثية التذكية، مع حرمته من حيثية نجاسة موضع الدم و موضع عضة الكلب و نحوهما، فلا يحل إلا بعد تطهيرها.

(مسألة 30): إذا قطع رأس الصيد فمات حل جميعه، و إن أدركه الصائد و فيه بقية من الحياة ففي وجوب تذكيته من موضع التذكية إن لم يقطع منه إشكال، و إن كان أحوط وجوبا. هذا إذا كان الصيد واجدا للشرائط، و إن كان فاقدا لها حرم حتي إذا كان فيه بقية من حياة فذكي في موضع التذكية علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 31): إذا قطع عضوا من الصيد غير الرأس كاليد و الرجل

و الذنب أو قطعة منه صغيرة حرم المقطوع وحده و حل ما بقي من الحيوان مع تحقق شروط الصيد أو تذكيته بعد إدراكه حيا.

(مسألة 32): إذا قطع الحيوان قطعتين فإن كانتا متقاربتين في المقدار حلتا جميعا مع تمامية شروط الصيد، و الأحوط وجوبا تذكية ما فيه الرأس مع إدراك ذكاته. و إن لم تتم شروط الصيد حرمتا جميعا حتي ما فيه الرأس و إن أدركه حيا فذبحه بالوجه الشرعي علي الأحوط وجوبا. و إن اختلفتا قدرا بوجه ظاهر حلت الكبري إن كانت في جانب الرأس و الأحوط وجوبا تذكيتها مع إدراك ذكاتها. و في حلية ما عداها إشكال. هذا مع تمامية شروط الصيد، و مع عدم تماميتها حرم الجميع حتي الكبري إذا كانت في جانب الرأس مع إدراكها حية و ذبحها بالوجه الشرعي علي الأحوط وجوبا. إلا أن يصدق عليها أنها حيوان ناقص، كما لو قطعت الرجل مع بعض المؤخر فإن الباقي يحل بالتذكية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 202

(مسألة 33): الصيد بالآلة كما يذكي ما يحل أكل لحمه يذكي ما يحرم أكل لحمه، فينتفع بجلده. نعم لا بد أن يكون الحيوان في نفسه قابلا للتذكية، و يأتي بيان ذلك في الذباحة. أما الصيد بالكلب فهو يذكي ما يحل أكل لحمه، و لا يذكي ما يحرم أكل لحمه.

(مسألة 34): يملك الإنسان الحيوان المباح بالأصل بأخذه له، كما إذا قبض علي يده أو رجله أو رماه بانشوطة بنحو يحبسه بذلك، و كذا إذا دخل حجرته فأغلق عليه بابه و حبسه. و كذا إذا نصب شبكة أو شركا أو نحوهما مما يحبس الحيوان بقصد صيده و أخذه، فإنه يملكه إذا وقع فيها و انحبس. و كذا

إذا أرسل عليه الكلب ليصيده به فاستولي عليه و حبسه. و أما إذا رماه فقتله أو أقعده فصيّره غير ممتنع- كما إذا كسر جناحه فمنعه من الطيران أو كسر رجله أو جرحه بنحو يمنعه من العدو- ففي تملكه بمجرد ذلك من دون أن يأخذه و يصير في حوزته إشكال، و كذا إذا عقره الكلب من دون أن يحبسه. فيلزم الاحتياط في ذلك في حق الفاعل بعدم ترتيبه أثر الملكية إلا بعد أخذه له، و في حق غيره بعدم التصرف فيه و لا التملك إلا بإذنه.

(مسألة 35): إذا توحل الحيوان في أرضه أو انحبس الطائر في بيته أو و ثبت السمكة في سفينته لم يملك شيئا من ذلك، إلا أن يصدر منه ما يحقق أخذه له ناويا ذلك، كما إذا أغلق الباب علي الحيوان أو الطائر أو ساق السفينة و السمكة فيها. أما إذا أعد شيئا من ذلك ليأخذ به الحيوان- كما إذا أجري الماء في أرضه فأوحلها و فتح المضيق في بيته لينحبس فيهما الحيوان و الطائر، أو وضع سفينته في مكان ليثب فيها السمك- فإنه يملكه حينئذ بذلك.

(مسألة 36): أخذ الحيوان في المسألة السابقة إنما يوجب تملك الآخذ له إذا كان بنية تملكه له، كما هو الحال في سائر المباحات الأصلية، أما إذا لم يكن بنية التملك فهو لا يوجب الملك، كما إذا أخذه ليعرف مدي قوته، نظير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 203

ما إذا أخذ حجرا ليرمي به و يعرف مدي رميته.

(مسألة 37): إذا أخذ الحيوان في المسألة السابقة بأحد الوجوه المتقدمة ثم أفلت منه، فإن كان ذلك قبل استحكام الحبس، بحيث لا يصدق معه الأخذ للحيوان و حيازته فالحيوان باق علي

إباحته الأصلية و لم يملكه الآخذ، بخلاف ما إذا كان بعد استحكام الحبس و صدق الأخذ، كما إذا قبض عليه حتي تعب فضعف عن إمساكه و أفلت، و كما إذا أغلق عليه الباب ثم فتحها شخص ففر الحيوان، أو توحل حتي إذا جف الوحل قوي الحيوان علي التخلص منه و نحو ذلك. و حينئذ يبقي الحيوان في ملك الآخذ، و لا يجوز لغيره صيده أو قتله إلا أن يأذن في ذلك، أو يتحقق منه الإعراض عن الحيوان- و لو بسبب الإفلات- الذي تقدم الكلام فيه في آخر كتاب اللقطة.

(مسألة 38): إذا شك في سبق وضع اليد علي الحيوان بني علي عدمه، أما إذا علم بذلك فإن عرف صاحب اليد عليه وجب تسليمه له، و إن جهل جري علي الحيوان حكم اللقطة المتقدم. نعم إذا ملك الطائر جناحيه فأخذه شخص و لم يعرف صاحبه جاز له تملكه، كما تقدم في آخر الفصل الثاني من كتاب اللقطة.

(مسألة 39): إذا تبع حيوانا فركض الحيوان حتي أعيي و وقف لم يملكه الذي تبعه حتي يأخذه، فإن سبقه غيره و أخذه ملكه الآخذ، دون الذي تبعه.

(مسألة 40): الصيد بالكلب و الآلة المغصوبين يحرم من حيثية التصرف بالمغصوب، و يترتب عليه التذكية، كالصيد بالمملوك و المباح. كما أنه لو تحقق به الأخذ- الذي سبق أنه سبب الملك- كان المالك هو الغاصب الآخذ لا صاحب الكلب أو الآلة المغصوب منه. نعم يستحق المغصوب منه علي الغاصب اجرة العين المغصوبة التي يتحقق بها الصيد و الأخذ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 204

الفصل الثاني في صيد ما ليس له نفس سائلة

لما كانت ميتة ما ليس له نفس سائلة طاهرة فلا أثر لتذكيته إلا حل أكله.

و حيث يختص ما يحل أكله

من غير ذي النفس بالسمك و الجراد، فالكلام في المقام إنما هو في تذكيتهما من أجل حل أكلهما فعلا.

(مسألة 41): ذكاة السمك صيده بأخذه و الاستيلاء عليه مع خروجه من الماء حيا سواء كان أخذه قبل خروجه من الماء أم كان خروجه من الماء قبل أخذه. فالأول كما إذا ألقي الصائد شبكة فدخلها السمك ثم أخرجه بها أو نصب شبكة أو صنع حظيرة فدخلها السمك ثم نضب الماء عنه و هو حي. و الثاني كما إذا نضب الماء عن السمك من دون صيد أو وثب السمك خارج الماء ثم أخذه شخص قبل أن يموت.

(مسألة 42): إذا نضب الماء عن السمك من دون أن يستولي عليه أحد و هو في الماء فاضطرب خارج الماء إلي أن مات لم يحل حتي لو كان عنده من ينظر إليه، إلا أن يأخذه أو يستولي عليه قبل أن يموت. و كذا إذا و ثبت السمكة من الماء إلي الشط أو السفينة، فإنها لا تحل إلا أن تؤخذ و هي حية، و لو بأن يسير بالسفينة ناويا الاستيلاء علي السمك الذي وقع فيها. نعم لو جعلت السفينة في مكان من أجل أن يثب فيها السمك كان وثوبه فيها حينئذ أخذا له، نظير دخوله في الحظيرة التي تجعل لصيد السمك.

(مسألة 43): إذا صيد السمك و هو في الماء بالشبكة أو الحظيرة أو نحوهما، ثم نضب عنه الماء أو اخرج منه، و قد مات بعضه في الماء حرم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 205

الميت منه، و حل الباقي. و مع الشك في أن موته كان و هو في الماء أو بعد خروجه منه، فإن علم زمان خروجه من الماء و شك في

زمان موته حل ظاهرا، و إلا حرم.

(مسألة 44): إذا أخرج السمك من الماء حيا، ثم ارجع إليه فمات فيه حرم، فإذا اضطر صاحبه لإرجاعه للماء فليكن ذلك بعد موته و لو بأن يقتله هو بضرب أو غيره. أما إذا مات بعد ذلك خارج الماء فهو حلال و إن لم يخرجه بل خرج بنفسه أو نضب الماء عنه، لأنه يكفي في تذكية أخرجه في المرة الأولي.

(مسألة 45): يجوز صيد السمك بإلقاء السم له- المعروف عندنا بالزهر- في الماء. لكن لا يحل السمك به حتي يخرجه الإنسان من الماء حيا، سواء كان المخرج له هو الذي ألقي السم أم غيره. و لا يكون السمك ملكا لملقي السم، بل لمن استولي علي السمك و أخذه.

(مسألة 46): لا يشترط في حل السمك إذا ذكي بإخراجه من الماء حيا أن يموت بنفسه خارج الماء، فلو مات بالتقطيع أو بشق بطنه أو بضربه علي رأسه أو غير ذلك حل أيضا. بل الظاهر جواز أكله حيا، كما إذا ابتلع السمك الصغار و هي أحياء.

(مسألة 47): إذا قطعت السمكة قبل أن تذكي، فإن صدق علي القطعة أنها سمكة ناقصة، كما لو قطع ذيلها وحده أو مع قسم قليل من أسفل بدنها، حلت بالتذكية بالنحو المتقدم، و إلا لم تحل كالرأس وحده أو مع قليل من البدن، و كأسفل البدن. و في البدن بتمامه من دون رأس إشكال، و الأحوط وجوبا اجتنابه. أما إذا ذكيت تامة ثم قطعت و أرجعت إلي الماء فما لم يمت منها في الماء حلال، و ما مات منها في الماء حرام، حتي لو لم يصدق عليه أنه سمكة ناقصة علي الأحوط وجوبا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 206

(مسألة

48): إذا ابتلعت السمكة سمكة أخري فصيدت بالوجه المتقدم حلت هي و السمكة التي في جوفها.

(مسألة 49): الظاهر أن تذكيه السمك بالوجه المتقدم لا تختص بما يحل أكله، بل تجري فيما يحرم أكله. نعم في جريانها في غير السمك من حيوان الماء إشكال، خصوصا ما كان منه يعيش في البر أيضا كالسلحفاة و السرطان و الضفدع. بل الظاهر عدم تذكيته بذلك.

(مسألة 50): صيد الجراد و تذكيته بأخذه حيا، فإن مات قبل ذلك فهو ميتة حرام الأكل.

(مسألة 51): لا يحل الدبا، و هو الجراد قبل أن يستقل بالطيران.

(مسألة 52): إذا اشتعلت نار أو اشعلت في موضع فيه جراد فاحترق لم يحل أكله، و كذا إذا أوجبت هيجان الجراد من موضع آخر و سقوطه فيها فاحترق، سواء كان القصد من أشعالها مجي ء الجراد المذكور، أم كان الغرض منه أمرا آخر فصادف مجي ء الجراد لها و احتراقه بها.

(مسألة 53): يجوز أن يشوي الجراد و السمك بعد صيدهما و تذكيتهما قبل أن يموتا، و لا يحرمان بذلك.

(مسألة 54): لا يشترط في تذكية السمك و الجراد و صيدهما التسمية.

(مسألة 55): لا يشترط في تذكية السمك و الجراد و صيدهما إسلام الآخذ لهما، فيصح صيد الكافر لهما بأقسامه ذميا كان أو حربيا، كتابيا أو غيره.

(مسألة 56): لا بأس بصيد الصبي و المجنون للسمك و الجراد إذا تحقق منهما قصد الأخذ و الاستيلاء علي ما يصيدانه.

(مسألة 57): لا يحكم بتذكية ما يؤخذ من يد الكافر من السمك و الجراد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 207

إذا شك في تذكيته حتي إذا أخبر بتذكيته و لم يكن متهما إذا لم يوجب خبره العلم. نعم إذا أخبر بأخذه له من المسلم صدق في خبره

إذا لم يكن متهما، و حكم بتذكية ما يؤخذ منه لسبق يد المسلم عليه. و هكذا الحال في جميع ما يؤخذ من الكافر مما لا يحل إلا بالتذكية، و قد تقدم في مبحث نجاسة الميتة الفروع المناسبة للمقام. فراجع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 208

الباب الثاني في الذبح

اشارة

و محل الكلام هو الذبح الموجب للتذكية الذي يترتب عليه طهارة الحيوان و جواز أكله و بيعه و غير ذلك. و الكلام فيه يقع في ضمن فصول.

الفصل الأول فيما يقبل التذكية

(مسألة 58): كل حيوان محلل الأكل قابل للتذكية. فإن كان له نفس سائلة كان قابلا للتذكية بالذبح، و بعضه يقبل التذكية بالصيد، كما سبق. و إن لم يكن له نفس سائلة- و هو السمك و الجراد- فلا يقبل التذكية بالذبح، بل بالصيد لا غير كما تقدم.

(مسألة 59): ما ليس له نفس سائلة إذا كان محرم الأكل فإن كان سمكا فقد سبق تذكيته بالصيد، و إن لم يكن سمكا- كالضفدع و الوزغ- فهو لا يقبل التذكية لا بالذبح و لا بالصيد. لكن بعد حرمة أكل الحيوان علي كل حال، و الاحتياط الوجوبي بعدم استصحاب أجزائه في الصلاة إذا كان له لحم، و طهارة ميتته لا يظهر الأثر لعدم تذكيته إلا في وجوب الاحتياط بعدم بيعه.

(مسألة 60): لا تقع التذكية علي نجس العين.

(مسألة 61): تقع التذكية بالذبح علي ما لا يؤكل لحمه من ذي النفس سواء كان له جلد يمكن الانتفاع به بلبس و فرش و نحوهما أم لا، و سواء كان من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 209

السباع أم من الطير أم من الحشرات التي تسكن باطن الأرض- كالضب و ابن عرس- أم من غيرها كالأرنب. فيطهر بالذبح لحمها و جلدها و يجوز بيعها.

الفصل الثاني في الذابح

(مسألة 62): يشترط في الذابح الإسلام، فلا تصح ذبيحة الكافر و إن كان ذميا، حتي إذا علم أنه قد سمي علي ذبيحته.

(مسألة 63): تحل ذبيحة المخالف إلا أن يكون محكوما بالكفر. نعم هي مكروهة.

(مسألة 64): تحل ذبيحة الصبي إذا كان مميزا يحسن التذكية. نعم لا بد من أن يكون معلنا للإسلام، أو يكون محكوما بأنه مسلم لكون أحد أبويه مسلما. نعم إذا كان معلنا بالكفر فالظاهر عدم حل ذبيحته و إن

كان أحد أبويه مسلما.

(مسألة 65): تحل ذبيحة ولد الزنا إذا كان معلنا للإسلام و إن كان صبيا.

بل الظاهر كفاية كون أحد أبويه مسلما في الحكم بإسلامه و إن كان صبيا لم يعلن الإسلام، و كذا إذا كان تابعا لمسلم. علي ما تقدم في مطهرية التبعية من كتاب الطهارة.

(مسألة 66): تحل ذبيحة المرأة و الأعمي و الأغلف و الخصي و الجنب و الحائض و الفاسق.

(مسألة 67): تحل ذبيحة ناقص العقل إذا كان مميزا يتأتي منه قصد الذبح المشروع، أما إذا لم يتحقق منه ذلك- كما في المجنون الصرف- فلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 210

يصح. و كذا الحال في السكران، فإن سكره قد لا يمنع من تمييزه و قصده الذبح الشرعي بالوجه الذي يترتب عليه الأثر عند العقلاء، بخلاف النائم، فإن الظاهر عدم العبرة بقصده.

(مسألة 68): لا بأس بتعدد الذابح، بأن يتولي الذبح اثنان- مثلا- علي سبيل الاشتراك مقترنين بأن يأخذا السكين معا و يذبحا معا، أو يأخذ كل منهما سكينا و يقطع أحدهما بعض الأعضاء و الآخر الباقي دفعة واحدة. أو يكون ذلك منهما علي التعاقب فيقطع أحدهما بعض الأعضاء ثم يقطع الآخر الباقي. و من ذلك ما إذا ذبح شخص الحيوان و تركه فظهر النقص في ذبحه فأخذه الآخر و أتم ذبحه. و لا بد من تسمية الكل.

(مسألة 69): لا بأس بذبيحة المكره و إن لم يكن إكراهه بحق.

(مسألة 70): لا بأس بذبيحة من لا يعتقد بوجوب التسمية أو يعتقد بعدم وجوبها إذا سمي.

(مسألة 71): تحل ذبيحة المعتدي و الغاصب للحيوان المذبوح أو لآلة الذبح و إن كان آثما في ذبحه. و مثله ما إذا كان الحيوان منذورا مثلا لوجه خاص فذبح علي

وجه آخر. فالشاة التي ينذر صاحبها- مثلا- أن يضحي بها لو ذبحت في غير وقت الأضحية عمدا أو جهلا أو نسيانا تذكي بالذبح و يحل أكلها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 211

الفصل الثالث في كيفية الذبح

(مسألة 72): لا بد في الذبح من قطع الأعضاء الأربعة، و هي مجري النفس- الذي قد يسمي بالحلقوم- و مجري الطعام و الشراب- الذي قد يسمي بالمري- و الودجان، و هما عرقان محيطان بهما يجري فيهما الدم، و لا يكفي شق شي ء منها من دون قطع.

(مسألة 73): الظاهر أن قطع الأعضاء المذكورة يتوقف علي بقاء (الجوزة) في جانب الرأس، فلو بقي منها شي ء في الجسد لم يتم الذبح المذكي، لأن الحلقوم و المري ء يبدءان منها، فمع بقاء شي ء منها في جانب الرأس يكون موضع الذبح قبلهما، و لا يقطعان حينئذ.

(مسألة 74): إذا قطع بعض الأعضاء الأربعة من تحت الجوزة علي غير الوجه الشرعي- كما إذا استند إلي افتراس سبع أو ضرب لا يقصد به التذكية أو غير ذلك- لم يكف في التذكية قطع الباقي، بل يحرم الحيوان. نعم إذا شق بعض الأعضاء أو كلها من دون قطع و بقي الحيوان حيا أمكن تذكيته بقطعها من محل الشق أو من فوقه أو تحته.

(مسألة 75): إذا أخطأ الذابح فذبح من فوق الجوزة أو من بعضها أمكنه التدارك ما دام الحيوان حيا فإذا ذبحه من تحت الجوزة ذكي و حل لحمه.

(مسألة 76): لا يجب التتابع العرفي في قطع الأعضاء، فلو قطع بعض الأعضاء من الحيوان فأرسله أو أفلت ثم قبض عليه فقطع الباقي و هو حي ذكي الحيوان و حل لحمه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 212

(مسألة 77): لا يجب في الذبح أن يكون

في أعلي الرقبة تحت الجوزة مباشرة، بل يجوز أن يكون أسفل من ذلك إذا تحقق قطع الأعضاء الأربعة.

(مسألة 78): لا يصح الذبح من القفا، حتي لو قطعت الأعضاء الأربعة بأن يبدأ من القفا و ينتهي بالحلقوم. بل الأحوط وجوبا وضع السكين في ظاهر الرقبة و النزول بها إلي الباطن، و لا يقلب السكين و يدخلها وسط الرقبة تحت الأعضاء و يخرجها إلي الظاهر.

(مسألة 79): الأحوط وجوبا عدم قطع رأس الحيوان عند الذبح، لكن لو حصل ذلك غفلة أو خطأ أو لإسراع السكين لم يحرم الحيوان المذبوح، بل لا يحرم حتي لو تعمد ذلك، و إن كان الأحوط استحبابا الترك. و يجري جميع ذلك في النخع الذي هو عبارة عن الوصول بالسكين للنخاع فيقطع قبل أن يموت الحيوان من دون أن يقطع الرأس.

(مسألة 80): يشكل الاكتفاء بقطع الأعضاء الأربعة بنحو القرض بمثل (المقص) و (المقراضة) و نحوهما مما يقطع بجمع الآلتين المحددتين لا بإمرار آلة واحدة كالسكين. نعم لا بأس به مع الاضطرار. و المعيار فيه خوف موت الحيوان لو تأخر ذبحه إلي حين القدرة علي مثل السكين.

(مسألة 81): تختص الإبل من بين البهائم بأن تذكيتها بالنحر، و لا يجوز ذلك في غيرها، حتي الخيل علي الأحوط وجوبا. فإن ذبحت الإبل لم تذك و لم تحل، إلا أن تنحر قبل أن تموت، و إن نحر غيرها لم يذك و لم يحل إلا أن يذبح قبل أن يموت.

(مسألة 82): كيفية النحر أن يطعن الحيوان بالآلة- من سكين أو حربة أو غيرهما حتي مثل المزرف و المنجل- في اللبة، و هي الموضع المنخفض في أصل العنق عند وسط أعلي الصدر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 213

(مسألة 83):

إذا تعذر ذبح الحيوان أو نحره جاز تذكيته في غير موضع التذكية بالنحو المتيسر، و حل أكل لحمه. سواء كان ذلك لاستصعابه و شروده أم لصيرورته في مكان لا يسيطر عليه فيه المذكي، كما لو تردّي في بئر أو سقط عليه البناء أو نحو ذلك. نعم لا بد من تحقق شروط التذكية الأخري عدا الاستقبال. كما أنه إذا أدرك ذكاته بعد جرحه أو عقره وجبت تذكيته كالصيد.

(مسألة 84): الجنين إذا ماتت امه من دون تذكية فإن استخرج منها حيا و أدركت ذكاته و ذكي حلّ، و إلا كان ميتة محرما. و كذا إذا استخرج من امه و هي حية بعملية قيصرية أو نحوها فإنه يحل إذا ذكي بالذبح، و لا يحل بدون ذلك.

(مسألة 85): الجنين إذا ذكيت امه فمات في بطنها قبل أن يستخرج منها كانت ذكاتها ذكاة له فيحل أكله، و كذا إذا لم تلجه الروح في بطنها.

(مسألة 86): الجنين إذا ذكيت امه فاستخرج منها حيا لم يحل إلا بالتذكية، فإن مات قبل أن يذكي فهو ميتة حرام، سواء ضاق الوقت عن تذكيته أم وسعها و لم يذك تسامحا أو غفلة.

(مسألة 87): تجب المبادرة بالنحو المتعارف إلي سلخ الذبيحة ثم شق بطنها لإخراج الجنين منها و إدراك تذكيته، فلو لم يبادر بالنحو المتعارف و احتمل موت الجنين بسبب ذلك حكم بعدم ذكاة الجنين و بحرمته. نعم لو علم بعدم إدراكه حيا علي كل حال لم تجب المبادرة لإخراجه، و حل حينئذ.

(مسألة 88): إنما يجوز أكل الجنين إذا كان تام الخلقة و قد نبت شعره، و إلا لم يحل، سواء ذكي بذكاة امه أم ينبرحه بنفسه.

(مسألة 89): لا فرق في تذكية الجنين بذكاة امه بين

محلل الأكل و محرمه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 214

الفصل الرابع في شروط الذبح

و هي أمور.

الأول: القصد للذبح أو النحر، فلا تحصل التذكية بالذبح أو النحر من غير القاصد، كما لو وقع السكين من يده علي الأعضاء الأربعة فقطعها، أو قصد بتحريك السكين أمرا غير الذبح فقطعت الأعضاء الأربعة، و علي ذلك يبتني ما تقدم من عدم صحة الذبح و النحر من غير المميز، كالمجنون و النائم.

الثاني: أن يكون الذبح أو النحر بالحديد فلا يصح بغيره و إن كان من الفلزات الصلبة، كالنحاس و الذهب و الفضة. هذا مع تيسر الحديد، أما مع تعذره فيجوز الذبح بكل ما يفري الأوداج، كالفلزات الأخري و الزجاج و العظم و الخشب و غيرها. و كذا الحال في النحر.

(مسألة 90): يكفي في جواز الذبح بغير الحديد تعذر الحديد حين إرادة الذبح، و لا يشترط الاضطرار للذبح للحاجة للحم أو لخوف موت الحيوان.

(مسألة 91): يذكر بعض أهل الخبرة إن الستيل حديد مصفي مشتمل علي خليط من مواد اخري. كما يذكرون أيضا أن الحديد المتعارف مشتمل علي مواد اخري. و حينئذ إذا كانت نسبة الخليط في الستيل تقارب نسبة الخليط في الحديد المتعارف فلا بأس بالذبح به و لعل ذلك هو الغالب من أنواع الستيل.

(مسألة 92): الذبح بالسن و الظفر- عند تعذر الذبح بالحديد- إن كان

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 215

بإمرار أحدهما علي الأعضاء نظير إمرار السكين فالظاهر جوازه، و إن كان بنحو القرض- كما لو قطعت الأعضاء بالعض أو بجمع الظفرين عليها- أشكل جوازه، لما سبق في الفصل الثالث من الإشكال في قطع الأعضاء بنحو القرض.

نعم مع الاضطرار لعدم تيسر الذبح إلا بهذا الوجه و خوف موت الحيوان فلا بأس

به، كما تقدم.

الثالث: الاستقبال بالذبيحة بأن توجه للقبلة بمقاديمها و مذبحها، فإن ذبحت نائمة وجهت إلي القبلة معترضة، لكن لا تطرح علي قفاها، بل تضجع علي جانبها الأيمن- بأن يكون رأسها إلي يمين المستقبل، كهيئة الميت حال الدفن- أو علي جانبها الأيسر- بأن يكون رأسها إلي يسار المستقبل- ليكون مذبحها موجها للقبلة.

و إن ذبحت جالسة أو قائمة وجهت بصدرها إلي القبلة، كما هو الحال في الإبل حال النحر.

(مسألة 93): يجوز ذبح الحيوان معلقا من رجليه أو من رأسه. و يكون الاستقبال به بتوجيه صدره و بطنه إلي القبلة.

(مسألة 94): إذا لم يستقبل الذابح أو الناحر بالحيوان القبلة عالما عامدا لم يذكه الذبح و حرم أكله، و إن كان ناسيا أو جاهلا بوجوب الاستقبال ذكاه الذبح و حل أكله، و كذا إذا كان مخطئا في القبلة بأن وجهها لجهة اعتقد أنها القبلة فتبين الخلاف.

(مسألة 95): إذا جهلت القبلة و لم يتيسر معرفتها قريبا سقط اعتبار الاستقبال، و كذا إذا تعذر الاستقبال لاستصعاب الحيوان أو لخوف موته لو صرف الوقت في توجيهه للقبلة.

(مسألة 96): لا يشترط استقبال الذابح، و إن كان أحوط استحبابا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 216

الرابع: التسمية ممن يباشر الذبح أو النحر أو غيرهما مما يقوم مقامهما عند تعذرهما و لا تجزئ التسمية من غير الذابح، و أظهر في عدم الإجزاء التسمية في المسجل أو نحوه مما يحكي الصوت من دون ان ينطق بها إنسان.

(مسألة 97): لا بد من مقارنة التسمية عرفا للذبح أو النحر أو ما يقوم مقامهما، و لا تجزئ التسمية عند الشروع في المقدمات كسحب الحيوان و ربطه و إضجاعه.

(مسألة 98): إذا نسي المذكي التسمية حلت ذبيحته، بخلاف ما لو

تركها عمدا و لو بسبب الجهل باشتراطها، نظير ما تقدم في الصيد. و تقدمت هناك فروع أخري في التسمية تجري هنا.

(مسألة 99): يستحب عند الذبح الصلاة علي النبي و آله صلوات اللّه عليهم.

(مسألة 100): من نسي التسمية عند الذبح أو النحر استحب له التسمية متي ذكر، يقول: بسم اللّه علي أوله و علي آخره. و إن لم يفعل تأكد استحباب التسمية حين الأكل من لحم الحيوان المذبوح.

الخامس: حياة الحيوان حين الذبح علي النحو المتقدم في إدراك الذكاة في الصيد.

السادس: خروج الدم المعتدل علي النحو المتعارف عند ذبح ذلك الحيوان فإن خرج متثاقلا لم يذك و حرم أكله و إن علم بحياته حين الذبح.

السابع: حركة الذبيحة بعد الذبح و لو يسيرا، كما لو تحركت رجلها أو عينها.

(مسألة 101): لا يشترط في حل الذبيحة استقرار الحياة، بمعني أن يعيش مثلها اليوم و الأيام، بل يكفي في إدراك ذكاتها حياتها حين الذبح، كما سبق في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 217

الشرط الخامس. و علي هذا لو طرأ عليها ما من شأنه أن يقضي عليها- من جرح أو عقر أو كسر أو غير ذلك- و ذبحت بالشروط المتقدمة ذكيت و حلت، بل لو شقت بطنها و خرجت حشوتها ثم ذبحت حلت. و كذا إذا حصل ذلك مقارنا للذبح. نعم لو قطع رأسها و انفصل من فوق المذبح، ففي حل جسدها بقطع الأعضاء الأربعة بالشروط المتقدمة إشكال، و الأظهر العدم. و أما الرأس فلا إشكال في عدم حله بذلك. و كذا سائر الأعضاء المنفصلة قبل الذبح- كالرجل و الألية- فإنها لا تذكي و لا تحل بذبح الحيوان إذا كان بعد فصلها منه.

(مسألة 102): إذا تم ذبح الحيوان بشروطه المتقدمة

ثم حصل له قبل موته ما يوجب الموت- كما لو وقع في ماء أو نار أو سقط إلي الأرض من شاهق أو نحو ذلك- لم يمنع ذلك من تذكيته بالذبح و حل أكله، بخلاف الصيد فإنه لا يحكم بتذكية الحيوان به إلا أن يعلم استناد موت الحيوان إليه، كما تقدم. نعم يكره هنا أكل الحيوان، بل الأحوط استحبابا تركه.

(مسألة 103): إذا قطع من الحيوان شي ء بعد ذبحه قبل موته لم يحرم.

و إن كان الأولي ترك ذلك، لاحتمال كونه سببا لإيذائه. بل قيل بكراهة قطع شي ء منه قبل أن يبرد.

(مسألة 104): سلخ الذبيحة بعد إكمال ذبحها و قبل موتها لا يوجب حرمتها. نعم هو مكروه، بل قيل بكراهة سلخها قبل أن تبرد.

(مسألة 105): قد ذكر للذبح و النحر آداب، فيستحب في ذبح الغنم ربط يدي الحيوان و رجل واحدة، ثم يمسك صوفه أو شعره بعد ذبحه حتي يبرد.

و في ذبح البقر ربط اليدين و الرجلين و إطلاق الذنب، و في الإبل أن تنحر قائمة مع ربط يد واحدة، و الأولي أن تكون اليسري، فإن نحرت باركة ربطت يداها ما بين الخف إلي الركبة. و يستحب إرسال الطير بعد الذبح.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 218

(مسألة 106): يستحب أن يساق الحيوان للذبح برفق، و يعرض عليه الماء قبل الذبح. و أن تحدّ السكين و يسرع في الذبح ليكون أسهل. و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «إن اللّه تعالي شأنه كتب عليكم الإحسان في كل شي ء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، و ليحد أحدكم شفرته و ليرح ذبيحته».

(مسألة 107): تكره الذباحة ليلا، و كذا في نهار الجمعة إلي الزوال.

و أن يذبح الإنسان بيده ما ربّاه من النعم. و أن تذبح الشاة عند الشاة و الجزور عند الجزور، بل الأولي العموم، فلا يذبح الحيوان عند حيوان ينظر إليه و إن لم يكن من جنسه. كما يكره أن يري الحيوان السكين عند إرادة ذبحه.

(مسألة 108): إذا شك في التذكية حكم شرعا بعدمها إلا بحجة شرعية.

و قد تقدم في مبحث نجاسة الميتة أن يد المسلم حجة علي التذكية، و تقدم جملة من الفروع المتعلقة بذلك فلا نطيل بإعادتها.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 219

كتاب الأطعمة و الأشربة

اشارة

و فيه فصول:

الفصل الأول في حيوان البحر

(مسألة 109): لا يحل من حيوان البحر إلا ما له قشر. و المراد بالقشر الصدف الذي يكسو الحيوان و يمكن أن ينفصل عنه، كفلس السمك، و قشر الإربيان الذي يعرف في عصورنا بالروبيان و غيرهما. أما الصدف اللازم للحيوان الملتصق به- كصدف السلحفاة و السرطان و المحار- فلا يكفي في تحليله.

(مسألة 110): إذا شك في أن للحيوان قشر أو لا حرم أكله. نعم بعض السمك الذي له قشر كثيرا ما يحتك ببعض الأشياء فيسقط قشره، و لذا يبقي عليه شي ء من القشر في بعض المواضع التي لا يصلها الحك و يراها الفاحص بالتأمل. و قد تضمنت ذلك الأخبار في سمك أطلقت عليه اسم الكنعت. و أكده في زماننا بعض المستفتين. و عن بعضهم تأكيد ذلك في نوعين من السمك يطلق عليهما (الصافي) و (المزلق). و علي كل حال فما كان من هذا النوع من السمك حلال. و ينبغي التأكد منه.

(مسألة 111): إذا أخبر من عنده السمك بأن لذلك السمك قشر، أو أنه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 220

من النوع الذي له قشر أخذ بقوله إذا لم يكن متهما.

(مسألة 112): لا يجوز بيع السمك المحرم الأكل علي من يستحله أو علي من يبيعه ممن يستحله، إلا أن يكون له منفعة محللة معتد بها غير الأكل، و قد سبقت بعض الفروع المناسبة بذلك في مبحث المكاسب المحرمة.

(مسألة 113): إذا ابتلعت الحية سمكة ثم ألقتها و قد تسلخت فلوسها فالأحوط وجوبا عدم أكلها. أما إذا لم تتسلخ فلوسها فيحل أكلها إذا كانت ذكية، أو ذكيت بعد ذلك بأن أخذت و هي حية.

(مسألة 114): بيض السمك تابع للسمك الذي يكون فيه، فإن كان محرما حرم

بيضه، و إن كان حلالا حل بيضه. و إذا اشتبه حال البيض، و شك في أنه من السمك الحلال أو الحرام حرم أكله.

الفصل الثاني في حيوان البر

(مسألة 115): يحرم أكل لحم الإنسان.

(مسألة 116): يحرم من حيوان البر كل ذي ناب، و كل سبع و إن لم يكن له ناب. و المراد بالسبع ما يفترس الحيوان، و يأكل اللحم قويا كان كالأسد و النمر و الذئب، أو ضعيفا كالضبع و الثعلب و السنور.

(مسألة 117): يحرم من الحيوان المسوخ. و قد ورد في الكتاب المجيد و الأخبار الكثيرة أن اللّه تعالي مسخ جماعات من الناس قد عتوا و تمرّدوا علي صور بعض الحيوانات. كما ورد أن المسوخ قد هلكت و لم تتناسل، و أن التحريم إنما هو لما مثلت به من الحيوان. و قد عدّ منها من حيوان البر غير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 221

السباع: الخنزير و القرد و الفيل و الدب و الأرنب و الضب و الفأرة و العقرب و الوزغ.

(مسألة 118): يحرم أكل الحشرات كالخنافس و الديدان و النمل و القمل و غيرها.

(مسألة 119): يحرم كلما يسكن باطن الأرض من صغار الحيوانات كالقنفذ و ابن عرس و الجرذ و اليربوع و الحية و غيرها.

(مسألة 120): يحل لحم النعم الثلاثة: الإبل- العراب و هي ذات السنام الواحد، و البخاتي و هي ذات السنامين- و البقر- و منه الجاموس- و الغنم الضأن و المعز.

(مسألة 121): يحل لحم الخيل و البغال و الحمير، علي كراهة في الجميع و تشتد في الأخيرين.

(مسألة 122): يحل من الحيوان الوحشي البقر و الكباش الجبلية و الحمر كحمار الزرد- و الظباء و اليحامير- التي هي نوع من الأيل- بل جميع أنواع الأيل، و الوعل،

و ما يسانخ ذلك عرفا. و في اختصاص الحل بذلك إشكال.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 222

الفصل الثالث في الطير

(مسألة 123): يحرم السبع من الطير، و هو ما يفترس، و يأكل اللحم، كالبازي و الصقر و العقاب و الشاهين و الباشق و النسر و الحدأة و غيرها. و ليس منه طير الماء الذي يأكل السمك.

(مسألة 124): يحرم من الطير ما يغلب في طيرانه الصفيف، و يحل منه ما يغلب في طيرانه الدفيف و الخفوق.

(مسألة 125): إذا لم يعلم كيفية طيران الطير أو شاع في طيرانه الصفيف و الدفيف معا، فإن لم يكن له حوصلة و لا قانصة و لا صيصية فهو محرم الأكل.

و الظاهر أن الحوصلة مجمع الحب للطائر الذي يكون في آخر العنق، و القانصة هي العضلة الصلبة التي يهضم بها الطعام، فبعض الطيور له قانصة، و بعضها له معدة كمعدة الإنسان و كثير من الحيوانات. أما الصيصية فهي الشوكة التي خلف ساق الطائر خارجة عن الكف.

(مسألة 126): اللقلق و إن قيل أن له حوصلة و قانصة و صيصية، إلا أن الظاهر حرمته، لأن الغالب في طيرانه الصفيف.

(مسألة 127): يحرم من الطير الخفاش- و منه الوطواط- و الطاوس، و الغراب بجميع أنواعه.

(مسألة 128): يحرم من الطير ما كان من سنخ الحشرات كالزنبور و النحل و الذباب و نحوها، و لا يحل من هذا السنخ إلا الجراد.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 223

الفصل الرابع فيما يحرم بالعرض

و هو أمور.

الأول: الجلال، و هو الذي يتغذي علي عذرة الإنسان لا يختلط معها غيرها. أما إذا كان يختلط معها غيرها فليس هو من الجلال المحرم، إلا أن يكون ذلك نادرا لا يعتد به عرفا بحيث لا يمنع من صدق أن غذاءه العذرة، فيحرم. كما لا بد في صدق الجلال من تغذيه بالعذرة مدة معتدا بها عرفا، بحيث يصدق عرفا

أن غذاءه العذرة. و لا يفرق في ذلك بين أنواع الحيوان حتي السمك.

(مسألة 129): يرتفع الجلل و التحريم عن الحيوان باستبرائه و منعه عن العذرة مدة معتدا بها. و قد تقدم في العاشر من المطهرات من مباحث الطهارة من الخبث تحديد مدة الاستبراء، فلا نطيل بإعادته. نعم لم يتقدم منا التعرض لاستبراء السمك. و الظاهر أنه يكفي فيه منعه من العذرة و تغذيته بغيرها يوما و ليلة.

(مسألة 130): الأحوط وجوبا حرمة نسل الجلال المتكون منه قبل الاستبراء و عدم حله بالاستبراء.

الثاني: الجدي الذي يرتضع من لبن خنزيرة مدة معتد بها. و الأحوط وجوبا عموم التحريم لغير الجدي من الحيوانات التي ترتضع من لبن الخنزيرة.

كما أن الأحوط وجوبا العموم لشرب اللبن من غير ارتضاع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 224

(مسألة 131): لا يلحق بالخنزيرة غيرها من الحيوانات النجسة كالكلبة و الكافرة التي قيل بنجاستها.

(مسألة 132): يستبرأ الحيوان المذكور بحبسه عن الخنزيرة، و إرضاعه من حيوان من سنخه سبعة أيام. و إن كان استغني عن الرضاع و اللبن يعلف علفا طاهرا سبعة أيام أيضا.

(مسألة 133): كما يحرم الحيوان المذكور يحرم نسله المتكون من منيه قبل أن يستبرأ، و لا يحل النسل حينئذ بالاستبراء. و أما إذا كان المرتضع أنثي ففي حرمة حملها الذي تعلق به قبل الاستبراء إشكال. و إن كان أحوط وجوبا.

الثالث: البهيمة التي يطؤها الرجل، قبلا أو دبرا و الأحوط وجوبا العموم في الواطئ لكل ذكر و إن كان صبيا، و في الموطوء لكل حيوان ذكرا كان أو أنثي مأكولا أو غيره حتي الطير. بل العموم لنسل الموطوء، فيحرم أيضا.

(مسألة 134): إذا كان الحيوان ميتا مذكي حلال اللحم لم يحرم بالوطء، و لا تجري

عليه الأحكام الأخري للموطوء. كما لا تجري الأحكام المذكورة إذا كان الميت حرام اللحم أو غير مذكي.

(مسألة 135): ما يحرم لكونه موطوءا أو نسلا لموطوء ليس له استبراء يحلله.

(مسألة 136): إذا كان الموطوء مما يطلب لحمه ذبح، فإن مات أحرق.

و إذا كان الواطئ غير المالك اغرم قيمته للمالك.

(مسألة 137): إذا كان الحيوان الموطوء مما يطلب ظهره للركوب و لا يطلب لحمه- كالحمار- اخرج إلي مدينة أخري لا يعرف فيها الواطئ، فيباع هناك. و حينئذ إن كان الواطئ غير المالك اغرم قيمته للمالك في المدينة التي وطئ فيها، و تحمل هو نفقة إخراجه و أخذ هو ثمنه بعد بيعه في المدينة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 225

الأخري. و إن كان الواطئ هو المالك تحمل هو نفقة الإخراج و كان له الثمن بعد البيع. و الأحوط وجوبا جريان ذلك فيما يحرم أكل لحمه و لا يطلب ظهره للركوب.

(مسألة 138): إذا اشتبه الموطوء بغيره فيما يؤكل لحمه و يطلب أخرج بالقرعة.

(مسألة 139): إذا شرب الحيوان الذي هو حلال اللحم خمرا لم يحرم لحمه، بل يؤكل بعد أن يغسل علي الأحوط استحبابا. نعم إذا سكر فذبح حال سكره فالأحوط وجوبا عدم أكل ما في بطنه من القلب و الكبد و الكرش و غيرها. أما لو شرب بولا أو غيره من المائعات أو أكل نجسا فذبح فإنه يؤكل ما في بطنه بعد غسله و تطهيره من النجاسة مع بقاء عينها و عدم تحللها.

الرابع: الميتة، فإن الحيوان المحلل الأكل إنما يحل بالتذكية، أما إذا صار ميتة- بأن مات من دون تذكيته- فإنه يحرم مطلقا و ينجس إذا كان له نفس سائلة.

(مسألة 140): بحكم الميتة ما يقطع من الحيوان الحي، علي

تفصيل تقدم في مبحث نجاسة الميتة من مباحث الطهارة من الخبث.

(مسألة 141): يستثني من نجاسة الميتة ما لا تحله الحياة منها، فهو طاهر و حلال إذا كان مما يؤكل أو يشرب كالبيضة و الأنفحة و اللبن، علي ما تقدم تفصيل الكلام في مبحث نجاسة الميتة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 226

الفصل الخامس في الجامد

(مسألة 142): البيض و الأنفحة تابعان للحيوان الذي يتكونان فيه، فما كان من الحيوان المحرم الأكل حرام، و ما كان من الحيوان المحلل الأكل حلال.

(مسألة 143): إذا اشتبه البيض بين ما يحل أكله و ما يحرم أكله أكل ما اختلف طرفاه و ترك ما تساوي طرفاه. هذا إذا كان المحتمل هو الحرمة بالأصل. أما إذا كان المحتمل الحرمة بالعرض- كالجلل- فمع الشك في حال البيض و الأنفحة يحكم بحليته إلا مع العلم الإجمالي بوجود الحرام فيه فيجتنب الكل. أما الإنفحة فإنها الاشتباه محكومة بالحل، إلا مع العلم الإجمالي بوجود الحرام فيحرم الكل.

(مسألة 144): يحرم من الذبيحة التي يحل أكلها الفرث و الدم و القضيب و الأنثيان و الغدد و الطحال. و الأحوط وجوبا اجتناب الرحم و الحياء- و هو فرج الأنثي- و العلباء- و هي العصبتان خلف الرقبة- و النخاع- و هو المخ الأبيض المستطيل في فقار الظهر- و المثانة و المرارة. و الأحوط استحبابا اجتناب الحدق و الخرز التي في الدماغ. و يكره الكليتان و إذنا القلب.

(مسألة 145): لا فرق في تحريم الأمور المذكورة بين الحيوان الصغير و الكبير. نعم لا بد من أن يكون لها فيه وجود عرفي متميز ملتفت إليه، فلو كانت خفية مغفولا عنها لصغرها لم تحرم، كما في جملة من هذه الأمور الحيوانات الصغيرة، و كالغدد الدقيقة في

الحيوان الكبير.

(مسألة 146): لا تحرم هذه الأمور في السمك و نحوه مما لا يذكي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 227

بالذبح. نعم في جواز أكل أو شرب دم السمك إذا كان له وجود معتد به عرفا إشكال. و الأحوط وجوبا تركه. بل يحرم إذا كان مما لا يؤكل لحمه.

(مسألة 147): يعفي عن الدم القليل المتخلف في العروق الدقيقة و نحوه مما يكون عرفا تابعا للحم و من شؤونه من دون أن يكون له وجود عرفي متميز.

(مسألة 148): تحرم الأعيان النجسة كالعذرة، و كذا المتنجسة إذا لم تطهر.

(مسألة 149): يحرم أكل الطين. و الأحوط وجوبا إلحاق التراب و الرمل و نحوهما مما هو من سنخ الأرض به. أما بقية المعادن فلا تحرم، إلا أن تكون سببا في ضرر يحرم إيقاعه بالنفس.

(مسألة 150): يستثني من حرمة أكل الطين طين قبر الحسين عليه السّلام، فإنه يجوز أكله بنية الاستشفاء. و يقتصر علي القليل منه بما لا يزيد علي مقدار الحمصة. و في إلحاق طين قبور بقية المعصومين عليهم السّلام بها إشكال، و الأظهر العدم.

(مسألة 151): يجوز الاستشفاء بالطين المأخوذ من مسافة ميل من قبر الحسين عليه السّلام من جميع الجوانب. و يجوز أكله لذلك. و أفضله ما يؤخذ من مربع سعته سبعون باعا في سبعين باعا يتوسطه القبر الشريف. يقارب مربعا سعته مائة و عشرون مترا في مائة و عشرين مترا. و أفضل ذلك ما يؤخذ من عند الرأس الشريف و إن صار متعذرا في زماننا.

هذا، و قد ورد في بعض الأخبار أنه يستشفي بما بينه و بين القبر الشريف أربعة أميال، و حيث لم تتم عندنا حجية الخبر المذكور فلا مجال للاستشفاء بذلك بأكله. نعم لا بأس

بالاستشفاء به برجاء الشفاء بوجه غير الأكل و لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 228

بوضعه في ماء حتي يستهلك ثم يشرب الماء.

(مسألة 152): الأحوط وجوبا الاجتناب عن المستقذرات من إفرازات الإنسان و الحيوان المحلل فضلا عن المحرم و إن لم تكن نجسة.

(مسألة 153): الظاهر جواز أكل المواد المحروقة، كالخبز و اللحم و غيرهما.

الفصل السادس في المائع

(مسألة 154): يحرم الخمر و كل مسكر، و إن كان جامدا. و تختص النجاسة بالمائع بالأصل، نعم يطهر و يحل إذا انقلب خلا، و قد تقدم تفصيل ذلك في مباحث الطهارة من الخبث.

(مسألة 155): يحرم الفقاع و هو نجس، كما تقدم.

(مسألة 156): يحرم كل مائع نجس أو متنجس. و قد تقدم تحديد كل منهما في مباحث الطهارة من الخبث.

(مسألة 157): يحرم العصير العنبي إذا غلا بالنار حتي يذهب ثلثاه، و هو الأحوط وجوبا في العصير و الزبيبي، و الأحوط استحبابا في العصير التمري و قد تقدمت بعض الفروع المتعلقة بذلك عند الكلام في نجاسة الخمر.

(مسألة 158): لا يحرم شي ء من أنواع العصير الباقية، و لا شي ء من المربيات إذا لم تكن مسكرة و إن شم منها رائحة المسكر.

(مسألة 159): اللبن تابع للحيوان الذي يتكون فيه، فيحرم ما كان من حيوان يحرم أكله، و يحل ما كان من حيوان يحل أكله. نعم لبن الإنسان حلال.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 229

(مسألة 160): الأحوط وجوبا اجتناب الأبوال الطاهرة. نعم يجوز استعمالها للتداوي و إن لم يبلغ مرتبة الضرورة.

(مسألة 161): الظاهر حلية الريق من الحيوان المأكول اللحم. أما من الحيوان غير المأكول اللحم فالأحوط وجوبا اجتنابه إذا كان له وجود معتد به غير مستهلك. نعم يحل ريق الإنسان.

الفصل السابع في بعض الأحكام العامّة

(مسألة 162): يحرم أكل و شرب ما يكون مضرا ضررا يبلغ حد الخطر و الخوف علي الحياة، أو علي عرض الإنسان بحيث يلزم هتكه و وهنه. بل الأحوط وجوبا اجتناب ما يخشي معه من تعطيل إحدي القوي التي أنعم اللّه تعالي بها علي الإنسان، إلا لدفع ضرر مساو أو أهم.

(مسألة 163): العادات الضارة- كالتدخين و الأفيون- لا تحرم إلا

أن يبلغ احتمال الضرر حدا يصدق معه الخوف من الضرر المحرم بسبب استعمال الشي ء، و لا تحرم بدون ذلك، كما إذا كانت من سنخ المعد و المهيّئ للضرر بحيث لا يترتب عليه الضرر إلا بضميمة أمور غير معلومة الحصول كطول العمر و حدوث بعض المضاعفات في البدن و غير ذلك. نعم إذا كان من شأن تلك العادة الاستحكام بنحو لا يتخلي صاحبها عنها عادة و كان من شأنها أن تجر للمهالك أو الفضائح فالظاهر حرمة الإقدام عليها. كما لا يحسن بالإنسان العاقل أن يخضح نفسه لعادة تسيطر عليه و تستعبده و إن لم تكن ضارة بنفسها.

(مسألة 164): إذا انحصر الدواء بأكل ما هو حرام حل بمقدار الحاجة و إن لم يضطر للتداوي من المرض لعدم كونه مهلكا. إلا في المسكر و لحم الخنزير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 230

و شحمه و غيرهما من أجزائه، فإنه لا يجوز التداوي بها حينئذ. نعم مع توقف الحياة عليه فالظاهر جوازه. و يلزم حينئذ التأكد من ذلك.

(مسألة 165): الأحوط وجوبا عدم الاكتحال بالمسكر، إلا مع الاضطرار، لتوقف شفاء العين عليه.

(مسألة 166): يجوز للمضطر بل يجب تناول المحرم بقدر ما يمسك رمقه. و يستثني من ذلك الباغي و العادي فلا يجوز لهما تناول المحرم و إن لزم التلف. نعم لو تابا و عزما علي عدم العود لما هما فيه حل لهما بل وجب عليهما تناول ما يسد الرمق.

(مسألة 167): الباغي هو الخارج علي الإمام الحق، و الذي يخرج للصيد بطرا و لهوا، لا لأجل الأكل أو التجارة. و العادي هو قاطع الطريق و الذي يخرج لأجل السرقة ممن يحرم السرقة منه. و في شموله لبقية وجوه العدوان علي الغير

بوجه محرم- كالذي يخرج لقتل محترم الدم أو هتك عرض محترم العرض- إشكال.

(مسألة 168): إنما يحرم سد الرمق علي الباغي و العادي إذا كان البغي و العدوان هما منشأ الاضطرار للحرام، أما إذا كان منشأ الاضطرار عاما حتي في حال عدم البغي و العدوان فالظاهر عدم حرمة سد الرمق علي الباغي و العادي، كما في وقت المجاعة العامة.

(مسألة 169): يحرم الأكل و الشرب و كل تصرف في مال من هو محترم المال إلا بإذنه أو بإحراز رضاه بالتصرف المذكور. و يستثني من ذلك من تضمّنته الآية (61) من سورة النور، و هم الآباء و الأمهات و الإخوة و الأخوات و الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات و من يتوكل عن المالك علي بيته فيدفع إليه مفتاحه و الصديق. و يلحق بهم الزوجة و الولد. فيجوز الأكل من بيوتهم مع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 231

عدم إحراز الرضا. نعم يشكل الأكل مع الظن بعدم الرضا، فضلا عن العلم.

و كذا مع عدم إحراز رضا صاحب البيت بالدخول فيه.

(مسألة 170): يقتصر في الأكل علي الطعام- كالخبز- و الإدام- كاللحم المطبوخ- و التمر، دون غير ذلك كالحلوي و المربيات و نحوها مما يؤكل بنفسه من دون أن يكون إداما، فإنه لا يجوز أكلها إلا مع العلم برضا صاحبها.

(مسألة 171): يستثني من عدم جواز الأكل من مال الغير أكل الإنسان من ثمرة النخل و الشجر و الزرع التي يمر بها. علي ما تقدم في آخر الكلام في بيع الثمار و الزرع و الخضر من كتاب البيع.

(مسألة 172): يحرم أكل الإنسان من طعام لم يدع إليه، و في الحديث:

«من أكل طعاما لم يدع إليه فإنما أكل قطعة من النار»،

كما أن من دعي إلي طعام حرم عليه أن يأخذ ولده معه. نعم يحل الأمران مع العلم برضا صاحب الطعام أو قيامه بما يكون قرينة عرفا علي رضاه بذلك.

(مسألة 173): يحرم الجلوس علي مائدة يشرب عليها الخمر، كما يحرم الأكل منها. نعم يختص ذلك بحال شرب الخمر و لا يعم ما قبل ذلك و إن تهيأ صاحبها لأن يسقي الخمر عليها، كما لا يعم الطعام المجعول عليها بعد شرب الخمر. هذا كله مع قطع النظر عن النهي عن المنكر، أما إذا لزم من الجلوس عليها التشجيع علي المنكر أو كان في القيام منها نهيا عنه حرم الجلوس مطلقا، بل قد يحرم حينئذ الدخول للدار أو مواصلة صاحبها، أو غير ذلك حسب اختلاف المقامات.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 232

الفصل الثامن في آداب المائدة

و اللازم- قبل النظر فيها- الاهتمام بطيب المكسب و حل الطعام و تجنب الحرام، ففي الحديث أن من أدخله بطنه النار فبعدا له. مضافا إلي ما في ذلك من سوء الأثر في النفس و في السلوك. بل عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال:

«كسب الحرام يبين في الذرية».

إذا عرفت هذا، فلندخل فيما عقد له هذا الفصل.

(مسألة 174): يستحب الاقتصاد في الأكل و يكره الإسراف و الإفراط فيه، و الامتلاء من الطعام. قال اللّه تعالي وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. و في الحديث عن الإمام الصادق عليه السّلام قال: «أقرب ما يكون العبد من اللّه إذا خفّ بطنه، و أبغض ما يكون العبد من اللّه إذا امتلأ بطنه»، و عنه عليه السّلام قال: «ليس بدّ لابن آدم من أكلة يقيم بها صلبه، فإذا أكل أحدكم طعاما فليجعل ثلث بطنه للطعام

و ثلث بطنه للشراب و ثلث بطنه للنفس، و لا تسمنوا تسمّن الخنازير للذبح»، و في وصية أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السّلام: «لا تجلس علي الطعام إلا و أنت جائع و لا تقم عن الطعام إلا و أنت تشتهيه و جوّد المضغ.».

(مسألة 175): تستحب غسل اليدين قبل الطعام و بعده، و الاستلقاء بعده و وضع الرجل اليمني علي اليسري حين الاستلقاء.

(مسألة 176): يستحب التسمية قبل الطعام و التحميد بعده، بل يستحب التحميد قبله أيضا و في أثنائه. و من نسي التسمية في أول الطعام أتي بها متي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 233

ذكر يقول: «بسم اللّه علي أوله و آخره».

(مسألة 177): يستحب الأكل و الشرب باليمني و يكره باليسري، إلا في العنب و الرمان فيؤكلان باليدين معا.

(مسألة 178): يستحب البدء بالملح و الختم به، أو البدء بالخل و الختم به، أو البدء بالملح و الختم بالخل. و الأول أفضل.

(مسألة 179): يستحب استقصاء الطعام عند الأكل تكريما له و عدم ترك شي ء منه و إن قلّ، و ذلك بأمور.

الأول: مص الأصابع، ففي الحديث عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «فمن مص أصابعه التي أكل بها قال اللّه عز و جل: بارك اللّه فيك»، و عن الإمام الصادق عليه السّلام:

«إني لألحس أصابعي من المأدوم حتي أخاف أن يري خادمي أن ذلك من الجشع».

الثاني: لطع الإناء، فعن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يلطع القصعة و يقول: من لطع القصعة فكأنما تصدق بثمنها».

الثالث: استقصاء الفاكهة من قشرها، و عدم رمي القشر و فيه شي ء منها.

الرابع: تتبع ما يسقط من الطعام في المنزل مهما

كان قليلا، فقد أكدت الأخبار علي ذلك، و أنه شفاء من كل داء، و أنه ينفي الفقر عمن أكله و من ولده و ولد ولده إلي السابع، و أنه يكثر الولد، و أنه مهور الحور العين. و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه كان يتتبع من الطعام الذي يسقط من الخوان مثل السمسمة فيأكله، و عنه عليه السّلام أنه قال: «إني لأجد الشي ء اليسير يقع من الخوان فأعيده فيضحك الخادم».

بل اللازم احترام الطعام و تكريمه كأدب عام لا يختص بالمائدة، فعن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 234

النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «من وجد تمرة أو كسرة ملقاة فأكلها لم تستقر في جوفه حتي يغفر اللّه له». و في بعض الأخبار أنه تجب له بذلك الجنة. و عنه صلّي اللّه عليه و آله:

«من وجد كسرة فأكلها كان له حسنة، و من وجدها في قذر فغسلها ثم رفعها كان له سبعون حسنة». و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «دخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله علي عائشة فرأي كسرة كاد أن يطأها فأخذها و أكلها، و قال: يا حميراء أكرمي جوار نعم اللّه عليك، فإنها لم تنفر عن قوم فكادت تعود إليهم».

و مما يؤسف له تسامح الناس في ذلك كثيرا، خصوصا أهل النعم منهم، بطرا و أشرا و كفرا بنعمة اللّه تعالي و استهوانا بها، و أمنا من مكر اللّه تعالي و من تغييره ما بهم من نعمة. فما أكثر ما القي منها في الطرق و المزابل، و ما أكثر ما استهين بها بصورة تقشعر لها الأبدان، و إنا للّه و إنا إليه راجعون، و نعوذ به من حلول سخطه

و تحويل عافيته و سلب نعمته.

(مسألة 180): يستحب تخليل الأسنان بعد الطعام بالعيدان لإخراج ما تبقي فيها، و قد ورد التأكيد عليه في الأخبار و أنه مصلحة للثة و مجلبة للرزق، و أن تركه يوجب تغير رائحة الفم فيتأذي بذلك الملك. و يجوز التخلل بكل عود. لكن يكره بعود الريحان و الرمان و القصب و الخوص و الآس و الطرفاء.

(مسألة 181): يستحب أكل بقايا الطعام في الفم مما يناله اللسان، و إلقاء ما أخرجه الخلال منه و يكره أكله.

و هناك آداب و مستحبات كثيرة للمائدة و للطعام لا يسع المقام استقصاءها، فلتطلب من المطولات.

و منه سبحانه نستمد العون و التوفيق، و له الحمد.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 235

كتاب الميراث

اشارة

و هو ما حصله الإنسان بجدة أو جمعه بكده و أتعب فيه بدنه و أجهد فيه نفسه، و ربما يكون قد أغمض في مطالبه لا يهمه أن حصله من حلال أو حرام، سالكا في ذلك طرق الشبهات و الآثام، أو يكون قد بخل به علي نفسه، فلم ينتفع به في دنياه و لا في آخرته، ثم يتركه لمن بعده- بعد أن تحمل تبعته- يأكلونه و يتنعمون به، فيكون المهنأ لغيره و الوزر علي ظهره.

فعلي العاقل الرشيد الاهتمام بأمرين.

الأول: طيب المكسب و حل المال الذي يتركه، و أداء حق اللّه تعالي فيه، و الخروج عن تبعاته، و اكتساب ما يتيسر له من الحسنات به، و لا يبخل علي نفسه بماله، فإنه ليس له من ماله إلا ما قدم.

الثاني: أن يكون ورثته أهلا للإحسان لحاجتهم و تدينهم و حسن تصرفهم فلا يضيع المال فيهم، بل يؤجر علي تركه لهم و تعففهم به عما عند الناس، و استغنائهم

بسببه عنهم. و نسأله تعالي التسديد و التوفيق و حسن العاقبة في الدنيا و الآخرة.

و يقع الكلام في كتاب الميراث في ضمن فصول.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 236

الفصل الأول في موجبات الإرث

و هي قسمان.

الأول: النسب، و له ثلاث مراتب، لا ترث المتأخرة شيئا مع ميراث السابقة و إن بقي منها واحد، إلا أن تنعدم السابقة أو تكون ممنوعة من الميراث لأحد موانع الإرث الآتية.

الاولي: الأب و الام- دون الأجداد و الجدات- و الأولاد و إن نزلوا ذكورا و إناثا.

الثانية: الأجداد و الجدات و إن علوا- كآباء الأجداد و أجدادهم- و الإخوة و الأخوات، و يلحق بهم أولادهم و إن نزلوا، كأولاد أولادهم، و أولاد أولاد أولادهم.

الثالثة: الأعمام و الأخوال و إن علوا، كأعمام الآباء و الأمهات و أخوالهم، و أعمام الأجداد و الجدات و أخوالهم، و يلحق بهم أولادهم و إن نزلوا.

القسم الثاني: السبب. و هو الزوجية و الولاء. و للولاء مراتب ثلاث: لا ترث المتأخرة شيئا مع السابقة:

الأولي: ولاء العتق.

الثانية: ولاء ضمان الجريرة.

الثالثة: ولاء الإمامة. و جميعها متأخرة عن مراتب النسب. أما الزوجية فهي سبب للميراث مع جميع المراتب.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 237

الفصل الثاني في موانع الإرث

و هي ثلاثة.

الأول: الكفر، فلا يرث الكافر المسلم، و يرث المسلم الكافر. من دون فرق في الكافر بين أقسامه و لا في المسلم بين المؤمن و المخالف.

(مسألة 1): لا يحجب الكافر المسلم، بل يحجب المسلم الكافر و إن كان الميت كافرا، سواء كان الوارث المسلم مساويا للوارث الكافر في الطبقة أم أبعد منه، فإذا مات مسلم أو كافر و له ولد كافر و ولد مسلم كان الميراث للمسلم دون الكافر، و كذا إذا كان له ولد كافر و أخ أو ابن أخ مسلم، فإن الميراث يكون للمسلم دون الكافر.

(مسألة 2): يستثني مما تقدم ما إذا كان الميت كافرا و له أولاد صغار و ورثة مسلمون أبعد منه طبقة، فإن

علي المسلمين أن ينفقوا من تركته علي أولاده الصغار حتي يكبروا فإن أسلموا كان لهم ميراث أبيهم، و إن لم يسلموا أخذ ورثته المسلمون بقية ميراثه. و إن أسلم أولاده و هم صغار دفعت التركة للحاكم الشرعي و أنفق عليهم منها حتي يكبروا، فإن بقوا علي الإسلام دفع إليهم ميراث أبيهم، و إن لم يبقوا عليه دفع ما تبقي من تركته لورثته المسلمين.

(مسألة 3): إذا انحصر الوارث المسلم للكافر بالإمام لم يحجب ورثته الكفار. و يستثني من ذلك ما إذا ارتد المسلم عن فطرة و كان له ورثة كفار و انحصر وارثه المسلم بالإمام، فإن ميراثه بسبب الارتداد لما اكتسبه قبل ارتداده يكون للإمام لا لورثته الكفار، أما ميراثه بالموت لما اكتسبه بعد ارتداده فإنه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 238

يكون لورثته الكفار، دون الإمام. و كذا المرتد الملي فإن ميراثه بالموت لما ملكه حال إسلامه و بعد ارتداده يكون لورثته الكفار دون الإمام. و قد تقدم جملة من أحكام الارتداد في مبحث ما يحرم بالكفر من كتاب النكاح.

(مسألة 4): مع تعدد الوارث المسلم إذا أسلم الوارث الكافر قبل قسمة الميراث ورث، فإن كان هو أقرب ممن سبقه من المسلمين حاز الميراث كله دونهم، و إن كان في طبقتهم شاركهم في الميراث. و أما مع اتحاد الوارث المسلم فإن الميراث له، و إسلام الوارث الكافر لا يوجب ميراثه. نعم إذا لم يكن للميت وارث و كان ميراثه للإمام فإن الوارث الكافر إذا أسلم يحوز الميراث من الإمام ما دامت التركة موجودة و لم ينفقها الإمام، أما إذا أنفقها و خرجت عنه فلا شي ء للذي أسلم.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)،

3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 3، ص: 238

(مسألة 5): إذا انحصر الوارث بالزوج فحيث يكون الميراث كله- كما يأتي في ميراث الأزواج- فهو بحكم الوارث الواحد الذي سبق أن إسلام الوارث الكافر لا يمنعه من الميراث و لا يستحق الكافر معه بإسلامه شيئا. أما إذا انحصر الوارث بالزوجة فحيث إنها لا تستحق إلا الربع و الباقي للإمام يجري حكم تعدد الوارث، فإن أسلم الوارث الكافر قبل قسمتها مع الإمام ورث، و إن أسلم بعد قسمتها مع الإمام لم يرث.

(مسألة 6): يلحق بالقسمة سائر وجوه تصفية الميراث المشترك، كما إذا وهب بعض الورثة حصته المشاعة للباقين، أو صالح عليها بمال أو أوقفها أو غير ذلك.

(مسألة 7): إذا أسلم الكافر بعد قسمة بعض التركة دون بعضها فالظاهر جريان حكم عدم القسمة، فيرث من الكل حتي ما قسم.

(مسألة 8): إذا قسم بعض الورثة و أخذ حصته و بقي باقي التركة مشاعا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 239

بين الباقين فهو بحكم عدم القسمة، كما إذا ترك الميت ثلاثة إخوة فاتفقوا علي تعيين حصة أحدهم و بقي اثنان شريكين في باقي التركة فإن الوارث الكافر يختص بالميراث أو يشارك فيه بالإضافة إلي تمام التركة حتي الحصة التي اختص بها أحد الإخوة.

(مسألة 9): إذا تصرف الورثة بأجمعهم في عين التركة قبل القسمة تصرفا مخرجا عن الملك فإن كان بعوض جري علي العوض حكم التركة فإذا أسلم الوارث قبل قسمته ورث منه، و إذا أسلم بعد قسمته لم يرث. و إن كان التصرف من دون عوض- كالصدقة و الهبة- فالظاهر نفوذ التصرف منهم و عدم ضمانهم للعوض لو أسلم الوارث

الكافر. و كذا الحال في التصرف المتلف للعين كالأكل، فإنه لا ضمان معه. و يجري ذلك في تصرف بعضهم في حصته في المسألتين السابقتين، فإنه إن كان تصرفا بعوض جري علي العوض حكم الميراث في حق من يسلم، و إن كان تصرفا متلفا أو مخرجا عن الملك من غير عوض فلا ضمان علي المتصرف، و إنما يجري حكم الميراث في حق من أسلم علي الباقي من التركة لا غير.

(مسألة 10): إذا تصرف بعض الورثة في التركة تصرفا متلفا للعين أو ناقلا لها من دون رضا البقية، فإن كان الباقي واحدا كان التصرف المذكور بمنزلة القسمة، و إن كان الباقي متعددا لم تتم القسمة إلا أن يقسم الباقون حصصهم من التركة أو من عوضها.

(مسألة 11): المراد من المسلم و الكافر الوارث و الموروث ما يعم المسلم و الكافر تبعا كالطفل و المجنون المتصل جنونه بصغره اللذين يكفي في الحكم بإسلامهما انعقاد نطفتهما من أب مسلم، كما يكفي إسلام أبيهما أو من يكفلهما في الحكم بإسلامهما تبعا، كما تقدم في الثامن من المطهرات، من مباحث الطهارة من الخبث.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 240

الثاني من موانع الإرث: القتل، فلا يرث القاتل من المقتول إذا كان قتله بلا حق و إن كان خطا، أما إذا كان بحق فهو يرثه، كما لو كان قصاصا أو دفاعا أو لهدر دمه بمثل سبه للّه تعالي أو النبي صلّي اللّه عليه و آله أو غير ذلك.

(مسألة 12): لا فرق في القتل بين القتل بالمباشرة، كما لو رماه بطلقة فمات، و التسبيب، كما لو كتفه و ألقاه للأسد فافترسه.

(مسألة 13): لو أمر غيره بقتل رجل فامتثل أمره و قتله فعل حراما، إلا

أنه لا يكون قاتلا، و لا يمنع ذلك من ميراثه من المقتول.

(مسألة 14): إذا اشترك جماعة في قتل واحد حرموا كلهم من إرثه.

(مسألة 15): القاتل كما لا يرث من المقتول لا يحجب غيره عن ميراثه ممن هو أبعد منه و إن كان متقربا به، فإذا قتل الأب ولده فإن كانت له أم و أولاد كان ميراثه لهم، و إلا كان ميراثه للجد و الاخوان، ثم لمن بعدهم من طبقات الورثة. و إذا قتل الولد أباه و لم يكن له أولاد غيره كان ميراثه لولد الولد مع وجوده، ثم لمن بعدهم من طبقات الورثة، و لو لم يكن له وارث غير القاتل إلا الإمام كان الميراث للإمام.

الثالث من موانع الإرث: الرق، فلا يرث العبد و إن انحصر به الميراث.

و حيث كان الابتلاء بذلك نادرا أو منعدما في زماننا فلا نطيل بذكر فروعه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 241

الفصل الثالث في ميراث المرتبة الاولي

و هم الأب و الام و الأبناء كما تقدم.

(مسألة 16): للأب المنفرد تمام المال و كذا للأم المنفردة. و لو كان مع أحدهما زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع و الباقي لأحد الأبوين.

(مسألة 17): للولد المنفرد تمام المال، و كذا للبنت المنفردة. و لو كان مع أحدهما زوج أو زوجة كان للزوج الربع و للزوجة الثمن و الباقي للابن أو البنت. و لا ينتقل شي ء من الميراث للمراتب اللاحقة، لما سبق في الفصل الأول من أن المرتبة اللاحقة لا ترث مع إرث السابقة و إن بقي منها واحد.

(مسألة 18): إذا انفرد الأبوان بالميراث كان للأب الثلثان و للام الثلث، إلا أن يكون للميت إخوة، فيحجبون الام عما زاد عن السدس، و يكون الباقي للأب،

و ذلك بشروط.

الأول: أن يكونوا للأب أو للأبوين، فلا يحجب الإخوة للام وحدها.

الثاني: أن يكونوا أخوين فما زاد، أو ما هو بمنزلتهما، و هو الأخ و الأختان، أو أربع أخوات، فلا يحجب الأخ الواحد أو مع أخت واحدة، و لا ثلاث أخوات فما دون.

الثالث: أن يكونوا أحياء منفصلين بالولادة، لا حملا.

الرابع: أن لا يكونوا مماليك و لا كفرة، و في اشتراط أن لا يكونوا قاتلين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 242

للميت إشكال. و الأظهر عدم الاشتراط، بل يحجب القاتل. فإذا تمت هذه الشروط حجب الإخوة الأم عما زاد عن السدس هنا و في جميع صور وجود الأب. أما مع فقد الأب فلا يحجبونها.

(مسألة 19): إذا كان الوارث الأبوان مع زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و للام الثلث أو السدس- علي التفصيل المتقدم في المسألة السابقة- و الباقي للأب.

(مسألة 20): إذا تعدد الأبناء الذكور و اختص الميراث بهم كان المال بينهم بالسوية، و كذا إذا تعددت البنات و اختص الميراث بهن. و إذا كان معهم زوج أو زوجة كان للزوج الربع و للزوجة الثمن، و كان الباقي بين الأبناء أو البنات بالسوية.

(مسألة 21): إذا اجتمع الأبناء الذكور و الإناث و انحصر الميراث بهم كان المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. و إذا كان معهم زوج أو زوجة، كان للزوج الربع و للزوجة الثمن، و الباقي بين الأبناء و البنات للذكر مثل حظ الأنثيين.

(مسألة 22): إذا ترك الميت أحد الأبوين مع ابن واحد أو أبناء متعددين كان لأحد الأبوين السدس، و الباقي للابن أو الأبناء يقسم بينهم بالسوية.

و لو كان هناك أيضا زوج أو زوجة كان للزوج الربع و للزوجة الثمن و

لأحد الأبوين السدس و الباقي للابن أو الأبناء يقسم بينهم بالسوية.

(مسألة 23): إذا ترك الميت أبوين مع ابن واحد أو أبناء متعددين كان لكل واحد من الأبوين السدس، و الباقي للابن أو الأبناء يقسم بينهم بالسوية.

و لو كان هناك أيضا زوج أو زوجة كان للزوج الربع و للزوجة الثمن، و لكل واحد من الأبوين السدس، و الباقي للابن أو الأبناء يقسم بينهم بالسوية.

(مسألة 24): إذا ترك الميت أحد الأبوين مع بنت واحدة كان لأحد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 243

الأبوين الربع و للبنت الباقي. و لو كان معهما زوج أو زوجة كان للزوج الربع، و للزوجة الثمن، و الباقي بين أحد الأبوين و البنت، لأحد الأبوين ربعه و للبنت ثلاثة أرباعه.

(مسألة 25): إذا ترك الميت أبوين مع بنت واحدة كان لكل واحد من الأبوين خمس، و للبنت ثلاثة أخماس. و لو كان معهم زوج كان له الربع، و لكل واحد من الأبوين السدس، و الباقي للبنت. أما لو كان معهم زوجة فإنه يكون لها الثمن، و الباقي يقسم أخماسا، لكل واحد من الأبوين خمسه، و للبنت ثلاثة أخماسه.

(مسألة 26): إذا ترك الميت أحد الأبوين مع بنتين أو أكثر كان لأحد الأبوين الخمس، و الباقي للبنات تقسم بينهن بالسوية. فإن كان معهم زوج كان له الربع، و لأحد الأبوين السدس، و الباقي للبنات يقسم بينهن بالسوية، أما لو كان معهم زوجة فلها الثمن، و الباقي بين أحد الأبوين و البنات، لأحد الأبوين خمسه و للبنات أربعة أخماسه، تقسم بينهن بالسوية أيضا.

(مسألة 27): إذا ترك الميت أبوين مع بنتين أو أكثر كان لكل واحد من الأبوين السدس، و الباقي للبنات يقسم بينهن بالسوية. فإن كان معهم

زوج أو زوجة كان للزوج الربع و للزوجة الثمن و لكل واحد من الأبوين السدس و الباقي للبنات يقسم بينهن بالسوية أيضا.

(مسألة 28): إذا ترك الميت أحد الأبوين أو كليهما مع ابن واحد أو أكثر أو بنت واحدة أو أكثر كان لكل واحد من الأبوين السدس، و الباقي للأبناء للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن كان معهم زوج أو زوجة كان للزوج الربع و للزوجة الثمن و لكل واحد من الأبوين السدس و الباقي للأبناء للذكر مثل حظ الأنثيين أيضا.

(مسألة 29): أولاد الأولاد يقومون مقام الأولاد عند عدمهم، و يحجبون

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 244

المرتبة الثانية- و هي الأجداد و الإخوان- و يأخذ كل فريق منهم نصيب من يتقرب به، فأولاد الابن يأخذون نصيب أبيهم، و أولاد البنت يأخذون نصيب أمهم، و ذلك بأن يفرض من يتقربون به موجودا، فما يستحقه من الميراث يستحقه المتقربون به، فإذا كان للميت أولاد كثيرون قد توفوا في حياته و لم يعقب عقبا باقيا إلا بعضهم فرض ذلك البعض موجودا وحده حين وفاته فما يستحقه من الميراث يستحقه عقبه، دون غيرهم من ورثته، كالزوج و الزوجة.

(مسألة 30): لا يتوقف ميراث أولاد الأولاد علي فقد الأبوين، بل يرثون معهما و يحجبونهما عما زاد علي السدس، كما أنهم يحجبون الزوجين عن نصيبهما الأعلي و هو النصف و الربع، و ينزلونهما إلي النصيب الأدني و هو الربع و الثمن.

(مسألة 31): إنما يرث أولاد الأولاد إذا لم يكن للميت ولد للصلب، و إلا حجبهم و كان الميراث له دونهم و إن كان واحدا و أنثي، لأنه أقرب منهم للميت من حيثية البنوة.

(مسألة 32): أولاد أولاد الأولاد مهما نزلوا يقومون مقام آبائهم، طبقة

بعد طبقة، فترث الطبقة اللاحقة عند فقد الطبقة السابقة، و لا ترث مع وجودها و إن كان الموجود واحدا و أنثي- لأنها أقرب منها للميت.

(مسألة 33): يقتسم أولاد كل ولد مع تعددهم نصيب أبيهم أو أمهم بينهم، فإن اتحدوا جنسا كان بينهم بالسوية، و إن اختلفوا كان بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

(مسألة 34): يختص الولد الذكر الأكبر بالحبوة، و هي مصحف أبيه الميت و خاتمه و سيفه و ثيابه. و يستحب لبقية الورثة أن يعطوه بقية أقسام السلاح الذي للميت و كتب العلم التي اتخذها للانتفاع و الراحلة- و هي البعير

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 245

الذي كان الميت يتخذه لسفره- و الرحل، و هو ما يجعل علي ظهر البعير حين الركوب، بل الأحوط استحبابا العموم لكل ما يختص الميت به من الأثاث، خصوصا ما يختص به في سفره.

(مسألة 35): لا يشترط في استحقاق الولد الأكبر للحبوة أن يكون بالغا و لا رشيدا، فيستحقها الصبي، بل الحمل، السفيه، بل المجنون.

(مسألة 36): لا يشترط في استحقاق الحبوة أن يترك الميت غيرها مما يكون لبقية الورثة، فلو انحصرت التركة بها كانت للولد الأكبر و لم يستحق غيره شيئا.

(مسألة 37): لا يبتني استحقاقه للحبوة علي تعويضه للورثة ما يقابلها من التركة، بل يستحقها بتمامها من أصل التركة، زائدا علي حصته من غيرها.

نعم هي متأخرة عن الدين المستوعب للتركة، فإذا أرادها كان عليه أن يؤدي ما يقابلها من الدين. و لو كان الدين مستوعبا لبقية التركة و لبعض الحبوة كان مقدما عليها و كان علي المحبو أن يفي ما يقابل ذلك البعض من الدين، فإذا كان مجموع التركة ثلاثين، و ما يقابل الحبوة منها عشرة، و كان الدين

خمسة و عشرين لحق الحبوة خمسة من الدين، فإذا وفاها استقل بالحبوة. أما إذا كان الدين ينقص عن مقدار الحبوة من التركة فلا يلحق الحبوة منه شي ء و وجب وفاؤه من غيرها. نعم إذا امتنع الورثة من الوفاء لم يستقل بالحبوة إلا بعد وفائه.

فإن وفاه فالظاهر عدم جواز رجوعه علي الورثة، و إن أرجع للحاكم الشرعي كان له ترخيصه في الوفاء بنية الرجوع عليهم فله الرجوع حينئذ، و يجري هذا في واجبات التجهيز التي تخرج من أصل التركة، فإنها تخرج مما عدا الحبوة مع وفائه بها، و لا تخرج من الحبوة إلا مع عدم وفاء ما عدا الحبوة بها.

(مسألة 38): في جواز الوصية بأعيان الحبوة لغير الولد الأكبر إشكال،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 246

فاللازم الاحتياط بعدم الوصية بها لغيره، أو بإمضاء الولد الأكبر للوصية المذكورة، أو بالتصالح بين الولد الأكبر و الموصي له بها. و يجري ذلك في الوصية بثلث جميع التركة بنحو يشملها، فيجري الاحتياط المذكور بالإضافة إلي ثلث الحبوة.

(مسألة 39): إذا كانت أعيان الحبوة مرهونة علي دين في ذمة الميت وجب علي الورثة وفاء الدين من غير الحبوة مع سعته لوفائه كسائر الديون.

لكن ذلك لا يوجب حقا للمحبو عليهم بحيث له إلزامهم به أو يكون له الوفاء عنهم و الرجوع عليهم. أما إذا كان الدين في ذمة غير الميت فيقوم المحبو مقام الميت حسب اتفاقه مع المدين الذي سلطه علي رهن الأعيان المذكورة.

(مسألة 40): الظاهر دخول القلنسوة و الجورب و النعل في الحبوة، لتبعيتها للثياب. و كذا غمد السيف لتبعيته للسيف.

(مسألة 41): المراد بالثياب هي التي كان الميت يلبسها معدا لها للبس، دون ما أعده للبس و لم يلبسه أو لبسه

صدفة من دون إعداد للبس، أو لبسه ثم أعرض عنه و تركه، فضلا عما اتخذه للادخار أو التجارة، و كذا الحال في الخاتم.

(مسألة 42): المراد بالمصحف هو المصحف الذي كان الميت يقرأ فيه معدا له لذلك، علي نحو ما تقدم في الثياب. و المراد بالسيف هو الذي اتخذه لنفسه ليقاتل به.

(مسألة 43): إذا تعدد المصحف أو الخاتم أو السيف كان الجميع حبوة.

(مسألة 44): المراد بالولد الأكبر هو الأسبق ولادة لا علوقا.

(مسألة 45): إذا تعدد الولد الأكبر للميت بأن ولد له أكثر من واحد في وقت واحد. فالظاهر اشتراكهم في الحبوة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 247

(مسألة 46): تختص الحبوة بولد الصلب، و لا يستحقها الأكبر من أولاد الأولاد، و لا من أولاد الولد الأكبر.

(مسألة 47): قيل: يستحب لكل من الأبوين الوارثين لولدهما إطعام الجد و الجدة المتقرب به سدس الأصل إذا زاد نصيبه عن السدس.

الفصل الرابع في ميراث المرتبة الثانية

و هي الإخوة و الأجداد. و قد سبق أنها لا ترث مع المرتبة السابقة، و إنما ترث مع فقدها.

(مسألة 48): إذا ترك الميت أخا واحدا أو أختا، أو جدا أو جدة، كان له المال كله. سواء كان الأخ و الأخت للأب و الام، أم للأب وحده، أم للام وحدها، و سواء كان الجد أو الجدة للأب أم للام. فإن كان معه زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و الباقي للأخ أو الأخت أو الجد أو الجدة.

(مسألة 49): إذا ترك الميت إخوة فقط فالمال كله لهم، فإن كانوا كلهم للأبوين قسّم المال مع اتحاد الجنس بينهم بالسوية، و مع اختلافه للذكر مثل حظ الأنثيين. و كذا إن كانوا كلهم للأب فقط. أما إذا كانوا للام فقط فالمال

يقسم بينهم بالسوية حتي مع اختلافهم في الجنس. فإن كان مع الإخوة زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و الباقي يكون للإخوة علي النحو المتقدم.

(مسألة 50): لا يرث الإخوة و الأخوات للأب فقط مع الإخوة و الأخوات للأبوين، و إنما يرثون مع فقدهم. أما الإخوة للام فقط فإنهم يرثون مع الإخوة للأبوين و مع الإخوة للأب فقط.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 248

(مسألة 51): إذا ترك الميت إخوة بعضهم من الأبوين أو الأب فقط و بعضهم من الأم، فإن كان الذي من الام واحدا- ذكرا أو أنثي- كان له السدس، و إن كان متعددا كان له الثلث يقسم بينهم بالسوية. و الباقي للذي من الأبوين أو الأب فقط، فإن كان واحدا انفرد به، و إن كان متعددا متحد الجنس قسّم بينهم بالسوية، و إن كان متعددا مختلف الجنس قسّم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن كان مع الإخوة في مفروض هذه المسألة زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و للإخوة من الام نصيبهم المتقدم- و هو السدس مع الاتحاد و الثلث مع التعدد- و الباقي للإخوة من الأبوين أو الأب.

(مسألة 52): حيث سبق أن الأجداد في مرتبة الإخوة فلا يفرق في ذلك بين الجد القريب و الجد البعيد، كأب الجد و جده و أم الجد أو الجدة و جدهما.

نعم يحجب الجدّ القريب الجد البعيد، فلا يرث البعيد مع وجود من هو أقرب منه، سواء كان الأقرب سببا لاتصال الأبعد بالميت، كأب الأب مع جد الأب، أم لم يكن كأب الأم مع جد الأب.

(مسألة 53): إذا ترك الميت جدا و جدة للأب و انحصر ميراثه بهما كان المال بينهما

للجد الثلثان و للجدة الثلث، فإن كان معهما زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و الباقي بين الجدين للجد ثلثاه و للجدة ثلثه.

(مسألة 54): إذا ترك الميت جدا و جدة للام و انحصر ميراثه بهما كان المال بينهما بالسوية. و إذا كان معهما زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع و الباقي للجدين بالسوية.

(مسألة 55): قد يترك الميت أجدادا بعضهم للام و بعضهم للأب أو الأبوين، و ذلك لا يكون في الجد إلا إذا كان بعيدا كجد الأب و الام. و حينئذ إذا انحصر الميراث بهم كان للذي من قبل الام الثلث فإن كان واحدا انفرد به، و إن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 249

كان متعددا اقتسموه بالسوية. و الباقي للذي هو من قبل الأب أو الأبوين، فإن كان واحدا انفرد به، و إن كان متعددا فإن اتحدوا في الجنس كان بينهم بالسوية و إن اختلفوا اقتسموه بالتفاضل للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن كان معهم زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع. و لمن هو من قبل الام من الأجداد الثلث علي النحو المتقدم. و الباقي لمن هو من قبل الأب من الأجداد علي النحو المتقدم أيضا.

(مسألة 56): إذا اجتمع الجد أو الجدة- واحدا أو متعددا- مع الأخ أو الأخت- واحدا أو متعددا- فالمشهور أن الجد كواحد من الإخوة، فإن كان الجد للام قاسم الإخوة من الام نصيبهم المتقدم بالتساوي، و إن كان الجد للأب قاسم الإخوة من الأب نصيبهم المتقدم بالتساوي مع اتحاد الجنس، و بالتفاضل- للذكر مثل حظ الأنثيين- مع اختلاف الجنس، كالجدة مع الإخوة، و الجد مع الأخوات. و إن اجتمع الجد أو الجدة

للأب مع الإخوة للام وحدهم كان كما لو اجتمع الأخ أو الأخت للأب مع الإخوة للام، و إن اجتمع الجد أو الجدة للأم مع الإخوة للأب وحدهم كان كما لو اجتمع الأخ للأم مع الإخوة للأب.

و لكن الذي يظهر من النصوص أن الجد مطلقا- للأب كان أو للأم- مع الإخوة كواحد من الإخوة للأب، و الجدة كواحدة من الأخوات للأب. و لا يكونان كواحد من الإخوة للام. و عليه إن انحصر الميراث بالجد- حتي لو كان للام- و الإخوة للأب كان كواحد منهم يقسم الميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، و إن كان معهم أخ أو إخوة للأم كان للأخ أو الإخوة للام نصيبهم المتقدم- من السدس أو الثلث- و الباقي للجد و الإخوة من الأب، و إن كان معهم زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و الباقي للجد و الإخوة من الأب. و إن انحصر الميراث بالجد- حتي لو كان للام- و الأخ أو الإخوة للام كان للأخ أو الإخوة للام نصيبهم المتقدم، و الباقي للجد، و إن كان معهم زوج أو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 250

زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و للأخ أو الإخوة للام نصيبهم المتقدم و الباقي للجد.

و يتعين العمل علي ذلك، و إن كان الاحتياط بالصلح حسنا جدا.

(مسألة 57): يقوم أولاد الإخوة مقام الإخوة مقام الإخوة عند فقد الإخوة بأجمعهم فيشاركون الجد مع وجوده، و يستقلون بالميراث مع فقده. و يحجبون المرتبة الثالثة، و هي الأعمام و الأخوال. أما مع وجود بعض الإخوة فلا يرث أولاد الإخوة و إن كانوا ولدا لغير الموجود. من دون فرق بين أقسام الإخوة من كونهم للأبوين أو

لأحدهما. فإذا وجد الأخ أو الأخت للأب فقط أو للأم فقط لم يرث أولاد الإخوة للأبوين مع فقد آبائهم.

و هكذا الحال في أولاد أولاد الإخوة مهما نزلوا فإنهم يرثون- و يشاركون الجد- مع فقد من هو أعلي منهم طبقة و لا يرثون مع وجود بعض من هو أقرب منهم طبقة.

(مسألة 58): يرث أولاد الإخوة و الأخوات نصيب من يتقربون به بأن يفرض آباؤهم ورثة للميت، فما يرثه كل منهم يرثه ولده، فإذا كان للميت مثلا خمسة إخوة قد أعقب منهم عقبا باقيا اثنان أخت لأبيه و أخ لامه، يفرض الأخوان المذكوران هما الوارثان للميت، و حيث كان ميراث الأخ للأم السدس و للأخت من الأب الباقي، يكون ميراث عقب الأخ للأم السدس و إن كثروا، و الباقي لعقب الأخت للأب و إن كان واحدا ذكرا أو أنثي.

(مسألة 59): إذا كان عقب الأخ أو الأخت واحدا انفرد بحصة من يتقرب به. و إن كان متعددا اقتسموه بالسوية إن كان من يتقربون به أخا أو أختا للميت من طرف امه فقط. و كذا إذا كان من يتقربون به أخا أو أختا للميت من طرف أبيه، إذا كان العقب متحدين في الجنس، و إذا كانوا مختلفين في الجنس

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 251

فالمشهور أنهم يقتسمونه بالتفاضل للذكر مثل حظ الأنثيين، و لا يخلو من إشكال، فالأحوط وجوبا التصالح بينهم.

الفصل الخامس في ميراث المرتبة الثالثة

و هي الأعمام و الأخوال، و قد تقدم أنها لا ترث مع وجود المرتبة الثانية.

(مسألة 60): إذا ترك الميت عما واحدا أو عمة واحدة أو خالا واحدا أو خالة واحدة كان له الميراث كله. فإن كان معه زوج أو زوجة كان للزوج النصف و للزوجة الربع، و

الباقي للعم أو العمة أو الخال أو الخالة.

(مسألة 61): إذا تعدد الأعمام و انحصر الميراث بهم في طبقتهم كان لهم المال كله، إلا أن يكون معهم زوج أو زوجة فيستثني نصيبهما المتقدم، و يبقي الباقي للأعمام. و حينئذ إن اتحدوا في الجنس- بأن كانوا كلهم ذكورا أو إناثا كان المال بينهم بالسوية، و إن اختلفوا في الجنس كان المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن ترك عما و عمة مثلا كان للعم الثلثان و للعمة الثلث. و لا فرق في ذلك بين أن يكون الأعمام جميعا إخوة لأب الميت من أبويه أو من أبيه فقط أو من امه فقط، و أن يكونوا مختلفين.

نعم لا يرث المتقرب بالأب فقط مع وجود المتقرب بالأبوين و إنما يرث مع فقده فيقوم مقامه، أما المتقرب بالأم فقط فإنه يرث مع كل منهما، نظير ما تقدم في الإخوة. و لا يفرق في ذلك بين صورة انحصار الميراث بالأعمام- كما هو المفروض في هذه المسألة- و مشاركة الأخوال لهم.

(مسألة 62): إذا تعدد الأخوال و انحصر الميراث بهم في طبقتهم كان لهم المال كله، إلا أن يكون معهم زوج أو زوجة، فيستثني نصبيهما المتقدم، و يبقي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 252

الباقي للأخوال. و حينئذ يقتسمون المال بالسوية. و لا فرق في ذلك بين أن يكون الأخوال جميعا إخوة لام الميت من أبويها أو من أبيها فقط أو من أمها فقط، و أن يكونوا مختلفين.

نعم لا يرث المتقرب بالأب فقط مع وجود المتقرب بالأبوين، أما المتقرب بالأم فإنه يرث مع كل منهما، نظير ما تقدم في الأعمام.

(مسألة 63): إذا اجتمع العم أو الأعمام مع الخال أو الأخوال، كان للخال أو الأخوال

الثلث، يقسم بينهم علي النهج المتقدم، و للعم أو الأعمام الباقي يقسم بينهم علي النهج المتقدم. إلا أن يكون معهم زوج أو زوجة، فيكون للزوج النصف و للزوجة الربع، و للأخوال الثلث، و للأعمام الباقي، فيقع النقص علي الأعمام وحدهم.

(مسألة 64): أولاد الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات يقومون مقام الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات عند فقدهم جميعا، و لا يرثون مع وجود بعضهم، فلا يرث ولد العم مع وجود أبيه أو غيره من الأعمام. بل لا يرث ولد العم مع الخال. و كذا الحال في ولد الخال، فإنه لا يرث مع وجود أبيه أو غيره من الأخوال، و لا مع وجود العم.

(مسألة 65): يستثني مما تقدم ما إذا ترك الميت عمه أخا أبيه لأبيه فقط و ابن عمه أخي أبيه لأبيه و امه، فإن ابن العم يمنع العم حينئذ. و لو كان معهما خال أو خالة حجب ابن العم و كان الميراث للعم و الخال أو الخالة. و لو تعدد العم أو ابن العم أو كان معهما زوج أو زوجة ففي حجب العم و ميراث ابن العم إشكال، و الأحوط وجوبا التصالح.

(مسألة 66): يرث أولاد الأعمام و الأخوال ميراث من يتقربون به علي النحو المتقدم في ميراث أولاد الإخوة، و يقتسمونه بينهم لو تعددوا علي النحو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 253

المتقدم هناك. فراجع المسألتين الأخيرتين من الفصل السابق.

(مسألة 67): الأعمام و الأخوال طبقات مترتبة، فأعمام الميت و أخواله مقدمون علي أعمام أبويه و أخوالهما، و أعمام الأبوين و أخوالهما مقدمون علي أعمام الأجداد و أخوالهم و هكذا، و كل طبقة لا ترث إلا مع فقد جميع أفراد الطبقة السابقة

عليها. بل أولاد كل طبقة و إن نزلوا يقومون مقام آبائهم، و يقدمون علي الطبقة اللاحقة. و كل صنف منهم يرث نصيب من يتقرب به.

و يقتسمون النصيب بينهم مع تعددهم علي النهج المتقدم في ميراث أولاد الإخوة المتقدم في المسألة الأخيرة من الفصل السابق.

(مسألة 68): قد يجتمع لوارث جهتان، و ذلك علي صور.

الاولي: أن يكونا من نوع واحد، كالجدودة في مثل الجد للأب و للأم.

الثانية: أن يكونا من نوعين من طبقة واحدة، كالخؤولة و العمومة.

و مثاله ما إذا كان زيد أخا عمرو لأبيه، و هند أخت عمرو لامه، فتزوج زيد هندا فأولدها بكرا، فإن عمر يكون عم بكر و خاله، و مثل ذلك ما إذا كان الشخص عم أبي الميت و خال امه أو بالعكس.

الثالثة: أن تكون إحدي الجهتين نسبا و الأخري سببا، كالقرابة و الزوجية، كما لو كان الزوجان ابني عم. و في الصور الثلاث يتعين الميراث من كلتا الجهتين، إلا أن تكون إحداهما مانعة من الأخري، فيرث بالجهة المانعة دون الممنوعة، كما في أخ هو ابن عم، كما لو تزوج زيد هندا فأولدها عمرا، ثم تزوجها أخوه فأولدها بكرا، فإن بكرا أخو عمرو لامه و ابن عمه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 254

الفصل السادس في الميراث بالولاء

و قد تقدم أن الولاء متأخر عن مراتب النسب الثلاث، فلا يكون سببا للميراث مع وجود أحدها. كما تقدم أنه ثلاث مراتب أيضا، و لا ترث المتأخرة شيئا مع وجود المتقدمة.

الأولي: ولاء العتق، فإن من أعتق عبدا كان له ميراثه بشروط أعرضنا عن ذكرها كما أعرضنا عن فروع ذلك، لندرة الابتلاء بالعتق في عصورنا أو عدمه.

الثانية: ولاء ضمان الجريرة. و المراد بالجريرة دية قتل الخطأ الذي تتحمله عاقلة القاتل،

و هم ورثته علي تفصيل يأتي في كتاب الديات إن شاء اللّه تعالي، فإذا لم يكن للإنسان وارث نسبي، و لا معتق وارث فإن له أن يتولي شخصا علي أن يضمن جريرته، فإن فعل ذلك كان الضامن وارثا له.

(مسألة 69): لا بد في حصول الولاء من ضمان الجريرة، فيترتب عليه الميراث، من دون حاجة للتنصيص عليه. نعم لا يضر التنصيص عليه مع ضمان الجريرة. و لا يكفي في الولاء الالتزام بالإرث وحده من دون ذكر ضمان الجريرة، فإن اقتصر علي الالتزام بالإرث لم يترتب الميراث، فضلا عن ضمان الجريرة.

(مسألة 70): ضمان الجريرة من العقود. فهو عقد يتضمن الولاء من شخص لآخر علي أن يضمن جريرته، و لا بد فيه من الإيجاب و القبول كسائر العقود، فيقول الضامن مثلا: واليتك علي أن أعقل عنك و أضمن جريرتك،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 255

فيقول المضمون: قبلت، أو يقول المضمون عنه: واليتك علي أن تعقل عني و تضمن جريرتي، فيقول الضامن: قبلت.

(مسألة 71): يمكن فسخ عقد ضمان الجريرة بالتقايل من الطرفين. بل في لزومه في حق كل منهما بحيث ليس له فسخه من دون رضا الطرف الآخر إشكال، و اللازم الاحتياط.

(مسألة 72): يشترط في المضمون عنه أن لا يكون له من يعقل عنه من الأرحام أو المعتق. و في اشتراط عدم الوارث له و إن لم يكن عليه عقل كالنساء إشكال، و كذا الإشكال في بطلان عقد ضمان الجريرة لو حصل العاقل أو الوارث من الأرحام و تجدد بعد العقد.

(مسألة 73): ضمان الجريرة إنما يقتضي ميراث الضامن للمضمون، و لا يقتضي ميراث المضمون للضامن، إلا أن يكون الضمان من الطرفين.

(مسألة 74): إذا مات ضامن الجريرة لم ينتقل

الضمان لورثته.

(مسألة 75): ضامن الجريرة يرث جميع المال، إلا أن يكون معه زوج أو زوجة، فيكون للزوج النصف و للزوجة الربع، و لضامن الجريرة الباقي.

الثالثة: ولاء الإمامة. فإن الإمام وارث من لا وارث له من المراتب السابقة للنسب و الولاء.

(مسألة 76): إذا لم يكن للميت وارث إلا الزوجة كان لها الربع، و الباقي للإمام. أما إذا انحصر الميراث بالزوج فإنه له النصف بالأصل، و يرد عليه النصف الثاني أيضا، و لا يرثه الإمام.

(مسألة 77): إذا أوصي من لا وارث له بماله كله في المسلمين و المساكين و ابن السبيل نفذت وصيته و لم يكن للإمام شي ء. أما إذا أوصي بجميع ماله في غير ذلك فلا تنفذ وصيته إلا في الثلث، و كان الباقي للإمام.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 256

(مسألة 78): إذا كان الإمام ظاهرا كان الميراث له يعمل به ما يشاء. و قد روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه كان يفرقه في فقراء أهل بلد الميت. و أما في عصر الغيبة فيجري عليه حكم سهم الإمام عليه السّلام من الخمس يراجع فيه الحاكم الشرعي و عليه أن يتولي صرفه في مصارف السهم المذكور. و الأولي صرفه في المحتاجين من أهل بلد الميت.

(مسألة 79): المراد بمن لا وارث له من يعلم بعدم الوارث له من الأرحام المسلمين و المعتق و ضامن الجريرة، كالذي يسلم من الكفار وحده و يموت قبل أن يحصل له وارث مسلم من الطبقات السابقة أو ينفرد بنسبه حتي يبعد من يشاركه في النسب بحيث لا يصدق عليه أنه رحمه. و يلحق به اللقيط قبل أن يعرف أهله، دون من كان له وارث من المسلمين إلا أنه لا يعرف بسبب

انقطاعه عن أهله و بعده عنهم كالمسافر المنقطع و الحاضر المنحاز عن أهله لخوف أو نحوه، بحيث لا يعرف أهله، فإن مثل هذا لا يرثه الإمام، بل يرثه أهله و إن كانوا مجهولين، فيجري علي تركته حكم مجهول المالك من وجوب الفحص عن صاحبه. و مع اليأس عن العثور عليه يجوز أن يتصدق به علي الفقراء عن صاحبه، علي ما تقدم في ذيل كتاب اللقطة.

الفصل السابع في ميراث الأزواج

الزوجية من أسباب التوارث بين الزوجين إذا كانت دائمة، أما إذا كانت منقطعة فلا توجب التوارث إلا مع اشتراطه في عقد الزواج، و في صحة اشتراط الميراث لأحدهما دون الآخر إشكال.

(مسألة 80): لا يشترط في توارث الزوجين الدخول، فلو مات أحدهما

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 257

قبل الدخول ورثه الآخر، إلا في زواج المريض فإنه لا يصح من دون دخول، فلا يترتب عليه الميراث، كما تقدم في أواخر فصل العيوب و الشروط من كتاب النكاح.

(مسألة 81): يلحق بالزوجية العدة الرجعية، فإنها بحكم الزوجية يثبت التوارث مع موت أحد الزوجين فيها. كما تقدم في أواخر الفصل الرابع من كتاب الطلاق. كما يلحق بها المطلقة من قبل المريض إلي سنة بشروط تقدمت في آخر الفصل الثالث من كتاب الطلاق أيضا.

(مسألة 82): مما تقدم يظهر أن للزوج النصف من زوجته إذا لم يكن لها ولد ذكر و لا أنثي، و إن نزل كولد الولد، و الربع إذا كان لها ولد. و للزوجة الربع من زوجها إذا لم يكن له ولد، و الثمن إذا كان له ولد. و لا ينقصان عن ذلك و لا يزادان مع جميع طبقات الميراث. إلا الزوج مع عدم وجود وارث للزوجة غير الإمام، فإنه له تمام المال، و

ليس للإمام شي ء، كما تقدم في الفصل السابق.

(مسألة 83): مع تعدد الزوجات و ما الحق بهن يشتركن في سهم الزوجية المتقدم بالتساوي.

(مسألة 84): الزوج كسائر الورثة يرث نصيبه من جميع ما تتركه الزوجة من الأرض و غيرها من المنقول و غيره. أما الزوجة فإنما ترث نصيبها من المنقول- كالنقود و البضائع و السفن و الحيوانات و غيرها- دون الأرض المجردة أو العامرة بالبناء أو الزرع أو نحوهما، فإنها لا ترث من عينها و لا من قيمتها. نعم ترث مما ثبت فيها من البناء و الشجر و الأخشاب و الآلات و نحوها.

و للوارث دفع قيمة ذلك و يجب عليها القبول بها.

(مسألة 85): الثابت في الأرض إن كان تابعا لها أو للبناء عرفا لم تستحق الزوجة من عينه بل من قيمته كعريش العنب و الناعور و تجهيز الماء و الكهرباء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 258

و الأبواب و المغاسل و نحوها. و إن لم يكن تابعا لها و إنما ثبت فيها لتوقف أداء وظيفته علي ذلك، فالظاهر أنها تستحق سهمها من عينه كالمعامل المنصوبة في الأرض و المكائن الزراعية و نحوها، فليس للوارث إلزامها بقبول القيمة.

(مسألة 86): كيفية التقويم في البناء أن تقوّم أجزاؤه بذاتها لا بما أنها مبنية. و في مثل النخل و الشجر أن يقوّم بما هو نخل أو شجر أو نحوها غير مستحق للبقاء في الأرض.

(مسألة 87): ترث الزوجة من عين ثمرة النخل و الشجر و الزرع الموجودة حال موت الزوج، و ليس للوارث إجبارها علي القيمة.

(مسألة 88): إذا لم يدفع الوارث القيمة فإن كان عن تراض منه و منها و اتفاق بينهما فهما علي اتفاقهما. و إن لم يكن عن تراض منهما

كان لها سهمها من اجرة أجزاء البناء علي من استوفي منفعته. و لها سهمها من عين ثمرة الشجر و نحوه.

(مسألة 89): إذا انقلعت الشجرة أو انكسرت أو انهدم البناء قبل دفع القيمة للزوجة فالظاهر أن لها المطالبة بسهمها من العين و ليس للوارث إجبارها علي أخذ القيمة. بخلاف ما إذا كان البناء مستعدا للانهدام و الشجر مستعدا للقلع أو القطع، فإنه ليس لها المطالبة بسهمها من العين، بل للوارث إجبارها علي أخذ القيمة. نعم إذا خرج الشجر عن كونه شجرا بل صار حطبا فالظاهر أنه كالثمر تستحق سهمها من عينه و ليس للوارث إجبارها علي أخذ قيمته.

(مسألة 90): القنوات و العيون و الآبار ترث الزوجة من آلاتها، و للوارث إجبارها علي أخذ القيمة. أما الماء الموجود فيها فإنها ترث من عينه، و ليس للوارث إجبارها علي أخذ قيمته.

(مسألة 91): إذا حفر سردابا أو بئرا قبل أن يصل إلي حد النبع فإن كان

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 259

فيه بناء استحقت منه، و كان للوارث إجبارها علي أخذ القيمة، و إن لم يكن فيه بناء فلا تستحق منه شيئا- كالأرض- حتي لو كان له قيمة في نفسه أو كان سببا في زيادة قيمة الأرض التي حفر فيها. و مثل ذلك ما إذا شق في الأرض طريقا أو أنشأ فيها سدة ترابية أو نحو ذلك.

(مسألة 92): إذا لم يدفع الوارث القيمة للزوجة فإن كان ذلك عن رضا منه بمشاركتها في العين و إسقاط منه لحقه في التبديل بالقيمة نفذ ذلك عليها و عليه و ليس له الرجوع فيه، و إن لم يكن كذلك، بل كان عن عجز منه عن القيمة أو تسويف منه في دفعها فلا

يلزم بذلك، و له دفع القيمة متي شاء.

(مسألة 93): المدار في القيمة علي قيمة يوم الدفع. إلا أن يتصالح الوارث و الزوجة علي قيمة معينة قبل الدفع، فتلزم عملا بمقتضي الصلح.

(مسألة 94): الزوجة و إن كانت لا ترث من الأرض- كما سبق- إلا أنها ترث من الحقوق المتعلقة بالأرض كحق السرقفلية و حق الخيار الذي لا يشترط فيه المباشرة و ينتقل للوارث، فإذا باع الزوج الأرض أو اشتراها بخيار إلي أجل ثم مات ورثت الزوجة الحق المذكور و لم يختص به غيرها من الورثة، بل هي مثلهم في السلطنة علي إعمال الحق المذكور بالنحو الذي يأتي توضيحه في الخاتمة إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 95): ما يخرج من أصل التركة كالديون و الواجبات المالية يؤخذ من أرض و غيرها من أقسام التركة بالنسبة، فإذا كان مجموع التركة مثلا مائة و عشرين ألف دينار ثلثها أرض و ثلثاها غير أرض، و كانت الأمور المذكورة من الديون و غيرها بقدر أربعين ألف دينار، فثلثها يخرج من الأرض، و ثلثاها من الباقي لعدم المرجح، و عليه يكون ثمن الزوجة ثلثي العشرة آلاف دينار. و لا مجال لإخراجها بأجمعها من غير الأرض المستلزم لكون ثمن الزوجة خمسة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 260

آلاف دينار، لأن في ذلك إجحافا بالزوجة، و لا لإخراجها بأجمعها من الأرض المستلزم لكون ثمن الزوجة عشرة آلاف دينار تامة، لأن في ذلك إجحافا ببقية الورثة. و هذا أمر قد يغفل عنه.

الفصل الثامن في ميراث ولد الملاعنة و الزنا و الحمل و المفقود

(مسألة 96): تقدم في فصل اللعان من كتاب الطلاق أن ولد الملاعنة ترثه امه و من يتقرب بها- كالإخوة للام و الجد للام و الأخوال- دون الأب و من يتقرب به- كالإخوة للأب و

الجد للأب و الأعمام- و علي ذلك يكون إخوته لأبويه بحكم إخوته لأمه، فيشاركون إخوته لأمه في ميراثهم، و تكون قسمة الميراث بين الجميع بالسوية.

(مسألة 97): كما ترثه امه و من يتقرب بها يرثه بقية الورثة غير الأب و من يتقرب به كالزوجين و ضامن الجريرة و الإمام. و علي ذلك يفرض كما لو لم يكن له أب و لا من يتقرب به و تجري علي تركته قسمة المواريث في حق غيرهم وفق الضوابط المتقدمة فيمن لم يكن له أب و لا من يتقرب به، فلا نطيل بإعادتها.

(مسألة 98): لا يرث ولد الملاعنة أباه، و لا قرابة أبيه كإخوته من أبيه وجده لأبيه و أعمامه، و لا يرثه أبوه و لا أحد منهم.

(مسألة 99): إذا ادعي الأب بعد الملاعنة الولد و أكذب نفسه الحق الولد بالأب و ورث الأب دون قرابة الأب، فإنه لا يرثهم بذلك. أما الأب فلا يرث الولد إذا ادعاه.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 261

(مسألة 100): يرث ولد الملاعنة امه و إخوته من امه و إخوته من أبيه و امه، لكن يحكم عليه بأنه أخوهم من أمهم لا غير.

(مسألة 101): يرث ولد الملاعنة جده لأمه مطلقا، و كذا يرث أخواله إذا ادعاه أبوه بعد الملاعنة. و أما إذا لم يدعه أبوه ففي ميراثه من أخواله إشكال، فاللازم الاحتياط.

(مسألة 102): يرث ولد الملاعنة بقية الناس و يرثونه بأسباب الميراث الشرعية كالزوجية و الولاء.

(مسألة 103): إذا تبرّأ الأب من جريرة ابنه و من ميراثه فلا أثر للتبرؤ من الميراث، فإن مات الولد ورثه أقرب الناس إليه سواء كان الأب أم غيره.

(مسألة 104): ولد الزنا لا يرثه أبوه الزاني و لا من يتقرب

به و لا يرثهم هو، و لا ترثه أمه الزانية و لا من يتقرب بها و لا يرثهم هو، بل يثبت التوارث بينه و بين غيرهم من الورثة كأولاده و الزوج أو الزوجة، كما يورث و يرث بالولاء كولاء ضمان الجريرة و الإمامة علي النحو المتقدم في غيره. و قد تقدمت الإشارة إلي ذلك في أوائل أحكام الأولاد من كتاب النكاح.

(مسألة 105): إذا كان الزنا من أحد الأبوين مع الشبهة من الآخر ثبت التوارث بينه و بين صاحب الشبهة و من يتقرب به دون الزاني و من يتقرب به، كما تقدم هناك أيضا.

(مسألة 106): الحمل حين موت المورث يرث منه إذا سقط حيا بأن صاح أو تحرك حركة الحياة أو غير ذلك مما يعلم منه حياته. أما إذا سقط ميتا فإنه لا يرث و إن كان حيا قبل انفصاله عن امه و تمام ولادته.

(مسألة 107): تثبت حياة المولود بالبينة و هي رجلان عدلان. كما تثبت بشهادة أربع نساء. و لو شهدت امرأة واحدة ثبت بشهادتها ربع الميراث، فإن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 262

كانتا اثنتين ثبت نصف الميراث، فإن كنّ ثلاثا ثبت ثلاثة أرباع الميراث. نعم لو حصل العلم بقولها أو قولهن ثبت له تمام الميراث في حق من حصل له العلم.

(مسألة 108): إذا سقط حيا فورث سهمه ثم مات ورثه أقرب الناس إليه.

(مسألة 109): إذا علم باتحاد الحمل عزل له عند قسمة الميراث سهم واحد، و إن علم بتعدده عزل له بقدره، و لو شك في ذلك اقتصر علي الأقل. إلا أن يرضي الورثة بعزل الأكثر احتياطا. كما أنه إن علم بكونه ذكرا عزل له سهم الذكر، و إن علم بأنه أنثي عزل

له سهم الأنثي، و إن جهل حاله عزل له سهم الذكر احتياطا حتي يتبين الحال. فإن تبين حاله عمل عليه. و إن مات و لم يتبين حاله تعين الصلح بين وارثه و بقية الورثة.

(مسألة 110): المفقود لغيبة و نحوها إذا لم يعلم حياته و لا موته يتربص بماله أربع سنين مع الفحص عنه في الأرض، و عشر سنين من دون فحص و لو لتعذر الفحص، ثم يحكم بموته، فيدفع ماله لوارثه بعد مدة التربص. كما أنه إذا مات له مورث قبل مضي مدة التربص حكم بإرثه منه. أما إذا مات بعد مدة التربص فلا يحكم بإرثه منه. و قد تقدم في أواخر كتاب الدين ما ينفع في المقام، لأن المقامين من باب واحد.

هذا إذا لم يكن له من يكلف بالإنفاق عليه، أما مع وجوده- كما لو كان له أولاد محتاجين- فيجوز الإنفاق عليه من ماله قبل مدة التربص.

(مسألة 111): إذا تعارف اثنان بالنسب و تصادقا عليه توارثا، علي تفصيل تقدم في فصل أحكام الأولاد من كتاب النكاح.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 263

الفصل التاسع في ميراث الخنثي و ما يشبهه

المعيار في الذكورة و الأنوثة في الإنسان شرعا علي العضو الذكري و العضو الانثوي، فواجد العضو الذكري وحده ذكر، تترتب عليه أحكام الذكر شرعا، و واجد العضو الانثوي وحده أنثي تترتب عليه أحكام الأنثي شرعا، و لا عبرة بغير ذلك من لوازم الذكورة و الأنوثة الغالبية ظاهرة كانت- كاللحية في الذكر و كبر الثديين في الأنثي- أو خفية كالإحساسات الغريزية التي يدركها الشخص نفسه و كالهر مونات الذكرية و الانثوية التي يعرفها أهل الاختصاص في زماننا هذا، لإمكان الشذوذ الخلقي في اللوازم المذكورة.

و يترتب علي ذلك أمران.

الأول: أنه لا يتحول الذكر

أنثي و لا الأنثي ذكرا بعملية جراحية أو أدوية تستهدف الفوارق الجسدية بين الجنسين. نعم لو تبدل الحال خلقيا بمعجزة أو نحوها تحقق التحول عرفا، إلا أن ذلك لو وقع فهو شذوذ في التكوين لا يخضع لسيطرة الإنسان.

الثاني: أن الخنثي هو الإنسان الواجد للعضوين معا، و لا عبرة بغيرهما من الخواص مهما كانت. و حينئذ إن علم بأنه من أحد الجنسين، لعدم كون العضو الآخر حقيقيا، و إنما هو بصورة العضو عمل علي العلم المذكور. و إلا فلا طريق للعلم بأنه من أحد الجنسين، مع قطع النظر عن الأمارات الآتية، لأنه بعد كون معيار الجنس هو العضو دون بقية الخواص، و فرض وجود العضوين معا، كيف يتيسر العلم بأنه من أحد الجنسين!. و من ثم لا بد من النظر في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 264

العلامات الشرعية. و هو ما عقد له هذا الفصل.

(مسألة 112): الخنثي إن كان يبول من فرج الرجال دون فرج النساء الحق بالرجال و استحق ميراثهم، و إن كان يبول من فرج النساء دون فرج الرجال الحق بالنساء و استحق ميراثهن.

(مسألة 113): الخنثي إن كان يبول من الفرجين معا كان العمل علي ما يسبق منه البول. فإن كانا سواء في ذلك فالعمل علي ما ينبعث منه البول و يقوي اندفاعه.

(مسألة 114): إذا لم يعلم حال الخنثي من جهة البول، فإن تيسر عدّ أضلاعه من الجانبين، فإن اختلفت بأن كانت سبعة عشر تسعة في اليمين و ثمانية في اليسار فهو رجل، و إن تساوت بأن كانت ثمانية عشر في كل جانب تسعة فهو أنثي.

(مسألة 115): إذا لم يتيسر الرجوع للأمارات السابقة في تعيين حال الخنثي إما لتعارضها أو لعدم وضوحها، كما

لو مات قبل أن يبول أو لم يتضح عدد أضلاعه، صار الخنثي مشكلا الذي يأتي حكمه.

(مسألة 116): يعطي الخنثي المشكل نصف نصيب الذكر و نصف نصيب الأنثي. و ذلك بأن يفرض ذكرا و يقسم الميراث بينه و بين بقية الورثة علي الفرض المذكور، ثم يفرض أنثي و يقسم الميراث بينه و بين بقية الورثة علي الفرض المذكور. ثم يعطي هو و بقية الورثة نصف كل من السهمين الحاصل في الفرضين. مثلا إذا ترك الميت ولدا ذكرا و خنثي، يقسم الميراث اثني عشر سهما، فإذا فرض الخنثي ذكرا كان له ستة و للذكر ستة، و إذا فرض الخنثي أنثي كان له أربعة و للذكر ثمانية، فيعطي الخنثي نصف كل من السهمين، و هو خمسة و يعطي الذكر نصف كل من السهمين، و هو سبعة. و إذا ترك الميت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 265

ذكرين و خنثي يقسم الميراث ثلاثين سهما فإذا فرض الخنثي ذكرا كان له عشرة، و لكل من الذكرين عشرة، و إذا فرض الخنثي أنثي كان له ستة، و لكل من الذكرين اثني عشر، فيعطي الخنثي نصف كل من السهمين، و هو ثمانية، و يعطي كل من الذكرين نصف كل من السهمين و هو أحد عشر. و إذا ترك الميت أبا و ولدا خنثي يقسم الميراث أربعة و عشرين سهما، فإذا فرض الخنثي ذكرا كان له عشرون و للأب أربعة، و إذا فرض الخنثي أنثي كان له ثمانية عشر و للأب ستة، فيعطي الخنثي نصف كل من السهمين و هو تسعة عشر، و يعطي الأب نصف كل من السهمين و هو خمسة. و علي هذا تجري قسمة الميراث في جميع فروض المسألة.

(مسألة 117):

من ليس له عضو الذكر و لا عضو الأنثي يورث بالقرعة يكتب علي سهم (عبد اللّه) و علي سهم (أمة اللّه) ثم يدعو المقرع اللّه و يبتهل إليه في كشف الحال، ثم يطرح السهمان في سهام ليس عليها كتابة ثم تشوش السهام ثم يأخذ المقرع سهما فسهما حتي يقع علي أحد السهمين المكتوب عليهما فأيهما خرج أولا عمل عليه، و ورث المولود علي مقتضاه.

(مسألة 118): الأحوط وجوبا أن يكون الاقتراع برضا الورثة كلهم عند إرادة معرفة الحال من أجل قسمة المال، و لا يكتفي بتسرع شخص بالاقتراع من دون مراجعتهم. بل الأحوط وجوبا أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 119): يستحب أن يقول المقرع عند الدعاء: (اللهم أنت اللّه لا إله إلا أنت عالم الغيب و الشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون بيّن لنا أمر هذا المولود حتي كيف يورث ما فرضت له في الكتاب).

(مسألة 120): إذا لم يعلم حال المولود أنه ذكر أو أنثي لموانع خارجية، كما لو غرق أو أكله السبع أو نحو ذلك، ففي الرجوع للقرعة- كما في الفاقد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 266

للعضوين- أو للتنصيف- كما في الخنثي المشكل- وجهان فلا يترك الاحتياط بالتصالح.

(مسألة 121): من له رأسان علي صدر واحد أو بدنان علي حقو واحد يترك حتي ينام ثم ينبه، فإن انتبها جميعا كان له ميراث واحد، و إن انتبه أحدهما دون الآخر كان له ميراث اثنين. و الظاهر التعدي من الميراث إلي سائر أحكام الواحد و المتعدد.

الفصل العاشر في ميراث الغرقي و المهدوم عليهم

الغرقي و المهدوم عليهم إن علم بالمتقدم منهم موتا و المتأخر ورث المتأخر من المتقدم و لم يرث المتقدم من المتأخر، و إن علم بتقارنهم في الموت

لم يرث بعضهم من بعض، و إن جهل المتقدم و المتأخر ورث بعضهم بعضا.

(مسألة 122): كيفية التوارث بينهم أن يفرض كل طرف حيا حين موت الآخر، فيرث من مال الآخر الأصلي الذي كان له في حياته، ثم يعكس الفرض، فيفرض الآخر حيا حين موت صاحبه، فيرث من ماله الذي كان له في حياته دون المال الذي ورثه من الأول. مثلا: إذا غرق الزوجان و كان للزوج أربعمائة دينار و للزوجة أربعة آلاف درهم، و لم يكن لهما أولاد، فرض الزوج حيا حين موت زوجته فيرث منها ألفا درهم، ثم فرضت الزوجة حية حين موت زوجها فترث منه مائة دينار، فيدفع لورثة الزوج الآخرين ثلاثمائة دينار بقية تركته الأصلية و ألفا دينار التي ورثها من زوجته، و يدفع لورثة الزوجة ألفا درهم بقية تركتها الأصلية و مائة دينار التي ورثتها من زوجها. و يجري هذا لو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 267

كان الغرقي أو المهدوم عليهم الذين يرث بعضهم من بعض أكثر من اثنين، كأب و أم و ولدهما. فيفرض الام و الولد حيين حين موت الأب فيرثان من ماله الأصلي، و يفرض الأب و الولد حيين حين موت الام فيرثان من مالها الأصلي، و يفرض الأب و الام حيين حين موت الولد فيرثان من ماله الأصلي، ثم يدفع لوارث كل منهم غير الغريق بقية مال مورثه الأصلي و ما ورثه من الغريقين الآخرين.

(مسألة 123): كما يفرض كل طرف حيا حين موت الآخر من أجل ميراثه منه، كذلك يفرض حيا من أجل ميراث الحي غير الغريق من المال الأصلي للغريق لو كان لحياته أثر في ذلك. مثلا: إذا غرقت الزوجة مع ابنتها من غير الزوج

و لم يكن لها ذرية غيرها و بقي الزوج، فالزوج يرث من المال الأصلي للزوجة الربع لا النصف، للحكم ببقاء بنتها حين موتها، و الثلاثة الأرباع الباقية من مال الزوجة للبنت الغريقة مع أمها تدفع لورثة البنت. كما أنه لو كان للبنت في الفرض مال أصلي فلا يكون بتمامه لأبيها، بل له منه الثلثان، للحكم بحياة أمها حين موتها فترث من المال المذكور الثلث، و يكون لورثة الام، و منهم الزوج.

(مسألة 124): كما يفرض كل طرف حيا من أجل ميراثه من الآخر و من أجل ميراث الحي منه- كما تقدم- كذلك يفرض حيا من أجل منع ميراث غريق آخر منه لو كان حاجبا له. مثلا: لو غرق أب و ولداه، فلا توارث بين الولدين الأخوين، للحكم بحياة الأب عند موت كل منهما فيكون حاجبا للآخر، لأن الأب يحجب الأخ، فيحكم في الفرض مع تأخر الورثة الأحياء لكل منهم عن صاحبيه طبقة بانتقال المال الأصلي لكل من الولدين للأب، و بانتقال المال الأصلي للأب لهما معا. مثلا: إذا كان للأب غنم، و للولد الكبير ألف دينار و للصغير ألف درهم حكم بميراث الأب من الولدين الدراهم

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 268

و الدنانير، و بميراثهما من أبيهما الغنم بالتناصف. و الظاهر عدم ميراث كل منهما من الأب ما ورثه الأب من الآخر. فلا يرث الكبير من أبيه الدراهم التي ورثها من الصغير، و لا يرث الصغير من أبيه الدنانير التي ورثها من الكبير، بل يقتصر ميراثهما علي الغنم يدفع لورثة كل منهما حصته منه و يختص الوارث الحي للأب بالدراهم و الدنانير.

(مسألة 125): لا يشترط في ميراث بعضهم من بعض التوارث من الجانبين، بل لو

كان أحد الطرفين يرث من الآخر دون العكس ثبت الميراث كذلك، فلو غرق إخوان لأحدهما أولاد دون الآخر ورث صاحب الأولاد أخاه و لم يرثه أخوه، بل يكون ميراثه لأولاده، فيصير لهم ماله الذي كان عنده في حياته و ما ورثه من أخيه الغريق معه.

(مسألة 126): لا يشترط في ميراث بعضهم من بعض أن يكون لكل من الطرفين مال، فلو كان لأحد الطرفين مال دون الأخر ورث من ليس له مال من صاحبه و لم يرث صاحبه منه، فيكون المال لوارث من ليس له مال، و لا يبقي لوارث من له مال شي ء إذا كان الغريق حاجبا له. مثلا: إذا غرق أخوان لام و لكل منهما عم ليس له وارث غيره بعد الأخ و كان لأحدهما مال دون الآخر فالمال يصير لعم من ليس له مال، و لا يبقي لعم من له مال شي ء.

(مسألة 127): إذا مات المتوارثون بغير الغرق و الهدم، فهنا صور.

الاولي: أن يعلم بالمتقدم و المتأخر، و لا إشكال في ميراث المتأخر من المتقدم دون العكس.

الثانية: أن يعلم بالتقارن، و لا إشكال- حينئذ- في عدم التوارث، نظير ما تقدم في الغرقي و المهدوم عليهم.

الثالثة: أن يتردد الأمر بين التقارن و عدمه. و حينئذ إن علم تاريخ موت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 269

بعضهم و جهل تاريخ موت الآخر حكم بميراث مجهول تاريخ الموت من معلوم تاريخ الموت دون العكس، فإذا مات الأب و الابن و علم بأن الأب مات عند الزوال و لم يعلم بتاريخ موت الابن حكم بميراث الابن من الأب و عدم ميراث الأب من الابن. و إن جهل تاريخ موت كل منهما حكم بعدم التوارث منها، فكل منهما

لا يرث الآخر.

الرابعة: أن يعلم بعدم التقارن مع الجهل بالمتقدم و المتأخر، فإن علم بتاريخ موت أحدهم و جهل تاريخ موت الآخر حكم بميراث مجهول تاريخ الموت من معلوم تاريخ الموت، نظير ما سبق في الصورة الثالثة. و إن جهل تاريخ الموت في الكل فقيل بالرجوع للقرعة في تعيين الوارث. و لكن الظاهر عدم الرجوع إليها، بل يحكم بعدم التوارث. و إن كان الأحوط استحبابا الصلح و لو بالرجوع للقرعة.

هذا كله في فرض التوارث من الجانبين، أما إذا كان الميراث من جانب واحد- كما إذا مات أخوان لأحدهما أولاد دون الآخر- فمع العلم بالتقارن لا ميراث كما تقدم. و مع عدم العلم به أو العلم بعدمه فإن علم تاريخ موت المورث و جهل تاريخ موت الآخر حكم بالميراث. و إن جهل التاريخان فلا ميراث، و إن كان الأحوط استحبابا التصالح.

ثم أنه لا يفرق في هذه المسألة بتفاصيلها بين موتهم جميعا حتف الأنف، و موتهم جميعا بسبب غير الغرق و الهدم- كالقتل في الحرب و افتراس السباع- و اختلافهم بأن مات بعضهم حتف أنفه و بعضهم بسبب غير الغرق و الهدم، أو بسبب الغرق أو الهدم، بل و كذا لو مات بعضهم بالغرق و بعضهم بالهدم. فالمعيار في هذه المسألة علي عدم موتهم جميعا بالغرق و عدم موتهم جميعا بالهدم.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 270

خاتمة

فيها مسائل:

الأولي: سهام المواريث المتقدمة إنما تجري فيما يقبل القسمة عرفا و لو بنحو الإشاعة و هي الأموال عينا كانت أو دينا أو منفعة، و كذا الحقوق المقابلة بالمال، كحق السرقفلية الذي تقدم الكلام فيه في آخر كتاب الإجارة، فلو بيع قسم الثمن بين الورثة قسمة سهام المواريث. أما

الحقوق غير المقابلة بالمال كحق القصاص و الخيار- فهي لا تقبل القسمة، حتي بنحو الإشاعة، و لا تجري السهام فيها، بل يشترك فيها الورثة بنحو المجموعية، فالحق الواحد يكون ملكا لجميع الورثة و يكون تحت سلطنة الكل بنحو المجموعية فليس لكل منهم إعماله أو إسقاطه إلا برضا الآخرين. أما لو صالحوا عنه بمال قابل للقسمة ففي جريان سهام المواريث فيه إشكال، بل الظاهر قسمته بين الكل بالتساوي، إلا مع قيام القرينة علي ابتناء الصلح من الكل علي قسمته قسمة المواريث، فيكون العمل علي ذلك.

الثانية: سهام المواريث المتقدمة إنما تجري بعد خروج الديون و الواجبات المالية و واجبات التجهيز و الوصية، فالمراد بالثلث أو السدس مثلا في المواريث هو الثلث أو السدس من الباقي بعد إخراج الأمور المذكورة، لا من أصل التركة. و لعل هذا من الواضحات.

الثالثة: يلحق بمال الميت الذي يجري عليه الميراث و تنفذ منه الوصايا و الديون دية قتله، سواء كانت مستحقة ابتداء و هي دية الخطأ أم كانت بدلا عن القصاص في القتل العمدي إذا رضي أولياء الميت. و أما دية الجروح و الأعضاء فما كان منها بسبب العدوان عليه في حياته فهو قد ملكه قبل موته و صار من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 271

أمواله الحقيقية التي تركها. و ما كان منها بسبب العدوان عليه بعد وفاته ينفق في وجوه البر عنه، و لا يلحق بأمواله و لا يجري عليه الميراث. نعم يوفي منه ديونه لو انحصر وفاؤه به، لأنه من أفضل وجوه البر.

الرابعة: يرث الدية كل من يرث المال عدا الإخوة للام فقط، فإنهم لا يرثون منها. و ألحق بهم المشهور كل من يتقرب بالأم فقط كالأخوال و أبنائهم،

و لا يخلو عن إشكال. بل الأظهر عدم إلحاقهم بالإخوة، بل هم يرثون من الدية كغيرهم من الورثة.

الخامسة: قد تختلف قسمة المواريث عند المخالفين عن قسمتها عندنا، و حينئذ إذا ثبت للمؤمن حق بمقتضي قسمتها عندهم لا يثبت بمقتضي قسمتها عندنا جاز له الأخذ به إلزاما لهم بمقتضي دينهم. و الملزم بذلك هو الوارث الذي يدخل عليه النقص و يأخذ المؤمن منه ما يستحقه في مذهبه، لا الميت، فلا بد من كون الوارث المذكور مخالفا ليلزم بمقتضي مذهبه، سواء كان الميت مؤمنا أم مخالفا، و لا أثر لكون الميت مخالفا في ذلك.

السادسة: لما كان الميراث يجري علي ما يملكه الميت فلا تورث الأراضي الميتة التي قد سبق تسجيلها باسم الميت شراء من الدولة أو هبة منها لعدم ملكيته لها، كما سبق في أول كتاب إحياء الموات. بل هي علي إباحتها الأصلية يملكها كل من يحييها و ليس للورثة منعه منه. نعم لا يجب عليهم التنازل للمحيي بالطابو و لهم أخذ مال في مقابل ذلك.

كما أن الأرصدة التي في البنوك التابعة لجهات غير مالكة لا يجري عليها التوارث و ما يؤخذ في مقابلها إما مباح أصلي أو مجهول المالك. نعم الأحوط وجوبا لمن يقبض المال أن يدفعه للورثة علي نحو سهام المواريث و عدم خروجه في المال المذكور عن مقتضاها.

و الحمد للّه رب العالمين

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 273

كتاب القصاص و الديات

اشارة

قد شدد اللّه تعالي في كتابه المجيد و علي لسان رسوله الأمين و الأئمة من أهل بيته الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين في دم المؤمن و انتهاك حرمته و أكد علي ذلك، فقد قال تعالي مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنٰا عَليٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ

نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً، و عن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنه قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا يغرنكم رحب الذراعين بالدم، فإن له عند اللّه قاتلا لا يموت، قالوا: يا رسول اللّه و ما قاتل لا يموت؟ فقال: النار»، و في عهد أمير المؤمنين عليه السّلام لمالك الأشتر (رضوان اللّه عليه): «إياك و الدماء و سفكها بغير حلها، فإنه ليس شي ء أدني لنقمة و لا أعظم لتبعة و لا أحري بزوال نعمة و انقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها، و اللّه سبحانه مبتدء بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة»، و عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال: «من قتل مؤمنا متعمدا أثبت اللّه علي قاتله جميع الذنوب، و بري ء المقتول منها. و ذلك قول اللّه عز و جل إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحٰابِ النّٰارِ». إلي غير ذلك.

بل ورد التشديد في الإعانة علي قتل المؤمن و الاشتراك فيه و الرضا به، فعن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «و الذي بعثني بالحق لو أن أهل السماء و الأرض شركوا في دم امرئ مسلم و رضوا به لأكبهم اللّه علي مناخرهم [وجوههم] في النار»، و عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال: «إن الرجل ليأتي يوم القيامة و معه قدر محجمة من دم فيقول: و اللّه ما قتلت و لا شركت في دم، فيقال: بلي ذكرت عبدي فلانا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 274

فترقي في ذلك حتي قتل فأصابك من دمه»، و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال:

«من أعان علي مؤمن بشطر

كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللّه». إلي غير ذلك.

و كذا يحرم إيواء القاتل و منعه من أولياء المقتول، كما تظافرت بذلك الأخبار عن أهل بيت العصمة الأطهار صلوات اللّه عليهم أجمعين.

لكن الجرم مهما عظم فباب التوبة منه مفتوح، رحمة من اللّه تعالي بعباده و استصلاحا لأمرهم و إبعادا لهم عن القنوط المهلك. نعم التوبة مشروطة.

أولا: بتسليم المعتدي نفسه لأولياء المقتول، فإن شاؤوا اقتصوا، و إن شاؤوا أخذوا الدية، و إن شاؤوا عفوا.

و ثانيا: بأداء الكفارة إن رضي أولياء المقتول بالدية و لم يقتصوا، و قد تقدم التعرض لها في كتاب الكفارات.

و قد جعل اللّه سبحانه القصاص حقا لأولياء المقتول علي القاتل و ثقّل في الدية تعظيما لحرمة القتل و ردعا عنه، قال عز اسمه وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي الْأَلْبٰابِ.

كما أنه تعالي قد خص القصاص بالمعتدي و لم يرض به علي غيره عدلا منه تعالي في الحكم، قال عز اسمه وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْريٰ، و عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «إن أعتي الناس علي اللّه عز و جل من قتل غير قاتله و من ضرب من لم يضربه» و الأخبار في ذلك كثيرة.

لكن مع كل ذلك نري كثيرا من الناس ينتهكون حرمات اللّه تعالي و يتعدون حدوده- استخفافا و تهاونا و طغيانا و تجبرا- فهم يستخفون بالدماء و يتسرعون في إهراقها ثم هم يمنعون القاتل من أن يقتص منه و يدافعون عنه عصبية و حمية. كما أنهم يعصبون الدم بغير القاتل من الأهل و العشيرة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 275

و يقتصون منهم، رجوعا لعادات الجاهلية الجهلاء، و اندفاعا وراء العصبية

الحمقاء، و استجابة لدعوة الشيطان الرجيم، و عزوفا عن دين اللّه القويم و صراطه المستقيم أَ فَحُكْمَ الْجٰاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّٰهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، و إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ أُولٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ. كَتَبَ اللّٰهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي إِنَّ اللّٰهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ، و إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ.

و قد رأينا أن نقتصر في هذا الكتاب علي المهم من أحكام القصاص و الديات علي ما هو مورد للابتلاء من ذلك سدا لحاجة المؤمنين، مع إيكال بقية الفروع و الأحكام للمطولات، حيث يضيق المقام عن استقصاء الكلام فيها. و منه سبحانه نستمد العون و التوفيق، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

و يقع الكلام في ذلك في قسمين.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 276

القسم الأول في القصاص

اشارة

و هو جزاء الجناية علي البدن بمثلها، و الكلام فيه في ضمن فصول.

الفصل الأول في قصاص النفس

من قتل نفسا كان لأولياء المقتول الاقتصاص منه و قتله بشروط.

الأول: أن يكون كاملا، بأن يكون عاقلا بالغا، فلا قصاص علي المجنون و إن كان عامدا و كذا الصبي، و إن بلغ خمسة أشبار علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 128): في ثبوت القصاص علي السكران إذا بلغ حدا لا يعتد بقصده عن العقلاء إشكال. نعم لو كان يعلم من نفسه أنه إذا سكر اعتدي فأقدم علي السكر كان عليه القصاص. كما أنه إذا لم يكن سكره أثر في جنايته فلا إشكال في عدم القصاص عليه. كما إذا رمي بما لا يقتل عادة فقتل اتفاقا أو رمي حيوانا فأصاب إنسانا، كما يتحقق ذلك من السكران كثيرا.

الثاني: أن يكون القتل عمدا، فإن لم يكن عمدا لم يكن عليه قصاص.

بل تثبت بقتله الدية علي تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالي.

(مسألة 129): القتل علي أنحاء ثلاثة.

الأول: العمد، و يتحقق بالقصد للقتل و إن كان بفعل ما لا يوجبه عادة،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 277

كما إذا رمي رجلا بحصاة صغيرة أو ضربه بعصا صغيرة ضربة خفيفة أو دفعه دفعا خفيفا فصادف قتله بذلك. كما يتحقق بالقصد إلي إصابة المقتول بما يتوقع به القتل عادة، بحيث لا يستغرب تحقق القتل به، و إن لم يقصد بذلك القتل.

الثاني: الشبيه بالعمد، و يتحقق بما إذا قصد إصابة المجني عليه بما لا يوجب القتل عادة من دون أن يقصد به القتل فصادف حصول القتل.

الثالث: الخطأ المحض، و هو الذي لا يقصد به إصابة المجني عليه، كما لو رمي شاة أو كافرا مهدور الدم فأصاب إنسانا مسلما فقتله. و أولي من ذلك

ما إذا لم يقصد به الفعل الذي تحقق به القتل، كما إذا مشي علي سقف فخسفه فوقع علي شخص فقتله، أو أخذ السلاح الناري ليصلحه فانطلقت منه رصاصة فأصابت شخصا فقتلته و نحو ذلك.

الثالث: أن يكون المقتول حرا إن كان القاتل حرا، فلا يقتص من الحر بقتل العبد و يقتص من العبد بقتل الحر أو العبد. و لا مجال لإطالة الكلام في ذلك و في فروعه بعد عدم الابتلاء به أو ندرته.

الرابع: أن يكون المقتول مسلما إن كان القاتل مسلما، فلا يقتص من المسلم بقتل الكافر، و يقتص من الكافر بقتل المسلم و الكافر.

(مسألة 130): إذا قتل الكافر المسلم دفع الكافر إلي أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوه، و إن شاؤوا استرقوه و إن شاؤوا عفوا. و كذا يدفع لهم ماله. و إن أسلم قبل الاسترقاق لم يسترق، و كان لهم القتل أو العفو.

(مسألة 131): إذا قتل الكافر كافرا اقتص منه إلا أن يسلم القاتل قبل القصاص فلا يقتل حينئذ، بل ليس لأولياء المقتول إلا الدية إن كان للمقتول دية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 278

(مسألة 132): إذا تعود المسلم قتل الذمي اقتص منه بعد أن يعطي فضل ما بين دية المسلم و الذمي فإن دية الذمي، ثمانمائة درهم، علي ما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالي.

الخامس: أن لا يكون القاتل أبا للمقتول، فلا يقتص من الأب لو قتل ابنه، و يقتص من الابن لو قتل أباه، كما يقتص من الام لو قتلت ولدها، و من الولد لو قتل امه، لكن بعد رد فاضل الدية إن كان ذكرا.

السادس: أن لا يكون المقتول مجنونا، فإن من قتل مجنونا لا يقتص منه.

(مسألة 133): الأحوط وجوبا عدم

الاقتصاص من الرجل إذا قتل الطفل غير البالغ.

السابع: أن يكون القاتل مبصرا، فإن كان أعمي فلا قصاص، بل تثبت الدية و تحملها عاقلته، لأنه في حكم قتل الخطأ.

الثامن: أن يكون القتل محرما، فلو كان سائغا في حق القاتل فلا قصاص، كما في سابّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام، و المرتد الفطري قبل توبته، و المقتول بقصاص أو حدّ، و المهاجم لو قتل دفاعا.

(مسألة 134): الظاهر ثبوت القصاص بقتل من عليه القتل حدا- كاللائط و الزاني المحصن- إذا تولاه من ليس له إقامة الحد. و كذا بقتل من عليه قصاص إذا تولاه من ليس له القصاص من دون توكيل منه.

(مسألة 135): إذا قتل المولود الشرعي ولد الزنا المحكوم بإسلامه ثبت لوليه القصاص، و لكن يعطي للقاتل فاضل الدية، فإن دية ولد الزنا ثمانمائة درهم كما يأتي.

(مسألة 136): يثبت القصاص علي الرجل بقتله للرجل و للمرأة، و يثبت

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 279

القصاص علي المرأة بقتلها للرجل و للمرأة. لكن لو قتل الرجل المرأة لم يقتل بها إلا بعد دفع فاضل الدية له، فإن دية المرأة نصف دية الرجل. أما لو قتلت المرأة الرجل فهي تقتل به لا غير، و لا يجب عليها دفع فاضل الدية لأوليائه.

(مسألة 137): إذا اجتمع اثنان علي قتل واحد فأمسكه أحدهما و قتله الآخر كان القصاص علي القاتل، و كان علي من أمسكه أن يخلّد في السجن حتي يموت عقوبة و حدّا، فإن كان معهم ثالث ينظر إليهم لا يغير عليهم و هو يقدر علي التغيير كانت عقوبته أن تسمل عيناه.

(مسألة 138): إذا أمر رجل رجلا بقتل رجل آخر فقتله كان علي القاتل القصاص، و

علي الآمر أن يخلّد في السجن حدا و عقوبة. إلا أن يكون المأمور عبدا للآمر، فيقتل الآمر و يخلّد العبد في السجن. و يجري ذلك فيما لو كان الآمر أو المأمور أو المقتول امرأة. أما لو كان المأمور صغيرا غير مميز أو مجنونا كذلك فيقتل الآمر مطلقا و لا شي ء علي المأمور. و أما لو كان المأمور صبيا مميزا فلا قصاص علي الآمر و لا علي المأمور، بل يخلّد الآمر في السجن، و تثبت الدية علي المأمور تؤديها عنه عاقلته، كما يظهر مما يأتي في الديات.

(مسألة 139): إذا اشترك أكثر من واحد في قتل واحد ثبت القصاص عليهم. و حينئذ يتخير الولي في استيفائه بين وجوه.

الأول: أن يقتص منهم جميعا بعد رد فاضل الدية علي كل منهم، فإذا كانا اثنين رد عليها دية تامة بينهما، و إن كانوا ثلاثة رد عليهم ديتان بينهم، لكل منهم ثلثا دية، و إن كانوا أربعة رد عليهم ثلاث ديات بينهم لكل منهم ثلاثة أرباع الدية، و هكذا.

الثاني: أن يقتص من واحد منهم، و حينئذ يجب علي من بقي أن يرد علي ولي المقتص منه ما فضل من الدية، فإن كان من بقي واحدا دفع إليه نصف

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 280

الدية، و إن كانا اثنين دفع كل واحد منهما ثلث الدية، و إن كانوا ثلاثة دفع إليه كل منهم ربع الدية، و هكذا.

الثالث: أن يقتص من بعضهم أكثر من واحد. مثلا إذا كان المشتركون في القتل أربعة كان له أن يقتص من اثنين، بعد أن يدفع لكل منهما نصف الدية، و يدفع الاثنان الباقيان كل منهما ربع الدية لوليي المقتص منهما فيكون لكل واحد من المقتولين المقتص

منهما ثلاثة أرباع الدية، و هكذا بقية الصور المتصورة.

و الضابط أن علي كل مشترك من دم القتيل بنسبة شركته، فإن استوفي منه أكثر من ذلك بالاقتصاص منه كان له الفاضل من الدية علي المستوفي للقصاص و علي من لم يقتص منه ممن شارك في القتل بنسبة شركتهم. و من ذلك يظهر أنه لو كان المشترك في القتل امرأة فقد لا يكون لها رد مع الاقتصاص منها، لأن ديتها نصف دية الرجل، فلو كان القاتل للرجل امرأتين كان لولي القتيل قتلهما معا من دون رد عليهما. و لو كان القاتل رجلا و امرأة كان له قتل الرجل و ترد المرأة علي ولي الرجل نصف الدية، و له قتل المرأة، و يرد الرجل نصف الدية علي ولي القتيل لا علي ولي المرأة، و علي هذا النهج تجري بقية الصور المتصورة.

(مسألة 140): في كل مورد يجوز القصاص مع رد الولي فاضل الدية، يتعين تقديم رد الفاضل للجاني ثم الاقتصاص منه، و لا يحل الاقتصاص منه قبل الرد. أما لو كان الرد من غير الولي- كما تقدم في المسألة السابقة- فلا يتوقف الاقتصاص علي تقديم الرد، بل يجوز الاقتصاص للولي قبله، و يجب بعده أن يرد بقية الجناة علي ورثة المقتص منه.

(مسألة 141): إذا قتل الجاني أكثر من واحد كان لأولياء كل قتيل

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 281

الاقتصاص منه. فإن اجتمعوا علي الاقتصاص منه فلا شي ء لهم. و إن عفا بعضهم أو رضي بالدية و قبل بها الجاني لم يسقط حق الباقين من القصاص.

و إن سبق بعضهم بالقصاص من دون مراجعة الباقين فقد استوفي حقه. و هل يسقط حق الباقين، أو ينتقلون للدية- كما فيمن تعذر الاقتصاص

منه- وجهان أقواهما الثاني.

(مسألة 142): المسلمون تتكافأ دماؤهم، فكل مسلم محترم الدم يثبت القصاص بقتله مهما كان نسبه و من أي فرقة كان، بعد مراعاة الشروط المتقدمة.

الفصل الثاني في أحكام القصاص

(مسألة 143): لا يثبت القصاص إلا بعد موت المجني عليه، فمن اقتص قبله بعد الجناية كان ظالما للجاني و كان لولي الجاني حينئذ القصاص من المقتص، أو الرضا بالدية أو العفو. نعم إذا مات المجني عليه الأول بعد قتل الجاني ثبتت ديته في مال الجاني المقتول.

(مسألة 144): لا يستحق ولي المقتول مع القتل العمدي إلا القصاص.

و ليس له الإلزام بالدية بدلا عن القصاص إلا برضا الجاني. و حينئذ فلهما التراضي بما زاد علي الدية أو نقص عنها.

(مسألة 145): إذا توقف القصاص من ولي المقتول علي رده فاضل الدية للجاني كان لولي المقتول الخيار بين القصاص مع الرد و أخذ الدية، و ليس للجاني الامتناع من الدية.

(مسألة 146): إذا تعذر القصاص في قتل العمد للخوف من القاتل أو موته أو لمنع السلطان من القصاص أو نحو ذلك ثبتت الدية في ماله، فإن لم يكن له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 282

مال بقيت في ذمته كسائر ديونه. نعم إذا هرب القاتل فلم يقدر عليه و لم يكن له مال أخذت الدية من قرابته الأقرب له فالأقرب، فإن لم يكن له قرابة كانت الدية علي الإمام، و لا يتعدي لغير ذلك من صور تعدد القصاص.

(مسألة 147): إذا صالح الجاني علي الدية ثم امتنع من أدائها فلا يعود حق القصاص و يبقي مطالبا بالدية، و كذا إذا عجز عن أدائها فإنها تبقي في ذمته كسائر ديونه و لا يتحملها عاقلته عنه و لا الإمام.

(مسألة 148): إذا أراد ولي المقتول القصاص من

القاتل، فخلصه شخص أو قوم حتي امتنع الاقتصاص علي الولي الزم الذي خلصه بإرجاعه و حبس حتي يحضره، فإن فدي نفسه بالدية و رضي بها ولي المقتول فذاك، و إن لم يفعل حتي مات القاتل الزم بالدية.

(مسألة 149): يثبت حق القصاص لولي الميت و هو وارث المال و في ثبوته للزوج و الزوجة إشكال، نعم هما يرثان من الدية لو رضي بها الوارث بدلا عن القصاص. و كذا من الدية الثابتة ابتداء، و هي دية الخطأ. و أما ما تعارف عند كثير من القبائل من إناطة الأمر بغير الوارث، كرئيس القبيلة و أكابرها فهو من عادات الجاهلية التي ما أنزل اللّه تعالي بها من سلطان. و اللازم علي المؤمنين نبذ ذلك و الرضوخ لأحكام اللّه تعالي و المحافظة علي حدوده لينالوا بذلك رضاه و يستحقوا رحمته، و إلا تعرضوا لنقمة اللّه تعالي و عقابه في الدنيا و الآخرة.

(مسألة 150): لولي الميت القصاص، و أخذ الدية برضا الجاني و بدونه علي اختلاف الصور المتقدمة. كما أن له العفو، بل إلا الإمام فإنه ليس له العفو، لا بد له إما من القصاص أو أخذ الدية.

(مسألة 151): إذا كان المقتول مسلما و ليس له أولياء من المسلمين إلا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 283

الإمام و كان له أولياء من أهل الذمة عرض عليهم الإمام الإسلام فمن أسلم منهم فهو وليه، فإن شاء اقتص و إن شاء عفا و إن شاء أخذ الدية، و إن لم يسلم منهم أحد كان الأمر للإمام، و ليس له إلا القصاص أو أخذ الدية، كما تقدم.

(مسألة 152): إذا كان ولي المقتول مولي عليه لصغر أو جنون فالظاهر أن لوليه العمل علي ما

فيه صلاحه من القصاص أو الدية أو العفو. و الأحوط وجوبا له الاقتصار علي مقتضي المصلحة المهمة التي يكون تفويتها تفريطا في حقه عرفا. و مع عدم وضوحها للولي ينتظر به حتي يرتفع الحجر عنه فيعمل حقه بنفسه.

(مسألة 153): إذا كان ولي الميت محجورا عليه لسفه أو فلس لم يمنعه ذلك من طلب القصاص، كما لا يمنعه من الرضا بالدية.

(مسألة 154): يجوز لولي الميت المبادرة بالقصاص و إن كان الأولي استئذان الإمام، أو نائبه الخاص، و في عصر الغيبة يستأذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 155): إذا تعدد الأولياء كان لكل منهم الاقتصاص من القاتل منفردا، لكن مع ملاحظة حق الآخرين، فإن رضوا بالقصاص فذاك، و إن أراد بعضهم الدية دفع له سهمه منها، و إن عفا بعضهم دفع سهمه من الدية لأولياء المقتص منه. و إن كان بعضهم غائبا لم يبطل حقه، بل ينتظر حتي يحضر فيعمل حقه، و كذا إذا كان مجنونا أو صغيرا فإنه لا يبطل حقه بل يعمله وليه أو ينتظر به ارتفاع الحجر عنه، كما تقدم.

(مسألة 156): للولي استيفاء القصاص بنفسه مباشرة، أو بتوكيل غيره علي أن يقوم به مجانا أو بأجرة، و تكون الأجرة عليه لا علي المقتص منه.

(مسألة 157): إذا كان المقتول ناقصا- كمقطوع اليد أو الرجل أو فاقد العين- ثبت القصاص أو الدية علي قاتله و إن كان تاما و لا يجب علي أولياء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 284

المقتول رد دية العضو الناقص علي القاتل. نعم إذا كان المقتول مقطوع اليد اليمني قصاصا أو كان قد جني عليه في قطعها فأخذ ديتها كان علي أوليائه رد دية اليد قبل القصاص، و إذا أخذوا الدية استثنوا دية اليد. و

في عموم ذلك لليد اليسري فضلا عن بقية الأعضاء إشكال، بل منع.

(مسألة 158): المقتول عمدا إن كان عليه دين و ليس له مال فلأوليائه القصاص و لا يضمنون الدين. نعم إذا عفوا في قتل العمد و الخطأ ضمنوا الدين. و لو أخذوا الدية كان عليهم وفاء الدين منها.

(مسألة 159): اللازم في القصاص قتل الجاني بما يجهز عليه من دون تعذيب و مثلة و نحوهما حتي لو كان قد قتل المجني عليه بالوجه المذكور.

و المشهور أنه لا يقتص منه إلا بالسيف، و لكن الظاهر الاكتفاء بكل ما يجهز عليه كالسلاح الناري. هذا كله مع استسلامه للقصاص جبرا أو اختيارا، أما مع امتناعه بحيث لا يمكن الاقتصاص منه إلا مباغتة فالظاهر جواز ما تيسر من الوجوه مع تحري الأبعد عن التعذيب و الأقرب للإجهاز.

(مسألة 160): إذا أراد ولي الدم أن يقتص من الجاني فضربه ضربة غير قاتلة كان ضامنا لما حصل منه، فإن كان عامدا و كانت الضربة مما يقتص فيه كان علي ولي الدم القصاص، و إلا كان عليه دية الضربة له، ثم يقتص منه. نعم إذا ضربه ضربة قاتلة حتي ظن أنه أجهز عليه لكنه عولج فبرئ فالأحوط وجوبا سقوط القصاص بذلك.

(مسألة 161): ليس للمجني عليه قبل موته حق العفو أو اختيار القصاص أو الدية، و لو اختار شيئا من ذلك فلا أثر له، بل يبقي الحق للولي.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 285

الفصل الثالث في قصاص الطرف

و المراد منه ما لا تبلغ فيه الجناية إزهاق النفس، سواء اقتضت إتلاف عضو- كاليد و العين- أم لا، بل مجرد الاعتداء علي البدن بمثل الجرح و الخدش. فإنه يثبت في ذلك القصاص بالمثل في الجملة علي تفصيل يتضح مما

يأتي.

(مسألة 162): يشترط في قصاص الطرف ما يشترط في قصاص النفس من كمال الجاني- بالبلوغ و العقل- و عمده، و حرية المجني عليه إذا كان الجاني حرا، و إسلامه إذا كان الجاني مسلما، و عدم كون الجاني أبا للمجني عليه و عدم كون المجني عليه، مجنونا بل و لا صبيا علي الأحوط وجوبا، و أن يكون الجاني مبصرا، و أن تكون الجناية محرمة، علي التفصيل المتقدم هناك.

(مسألة 163): الظاهر أن الجناية عمدا علي الطرف موجبة لتخيير المجني عليه بين القصاص و الدية، فإن اختار الدية فليس للجاني الامتناع، بخلاف الجناية علي النفس، كما تقدم.

(مسألة 164): إذا جنت المرأة علي الرجل كان له القصاص بالمثل لا غير، و إذا جني الرجل علي المرأة كان لها القصاص منه بلا رد ما لم تبلغ دية الجناية ثلث دية قتل الرجل، فإذا بلغت ثلث الدية نزلت ديتها إلي النصف و كان عليها رد فاضل الدية. فمثلا: إذا قطع الرجل إصبعا أو إصبعين أو ثلاثا من أصابع المرأة كان لها القصاص من دون رد، فإن قطع أربعا كان لها القصاص مع رد نصف دية الأصابع المذكورة. و إذا فقأ الرجل عين المرأة أو قطع رجلها كان لها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 286

لها القصاص بفق ء عينه أو قطع رجله مع رد نصف دية العين و الرجل، و هو ربع دية النفس، و هكذا.

(مسألة 165): المعيار في بلوغ الثلث و عدمه علي وحدة الجناية عرفا و تعددها، فإذا كان قطع الأربع الأصابع دفعة واحدة عرفا كانت الجناية أكثر من الثلث و ثبت الرد، أما إذا كان متفرقا بحيث تعد جنايات متعددة فكل جناية دون الثلث و لا ردّ فيها.

(مسألة 166):

لا يشترط في القصاص في الأطراف التساوي في السلامة و العيب، فيقتص للمعيبة بالسليمة و للسليمة بالمعيبة بلا رد. نعم إذا كانت اليد شلاء فالأحوط وجوبا عدم القصاص فيها، بل الدية و هي ثلث دية اليد الصحيحة.

(مسألة 167): تقطع اليد باليد، فإن كان للجاني مماثل للمقطوع من حيثية اليمين و اليسار كان هو المقدم في القصاص، فتقطع اليمين باليمين و اليسار باليسار، و إلا سقطت المماثلة في ذلك، فإن لم يكن للجاني يد قطعت رجله مع مراعاة المماثلة من حيثية اليمين و اليسار مع الإمكان، و يسقط مع التعذر.

(مسألة 168): إذا فقأ الأعور عينا واحدة من ذي عينين كان له القصاص، فيفقأ عينه و إن صار أعمي. و أظهر من ذلك ما لو فقأ عين أعور مثله.

(مسألة 169): إذا فقأ صحيح العينين العين الصحيحة من الأعور تخير المجني عليه بين القصاص من إحدي عيني الجاني مع أخذ نصف دية الإنسان و أخذ دية تامة من دون قصاص. نعم لو كان عور الأعور لجناية جان فالأحوط وجوبا مع اقتصاصه عدم أخذ فاضل الدية.

(مسألة 170): في إذهاب الرؤية من العين مع بقائها القصاص إن أمكن من دون تعد علي الجاني بأكثر مما جني و مع خوف التعدي تتعين الدية. و كذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 287

الحال في جميع منافع الأعضاء إذا ذهبت مع بقاء العضو سالما.

(مسألة 171): يثبت القصاص في إزالة الشعر إذا لم يكن فيه إفساد لمحله بل كان ينبت ثانيا. و كذا إذا كان فيه إفساد لمحله بحيث لا ينبت ثانيا إن أمكن القصاص، و إلا تعينت الدية.

(مسألة 172): يثبت القصاص في قطع الذكر من الرجل و الفرج من المرأة بالمثل، أما لو

قطع الرجل فرج المرأة أو المرأة فرج الرجل فلا قصاص، بل تتعين الدية. نعم إذا قطع الرجل فرج امرأته و امتنع عن دفع الدية كان للمرأة القصاص بقطع ذكره.

(مسألة 173): يثبت القصاص في الأسنان ذات الأصول الثابتة في أصل الفك. و لا يسقطه نباتها بعد ذلك و إن عادت كحالها الأول. نعم الأحوط وجوبا عدم القصاص إذا كانت لغير البالغ، لما تقدم في شروط القصاص. و أما الأسنان النابتة في اللحم غير ذات الأصول- المسماة بالأسنان اللبنية- فالظاهر وجوب القصاص فيها بمثلها إذا كان الجاني و المجني عليه كبيرين، و إن كان الفرض نادرا. أما القصاص عنها بالسن الأصلية فهو لا يخلو عن إشكال. و الأحوط وجوبا عدمه، و الرجوع إلي الدية سواء عادت أم لم تعد.

(مسألة 174): لا بد من المماثلة في قصاص الأسنان، فلا يقتص لأسنان المقدم بالطواحن و لا العكس، و لا يقتص بشي ء منها بالأنياب و لا العكس، بل الأحوط وجوبا عدم الاقتصاص للعليا بالسفلي و بالعكس. بل و عدم الاقتصاص للثنيتين المتوسطتين بالرباعيتين اللتين علي جانبيهما و بالعكس، بل يرضي في جميع ذلك بالدية. نعم الظاهر عدم إخلال اختلاف الجانب بالمماثلة عرفا، فيقتص لما في الجانب الأيمن بما في الجانب الأيسر و بالعكس. و إن كان الأحوط وجوبا الحفاظ علي المماثلة في الجانب مع

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 288

الإمكان و عدم الإخلال بها إلا مع التعذر كما إذا لم يكن للجاني سن مماثل في الجانب الذي اعتدي علي مثله في المجني عليه. و يجري جميع ذلك في الأصابع و في جميع الأطراف.

(مسألة 175): إذا قطع شي ء من جسد الإنسان أو شق ثم ألصق و أعيد إلي ما كان

عليه قبل الجناية- كما يشيع ذلك في عصورنا- فالظاهر سقوط القصاص. بل يشكل ثبوت الدية، و يحتمل الرجوع للحكومة التي يأتي الكلام فيها في الديات، فاللازم التصالح. نعم إذا أصلح النقص بأجنبي لم يمنع من القصاص، كما لو فقأ عينه فزرع عين حي أو ميت بدلها، أو قطعت شحمة أذنه فوضع بدلها لحمة من بدنه أو بدن غيره بعملية تجميل أو نحو ذلك.

(مسألة 176): إذا جني بما يستوجب القطع أو الشق ثم اقتص منه فأراد إصلاحه بإلصاقه و إعادته علي ما كان عليه قبل القصاص لم يمكّن من ذلك، و لو فعل أعيد القصاص عليه لإبقاء النقص. نعم في منعه من إصلاح النقص بأجنبي- نظير ما تقدم في المسألة السابقة- إشكال، و الأظهر العدم.

(مسألة 177): إذا قطع منه شي ء و اقتص لنفسه ثم تسني للمجني عليه أن يعيد ما قطع منه بنفسه و رجع الحال إلي ما كان عليه قبل الجناية، فإن كان يعلم قبل الاقتصاص بقدرته علي الإصلاح و حصوله منه ثم اقتص بنفسه كان عليه القصاص، و إن لم يعلم بذلك أو وكّل شخصا بالقصاص و لم يباشره فلا قصاص عليه، بل الدية إن كان قد اقتص بنفسه جاهلا بالحال. و إن قام غيره مقامه في الاقتصاص فلا دية عليه أيضا، بل يتحملها المباشر، إلا أن يكون تابعا للإمام فتكون علي بيت مال المسلمين. نعم إذا كان المجني عليه غارّا لمطالبته بالقصاص مع علمه بحصول الإصلاح كان لمن يؤدي الدية الرجوع بها عليه.

و علي كل حال ليس للمقتص منه منع المجني عليه من الإصلاح، فضلا عن أن يلزمه بعد حصول الإصلاح بإرجاع الحال إلي ما كان قبله.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص:

289

(مسألة 178): يثبت القصاص في الجراح و الشجاج مع انضباطها و عدم كون القصاص معرضا للنفس للهلاك أو معرضا للعضو التلف أو الضرر.

(مسألة 179): لا يثبت القصاص في الجرح الواصل للجوف و لا الناقل للعظم عن محله، و لا الواصل لام الرأس، و لا الهاشم للعظم.

(مسألة 180): لا يثبت القصاص في كسر العظم حتي كسر الذراع علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 181): في الجراح و الشجاج التي يثبت فيها القصاص لا بد من مساواة القصاص للجناية طولا و عرضا و عمقا و تكفي المساواة العرفية. كما أنه يجوز الاقتصاص بالأقل. و في استحقاق الدية للزائد إشكال.

(مسألة 182): إذا اقتص من الجاني فسرت الجناية عليه بوجه غير متوقع لطوارئ خارجية فمات أو تلف عضو منه أو نحو ذلك فلا قصاص له و لا دية.

و كذا إذا سرت الجناية بنفسها بوجه غير متوقع لا لطوارئ خارجية و كان القصاص بأمر الإمام أو الحاكم الشرعي. و أما إذا لم يكن بأمره فلا قصاص، و في سقوط الدية للسراية إشكال، فاللازم التصالح.

(مسألة 183): في ثبوت القصاص في الضرب بالسوط و غيره، و في اللطمة و نحوها إشكال، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي الدية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 290

خاتمة

فيها مسائل.

الأولي: إذا لجأ الجاني لحرم مكة المعظمة لم يقتص منه في النفس و لا في الجراح و لا في غيرها، بل لا يبايع و لا يشاري و لا يطعم و لا يسقي و لا يكلم حتي يخرج منه. نعم إذا جني في الحرم اقتص منه فيه. و لا يلحق بالحرم المذكور حرم المدينة المشرفة و لا مشاهد الأئمة عليهم السّلام، إلا أن يلزم من القصاص فيها هتكها، فيحرم.

الثانية: يستحب العفو

عن القصاص في النفس و الطرف و غيرهما، كما حثّ علي ذلك الكتاب المجيد و تظافرت به الأخبار، قال تعالي وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا أَ لٰا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّٰهُ لَكُمْ. و في الحديث: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّٰارَةٌ لَهُ قال: يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما عفي عنه من جراح أو غيره». و يتأكد ذلك في النادم التائب، فإن في الندم و تأنيب الضمير من الألم النفسي ما قد يزيد علي العقاب البدني.

و خصوصا إذا استسلم للقصاص الذي فيه من كسر النفس و الإقدام علي تحمل المشقة ما يطفئ غضب المعتدي عليه و يشفي غيضه و ما يستحق به المستسلم للشكر الجزيل و الجزاء الجميل.

الثالثة: إذا عفا من بيده القصاص عن القصاص فليس له الرجوع في ذلك، لأن حقه قد سقط بالعفو و لا يعود بعد سقوطه، قال تعالي فَمَنِ اعْتَديٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذٰابٌ أَلِيمٌ، و عن الإمام الصادق عليه السّلام في تفسير هذه الآية أنه قال: «هو الرجل يقبل الدية أو يعفو أو يصالح ثم يعتدي، فله عذاب أليم، كما قال اللّه عز و جل».

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 291

القسم الثاني في الديات

اشارة

الدية هي المال المفروض تداركا للجناية الواردة علي النفس أو البدن.

و هي تثبت بالأصل في مورد الخطأ، و مع العمد في مورد لا قصاص فيه. كما تثبت شرعا بدلا عن القصاص في مورد تعذره، و تثبت بالتراضي بدلا عن القصاص مع إمكانه، كما يتضح مما تقدم.

و يقع الكلام فيها في ضمن فصول.

الفصل الأول في دية النفس

(مسألة 184): دية قتل المسلم عمدا أحد أمور.

الأول: مائة من الإبل. و لا بد من كونها مسنة. و الأحوط وجوبا أن تكون داخلة في السنة السادسة، و أن تكون فحولة لا إناثا.

الثاني: مائتان من البقر. و يكفي فيه ما يصدق عليه أنه بقر. و إن كان الأحوط استحبابا أن تكون إناثا مسنّة، و هي الداخلة في السنة الثالثة.

الثالث: ألف من الغنم. و يكفي فيه ما يصدق أنه شاة.

الرابع: ألف دينار ذهب. و قد تقدم في كتاب الزكاة أن الدينار أربعة غرامات و ربع تقريبا، فتكون الدية أربعة كيلوات من الذهب و ربع الكيلو تقريبا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 292

الخامس: عشرة آلاف درهم فضة. و قد تقدم في كتابي الزكاة و اللقطة أن الدرهم ثلاثة غرامات إلا ربع عشر الغرام تقريبا، فتكون الدية ثلاثين كيلوا إلا ربع الكيلو من الفضة تقريبا.

السادس: مائتا حلّة، و كل حلة ثوبان إزار و رداء، و الأحوط وجوبا الاقتصار علي برود اليمن.

(مسألة 185): الأحوط وجوبا الاقتصار في كل خصلة من خصال الدية الستة علي من يناسبه، فيؤخذ من أهل الإبل- و هم أهل البوادي- الإبل، و من أهل البقر البقر، و من أهل الغنم الغنم، و من أهل الدنانير الدنانير، و من أهل الدراهم الدراهم، و من أهل الحلل الحلل، و إن كان بعض الناس من أهل

أكثر من نوع واحد خيّر بينهما. نعم من لم يكن من أهل شي ء من هذه الخصال كأهل المدن في زماننا- يتخير بين الخصال الستّ.

(مسألة 186): في مورد ثبوت التخيير فالذي يخير هو الجاني و من يقوم مقامه ممن يكلف بدفع الدية، لا من يستحق الدية. نعم إذا ثبتت الدية بالصلح بدل القصاص أمكن جعلها علي وجه آخر، كما يمكن الزيادة علي الدية.

(مسألة 187): دية العمد يؤديها الجاني نفسه. نعم إذا ثبتت بالصلح بدل القصاص أمكن أن تجعل علي غيره.

(مسألة 188): تؤدي دية العمد في سنة. و المراد بذلك أنها تؤدي في سنة من حين ثبوتها لا من حين حصول القتل. نعم إذا ثبتت بالصلح بدل القصاص أمكن تحديد مدة أدائها علي خلاف ذلك.

(مسألة 189): تقدم في أول الكلام في القصاص أن الخطأ علي قسمين.

الأول: شبه عمد. و يتحقق بما إذا قصد إصابة المجني عليه بما لا يوجب القتل عادة، من دون قصد للقتل إذا صادف حصول القتل به.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 293

الثاني: خطأ محض. و هو الذي لا يقصد به إصابة المجني عليه، بل يصيبه من دون قصد. و فيهما معا الدية دون القصاص.

(مسألة 190): دية شبه العمد هي الخصال الست المتقدمة، إلا أن الأحوط وجوبا أن تكون الغنم فيها ذكرانا. كما أن أسنان الإبل فيها تختلف فتتردد بين وجهين.

الأول: أن تكون ثلاثا و ثلاثون منها حقّة- و هي الداخلة في السنة الرابعة- و ثلاث و ثلاثون جذعة- و هي الداخلة في السنة الخامسة- و أربع و ثلاثون ثنيّة- و هي التي ولدت بطنين- كما ان الأحوط وجوبا أن تكون كلها حامل.

الثاني: أن تكون أربعون منها حامل بين الثنية، و هي ولدت

بطنين، كما سبق، و بازل عامها- و هي الداخلة في السنة التاسعة- و ثلاثون بنت لبون- و هي الداخلة في السنة الثالثة- و ثلاثون حقة. و يحسن مع ذلك الاحتياط بالصلح.

(مسألة 191): دية شبه العمد يؤديها الجاني نفسه، كدية العمد، فإن امتنع من أدائها أو مات ثبتت في ماله، فإن لم يكن له مال كانت كسائر الديون الثابتة في ذمته.

(مسألة 192): دية الخطأ المحض هي الخصال الست المتقدمة، إلا أن الأحوط وجوبا في أسنان الإبل فيها أن تكون ثلاثون حقة- و تقدم شرحها و ثلاثون ابنة لبون، و عشرون ابن لبون- و هما ما يدخل في السنة الثالثة و عشرون بنت مخاض، و هي الداخلة في السنة الثانية. و يمكن التراضي علي غير ذلك.

(مسألة 193): دية الخطأ المحض في القتل و الأطراف و الجروح و غيرها علي العاقلة، و هي عشيرة الجاني. علي ما يأتي توضيحه في محله.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 294

(مسألة 194): تؤدي دية قتل الخطأ في ثلاث سنين من حين القتل، من دون فرق بين شبه العمد و الخطأ المحض.

(مسألة 195): إذا وقع القتل في حرم مكة المعظمة أو في الأشهر الحرم كانت الدية مغلظة، و هي دية و ثلث من دية المقتول في غيرها، رجلا كان أو امرأة. و يختص ذلك بدية القتل و لا يعم دية الأطراف و الجروح و غيرهما. و لا يلحق بحرم مكة حرم المدينة المنورة و لا غيره من الأماكن المقدسة، كالمساجد و المشاهد المشرفة.

(مسألة 196): دية المرأة نصف دية الرجل من جميع الخصال الست المتقدمة. و يجري فيها التغليظ المتقدم إذا قتلت في الحرم أو في الأشهر الحرم.

(مسألة 197): يستثني من ثبوت الدية

في قتل المسلم خطأ ما إذا قتل في أرض الكفر بتخيل كونه كافرا، فإنه لا تثبت به الدية حينئذ و تثبت به الكفارة لا غير.

(مسألة 198): دية ولد الزنا، من الأبوين معا إذا حكم بإسلامه تبعا لأبويه أو لأنه أظهر الإسلام ثمانمائة درهم، و دية المرأة علي النصف من ذلك.

و يجري فيهما التغليظ المتقدم. و أما ديات الأعضاء و الجروح و نحوها فإنها تنسب للدية المذكورة بنسبة دية أعضاء و جروح غيره لديته، فدية عينه مثلا أربعمائة درهما و دية إصبعه ثمانون درهما، و هكذا. و أما إذا كان الزنا من أحد الأبوين دون الآخر فدية الولد دية الولد الشرعي.

(مسألة 199): دية الذمي ثمانمائة درهم، و دية المرأة علي النصف، و يجري فيهما التغليظ المتقدم، و علي ذلك تنسب ديات الأعضاء و الجروح و نحوها، نظير ما تقدم في المسألة السابقة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 295

(مسألة 200): لا دية لكافر غير ذمي.

(مسألة 201): إذا أدّب الزوج زوجته تأديبا مشروعا بما لا يوجب القتل عادة فصادف موتها فعليه ديتها. و كذا الولي إذا أدّب المولي عليه.

(مسألة 202): تقدم في كتاب الإجارة أن الطبيب ضامن ما لم يتبرأ من الضمان. لكن ذلك يختص بما إذا أوكل العلاج له. أما إذا اذن له في وجه خاص، فقام به و لم يتجاوزه، فأدّي ذلك إلي التلف، فلا ضمان عليه مطلقا، كما لو اذن له في شق خراج في بدنه فشقّه فمات بسبب الشق بوجه غير متوقع، فإنه لا دية حينئذ. نعم إذا لم يستند التلف لأصل الشق، بل لخصوصية فيه غير مأذون فيها بالخصوص اختارها بمقتضي اجتهاده توقف عدم ضمانه علي براءته من الضمان، كما إذا استند

لكيفية الشق أو لعدم ربطه بعد تنظيف الخراج أو نحو ذلك. و كذا يضمن إذا كان غارّا، بأن أظهر أنه من أهل الخبرة و المعرفة و لم يكن كذلك، بل لا تنفع البراءة من الضمان حينئذ. كما أنه لو كان العمل مما لا يستبعد معه التلف كان عليه القصاص حينئذ.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 296

الفصل الثاني في ديات قطع الأعضاء و نحوها مما في البدن
تمهيد: في الأرش و الحكومة

في كل اعتداء علي الإنسان المحترم الدم الدية. فإن كان لذلك الاعتداء مقدر شرعا مستفاد من دليل عام أو خاص عمل عليه، و إن لم يثبت لذلك مقدر شرعا ففيه الأرش، و قد يسمي بالحكومة. و الأحوط وجوبا في تحديده الرجوع لحكمين عادلين يحكمان به. فإن اتفق الطرفان علي تعيينهما فذاك، و إن اختلفا رجعا للحاكم الشرعي في تعيينهما، و لا بد أن يبتني حكم الحكمين علي ملاحظة الدية الشرعية المنصوصة للنفس و الأطراف و الجروح و غيرها، و مقايسة غير المنصوص به حسبما يتوصل إليه اجتهادهما بعد إعمال منتهي طاقتهما. و لا بد مع ذلك من التصالح بين الطرفين الجاني أو عاقلته و المجني عليه أو وارثه إما علي الرجوع للحكمين قبل تحكيمهما أو علي ما حكما به بعد تحكيمهما و صدور الحكم منهما.

إذا عرفت هذا، فيقع الكلام في هذا الفصل في ديات القطع المنصوصة و غيرها. و هو يكون في أمور.

الأول: الشعر:

(مسألة 203): إذا أزيل شعر اللحية من الرجل، فإن عاد و نبت ثانيا ففيه ثلث دية الرجل، و إن لم ينبت ففيه الدية كاملة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 297

(مسألة 204): إذا أزيل شعر الرأس من الرجل فإن نبت ففيه الأرش و الحكومة، و إن لم ينبت فالمشهور أن فيه الدية كاملة. و الأحوط وجوبا الصلح.

(مسألة 205): إذا أزيل شعر رأس المرأة فإن نبت ففيه مهر نسائها، و إن لم ينبت ففيه ديتها.

(مسألة 206): إذا أصيب الحاجب فذهب شعره و لم ينبت فديته نصف دية العين، و هو ربع الدية التامة، و في بعضه بالنسبة. فإن نبت ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 207): في أبعاض الشعر المتقدم غير الحاجب الحكومة، سواء كان

التبعيض في مساحة منبت الشعر أم في طول الشعر، كما إذا قصة و قصره.

و كذا الحال في بقية شعر البدن كأهداب العينين و شعر العانة و غيرهما.

الثاني: العين:

(مسألة 208): إذا قلعت أو فقئت العين من شخص- رجل أو امرأة- كان له نصف ديته، و في العينين معا ديته كاملة. من دون فرق بين العين الصحيحة و العمشاء و الجاحظة و الحولاء و غيرها.

(مسألة 209): في العين الصحيحة من الأعور ديته كاملة، و إذا كان عورة بجناية جان عليها ففي ثبوت تمام الدية أو نصفها وجهان، و الأحوط وجوبا التصالح.

(مسألة 210): في العين القائمة إذا لم تكن مبصرة ثلث ديتها.

(مسألة 211): في شتر جفن العين الأعلي ثلث دية العين، و في شتر جفنها الأسفل نصف دية العين. و كذا الحال في قطعهما.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 298

(مسألة 212): ليس في الأهداب شي ء إذا أصيبت مع الأجفان، و إنما يثبت فيها الأرش- كما تقدم- إذا أصيبت وحدها.

(مسألة 213): إذا أصيب الجفن مع العين ثبت لكل ديته، و لا تتداخل الديتان.

الثالث: الأنف:

(مسألة 214): إذا قطع مارن الأنف- و هو ما لان منه- كله من شخص ففيه ديته تامة، و كذا فيما زاد عليه حتي يستأصل كله. نعم مع تعدد الجناية بأن قطع شخص المارن أولا ثم قطع هو أو غيره ما زاد عليه من الأنف ثبتت الدية في المارن، و كان في الزائد الأرش و الحكومة.

(مسألة 215): إذا قطع من شخص طرف الأنف المشرف علي الفم ففيه نصف ديته. و في كل واحد من جانبيه و هو الظاهر من المنخر ثلثها.

و كذا في إزالة الحاجز بين المنخرين، لكن مع التصالح عليه بين الطرفين علي الأحوط وجوبا.

(مسألة 216): إذا نفذت نافذة في أحد المنخرين و برئت ففيها عشر الدية، و إن لم تبرأ ففيها ثلث الدية.

الرابع: الأذن:

(مسألة 217): في قطع الاذن من أصلها من شخص نصف ديته، و في قطع الأذنين معا منه دية تامة. من دون فرق بين الاذن الصماء و غيرها.

(مسألة 218): إذا قطع بعض الاذن ففيه من دية الأذن بنسبة المقطوع لمجموع الاذن. نعم يثبت ثلث دية الاذن في قطع شحمتها، و هي اللحمة التي في أسفلها.

(مسألة 219): في خرم الاذن و ثقبها الأرش و الحكومة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 299

الخامس: الشفة:

(مسألة 220): إذا استؤصلت الشفتان معا من شخص ففيهما ديته تامة.

(مسألة 221): إذا استؤصلت الشفة العليا وحدها من شخص ففيها نصف ديته. و إذا قطع بعضها ففيه من الدية المذكورة بنسبة المقطوع لمجموع الشفة.

(مسألة 222): إذا شقت الشفة العليا حتي بانت منها الأسنان ثم عولجت و التأمت و برئت ففيها خمس ديتها، و إن لم تلتئم و بقي شينها قبيحا ففيها خمس ديتها و ثلث الخمس. و فيما عدا ذلك منها الحكومة و الأرش.

(مسألة 223): إذا استؤصلت الشفة السفلي وحدها من شخص ففيها ثلثا ديته، و إذا قطع بعضها ففيه من الدية المذكورة بنسبة المقطوع لمجموع الشفة.

(مسألة 224): إذا شقت الشفة السفلي حتي بانت الأسنان منها ثم التأمت بالتداوي و العلاج ففيها خمس ديتها، و إن لم تلتئم و بقي شينها قبيحا ففيها نصف ديتها. و فيما عدا ذلك منها الحكومة و الأرش.

(مسألة 225): إذا أصيبت الشفة فتقلصت من دون جرح أو قطع ففيها الحكومة.

السادس: اللسان:

(مسألة 226): في لسان الصحيح ديته كاملة. و في لسان الأخرس ثلث ديته. و في أبعاضهما الحكومة.

(مسألة 227): في قطع لسان الطفل الذي لم يتكلم الدية كاملة، إلا أن يعلم بأنه أخرس ففيه ثلث الدية.

السابع: الأسنان:

(مسألة 228): في الأسنان بجموعها إذا أسقطت من الإنسان ديته كاملة.

(مسألة 229): تقسم الدية علي ثمانية و عشرين سنا المقدم منها- و هو

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 300

الأنياب الأربعة و ما بينها- اثني عشر، و المؤخر منها- و هو الأضراس- ستة عشر. لكل واحد من المقدم نصف عشر الدية تكون بحساب الدنانير خمسين دينارا، و مجموعها ستمائة دينار. و لكل واحد من المؤخر ربع عشر الدية تكون بحساب الدنانير خمسة و عشرين دينارا، و مجموعها أربعمائة دينار.

(مسألة 230): يكفي في ثبوت دية السن انفصال ما ظهر منه خارج اللثة بكسر أو نشر أو نحوهما، و لا يشترط فيه قلعه من أصله. و في انفصال بعض ما ظهر منه بكسر و نحوه الأرش و الحكومة.

(مسألة 231): من نقصت أسنانه خلقة فقلعت كلها نقصت ديتها بالنسبة.

(مسألة 232): في الأسنان الزائدة الأرش و الحكومة، سواء قلعت مع الأصلية أم وحدها.

(مسألة 233): إذا ضربت السن انتظر بها سنة، فإن وقعت غرم الضارب ديتها، و إن اسودت فعليه ثلثا ديتها، و إن تغيرت بغير السواد أو لم تتغير ففيها الأرش و الحكومة.

(مسألة 234): إذا أسقطت السن السوداء ففيها ربع ديتها.

(مسألة 235): ما سبق يختص بدية الأسنان ذات الأصول النابتة في الفك، و أما الأسنان النابتة في اللحم غير ذات الأصول- المسماة بالأسنان اللبنية فالظاهر فيها الأرش. و الأحوط وجوبا تقديره لكل سن ببعير، من دون فرق بين نبات غيرها مكانها و عدمه. نعم

إذا كان عدم نبات غيره ناشئا عن خلل في الفك بسبب الجناية علي السن، ففيه الأرش و الحكومة غير ما ثبت بسبب سقوط السن.

(مسألة 236): لو ثبت مكان السن المقلوع سنا حقيقية- من إنسان أو حيوان- أو صناعية فجني عليها جان فأزالها أو كسرها فعليه ضمان نقص

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 301

ذلك، و المرجع فيه الصلح، و مع التشاح يرجع للحاكم الشرعي.

الثامن: اليد:

(مسألة 237): في قطع كل يد من شخص نصف ديته، و في اليدين معا ديته تامة.

(مسألة 238): المدار في قطع اليد علي العضو الخاص، المنتهي بالمنكب، سواء قطع من تمام الكف أم مما زاد عليها، بأن قطع مع الذراع أو مع العضد أو مع أبعاضهما، فتثبت دية اليد في ذلك كله من دون زيادة و لا نقيصة.

نعم إذا قطعت الكف مثلا فثبتت دية اليد ثم قطع الذراع بجناية أخري ففيه الأرش و الحكومة، و كذا في كل جناية أخري بعد قطع الكف.

(مسألة 239): في شلّ اليدين معا الدية، و في شلّ إحداهما نصفها، كما هو الحال في القطع.

التاسع: الأصابع:

(مسألة 240): في أصابع اليدين بتمامها من شخص ديته، و كذا في أصابع الرجلين.

(مسألة 241): تقسم دية الأصابع علي عشرة، فلكل إصبع عشر الدية.

(مسألة 242): تقسم دية الإبهام علي مفصلين، ففي قطع المفصل الأعلي منهما وحده نصف دية الإبهام، و لا تتم دية الإبهام إلا بقطعه من أصله. و تقسم دية بقية الأصابع علي ثلاثة مفاصل، ففي قطع المفصل الأعلي وحده ثلث دية الإصبع، و في قطع الثاني ثلثاها، و لا تتم دية الإصبع إلا بقطعه من أصله.

(مسألة 243): في فصل كل ظفر من اليد أو الرجل خمسة دنانير.

(مسألة 244): في الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع الأصلية.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 302

العاشر: الثديان:

(مسألة 245): في ثدي المرأة نصف ديتها، و في الثديين معا تمام ديتها.

و في حلمة ثديها ربع ديتها، و في الحلمتين معا نصف ديتها.

(مسألة 246): في حلمة ثدي الرجل ثمن ديته، و فيما زاد عليها من ثديه الأرش و الحكومة.

الحادي عشر: الذكر:

(مسألة 247): في قطع الذكر الدية تامة. من دون فرق بين الصغير و الكبير، الشاب و الشيخ، حتي العنين. نعم في ذكر الخصي ثلث ديته. و كذا في الذكر المشلول غير ذكر العنين.

(مسألة 248): يكفي في ثبوت الدية التامة قطع الذكر من الحشفة فما زاد.

و أما قطع بعض الحشفة ففيه الأرش و الحكومة. و الأحوط وجوبا كونه من الدية بنسبة المقطوع لتمام الحشفة.

الثاني عشر: البيضتان:

(مسألة 249): في قطع بيضة الرجل نصف ديته، و في قطع البيضتين معا دية تامة. و الأحوط استحبابا التصالح بين الجاني و المجني عليه عن اليسري بما بين نصف الدية و ثلثيها، و عن اليمني بما بين نصفها و ثلثها.

(مسألة 250): في بيضتي الخصي إن كانتا موجودتين ثلث ديته.

الثالث عشر: قبل المرأة:

(مسألة 251): في قطع قبل المرأة ديتها تامة. من دون فرق بين السليمة و المعيبة- كالرتقاء و القرناء- و البكر و الثيب و الصغيرة و الكبيرة.

(مسألة 252): المشهور أن في قطع كل من الشفرين الكبيرين من المرأة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 303

نصف ديتها و فيهما معا ديتها تامة. لكن الظاهر أن فيهما الأرش و الحكومة.

و كذا في قطع بقية أجزاء الفرج. لأن القبل ليس خصوص الشفرين الكبيرين، فلا بد من توزيع الدية علي تمام الأجزاء، و لا طريق للتوزيع المذكور إلا الحكومة.

الرابع عشر: الرجلان:

(مسألة 253): في قطع رجل واحدة من الشخص نصف ديته، و في قطعهما معا ديته كاملة.

(مسألة 254): المدار في قطع الرجل علي العضو الخاص المنتهي في أصل الفخذ، سواء قطع من تمام القدم حيث مفصل الساق أم من الركبة أم من أصل الفخذ، نظير ما تقدم في اليدين. كما أن في قطع أصابعهما ما تقدم عند الكلام في الأصابع.

(مسألة 255): في شلّ الرجلين دية كاملة، و في شلّ إحداهما نصف الدية، كما هو الحال في القطع.

(مسألة 256): في قطع كل عضو لا يؤدي وظيفته- لشلل أو نحوه- ثلث الدية، كذكر الخصي و أنثييه و لسان الأخرس و عين الأعمي و اليد الشلاء و نحو ذلك. و يستثني من ذلك ذكر العنين كما تقدم.

و هناك فروع كثيرة أعرضنا عنها خوف التطويل.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 304

الفصل الثالث في ديات الجرح و الصدع و الكسر و نحوها

(مسألة 257): إذا جرح الرأس جرحا خفيفا يسلخ الجلد و لا يأخذ من اللحم ففيه جزء من مائة جزء من الدية، و هي بعير أو عشرة دنانير أو نحوهما من بقية أصناف الدية.

(مسألة 258): إذا جرح الرأس جرحا يأخذ من اللحم يسيرا ففيه جزءان من مائة جزء من الدية.

(مسألة 259): إذا جرح الرأس جرحا ينزل في اللحم و لا يبلغ الغشاء الرقيق الذي يحيط بالعظم ففيه ثلاثة أجزاء من مائة جزء من الدية.

(مسألة 260): إذا جرح الرأس جرحا ينزل في اللحم حتي يصل الغشاء الرقيق الذي يحيط بالعظم ففيه أربعة أجزاء من مائة جزء من الدية.

(مسألة 261): إذا جرح الرأس جرحا ينزل في اللحم حتي يصل إلي العظم و يوضحه ففيه خمسة أجزاء من مائة جزء من الدية.

(مسألة 262): إذا جرح الرأس جرحا ينزل في العظم و يهشمه

ففيه عشر الدية، فإن نقل العظم عن موضعه ففيه عشر و نصف يعني خمسة عشر جزء من مائة جزء من الدية.

(مسألة 263): إذا هشم عظم الرأس أو نقل من مكانه من دون جرح ففي جريان الحكم السابق عليه إشكال، و الأحوط وجوبا فيه الرجوع للأرش و الحكومة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 305

(مسألة 264): إذا جرح الرأس جرحا يبلغ أم الدماغ- و هي جلدة رقيقة تجمع الدماغ تحت الجمجمة- ففيه ثلث الدية، و كذا الحال إذا نزل الجرح إلي جوف الدماغ.

(مسألة 265): إذا أعطيت الدية في المسألة السابقة من الإبل كفي فيها ثلاث و ثلاثون، و يسقط الكسر و هو ثلث بعير، أما في غير الإبل فلا يسقط الكسر حتي في البقر و الغنم.

(مسألة 266): الجروح المتقدمة بمراتبها المختلفة إذا حصلت في الوجه كانت ديتها مثل ديتها إذا حصلت في الرأس، فالمراد بالرأس ما يقابل الرقبة لا خصوص منبت الشعر.

(مسألة 267): إذا نفذ الجرح في الخد إلي فضاء الفم و لم يكن جرحا واسعا يري منه داخل الفم فديته مائة دينار، فإن كان جرحا واسعا يري منه داخل الفم فديته مائتا دينارا، فإن التأم و بقي أثره و شينه كان فيه خمسون دينارا للشين، فيكون مجموع ديته مائتين و خمسين دينارا.

(مسألة 268): إذا أبينت من الخد قطعة من اللحم بقدر الدرهم من دون أن تكون الإصابة مظهرة للعظم ففيها ثلاثون دينارا.

(مسألة 269): إذا كان في الخد جرح غير نافذ فبرئ ففيه عشرة دنانير.

لكن في استحقاقها بمجرد ذلك أو بشرط أن يبقي له أثر بعد البرء إشكال، فالأحوط وجوبا الصلح. و أما جرح الوجه في غير الخد فيلحقه حكم الجروح في الرأس بمراتبها السابقة كما

تقدم.

(مسألة 270): إذا خرق السهم أو الطلقة الخد حتي نبتت في عظم الحنك كان فيها مائة و خمسون دينارا، مائة منها لخرق الخد و خمسون لإصابة عظم الحنك. و كذا الحال في كل إصابة تبلغ العظم و توضحه في الوجه فإن لها

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 306

خمسين دينارا إذا التحمت من دون شين، فإن التحمت مع الشين زادت الدية للشين و قدرت الزيادة بستة دنانير و ربع، و لكن الأحوط وجوبا فيها الصلح.

(مسألة 271): لو كسر الأنف من دون أن يقطع منه شي ء و من دون أن تفقد بسببه حاسة الشم ففيه الحكومة، سواء جبر علي غير عيب أم لا.

(مسألة 272): في الجناية علي الرقبة بحيث تميل إلي أحد الجانبين و تقف بحيث لا يستطيع الإنسان أن يلتفت نصف الدية. و أما في غير ذلك من الجنايات علي الرقبة من جرح أو كسر أو غيرهما ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 273): في كسر الظهر من شخص ديته كاملة، و كذا إذا أصيب فاحدودب أو تعذر بسببه الجلوس، نعم إذا كسر ثم جبر من غير عيب ففيه مائة دينار. و لو حصل بسببه عيب آخر ثبتت دية ذلك العيب.

(مسألة 274): لما كان الظهر و الصلب عظاما متصلة بانتظام فالمراد بكسرها ليس هو كسر عظم واحد منها، كما في كسر عظمي العضد و الساق، بل فصلها علي وجه يختلّ نظامها و بنحو يشبه كسر العظم الواحد، بحيث يصدق عرفا أنه كسر.

(مسألة 275): في جرح الظهر جرحا يظهر فيه العظم خمسة و عشرون دينارا، فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 276): الترقوة هي العظم الناتئ المعترض في أعلي الصدر بين وسط الرقبة و المنكب. و

في كسرها إذا جبرت من غير عيب أربعون دينارا فإن نقل العظم عن موضعه كان فيه عشرون دينارا زائدا علي دية الكسر.

(مسألة 277): صدع العظم عبارة عن شقه من دون أن ينفصل، و هو في المسمي في عرفنا بالصدع إذا عرفت هذا ففي صدع الترقوة اثنان و ثلاثون دينارا، و في نقبها عشرة دنانير. و المراد بالنقب حفر العظم و إن لم يخرج من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 307

الجانب الآخر و يكون ثقبا.

(مسألة 278): في جرح الترقوة جرحا يظهر فيه عظمها خمسة و عشرون دينارا، فإن لم يخرج العظم ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 279): في كسر الترقوة إذا لم تجبر أو جبرت علي عيب الأرش و الحكومة.

(مسألة 280): في كسر كل ضلع من الأضلاع العليا المسامتة للقلب خمسة و عشرون دينارا، و في صدعه اثنا عشر دينارا و نصف. و في نقبه بالمعني المتقدم- ستة دنانير و ربع، و في نقله عن موضعه سبعة دنانير و نصف.

(مسألة 281): في الجرح الذي يظهر فيه عظم أحد الأضلاع المذكورة ستة دنانير و ربع، فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 282): في كسر كل ضلع من الأضلاع السفلي عشرة دنانير، و في صدعه سبعة دنانير، و في نقله عن موضعه خمسة دنانير، و في نقبه- بالمعني المتقدم- ديناران، و نصف و كذا في الجرح الذي يظهر فيه عظم أحد الأضلاع المذكورة، فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 283): في رضّ الصدر إذا انثني و تقوس أحد جانبيه مائتان و خمسون دينارا، و إذا انثني و تقوس كلا جانبيه خمسمائة دينار، و إذا رض من غير أن ينثني ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 284):

في رض كل كتف إذا انثني و تقوس مائتان و خمسون دينارا، و إذا رض كلاهما ففيه خمسمائة دينار. و إذا رض أحدهما أو كلاهما من غير أن ينثني ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 285): في جرح الصدر أو الكتف حتي يظهر العظم خمسة و عشرون دينارا، فإذا لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 308

(مسألة 286): في كسر المنكب إذا جبر من غير عيب مائة دينار، و في صدعه ثمانون دينارا-، و في نقل عظامه عن موضعها بعد الكسر خمسون دينارا زيادة علي مائة دينار للكسر. و في فك مفصله- المسمي في عرفنا بالفسخ- من دون كسر ثلاثون دينارا. و في نقبه- بالمعني المتقدم- خمسة و عشرون دينارا.

و كذا في الجرح الذي يظهر به عظمه، فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 287): إذا رض المنكب فلم يجبر أو جبر علي عيب فديته ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار.

(مسألة 288): في كسر العضد إذا جبر من غير عيب خمس دية اليد مائة دينار، و في نقل عظامه خمسون دينارا، و في نقبه- بالمعني المتقدم- خمسة و عشرون دينارا، و كذا في الجرح الذي يظهر عظمه، فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 289): إذا كسر العضد و لم يجبر أو جبر علي عيب ففيه الأرش و الحكومة. و كذا في صدعه من دون كسر.

(مسألة 290): في الجناية علي الساعد- الذي هو عظم الذراع و الذي له قصبتان- بالكسر و غيره الأرش و الحكومة، و إن كان المظنون أنه في كسره بكلا قصبتيه مائة دينار، و في كسر إحداهما خمسون دينارا، و في جرحه حتي

يظهر العظم خمسة و عشرون دينارا، و في إحدي القصبتين أربعون دينارا. لكن ذلك لا يغني عن الاحتياط بالصلح أو بالحكومة في ذلك و في بقية صور الجناية علي الساعد، نعم لا إشكال في أن دية القرحة فيه التي لا تبرأ ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار.

(مسألة 291): في كسر المرفق- الذي هو المفصل بين العضد

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 309

و الذراع- إذا جبر من غير عيب مائة دينار، فإن رضّ و بقي عيبه ففيه ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار و هي ثلث دية النفس.

(مسألة 292): في صدع المرفق ثمانون دينارا، و في نقبه- بالمعني المتقدم- خمسة و عشرون دينارا. و في جرحه حتي يظهر العظم خمسة و عشرون دينارا، و في نقل عظامه خمسون دينارا. و في فك مفصله ثلاثون دينارا.

(مسألة 293): المفصل بين الذراع و الكف هو الرسغ أو الرصغ، و قد يسمي بالزند أيضا، و في رضّه إذا جبر علي غير عيب مائة و ستة و ستون دينارا و ثلثا دينار، و هي ثلث دية اليد، فإن لم يجبر أو جبر علي عيب ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 294): دية الكف إذا كسرت فجبرت علي غير عيب أربعون دينارا، و دية صدعها اثنان و ثلاثون دينارا، فإن جرحت حتي يظهر العظم فديتها خمسة و عشرون دينارا، و دية نقل عظامها عشرون دينارا و نصف دينار، و دية نقبها عشرة دنانير. و الأحوط استحبابا الصلح لاحتمال زيادتها علي ذلك و أن دية كسر الكف مائة دينار، و دية نقل عظامها خمسون دينارا، و غير ذلك.

(مسألة 295): في كسر الأصابع الأرش و الحكومة.

(مسألة 296): في كل ورك إذا

كسر ثم جبر من غير عيب خمس دية الرجل مائة دينار. فإن رض فلم يجبر أو جبر علي عيب فديته ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار.

(مسألة 297): إذا صدع الورك ففيه ثمانون دينارا، و في نقل عظامه خمسون دينارا، و إذا جرح حتي ظهر العظم ففيه خمسة و عشرون دينارا، فإن

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 310

لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة. و في فكه ثلاثون دينارا.

(مسألة 298): الفخذ بحكم الورك في جميع ما تقدم، و فك الفخذ هو عين فك الورك، لأن الورك لا يتصل إلا بالفخذ.

(مسألة 299): في نقل عظم الفخذ خمسة و عشرون دينارا.

(مسألة 300): في كل ركبة إذا كسرت ثم جبرت علي غير عيب مائة دينار، و إن رضّت فلم تجبر أو جبرت علي عيب ففيها ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار.

(مسألة 301): إذا انصدعت الركبة فديتها ثمانون دينارا. فإن نقلت عظامها ففيها خمسون دينارا، و في نقبها خمسة و عشرون دينارا، و كذا في جرحها إذا ظهر العظم فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة، و في فك الركبة ثلاثون دينارا.

(مسألة 302): في كل ساق إذا كسرت ثم جبرت علي غير عيب مائة دينار، و مع بقاء العيب فديتها ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار.

(مسألة 303): إذا انصدعت الساق فديتها ثمانون دينارا، و في نقل عظامها خمسون دينارا، و في نقبها اثنا عشرة دينارا و نصف دينار، و في جرحها إذا ظهر العظم خمسة و عشرون دينارا، فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 304): في كل كعب إذا رض و جبر علي غير عيب سدس دية

النفس مائة و ستة و ستون دينارا و ثلثا دينار. و الكعب هو قبة القدم. و فيما عدا ذلك من جناياته الحكومة.

(مسألة 305): في كل واحد من القدمين إذا كسرت ثم جبرت علي غير عيب مائة دينار، فإن لم تجبر أو جبرت علي عيب ففيها الحكومة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 311

(مسألة 306): في نقل عظام القدم خمسون دينارا، و في نقبها خمسة و عشرون دينارا، و كذا في جرحها حتي يظهر العظم، فإن لم يظهر العظم ففيه الأرش و الحكومة، و كذا في غير ما تقدم من الجنايات علي القدم و في الجنايات علي أصابعه إلي الأرش و الحكومة أيضا.

(مسألة 307): لو نفذت نافذة- برمح أو خنجر أو طلقة أو نحوها- في شي ء من أطراف البدن- كاليد و الرجل و الرقبة- من دون كسر عظم ففيها مائة دينار، و المراد بالنفوذ أن تخترق العضو من جانب لآخر و تثقبه، أما مع كسر العظم فتضاف إليها دية كسره. و لا يدخل في ذلك ثقب الأنف و الاذن، فقد تقدم التعرض لديتهما عند الكلام في دية قطع الأنف و الاذن، و كذا لا يدخل في ذلك ثقب الخد فقد تقدم الكلام فيه في أوائل هذا الفصل.

(مسألة 308): إذا نفذت نافذة من إحدي جهات البدن إلي الجوف ففيها ثلث الدية، و إن أعطيت من الإبل كفي ثلاثة و ثلاثون بعيرا، و يسقط الكسر، و هو ثلث بعير. و المراد بالجوف داخل الصدر و البطن.

________________________________________

حكيم، سيد محمد سعيد طباطبايي، منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، 3 جلد، دار الصفوة، بيروت - لبنان، اول، 1415 ه ق منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)؛ ج 3، ص: 311

(مسألة 309): إذا نفذت نافذة

من أحد جانبي البدن للآخر، كما لو رماه في بطنه فخرجت الرمية من ظهره ففيها أربعمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار، و الأحوط وجوبا الاقتصار في ذلك علي ما إذا أصابت البطن و لو من أحد الجانبين، أما في غير ذلك كما لو اخترقت الصدر و الظهر فالأحوط وجوبا الرجوع للأرش و الحكومة.

(مسألة 310): إذا عيب شي ء مما في الجوف من الأمعاء أو غيرها بسبب الجناية المتقدمة في المسألتين السابقتين كان فيه الأرش و الحكومة زيادة علي الدية المتقدمة فيهما. و كذا الحال لو عيب شي ء مما في الجوف من دون جرح نافذ، فإن فيه الأرش و الحكومة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 312

(مسألة 311): إذا جرح الجسد- غير الرأس و الرقبة- جرحا يبلغ العظم و يظهره ففيه أربعون دينارا، إلا ما تقدم في جروح الأعضاء كاليدين و الرجلين و غيرهما، كما تقدم دية جروح الرأس و الرقبة. و أما إذا لم يبلغ الجرح في الجسد العظم ففيه الأرش و الحكومة، و قد تقدم في أول الفصل جروح الرأس و الرقبة.

(مسألة 312): إذا نفذت نافذة من الرمح أو خنجر في شي ء من أطراف اليدين فديتها مائة دينار.

(مسألة 313): في كل فتق للجوف ثلث الدية- ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون دينارا و ثلث دينار- كفتق السرة و البيضة و نحوهما من مواضع البطن و منافذها.

و في فتق كلتا البيضتين بجناية واحدة أربعمائة دينار، فإن كان الفتق ضخما بحيث يمنع من المشي أو يوجب تشوهه شديدا بسبب تباعد الرجلين ففيه أربعة أخماس الدية ثمانمائة دينار.

(مسألة 314): في اللطمة في الوجه إذا اسود أثرها ستة دنانير، و إذا اخضر ثلاثة دنانير، و إذا أحمر

دينار و نصف و إن كانت في البدن فهي علي النصف.

و إن كانت في غير الوجه من الرأس ففيها الأرش و الحكومة. و كذا إذا كانت في الرقبة.

(مسألة 315): الظاهر عموم المسألة السابقة لغير اللطمة من أنحاء الضرب، كالوكزة و الضرب بالسوط و بالخشبة و نحوها، بل الظاهر العموم للصدمة من دون ضرب. نعم يشكل العموم بحصول الأثر المذكور من غير صدمة، كما في العصر و العض و القرص و غيرها، و حينئذ فالأحوط وجوبا ثبوت الأرش و الحكومة.

(مسألة 316): إذا لم يؤثر الضرب أحد الألوان الثلاثة المتقدمة ففيه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 313

الأرش و الحكومة.

(مسألة 317): تشارك المرأة الرجل في جميع ما تقدم حتي تبلغ الجناية ثلث الدية، فإذا بلغ ثلث الدية صارت المرأة علي النصف.

(مسألة 318): المقادير المتقدمة للجنايات المختلفة من الجروح و الكسور و غيرها و إن قدرت تارة بالإبل و اخري بالدنانير، إلا أنها ترجع إلي نسبة المقادير المذكورة إلي مجموع الدية من جميع أصنافها المتقدمة في دية النفس، فإذا ذكر في دية الجناية بعير مثلا أجزأ ما يساوي عشرة دنانير من الذهب أو مائة درهم من الفضة أو بقرتان أو عشر شياه، و إذا ذكر في ديتها خمسون دينارا مثلا أجزأ ما يساوي خمسمائة درهم من الفضة أو خمس من الإبل أو عشر بقرات أو خمسين شاة و هكذا. و ليس التنصيص علي خصوص بعض الأصناف إلا لذكره في بعض النصوص من دون إلزام به بخصوصه.

(مسألة 319): من افتض امرأة بالوطء أو بغيره وجب عليه مهر مثلها، نعم لا مهر لها إذا كانت زانية بأن تكون راضية بالوطء من غير شبهة. و كذا إذا رضيت بإزالة بكارتها بغير

الوطء. أما إذا أزال بكارتها الزوج بالوطء فليس لها إلا تمام المهر المسمي لها بالعقد. أما الوطء بعد زوال البكارة فقد تقدم حكمة في أواخر فصل المهر من كتاب النكاح.

(مسألة 320): في إفضاء المرأة ديتها، و الإفضاء هو اتصال مجري الحيض و الغائط و انخرام الحاجز بينهما.

(مسألة 321): إذا كان المفضي للمرأة زوجها فإن كان بسبب غير الوطء ففيه الدية، و كذا إذا كان بسبب الوطء قبل أن تكمل تسع سنين و طلقها. نعم إذا كان طلاقها بعد أن خيط الجرح و التأم ففي ثبوت الدية إشكال و اللازم الاحتياط. أما إذا لم يطلقها و أمسكها فلا شي ء عليه. و كذا إذا كان الإفضاء

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 314

بسبب وطئها بعد إكمال تسع سنين فإنه لا شي ء عليه أيضا حتي لو طلقها. نعم لو تعمد إفضاءها فالظاهر ثبوت الدية مطلقا في الصغيرة و الكبيرة مع الطلاق و بدونه.

(مسألة 322): إذا وطأ الرجل زوجته قبل أن تبلغ تسع سنين فأفضاها كان عليه الإنفاق عليها ما دامت حية حتي لو طلقها. بل و إن تزوجت علي الأحوط وجوبا. نعم لو خيط الجرح و التأم ففي وجوب الإنفاق عليها إشكال، و اللازم الاحتياط.

الفصل الرابع في ديات المنافع

(مسألة 323): إذا أدّت الجناية إلي ذهاب العقل ففيه الدية كاملة. و إذا أدت إلي نقصه أو صار المجني عليه مجنونا جنونا أدواريا ففيه الأرش و الحكومة.

(مسألة 324): إذا ذهب العقل بجناية لها دية بنفسها تداخلت ديتها مع دية ذهاب العقل و ثبت الأكثر دية، فمثلا إذا استند ذهاب العقل لضربة واحدة ثبتت دية ذهاب العقل و سقطت دية الضربة، أما إذا استند ذهاب العقل لضربات متعددة يثبت في مجموعها أكثر من دية

ثبتت دية الضربات و سقطت دية ذهاب العقل، كما أنه لو بلغت دية الضربات دية تامة تداخلت مع دية العقل و ثبتت دية واحدة. نعم إذا استند ذهاب العقل للضربة الأخيرة فقط ثبتت لكل ضربة من الضربات السابقة ديتها، و لم يتداخل مع دية العقل إلا دية الضربة الأخيرة، فتسقط.

(مسألة 325): إذا نقص العقل بجناية ذات دية ثبت أكثر الأمرين من دية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 315

تلك الجناية و أرش ما ذهب من العقل الثابت بمقتضي الحكومة.

(مسألة 326): إذا علم بعدم عود العقل إلي ما كان عليه قبل الجناية وجبت الدية و كان علي الجاني تسليمها بمجرد الجناية، و إن احتمل عوده انتظر به سنة من حين الجناية، فإن عاد في أثناء السنة فلا دية له، و تثبت دية الجناية إن كان لها دية مقدرة، و إن لم تكن لها دية مقدرة ثبت لها الأرش و الحكومة، و إن لم يعد العقل في أثناء السنة وجب علي الجاني أداء الدية، فإن عاد العقل بعد السنة لم يسترجع الجاني الدية.

(مسألة 327): إذا ذهب السمع كله ففيه الدية كاملة، و في ذهاب سمع إحدي الأذنين نصف الدية، و في نقص السمع يثبت من الدية بنسبة الفائت لمجموع السمع، و في عموم ذلك لما إذا كان السمع قبل الجناية ناقصا عن المتعارف في إحدي الأذنين أو في كلتيهما إشكال، فالأحوط وجوبا الصلح.

(مسألة 328): إذا ادعي المجني عليه ذهاب السمع بالجناية فإن صدقه الجاني فذاك، و إن لم يصدقه أجّل سنة و امتحن المجني عليه في أثنائها بأن يترصّد و يستغفل و يصاح به، يكرر عليه ذلك في السنة فإن سمع أو قامت البينة علي أنه سمع

لم يستحق الدية، و إلّا استحلف و اعطي الدية.

(مسألة 329): لا بد في استحلافه علي ذهاب سمعه كله من أن يحلف هو و خمسة أشخاص آخرون علي ذلك، و إذا لم يحصل له العدد المذكور كرّر هو الحلف بدل من ينقص منه، فان حلف معه أربعة حلف هو مرتين، و إن حلف معه ثلاثة حلف هو ثلاث مرات، و إن حلف معه اثنان حلف هو أربع مرات، و إن حلف معه واحد حلف هو خمس مرات، و إن لم يحلف معه أحد حلف هو ست مرات.

(مسألة 330): إذا عاد السمع قبل السنة فلا دية، و يثبت الأرش

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 316

و الحكومة، و إن عاد بعد السنة لم تسقط الدية.

(مسألة 331): إذا ادعي المجني عليه نقص السمع في كلتا الأذنين فإن صدقه الجاني فذاك، و إن لم يصدقه فإن أقام الجاني البينة فلا شي ء له، و إن لم يقم البينة حلف المجني عليه، فإن ادعي نقص سدس سمعه حلف مرة واحدة، و إن ادعي نقص ثلث سمعه حلف مرة و حلف معه رجل، و إن ادعي نقص نصف سمعه حلف هو و حلف معه رجلان، و إن ادعي نقص ثلثي سمعه حلف هو و حلف معه ثلاثة رجال، و إن ادعي نقص خمسة أسداس سمعه حلف هو و حلف معه أربعة رجال، و إن لم يكن معه من يتمم يمينه ضوعف عليه اليمين بقدر الناقص. و المدار في نقص السمع علي المسافة.

(مسألة 332): إذا ادعي المجني عليه نقص سمع إحدي الأذنين قيست بالإضافة إلي الاذن الصحيحة، فيثبت له من الدية بنسبة نقص سمع المعيبة عن سمع الصحيحة. و كيفية الاختبار: أن تسد

التي أصيبت سدا جيدا، ثم يضرب له بالجرس من إحدي الجهات الأربع و يبعد عنه صاحب الجرس حتي ينتهي إلي أقصي مسافة يدعي السمع فيها فإن صدقه الجاني، و إلا عيّن الموضع الذي يدعي انه منتهي سمعه و ضرب له الجرس من بقية الجهات الأربع، فإن تساوت المسافة التي يدعي السمع فيها صدق، و إن اختلفت كذب، و تعاد عليه التجربة حتي تتفق المسافة التي يدعيها من الجهات الأربع. و حينئذ تسدّ الأذن الصحيحة سدا جيدا و تجري التجربة المتقدمة في الاذن المصابة، فتقاس المسافتان، و يعطي من الدية بنسبة نقص مسافة السمع في الاذن المصابة عن مسافة السمع في الاذن الصحيحة، لكن بعد اليمين، فإن كان النقص بمقدار السدس حلف مرة، و إن كان بمقدار سدسين حلف مرة و حلف معه رجل آخر، فان لم يحلف معه رجل حلف مرتين، و هكذا لكل سدس رجل يحلف معه أو يمين يكرره، نظير ما تقدم في المسألة السابقة. هذا مع احتمال تساوي

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 317

الأذنين في السمع، أما مع العلم باختلافهما فيه فالأحوط وجوبا الصلح.

(مسألة 333): لا بد في الاختبار المذكور في المسألة السابقة من عدم وجود ما يعيق امتداد الصوت من بعض الجهات، بأن يكون في مكان منبسط لا تختلف جهاته بالارتفاع و الانخفاض، و يكون هادئا ليس فيه ضجيج في بعض الجهات أو جميعها يمنع من سماع الصوت أو يوجب تشويشه، و أن يكون الهواء ساكنا لئلا يصرف الصوت إلي خصوص بعض الجهات أو يشوشه.

(مسألة 334): إذا كان ذهاب السمع أو نقصه بجناية علي البدن، كما لو ضربه علي رأسه أو علي اذنه أو قطع اذنه أو اذنيه، تتداخل الجنايتان

و تثبت دية أعظمهما علي نحو ما سبق في ذهاب العقل بتفصيله.

(مسألة 335): إذا ذهبت الرؤية من العينين معا ففيها الدية كاملة، و في ذهاب الرؤية من إحداهما نصف الدية. و في نقص الرؤية منهما أو من إحداهما يثبت من الدية بنسبة الفائت لمجموع الرؤية. و في عمومه لما إذا كانت الرؤية قبل الجناية ناقصة عن المتعارف في إحدي العينين أو في كلتيهما إشكال، فاللازم الاحتياط بالصلح.

(مسألة 336): إذا ادعي المجني عليه فقده للرؤية فإن صدقه الجاني فذاك، و إن لم يصدقه اختبر بأن يقابل بعينيه الشمس، فإن كان كاذبا لم يتمالك حتي يغمض عينيه و إن كان صادقا بقيتا مفتوحتين. و يؤكد ذلك باليمين، فيحلف هو و يحلف معه خمسة رجال أو يكرر اليمين، علي نحو ما تقدم في السمع.

(مسألة 337): تقدم في السمع أنه ينتظر به سنة، فإن عاد في أثنائها لم يستحق الدية و كان له الأرش و الحكومة، و إن لم يعد فيها استحق الدية، و لا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 318

يسقطها عوده بعد السنة، و في جريان ذلك في الرؤية إشكال. و لا يبعد كون رجوع الرؤية مطلقا كاشفا عن عدم فقدها بالجناية فلا تستحق الدية، بل الأرش، و إن كان الأحوط وجوبا مع الشك الصلح.

(مسألة 338): إذا ادعي المجني عليه نقصان الرؤية في عينيه معا، فإن علم بمقدار رؤيته قبل الجناية من حيثية المسافة قيست رؤيته بعد الجناية بالإضافة لرؤيته قبل الجناية، و اعطي من الدية بنسبة النقص من رؤيته قبل الجناية. و إن جهل مقدار رؤيته قبل الجناية قيست رؤيته بعد الجناية في المسافة برؤية من هم في سنّه، و اعطي من الدية بنسبة نقص رؤيته

عن رؤيتهم.

(مسألة 339): إذا ادعي المجني عليه نقصان الرؤية في إحدي عينيه قيست رؤية العين المصابة برؤية العين الصحيحة، و اعطي من الدية بنسبة نقص العين المصابة عن رؤية العين الصحيحة. هذا مع احتمال تساوي العينين في الرؤية. أما مع العلم باختلافهما فالأحوط وجوبا الصلح.

(مسألة 340): كيفية قياس الرؤية في العينين بسد إحداهما و فتح الأخري و قياس نظرها إلي الجهات الأربع علي نحو ما تقدم في قياس السمع. و لا بد فيه من أن لا يكون في يوم غيم أو نحوه مما يضعف الرؤية، و أن لا يكون في موضع تختلف جهاته في امتداد الرؤية علي نحو ما تقدم هناك.

(مسألة 341): لا بد مع الاختبار المذكور في كلتا العينين أو في إحداهما من اليمين لكل سدس من الرؤية من قبل المجني عليه أو ممن يحلف معه، علي نحو ما تقدم في السمع.

(مسألة 342): إذا كان النقص في الرؤية من غير حيثية المسافة ففيه الأرش و الحكومة، كما لو حدثت غشاوة أو عمي عن الألوان أو غير ذلك. و لا بد فيه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 319

من الإثبات بالطرق العامة في الدعوي من البينة و اليمين و نحوهما علي ما يراه الحاكم الشرعي عند التخاصم.

(مسألة 343): إذا كان ذهاب الرؤية أو نقصها بجناية علي البدن تداخلت الجنايتان علي نحو ما تقدم في ذهاب العقل و ذهاب السمع.

(مسألة 344): إذا ذهب الشم كله من الأنف من كلا المنخرين ففيه الدية كاملة، و في عموم ذلك لما إذا كان الشم قبل الجناية ناقصا عن المتعارف إشكال، فالأحوط وجوبا الصلح.

(مسألة 345): إذا ادعي المجني عليه ذهاب الشم كله فإن صدقه الجاني فذاك، و إلا اختبر بالحراق،

بأن يحرق شي ء و يدني من أنفه، فإن دمعت عيناه و نحّي رأسه فهو كاذب، و إلا صدّق. لكن لا بد من ضم اليمين اليه من المجني عليه و من غيره، أو مضاعفة اليمين عليه، علي نحو ما تقدم في السمع.

(مسألة 346): في ذهاب الشم من أحد المنخرين الأرش و الحكومة، نعم لو رجع إلي نقص نصف الشم ففيه الدية.

(مسألة 347): إذا ادعي المجني عليه ذهاب الشم من أحد المنخرين، فإن صدقه الجاني فذاك، و إن لم يصدّقه سدّ المنخر الصحيح سدا محكما ثم يختبر المنخر المصاب بالحراق، نظير ما تقدم، فإن لم ترجع دعواه إلي نقص مقدار الشم كفي يمين واحد.

(مسألة 348): إذا ادعي المجني عليه نقص الشم ففي تحديد مقدار النقص إشكال، فاللازم الرجوع للأرش و الحكومة بعد إثبات حدوث النقص بالطرق العامة في الدعوي.

(مسألة 349): إذا كان ذهاب الشم أو نقصه بجناية علي البدن تداخلت الجنايتان علي النحو المتقدم في المنافع السابقة.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 320

(مسألة 350): إذا ذهب النطق كله ففيه الدية كاملة. و إذا ذهب بعضه ثبت بعضها بالنسبة.

(مسألة 351): إذا ادعي المجني عليه ذهاب النطق كله، فإن صدقه الجاني فذاك، و إن لم يصدقه فإن كانت الجناية بضربه علي هامته ضرب علي لسانه بإبرة، فإن خرج الدم أحمر فهو كاذب، و إن خرج أسود فهو صادق. و إن كانت الجناية بنحو آخر كان علي الحاكم اختباره بما يراه دليلا و إجراء حكم التداعي العام، و علي كل حال لا بد من اليمين من المجني عليه و من غيره أو مضاعفة اليمين عليه علي نحو ما تقدم في السمع.

(مسألة 352): النقص في النطق يقاس علي حروف المعجم،

فتقسم الدية عليها، و يعطي المجني عليه من الدية بنسبة ما لا يفصح به منها.

(مسألة 353): الظاهر أن حروف المعجم التي تقسم عليها الدية ثمانية و عشرون حرفا- كما هو المشهور، و يقتضيه النظر في النصوص- بجعل الهمزة فيها دون الألف، لأنها هي التي تنطق بنفسها عرفا، و أما الألف فهي و إن عدت من الحروف عند أهل العربية، إلا أنها لا تنطق بنفسها بل تقوم بغيرها نظير قيام الحركة بالحرف، و نظير قيام الواو و الياء اللينتين به، لكن يحسن مع ذلك الاحتياط بالصلح.

(مسألة 354): لو كان المجني عليه لا يحسن العربية، و حروف معجم لغته مخالفة لحروف معجم اللغة العربية أشكل قياس نقص نطقه علي حروف معجم اللغة العربية، بل الأحوط وجوبا الرجوع فيه للأرش و الحكومة.

(مسألة 355): إذا ادعي المجني عليه نقص النطق، فإن صدقه الجاني فذاك، و إن لم يصدقه فلا بد من يمينه مع يمين غيره أو مضاعفة اليمين عليه علي نسبة ما نقص من كلامه، علي نحو ما سبق في نقص السمع.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 321

(مسألة 356): إذا كان ذهاب النطق أو نقصه بجناية علي البدن تداخلت الجنايتان علي نحو ما تقدم في ذهاب العقل.

(مسألة 357): في ذهاب الذائقة أو نقصها بحيث لا يميز الطعوم أو بعضها الأرش و الحكومة، و يرجع في طريق إثبات ذلك للطرق العامة في الدعوي، و لو كان ذلك بجناية علي البدن تداخلت الجنايتان علي نحو ما تقدم.

(مسألة 358): في ذهاب الصوت كله حتي مثل البحّة و الغنّة الدية كاملة، و في نقصه و عيبه الأرش و الحكومة. و لو كان ذلك بجناية علي البدن تداخلت الجنايتان، نظير ما تقدم.

(مسألة 359):

في الجناية علي الرجل الموجبة لعدم سيطرته علي بوله أو علي غائطه الدية كاملة، و كذا لو أوجبت الجناية فقد السيطرة عليهما معا، و يجري ذلك في المرأة إلا أن في سلس البول وحده لها ثلث ديتها. و لو كان ذلك بجناية علي البدن تداخلت الجنايتان نظير ما تقدم.

(مسألة 360): إذا أوجبت الجناية علي الرجل عجزه عن الجماع كان فيها الدية كاملة. و إن أوجبت له عدم إنزال المني ففيها الأرش و الحكومة.

(مسألة 361): من داس بطن إنسان حتي أحدث عمدا كان عليه القصاص أو يدفع ثلث الدية، و له اختيار أيهما شاء لا للمجني عليه. أما لو كان ذلك خطأ فعليه ثلث الدية لا غير، و الأحوط وجوبا الاقتصار في الحدث علي الغائط وحده أو هو مع البول، دون الريح و البول من دون غائط، بل المرجع فيهما الأرش و الحكومة.

(مسألة 362): في شلل العضو من اليد و الرجل و الأصابع و غيرها ثلثا دية ذلك العضو، نعم تقدم أن في العجز عن الجماع الدية تامة، مع أنه قد يرجع لشلل الذكر.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 322

(مسألة 363): تشارك المرأة الرجل في ديات المنافع المتقدمة ما لم تبلغ ثلث دية الرجل، فإذا بلغت ثلث الدية صارت المرأة علي النصف من الرجل، نظير ما تقدم في الفصول السابقة.

الفصل الخامس في دية الحمل و الميت و الحيوان

(مسألة 364): إذا كان الحمل نطفة فديته عشرون دينارا، و إذا كان علقة فأربعون دينارا، و إذا كان مضغة فستون دينارا، و إذا صار فيه العظام فثمانون دينارا، و إذا كسيت العظام لحما فمائة دينار من دون فرق بين الذكر و الأنثي، فإذا تمت خلقته و ولجته الروح كانت ديته دية النفس إن كان ذكرا

فألف دينار، و إن كان أنثي فخمسمائة دينار.

(مسألة 365): تمكث النطفة في الرحم أربعين يوما، ثم تصير علقة فتمكث أربعين يوما، ثم تصير مضغة فتمكث أربعين يوما فهذه مائة و عشرون يوما ثم تكون عظاما بعد ذلك، ثم تكسي لحما، فإذا تمّ للجنين خمسة أشهر فلا بد أن يكون قد ولجته الروح، و ليس المراد بولوج الروح ما تحسه الحامل من حركة الجنين في الشهر الرابع، بل ما يكون بعد تمامية خلقته قرب الشهر الخامس.

(مسألة 366): هل تتدرج الدية بتدرج المراتب المتقدمة، فإذا دخل في دور العلقة زاد علي العشرين دينارا دينارين دينارين حتي يتم دور العلقة في آخر الثمانين يوما فتتم له الأربعون دينارا، فإذا دخل في دور المضغة زاد دينارين دينارين حتي يتم دور المضغة في آخر المائة و العشرين يوما، فتتم له الستون دينارا و هكذا، حتي تتم المائة أولا، بل تنتقل الدية بين المراتب

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 323

الخمس دفعة واحدة، فتزيد عشرين عشرين دينارا حتي تتم المائة؟ وجهان، و اللازم الاحتياط بالصلح.

(مسألة 367): لا فرق في ثبوت دية الجنين بين الجناية عليه بإسقاطه حيا ثم يموت و بما يقتضي موته في بطن امه ثم سقوطه ميتا أو موتها قبل سقوطه و لو بسبب آخر.

(مسألة 368): إذا كان الحمل أكثر من واحد فلكلّ ديته.

(مسألة 369): إذا قتلت المرأة و هي حبلي فمات جنينها و لم يعلم أنه ذكر أو أنثي فديته نصف دية الذكر و نصف دية الأنثي.

(مسألة 370): إذا أفزع شخص رجلا عن زوجته حال الجماع فعزل عنها و أنزل المني خارج الفرج من دون أن يريد ذلك كان علي المفزع لصاحب المني عشرة دنانير.

(مسألة 371): إذا كان

الجنين من الزنا فديته إذا كان نطفة ستة عشر درهما، و إذا كان علقة اثنان و ثلاثون درهما، و إذا كان مضغة ثمانية و أربعون درهما، و إذا كان عظاما أربعة و ستون درهما، فإذا اكتسي اللحم فثمانون درهما، فإذا ولجته الروح فديته دية ولد الزنا ثمانمائة درهم إن كان ذكرا و أربعمائة درهم إن كان أنثي، و الذي يرث الدية هو الإمام. هذا إذا كان الزنا من الأبوين معا، أما إذا كان من أحدهما فقط فديته دية الحمل من غير زني و يرثها غير الزاني من الأبوين.

(مسألة 372): دية الحمل بجميع مراتبه علي القاتل في العمد و شبهه، و علي عاقلته مع الخطأ، كما هو الحال في دية الإنسان المولود.

(مسألة 373): من قطع رأس ميت مسلم أو فعل به ما يوجب موته لو كان حيا فعليه مائة دينار ذكرا كان الميت أو أنثي و لا كفارة عليه، هذا إذا كان عامدا.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 324

أما مع الخطأ فلا دية عليه، بل عليه كفارة قتل الخطأ لا غير.

(مسألة 374): في قطع أعضاء الميت و جراحاته الدية بالنسبة، و هي عشر ديته لو كان حيا.

(مسألة 375): لا يستحق وارث الميت ديته، بل تنفق في وجوه البر عنه، نعم إذا كان مدينا دينا لا تفي به تركته وجب وفاء الدين من ديته، و لو لأنه أفضل وجوه البر عنه، و كذا الحال في حجة الإسلام، بل الأحوط وجوبا تقديمها علي الدين.

(مسألة 376): إذا كان الميت ولد زنا مسلما فديته عشر ديته إذا كان حيا ثمانون درهما، نظير ما تقدم في الحمل قبل أن تلجه الروح.

(مسألة 377): الأحوط وجوبا دفع دية الميت للحاكم الشرعي ليصرفها

في وجوه البر عنه.

(مسألة 378): دية الجنين و الميت و إن سبق تقديرها بالدنانير، إلا أن المراد بها ما يساوي نسبة الدية المذكورة للدية التامة من جميع أصناف الدية المتقدمة و لا تختص بالدنانير، نعم لا يجري ذلك في دية ابن الزنا، بل هي تقدر بالدراهم لا غير.

(مسألة 379): كل حيوان قابل للتذكية- سواء كان مأكول اللحم أم لا- إذا ذكاه أحد بغير إذن مالكه عمدا أو خطأ فليس للمالك إلا أرش النقص، و هو تفاوت قيمته بين كونه حيا و كونه ميتا. و ليس له إلزام المذكي بأخذ الحيوان المذكي و دفع قيمته حيا. نعم إذا اتفقا معا علي ذلك فلا بأس به، و كذا إذا لم يكن للمذكي قيمة، كما في جملة مما لا يؤكل لحمه.

(مسألة 380): لا بد في تعيين الأرش من ملاحظة جميع ظروف الحيوان المذكي من الزمان و المكان و غيرهما بما في ذلك حال صاحبه، فإن قيمة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 325

الحيوان المذكي عند القصاب الذي يتهيأ له بيع اللحم ليست كقيمته عند المستهلك الذي لا يتهيأ له بيعه.

(مسألة 381): إذا قتل الحيوان- غير الكلب و الخنزير- من دون تذكية ضمن القاتل قيمة الحيوان، إلا أن يكون فيه بعد الموت ما ينتفع به و يكون له قيمة كأنياب الفيل فيستثني حينئذ من القيمة المضمونة، و كذا الحال في كل حيوان مملوك.

(مسألة 382): من جني علي غير الكلب و الخنزير بكسر أو جرح أو نحوهما كان عليه أرش العيب الحادث، و هو فرق القيمة بين واجد العيب و فاقده، و لا ضابط لذلك، بل هو يختلف باختلاف الحيوانات و الأحوال، نعم من فقأ عين حيوان ذي قوائم أربع

كان عليه ربع ثمنه.

(مسألة 383): من جني علي بهيمة حامل فأسقطت حملها كان عليه لصاحبه عشر قيمتها.

(مسألة 384): لا ضمان في الجناية علي الخنزير، إلا أن يكون لذمي ملتزم بشروط الذمة، فعلي الجاني قيمته إذا تلف و أرشه إذا تعيّب.

(مسألة 385): دية كلب الصيد المعلّم أربعون درهما.

(مسألة 386): من قتل كلب الحراسة للغنم و البستان المحوط بحائط لزمه قيمته، و الأحوط وجوبا ذلك في كلب الزرع غير المحوط، بل في مطلق كلب الحراسة، و أما بقية الكلاب فلا دية لها.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 326

الفصل السادس في العاقلة

و هي التي تتحمل عن الجاني دية الخطأ المحض، كما تقدم. و العقل هو تحمل الدية.

(مسألة 387): عاقلة الجاني هم الرجال من عشيرته، و هم الذين يتقربون إليه بالأب، كالإخوة و الأعمام و أولادهم و يدخل فيهم الآباء و إن علوا و الأبناء و إن نزلوا، و لا يشترك معهم الجاني نفسه.

(مسألة 388): يشترط في ضمان كل فرد من العاقلة التكليف- بالبلوغ و العقل- من حين الجناية إلي حين الأداء.

(مسألة 389): في سقوط العقل عن الفقير بالمعني الشرعي إشكال و الأظهر العدم، نعم لا إشكال في سقوطه عن العاجز الذي لا يجد ما يدفعه و لا يقدر عليه بالتكسب و نحوه، و لا يجب عليه الاستدانة، و لا بيع مستثنيات الدين.

(مسألة 390): لا فرق في العقل بين من يتقرب بالأبوين و من يتقرب بالأب وحده، و لا يتقدم الأول علي الثاني.

(مسألة 391): إذا لم يكن للجاني عشيرة كان عاقلته وليه المعتق له، فإن لم يكن له ولي معتق كان عاقلته ضامن الجريرة، فإن لم يكن ضامن الجريرة كان عاقلته الإمام عليه السّلام، نظير ما تقدم في طبقات الميراث.

لكن عقل الإمام لجنايته مشروط بأن لا يكون له مال، فإن كان له مال كان عليه أداء الدية من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 327

ماله، و لا يجب علي الإمام عقله.

(مسألة 392): إذا عجزت العاقلة عن أداء الدية كانت الدية في مال الجاني، فإن لم يكن له مال كان علي الإمام أداء الدية عنه.

(مسألة 393): إنما تتحمل العاقلة دية الخطأ المحض كما تقدم، أما دية العمد و شبه العمد فهي علي الجاني و في ماله، و يستثني من ذلك ما إذا هرب القاتل المتعمد فلو يقدر عليه و لم يكن له مال فإن الدية تؤخذ من قرابته الأقرب فالأقرب، فإن لم يكن له قرابة كانت ديته علي الإمام و لا يتعدي لغير ذلك كما تقدم في أول الفصل الثاني من أحكام القصاص.

(مسألة 394): تضمن العاقلة كل جناية عن خطأ محض، سواء كانت علي النفس أم علي الطرف أم كانت من سنخ الجروح و الكسور و نحوها، و تؤدي الجميع في ثلاث سنين، كما تقدم في دية النفس.

(مسألة 395): لا تضمن العاقلة الجناية إذا ثبتت بإقرار الجاني، بل تكون في مال الجاني نفسه. نعم إذا أقرت العاقلة نفسها بصدور الجناية الخطأ من الجاني لزمها إقرارها، و عليها أن تؤدي الدية. و كذا إذا ثبتت الجناية بالبينة فإنها تكون علي العاقلة.

(مسألة 396): إذا صالح الجاني المجني عليه بمال غير الدية لم تلزم العاقلة به، و كان في مال الجاني.

(مسألة 397): إنما تتحمل العاقلة دية جناية الخطأ من الجاني علي غيره.

أما لو جني علي نفسه خطأ فلا دية له، و لا تتحمل العاقلة شيئا.

(مسألة 398): لا تتحمل العاقلة من دية الخطأ في الجروح و نحوها إلا جرحا

يوضح العظم فما زاد علي ذلك، أما ما نقص عنه فعلي الجاني نفسه.

(مسألة 399): لا تتحمل العاقلة دية الحيوان أو أرشه، و إن كانت الجناية

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 328

عليه خطأ.

(مسألة 400): تقسّط الدية علي العاقلة بالسوية، من دون فرق بين الغني و الفقير و القريب و البعيد. و إن مات بعضهم قبل أداء حصته وزعت حصته علي الباقين، و لا يجب أداؤها من تركته.

الفصل السابع في موجبات الضمان
اشارة

و الكلام هنا لا يختص بالجناية علي النفس و البدن، بل يعم الجناية علي المال علي ما أشرنا إليه في كتاب الغصب، فالكلام هنا فيما يوجب تحمل درك ما وقع و ضمانه، فيستحق به القصاص بشروطه، و الدية في الجناية علي النفس و البدن، و الضمان بالمثل أو القيمة في الجناية علي المال. و أسباب الضمان ترجع إلي أمرين المباشرة و التسبيب، فالكلام في مقامين.

المقام الأول: في المباشرة:
اشارة

من استند إليه الحادث بالمباشرة يتحمل دركه و عليه ضمانه ما لم يكن من غيره تسبيب مضمن يرفع الضمان عنه، علي ما يتضح في الأمر الثاني.

(مسألة 401): لا بد في المباشرة الموجبة للضمان من صحة نسبة الفعل للمباشر عرفا، و لا يكفي مجرد استناده إليه علي نحو استناده للآلة، فمن ألقي حجرا من شاهق علي شي ء فكسره كان مباشرا للكسر و عليه ضمانه، أما إذا ألقاه من شاهق و لم يكن ذلك الشي ء تحته إلا أن شخصا وضع ذلك الشي ء تحت الحجر بعد إلقائه فأصابه الحجر فالمباشر عرفا هو الثاني الذي وضع الشي ء تحت الحجر، لا الأول الذي رمي بالحجر. و كذلك سائق السيارة فإنه إذا أصاب إنسانا أو حيوانا فقتله لا يكون مباشرا للقتل إلا إذا كانت إصابته له مستنده

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 329

لسيرة، أما إذا استندت لقفزان الشخص أو الحيوان أو دفع شخص آخر لهما أمامه بحيث لا يقدر علي تجنب إصابتهما لفقده السيطرة بسبب اندفاعه في السرعة فلا يكون مباشرا للقتل، بل يستند القتل إليهما، أو إلي من دفعهما.

(مسألة 402): يضمن الطبيب و البيطري و الممرض و إن لم يكونوا مباشرين للعلاج، علي تفصيل تقدم في كتاب الإجارة.

(مسألة 403): إذا انقلب النائم أو تحرك

فأتلف شيئا ضمن، و إن جني علي نفس إنسان أو بدنه كانت جنايته خطأ محضا فتحمله عاقلته.

(مسألة 404): إذا قتلت الظئر- و هي المرضعة لولد غيرها- الولد بحركتها أو انقلابها عليه حال نومها، فإن كانت قد أخذت الولد طلبا للعز و الفخر كانت جنايتها عليه في مالها، و إن كانت قد أخذته لفقرها أو لحاجته إليها أو غير ذلك كانت جنايتها علي عاقلتها. و يجري التفصيل المذكور في الجناية علي الولد بغير القتل من جرح أو كسر أو غيرهما.

(مسألة 405): إذا اصطدم شخصان فأصيب أحدهما أو كلاهما، فإن علم باستناد الإصابة لأحدهما لسرعة سيره تحمل ما يجنيه علي غيره. و إن علم باستنادها لهما معا أو احتمل ذلك ذهب نصف الجناية هدرا و ثبت نصفها علي الطرف المجني عليه أو علي عاقلته، فإن كانت الجناية علي أحدهما فقط كان علي الآخر أو علي عاقلته نصف ديته، و إن كانت عليهما معا كان علي كل منهما أو علي عاقلته نصف الجناية التي وقعت علي الآخر. نعم إذا اصطدم الفارسان فمات أحدهما و لم يعلم باستناد الجناية لأحدهما فقط كان علي الحي أو عاقلته دية الميت تامة.

(مسألة 406): إذا اصطدمت سيارتان أو سفينتان أو غيرهما، فإذا أصيب أحد السائقين أو كلاهما جري ما تقدم من التفصيل بين العلم باستناد الإصابة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 330

لأحدهما و عدمه. و أما إذا أصيب غير السائقين من الركاب فلا يذهب شي ء من الجناية هدرا، بل إن علم باستناد الإصابة لأحد السائقين فقط تحمل هو أو عاقلته تمام دية الجناية الحاصلة، و إلا كانت الجناية علي السائقين أو عاقلتهما بالسوية. و نظير ذلك دية الجنين لو كان الاصطدام بين

امرأتين كلاهما أو إحداهما حامل.

(مسألة 407): من أفزع إنسانا بصيحة أو غيرها فمات أو جن أو أصابه عيب آخر كان الضمان علي الصائح أو عاقلته، و كذا إذا تحرك حركة غير اختيارية بسبب فزعه فسقط من شاهق أو نحوه فمات أو كسر أو نحو ذلك، و نظيره أيضا ما إذا كان ذلك سببا لنفور الدابة فسقط راكبها فمات أو كسر، أو سقط مال تحمله فتلف.

(مسألة 408): من أخاف شخصا ففرّ منه أو تحرك حركة اختيارية بسبب خوفه فأصابه عطب أو كسر أو غيرهما ففي ضمان المخيف إشكال.

(مسألة 409): إذا سقط شخص من دون اختياره علي آخر فمات أو كسر أو جرح أو غير ذلك فلا شي ء علي الشخص الذي سقط.

(مسألة 410): إذا دفع شخصا علي مال فأتلفه كان الضمان علي الدافع و ليس علي المدفوع شي ء، و كذا إذا دفعه علي إنسان فجرحه أو كسره. أما إذا دفعه علي إنسان فقتله كانت دية المقتول علي المدفوع، و يرجع المدفوع بالدية علي الذي دفعه. و لو أصاب المدفوع شي ء كان علي الدافع.

(مسألة 411): من دعا غيره ليلا فأخرجه من منزله فهو له ضامن حتي يرجع إلي منزله، فيجب عليه ديته إذا جهل أمره، أو علم بموته، و إن لم يعلم أنه هو الذي قتله. نعم إذا علم بموته حتف أنفه من دون دخل لإخراجه من منزله فلا شي ء عليه. كما أنه لو علم بقتل غيره له كان لأوليائه الرجوع علي كل من

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 331

المخرج و القاتل، فإن رجعوا علي المخرج رجع علي القاتل بما دفع، و إن رجعوا علي القاتل لم يرجع علي المخرج بشي ء.

(مسألة 412): إذا دفع أهل الصبي الصبيّ

لامرأة لترضعه فدفعته لغيرها علي أن ترضعه من دون إذنهم ففقد الطفل أو مات كان لهم الرجوع علي التي دفعوه لها، فتجب عليها ديته في مالها. إلا أن يعلم بموته حتف أنفه من دون دخل لدفعه للأخري، كما أنه لو علم بقتل الطفل من شخص آخر كان لأوليائه الرجوع علي القاتل و علي التي دفعوه لها، علي نحو ما تقدم في المسألة السابقة. و الظاهر جريان ذلك فيما لو أصاب الطفل كسر أو جرح أو غيرهما من الأمور المضمونة.

تتميم:

يسقط الضمان عن المباشر في موارد.

الأول: ما إذا كان المجني عليه معتديا علي الجاني و كان الجاني مدافعا له عن اعتدائه، فإن المعتدي مهدور الدم و المال و لا سبيل علي المدافع، و يلحق بذلك من اطلع علي قوم في منزلهم ليشرف عليهم و ينظر إلي عوراتهم، فإن لهم أن يردعوه و يرموه فإن أصابوا عينه أو جرحوه أو قتلوه فلا دية له و كانت الجناية عليه هدرا.

الثاني: ما إذا كان المجني عليه معتديا علي طريق المسلمين، كالنائم في الطريق و الواضع متاعه فيه بنحو يزاحم المارة، فإنه إذا أصابه المار و جني عليه أو علي ماله من دون علم كانت جنايته هدرا و لم يكن عليه ضمان.

الثالث: ما إذا رمي في موضع قد يمر فيه إنسان و حذّر، فمر إنسان فأصابه و هو لا يعلم، فإنه لا دية له، بخلاف ما إذا لم يحذّر، فإنه إن أصابه كان له

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 332

الدية علي عاقلة الرامي. و كذا إذا خاطر المجني عليه بنفسه، فمرّ في المكان المعرض للجناية مع علمه بالحال فأصابه الجاني من دون عمد. و الأحوط وجوبا قصور ذلك عما

إذا كان الجاني معتديا في اختيار المكان الذي يرمي فيه، كما لو رمي في ملك المجني عليه من دون إذنه أو في طريق المسلمين.

الرابع: ما إذا كان المجني عليه أو وليه قد أذن في الجناية فيما إذا كان له السلطنة علي ذلك، كما في الجنايات الخفيفة غير الخطيرة، أو الخطيرة التي لها مبرر، كما في موارد دفع الأفسد بالفاسد عند العلاج، دون القتل أو تعطيل العضو الذي يتعرض معه الإنسان للخطر من دون مبرر، بل مطلق تعطيل العضو من دون مبرر و إن لم يتعرض معه للخطر علي الأحوط وجوبا. و ربما كان هناك موارد اخري قد تظهر عند الكلام في المقام الثاني.

المقام الثاني: في التسبيب.

(مسألة 413): لو فعل بشخص ما يعرضه للضرر و يعجز معه من التخلص منه فحصل الضرر عليه ضمن، كما لو كتفه أو حبسه فافترسه السبع أو جرفه السيل أو نحو ذلك. و كذا لو ألقاه في أرض مسبعة فافترسه السبع من دون أن يقدر علي التخلص منه. نعم لو كان الضرر بمباشرة شخص آخر مختار كان المباشر هو الضامن، كما إذا حبسه و ذهب فجاء شخص آخر فقتله. كما أنه لو لم يكن لما فعله به أثر في حصول الضرر عليه فلا دية له، كما لو مات حتف أنفه.

(مسألة 414): لو أغري شخص حيوانا- كالكلب و الأسد- بإنسان فجني عليه كانت الجناية و الضمان علي المغري، و كذا إذا أغري به صبيا غير مميز أو مجنونا. أما إذا أغري به صبيا مميزا أو كبيرا عاقلا فالجناية علي المباشر أو علي عاقلته، إلا أن يكون الإغراء بطريق الأمر و كان المأمور عبدا للآمر، كما تقدم في

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 333

فصل

قصاص النفس، نعم قد يستحق المغري التعزير، كما تقدم هناك أن الآمر يخلد في السجن عقوبة و حدا، فراجع.

(مسألة 415): إذا كان المجني عليه في المسألتين السابقتين قادرا علي التخلص من الجناية فتسامح و لم يفعل لم تكن الجناية مضمونة علي الحابس و المغري. فيجب عليه ديته إذا جهل أمره أو علم بموته و إن لم يعلم أنه هو الذي قتله.

(مسألة 416): من أضر بالطريق كان ضامنا لما يحدث بسببه من قتل أو جرح أو تلف مال، كما لو حفر فيه حفيرة فسقط فيها رجل أو حيوان، أو طرح حجرا، أو أثبت وتدا فعثر به المار، أو دق مسمارا في حائط في الطريق فجرح به المار أو شق ثوبه، أو نحو ذلك. و كذا لو ألقي قشرا في الطريق فزلق به المار فضره أو ضر ماله.

(مسألة 417): من نصب ميزابا أو غيره علي الطريق بنحو لا يضر بالمارة لعلوه و أحكمه، ثم وقع بزوبعة أو نحوها فأضر بنفس أو بدن أو مال فلا ضمان عليه.

(مسألة 418): من حفر في ملك غيره، أو وضع فيه شيئا، أو بني بناء بغير إذن المالك فهو ضامن لما يحدث بسببه علي المالك، و علي من يدخل فيه بإذن المالك. و أما ضمانه لما يصيب الداخل بغير إذن المالك عدوانا ففيه إشكال، و الأظهر العدم.

(مسألة 419): لا فرق في الضمان في المسألتين السابقتين بين أن يكون إحداث ما أحدث في الطريق أو في ملك الغير لمصلحة الطريق أو لمصلحة ذلك الغير و أن لا يكون كذلك. نعم لو أحدث ولي المالك في الملك شيئا بغير إذنه لم يكن ضامنا لما يحدث علي المالك بسببه إذا لم يكن مفرطا

منهاج الصالحين (للسيد

محمد سعيد)، ج 3، ص: 334

في حقه عرفا.

(مسألة 420): لا بد في الضمان فيما سبق من عدم تعمد المضرور المرور بالمكان مع الالتفات لما حدث فيه، فإن تعمد المرور بالمكان ملتفتا لما حدث فيه لتخيل تمكنه من تجنب الضرر فوقع في الضرر فالظاهر عدم الضمان علي من أحدث فيه ما أحدث، و أظهر من ذلك ما إذا أقدم علي الضرر و تعمد إيقاعه بنفسه أو ماله. بل لو كان يحمل نفسا أخري أو مالا لشخص آخر فتعمد العبور بالمكان لتخيل تجنب الضرر أو إقداما علي الضرر كان هو الضامن للضرر علي تلك النفس أو ذلك المال، دون من أحدث بالمكان ما أحدث.

(مسألة 421): من حفر شيئا في ملكه أو وضع شيئا فيه فهو لا يضمن ما يحدث بسببه لمن يدخل فيه بغير إذنه، بل حتي لمن دخل فيه بإذنه، إلا أن يكون مخدوعا و مغرورا من قبله.

(مسألة 422): من بني جدارا في ملكه أو في مكان مباح أو مأذون له فيه لم يضمن ما يحصل بسبب سقوط الجدار. نعم إذا سقط الجدار علي الطريق أو علي ملك إنسان غيره فأصاب المارة أو صاحب الملك و من يتعلق به و كان ذلك بتقصير من بأني الجدار لميلان الجدار أو عدم إحكامه كان الباني ضامنا لما حصل. و لو كان ذلك منه غفلة من دون تقصير ففي الضمان إشكال.

و هل الضامن هو المباشر للبناء أو صاحب الجدار الباذل لبنائه و الآمر به؟

الظاهر الأول.

(مسألة 423): لو بني الحائط محكما ثم طرأ عليه الخلل و صار في معرض السقوط كان لمن يتعرض للضرر- كالجار أو المارة- إصلاحه أو تهديمه بعد استئذان المالك و وجب علي المالك الرضا بذلك، و إن

امتنع لزم مراجعة الحاكم الشرعي. و لو منع المالك أو غيره من تهديمه بحيث تعذر ذلك فسقط،

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 335

فهل يكون المانع ضامنا لما يحدث بذلك من تلف في النفوس أو الأموال؟

إشكال. بل لا إشكال في عدم الضمان لو لم يكن المانع مقصرا لاعتقاده إحكام الحائط و لم يتدخل الحاكم الشرعي. و كذا إذا لم يلتفت أحد لحصول الخلل في الحائط و لم يطالب بإصلاحه أو تهديمه حتي سقط.

(مسألة 424): من وضع شيئا علي مرتفع و كان معرضا للسقوط فسقط و تلف، أو أصاب شيئا فأتلفه كان ضامنا لما حصل. و إن لم يكن معرضا للسقوط فسقط بشي ء غير متوقع من ريح أو نحوها فلا ضمان عليه.

(مسألة 425): لو أراد إصلاح سفينة في الماء فغرقت بفعله ضمن ما حصل من جناية علي النفس أو البدن مع عجز المجني عليه عن التخلص، أما ما أصيب فيها من مال فهو يضمنه حتي لو قدر صاحبه علي تخليصه فلم يفعل.

نعم لو كان مأذونا من قبل المجني عليه أو علي ماله في الإصلاح و لم يتجاوز ما اذن له فيه و تبرأ من ضمانه عليه فلا ضمان عليه، كما لو وقعت السفينة في خطر و طلبوا منه إصلاحها أملا بالنجاة فخاف من تفاقم الخطر فتبرأ من الضمان فقبلوا منه ففعل ما هو الأقرب بنظره لدفع الخطر فأخطأ، كما أنه لو اذن له في أمر خاص- كدق مسمار- ففعله غافلا عن ترتّب الضرر و حصل الضرر فلا ضمان و إن لم يتبرأ من الضمان.

(مسألة 426): من أجّج نارا في ملكه فإن كانت في معرض السراية لغيره فسرت و أتلفت كان ضامنا لتلفها، و إن لم تكن

في معرض السراية فسرت اتفاقا لطارئ غير متوقع فلا شي ء عليه. أما لو فعل ذلك في ملك غيره من دون إذنه كان ضامنا لما يحدث بسببها مطلقا.

(مسألة 427): يجب علي مالك الحيوان الصائل- كالبعير المغتلم و الكلب العقور و نحوهما- منعه و الاستيثاق منه، فإن فرّط في ذلك كان ضامنا لما يصيبه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 336

الحيوان من نفس أو بدن أو مال. و إن لم يكن مفرطا في ذلك فلا ضمان عليه، كما لو لم يعلم بحاله، أو استوثق منه و منعه فأفلت، نعم لا يجري ذلك في مثل الهرّة مما هو صائل بطبعه و يتعارف التحفظ منه بسبب توقع الابتلاء به فإن صاحبه لا يضمن ما يفسده، بل علي الناس التحفظ منه. إلا أن يخرج في وضعه عن المتعارف و يكون لجني صاحبه له أثر في إفساده و ابتلاء الناس به، بحيث لو لا ذلك لم يألف البيوت أو لم يفسد و لا يؤذي الناس ففي عدم ضمان صاحبه حينئذ لما يفسده إشكال.

(مسألة 428): إذا تعارف منع الحيوان في وقت دون وقت، فما أصابه ذلك الحيوان في الوقت الذي يتعارف منعه فيه مضمون علي صاحبه، و ما أصابه في الوقت الذي يتعارف عدم منعه فيه غير مضمون علي صاحبه، كالماشية التي يتعارف إطلاقها في النهار لترعي و منعها في الليل.

(مسألة 429): من دخل دار قوم بإذنهم فعقره كلبهم ضمنوا جنايته، و إن كان دخوله بغير إذنهم فلا ضمان عليهم، أما لو عقره الكلب خارج الدار فإن كان عقره ليلا فلا ضمان عليهم لتعارف إطلاقه للحراسة و تحفظ الناس منه، و إن كان عقره نهارا ضمنوا لعدم تعارف التحفظ منه، فيلزمهم منعه

لئلا يضر بالناس و يمنعهم من سيرهم.

(مسألة 430): يجوز قتل الحيوان الصائل بغير إذن صاحبه دفاعا عن النفس أو المال أو الأهل، بل قد يجب. و يجب أيضا لدفع ضرره الواجب الدفع، كما لو خيف منه علي مؤمن، لكن لو أمكن في الثاني الاستئذان من صاحبه وجب، و إلا فمن الحاكم الشرعي، و مع تعذره ليقتل بلا استئذان. أما قتله لغير ذلك- كالانتقام منه لو أفسد أو أضر- بغير إذن صاحبه فهو حرام، و حينئذ لو قتله من دون تذكية ضمن، و إن ذكاة و لو تذكية اضطرارية ضمن الأرش، و هو فرق ما بين قيمة الحيوان الحي و قيمة اللحم. أما إذا كان قتله دفاعا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 337

أو لدفع ضرره الذي تقدم في الصورتين الأوليين فإن التفت للتذكية فذكاه فلا شي ء عليه، و كذا إن ذهل عنها أو تعذرت فلم يذكه. أما إذا التفت للتذكية و لم يذكه تسامحا فهو ضامن لقيمته و هو حي، لأنه معتد حينئذ بقتله من غير تذكية.

و لا يكفيه أن يدفع قيمة اللحم المذكي.

(مسألة 431): من ركب دابة و سار بها بحيث كان هو المسيّر لها كان عليه ما أصابت بيديها و ليس عليه ما أصابت برجليها، أما إذا كان لها قائد يقودها أو سائق يسوقها من دون أن يكون للراكب دخل في سيرها فلا شي ء علي الراكب حتي إذا أصابت بيديها.

(مسألة 432): إذا ركب الدابة شخصان كان الضمان عليهما بالسوية.

(مسألة 433): من قاد دابة كان عليه ما أصابت بيديها حال سيرها و ليس عليه ما أصابت برجليها.

(مسألة 434): من ساق دابة كان عليه ما أصابت برجليها حال سيرها، و في ضمانه لما أصابت بيديها

إشكال.

(مسألة 435): إذا وقف الراكب بدابته كان عليه ضمان ما تصيب بيديها و رجليها.

(مسألة 436): الدابّة الواقفة من دون راكب إذا أصابت شيئا فلا ضمان علي أحد. نعم إذا وقف بها شخص في طريق المسلمين فأضرت بالمارة كان ضامنا لضررها، لما سبق من حرمة الطريق.

(مسألة 437): إذا سارت الدابة بنفسها من دون سائق و لا راكب و لا قائد فأصابت شيئا فلا ضمان علي أحد إلا مع التفريط.

(مسألة 438): ما سبق في المسائل المتقدمة من ضمان من سبق مختص بما إذا لم يكن هناك من تستند إليه الجناية عرفا، و إلا كان هو الضامن، كما إذا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 338

نخس يدها أو رجلها شخص آخر فضربت برجلها شيئا فأضرت به، كما أن ما سبق من عدم ضمانهم لما تصيبه برجليها أو يديها مختص بما إذا لم يفرطوا، أما مع تفريطهم فعليهم الضمان مطلقا، كما إذا أدخلها شخص في مزرعة غيره من غير إذنه فأتلفت الزرع، أو أوقفها قرب المزرعة و لم يربطها فدخلت و أتلفت الزرع، و نحو ذلك.

(مسألة 439): إذا ألقت الدابة راكبها لم يضمن مالكها ما يصيبه، إلا أن ينفرها هو أو غيره، فيضمن المنفر لها، لاستناد الجناية إليه.

(مسألة 440): إذا اجتمع سببان من أسباب الضمان المتقدمة أو أكثر، و استندت الجناية للجميع اشترك في الضمان فاعل الجميع، كما إذا وضع أحد حجرا في الطريق، و حفر آخر حفيرة فيه، فعثر أحد المارة بالحجر فسقط في الحفيرة فمات، فإن ديته تكون علي الشخصين معا يشتركان فيها. نعم إذا لم يكن أحدهما معتديا فالضمان علي المعتدي، كما لو وضع صاحب الحجر الحجر في ملكه و حفر الآخر في الطريق فعثر شخص

بالحجر و سقط في الحفيرة فمات، فإن ديته تكون علي حافر الحفيرة.

(مسألة 441): من خدع شخصا فأصابه بسبب ذلك ضرر علي النفس أو البدن ضمن ما أصابه، كما إذا دعاه للسير في طريق فيه حفيرة يخشي منها أو حيوان كاسر و كان الداعي عالما بذلك و المدعو غافلا عنه فسار فيها فسقط فمات أو كسر، و كذا لو دعاه لطعام أو شراب مسموم، أو غير ذلك.

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 339

خاتمة في الفصول العشائرية

تعارف في أوساط العشائر- خصوصا من أهل الأرياف و البوادي- إجراء عقوبات و ضمانات تحل بها المشاكل الناجمة عن تعدي بعضهم علي بعض، و هي قد تبتني علي أمور.

الأول: تحكيم رؤساء العشيرة أو من يرتضونه في حل النزاع. و هذا أمر لا يحل شرعا، فإن الحكم في ذلك للحاكم الشرعي، و هو الفقيه العادل المأمون علي الدنيا و الدين، و الذي لا تأخذه في اللّه لومة لائم. و علي ذلك يحرم منهم الحكم حتي لو كان علي طبق الحكم الشرعي، و لا ينفذ في حق الآخرين، فإنه من حكم الطاغوت، و قد قال تعالي يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَي الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَ يُرِيدُ الشَّيْطٰانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلٰالًا بَعِيداً. نعم إذا لم يبتن الرجوع لهم علي تحكيمهم، بل علي مجرد استئمانهم علي بيان الحكم الشرعي و تنفيذه جاز ذلك. و لزمهم التحفظ في أخذ الحكم بالرجوع لمن يجب تقليده من العلماء، علي ما هو مذكور في محله، و وجب علي الآخرين تنفيذه إذا تأكدوا من عدم خطئهم في معرفته.

كما أنه لو كان الرجوع لهم من أجل الرضا بما ينسبونه و يرجحونه في حل المشكلة من دون حكم منهم و

لا إلزام بما ينسبون، حل الرجوع لهم و حل منهم التدخل في حل المشكلة. لكن لا ينفذ ما ينسبونه في حق كل أحد إلا برضاه، و لا يحل لأحد أن يجبره عليه.

الثاني: البناء علي أن بعض الأمور جنايات تستدعي الضمان و العقوبة

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 340

مع أنها ليست من الجنايات شرعا، كتزوج الرجل المرأة من غير رضا أهلها و عشيرتها، و أخذها لبيته الذي هو إما باطل شرعا- كما إذا كانت بكرا و كان أبوها موجودا- من دون أن يكون جناية يستحق بها الضمان و العقاب، أو صحيح يحرم المنع من إيقاعه، كما يحرم السعي لنقضه بعد إيقاعه، فالحكم بأن هذه الأمور جنايات حكم بغير ما أنزل اللّه تعالي، و قد قال عز اسمه وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ. و قال سبحانه وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ. و قال تعالي وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ. و قال عز و جل أَ فَحُكْمَ الْجٰاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّٰهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. كما أن بعض الأمور جرائم و آثام إلا أنها ليست من الجنايات المضمونة بالمال أو المعاقب عليها من قبل الناس، بل لا تقتضي إلا الردع نهيا عن المنكر، كالزنا و العياذ باللّه، فالحكم فيها بالضمان حكم بغير ما أنزل اللّه أيضا.

الثالث: إلزام عشيرة الجاني بجنايته و تحميلهم دركها من ضمانات أو عقوبات، و لا يشرع من ذلك إلا حمل العاقلة لدية الخطأ المحض، علي ما تقدم تفصيله. و الحكم بغير ذلك حكم بغير ما أنزل اللّه، و لا ينبغي للمؤمن انتهاك حرمة اللّه تعالي فيه.

الرابع:

جعل عقوبات و ضمانات ما أنزل اللّه تعالي بها من سلطان علي الجاني أو عشيرته، و الكلام فيه كما سبق.

نعم إذا ابتنت هذه الأمور الثلاثة علي التنسيب لحل المشكلة من دون حكم و إلزام فلا بأس به، و لا ينفذ علي أحد إلا أن يرضي بالقيام به بطيب نفسه، نظير ما تقدم في الأمر الأول.

(مسألة 442): المال المدفوع إن لم يكن بعنوان الدية لم يشرع جعله و لا

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 341

أخذه، إلا إذا كان جعله بعنوان التنسيب و دفع برضا صاحبه، كما سبق. و كذا إن كان بعنوان الدية لأمر ليس هو جناية شرعية يستحق بها الدية. و إن كان بعنوان الدية لجناية لها دية شرعا بحيث كان مستحقا شرعا فهو يعود للمجني عليه أو لوارثه كما تقدم، و لا يجوز لغيرهما من أفراد العشيرة أخذه، و لا أخذ شي ء منه إلا برضاه، و إذا لم يدفع للمجني عليه و لا لوارثه، بل دفع لرئيس العشيرة- مثلا- فلا تبرأ ذمة الجاني إلا بعد وصوله لهما. نعم إذا كان المجني عليه أو وارثه قد و كل رئيس العشيرة أو غيره في القبض عنه برئت ذمة الجاني بالدفع للشخص الذي و كله، و كان علي ذلك الشخص إيصال المال للمجني عليه أو لوارثه أو لمن يرضي بإيصاله له.

(مسألة 443): كثيرا ما تكون الدية المدفوعة أقل من الدية الشرعية.

و حينئذ لا تبرأ ذمة الجاني إلا برضا المجني عليه أو وارثه و إبرائهما. و إذا كان المجني عليه أو وارثه قاصرا لم يكن لوليه الإبراء عنه، لأنه مخالف لمصلحته، بل تبقي حصته بتمامها في ذمة الجاني لا تبرأ ذمته إلا من مقدار ما دفع.

(مسألة 444):

إذا رضي المجني عليه أو وارثه بالدية فليس لهما بعد ذلك حق الشكاية علي الجاني و طلب عقوبته حسب القوانين الوضعية. نعم ليس عليهما السعي لرفع العقوبة عنه إذا كان اعتقاله بمقتضي الحق العام تبعا للقانون الوضعي، إلا باتفاق خاص زائد علي دفع الدية.

(مسألة 445): لا يجوز الاشتراك في «المشية» التي هي مقدمة للحكم بالفصل إذا ابتني علي الخروج عن الميزان الشرعي حسبما بيّن فيما سبق. نعم إذا كان الغرض من «المشية» الشفاعة من أجل العفو أو التخفيف ممن بيده شرعا ذلك فلا بأس بالاشتراك فيها. و كذا إذا كان الغرض منها التوسط للإصلاح و وقف الفتنة من دون نظر لكيفية الحل، و لا إعداد له، و لا اشتراك فيه، لحث الشارع الأقدس علي إصلاح ذات البين، بل قد يجب ذلك علي من يستطيعه

منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد)، ج 3، ص: 342

و يحسنه، كما إذا خيف من تركه تفاقم الفتنة و ما يستتبع ذلك من انتشار الفساد و إراقة الدماء و انتهاك الحرمات.

و نسأله سبحانه و تعالي أن يسدد المصلحين و الساعين في الخير، و يوفق المؤمنين للتمسك بدينهم، و التزام أحكامه و تعاليمه، و عدم الخروج عنها إلي تعاليم الجاهلية، و نبذ الحمية و العصبية. إنه الموفق و المعين، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

انتهي الكلام في كتاب القصاص و الديات، آخر نهار السبت العشرين من شهر جمادي الثانية، الذي هو يوم ذكري الميلاد المبارك الميمون لام الأئمة المعصومين فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين صلوات اللّه تعالي عليها و علي أبيها و بعلها و بنيها أجمعين، من سنة ألف و أربعمائة و سبعة عشر للهجرة النبوية علي صاحبها و آله أفضل الصلاة و التحية، في

النجف الأشرف ببركة المشهد المشرّف علي مشرفه الصلاة و السّلام، و به ختام الجزء الثالث من رسالتنا (منهاج الصالحين) المشتمل علي القسم الثاني و الأخير من أحكام المعاملات.

و نسأله سبحانه و تعالي العون و التوفيق و التأييد و التسديد، مع قبول السعي و صلاح النية و حسن العاقبة في جميع الأمور و تمام العافية و السعادة في الدنيا و الآخرة، و ما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت و إليه أنيب.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.